الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: حادثة تيزي نتيشكا: “من لم يقتله رصاص النظام الدكتاتوري تقتله طرقه”

المغرب: حادثة تيزي نتيشكا: “من لم يقتله رصاص النظام الدكتاتوري تقتله طرقه”

إننا في رابطة العمل الشيوعي نشعر بأسى عميق جدا على ضحايا هذه الفاجعة، خاصة وأنه لم تمر سوى أشهر قليلة على فاجعتنا وفاجعة الشباب الفبرايري وعموم الطبقة العاملة والحركة الماركسية في رفيقنا الغالي أنس الحكيم بناني، عضو اللجنة المركزية لرابطة العمل الشيوعي، الذي لقي حتفه هو أيضا في حادثة سير أودت بحياته وبحياة اثنين من أصدقاءه. وفي هذه المناسبة الأليمة نتقدم بأحر وأصدق تعازينا إلى أسر الضحايا وإلى عموم أبناء شعبنا الكادح، ونعلن انخراطنا في الحداد الشعبي عليهم.


خلال الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 04 شتنبر، وقعت حادثة سير مفجعة على الطريق الرابطة بين مراكش ووارزازات في النفوذ الترابي لإقليم الحوز.

حطام الحافلة المنكوبة

كانت الحافلة المنكوبة قادمة من مدينة زاگورة في اتجاه مراكش وهي تحمل عددا لا يصدق من البشر، حيث كان على متنها سبعة وستون راكبا وراكبة!!!

وبالرغم من استمرار تضارب المعطيات وشحها حول الأسباب المباشرة للحادثة فقد أفاد بعض شهود العيان أن الحافلة انقلبت بعد اصطدامها مع سيارة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس، لتسقط من علو شاهق جدا، مما أدى إلى مقتل أزيد من 44 شخصا حسب الإحصاءات الأولية، وإصابة الآخرين بجروح متفاوتة الخطورة. أغلب الضحايا من إقليم زاكورة المهمش، وخاصة طلاب كانوا في طريقهم إلى مراكش للتسجيل في كلياتها، يحلمون بمستقبل وردي، مثل أحلام أمهاتهم اللائي ودعنهم بالدعوات والأمل.

ليست حوادث السير بالمغرب أمرا نادر الوقوع، حيث لا يمر يوم واحد في السنة دون أن نسمع بوقوع حادثة أو أكثر يكون العديد منها قاتلا. وفي كل سنة يموت ما يفوق 4000 مغربية ومغربي، (وهو ما يعادل حوالي 11 قتيل كل يوم)، إضافة إلى آلاف الجرحى والمعطوبين.

من المسؤول؟

إن الشعور الطبيعي بعد هذه الفاجعة هو الصدمة والحزن. إنها خسارة فادحة بكل المقاييس، وفي هذه المناسبة الأليمة نتقدم بأحر وأصدق تعازينا إلى أسر الضحايا وإلى عموم أبناء شعبنا الكادح، ونعلن انخراطنا في الحداد الشعبي عليهم. لكن واجب الوفاء لذكرى ضحايا الحادثة وغيرهم من الضحايا يحتم علينا طرح السؤال: من المسؤول. يجب تحديد المسؤوليات بشكل دقيق لكي يتحمل كل مسؤوليته، ونتمكن من وقف هذا النزيف الرهيب.

بمجرد وقوع الحادث سارع المسؤولون الحكوميون إلى تقديم التفسيرات المفصلة لأسباب الحادثة، دون الحاجة طبعا إلى إجراء أي تحقيق، إذ ما الحاجة إلى التحقيقات بينما المبررات موجودة جاهزة رهن الإشارة عند كل حادثة مشابهة؟ السبب دائما هو السائق والسرعة المفرطة. وهذا ما أكده الوزير الملتحي عزيز الرباح، وزير التجهيز، يوم الثلاثاء 4 سبتمبر٬ حيث صرح أن: “أزيد من 80 % من حوادث السير راجع بالأساس إلى السلوك البشري”، مؤكدا أن “الحادث لا علاقة له بالبنية التحتية، لأن الطريق جيدة وما يلزم هو التحكم في السرعة”.

وبما أن أفضل من يشهد للذئب هو ذيله، فقد صادق المدير الإقليمي لوزارة النقل بالحوز، عباس السعدي، على قول وزيره، حيث أرجع: ” أسباب هذه الحادثة المميتة إلى السرعة المفرطة والعياء الذي أصاب السائق، فضلا عن التجاوز المعيب وغير القانوني، وكلها عوامل أدت إلى عدم تحكم السائق في القيادة وأدى إلى سقوطه في المنحدر السحيق”.

مرتكب الجريمة واضح إذن: إنه السائق طبعا. والآن على الجميع أن يعود إلى منازلهم ولتسارع أسر الضحايا إلى دفن أمواتها بهدوء، وليقبلوا يد “جلالته” وليدعوا له بطول العمر، لأنه تكرم بمصاريف الدفن، كما هي عادته دائما، ولسان حاله يقول ما عليكم سوى أن تموتوا وتريحوني وسأتكفل أنا بقصعة الكسكس وثوب الكفن.

لكن هذه “التفسيرات” التي قدمها المسؤولون، لكي يبرؤوا أنفسهم ويستروا الأسباب الأعمق لوقوع هذه الحادثة وغيرها، لم تقدم لهم في الواقع صك براءة. بل زادت فقط في فضح الأسباب الحقيقية. فحتى لو اكتفينا بمبرر عياء السائق والسرعة المفرطة باعتبارهما من أسباب الحادثة، فإن ذلك إقرار واضح بالاستغلال البشع الذي يتعرض له هؤلاء العمال على يد أصحاب شركات النقل الذين هم في الغالب من أعوان النظام القائم وحصلوا على مؤذونية النقل بالفساد وتقديم الخدمات لنظام الاستبداد.

يفرض هؤلاء الرأسماليون على السائقين العمل ساعات طويلة جدا، تتجاوز في بعض الخطوط 14 ساعة متواصلة بدون نوم (خط طانطان الرباط وورزازات طنجة على سبيل المثال). كما يفرضون عليهم خلال أوقات الذروة (بدايات ونهايات العطل والأعياد) أن يسرعوا أكثر ما يمكن ويحملوا اكبر عدد ممكن، وإلا فإنهم مهددون بالطرد من العمل.

كل هذا يحدث بعلم وزارة النقل ووزارة الداخلية ووزارة التشغيل، الخ. وجميعهم سعداء بضخامة الرشاوى التي يحصلون عليها مقابل الصمت والتواطؤ، تحت شعار الرأسمالية الشهير: “دعه يعمل دعه يسير”.

إن الحديث عن الفساد وضعف البنية التحتية الخ، لا يجب في آخر التحليل أن يخفي عنا أصل الداء، إنه النظام القائم والطبقة السائدة. إن السبب الحقيقي هو النظام والطبقة السائدة، اللذان يتحملان كامل المسؤولية في ما جرى. فمن هم ممتلكو شركات النقل؟ إنهم مجموعة من الرأسماليين الذين حصلوا على مأذونيات النقل بتقديم خدمات للنظام القائم. ويشكلون القاعدة الاجتماعية للفساد والاستبداد. فيطلق يدهم في المقابل لكي يعرضوا عمالهم لاستغلال وحشي ويعرضوا حياة المواطنين للخطر.

ثم من هم الذين يحكمون المغرب منذ أزيد من خمسين سنة، وبالتالي هم مسؤولون عن البنية التحتية والأمن في الطرقات؟ فبعد أزيد من خمسين سنة على “الاستقلال” ما تزال أغلب طرق المغرب غير معبدة، كما أن حالة الطرق المعبدة مزرية إلى حد بعيد. ويكفي أن نشير هنا إلى أن جميع الطرق الرئيسية في البلد، ومن بينها طريق تيزي نتيشكا، بنيت خلال مرحلة الاستعمار المباشر. أما كل التحسينات الموسمية التي يدخلها النظام القائم على بعضها فهي فقط في حالة زيارة مسؤول كبير، أو اندلاع احتاج جماهيري قوي، أو لتبرير نهب الميزانية.

أزيد من خمسين سنة والنظام القائم يقدم الوعود بالتنمية، لكن حالة البنية التحتية دليل على زيف الوعود وعلى طفيلية الطبقة الرأسمالية الحاكمة، التي لا يهمها سوى نهب ثروات الوطن وتبذير الميزانيات في بذخها وقصورها ومهرجاناتها.

إن ما يزيد في فضح طفيلية الطبقة السائدة ونظامها السياسي هو واقع أن المنطقة الموجودة جنوب تيزي نتيشكا (ورزازات، تنغير الخ) وبالإضافة إلى مؤهلاتها البشرية والطبيعية الهائلة، فإنها منطقة غنية جدا بالثروات المعدنية (ذهب، فضة، كوبالت، نيكل، الخ) تنهبها شركات الملك (أونا) وغيرها من الشركات ولا تترك لأهالي المنطقة سوى التلوث والفقر والتهميش.

وعليه ففي نفس الوقت الذي يجب علينا أن نناضل من أجل فرض كل التحسينات والإصلاحات الممكنة، بما في ذلك المطالبة بتوفير البنية التحتية والطرق والمستشفيات، ومحاكمة المسؤولين عن المآسي في الطرقات من أرباب الشركات وشرطة مراقبة الطرق، الخ.. يجب علينا ألا نتوهم مطلقا في إمكانية تحقيق ذلك بشكل جدي في ظل الطبقة السائدة. هذا هو أصل الداء. وعلينا ألا نغفل مطلقا عن هذا الواقع. وما دامت الطبقة السائدة في السلطة سيستمر هذا الوضع وسيتفاقم أكثر أكثر، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي. إن خمسين سنة كافية على تقديم الدليل الحاسم على أنه لا يمكن تحقيق أي تنمية حقيقية ولا توفير بنية تحتية متقدمة، ولا محاربة الفساد إلا بإسقاط هذه الطبقة السائدة ونظامها السياسي.

دموع التماسيح

مباشرة بعد الحادثة أمطرتنا وسائل الإعلام الرسمية بتقارير عن “المجهودات” التي يقوم بها المسؤولون وذرف دموع التماسيح على الضحايا. لكن كل هذا مجرد نفاق. ليس ما يدفعهم إلى هذه الهرولة هو شعورهم بالحزن على مأساتنا إذ لا تهمهم حياتنا ولا صحتنا ولا سلامتنا. بل إنهم مستعدون دوما لتوجيه الرصاص إلى صدورنا كلما نهضنا إلى النضال، وهو ما تؤكده المجازر التي ارتكبوها في حقنا منذ ثورة الريف 1958، وحتى حركة عشرين فبراير مرورا بمحطات عديدة (1965- 1981- 1984- 1991 إلخ). ألم يصرح الملك الراحل أنه مستعد لقتل الثلثين لكي يحيى الثلث الصالح؟ وبالتالي فليس موت هؤلاء الضحايا هو ما يحركهم.

إن مسارعة المسؤولين إلى تقديم هذه التصريحات دليل على حجم الرعب الذي تشعر به الطبقة السائدة من العواقب المحتملة لهذه الحادثة. إنها تشبه المجرم الذي يحاول بيأس إخفاء معالم الجريمة لكي ينقذ جلده. إذ أنها تخشى من تحول مشاعر الصدمة إلى غضب جارف، وتكون هذه الحادثة السبب في اندلاع شرارة تشعل حريقا كل شروطه الموضوعية من فقر وتهميش متوفرة.

إنهم يخشون من اندلاع احتجاجات على التهميش والفساد، أو أن تتحول مراسيم الدفن إلى مظاهرات ومواجهات بين الشباب الغاضب وأهالي الضحايا وبين قوات القمع. خاصة في ظل الظروف الحالية.

ما الذي يجب القيام به الآن؟

جانب من مسيرة تضامنية بزاكورة مع ضحايا الحادثة

إن أول ما يجب علينا القيام به هو عدم الثقة مطلقا في وعودهم ولجانهم وإجراءاتهم. لقد مرت عقود وهم يرددون نفس الأكاذيب، وما زال الوضع على ما هو عليه بل ويتفاقم.

علينا أن نتخلص بأسرع وقت ممكن من مشاعر الصدمة ونحولها إلى فعل نضالي بشعارات ومطالب واضحة:

علينا أن نناضل من أجل فرض تعويض عادل لعائلات الضحايا، والاستقالة الفورية لوزراء التجهيز والداخلية ومحاكمة كل المسؤولين المباشرين عن الفاجعة بدءا بصاحب شركة النقل ورجال الدرك وغيرهم من السلطات المختصة بمراقبة الطرق والحالة الميكانيكية للحافلات.

علينا أن نناضل من أجل فرض تطبيق مخطط عاجل للاستثمار في البنية التحتية، من طرق وقناطر، وتشييد النفق الطرقي بين ورزازات ومراكش، وفك العزلة عن كل مناطق المغرب.

علينا أن نناضل من أجل تأميم قطاع النقل، ووضعه تحت رقابة مجالس العمال باعتباره الضمانة الوحيدة للقضاء على الجشع ولتحسين الخدمات وظروف عمل السائقين.

إن النضال من أجل هذه المطالب يندرج ضمن نفس النضال ضد الفساد والاستبداد، اللذان يشكلان أبرز مظاهر تعفن الرأسمالية في عصر انحطاطها. وبالتالي يجب أن نخوضه بمشروع اشتراكي ثوري، يقوم على ضرورة حسم العمال للسلطة السياسية والاقتصادية وإسقاط طبقة الطفيليين وخدامهم ووضع كل الثروات في خدمة مصالح المجتمع ككل.

رابطة العمل الشيوعي
الأربعاء: 05 شتنبر 2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *