الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب:”العدل والإحسان” وحركة عشرين فبراير – موقفنا

المغرب:”العدل والإحسان” وحركة عشرين فبراير – موقفنا

رسم كاريكاتوري لخالد كدار

تشهد الحركة الشبابية الثورية، التي انطلقت منذ عشرين فبراير، حضورا قويا نسبيا لجماعة العدل والإحسان الأصولية. وقد أثار هذا الحضور، الذي يصل إلى حد الهيمنة أحيانا، الكثير من النقاشات والمواقف، المعارضة والمؤيدة، داخل صفوف اليسار بمختلف تلاوينه. فهناك من التيارات اليسارية من يعتبر هذا الحضور “مسألة إيجابية يساهم في تقوية الحركة ضد الاستبداد”، وبالتالي يجب تثمينه وتوفير كل الشروط لاستمراره، ولو بالتخلي، كليا أو جزئيا، عن بعض المطالب كالعلمانية مثلا، والمساواة التامة بين الرجل والمرأة، الخ، إضافة إلى التخلي عن نقد تلك التيارات، أو على الأقل تأجيل ذلك النقد، لكي لا يؤدي إلى شق صفوف الحركة وبالتالي خدمة مصالح أعدائها. وهناك من التيارات اليسارية من يتبنى عكس هذا الموقف تماما، ويدعو إلى عدم المشاركة في الحركة ما دامت هذه التيارات الأصولية مشاركة فيها[1].

يستند أصحاب الموقف الأول على التجربة المريرة التي تراكمت في الجامعات المغربية المبنية على العنف بين التيارات اليسارية والتيارات الإسلامية، وانعكاساتها على الحركة الطلابية، وهو ما أدى إلى ابتعاد أغلبية الجماهير الطلابية عن العمل النقابي والسياسي خوفا واشمئزازا. مما يجعل الكثير من الغيورين على الحركة الشبابية الثورية الحالية حذرين من تفجير أي صراع مهما كان بين مكونات الحركة اليسارية والإسلامية، والذي، من منظورهم، سوف يؤدي إلى تنفير الشباب وضرب الحركة وإضعافها.

بينما يستند أصحاب الموقف الثاني، وهم شباب راديكاليون، يطلقون على أنفسهم أحيانا اسم ماركسيين وشيوعيين، الخ، على أن الحركات الإسلامية، ومن بينها العدل والإحسان، حركات فاشستية ظلامية ورجعية، ولا يمكن التلاقي معها مطلقا. كما يستندون إلى التجارب المأساوية التي يقدمها لنا تاريخ التحالفات بين اليسار والإسلاميين ( في إيران والسودان وغيرها) والتي انتهت بمجازر رهيبة في حق الطبقة العاملة والمناضلين، وهزائم تاريخية ساحقة لتلك الثورات.

نوجد نحن مناضلات/ مناضلو رابطة العمل الشيوعي في قلب هذا النقاش، انطلاقا من مسؤوليتنا المبدئية، كشيوعيين/ ات، في الدفاع عن المنظور الطبقي العمالي الثوري داخل الحركة الشبابية الثورية، وفي تطوير التجربة اليسارية الجماعية، وعلى اعتبار تواجدنا الميداني في الحركة، مما يقتضي توضيح موقفنا وموقعنا داخلها.

لقد سبق لنا، نحن مناضلات/ مناضلو رابطة العمل الشيوعي، أن أوضحنا موقفنا من التيارات الأصولية في العديد من المناسبات، (انظر على سبيل المثال “بيان التيار الماركسي الأممي حول الثورة العربية”، “إيران ثورة في انتعاش”، الخ).

وسنعمل في هذه الورقة على المزيد من توضيح هذا الموقف انطلاقا من دراسة ملموسة لتيار العدل والإحسان، الذي يعتبر أهم تيار أصولي مشارك في الحركة.

