بتاريخ 21 شتنبر 2013 وفي جنح الليل تفاجئ معتصم مخيم “تيزمي” (على بعد 30 كلمتر شمال مدينة آسا) السلميون بتدخل عنيف في حقهم من طرف قوات القمع (رجال درك وقوات مساعدة، حوالي 70 سيارة، وطائرة هيلكوبتر) والذي خلف في حينه إصابات في حق المعتصمين، وبفضل هذا العتاد والقوة استطاعت قوات القمع أن تنتزع كل الخيام وتتلف كل معدات الاعتصام.
هذا السيناريو سيستأنف ليلة 23 شتنبر على الساعة الرابعة والنصف صباحا بعدما وصلت تعزيزات أمنية إضافية أستعمل فيه الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع الذي كان يرمى من الهليكوبتر وكذا من طرف الدرك والقوات المساعدة. وقد خلف كما في السابق إصابات في صفوف الشيوخ المعتصمين واعتقال عدد منهم وتعنيفهم ليطلق سراحهم لاحقا.
في العاشرة صباحا من نفس اليوم بمدينة آسا انطلقت مسيرة تدين قمع السلطة واستعمالها للقوة في تفكيكها لمخيم الشيوخ. هذه المسيرة التي جوبهت بالغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي. على هذا الإيقاع ستشهد مدينة آسا موجة من الاحتجاج وسيتطور الأمر من مجرد مسيرة إلى مواجهة مع قوات القمع في شوارع مدينة آسا محركها الأساسي شباب المدينة. ونظرا للأعداد الهائلة لقوى القمع ودرجة تسليحها سقط عدد كبير من الجرحى والضحايا من بين المحتجين، فضل عدد منهم عدم الذهاب إلى المستشفى مخافة الاعتقال. كما سقط في هذه الاحتجاجات شاب رميا بالرصاص.
قتل هذا الشاب بطريقة وحشية جبانة حيث تعرض لرصاصة في الظهر كما أكدت ذلك شهادة أمه وتقارير حقوقية. بينما أصدرت وزارة الداخلية بلاغا تزعم فيه أن سبب الوفاة نتيجة تعرض الشاب الى الضرب بآلة حادة، لكنها لم تنس اختطاف جثمان الشهيد وتهريبه الى وجهة غير معلومة.
قوات القمع لم تكتفي بهذا بل ستنطلق في حملة مداهمة بعض المحلات التجارية والعبث وسرقة محتوياتها، البيوت كذلك لم تسلم من هذه المداهمات والإتلاف.
لكن كل هذا القمع لم يوقف الاحتجاجات بل زادها اشتعالا، حيث أن رقعة الاحتجاج ستتسع لأكثر من مدينة صحراوية، فواجهها النظام القمعي بالمزيد من العسكرة والقمع. مدينة كلميم على سبيل المثال شهدت مواجهات قوية مع جهاز القمع خلفت العديد من الضحايا أغلبهم لم يتلقى العلاجات مخافة الاعتقال. كما أسفرت حدة المواجهات عن إصابة مسؤول الأمن الإقليمي وعناصر من القوات المساعدة نقلوا على وجه السرعة الى المستشفى الإقليمي.
تعود أسباب إقامة مخيم “تيزمي” الى مطالبة قبائل آيتوسي الدولة بترسيم حدودها مع قبيلة آيت إبراهيم المنتمية إلى قبائل آيت النص. وبعد اعتصام لشباب قبيلة ايت آيتوسي دام ثمانية أيام لم تخل من مواجهة بين شباب القبيلتين استعملت فيها الحجارة والسلاح الأبيض. ستتدخل الدولة كطرف تحكيمي بين القبيلتين. وبعد مفاوضات بين القبيلتين تحت إشراف ولاية كلميم السمارة توصل الطرفان الى حل مؤقت، لكن سرعان ما عاد الصراع لينشب من جديد. بموازاة مع النزاع ستلجأ قبيلة آيتوسي للاعتصام من جديد. ويوم السبت وأثناء محاورة ممثلين عن قبيلة آيتوسي لبعثة من وزارة الداخلية سيتفاجأ المحاورون بتدخل أمني ضد مخيم الاعتصام وهو ما جعلهم ينسحبون من الحوار.
بهذا الشكل انطلقت الأحداث وهكذا تطورت. من نزاع بين قبيلتين إلى انتفاضة ضد السلطة وما تمثله، انطلقت من معتصم صغير الحجم وبدون تغطية إعلامية ولا شبكة من العلاقات التضامنية الى حريق عم تقريبا كل “الصحراء الغربية”.. إن الصراع الطبقي يعبر عن ذاته بأشكال أحيانا تبدو “غير” طبقية. كما الشأن في تونس بعدما أقدم شاب عاطل عن العمل إلى إحراق نفسه إلى اندلاع ثورة عمت كل تونس بل كل المنطقة العربية. نفس الشيء في تركيا حيث بدأ الحراك على خلفية دافع “بسيط” كان هو إقدام اردوغان على قطع شجرة.. هناك أكثر من مثال يمكن أن يساق في هذا المضمار حول أشكال تفجر الانتفاضات والثورات..
حسب الإعلام البرجوازي المغربي وكذا المواقف الرسمية، كل ما جرى في منطقة “الصحراء الغربية” هو نزاع بين قبيلتين أدى الى تدخل الدولة من أجل حفظ “السلم العام”.. ما من أسباب عميقة أدت إلى ذالك. إن التحليل الماركسي في الأول والأخير ينطلق من الظروف المعيشية للناس ليستشف من خلالها تحركاتهم وردات فعلهم. كل تلك الكفاحية في المواجهة وكل ذاك التضامن الذي عم كل المنطقة، يعود بالتأكيد لأسباب تفوق بكثير ما جاء في قصاصات الجرائد ووكالة الأنباء المغربية.
يعود السبب المباشر للقمع الذي تعرض له معتصمو “إيزمي” إلى ما تشكله فكرة الاعتصام في حد ذاتها بالنسبة للنظام. لقد سبق للنظام القائم أن فكك مخيم إيكديم إيزيك بمدينة العيون سنة 2010 والذي خلف أكثر من 12 شهيدا. هذا المخيم الذي انطلق بعدد محدود من المعتصمين ليصل إلى أكثر من 20.000 شخص عندما تم تدميره من قبل القوات المغربية، كما تطور من مطالب تخص فئة محدودة من السكان (معطلين) مطالبين بالاستفادة من بطاقة الإنعاش الى حركة احتجاجية ارتقت لا سواء في حجمها وبعدها الجماهيري أو في مطالبها. الاستفادة من هذا الدرس هو ما دفع النظام إلى الإسراع إلى الإطباق على المخيم وفكه بالقوة حتى لا يكون بمثابة مجمع للأهالي بمطالبهم ويكون النواة الأولى لبداية تحرك جماهيري عارم ضد سياسته الطبقية.
لا يملك النظام القائم أي مخرج أمام أي تحرك جماهيري ولو يكن محدودا، إنه يعي ومن خلال نسب الفقر والبطالة والتضخم الوضعية الكارثية التي أوصل إليها البلاد. وحدها المقاربة القمعية هي ما يملك في مواجهة الانفجارات الطبقية.. ابتداء من فجيج، تازة، الريف وليس نهاية سيدي إفني وآسا. مع الأزمة العالمية للرأسمالية فقد هامش المناورة كما فقدته كل النظم الرأسمالية عالميا. إن العنوان العريض للبرنامج العالمي للرأسمالية اليوم هو التقشف والخصخصة ومزيدا من البطالة والفقر…
أمام الثورات العربية التي انطلقت شرارتها من تونس لتمتد الى اكثر من قطر عربي، عمل النظام المغربي على إعداد العدة للمواجهة. ومع ظهور حركة 20 فبراير وما شكلته من آمال عظيمة لجماهير الفقراء دخل المغرب في موجة عارمة من النضالات، شملت كل القطاعات والشرائح الاجتماعية. طلاب معطلين عمال فلاحين موظفين صغار… لقد استطاعت حركة عشرين فبراير في بدايتها ان تحشد قواعد شعبية تحت شعارات “ديمقراطية جذرية” حركت معها مئات الآلاف في أشكالها النضالية التي عمت كل المدن تقريبا بل وصلت الى مناطق قروية لم تشهد من قبل أي شكل احتجاجي في تاريخها. استطاعت هاته الحركة الفتية ونتيجة لسياقات أن تكسر جدار الخوف وتطرح بشكل مباشر مسألة السلطة في امتداد تدخلها الشعبي.. خفوت هذه الحركة وانكماشها وكذا اللبس في مواقفها وكذا شعاراتها الفضفاضة سيجعلها عاجزة ان تصل الى العمق الصحراوي.. طيلة مدة نضالها لم تعمل حركة 20 فبراير على الإجابة على الإشكال الصحراوي، بل لم تلتفت إليه حتى. لقد فصلت حركة 20 فبراير نفسها عن نضال الصحراويين ولم يعكس أي من مطالبها مطالب الشعب الصحراوي. وفي الجهة المقابلة اعتبر الصحراويون أن 20 فبراير هي حركة مطلبية مغربية صرفة تهم فقط “المغاربة”.
لقد شكل ذلك الموقف الانعزالي من كلا الطرفين خطأ فادحا. فقد تمكن النظام، نفس النظام الذي يقمع كلا الطرفين، من أن ينفرد بكل حركة على حدة ويقمعهما معا. كان من الأجدى طرح شعارات موحدة فالدكتاتورية التي يعاني منها الشعب المغربي والتي أدت إلى مقتل شباب كل جريمتهم المطالبة بحياة كريمة ومنصب شغل واعتقال المئات، هي نفسها الدكتاتورية التي تجثم على صدر الشعب الصحراوي وتقتل أبناءه وتمنعه من حقه في تقرير المصير بحرية.
لانتصار الشعب الصحراوي لا بد أن يوحد نضالاته مع نضالات الطبقة العاملة المغربية والشباب الثوري، عبر توجيه النداء الطبقي إليهم من أجل التضامن، عوض توجيهه إلى المنظمات الدولية – الإمبريالية -. على المناضلين الصحراويين أن يشرحوا أن نضالهم من أجل تحقيق المصير لا يستهدف الشعب المغربي، وليس موجها ضد الفقراء في المغرب، بل يهدف إلى تخليص شعب يعيش تحت حذاء الدكتاتورية التي تسحقهم معا، وأن انتصار هذا النضال شرط لانتصار النضال من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة في المغرب.
كما يجب على المناضلين الثوريين المغاربة أن يعملوا بلا كلل على محاربة الدعاية الشوفينية العنصرية ضد الشعب الصحراوي وسموم الكراهية التي تبثها أقلام النظام القائم وعملائه من كل لون. يجب عليهم أن يشرحوا أن النضال من أجل الحق في تقرير المصير جزء من النضال من أجل الديمقراطية والكرامة والحرية. لا يمكن لهذا النضال أن يكون حقيقيا ومنسجما حتى النهاية إلا إذا اعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
إن النضال من أجل الديمقراطية في المغرب جزء لا يتجزأ عن النضال من أجل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. والعكس صحيح. وهو النضال الذي يجب لكي يبلغ نهايته الحقيقية أن يرتبط بمنظور ثوري يقوم على حسم الطبقة العاملة للسلطة السياسية. فهي الطبقة الوحيدة في المجتمع التي ليست لها أية مصلحة في الاضطهاد القومي أو الاستغلال. إنها الطبقة الوحيدة التي يمكنها أن تبني فدرالية اشتراكية للمنطقة المغاربية حيث تختفي كل أشكال القهر القومي، وفي ظلها يمكن تجميع ثروات المنطقة وتعبئة قواها المنتجة وتوجيهها لخدمة مصلحة المجتمع كله.
لكن من أجل القيام بمثل هذه الدعاية، والعمل على توحيد نضالات الشعبين في النضال الموحد من أجل هذا المشروع لا بد من توفر القيادة الثورية. لا بد من حزب عمالي يمتلك مشروعا اشتراكيا واضحا وتكتيكات صحيحة. وهذا بالضبط ما يفتقده نضال الشعبين، وهذا ما يجب العمل على بناءه كمهمة آنية.
مناضل في رابطة العمل الشيوعي
الجمعة: 27 شتنبر 2013