مرت أكثر من سنة على ظهور حركة عشرين فبراير بالمغرب، في إطار الربيع العربي الذي بدأ من تونس وما زال مستمرا، ونظمت حركة عشرين فبراير تظاهرات في عدد من مدن المغرب للمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كان أول ظهور للحركة على إثر قيام مجموعة من الشباب والشابات بالدعوة إلى الخروج في حركة احتجاجية في تاريخ العشرين من فبراير 2011 في كل المدن المغربية، وذلك عبر الانترنيت والفايس بوك خصوصا، من اجل المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وكان لها ذلك فقد خرجت المسيرات في كل مدن المغرب مطالبة بالتغيير والقضاء على الفساد وتحقيق الحريات والعدالة الاجتماعية.
حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية.
إن الطبقة السائدة في المغرب مثلها مثل شبيهاتها في العالم العربي والعالم تعيش أزمة خانقة على جميع المستويات، اقتصاديا، اجتماعيا، وسياسيا. إن المغرب يمر بأزمة قلبية خطيرة تشمل كل القطاعات بدون استثناء، وتظهر الأرقام والمؤشرات تدحرج المغرب في سلم الترتيب الدولي في ميادين التعليم والصحة والتكنولوجيا والدخل الفردي والتنمية البشرية وقد كانت الثورة في تونس دافعا مهما ورائعا للشباب في المغرب من اجل الانتفاض على الاستبداد والظلم والقهر. فقد قضت الدولة المغربية وحاكميها بشكل ممنهج على الحريات العامة، وأهمها حرية التعبير والصحافة والتظاهر والانخراط وتكوين النقابات والجمعيات الخ من الحريات، واستمرت الانتهاكات الجسيمة وغير الجسيمة لحقوق الإنسان، والاعتقالات التعسفية، والمحاكمات الصورية وأصبح معتادا القمع العنيف للاحتجاجات السلمية للحركات الحقوقية والعمال والمعطلين وعموم المواطنين الذين تضطرهم ظروف حياتهم القاسية للاحتجاج. كما واستفحل الفساد فبالرغم من استمرار كل مظاهر الفاقة والتهميش الاجتماعي تمكنت أقلية من مراكمة الأموال، والاستحواذ على الحصة الكبرى من ثروة البلاد بكل الطرق والوسائل المتاحة أمامها من نهب المال العام، وريع اقتصادي وصفقات عمومية مشبوهة، وامتيازات لا حصر لها : إعفاءات ضريبية ورخص استغلال البر والبحر وتسهيلات إدارية وقروض بنكية. وهكذا تعمق الفارق الطبقي بين مغربين، مغرب الأقلية المسيطرة الذي يزداد غنى، ومغرب الفقراء الذي يغوص في مستنقع الجهل والبؤس والحرمان والعزلة، حتى أصبح الشعب المغربي بدون كرامة وفاقدا لأي حق من حقوق العيش الكريم، وسط غلاء مهول للمعيشة بل أكثر من ذلك فقد أصبح يعيش في فقر تصل مستوياته إلى ما تحت عتبة الفقر بكثير. كما تزايدت نسب البطالة بين الشباب لمستويات خيالية. وفي مفارقة غريبة هو أن هذا الشعب الفقير يعيش في بلد فيه كل ما يمكن تخيله من ثروات طبيعية ومعدنية ويطل على واجهتين بحريتين وتذهب كل هذه الثروات إلى جيوب أقلية من الطبقة السائدة بكل بساطة بينما يعيش كل الشعب الفقير في قهر متواصل. ومن اجل كل هذا انتفض هذا الشعب، ورفع شعار حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية.
شرعية حركة 20 فبراير
تستمد حركة 20 فبراير شرعيتها أساسا من الجماهير الشعبية الفقيرة التي ساندت ولا تزال هذه الحركة وتلبي بدون تردد نداءاتها للخروج في الأيام الاحتجاجية والتي أخذت منذ سنة شكلا أسبوعيا وتحديدا يوم الأحد من كل أسبوع. فالحركة مدعومة على قاعدة شبابية واسعة بالإضافة لباقي الشرائح العمرية والتي هي عموما من الطبقة العاملة والفقيرة والمضطهدة والتي وجدت في الحركة تلك الصرخة المكتومة التي كانت تنتظر إطلاقها. لقد عبرت الحركة ومنذ سنة عن مطالب هذه الطبقة الكادحة وعن تشبثها بتحقيق جميع المطالب مهما طالت مدة الاحتجاج. كما وساندت في أكثر من مناسبة بعض المطالب الفئوية فاستحقت عن جدارة شرعيتها المستمدة من الجماهير وهذا هو السبب في استمرارية هذه الحركة حتى الآن.
الطبقة السائدة تحرق أوراقها
مع ظهور النداء للتظاهر يوم 20 فبراير 2011 عبر الفايسبوك، تعامل النظام بشيء من التمويه مع هذه الدعوة فمرة يقول بان المغرب بلد ديمقراطي ومن حق الشعب التعبير عن مطالبه والتظاهر ومرة يرهب من أن تقوم هناك أعمال شغب تضر بالصالح العام، وبدا موقف النظام متذبذبا أمام إصرار غير معهود للشباب بالخروج والتظاهر مهما كلف الأمر.
يوم 20 فبراير 2011 خرجت الجماهير الشعبية بأعداد لم يكن يتوقعها النظام أبدا، فبدأ يحشد قمعه للتصدي لها خصوصا أن بعض المظاهرات عرفت تكسير بعض المحلات والسيارات وإحراق وكالات بنكية ومحلات تجارية فتدخل القمع بشكل رهيب ضد المتظاهرين وتم اعتقال المئات عبر المغرب واستشهد العديد من الشباب من بينهم كريم الشايب الذي كانت ذكرى وفاته منذ يومين، كما تعرض العديد من الشباب والمناضلين للتعنيف والضرب والجرح على أيدي الآلة القمعية داخل مخافر الشرطة كما حدث لرفيقنا في رابطة العمل الشيوعي منصف العزوزي مما تطلب عملية جراحية فقد على أثرها طحاله. كما قامت المحاكمات الصورية ضد عدد من الشباب وحكم عليهم بالسجن.
رغم هذا القمع الشرس والممنهج، لم يرتعب شباب 20 فبراير بل أكدوا على استمرارية الحركة حتى تحقيق كافة مطالبها، وقد تعرض العديد من الشباب في 20 فبراير للترهيب الشخصي من طرف الشرطة وعبر الاتصالات الهاتفية وعبر التعرض للضرب على أيدي بلطجية النظام. إلا أنهم لم يتراجعوا أبدا بل كان هذا دليلا على صحة الطريق التي يسلكونها.
وفي الاحتجاجات التي تلت يوم 20 فبراير2011 استخدم النظام بلطجيته محاولا تكسير صفوف الحركة، والتعدي على شباب 20 فبراير الذين تصدوا بشكل رائع لهم.
بعد استنفاذ هذه الأوراق جاء خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس 2011 والذي أكد فيه عن مراجعة دستورية عميقة وتعزيز منظومة حقوق الإنسان وانتخاب الحكومة ديمقراطيا، وبعد هذا الخطاب كلفت لجنة بصياغة مشروع دستور جديد، طبعا بدون المساس بصلاحيات الملك، وبعدها تمت المصادقة عليه وتم تفعيله وقامت أولى الانتخابات بعد هذا الإصلاح الدستوري الصوري يوم 25 نوفمبر 2011، والتي أصبح على إثرها عبد الإله بن كيران، أحد قيادي حزب العدالة والتنمية الإسلامي، رئيسا للحكومة الجديدة.
لكن رغم كل هذه الإصلاحات المزعومة والترقيعية فإن الوضع في المغرب لم يتغير، الفقراء ضلوا فقراء، والعاطلون لا يزالون عاطلين عن العمل، والبرنامج الحكومي لا يختلف عن سابقه في أي شيء، نفس الوعود تتكرر والمواطن المغربي المهمش أصبح يعرف هذه الحقيقة، واعتبرت حركة 20 فبراير أن التغيير الذي كانت تطالب به منذ أشهر لم يتحقق بعد. وأعلنت مواصلتها للنضال. حتى مع خروج جماعة العدل والإحسان من الحركة بعد صعود الحزب الإسلامي خلال الانتخابات. فأصبح اليسار هو من يتحمل المسؤولية في استمرارية الاحتجاجات ونجح في ذلك.
ما الذي حققته 20 فبراير؟
بعد مرور سنة من النضالات ما الذي يا ترى حققته حركة 20 فبراير؟
أولا: ساهمت حركة 20 فبراير في تفعيل الزخم الثوري الذي كان راكدا لمدة طويلة من الزمن وأحيت الأمل لدى الشباب اليساري الذي كان قد بدأ اليأس يتسلل إلى صدره، فأدرك أن ما يعيشه من ربيع عربي ليس حلما طوباويا بل حقيقة رائعة، وأن المغرب ليس استثناءا مما تعيشه باقي الدول العربية من تغيير، وأن إمكانية التغيير أصبحت أكثر قربا مما كان يظن، فانخرط في النضال ضد الديكتاتورية.
ثانيا: دفعت حركة 20 فبراير الشباب، الذين لم يهتموا بالسياسة سابقا، إلى طرح الأسئلة، وإلى البحث عن البديل، ليس هذا فقط، بل وإلى المشاركة الفعلية في التغيير عبر الخروج المكثف والحماسي في المظاهرات رغم التعتيم الإعلامي الكامل على الحركة اليافعة.
ثالثا: جمّعت حركة 20 من فبراير النضالات الشعبية المتفرقة والفئوية والمقسمة، في حركة موحدة، فتراجعت النضالات التي كانت عبارة عن جزر متفرقة بين المدن المغربية.
رابعا: وهذا أهم شيء وهو ارتباط الحركة الوثيق بالجماهير من الجنسين ومن كافة الأعمار والذين آمنوا بالحركة ولبوا نداءاتها حتى أصبحت مرجعية لهم في بعض الحالات.
وفي الأخير استطاعت الحركة أن تنظف بيتها من خلال خروج حركة العدل والإحسان الانتهازية والشوفينية من صفوفها فأخذ اليسار كعادته على عاتقه مسؤولية الحركة ودفاعه عن مطالب الجماهير مهما كلف الأمر.
في الذكرى السنوية لحركة 20 فبراير رفع شعار تغيير النظام في أكثر من مدينة وطبع على أكثر من نداء، كما وأقيم اعتصام بساحة الحمام بالدار البيضاء.. إن الحركة تتجذر على مستوى مطالبها وشعاراتها وهي ذاهبة في الطريق الصحيح.
في ذكرى الحركة السنوية.. نتذكر شهداء الحركة الفبرايرية الجماهيرية ونتذكر معتقليها.. ونشد على أيدي مناضليها من الشباب ومن كل الفئات العمرية الذين أبوا إلا أن يقضوا على هذه الديكتاتورية الجاثمة على صدور الفقراء في هذا البلد.
- تحيا حركة 20 فبراير.
- تحيا نضالات الشعب المغربي.
أنس رحيمي
24 فبراير 2012