إلا أنه قبل القيام بذلك بالتفصيل، نرى من الضروري تفكيك مبررات الموقفين الرئيسيين اللذان يتنازعان صفوف اليسار في العلاقة مع مشاركة الحركات الأصولية في الحركة الشبابية الثورية، ونشير هنا إلى أن تلك المبررات وإن كانت تبدو صحيحة ومبنية على تجارب واقعية، فإنها في الواقع مبنية على نظرة ميكانيكية وأحادية الجانب، وهو السبب في كونها تؤدي في النهاية إلى خلاصات سياسية وعملية خاطئة.

صحيح أن المنطق العسكرتاري المبني على المواجهة المسلحة والعنف اللفظي المجاني الذي تتبناه بعض العصب، في الجامعة خاصة، من التيارات الأصولية، قد أضر باليسار وبقضية النضال ضد التيارات الأصولية الفاشستية، وخدم هذه الأخيرة أكثر مما أضرها، حيث أدى إلى عزل النضال ضدها، وبالتالي عزل اليسار، عن القاعدة الاجتماعية لذلك النضال، وحوله إلى صراع يخوضه “الرفاق ضد الخوانجية”.

نحن نتفهم دوافع تلك النزعة، وعندما ينفجر الصراع بين تلك التيارات اليسارية وبين القوى الفاشية نقف مبدئيا إلى جانب الأولين ضد الأخيرين، لكننا نعتبر أنها غير صالحة للنضال ضد تلك القوى.

لقد أثبتت التجربة أن المواجهات المسلحة المعزولة مع التيارات الأصولية، التي يخوضها هذا التيار اليساري أو ذاك، تكتيك غير صالح للنضال ضد تلك التيارات. إنه تكتيك مبني على تصور استبدالي يعوض النضال الجماهيري بنضال أقلية من المناضلين “المبدئيين” “الثوريين”، والتي تقوم بالعمل عوضا عن الجماهير “الجاهلة” “السلبية”. وبالرغم من كل الأوهام التي تمتلكها تلك التيارات عن نفسها، إذ تسمي نفسها ماركسية ولينينية، فإنها أبعد ما تكون عن الفهم الماركسي اللينيني لكيفية النضال وقواه المحركة وتكتيكاته. إن الماركسية تعتبر أنه لن يحرر الجماهير إلا الجماهير نفسها. وترفض كل استبدال للنضال الجماهيري بنضال أقلية “مستنيرة” تعطف على الجماهير وتكرس حياتها لتحريرها. ألم تتقوى الماركسية في روسيا بالنضال ضد الإرهابية!

لكن هل يعني هذا أنه علينا أن نتخلى عن النضال ضد الفاشية، بكل الوسائل ومن بينها العنف؟ كلا على الإطلاق! إن العكس هو الصحيح. لكن النضال ضد القوى الفاشية لن يصل إلى مبتغاه، من وجهة نظرنا، إلا من خلال عمل صبور ودؤوب من الشرح العلمي للجماهير، عبر الجريدة والتجربة اليومية، في الجامعة وفي النقابة والمعمل وفي الأحياء العمالية الخ، لطبيعة تلك التيارات وأهدافها الحقيقية، وتعليم الجماهير كيفية استشفاف المصالح الطبقية الرجعية الكامنة وراء الخطابات العاطفية والشعارات الدينية، لكي تحمل بين أيديها مهمة النضال ضد أعدائها. وفي خضم هذا النضال سيقف الماركسيون إلى جانب الجماهير وسيناضلون معها وسيحاولون قيادة ذلك النضال، لكنهم لن يوهموا الجماهير أنهم سيناضلون عوضا عنها.

أما في مواجهة الأساليب العنيفة التي تميل تلك التيارات الفاشستية بطبيعيتها إلى استعمالها، فيجب تعبئة الجماهير للانتظام في لجان للدفاع الذاتي والرد على كل هجوم فاشستي بحزم، إضافة إلى دعوة الطبقة العاملة والنقابات إلى الرد على أي اعتداء تنظمه تلك التيارات ضد الحركة النضالية في الجامعة أو في الشارع بالإضراب والملشيات المسلحة والمراقبة من طرف الجماهير. كما ينبغي أن نحول أي عنف تمارسه ضدنا إلى مناسبة للتشهير بها وتنظيم الرد الجماهيري الحازم.

نعم إننا نعلم أن تطبيق هذا التكتيك يحتاج إلى وقت وصبر ومواظبة، لكنه هو التكتيك الوحيد الصحيح، من وجهة نظرنا، وكل التكتيكات الأخرى، المدفوعة باليأس من إمكانية نهوض الجماهير للدفاع عن حركتها وعن منظماتها ومناضليها، أو المدفوعة بنفاذ الصبر والتسرع، لن تؤدي سوى إلى إضاعة وقت أكبر، دون مراكمة أي شيء.

إننا نعتبر أنه من الخطأ تمكين أعدائنا من تحويل صراعنا ضدهم إلى صراع نخبوي معزول عن قاعدته الاجتماعية، لأنهم إذ ذاك سيهزموننا بالتأكيد.

والآن نعود إلى دراسة الموقف الواجب اتخاذه داخل الحركة من التيارات الأصولية المشاركة فيها. إننا نعتبر أنه من الخطأ الجسيم التخلي عن الحركة الجماهيرية، وعدم المشاركة فيها بحجة تواجد التيارات الأصولية. إن هذا الموقف خاطئ ورجعي.

لا يجوز للمناضل اليساري الحقيقي، فبالأحرى الماركسي، أن يتخلى عن الجماهير ويتركها بين أيدي أعدائها، تحت أي مبرر كان. إن المناضل اليساري، والماركسي تحديدا، يتواجد أينما تواجدت الجماهير، وينغرس في الحركة دون أن يطرح عليها شروطا، إنه يتواجد في الحركة كما هي في الواقع بأوهامها وأوجه قصورها، ويعمل بصبر على الرفع من مستواها اعتمادا على التدخل النظري والممارسة اليومية.

لكن في نفس الآن نعتبر أنه من الخطأ أيضا تقديم التنازلات المبدئية لتلك التيارات، وغيرها من المكونات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، بحجة الدفاع عن وحدة الحركة. إن دور اليسار الثوري داخل الحركة ليس البحث عن الوحدة مع تلك المكونات، بل دوره، على العكس تماما، فضحها وجعل الجماهير تفهم التناقض بين مصالحها وبين مصالح تلك المكونات.

إن تواجد اليسار الثوري في الحركة ليس تواجدا مع العدل والإحسان، أو غيرها من التيارات البرجوازية، أصولية كانت أو لبرالية، إنه تواجد مع الجماهير، وهذا هو ما يجب ألا يغيب عن ذهننا. وبالتالي عليه أن يتدخل في الحركة براية مستقلة، ويرفع مطالبه النابعة من هموم الجماهير وتطلعاتها، والمعبرة عن مصالحها الآنية والتاريخية، وإلا فإنه سيخون مهمته التاريخية، ويسقط في الذيلية للتيارات البرجوازية (بشكلها الأصولي أو اللبرالي)، وبالتالي لن تكون لمشاركته في الحركة أية فائدة.

من الخطأ الاعتقاد أنه بمهادنة قيادات تلك التيارات وعدم تعريضها لأي نقد سيكسب اليسار الثوري مصداقيته، ويكسب تعاطف الجماهير. وحتى تلك القواعد المدجنة التي تمكنت التيارات الأصولية من كسبها، والتي تنتمي في غالبيتها إلى البرجوازية الصغيرة المفقرة، لا يمكن كسبها من خلال مهادنة قادتها الذين يستغلونها ويسخرونها لخدمة مصالح طبقية مناقضة لمصالحها، بل من خلال تعريض هؤلاء لنقد صارم يفضح موقعهم الحقيقي ومصالحهم الحقيقية وأهدافهم الحقيقية. بهذه الطريقة لن نتمكن فقط من كسب أسماع وتعاطف الجماهير الواسعة، بل سنتمكن أيضا من كسب أسماع وتعاطف حتى هؤلاء الشباب الذين أوقعهم سوء حظهم وضعف اليسار وخيانة قيادات المنظمات الجماهيرية في شرك تلك التيارات.

تتكون التيارات الأصولية ذات القاعدة الواسعة بطبيعتها من فئات اجتماعية مختلفة الأصول الطبقية، لأنها لا تؤطر وتستقطب المنخرطين على قاعدة برنامج سياسي واضح، بل تطرح لهم شعارات عامة بغلاف ديني، تميع الانتماءات الطبقية وتخفي المصالح الحقيقية الكامنة وراءها. وخطابات ديماغوجية تعادي شكلا الاستغلال والإمبريالية، بينما تكرس في الواقع الوضع القائم من خلال دفاعها عن أسسه: الملكية الخاصة والدولة البرجوازية ووجود الطبقات.

وفي ظل غياب أو ضعف القيادة العمالية الثورية، وخيانة قادة المنظمات الجماهيرية، من أحزاب يسارية ونقابات، يقع الكثير من الشباب الفقير الباحث عن تغيير واقعه، في فخ تلك التيارات. وفي حين تتكون قيادة تلك التيارات من عناصر برجوازية أو برجوازية متوسطة، وعناصر منحلة طبقيا تمكنت من الارتقاء الاجتماعي بفضل موقعها القيادي داخل تلك التنظيمات وما يوفره ذلك من فرص، فإن القاعدة الواسعة تتكون من عناصر برجوازية صغرى مفقرة (أصحاب المشاريع التجارية الصغرى، الموظفين البسطاء، الخ) وبعض فئات الشباب المهمش والفئات المتأخرة من الطبقة العاملة.

إن تلك الفئات هي في آخر المطاف القاعدة الاجتماعية لليسار الثوري ولمشروع التغيير الثوري للمجتمع، وبالتالي فإنها تبقى هدفا لدعايتنا وتدخلنا النظري. ومن الواجب على كل المناضلين الاشتراكيين أن يستغلوا تواجدهم داخل الحركة الجماهيرية الشبابية الثورية الحالية من أجل التأثير في تلك العناصر من أجل تخليصها من سيطرة قادتها الرجعيين.

إن سيطرة قادة التيارات الأصولية على قواعدهم، تعود إلى حد بعيد، إلى قدرتهم على عزلهم واحتكار القدرة على التواصل معهم، في حلقات داخلية لغسل الأدمغة تنظم بشكل منهجي ومستمر، حيث يتم تنفيرهم من الاشتراكية باعتبارها كفرا، ومن الديمقراطية باعتبارها إثما، ويوهمونهم أن وجود الفقر إلى جانب الغنى أمر إلهي، وأنه لا وجود للمستغَلين والمستغِلين، بل فقط لمن خلقهم الله فقراء يخدمون من خلقهم الله أغنياء، وأنه لا يمكن العمل على القضاء على هذا الوضع “الطبيعي”، وأن التخفيف من معانات “الفقراء” رهين بتقديم “الأغنياء” للصدقات، والتحلي بالأخلاق الحميدة، الخ.

على اليسار الثوري في المقابل أن يوضح لهم أن سبب الوضع المأساوي الذي يعيشونه هو الرأسمالية، وان الحل الوحيد الممكن هو استيلاء الطبقة العاملة والكادحين على وسائل إنتاج الثروات وتأميمها تحت الرقابة الديمقراطية للمنتجين وتسخيرها لخدمة المجتمع أجمع.

لقد وفرت الحركة الحالية فرصة تاريخية لليسار الثوري ليدخل في علاقة مباشرة مع هؤلاء الشباب بواسطة شعاراته ومطالبه وبرنامجه. وبهذه الطريقة سوف يتمكن اليسار الثوري من كسب ذلك الشباب الفقير والطامح للتغيير، وشق تلك التنظيمات على أسس طبقية.

أنس رحيمي
29 شتنبر 2011

هوامش:

1: إلى جانب هذا وذاك هناك تيارات كل زادها هو العفوية وغياب الموقف، والانتقال من هذا المكان إلى ذاك، وتخفي إفلاسها بالصمت، أو بتدبيج مواضيع إنشائية من حين لآخر لا تتضمن أي موقف واضح من هذه المسألة ومن غيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *