الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / تونس / الثورتان التونسية والمصرية وتحديات المرحلة الراهنة

الثورتان التونسية والمصرية وتحديات المرحلة الراهنة

توصلنا من الرفيق عواد أحمد المناضل في الحزب الشيوعي العمالي العراقي بهذا المقال الهام حول التحديات المطروحة على الثورتين المصرية والتونسية، وأزمة القيادة الثورية.


مطالب شباب مصر المعتصمين في ميدان التحرير

تواجه منطقة الشرق الأوسط العربية وشمال أفريقيا منعطفات تاريخية حادة وأوضاع ثورية متفجرة، فالثورتين التونسية والمصرية فتحتا الباب على مصارعه لانتقال شرارة الثورة الجماهيرية إلى أقطار أخرى، ومنها الأردن واليمن وغدا العراق وربما سوريا أيضا. ولطالما قرأنا عن الثورات في العالم، وأبرزها الثورتان الفرنسية والروسية، وتمعنا كثيرا في الدروس المستوحاة منهما. ويبدو أننا نعيش اليوم في نهاية العقد الأول من القرن 21 عصر ثورات جديدة بدأت في العالم العربي ولا احد يعرف أين ستمتد وأين ستنتهي. في سياق وضع عالمي متفجر وأزمة عميقة تعيشها الرأسمالية العالمية بدأت منذ سنوات وما زالت مستمرة حتى اليوم.

إن ما حدث في تونس وما يحدث في مصر الآن هي ثورات اجتماعية جماهيرية، وهي في الأساس نتاج لأزمة اجتماعية عميقة متراكمة تتمثل في تلك المساحة الواسعة من الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي والاجتماعي الهائل، إضافة إلى وجود أنظمة سياسية ديكتاتورية ومستبدة، وعلى سبيل المثال فإن نظام مبارك في مصر كان حتى اليوم هو نظام الرأسماليين ورجال الأعمال والأغنياء وهم الذين يوزّرون ويدخلون مجلس الشعب وهم يمثلون قلة قليلة من المجتمع في مقابل الأكثرية الساحقة من الجماهير المفقرة والمهشمة وكان لابد من هذا التراكم النوعي والكمي للصراع الطبقي من تفجر ما أصبح يعرف بحركة 25 يناير أي انتفاضة الشباب والكادحين والمهمشين.

إن الثورة الجماهيرية الاجتماعية في مصر أصرت على مطلب واحد أساسي وهو إسقاط النظام ولست هنا بصدد شرح الملابسات التي رافقت انتفاضة جماهير مصر منذ أكثر من أسبوع وحتى الآن والتي أجبرت النظام على قبول جميع مطالب الجماهير ومنها ترك الرئيس مبارك للحكم بعد انتهاء ولايته الحالية وإجراء إصلاح سياسي يتمثل في بدء حوار مع المعارضة وتعديل المادتين 76 و77 من الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في نهاية المطاف.

المهم أن ندرك أن هذه الحركة وملابساتها تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات نظرا للتدخلات الأمريكية والغربية، ومنها الاحتمال الأكثر تحققا هو أن النظام المصري وبمعاونة أصدقاءه الامبرياليين سوف يستوعب هذه الحركة، ويقدم لها تنازلات سياسية، وهو ما يحصل الآن وسيجري تغيير سياسي على هيكلية النظام يتجلى في مزيد من الليبرالية والحرية السياسية في محاولة لخداع الجماهير المنتفضة واستيعاب زخم انتفاضتها وسيراهن على تعب وملل المنتفضين وبالتالي لن يكون هناك حل جذري للازمة الاجتماعية العميقة أزمة الفقر والتهميش والتفاوت الطبقي الحاد الموجود في مصر، هذا لا يعني انه قد تجري بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تمس مباشرة حياة الناس ولو جزئيا.

إن أزمة الاقتصاد المصري تعكس أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي، فالرأسمالية في مصر كنزت الأموال وصادرت حقوق وحياة الجماهير ووصلت مشاريع الاستثمار “والتطوير” إلى طرق مسدودة بسبب فساد الأجهزة الحاكمة المتمثلة بقادة الحزب الوطني الحاكم من كبار رجال الأعمال والملاك. إن التمايز الطبقي تجلى في أوضح صورة في نظام مبارك حيث توجد طبقتين اجتماعيتين إحداهما أقلية قليلة تمللك السلطة والثروة والامتيازات، باختصار تملك كل وسائل الرفاه والعيش الرغيد، والاكثرية الساحقة من المجتمع المصري من العمال والكادحين والشباب العاطلين والمهمشين الذين لا يملكون في معظمهم قوت يومهم، هذا هو السبب الجوهري لتفجر الثورة وإصرار الجماهير المنتفضة على إطاحة النظام، لأنها لم تعد تملك شيئا تخسره سوى قيودها وأغلالها.

إن الامبريالية الغربية وأمريكا تملك إمكانية التحكم والتأثير في الثورات الجماهيرية والشعبية وفق أجندة خاصة بها، هذا إذا علمنا أن أمريكا باعتبارها الدولة الامبريالية الأقوى في العالم تلعب دور الوصاية على الشعوب. ودور الشرطي العالمي وتحاول إملاء تصوراتها وسياساتها على الآخرين وكأنهم “أولاد قاصرين”.

إن هذا يفسر أسباب جميع التصريحات والتحركات المحمومة لقادة الامبريالية بدءا من أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومبعوثيه بايدن وغيره، إلى تصريحات المستشارة الألمانية ومعظم قادة الاتحاد الأوربي بضرورة الإسراع بما يسمى “التحول الديمقراطي بطريقة سلسلة” وذلك لمصادره الاتجاه الاجتماعي والثوري للجماهير المنتفضة، وخوف الغرب إذا ما فلت من أيديهم الزمام أن يأتي نظام جديد معادي للغرب وإسرائيل.

ولا تتورع الدول الامبريالية الغربية وأمريكا في الادعاء المرائي والكاذب حول حرية الشعوب وضرورة “الإصلاحات الديمقراطية” ومحاربة البطالة والفقر الخ، وذلك لتوفير الدعم السياسي والمعنوي للقوى السياسية والطبقات الموالية لها، وفي حقيقة الأمر فإن الامبريالية العالمية ترغب وتدعم إقامة أنظمة سياسية هزيلة وغير مستقرة لتتمكن من إبقاء هيمنتها ونفوذها السياسي والاقتصادي.

إن بعض أشباه الزعماء من الليبراليين المشبعين بالثقافة الغربية، من أمثال البرادعي وغيره، الذين يطرحون أنفسهم كدعاة للإصلاح متوافقون مع الإخوان المسلمين وبقية الحركات الأصولية الإسلامية في ضرورة إيجاد مخرج عن طريق إيجاد نظام ليبرالي وديمقراطي على الطريقة الغربية وبالتالي إعادة إنتاج الرأسمالية في مصر مع بعض “التحسينات الممكنة” هذا إذا علمنا (( أن الأزمة الرأسمالية على الصعيد العالمي أو في مصر لن تنتهي في وقت قريب. وبالتالي فلا وجود لأية إمكانية لإصلاحات جادة لصالح الجماهير.))

إن الطبقات الحاكمة في تونس ومصر، التي تمثل جوهريا النظام القائم، اضطرت إلى إجراء بعض التعديلات السياسية والحكومية لطرد الرموز المكروهة جماهيريا من السلطة من أجل الحفاظ على بقائها واستمرارها وتجنب استمرار التظاهرات والغضب الجماهيري، ولتأمين عملية انتقال “سهلة ” إلى الديمقراطية، ستؤدي إلى تغيير كثير من القوانين، هذا مؤكد لكن الأمر سيظل شكليا. لا يمكن للديمقراطية الليبرالية وعن طريق الإصلاحات السياسية فقط معالجة المشاكل الاجتماعية العميقة أي القضاء على الفقر والبطالة وإيجاد وظائف للخريجين والعاطلين أو ضمان بطالة وتعديل الأجور بشكل يتوافق مع مستويات التضخم، بل العكس سيؤدي نظام ما يسمى اقتصاد السوق إلى توسيع الفجوة القائمة بين الأغنياء والفقراء والى تعميق حدة الصراع الاجتماعي وسيكون التغيير في النهاية شكلي إلى أبعد حد، سيتم التداول السلمي للسلطة والتنافس الحزبي ووضع قواعد اللعبة الديمقراطية … لكن الوضع الاجتماعي لن يتغير جوهريا، في واقع الأمر وبحكم سيكولوجية الشعوب الشرقية وثقافتها الدينية والقبلية وبحكم التنافس الشديد وحب السلطة والحكم لدى الناس عموما وبحكم التاريخ لن تتشكل في المدى المنظور دول ديمقراطية قائمة على سلطة القانون والمؤسسات بل دول ضعيفة وهزيلة كلبنان والعراق قائمة على كاريكاتير الديمقراطية الغربية. تنخرها مختلف أشكال الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والسياسية.

إن القوى اليسارية الحقيقية لا تملك القدرة الكاملة والنفوذ الاجتماعي لإنجاح مثل هذه الثورات الجماهيرية، وتحقيق أهدافها في إزالة النظام الرأسمالي، هذا يستوجب منها أن تضع في الحسبان استخلاص الدروس مما جرى ويجري في تونس ومصر، وتعد العدة لإيجاد قاعدة اجتماعية عريضة من الشباب والشرائح الاجتماعية الكادحة ذات المصلحة الحقيقية في التغيير الثوري ما يمكّنها من التحكم في أي حركة جماهيرية مقبلة ويؤمن لها تحقيق الأهداف الاجتماعية.

وجود حزب ماركسي عمالي وثوري قبل الثورة شرط أساسي لنجاح أي ثورة، من الممكن لهكذا حزب يملك برنامجا ثوريا واضحا للتغيير، وشرط توفر القيادة وحتى لو كان صغيرا أن ينمو خلال المراحل المختلفة للسيرورة الثورية ويصبح حزبا جماهيريا، يتمكن من توجيه وقيادة الطبقة العاملة والجماهير ويؤمن لها الوصول إلى السلطة السياسية.

إن أزمة اليسار الثوري العربي في المقام الأول وكما قال تروتسكي تتلخص في عدم وجود ” قيادة ثورية” قادرة على المبادرة وإدراك متغيرات المرحلة التاريخية الراهنة، قيادة من طراز (لينين والبلاشفة) تتمكن من التأثير في معادلة القوى محليا وعالميا بما يؤمن لها النجاح.

إننا دخلنا وبلا ريب عصر الثورات الجماهيرية الكبرى، والنظام الرأسمالي يحتضر وهو يعيش أزمة خانقة على المستوى المحلي والعالمي، ستؤدي بلا أدنى شك إلى كسر الحلقات الأضعف في السلسلة الرأسمالية. وبالتالي فإن الثورات الجماهيرية الحالية في مصر وغيرها لن تحقق أهدافها الاجتماعية إذا لم تكن ذات أفق اشتراكي فإما ثورة اشتراكية أو مسخ من ثورة كما قال الثائر الخالد جيفارا.

عواد احمد
الاثنين: 07 فبراير 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *