نشرت الجريدة الفنزولية إل أونيفيرسال مقالا بعنوان “El Chavismo segun los chavistas” [التتشافيزية من وجهة نظر التتشافيزيين]، حول المهام التي تواجه الحركة البوليفارية بعد وفاة تتشافيز. واستشهدت بآلان وودز الذي أوضح أنه يجب على الثورة أن تقوم بخطوة جريئة إلى الأمام لتصير في مأمن من التراجع. وسنقدم لكم فيما يلي النص الأصلي والكامل للمقابلة الصحفية، مع الأسئلة التي طرحها صحفي جريدة “إل أونيفيرسال” وردود آلان وودز.
ماهو مستقبل الإشتراكية في فنزويلا؟ وهل تعتقد بأن عمل تشافيز سيستمر؟
آمل وأثق في أن الحركة البوليفارية ستدافع عن الإرث الثوري الذي تركه تشافيز، وستقود الثورة حتى نهايتها. وإلا فإنها ستتراجع. أعتقد بأن هده الإنجازات لا يمكن ضمانها إلا إذا قامت الثورة بخطوة جريئة إلى الأمام، لتصير حقا في مأمن من التراجع. أنا متأكد من أن هذا هو ما كان الرئيس تشافيز يحاول فعله، لكن موته المفاجئ منعه من تنفيذ هذه الخطة.
لقد حققت الثورة، بدون شك، الكثير من الأشياء للشعب. وفي الوقت الذي كانت المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي يقومون باقتطاعات في ميزانية الصحة والتعليم العموميين، أقامت فنزويلا نظاما للرعاية الصحية عموميا ومجانيا، يصل إلى القطاعات الأكتر فقرا في المجتمع، ووسعت بطريقة كبيرة حق الولوج إلى التعليم لكل المستويات، وخفضت بشكل ملموس من الفقر ووسعت بشكل كبير نطاق الولوج إلى السكن.
ولإعطاء مثل واحد، في فنزويلا تم إنشاء وتسليم 350.000 مسكن في السنتين الأخيرتين، بينما في نفس الوقت في إسبانيا فقدت 350.000 عائلة مسكنها بسبب الطرد من العمل أو لعدم القدرة على دفع الرهن. في إسبانيا هناك حاليا ستة ملايين عاطل، 58% منهم من الشباب، بينما في فنزويلا انخفضت البطالة من 18% إلى 8% في فترة حكم تشافيز. ورغم ذلك يتم الحديت عن وجود أزمة إقتصادية في فنزويلا، هذا ما يسمى وضع الحقيقة رأسا على عقب.
أعترف أنه ما تزال هناك العديد من المشاكل، لكنني واثق من أن السبب الرئيسي هو أنه من المستحيل إقامة اقتصاد مخطط حقيقي في ظل بقاء المفاتيح الرئيسية للإقتصاد في أيادي القطاع الخاص. يمكنك أن تحصل إما على اقتصاد رأسمالي أو على إقتصاد إشتراكي مخطط، لكن لا يمكنك أن تحصل عليهما معا. لا يمكنك تخطيط اقتصاد لا تراقبه، ولا يمكنك مراقبة اقتصاد لا تمتكله.
بهدف التقدم نحو الإشتراكية، يجب أولاً القضاء على السلطة الإقتصادية للأوليغارشية والتي تستعملها من أجل عرقلة وتخريب السيرورة الثورية؛ هذا يعني التعامل بيد من حديد مع التخريب الإقتصادي والاحتكار وتهريب رؤوس الأموال والمضاربات. إن الطريقة الوحيدة لحل المشاكل الإقتصادية هي تأميم الأراضي والبنوك والصناعات الأساسية ووضعها تحت الرقابة العمالية.
ماهي التحديات التي تواجه “التشافيزية” كحركة، وتواجه الحزب الإشتراكي الموحد الفنزويلي كحزب؟
بمجرد ما إنتشر خبر مرض الرئيس الفنزويلي [هوغو تشافيز]، إرتفعت الأصوات في واشنطن وبين صفوف المعارضة الفنزويلية لصالح إحداث “تغيير”، وهو ما يعني بالنسبة لهم التخلي عن الأهداف الإشتراكية للثورة، والتصالح مع البرجوازية والمعارضة. رد تشافيز بقوله إن “التغير الوحيد الذي يطرح نفسه، والذي عليه أن يتسارع هو التغير من الرأسمالية إلى الإشتراكية”. أنا أوافقه الرأي، يجب على الثورة أن تستبدل النظام البرجوازي القديم، بمؤسسات جديدة تقوم على مجالس عمالية إشتراكية وديمقراطية وثورية. وعلى مجالس محلية، إلخ.
هناك العديد من التحديات، سواء خارجية أو داخلية. تواجه الثورة حملة مستمرة من التخريب على يد الأوليغارشية والإمبريالية، اللتان ترفضان الاعتراف بالإرادة الديمقراطية للأغلبية، والتي تم التعبير عنها بوضوح في العديد من المناسبات. ولمواجهة هذه التحديات لا بد من اتخاذ إجراءات جدية.
إن القوى التي نظمت إنقلاب 2002، والتخريب في 2002ـ2003، وفي 2004، والتي أدخلت القوات شبه العسكرية الكولومبية… هي نفس القوى التي نظمت في الشهرين الماضيين حملة من الشائعات الدنيئة والافتراءات، والمضاربات والاحتكار. لا شيء تغير.
لكني أرى خطرا آخر أكثر جسامة. قبل سنوات قال لي الرئيس تشافيز: “هناك الكثير من حكام الولايات ورؤساء البلديات، الذين بعد أن تم انتخابهم أحاطوا أنفسهم برجال أغنياء ونساء جميلات، ونسوا الشعب”. لقد أشار في أكثر من مناسبة إلى البيروقراطية المعادية للثورة. إنها موجودة وتشكل طابورا خامسا داخل صفوف الثورة*.
للأسف يوجد داخل الحزب الاشتراكي الموحد والحركة البوليفارية أشخاص في مواقع المسؤولية: حكام ولايات ورؤساء بلديات، الخ. يقسمون بالولاء لتشافيز في كل جملة، ويرتدون القميص الأحمر، لكنهم في الحقيقة مجرد إنتهازيين ووصوليين وبرجوازيين فاسدين، ليست لهم علاقة بالثورة. كانت هذه العناصر تعمل على عرقلة المبادرة الثورية للجماهير، بل وحتى عرقلة تنفيذ مراسيم الرئيس تشافيز.
يجب على العمال والفلاحين في القاعدة، أن يأخدوا مكنسة كبيرة ويكنسوا كل هذه النفايات خارج الحركة، ويأخذوا الزمام بين أيديهم. ومادام هذا لم يحدت بعد فإنه لا يمكن التحدث عن إشتراكية حقيقية في فنزويلا.
في هذا الوقت، كيف يمكننا تعريف ايديولوجية “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”؟
لا أعتقد أنه يمكن التحدث عن اشتراكية القرن الحادي والعشرين وكأنها شيء جديد وفريد من نوعه. لا تعني تسمية إشتراكية القرن الحادي والعشرين سوى أن لا أحد لديه أدنى فكرة عن معناها. يتعلق الأمر بقنينة فارغة، يمكن أن تملأ بالمحتوى الذي يناسب كل شخص. والمشكلة هي أن هذه القنينة الفارغة ثم تقديمها من طرف البيروقراطية عن طريق كل أنواع الأفكار الإصلاحية، حول الإقتصاد المختلط، وما إلى ذلك. لقد قال تشافيز بوضوح إن “الخيار الثالث” مجرد وهم.
لعب هوغو تشافيز دورا مهما في إعادة فتح النقاش حول الاشتراكية في الوقت الذي كان العديد قد تخلصوا منها. أعتقد أن الأفكار الإشتراكية، أو ما أسميها أنا بالإشتراكية العلمية ـ أي الماركسية ـ، هي في جوهرها نفس الأفكار التي كانت في عصر ماركس. إن البيان شيوعي وثيقة جد معاصرة، وقد اضطر الكثير من الاقتصاديين البرجوازيين إلى الاعتراف بذلك، خصوصا بعد الانهيار الاقتصادي لسنة 2008.
صحيح أنه في القرن الحادي والعشرين هناك بعض النقاط التي تحتاج إلى تغيير، لكن المدهش هو قلة النقاط التي يجب أن تتغير. كان الرئيس ينصح باستمرار بقراءة أعمال ماركس ولينين وتروتسكي. وقد كان ذلك جد إيجابي.
ماهو الدور الذي ستلعبه المعارضة الفنزولية في هذا الفترة؟ هناك بعض القطاعات بين صفوف المعارضة تشعر بقلق حقيقي بخصوص استمراريتهم في هذه الأوقات.
لا أرى سببا لكي يقلقوا على استمراريتهم. أعتقد أن الثورة البوليفارية كانت جد متساهلة مع معارضيها الذين يجب ألا ننسى أنهم نظموا انقلابا إجراميا ضد حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي في سنة 2002. يبدو أنهم يشتكون كثيرا من سوء المعاملة، لكني لا أرى أي أساس لهذه الشكاوى.
طوال سنين سمح لوسائل الإعلام المؤيدة للمعارضة بالتشهير بالرئيس بالطريقة الأكتر فضائحية، والدعوة إلى إسقاطه، بل وحتى اغتياله. هل تظن أن هذا سيسمح به في الولايات المتحدة؟ لقد لعبت قناتي Globovision وRCTV دورا نشيطا جدا في تنظيم إنقلاب 2002. أؤكد لك أنه لو أن أية قناة تلفزية بريطانية قامت ولو بجزء بسيط من هذه الأفعال التي وقعت في فنزويلا، لتم سحب ترخيصها قبل أن يتمكنوا من القول “ديفيد كاميرون”، ولتعرض أصحابها للمحاكمة بقانون مكافحة الإرهاب.
يشتكون من أنه تم تنظيم الإنتخابات الرئاسية في وقت جد مبكر. لكن لو أن الحكومة لم تنظم الإنتخابات لكانوا سيشتكون من وجود ديكتاتورية. في الواقع إن تنظيم الانتخابات في غضون ثلاثين يوما هو مطلب دستوري. لم يمنع أحد المعارضة من الترشح إلى الانتخابات. المشكلة هي أنها خسرتها. لكن هذه هي الديمقراطية! فإذا ما كانت المعارضة ديمقراطية حقا، كما تدعي، عليها أن تبدأ باحترام إرادة الأغلبية وعدم إستعمال وسائلها الإقتصادية ووسائل الإعلام من أجل تخريب الإرادة الديمقراطية للشعب.
كيف كانت علاقتك بالرئيس تشافيز؟ وماذا تقول عنه كقائد ورفيق؟ وما هي الحكايات التي تتذكر عنه؟
لقد عرفت هوغو تشافيز لمدة عقد من الزمن تقريبا، وكانت لي علاقة جيدة به منذ أول إجتماع لي معه في أبريل 2004. لقد أعطاني إنطباعا عميقا جدا، وكان دائما يشير إلي بمودة كصديق له. لقد قرأ كتبي وكان ينوه بها وأوصى علنا بقراءتها في عدة مناسبات.
يمكنني أن أحكي الكثير من الحكايات، لكن هناك واحدة أقدرها بشكل خاص. كان ذلك في المهرجان الدولي للشباب في غشت 2005. ثم إستدعائي للمشاركة في مائدة مستديرة بكاراكاس، حيت تكلم الرئيس وألقى خطابا رديكاليا جدا، حيت استشهد بماركس وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ. في الختام مددت له يدي وهنأته على خطابه. ومن دون أن يترك يدي قال لي وهو ينظر في عيني بتمعن: “لا، إنها فقط بعض الأفكار التي تعلمتها منك”.
كانت علاقتنا ذات طابع سياسي وإديولوجي. لكن ورغم ذلك فإن محاولات المعارضة وصفي بكوني مستشاره أو حتى “معلمه” السياسي كانت كاذبة تماما. كانت محاولة تمويه خبيثة لخلق نوع من الإنطباع حول وجود تأثير أجنبي سيء على الرئيس. في الواقع لم يكن من السهل التأثير على الرئيس تشافيز، الذي كان رجلا ذكيا جدا ومستقلا، وذا عزيمة جد قوية.
من جهتي أنا أعجبت بالرئيس واحترمته، واعتبره رجلا صادقا وشجاعا وزعيما استثنائيا. لكن الثورة لا يمكنها الإعتماد على رجل واحد فقط. تشافيز كان يعرف ذلك جيدا. عندما رافقته في أحد الحملات الإنتخابية، حيا حشود الناس المتحمسين المرتدين للقمصان الحمراء الذين هللوا له طوال الطريق، وإستدار نحوي وقال: “هؤلاء الناس هم من يجب أن يأخذوا زمام هذه الثورة”.
في يوم وفاته ظلت هذه الكلمات ترن في ذهني. والآن بعدما لم يعد هوغو تشافيز بيننا، صار مستقبل الثورة البوليفارية وتقدمها نحو الإشتراكية يعتمد على العمال والفقراء والفلاحين والشباب الثوري الذين كانوا القوة الدافعة للثورة والذين دافعوا عنها في كل اللحظات الحاسمة. كل شيء يعتمد على هذا.
هوامش:
*: الطابور الخامس مصطلح عسكري يستعمل للإشارة إلى الخونة والجواسيس الذين يندسون في صفوف الجيش لممارسة أعمال الجاسوسية والتخريب – موقع ماركسي –
عنوان النص بالإسبانية:
El Universal entrevista a Alan Woods sobre el futuro de la revolución venezolana