نشر موقع الدفاع عن الماركسية تقديما لمقال تونس: تواصل الاحتجاجات الذي كتبناه يوم السبت 08 يناير 2011، وبالنظر لأهميته نعمل هنا على نشر ترجمته العربية.
لقد غير الخوف معسكره في تونس. لسنوات عديدة استمر الشعب التونسي، بشبابه، وعماله، وأمهاته، مشلولا بسبب الخوف من القمع . وكان الجمود السياسي هو القاعدة، بينما كان التمرد استثناء غريبا. أما الآن فقد انقلبت الأوضاع رأسا على عقب. لقد صار تحدي النظام الهمجي، ودولته، وجواسيسه، وأجهزة إعلامه، وحزبه الحاكم، وبوليسه، وجيشه، هو القاعدة خلال ثلاثة أسابيع من الانتفاضة التي زعزعت تونس. يمثل هذا تغييرا عظيما في وعي الشباب والمزاج العام للجماهير، والفقراء، وكذلك الطبقة الوسطى. وقد كان له أثر هائل ليس فقط في تونس، بل في العالم العربي كله.
لم تتوقف الحركة بسبب الاضطهاد والسجون والتعذيب والقتل. لكن مع ذلك ما زال النظام يقتل ويشوه ويعذب أفضل الشباب. في نهاية هذا الأسبوع وحده، وصلت عربدة القمع إلى ذروة جديدة حيث سقط عشرون محتجا قتلى على أيدي البوليس. لقد أطلقت قوات القمع الذخيرة الحية على الحشود في تالا والقصرين والرقاب. وكان المبرر الذي قدمته قيادتها هو “الدفاع الشرعي عن النفس”. هذه هي الطريقة التي رد بها الرئيس/ الجنرال على نصيحة ضبط النفس من جانب واشنطن. لا يمكن لقلوب الشباب التي تنبض من أجل الحرية والعدالة أن تتوقع من هذا النظام سوى الرصاص والوعود الفارغة.
لكن كيف يمكن له أن يتصور إمكانية إرهاب الشباب وإخضاعه، في حين أن هذا الشباب على استعداد للتضحية بنفسه احتجاجا على الفقر؟
إن الحركة التي بدأت في المناطق القروية الوسطى والغربية من تونس قد امتدت الآن إلى جميع أنحاء البلاد تقريبا. الفقر والبطالة والدولة البوليسية القمعية تدفع الجماهير إلى النضال. في الأسابيع الماضية شهدت العديد من القرى والمدن الأخرى موجة احتجاجات بشكل أو بآخر. وفي بعض المدن هاجم المتظاهرون ودمروا المباني الحكومية والبنوك ومقرات البوليس ومقرات الحزب الحاكم: التجمع الدستوري الديمقراطي . بينما في مدن أخرى، تظاهر المناضلون النقابيون أمام مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل. وفي تحول مثير، اضطرت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل المدجنة، إلى إدانة ممارسات الحكومة بضغط من القواعد. وقد نظمت المظاهرات في الضواحي الصناعية في تونس، في بن عاشور وفي المعقل العمالي قفصة بمنطقة المناجم . وقد بدأت الفروع المحلية للاتحاد العام التونسي للشغل، ولا سيما في المناطق الأكثر تأثرا بالتحركات، في الدعوة إلى الإضرابات.
عوض ذلك دعت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى “دقيقة صمت” لمئات من المناضلين/المناضلات أمام مقرها في العاصمة تونس. تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات بدئوا ينضمون أيضا إلى الانتفاضة . وقد اندلعت معارك ضارية بين قوات القمع والطلاب في الجامعات وأمام المدارس الثانوية . كما تعرضت مظاهرة للمحامين في تونس أيضا لقمع وحشي من قبل الشرطة. وشنت الشرطة حملة ضد الناشطين على صفحات الانترنت وضد مغني الراب الشهير الذي قدم أغنية تنتقد الرئيس. عنوان الأغنية هو: “رئيس لبلاد”. وردا على هذا قامت مجموعة دولية لقراصنة الانترنت بمهاجمة وتدمير العديد من المواقع الحكومية. كما دعت الأحزاب المعارضة لـ “جلالته”، الحزب الديموقراطي التقدمي وحركة التجديد إلى “وقف أعمال العنف”.
بدأت التصدعات تظهر في صفوف النظام . في الواقع، ليس كل هذا القمع علامة على القوة، بل هو علامة على الضعف، بل الذعر من جانب الدكتاتورية. صرحت الحكومة الآن أنها سوف “تستجيب” للتطلعات التي أعربت عنها اضطرابات الأسابيع الثلاثة الماضية. وقال وزير الاتصالات التونسي، سمير العبيدي، “لقد تم تلقي الرسالة من قبل الحكومة وجميع القنوات السياسية”. وسيتم بذل المزيد من وعود الإصلاح والاستثمارات. لكن قلة قليلة من الناس يثقون في هذه الوعود. إنها وعود لا تمثل شيئا بالنظر إلى احتياجات الجماهير وبالمقارنة مع الثروة التي نهبت على مر السنين من قبل الطغمة الحاكمة. وعلى سبيل المثال لا تمثل الميزانية الموعودة لخطة تنمية المنطقة الوسطى، المعلن علنها خلال الأسبوع الماضي، والبالغ قدرها 15 مليار دينار، سوى خمس قيمة الفيلا التي شيدها أحد أصهار الرئيس!
هذه الانتفاضة هي، إلى حد كبير، نتيجة لانفجار عفوي. ليست هناك أية منظمة ممركزة ديمقراطيا لقيادة الانتفاضة ولا وجود لبرنامج واضح. لكن فئة من المناضلين/ المناضلات بدئوا/ بدأن يتوصلون إلى استنتاجات جديدة وبدئوا يرفعون من مستوى التنظيم والوعي على المستوى المحلي والجهوي. وداخل الاتحاد العام التونسي للشغل بدأت التوترات تتصاعد بين القواعد وبين القادة الموالين للديكتاتورية. يمر الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي يمتلك تقاليد نضالية عظيمة، لكن الذي تسيطر عليه بدوره عناصر النظام، من أوقات عصيبة. يحاول الطلبة المناضلون استعادة الاتحاد. وأيا كانت النتيجة المباشرة لهذه الحركة، فإن تونس لن تكون هي نفسها مرة أخرى. من الواضح أن النظام قد بدأ يتهاوى. وسرعة الانهيار تعتمد على العمل الجماهيري.
بدأت الانتفاضة التونسية تمتد أيضا إلى الجزائر المجاورة. فقد اندلعت الاحتجاجات في الأسبوع الماضي في الضواحي والمناطق العمالية في الجزائر. جاء رد فعل الشباب والعائلات قويا على الارتفاع الأخير في سعر السكر وزيت المائدة . لكن تلك الزيادات ليست سوى النقطة التي أدت إلى انطلاق سلسلة التحركات الجديدة للثورة الاجتماعية في البلد. هناك أسباب أكثر عمقا تحفز موجة الانتفاضات والمواجهات مع الدولة. الجزائر البلد غني بالنفط. وتتناقض الأرباح الفاحشة التي تراكمها الأوليغارشية بشكل صارخ مع الوضعية البائسة التي يعيشها الشباب الجزائري. 75% من الجزائريين البالغين أقل من 30 عاما عاطلون عن العمل. هذا إضافة إلى أزمة السكن الرهيبة التي تجبر الناس على العيش في أحياء الصفيح.
إن الانتفاضة التونسية والجزائرية استمرار لدورة جديدة من النضال في العالم العربي بدأت في مصر منذ بضع سنوات. إن هذا صراع طبقي، ضد الرأسمالية، وضد الدكتاتوريين المحليين وضد سادتهم الامبرياليين في أوروبا وفي الولايات المتحدة.
كنا قد نشرنا مقالة جديدة بشأن الأحداث الثورية في تونس، على صفحات الموقع الالكتروني العربي للتيار الماركسي الأممي Marxy.com. نحن نعلم أنه على الرغم من المنع الذي يمارسه النظام التونسي على الإنترنت، فإن أفكارنا يتم نقاشها بين صفوف المناضلين/المناضلات التونسيين/ التونسيات. وسيتم قريبا ترجمة هذه المقالة إلى اللغة الإنجليزية.
الاثنين: 10 يناير 2011
مراسلنا في الشرق الأوسط
عنوان النص بالإنجليزية:
Tunisian revolt goes on unabated: ‘We do not fear you any more!’