اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء السودان منذ الإعلان، قبل أسبوع من الآن، عن رفع أسعار الوقود. هذه ليست الانتفاضة الأولى ضد النظام الأصولي الدكتاتوري للرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي يتولى السلطة منذ عام 1989. ففي العام الماضي تسببت “جمعة لعق الكوع” في هز أركان النظام. لكن هذه الاحتجاجات الأخيرة هي الأكبر من نوعها منذ بداية الدكتاتورية. ولم يتمكن القمع الوحشي على يد قوات الشرطة والميليشيات الإسلامية من ردع الشباب السوداني البطل. لكن هل ستنجح الحركة هذه المرة في إسقاط النظام؟
تم الرفع من أسعار البنزين والديزل بنسبة 100% تقريبا. حيث صار سعر غالون واحد [حوالي أربعة لترات] من البنزين يكلف الآن 21 جنيها سودانيا (4,77 دولار أمريكي، على أساس سعر الصرف الرسمي) مقارنة بـ 12,5 جنيها سابقا (2,84 دولار). سعر الديزل بدوره ارتفع من 8 جنيهات (1,81 دولار) للغالون الواحد إلى 14 جنيها (3,18 دولار). ووصل سعر أنبوبة غاز الطهي الآن إلى 25 جنيها ( 5,68 دولار) بينما كان ثمنها 15 جنيها (3,40 دولار).
اندلعت الاحتجاجات على خلفية معدل بطالة يبلغ 20%، وتضخم بين 40% و45% خلال الثمانية عشرة شهرا الماضية، وأربعة عشرة مليون فقير من مجموع السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة. وقد زاد بالفعل معدل وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية بنسبة 40% في العام الماضي حسب منظمة الصحة العالمية.
“الإصلاح الاقتصادي” هو المبرر الذي قدم للاقتطاع من ميزانية دعم المواد الغذائية والوقود. تقول الحكومة إن تلك الإعانات تكلف ميزانية الدولة 3,5 مليار دولار سنويا، لكنها نسيت أن تشير إلى أن الإنفاق العسكري يمثل 70% من الموازنة العامة للدولة، بما في ذلك 20 مليون دولار يوميا للحروب في دارفور أوفي كردفان والنيل الأزرق.
تطبق الحكومة بشكل خانع توصيات صندوق النقد الدولي. فالتخفيضات في الدعم جزء لا يتجزأ من حزمة أوسع لسياسة التقشف. بل إن الرئيس البشير قد كرر المبرر السخيف بأن دعم المواد الغذائية والوقود يعود بالنفع على السودانيين الأثرياء وليس على الفقراء فقط! من هؤلاء الذين نراهم يحتجون في شوارع السودان، هل هو تمرد للأثرياء أم انتفاضة للجماهير الفقيرة والمحرومة من حقوقها؟
أوضح الأستاذ حميد التيجاني، الخبير الاقتصادي في الجامعة الأميركية في القاهرة، في مقابلة مع إذاعة دبنقا أن «ما تقوم به الحكومة حاليا هو في الحقيقة فرض ضرائب جديدة على السلع الأساسية التي يستهلكها المواطن، وليست ترفع الدعم لأنه لا يوجد هناك أصلا دعم حتى ترفعه». وأضاف أن السودان يشهد انهيارا اقتصاديا، مع زيادة في النفقات وعجز في الإيرادات. وقد دفع هذا التطور السلبي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى اللجوء إلى “الاقتراض من الناس” تحت اسم رفع الدعم. وشدد على أن الحكومة، من خلال “رفعها الدعم” لا تعتزم سوى فرض ضرائب جديدة على المواطنين (www.radiodabanga.org).
السقوط الحر للاقتصاد
يعيش الاقتصاد حالة من الفوضى. ومن المتوقع أن يؤدي رفع الدعم عن المواد الغذائية والوقود إلى رفع معدل التضخم في البلاد، خاصة وأنه يتم استيراد معظم المواد الغذائية من الخارج. لقد انخفض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار إلى مستوى قياسي. وعلى الرغم من عدم استعمال العملة المحلية كثيرا في التجارة الخارجية، فإن سعرها في السوق السوداء يعتبر عموما مقياسا جيدا للتعرف على المزاج العام في الأوساط التجارية وثقة الناس العاديين في الوضع الاقتصادي. في الأيام القليلة الماضية هرع الناس لبيع الجنيه السوداني من أجل الحصول على العملة الصعبة. سعر الصرف مهم أيضا بالنسبة لبعض الشركات الأجنبية كما هو الحال بالنسبة لشركات الهاتف النقال التي تبيع بالجنيه ثم تصارع لتحويله إلى دولارات. والبنوك الخليجية التي تمتلك ما يسمى بالـ”سندات الإسلامية” المقومة بالجنيه قلقة بدورها على أصولها.
منذ انفصال الجزء الجنوبي الغني بالنفط عن السودان، في عام 2011، فقدت العملة الوطنية نصف قيمتها. تقع ثلاثة أرباع احتياطيات النفط في جنوب السودان. وكانت عائدات النفط هي القوة الدافعة للاقتصاد ووفرت معظم الدولارات اللازمة لاستيراد المواد الغذائية. وقد حاول النظام تعويض فقدان عائدات النفط عن طريق بيع الذهب الذي يمثل الآن 70% من التجارة الخارجية. إن السودان يحتوي على أكبر احتياطي للذهب في القارة الأفريقية، وقد منح عقود استغلال لـ 600 شركة في العامين الماضيين. لكن انخفاض أسعار الذهب هذا العام يعني أن الدخل سيعرف انخفاضا حادا. كما أن مداخيل مبيعات الذهب أقل من مداخيل النفط قبل انفصال جنوب السودان.
انتفاضة الفقراء والمحرومين
لذلك نرى كيف أثارت الزيادة في أسعار الوقود والسلع الأساسية مرة أخرى حركة كبيرة من الاحتجاج، ليس فقط في الخرطوم، عاصمة البلاد، بل في مدن أخرى في جميع أنحاء السودان. إن انتشار المظاهرات في الخرطوم منذ الاثنين الماضي يظهر بشكل ملموس الفجوة الطبقية، وجغرافية الفقر الذي يطوق العاصمة. يقول مجدي الجزولي في صفحته الالكترونية Still Sudan : «لقد اشتعلت أم درمان وأمبدة والسامر اب في الخرطوم الشمالي والكلاكلة في الخرطوم، كمثال عن البلدات الثلاث التي تشكل العاصمة السودانية، في استعراض للغضب هو بكل المقاييس أكبر تحد حضري يواجهه النظام منذ نشأته».
يوم الأحد تواصلت المظاهرات في الخرطوم وفي بور سودان وعطبرة والقضارف وكسلا. وفي مدينتي مدني وأمبابة هوجمت مقرات حزب المؤتمر الوطني وأحرقت. كما تعرضت مكاتب الشرطة في أماكن أخرى إلى الهجوم. وقد شكل طلاب المدارس والجامعات في أماكن كثيرة الجزء الأكبر من المتظاهرين. وهذا ما يفسر السبب في أن الحكومة أعلنت الإغلاق الكامل للمؤسسات التعليمية حتى 20 أكتوبر، على أمل كسر الحركة وتجنب التصعيد.
والشيء المعبر هو أن استخدام الغاز المسيل للدموع من قبل قوات الشرطة لتفريق الحشود الغاضبة كان جد محدود. وفي خطوة يائسة، اختار النظام المواجهة المفتوحة مع شعبه باستخدام جهاز الاستخبارات والأجهزة الأمنية، والحرس الجمهوري. وذلك لأنه لم يعد في إمكانه الثقة الآن في قوات الشرطة. لقد اعترف الرئيس نفسه بأن 60% من ضباط الشرطة قد غادروا الجهاز خلال الفترة الأخيرة بسبب تدني الأجور.
تسبب القمع الوحشي، والأوامر “إطلاق النار بقصد القتل” الموجهة لضباط الشرطة وضباط المخابرات وأفراد الجيش والجماعات المسلحة، في مقتل العشرات من المتظاهرين. كما تمت مهاجمة جنازات الضحايا من قبل الشرطة بالغاز المسيل للدموع. هذه حقيقة ما أسماه وزير الإعلام بـ “الكثير من ضبط النفس” من قبل الشرطة.
«قال رئيس نقابة الأطباء السودانيين، الدكتور أحمد الشيخ، إن عددا يقدر بنحو 210 شخصا قتلوا خلال مظاهرات الأسبوع الماضي. وأشار الشيخ أن هذا العدد يفوق عدد القتلى الذين سقطوا خلال الانتفاضات الشعبية في أكتوبر عام 1964، ومارس وأبريل 1985. وقال في مقابلة له مع موقع أخبار حريات، إن معظم الإصابات الناجمة عن رصاصات كانت في الرأس والصدر» (Sudan: Doctors report 210 dead in Khartoum during demonstrations)
القمع لا يردع الحركة
لقد جرح آلاف المتظاهرين. ويجري شن حملة اعتقالات واسعة لأعضاء وقيادات أحزاب المعارضة، بما فيها الحزب الشيوعي، من قبل الشرطة وجهاز الأمن الوطني ( الشرطة السرية السودانية). كما تفرض الحكومة رقابة واسعة النطاق. وجاء في تقرير لإذاعة دبنقا المستقلة ما يلي :
«يوم السبت تعرضت صحف الجريدة والغارة والمشهد الآن والانتباهة للمنع من النشر لفترة غير محددة. ويوم الاثنين قررت صحيفة الأيام بالفعل التوقف عن النشر احتجاجا على تعليمات من الأمن بعدم نشر أية أخبار عن الوقائع المتصلة بالمظاهرات والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن والشرطة. بينما وافقت جريدة الصحافة على إتباع التعليمات، مما دفع بعدد من الصحفيين الذين يعملون فيها إلى الاستقالة».
«قال عثمان شبونة، الصحفي في جريدة الأهرام، لراديو دبنقا إن قوات الأمن منعته يوم السبت هو واثنان من الصحفيين الآخرين: الدكتور زهير السراج وشمائل النور، من الكتابة نهائيا».
«أكد شبونة بأن عشرات الصحفيين من مختلف صحف الخرطوم دخلوا في إضراب عن العمل منذ يوم السبت. لقد رفضوا إتباع التعليمات الجديدة المفروضة من طرف الأمن، والتي تمنع نشر أية تقارير حول المظاهرات وعمليات القتل. وتضمنت التعليمات تسمية المتظاهرين بالمخربين والمندسين واللصوص أو أعضاء الجبهة الثورية السودانية. وأن يطلق على الإجراءات التقشفية اسم “الإصلاحات الاقتصادية”. كما واصل جهاز الأمن حجب غالبية المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي والتشويش على موجات الإذاعات المستقلة».
إغلاق شبكة الانترنت، مثلما أظهرت تجربة مبارك في مصر، لم يمنع من تعميم المعلومات ولم يعق الشباب عن التنظيم. لا تشتغل خدمة الانترنت إلا لمصلحة المسؤولين في حزب المؤتمر الوطني للقيام بمعاملاتهم المالية… وبالرغم من أنه أداة مهمة في تنظيم الحركة، فإن الحركة لا تعتمد عليه كليا. ومن المثير للاهتمام أن تعطيل الإنترنت قد حفز الإبداع التكنولوجي عند الشباب، فقد وجدوا طرقا للالتفاف على إغلاق شبكة الانترنت [أنظر: Protesters Are Dodging Sudan’s Internet Shutdown with a Phone-Powered Crowdmap]
كان على النظام أن يفهم ذلك، لكنه منفصل تماما عن الواقع. إن الشعب السوداني وخاصة الشباب لم يعد يخشى أعمال العنف الانتقامية المتطرفة من طرف الدولة. جميع أشكال القمع لم تعد قادرة على شل أو فرض السلبية على الجماهير، بل على العكس تماما! فكل قطرة دم تراق وكل رجل أو امرأة يتعرضان للضرب وكل متظاهر يقتل اليوم يزيد في الإصرار على التخلص من الديكتاتورية. إن القمع لا يضعف إرادة النضال بل يصلبها. وكما قالت إحدى المدونات – مها السنوسي-: «الخوف ليس خيارا. وعندما يتم كسر حاجز الخوف يصير من المستحيل وقفنا».
إن المتظاهرين لا يستهدفون فقط التدابير الاقتصادية الأخيرة، بل إنهم يرفضون النظام ككل. وينعكس هذا في شعارات المتظاهرين الذين يطالبون، مثلهم مثل بقية إخوانهم وأخواتهم في بقية العالم العربي، بالحرية وإسقاط النظام وبالموت للرئيس.
النظام الإسلامي لحزب المؤتمر الوطني الموجود في السلطة منذ انقلاب عام 1989 استخدم الدين كأداة للهيمنة وإحكام قبضته على الدولة والجيش والاقتصاد. وقد أطلقت الحكمة الشعبية على هؤلاء الموجودين في السلطة اسم تجار الدين. إن ما يبقي حزب المؤتمر الوطني موحدا ليس إيمانه بالإسلام، بل إيمان أعضائه بمصالحهم المادية الخاصة. وهذا هو الحال في غيره من الحركات الإسلامية الرجعية في المنطقة. ليس الدين في أيدي هؤلاء الناس سوى مجرد أداة للاستغلال والقهر.
رفض النظام صار عاما. الطبقات الوسطى لم تعد تثق في النظام. والاحتجاجات أكثر جدية وأكثر انتشارا مما كانت عليه في يونيو/ يوليوز عام 2012 (أنظر: Sudan joins Arab Spring). ويؤكد أحد أعضاء حركة التغيير الآن السودانية المعارضة: «لا أحد يوجد بمنأى عن تأثير حزب المؤتمر الوطني. فإذا لم تتأثر به بسبب الحرب، فأنت متأثر بالبطالة. وإن لم تكن متأثرا بالبطالة، فإنك متأثر بالفساد. وإذا كنت لم تتأثر بالفساد فأنت متأثر بقمع الحريات».
لا ثقة في الفئران التي تقفز من السفينة ولا في المعارضة البرجوازية
إن النظام معزول جدا في حربه الاقتصادية ضد شعبه. ليس هناك عمليا أي دعم للتدابير التقشفية في شوارع السودان. وقد تسبب تزايد العزلة الاجتماعية في حدوث أولى التصدعات في بنيته. إن وحدة النظام تتهاوى. ودعا مسؤولون في حزب المؤتمر الوطني إلى العودة إلى دعم الوقود والتوقف عن قتل الناس. ونقرأ في مذكرة موقعة من طرف 31 عضوا قياديا في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني: «السيد الرئيس، في ضوء ما يجري نطالبكم بالوقف الفوري للتدابير الاقتصادية». كما أدانت المذكرة أيضا قمع المظاهرات وطالبت بمحاكمة المسؤولين عن حالات القتل والجرح. لكن الحكومة قررت التمسك بقراراتها المتخذة في الأسبوع الماضي. فإذا تزايد نمو الحركة في الأيام القليلة القادمة سيزداد هذا الانقسام الداخلي في التوسع وسيشجع الجماهير على العودة إلى الشوارع. ويمكن أن يعني ذلك نهاية حكم البشير.
وبنفاقها المعهود أعربت الولايات المتحدة عن قلقها ودعت إلى “إيقاف العنف المفرط”، في حين زعم الاتحاد الأوروبي بأنه “يشعر بالانزعاج”. وكانت الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية تنتقد الخرطوم، وطلبت من الحكومة السودانية اللجوء إلى “الحكمة والحذر”. إلا أن النظام يتمتع بالدعم من طرف قطر، وهو ما يفسر ضعف تغطية قناة الجزيرة لحركة الاحتجاج!
وتماما كما كان الحال في عام 2012، لم تلعب أحزاب المعارضة أي دور في “انتفاضة أيلول” هذه. لقد تم تحييد معظمها بفضل دفاتر شيكات الحكومة. إلا أن موقفهم قد يتغير، مع ذلك، عندما يشعرون أن النظام يتداعى. عندها سوف يقدمون خدماتهم المسمومة للثورة وذلك بهدف خدمة مصالحهم وعرقلة الانتفاضة. تغلب على الحركة العفوية إلى حد كبير، وقد اندلعت نتيجة لمبادرة شباب المدارس والجامعات. إن قادة أحزاب المعارضة، كما قال أحد النشطاء الشباب: “ميؤوس منهم ومخرفون”. وقد ظهرت حركات جديدة مثل قرفنا (سئمنا!) وأبينا (نحن نرفض!) وكذلك حركات شبابية ثورية أخرى لكن دون تواجد منظم وقيادة قويين.
يوم السبت تم الإعلان عن تشكيل تنسيقية قوى التغيير السودانية، في الخرطوم، والتي تضم أعضاء أحزاب المعارضة وقوى الإجماع الوطني ونقابات الأطباء والمعلمين والمحامين الديمقراطيين، وجامعة الخرطوم وتحالف منظمات المجتمع المدني.
تطالب التنسيقية النظام «بحل كل أجهزته التنفيذية والتشريعية، وتسليم السلطة لحكومة انتقالية موسعة تتولى إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية المقبلة». لم يتم وضع أية إستراتيجية حقيقية لتحقيق هذه الأهداف ما عدا “الاستمرار في النضال” و”مواصلة الانتفاضة”. إن ما هو مطلوب هو الإعداد لإضراب عام تمردي في البلاد. ليس هناك من هدف آخر أكثر آنية واستعجالية وملموسية من ذلك. هذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك. لا يمكن أن تسيل دماء الشباب والعمال السودانيين بلا هدف. إن الأحزاب البرجوازية داخل “التنسيقية” غير مستعدة للذهاب في هذا الاتجاه. إن التحالف معهم ليس فقط غير ضروري، بل إنه أيضا عقبة حقيقية في وجه النضال. إن ما هو مطلوب هو تشكيل جبهة حقيقية للمنظمات والأحزاب اليسارية والنقابات، جبهة لكل المضطهدين وليس ائتلافا للتعاون الطبقي.
دعا ائتلاف شباب الثورة «القوات المسلحة وكل الرجال والنساء السودانيين الشرفاء في قوات الأمن إلى دعم هذه الانتفاضة وحماية رجالنا ونساءنا السودانيين في الشوارع». ولتحقيق ذلك نحن بحاجة إلى دعوة الجنود العاديين، والضباط الديمقراطيين والثوريين إلى القطع مع الجنرالات الأثرياء ونزع سلاحهم، وتعطيل سلسلة القيادة وأيضا تشكيل اللجان الثورية داخل الجيش، والتي ستضمن خضوع القوات المسلحة للشعب.
الحاجة الملحة إلى قيادة ثورية ممركزة
إن التحدي الأكبر أمام انتفاضة أيلول هو تشكيل قيادة سياسية ممركزة خاصة بها. إن السبب في فشل المعركة النضالية في يونيو/ يوليوز 2012، كان هو افتقارها إلى قيادة وتوجيه واضحين. إن أفضل طريقة للقيام بذلك هي إنشاء لجان النضال في المدارس والجامعات وأماكن العمل والأحياء والتنسيق بينها على المستوى المحلي وعلى مستوى المدينة والإقليم وعلى المستوى الوطني. ينبغي على جميع المجموعات اليسارية والشيوعيين والنقابات المشاركة فيها. يجب أن تصبح أدوات لتوحيد ومركزة النضال من أجل الإطاحة بالنظام. لكن يمكنها ويجب عليها أن تكون أكثر من ذلك بكثير. يمكنها في ظل الوضع الثوري الذي يتطور بسرعة في السودان أن تصبح أدوات لسلطة جديدة تحل محل أجهزة الدولة القديمة المتعفنة والفاسدة. يجب أن تصبح العمود الفقري لجمعية تأسيسية ثورية جديدة منتخبة من طرف نفس لجان النضال تلك.
يمكن للثوريين في العالم العربي استخلاص بعض الدروس من تونس ومصر. ففي تونس أصبح من الواضح أن ما يسمى بالجمعية التأسيسية التي تشكلت على يد أجهزة دولة بن علي البرجوازية القديمة ليست أداة للتغيير الديمقراطي والثوري، بل هي أداة لفرض الشلل ولاستمرار هيمنة القوى السياسية والاقتصادية القديمة وراء قناع “الديمقراطية”. إنها أداة لخداع الجماهير. لا في تونس ولا في مصر تحقق التغيير الجوهري أو تم توفير مناصب الشغل والسكن والعدالة والحرية للجميع. وهذا ما يفسر التحركات الضخمة والانتفاضات المتكررة في كلا البلدين من قبل الجماهير التي تريد أن ترى تغييرا حقيقيا.
إن المهمة المباشرة لهذه الجمعية التأسيسية الثورية هي تفكيك الدولة القمعية والبيروقراطية القديمة وحل جهاز الأمن الوطني ومحاكمة الرجال والنساء المسؤولين عن قمع الشعب، وحل حزب المؤتمر الوطني وجميع الأحزاب التي وقفت إلى جانبه، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإقرار الحق في التنظيم والإضراب والتظاهر وحرية التعبير. كما يجب عليها أيضا أن تتخذ التدابير الأولى للعدالة الاجتماعية وزيادة الأجور وتخفيض الأسعار وإلغاء كافة الامتيازات ومصادرة ممتلكات الأوليغارشية وتحويل ممتلكاتها إلى ممتلكات عامة وتأميم المناجم وآبار النفط، وتأميم شبكة توزيع الوقود والأسواق الكبرى، وشركات النقل الكبرى وشركات الاتصالات والبنوك وما إلى ذلك، ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال. إن تلك الشروط الأساسية للتغيير الثوري والديمقراطي لا يمكن الحصول عليها من خلال المفاوضات أومن خلال التوافقات مع النظام. لا بد من إسقاط النظام. ومن شأن ذلك أن يكون الخطوة الأولى للقضاء على الأسباب الجذرية لجميع أشكال التمييز والتحامل والاضطهاد القومي والإثني والديني، أي النظام الرأسمالي.
إذا كنت تتفق مع الأفكار الواردة في هذا المقال، يمكنك أن تساعد في إنشاء مجموعة ماركسية في السودان. لذا يرجى الاتصال بنا على العنوان التالي: webmaster@marxist.com أو contact@marxy.com
جان دوفال
الاثنين: 30 شتنبر 2013
عنوان النص بالإنجليزية: