الثورة المصرية

أمس الجمعة 28 يناير 2011. انتشر لهيب الغضب في كل مصر ولا شيء يمكنه إيقافه. ومصير نظام مبارك ظل معلقا على كفة ميزان. اليوم وبالأمس كانت هناك اشتباكات عنيفة في شوارع القاهرة والمدن المصرية الأخرى، حيث دخل الصراع على السلطة مرحلة جديدة. كانت الدعوة للخروج في احتجاجات حاشدة بعد صلاة الجمعة. وحذر النظام من أن القيام بأي احتجاجات سوف يقابل بالقوة من طرف الدولة. كان المسرح يهيأ لمواجهة مثيرة.

محتجون يوم 28 يناير – الصورة لموناسوش

لقد أصبح الوضع متفجرا بسرعة غير عادية. في الأيام القليلة الماضية، خرج مئات الآلاف من الشعب إلى الشوارع مطالبين بالحرية. وبشجاعة مثيرة للإعجاب، اتحدوا ضد الهراوات والرصاص والغاز المسيل للدموع التي قابلتهم به الشرطة. واليوم هم في مواجهة إطلاق نار حقيقي. إن الاحتجاجات التي كانت تتكون في الغالب من الطلاب أصبحت تتضخم الآن وانضم إليها جيش من الفقراء والمحرومين من الأحياء الفقيرة في القاهرة ومدن أخرى. كتب روبرت فيسك:

«لقد كانت هناك أدلة مختلفة على أن السلطات في القاهرة كانت قد أدركت أن شيئا ما سيحدث. لقد قال لي العديد من المصريين في 24 يناير، أن رجال الأمن كانوا يأخذون صور جمال مبارك من الأحياء الفقيرة – لئلا تثير الحشود. ثم قامت الشرطة بعدد كبير من الاعتقالات، والقمع في الشوارع – من النساء كما الرجال – وحمل شبه انهيار سوق الأوراق المالية المصرية علامات الذعر بدلا من المكر».

هل يمكن أن ينجح القمع؟

تواجه الثورة تحديا رهيبا. لدى النظام مليون ونصف من الجنود في جهازها الأمني، والذي يصرف علي الملايين منهم بسخاء للحفاظ على الولاء. والغرض من هذا الجهاز المخيف ليس الدفاع عن مصر ضد المعتدين الأجانب. وليس محاربة إسرائيل. بل للحفاظ على الشعب المصري راكعا. ولكن، هل يمكن أن ينجح الأمر؟

على الورق، هي تعتبر قوة هائلة، ضد الشعب الذي ليس لديه فرصة للنجاح. ولكن يمكن للمرء أن يقول نفس الشيء عن كل نظام مستبد في التاريخ. لويس السادس عشر ملك فرنسا، القيصر نيكولاس في روسيا، وشاه إيران، جميعهم امتلكوا جهازا من القمع كان أقوى بمائة مرة من جهاز الرئيس حسني مبارك. ولكن في لحظة الحقيقة انهارت هذه الوحوش القوية مثل بيت من ورق.

لكن كشف مثل هذه القوة العارية، ليس دليل قوة بل دليل ضعف: إن الحفاظ على قوة الشرطة والجيش يعني إن الحكومة عاجزة. لقد لاحظ نابليون ذات مرة أنه يمكن للشخص أن يفعل أشياء كثيرة بالحراب، ولكن لا يمكنه الجلوس عليها. في التحليل النهائي، الجيش والشرطة هما قاعدة ضيق جدا لتعزيز النظام الذي لا يحظى بالشعبية. لقد صدمت ودهشت السلطات عندما أيقنت أن جهاز القمع لا يمكنه أن يوقف الاحتجاجات. إن طابعها العفوي هو نفسه من وفر لها حماية معينة ضد الدولة، وعلى الرغم من أنها ضعيفة إلا انه من شأنها أن يكون لها آثار سلبية في وقت لاحق.

اليوم، يحشد النظام كامل قواته لإجهاض الثورة. وأمرت نخبة من أعضاء وحدة شرطة مكافحة الإرهاب لتولي مناصب في مواقع رئيسية في جميع أنحاء القاهرة استعدادا لموجة من التجمعات الحاشدة. ومنذ الساعات الأولى من الصباح كانت قوات الأمن تتخذ بالفعل مواقعها في جميع النقاط الرئيسية في محاولة لمنع المتظاهرين من التجمع.

لكن كل هذه التدابير من دون جدوى. لقد تدفق المتظاهرون إلى الشوارع بأعداد أكبر من ذي قبل. كان هناك 80000 متظاهر في بورسعيد، 50000 في بني سويف، على بعد 100 كيلومتر جنوب القاهرة، ومظاهرات كبيرة في مدينة الإسكندرية والسويس وغيرها. كما حصل في إيران العام الماضي، فإنه من المستحيل إلقاء القبض على منظمي مظاهرات، تم تنظيمها من خلال الفيس بوك وتويتر. إن جيش المخبرين عاجز عن مكافحة هذا الأمر.

لقد حاولت الدولة منع الفايس بوك. وأغلقت باستمرار الإنترنت والهواتف النقالة. لكن أثبتت الجماهير أنها ستذهب خطوة واحدة إلى الأمام. لقد عثر المدونون على سبل لتجاوز الضوابط ونشر المعلومات. وبحلول منتصف النهار (في لندن) عرضت شاشات التلفزيون مشاهد من الصراع الكبير في شوارع العاصمة المصرية. وكانت صفوف الشرطة غير قادرة على احتواء المظاهرات. وأظهرت التغطيات التلفزيونية، جماهير من المتظاهرين يدفعون صفوف الشرطة والشرطة تتراجع وهي في حالة فوضى.

بعد مطاردة الشرطة، أصبح آلاف من المتظاهرين قادرين على اختراق ميدان التحرير في وسط المدينة، بعدما تمت محاصرتهم طيلة اليوم بسبب الوجود المكثف للشرطة. يمكن أن نلاحظ العدد القليل لرجال الشرطة في الساحة بعد المواجهة. عند نقطة معينة، تعطي أعمال العنف التي تقوم بها أجهزة أمن الدولة نتائج عكسية. وبدلا من إثارة الخوف، فإنها تثير السخط والغضب. في مدينة السويس هاجم الناس الشرطة الذين أطلقوا النار، كما قام المتظاهرون بإحراق مركز للشرطة. وعندما تصل الأمور إلى هذه النقطة، تظهر الشقوق دائما في صفوف القوات الحكومية. ويتردد معظم الجنود العاديين ورجال الشرطة في قتل المواطنين وسوف يرفضون تنفيذ أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين العزل. وفي السويس كانت هناك تقارير عن مثل هذه الحوادث.

دور الشباب

المحتجون بعد استيلائهم على سيارات الشرطة – الصورة لموناسوش

إن المتظاهرون الذين تدفقوا إلى الشوارع، في جميع أنحاء مصر، في الأيام الأخيرة، هم أساسا من الشباب المصريين، العاطلين عن العمل وبدون أي مستقبل. وقال أحد الشباب المصريين لبي بي سي: “نحن فقراء. ليس لدينا عمل ولا مستقبل. ماذا ينبغي أن نفعل؟ هل ينبغي لنا أن نحرق أنفسنا؟” إن الأمل الوحيد لهؤلاء الشباب هو النضال من أجل إحداث تغيير جوهري في المجتمع. إنهم يلقون جانبا كل الخوف وهم على استعداد للمخاطرة بحياتهم والنضال من أجل الحرية والعدالة.

إن العديد من المتظاهرين هم من طلاب الجامعة الذين لا يستطيعون العثور على عمل، وبالتالي فهم غير قادرين على الزواج وتكوين أسرة. ويدفعهم شعور عميق بالظلم والغضب والاستياء من نظام يحرمهم من المستقبل، إنه النظام الفاسد الذي أثرى نفسه على حساب الشعب.

ولقد أعجب مراسل الغارديان في القاهرة، علاء الأسواني، الذي شارك في مظاهرة كبيرة يوم الثلاثاء الماضي، “بالشجاعة المبهرة” للمحتجين، وأعجب بعزمهم على فعل شيء واحد — هو تغيير النظام:

«سوف أكون دائما في حالة رهبة من هذه الثورة. كل ما كانوا ينادون به، يظهر الوعي السياسي الحاد والرغبة في تحدي الموت من أجل الحرية. طلبوا مني أن أقول بضع كلمات. وعلى الرغم من أنني تحدثت مئات المرات في العام، إلا انه في هذه المرة كان الأمر مختلفا: لقد كنت أتحدث إلى 30000 من المتظاهرين الذين لم يكونوا في مزاج للاستماع إلى الحلول الوسط والذين حافظوا على رفع صيحاتهم بـ “يسقط حسني مبارك”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”»

«قلت إنني فخور بما حققوه، وأنهم سيعلنون نهاية فترة الاضطهاد، مضيفا أنه حتى لو تعرضنا للضرب أو الاعتقال فإننا أثبتنا أننا لا نخاف وأننا أقوى مما كنا عليه. إن لديهم أشرس أدوات القمع في العالم، ولكن لدينا أقوى شيء: شجاعتنا وإيماننا في الحرية. وردت الحشود صارخة بشكل جماعي: “نحن سوف نستكمل ما بدأناه!”» (الغارديان، الخميس 27 يناير 2011)

إن العامل الحاسم، هو أن الجماهير قد أصبحت تشعر بقوتها الجماعية، وفقدت الإحساس بخوفها. بدءا من أصغر واحد فيها، والأكثر نشاطا وتصميما، وقد وصل مزاج التحدي إلى طبقات أكبر سنا وأكثر حذرا وأكثر خمولا بين الشعب. تعطي تقارير الغارديان مثالا كبير عن هذا:

«إن المواطنين العاديين يظهرون تحديهم الآن للشرطة. وقال متظاهر شاب لي، انه عندما تدخل القمع يوم الثلاثاء، دخل مبنى ورن جرس الشقة عشوائيا. وكانت الساعة 4:00 صباحا. فتح رجل عمره 60 عاما الباب، والخوف واضح على وجهه. وطلب الشاب من الرجل إخفاءه من الشرطة. وطلب منه الرجل أن يرى بطاقة هويته، ودعاه للدخول، استيقظت واحدة من بناته الثلاث لإعداد بعض الطعام للشاب. أكلوا وشربوا الشاي وتجاذبوا أطراف الحديث معا وكأنهم أصدقاء منذ زمن طويل.

«في الصباح، عندما انحسر خطر الاعتقال، رافق الرجل الشاب المحتج إلى الشارع، وأوقف له سيارة أجرة وقدم له بعض المال. لكن الشاب رفض، وشكره كثيرا وتعانقوا فقال الرجل المسن: ‘أنا هو الذي ينبغي علي أن أشكرك على دفاعك عني وعن بناتي وعن المصريين جميعا.» (الغارديان، الخميس 27 يناير 2011).

ماذا الآن؟

هناك شيء واضح. انتهى اليوم، بهزيمة كارثية لحسني مبارك. وأنا أكتب هذه السطور، تسير الأحداث بسرعة البرق. والشائعات كثيفة وسريعة. وقد زعمت يومية القاهرة بأن أحد مستشاري الرئيس المصري حسني مبارك قد فر إلى لندن ومعه 97 حقيبة من النقد، ولكن تقارير أخرى تتحدث عن غضب شديد للرئيس من احد كبار ضباط الشرطة لعدم التعامل بقسوة أكثر مع المتظاهرين.

مع حلول الليل، ظل المتظاهرون في الشوارع، وتحدوا حظر التجول الذي أعلنت عنه الحكومة في جميع أنحاء مصر. ولقد بدأوا يقتحمون المباني العامة. ووفقا لقناة الجزيرة قبل بضع دقائق، فقد تم اقتحام وزارة الخارجية في القاهرة والاستيلاء عليها من قبل المتظاهرين وتم إضرام النار فيها. لأول مرة تم إضرام النار في مكتب للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، ورجال الإطفاء يبذلون جهودهم لإخماد النيران.

هناك مخاوف متزايدة في واشنطن. وبعد ظهر اليوم، صرحت هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة “تشعر بقلق عميق إزاء استخدام القوة” ضد المتظاهرين. ودعت الحكومة المصرية بوقف تدخل قوات الأمن، لكنها طلبت أيضا من المتظاهرين الامتناع عن العنف. وقالت: “هذه الاحتجاجات تؤكد أن هناك ظلما كبيرا يتعرض له المجتمع المصري. والحكومة المصرية يجب أن تفهم أن العنف لن يساعد في القضاء على هذا الظلم”، وأضافت: “ونحن كشريك، نعتقد بقوة أن الحكومة المصرية بحاجة إلى الانخراط فورا مع شعب مصر في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية “.

وبالترجمة للانجليزية البسيطة فهذا يعني: «لا تكن مخادعا يا مبارك. إذا حاولت استخدام الجيش لسحق التمرد فسوف تتكسر إلى قطع. إن الحركة كبيرة جدا على أن تغرق في الدم. وبدلا عن ذلك يجب استخدام الدهاء. إجراء بعض التغييرات، أو على الأقل، إعطاء انطباع بأنه سيكون هناك تغيير. في النهاية، بطبيعة الحال، قد تضطر إلى الذهاب. وهذا أمر مؤسف، ولكن علينا جميعا تقديم تضحيات من وقت لآخر. أنت رجل عجوز ولم تعد مفيدا. يمكنك الحصول على تقاعد مريح، وإنقاذ الرأسمالية. أو يمكنك التشبث بالسلطة، وينتهي بك الأمر ميتا مثل السادات. وسيكون ذلك سيئا جدا بالنسبة لك. ولكن إذا قمت باستفزاز الجماهير كثيرا، فستكون هناك ثورة كاملة، وسيكون ذلك سيئا جدا بالنسبة لنا».

ولكن لا يبدو أن مبارك قد سمع جيدا. إنه منكمش في قصره وبعيد عن العالم الحقيقي، ويحيط به رجال “نعم”، والمتملقين، انه متشبث بالسلطة حتى تذهب السلطة بعيدا عنه. انه يعلن حظر التجول، ولكن الناس لا تزال في الشوارع. وهو يدعو الجيش “لمساعدة قوات الأمن” ولكن الناس تشيد بالجيش، وتدعو الجنود للانضمام إليها. ومن هنا وهناك نسمع عن تقارير تفيد بأن للتآخي تأثير كبير. وذكرت اسوسيايشن بريس التي كانت متواجدة في الساحة في وسط القاهرة، أن أحد مراسليها قد رأى المتظاهرين يهتفون لرجال الشرطة الذين خلعوا زيهم وانضموا إليهم. ورفعهم المتظاهرون على أكتافهم.

هل هذا مجرد حادث منعزل؟ أم انه يظهر وجود اتجاه أكثر انتشارا؟ في مثل هذا الوضع المتغير بسرعة، والفوضى الهائلة، يمكن للمزاج أن يتقلب بعنف في غضون دقائق. في الإسكندرية، خرج الجيش إلى الشوارع، ولكن الجنود يحيون بأيديهم المتظاهرين. في السويس أيضا هلل الناس للجنود الذين يعتبرونهم حلفائهم. وهناك تقارير غير مؤكدة عن اشتباك الجيش والشرطة. إذا كان هذا صحيحا، فان مبارك في ورطة خطيرة.

روبرت فيسك هو واحد من الصحافيين الغربيين القلائل، الذين اظهروا الفهم الواعي لحقيقة الوضع في الشرق الأوسط. حيث كتب في يومية “الانديبندنس” ما يلي:

«بالفعل كانت هناك دلائل عن التعب من حكم مبارك الفاسد وغير الديمقراطي، و كانت إحدى السيدات تحاول إقناع رجال شرطة القاهرة ودفعهم للانضمام إليهم. وبدأت واحدة من الحشود تصرخ في شرطة القاهرة وتقول: “يا إخواني! يا إخواني! كم يدفعون لكم؟”. لكن لا أحد من الشعب كان يريد أن يتفاوض — ليس هناك شيء للتفاوض عليه، باستثناء رحيل مبارك والحكومة المصرية التي لا تقول ولا تفعل شيئا، وهو إلى حد كبير ما كانت تقوم به على مدى العقود الثلاثة الماضية.»

الثورة المصرية

وأيا كانت نتيجة احتجاجات اليوم، هناك شيء واضح: الثورة المصرية قد بدأت بالفعل. وهؤلاء المشككين والمفكرين المتكبرين الذين يعزفون باستمرار على نغمة “مستوى الوعي المنخفض” للجماهير، قد توصلوا الآن بجوابهم. وهؤلاء “الخبراء” الغربيون الذين يتحدثون بازدراء على أن المصريين “غير مبالين” و”سلبيين” و”غير مبالين بالسياسة” يجب أن يأكلوا الآن كلماتهم. إن الجماهير، سواء في مصر، إيران، بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، تتعلم من التجربة فقط. وفي الثورة، يتعلمون أسرع بكثير. لقد تعلم العمال المصريون والشباب في بضعة أيام من النضال أكثر مما تعلموه في ثلاثين عاما من وجودهم “الطبيعي”.

منذ بضعة أشهر فقط، تصور الرئيس وزمرته الحاكمة أن كل شيء لديهم تحت السيطرة. وكانوا على ثقة لدرجة أنهم كانوا يستميلون الابن الأصغر للرئيس مبارك، جمال، لاحتلال مكان والده. وهو مصرفي سابق، تربى جمال مع النخبة في الجامعة الأميركية في القاهرة، وعمل في بنك أمريكا. وهو متورط بشدة في “تحرير” الاقتصاد في مصر، الشيء الذي أثار إعجاب الأغنياء بينما الفقراء يعانون. هذه المعلومات غير كافية لتوضيح ولائه السياسي. وضعت بعض الملصقات في العام الماضي في القاهرة تدعو جمال للترشح للرئاسة في الانتخابات المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام.

وأظهر المحتجون موقفهم تجاه الابن المختار، وهم يهتفون “جمال، أخبر والدك أن المصريين يكرهونك” ومزقوا صورته.

بسرعة البرق كل شيء تحول إلى نقيضه. في شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية الناس لا نتحدث إلا عن الثورة. إن الذي يقومون به، ثورة. لقد أصبحت الآن حقيقة لا جدال فيها. وتطرح مسألة كيف، ومن سيحل محل نظام مبارك؟ ولكن هذا السؤال لا يتصدر أذهان المتظاهرين. ربما الشباب في الشوارع لا يعرفون بالضبط ماذا يريدون. لكنهم يعرفون بالضبط ما لا يريدون. وهذا كاف في الوقت الراهن.

المهمة العاجلة هي الإطاحة بمبارك ونظامه الفاسد. وهذا سيفتح الأبواب على مصراعيها وسيسمح للشعب الثوري أن يدفع طريقه. إنهم يكتشفون يوميا قوتهم في الشوارع، وأهمية التنظيم والتعبئة الجماهيرية. هذا هو بالفعل المكسب الهائل. بعد أن عاشوا تجربة الديكتاتورية لثلاثين عاما، فإنهم لن يسمحوا أن يفرض عليهم نظام مثيل جديد، أو أي محاولة لإعادة النظام القديم باسم جديد. وتونس دليل كاف على ذلك.

على الرغم من المحاولات التي تقوم بها وسائل الإعلام لتظهر أن للإخوان المسلمين دور فيما يحدث، إلا أنه من الواضح تماما أن العناصر الإسلامية كانت غائبة إلى حد كبير في هذه الاحتجاجات، التي وقعت تحت راية الديمقراطية الثورية. إن الأغلبية الساحقة من الناشطين هم من الشباب من المدارس والجامعات، الذين ليسوا على الإطلاق تحت تأثير الأصولية الإسلامية. وليس من الواضح ما إذا كانت للمشاركة المتأخرة للإخوان المسلمين في مظاهرات اليوم أي تأثير حقيقي في زيادة عدد المتظاهرين في الشوارع.

الآن، تذوقت الجماهير طعم سلطتها، ولن تكون راضية عن التدابير النصفية. إنهم يعرفون أن ما حققوه قد حققوه بأيديهم. وقد عاد محمد البرادعي، وهو زعيم المعارضة والحائز على جائزة نوبل، ومسؤول سابق في الأمم المتحدة، إلى مصر الليلة الماضية، ولكن لا أحد يعتقد – ربما باستثناء الأميركيين – أنه يمكن أن يصبح محورا لحركات الاحتجاج التي ظهرت في أنحاء البلاد دون مساعدات من أي “قائد” للبرجوازية. اليوم قامت كاميرات التلفزيون الأجنبية بمحاولة ضعيفة لتسليط الضوء، على مشاركة البرادعي في المظاهرة. ولكن كل ما أظهرته من صور كان عن رجل كبير في السن، بدا حائرا، لا يعرف مكان وجوده أو ما كان يقوم به.

إن النضال من أجل ديمقراطية كاملة، ستمكن من بناء النقابات والأحزاب العمالية الحقيقية. ولكنها سوف تطرح أيضا مسألة الديمقراطية الاقتصادية والقضاء على عدم المساواة. إن الديمقراطية ستكون عبارة فارغة إذا رفضت وضع اليد على الثروة الفاحشة للنخبة الحاكمة. ومصادرة ممتلكات الزمرة الحاكمة! ومصادرة أملاك الامبرياليين الذين ساندوا النظام القديم واستغلوا شعب مصر! إن النضال من أجل الديمقراطية، إذا ما استمر حتى النهاية، يجب أن يؤدي حتما إلى نزع ملكية الرأسماليين والمصرفيين وإقامة حكومة “العمال والفلاحين”.

الثورة العالمية

في 1916 كتب لينين هذه السطور:

«إن من يتصور ثورة اجتماعية نقية لن يعيش ليراها. مثل هذا الشخص كان يقوم بخدمة شفاهية للثورة من دون أن يفهم ما هي الثورة….

«إن الثورة الاشتراكية في أوروبا لا يمكن أن تكون أي شيء آخر سوى موجة من النضال الجماهيري من جانب جميع العناصر المتنوعة والمضطهدين والساخطين. وحتما، فإن أقساما من البرجوازية الصغيرة والعمال المتاخرين سيشاركون فيه، ومن دون هذه المشاركة، من المستحيل قيام نضال جماهيري، وبدونه لا يمكن قيام الثورة، التي سوف تحضر الحركة حتما، لكشف أوهامها الرجعية، وستعرفها نقاط ضعفها وأخطاءها.

«ولكن بموضوعية فإنهم سيهاجمون رأس المال، وستقوم الطليعة الواعية للثورة، البروليتاريا المتقدمة، بالتعبير عن هذه الحقيقة الموضوعية والمتنوعة والمتنافرة ظاهريا للصراع الجماهيري، وسوف تكون قادرة على توحيدها وتوجيهها، والتقاط السلطة، والاستيلاء على البنوك، ومصادرة الملكيات التي يكرهها الجميع (وإن لأسباب مختلفة!)، واتخاذ تدابير الديكتاتورية الأخرى التي في مجملها ستصل إلى إسقاط البرجوازية وانتصار الاشتراكية، والتي تعني على الفور تطهير نفسها من خبث البرجوازية الصغيرة» (لينين، في الثورة الايرلندية في 1916)

كان يمكن كتابة هذه السطور بالأمس. لقد تغير وضع العالم بشكل حاسم، وكل ما يجري في مصر يظهر هذا بطريقة مثيرة للغاية. لقد دخلنا بشكل حاسم في عهد الثورة العالمية. ويتجلى الطابع الأممي للثورة، أكثر وضوحا مما كان عليه، في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. انه ينتشر دون توقف من بلد إلى آخر: من تونس إلى الجزائر، من الأردن إلى مصر، من اليمن إلى لبنان.

مزيد من الاحتجاجات الجمعة 28 يناير – الصورة اموناسوش

وكانت الأحداث التونسية ملهمة بالطبع. يستطيع الناس أن يروا الآن بأم أعينهم أن حتى أقوى جهاز أمن لا يمكنه منع الإطاحة بالدكتاتور. إن الناس في شوارع القاهرة، أصبحت تحاكي حتى الشعار باللغة الفرنسية الذي رفعه المحتجون التونسيون: “Dégage, Mubarak”. (ارحل يا مبارك)

أظهرت تونس ما كان ممكنا. ولكن سيكون من الخطأ تماما أن نفترض أن هذا هو السبب فقط، أو حتى انه السبب الرئيسي. فقد نضجت بالفعل الظروف لانفجار ثورة في جميع هذه البلدان. وكل ما كان مطلوبا، هو الشرارة لإشعال برميل البارود. وتونس قامت بذلك. لقد وصلت الانتفاضة الثورية بالفعل لدول عربية أخرى مثل اليمن. والحال متشابه في تونس، وعند الشعب مصري والجزائر والأردن واليمن الذين يعيشون في الفقر في ظل ديكتاتورية النخبة الحاكمة التي تعيش حياة مترفة من نهب البلاد.

إن هذه الحركات تشبه تماما الحركات الجماهيرية التي أدت إلى الإطاحة بالأنظمة في أوروبا الشرقية. مرة أخرى، على الورق ومهما كان لهذه الحكومات من أجهزة الدولة القوية، والجيوش الكبيرة، والشرطة، والشرطة السرية. كل هذا لن ينقذهم. لقد شعرت البرجوازية بسعادة غامرة عند الإطاحة “بالشيوعية”. لكن ابتهاجهم هذا سابق لأوانه. وسوف نرى في وقت لاحق سقوط الستالينية كمقدمة فقط إلى تطور أكثر دراماتيكية: الإطاحة الثورية بالرأسمالية. في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة، يعيش النظام في أزمة. في كل مكان، الطبقة الحاكمة تحاول وضع العبء الكامل لأزمة نظامها على أكتاف أفقر طبقات المجتمع.

سقط النظام في أكثر حلقاته ضعفا في تونس ومصر. وسوف يقولون لنا أن مثل هذه الأمور لا يمكن أن تحدث هنا، إن الوضع مختلف، وهكذا دواليك. نعم، الوضع مختلف، ولكن فقط في درجة. وفي كل مكان سوف تواجه الطبقة العاملة والشباب نفس البديل: إما أن نقبل التدمير المنهجي لمعيشتنا وحقوقنا – أو نقاتل.

إن مقولة “انه لا يمكن أن يحدث هنا” هي بدون أي أساس علمي أو منطقي. وقيل الشيء نفسه عن تونس، التي كانت خلال الشهرين الماضيين فقط، البلد الأكثر استقرارا في شمال إفريقيا. وتكررت نفس الحجة بالنسبة لمصر، حتى بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي. وكانت مجرد بضعة أسابيع كافية لفضح فراغ تلك الكلمات. هذه هي سرعة الأحداث في عصرنا. عاجلا أو آجلا سوف يطرح السؤال نفسه في كل بلد في أوروبا، واليابان، وكندا، وفي الولايات المتحدة.

إننا نشهد بشكل يومي التطورات الثورية. وستكون عملية التقدم بسرعة أكبر، أو أقل وفقا للظروف المحلية. ولكن لا يمكن لأي بلد أن يعتبر نفسه في مأمن من الصيرورة العامة. الأحداث التي وقعت في تونس ومصر، تبين لنا مستقبلنا كما لو أننا نراه في المرآة.

آلان وودز
لندن، 28 يناير 2011

عنوان النص بالإنجليزية:

the egyptian revolution

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *