تعيش الدواوير المحيطة بإقليم العرائش (خاصة دواري اشليحات والسحيسحات) منذ يوم الخميس 14 يونيو 2012، الماضي تحت حصار وقمع شديدين.
وقد اندلعت الأحداث عندما خرجت جماهير دوار اشليحات، وهم في الغالب فلاحون فقراء وعمال زراعيون، للاحتجاج على الشركة المتعددة الجنسيات، الاسبانية الأصل، RIVERRA D’ AROZ، التي تقوم بزرع الأرز في أراض اكترتها بأثمان بخسة من مصلحة الأملاك المخزنية، مما يتسبب لتلك الدواوير في أضرار هائلة من حيث استنزاف الثروة المائية أو من جحافل الحشرات الضارة، وخاصة البعوض، التي تهاجمهم ليل نهار.
في السابق تمكن السكان من أن يفرضوا على الشركة عدم زراعة الأرز بالأراضي المحاذية للدوار لتفادي هجوم الحشرات الضارة على الدوار، وذلك بفضل نضالات بطولية تعرضوا خلالها لقمع همجي.
لكنهم تفاجئوا يوم الخميس 14 يونيو 2012، على الساعة التاسعة صباحا، بقيام الشركة بإحضار مجموعة من الجرارات إلى الأرض المحادية للدوار محل النزاع بحراسة مشددة من قوات التدخل السريع والدرك والقوات المساعدة، لحرثها بالأرز في خرق سافر لاتفاقات سابقة.
وبعد تدخل السكان لمنع الشركة من الحرث قامت قوات القمع بمهاجمة المحتجين باستعمال الهراوات والقنابل المسيلة للدموع مما أسفر عن عشرات الجرحى والاعتقالات. وقد أكد تقرير الجمعية المغربية لحقوق الانسان، فرع العرائش، الذي اعتمدناه لصياغة هذا المقال، حدة القمع وممارسة قوات القمع للتعذيب وتنفيذ اعتقالات عشوائية.
لكن هذا القمع الهمجي لم ينل من عزم الجماهير على النضال؛ فاستمرت تقاوم بكل ما هو متوفر لديها. والرائع هو انضمام الدواوير الأخرى المحيطة إلى المواجهة يوم الجمعة 15 يونيو (القواسمة اعدارا، ركراكة، دهار الريح، غمارة، اولاد بخاشوا، برواكة، المجاهدين، بوشارن، عامر).
وأمام صمود الجماهير البطولي واتساع رقعة التضامن، قام جهاز الدولة البرجوازية المرعوبة بتصعيد حملة قمعها يوم السبت 16 يونيو لوأد الحركة قبل أن تزيد في اتساعها وتتحول الأحداث إلى ثورة تتجاوز المنطقة والاقليم، في ظل ظروف محلية وجهوية ووطنية مواتية جدا لذلك. فزادت من الانزال القمعي عبر كل الوسائل من بينها المروحيات، كما صعدت من وتيرة ونوعية القمع الذي انتقل إلى استعمال الرصاص المطاطي، واللجوء إلى أساليب بائدة قائمة على العقاب الجماعي وتطبيق سياسة الأرض المحروقة ونهب وتخريب ممتلكات المواطنين ومتاجرهم ومساكنهم. كما تتحدث بعض التقارير من عين المكان عن حدوث حالات اغتصاب.
الجماهير الشعبية واصلت الصمود والتحدي، بالرغم من عدم امتلاكها لوسائل المقاومة، ما عدا الحجارة وصدورها العارية.
تأتي هذه الانتفاضة المجيدة من طرف النظام في سياق نهوض نضالي عارم عرفته وتعرفه وستعرفه كل مناطق المغرب: صفرو وسيدي افني وتازة وايت بوعياش وايميضر وسكورة، الخ،، وحركة عشرين فبراير، بالاضافة إلى نهوض عمالي عارم توج بالمسيرة التي نظمتها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء يوم: الأحد 27 ماي 2012، ومسيرة الغضب بالرباط يوم: الأحد 10 يونيو 2012، التي دعت إليها المنظمة الديمقراطية للشغل. كما أن رد النظام الملكي الدكتاتوري القائم عليها جاء متشابها في كل مرة: القمع الشرس المستهتر بأرواح الجماهير وسلامتهم الجسدية والممعن في وحشيته.
إن النهوض النضالي العمالي والشبابي والشعبي الذي يشهده المغرب دليل على أن الجماهير قررت أخذ مصيرها بأيديها بعيدا عن وصفات الاصلاحيين واللبراليين ووعود المسؤولين الحكوميين.
كما ان ردة فعل النظام تظهر حجم الرعب الذي يشعر به أمام حركة لا تنفك تتصاعد وتمتد وتنتشر. إنه مرعوب لأنه عاجز. لقد انتهت مرحلة الوعود الزائفة وبدأ تأثيرها يتضائل حتى بين الفئات الأكثر تخلفا بين الجماهير. والأزمة الخانقة التي يعيشها على كل الأصعدة تجعله مفتقدا لأي بديل آخر له يقدمه للجماهير ماعدى القمع.
لكن القمع لا يحل أيا من المشاكل التي تعانيها الجماهير، فهو لا يشغل عاطلا ولا يشبع جائعا ولا يسكن مشردا. وحتى عندما تكون موازين القوى مختلة لصالح البرجوازية ودولتها فإن القمع لا يعمل سوى على إخراس صوت المحتجين مؤقتا ويؤجل لحظة انفجار آخر أكثر حدة وكفاحية، أما في ظل موازين القوى الحالية المختلة بشدة لصالح الجماهير، وحيث جهاز القمع منهك من كثرة استخدامه، وحيث العصا لم تعد تخيف حتى الأطفال، فإنه لا يعمل سوى على أن يزيد من النقمة بين صفوف الجماهير وكفاحيتها وتصميمها. وهذا ما أعطتنا تجارب تازة وأيت بوعياش والعرائش دليلا ساطعا عليه.
ما العمل؟
أكثر من خمسون سنة مرت على “تحقيق الاستقلال”¹ والطبقة السائدة في المغرب ونظامها الملكي يحكمان المغرب، فما هي النتيجة؟ النتيجة التي تؤكدها كل المعطيات هي أن البلد غرق في هوة المزيد من الاستغلال والتخلف والفقر والبؤس والجهل بالنسبة للجماهير الشعبية، بينما اغتنت أقلية قليلة من الطفيليات إلى درجات لا تصدق (الملك سابع أغنى ملوك العالم، والتحق ثلاثة على الأقل من كبار البرجوازيين المغاربة بقائمة 500 أثرى أثرياء العالم).
وطيلة هذه العقود لم يستفد الشعب المغربي لا من ثروات وطنه ولا من الحرية ولا من الكرامة، واستمر يرزح تحت ثقل نظام دكتاتوري تفنن في ابتداع أشكال قمع وتعذيب وحشية إلى أبعد الحدود (قمع المتظاهرين العزل بالرصاص، المقابر الجماعية لشهداء الانتفاضات، تدمير أجيال من خيرة الشباب بشتى الطرق، درب مولاي الشريف، تازمامارت، تمارة الخ).
كما أن كل تلك الوصفات الجميلة التي طالما قدمها لنا الإصلاحيون واللبراليون والقائمة على أن الدواء الناجع موجود في السلم والحوارات الاجتماعية والمفاوضات الأخوية بيننا وبين الطبقة الحاكمة أثبتت بالملموس فشلها وإفلاسها.
وفي هذا السياق العام نعلن نحن في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، أننا نقف بشكل مبدئي ولا مشروط إلى جانب أبناء شعبنا الكادح في كل نضالاته ضد الاستغلال والقمع، ونحيي نضالات العمال والفلاحين الفقراء في إقليم العرائش، ونشارك فيها بكل قدراتنا وقوانا، وندين حملة القمع الهمجي التي تقوم بها الدولة البرجوازية حامية الشركات الرأسمالية والاستعمارية.
كما نحيي التضامن الذي عبرت عنه بعض الجمعيات والتيارات التقدمية، ونعلن استعدادنا للمشاركة في كل الأشكال النضالية الاحتجاجية من أجل وقف القمع ومحاكمة المسؤولين عن الاعتداء على المواطنين/ات ومختلف الجرائم التي ارتكب ضد المحتجين/ات. كما ندعو النقابات العمالية إلى اتخاذ خطوات فورية وحازمة ضد هذه الحملة القمعية، وغيرها من الهجمات التي تتعرض لها الطبقة العاملة محليا ووطنيا، بالدعوة إلى اضراب عام اقليمي وجهوي ووطني.
وإذ نؤمن بأن الظروف الموضوعية ناضجة لإنجاز المهام الثورية وإسقاط النظام الدكتاتوري الرأسمالي القائم، نؤكد أنه علينا تنظيم نضالاتنا المشتتة، تحت راية الطبقة العاملة، عبر مختلف القطاعات (عمال، فلاحين، شباب عشرين فبراير، طلاب، معطلين، الخ) ومختلف المناطق (تازة، ايت بوعياش، ايميضر، العرائش، الخ) في نضال واحد عبر تشكيل لجان تنسيق ثورية منتخبة ديمقراطيا في الدواوير والمدن وعلى الصعيد الوطني، على قاعدة برنامج يضم مطالب كل الفئات، ويربطها بمهمة القضاء على الدكتاتورية والاستغلال، وبناء دولة الديمقراطية الحقيقية، دولة العمال والفلاحين وعموم الفقراء. فبدون توحيد هذه النضالات ستبقى نضالاتنا ضعيفة وبدون أثر كبير، وستذهب تضحياتنا الجسام هباء.
أيها الشباب الثائر يا عموم الطبقة العاملة المغربية ويا أيها الفلاحون الفقراء: إن القيام بمهمة التوحيد ونجاحها في اسقاط أنظمة الاستغلال والدكتاتورية والتبعية والتخلف، وبناء دولة الديمقراطية العمالية تفترض بالضرورة وجود قيادة ثورية تمتلك نظرية علمية وبرنامجا ثوريا. لقد أثبتت الطبقة العاملة والشباب الثائر في تونس ومصر، الخ، أن الثورة ليست مستحيلة. كما أثبتت أنه وإن كان بامكاننا اسقاط بعض رموز القهر والظلم، فإن القضاء النهائي على أصل القهر والظلم واجتثاثه عميقا من بلداننا غير ممكن بدون تلك القيادة.
أيها الشباب الثائر يا عموم الطبقة العاملة المغربية ويا أيها الفلاحون الفقراء: لا حل ممكن في ظل النظام القائم، ولا إمكانية للتخلص منه إلا بالنضال الثوري، ولا نضال ثوري حقيقي بدون نظرية وتنظيم ثوريين. فلنعمل على بناء ذلك التنظيم.
إننا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، نحمل على كاهلنا مهمة بناء تلك القيادة، وندعوكم إلى الالتحاق بنا على هذا الدرب. شكلوا في كل مكان خلايا لتكوين الأطر الثورية، عبر المزاوجة الجدلية بين الممارسة الثورية والنضال اليومي الحازم إلى جانب أبناء شعبنا الكادح في كل أماكن تواجدنا، وبين التكوين النظري على قاعدة الفكر الماركسي الثوري وتجارب الثورات والنضالات. اقرأوا جريدتنا (الشيوعي) وباقي وثائقنا، راسلونا على موقع ماركسي لتعبروا عن آرائكم وانتقاداتكم، التحقوا بنا ولنواصل النضال.
رابطة العمل الشيوعي
الثلاثاء: 19 يونيو 2012
هوامش:
1: الذي هو في الواقع استقلال شكلي ومزيف