بعد الانتهاء من كتابة هذا المقال تواردت تقارير عن سقوط أكثر من 20 قتيل في مدينة القصرين، لقد حول النظام الديكتاتوري تونس إلى ساحة حرب من طرف واحد ضد الفقراء المقهورين الذين نهضوا يطالبون بالحرية والحق في منصب شغل ولقمة خبز كريمة.
الزلزال!
للأسبوع الرابع على التوالي ما تزال تونس تشهد استمرار التحركات الجماهيرية الحاشدة. فبعد أن انطلقت الانتفاضة من منطقة سيدي بوزيد، وسط غرب تونس، يوم 17 دجنبر الماضي، على خلفية التضامن مع الشاب محمد البوعزيزي، الذي أشعل النار في جسده احتجاجا على مصادرة بضاعته، امتدت التحركات مثل النار في الهشيم إلى بقية المدن والجهات التونسية، ورفعت مطالب متعددة على رأسها الحق في الشغل والحرية. وهي الاحتجاجات التي شهدت إضرام النار في عدد من الإدارات الحكومية ومقرات الحزب الحاكم ومراكز البوليس، كما انضمت إليها مختلف فئات المجتمع الساخطة على النظام القائم من عاطلين ومناضلين سياسيين وحقوقيين ونقابيين وطلاب وأساتذة ومحامين. مما يؤكد جدية الحركة وإمكانياتها الهائلة.
ما أشبه هذه الانتفاضة الجماهيرية المجيدة بالزلزال! فقد بقيت مثلها مثله تتحضر قبل انطلاقها ببطء وصمت طيلة عقود من الهدوء الظاهري، ثم انفجرت، وكان مركز الزلزال هو مدينة سيدي بوزيد، لكن ارتداداته التي ستفتح الباب أمام تساقط كل قلاع الطغيان المتهاوية امتدت بسرعة إلى مختلف المناطق الأخرى.
لم يتمكن القمع من وقف الحركة، بل كلما اشتد القمع كلما تأجج الغضب الجماهيري وانضمت إلى الحركة فئات جديدة، وتطورت في كفاحيتها. ففي مدينة حفوز (التابعة لولاية سيدي بوزيد) نظم تلامذة عدد من المعاهد مسيرة انظم إليها عدد من الشباب العاطل والأساتذة والعمال، انطلقت من مقر الاتحاد المحلي للشغل لتصل إلى مقر المعتمدية، وقد طالب المحتجون بالحق في الشغل والتوزيع العادل للثروة والحريات العامة، كما رفعوا شعارات مساندة لأهالي سيدي بوزيد وتالة. وتشير التقارير إلى قيام متظاهرين بمهاجمة مركز لقوات القمع في منطقة “السعيدة” بمعتمدية “الرقاب” جنوبي تونس (37 كلم عـن مدينة سيدي بوزيد)، وهو ما ردت عليه قوات القمع بإطلاق الرصاص الحي مما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص على الأقل بجروح.
كما تصاعدت الاحتجاجات يوم أمس الجمعة، 07/01/2011 حيث انضم المدرسون إلى الدعوة للإضراب في أعقاب دعوة المحامين للإضراب أيضا في وقت سابق. موقع حزب العمال الشيوعي التونسي (البديل) أصدر اليوم تقريرا يتحدث عن امتداد الاحتجاجات إلى الحريصة، والقلعة الخصباء وتاجروين من ولاية الكاف. كما أشار إلى قيام المتظاهرين في مدينة مكثر (الشمال الغربي على بعد 160 كلم من تونس العاصمة) بإغلاق الشوارع الرئيسية للمدينة بالعجلات المطاطية والحجارة وتواصل المواجهات مع البوليس. وإلى قيام المتظاهرين بإضرام النيران في قصر البلدية، وتدمير المبنى الجانبي المخصص للحالة المدنية، إضافة إلى عدد من المقرات الحكومية.
كما شهدت مدينة بورويس (التابعة لولاية سليانة بالشمال الغربي) اندلاع الاحتجاجات بمبادرة من تلاميذ المعهد الثانوي والإعدادي، حصلت خلالها مصادمات بين المتظاهرين وقوات القمع التي اعتدت على المتظاهرين. ودارت مواجهات حادة، ليلة يوم الخميس، 06/01/2011، بين الشباب العاطل وقوات القمع التي استعملت قنابل الغاز والرصاص المطاطي، مما دفع بالمتظاهرين إلى إشعال العجلات المطاطية وإضرام النار في مكتب العمدة ومقرات الحزب الحاكم وفرع اتحاد الفلاحين وجزء من مقر البلدية وإحدى المؤسسات المالية، وتخريب “نصب 7 نوفمبر”.وما يزال عدد من الشباب العاطلين في اعتصام بمقر الولاية للمطالبة بحقهم في الشغل.
نفس الشيء شهدته مدينة القيروان بدورها، والتي تعتبر إحدى أهم المدن التونسية (تبعد بـ 160 كيلومتر عن تونس العاصمة)، حيث عرفت اندلاع احتجاجات بمبادرة من تلاميذ وأساتذة معهد عقبة بالقيروان.
وامتدت الاحتجاجات أيضا إلى ولاية سوسة (70 كيلومتر جنوب العاصمة تونس و300 كيلومتر شمال مدينة صفاقس)، إذ شهدت مدينة النفيضة خروج تلاميذ المعهد الثانوي والمدرسة الإعدادية إلى الشارع صباح الجمعة الماضي لمساندة أهالي سيدي بوزيد ومدينة تالة، وقد أكدت المصادر النقابية أن تعزيزات أمنية هامة قدمت من سوسة لاحتواء الوضع.
وفي ولاية جندوبة (أقصى الشمال الغربي على بعد 200 كلم شمال العاصمة تونس) شهدت مدينة غار الدماء الحدودية تنظيم مسيرة حاشدة شارك فيها تلامذة معهد الشابي وغار الدماء والطموح وبقية المدارس الإعدادية… وقد شهدت المسيرة تدخلا من قوات البوليس ورد التلاميذ برشقها بالحجارة. وذكرت مصادر نقابية أن قوات الأمن استخدمت القنابل المسيلة للدموع ضد المتظاهرين.
في مدينة بوسالم خرج تلامذة معهد شارع البيئة في مسيرة، اثر الوقفة الاحتجاجية التي نفذها الأساتذة صباح أمس الجمعة، جابت جزءا هاما من شارع البيئة، فيما تم منع تلامذة المعهد الثانوي ببوسالم من الخروج وأغلق باب المعهد.
وفي ولاية القصرين (وسط غرب تونس على بعد حوالي 228 كلم عن تونس العاصمة) انطلقت مسيرة تلاميذية من معاهد المدينة جابت الشوارع وتحولت إلى مواجهات بين الشرطة (التي استعملت الهراوات والقنابل المسيلة للدموع) وبين الشباب العاطل والتلاميذ .وقد قال شهود عيان إن مدينة فريانة شهدت انطلاق مسيرة حاشدة صباح يوم أمس الجمعة جابت شوارع المدينة، تخللتها مواجهات مع قوات القمع، وقام المتظاهرون على إثرها بإحراق مقرات الحزب الحاكم وبلدية المكان.
المدينة العمالية صفاقس (275 كلم جنوب تونس العاصمة) أيضا شهدت مسيرة حاشدة انطلقت من المدرسة الإعدادية علي النوري وصولا إلى المعهد الثانوي مصطفى الفوراتي انتهاء بمعهد أبو الحسن اللخمي بسكرة، رغم الحواجز التي أقامتها قوات القمع.
وفي مدينة جبنيانة تواصلت لليوم الخامس على التوالي المواجهات بين تلامذة معهد 18 جانفي وقوات القمع التي تطوق المعهد لمنع التلاميذ من الخروج إلى الشارع، فيما فشلت في محاولاتها اقتحام المعهد واعتقال الناشطين من التلاميذ.
وحسب بيان لاتحاد الشباب الشيوعي التونسي، 07 يناير، فقد:
« شهدت العديد من الكليات في تونس العاصمة والمدن الأخرى، منذ استئناف الدروس يوم الاثنين 03 يناير، جملة من التحركات المساندة للحركة الاجتماعية بسيدي بوزيد وغيرها من مناطق البلاد، بتأطير من الاتحاد العام لطلبة تونس عبر الاجتماعات العامة والتظاهرات الحائطية والشارات الحمراء والوقفات الاحتجاجية أمام مراكز “الأمن الجامعي” أسفرت عن اشتباكات مع البوليس السياسي في أكثر من مكان كان أشدها الاشتباكات في كلية 9 أبريل بتونس العاصمة وفي كلية الآداب بسوسة ابتداء من يوم 4 يناير الجاري.
« واجه البوليس كل التحركات بكل وحشية باستعمال الغازات المسيلة للدموع والهراوات وكل أشكال التنكيل التي لم تستثن أحدا من الطلاب والأساتذة والعاملين مثلما حصل في كلية الآداب في سوسة حيث خلف القمع البوليسي الأعمى عديد الجرحى نذكر منهم وائل نوار، منذر عتيق، إيمان مليح، قيس البعزوزي ومراد بن جدو الذين توجب نقلهم للإسعاف أين تواصلت محاصرتهم في محيط المستشفى بالرغم من حضور الكثير من نشطاء المجتمع المدني لفك الحصار عنهم.
« ومن جهة أخرى فقد اعتقل البوليس بعض المناضلين منهم النقابي القيادي في الاتحاد العام لطلبة تونس وائل نوار الذي خلف له العنف البوليسي كسرا في رجله وتم اختطافه من بيته صبيحة يوم 6 يناير واحتفظ به في مخافر البوليس حيث تعرّض مرة أخرى للتعنيف والتعذيب قبل أن يحال على جناح السرعة على التحقيق ليحاكم دون علم عائلته ومحاميه بتهم متعددة منها ما يعود لقضيتين قديمتين تلاحقانه منذ مدة وتهم جديدة ألصقت به على خلفية التحركات الأخيرة.»
والجدير بالذكر هو أن هذه التحركات الأخيرة ليست معزولة على الإطلاق لا على الصعيد الداخلي أو الجهوي، فمن جهة الوضع الداخلي، تأتي هذه الانتفاضة في سياق نهوض نضالي عارم شهده الصراع الطبقي في تونس حيث عرفت البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية اندلاع مجموعة من النضالات البطولية، التي ووجهت بالتدخل القمعي العنيف، كانت أبرزها انتفاضة الحوض المنجمي بقفصه والتي اندلعت هي الأخرى بصورة عفوية احتجاجا على نتائج اختبار للحصول على وظائف بإحدى الشركات الكبرى، وتطورت لتصبح احتجاجا على الفساد وانعدام فرص العمل. وقد تواصلت هذه الاحتجاجات عدة أشهر عبر تنظيم مظاهرات واعتصامات وإضرابات، سقط خلالها قتيلان وعدد غير محدد من الجرحى بسبب التدخلات القمعية الهمجية، إضافة إلى عشرات المعتقلين الذين طالتهم أحكام جائرة بالسجن إثر محاكمات صورية.
وفي شهر غشت 2010 انفجرت الأوضاع مرة أخرى بالجنوب الشرقي احتجاجا على إغلاق منفذ “رأس الجدير” التجاري الحدودي المشترك مع ليبيا. وقد وقعت مصادمات عنيفة في “بن قردان” أثناء تلك الاحتجاجات أسفرت عن سقوط الكثير من الجرحى في صفوف المتظاهرين وقامت قوات القمع بإلقاء القبض على ما يزيد عن 150 شخصا.
أما على الصعيد الجهوي، أي المنطقة المغاربية فإن هذه التحركات تأتي في إطار نهوض جماهيري عارم تخوضه الطبقة العاملة والكادحون في المغرب والصحراء الغربية والجزائر.
لقد دخلت تونس والمنطقة المغاربية كلها، مرحلة العواصف الثورية. إن هذه التحركات التي يلعب فيها حاليا الشباب العاطل والتلاميذ والطلاب الدور الريادي، استباق للنهوض العمالي الذي ستعرفه تونس والمنطقة عموما، عاجلا أو آجلا، إذ تحركات الشباب مقياس صادق لحجم الضغوطات التي تعتمل في أعماق المجتمع. ورياح التغيير التي بدأت تحرك أوراق الشجرة العظيمة، من شباب عاطل وطلاب وتلاميذ، ستهز بالتأكيد جدعها، أي الطبقة العاملة. لقد حان الوقت حيث سيطل فيه خلد الثورة العجوز، الذي استمر طيلة عقود يحفر تحت السطح، برأسه، فيقفز كل العالم على قدميه ويهتف بفرحة: ما أحسن ما كنت تحفر أيها الخلد العجوز!
أشكال النضال
لقد اندلعت هذه التحركات كما ذكرنا أعلاه على خلفية قيام الشاب البوعزيزي بإضرام النار في نفسه، كما تلا هذا الحادث قيام شباب آخرين بمحاولات انتحار أخرى في مناطق متفرقة من البلد. إن هذه الواقعة الأليمة دليل على حجم الإحباط والسخط الذي تراكم في أعماق شباب كالزهور بسبب واقع الفقر الرهيب والبطالة والاستغلال وتكميم الأفواه طيلة عقود، من طرف طبقة حاكمة طفيلية دموية. كما أنه دليل على وحشية النظام الرأسمالي الذي يفرض على الشباب أوضاعا بائسة غير محتملة، فيدفعهم إلى تفضيل الموت غرقا في البحر أثناء عمليات فرار يائسة، أو الانتحار أو الغرق في مستنقع الجريمة والإدمان على المخدرات.
وعندما ينتفضون من أجل حقوقهم الأساسية لا يتردد النظام الدكتاتوري عن إطلاق الرصاص الحي على صدور المحتجين وظهورهم، فيسقط المزيد من الضحايا لحماية نظام الملكية الخاصة والاستغلال الرأسمالي.
إننا نتقدم إلى أسر هؤلاء الشباب، الذين أقدموا على الانتحار يأسا واحتجاجا، وإلى الطبقة العاملة التونسية عموما بأحر التعازي على سقوط شهداء الحرية هؤلاء! ونعبر عن أسفنا لفقدانهم بتلك الطريقة. يا لها من خسارة فادحة أن يقدم شباب من أعلى شباب المنطقة تعليما وتأهيلا على اللجوء إلى الانتحار!
إننا نتفهم الدوافع التي أدت بهؤلاء الشباب إلى القيام بتلك الطريقة الاحتجاجية، ونحمل كامل المسئولية لنظام القهر، للنظام الرأسمالي الدكتاتوري. إلا أننا نعتبر أنها طريقة ليست صحيحة للاحتجاج والنضال. إننا إذ نعارض هذه الأشكال الاحتجاجية فذلك لأننا نعتبرها غير مجدية لمهمة إسقاط النظام الرأسمالي والقضاء على الجوع والبطالة.
إن النضال ضد البطالة والفقر والقهر يقتضي منا نحن العمال والشباب تنظيم صفوفنا في أحزاب عمالية ثورية وتنظيم نضالاتنا عبر مجالس عمالية وشعبية منتخبة ديمقراطيا وفي النقابات لخوض كفاح طبقي ثوري، عبر الإضرابات العامة والانتفاضة المسلحة وغيرها من الأشكال الكفاحية الجماهيرية الثورية، من أجل إسقاط النظام الرأسمالي المسئول عن كل ما نقاسيه من استغلال وبطالة وقهر.
موقف الإمبريالية
تعتبر القوى الإمبريالية النظام الدكتاتوري التونسي تلميذها النجيب، ولهذا لم تتوقف أبدا عن كيل المديح له باعتباره « نموذجا يحتذى في المنطقة وحتى ابعد من ذلك.» على حد تعبير دافيد والش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بوش (جريدة “الحرية“)، كما لم يمر وقت طويل (نونبر 2010 الماضي) منذ أن نوه السفير الأمريكي الحالي بتونس بالعلاقات الممتازة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية (المنبر الإعلامي). وفي نفس السياق أصدرت صحيفة نيوزويك الأمريكية بدورها دراسة صنفت تونس في المرتبة الأولى على صعيد القارة الإفريقية ضمن قائمتها حول (أفضل 100 دولة في العالم)!
ولهذا لم تتوقف القوى الإمبريالية أبدا عن دعمه بكل ما يحتاجه لقمع الشعب التونسي وتأبيد عبوديته للرأسمال المحلي والأجنبي، منوهة في نفس الآن بديمقراطيته العجيبة. وحتى عندما اندلعت الانتفاضات الجماهيرية الحاشدة انطلاقا من منطقة سيدي بوزيد، والتي واجهها النظام الدكتاتوري بالقمع الوحشي، الذي أسفر لحد الآن عن سقوط شهيدين وعدد غير معروف من الجرحى والمعتقلين، فضلت القوى الإمبريالية بكل سرور اتخاذ موقف المتفرج، طيلة أكثر من أسبوعين، على أمل أن يتمكن الدكتاتور من سحق شعبه. حيث اكتفت وزارة الخارجية الفرنسية خلال اللقاء الصحافي اليومي (يوم الجمعة) باستخدام عبارة “نتابع الوضع عن كثب” بشأن ما يجري في الجزائر بينما لم يصدر أي تعقيب بشأن الوضع في تونس، والمدونين والناشطين الذين تم توقيفهم الخميس الماضي حيث امتنعت فرنسا عن الدعوة علناً للإفراج عنهم. (موقع صحيفة لبنان الآن)
لكن الانتفاضة استمرت رغم القمع، بل لم يزدها القمع إلا اشتعالا، فغيرت الإمبريالية موقفها بنفس الطريقة التي تغير بها الأفعى جلدها. فقامت الإمبريالية الأمريكية بمناورة جديدة حيث: « استدعت وزارة الخارجية الأميركية السفير التونسي بواشنطن وأعربت له عن قلقها إزاء طريقة تعامل السلطات التونسية مع الاحتجاجات… والقيود المفروضة على الحريات» (موقع الجزيرة)
لكن على العمال والشباب التونسيين الحذر من هذه التصريحات المنافقة، إن الإمبريالية هي الحليف الأساسي لكل الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، هي من تمولهم بالسلاح الذي يقتلوننا به، وهي التي تدعمهم ليستمروا جاثمين على صدورنا. إنها عدونا وليست صديقا لنا، إنها العدو الرئيسي للشعوب في كل العالم: في العراق وفلسطين وفنزويلا وكل مكان، وبالتالي يجب علينا ألا نولي أي ثقة لهذه التصريحات الكاذبة، علينا ألا ننخدع بهذه المناورات الرجعية. يجب أن نحارب محاولات زرع الوهم بين صفوفنا بخصوص الرهان على القوى الإمبريالية ومؤسساتها الدولية لوقف القمع. إن وقف القمع رهين بنضالنا نحن العمال والفقراء والشباب الثوري لإسقاط أنظمة القهر والاستغلال عميلة الإمبريالية.
وفي المقابل علينا أن نتوجه بدعوة إلى الطبقة العاملة في العالم بأسره، إلى من يقتسمون/ يقتسمن معنا واقع القهر والمصلحة في غد أفضل، للتضامن معنا والتحرك لدعمنا. وقد بدأت بشائر التحرك التضامني العمالي في العالم مع تحركاتنا تظهر وتنمو، وسوف تتقوى تدريجيا. لا للرهان على الإمبريالية، نعم للتضامن العمالي الأممي!
مهمة المناضلين العماليين الثوريين
لكي لا تضيع هباء هذه النضالات البطولية والتضحيات الجسام، على المناضلين/ات العماليين/ات الثوريين/ات أن ينظموا أنفسهم، يجب على النقابات والمناضلين العماليين الثوريين أن يطرحوا للحركة برنامجا لمطالب انتقالية تنطلق من مطالب الجماهير الأكثر إلحاحا وتوسع أفقها باستمرار بربطها بمهمة القضاء على أصل الظلم والقهر: النظام الرأسمالي الدكتاتوري القائم.
لقد سبق للرفيق حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي، أن صرح في خطاب له نشر على صفحات اليوتوب، عن الحركة الاحتجاجية ومطالبها وآفاقها، أن:
« الجماهير تريد الحرية، لا تريد تبديل وزير بوزير، بل تريد الحرية، حرية التنظيم، حرية الاحتجاج، حرية الاجتماع، حرية التعبير؛ تريد وضع حد للظلم، تريد احترام كرامتها… المعطلون عن العمل يريدون إجراءات ضد البطالة، يريدون منح البطالة [التعويض عن البطالة]، يريدون العلاج المجاني، يريدون النقل المجاني. الناس يريدون إجراءات ملموسة ضد غلاء المعيشة. يريدون تحسين الأجور وتحسين الدخل ».
هذا صحيح! إن هذه المطالب وغيرها من المطالب الديمقراطية الأخرى “المشاركة في إنتاج البرامج الاقتصادية والنضال ضد الفساد، الخ” هي ما ينبغي الآن تكثيفها وتجميعها في برنامج للنضال.
لا بد من رفع شعار المحاكمة الشعبية لجميع المسئولين عن تقتيل وقمع الجماهير المنتفضة، وكل المسئولين عن نهب ثروات الوطن، بدءا بالمجرم بن علي وعصابة المافيا المحيطة به.
لا بد من طرح برنامج للنضال من اجل الحق في الشغل للجميع (نساء ورجالا)، شغل لائق وثابت ويتناسب مع مؤهلات وقدرات العامل والعاملة. لا للمرونة ولعقد الشغل المحدودة، نعم لعقد عمل دائم ومنصب شغل قار. تخفيض ساعات العمل الأسبوعية إلى 35 ساعة، دون إنقاص الأجر. وفي مواجهة التسريحات وإعادة هيكلة الشركات، ينبغي تقسيم ساعات العمل الاجتماعية بين جميع العاملين دون تخفيض الأجور! ينبغي رفع مطلب التعويض عن البطالة تعويضا يساوي الحد الأدنى للأجور، إلى حين توفير منصب شغل يتناسب ومؤهلات وقدرات المعنيين. مع توفير الضمان الاجتماعي والنقل مجانا للعمال العاطلين.
لا بد من رفع مطالب الرفع من الحد الأدنى للأجور، على الصعيد الوطني وفي جميع القطاعات، بدون استثناء، مع تطبيق السلم المتحرك للأجور بحيث ترتفع الأجور تلقائيا مع أي ارتفاع في الأسعار. والقضاء على التمييز في الأجور على أساس الجنس أو السن: نفس العمل، نفس الأجر! وتحديد أجور موظفي الدولة بحيث لا يتقاضى أي موظف- أي كان- أجرة أعلى من أجرة العامل المؤهل.
لا بد من رفع مطالب تدعو إلى إسقاط النظام الرأسمالي الدكتاتوري القائم واستبداله بنظام الديمقراطية العمالية القائم على قاعدة مصادرة القطاعات الاقتصادية الكبرى ووضعها تحت رقابة وتسيير المجالس العمالية والشعبية المنتخبة ديمقراطيا. لابد من مصادرة ملكيات مغتصبي الملكية!
هكذا يمكن تقديم أفق واضح للانتفاضة الجماهيرية، ونتلافى ضياع كل التضحيات هباء، وهكذا يمكن للطبقة العاملة التونسية أن تنتقم لضحاياها وتبني نظامها، حيث تصير البطالة والاستغلال والجوع والقهر كوابيس من الماضي!
السبت: 08 يناير 2011
ماركسي