يتصاعد المزاج الثوري في جميع أنحاء العالم بينما تتعفن الرأسمالية وتحاول الطبقة الحاكمة الحفاظ على موقعها من خلال مهاجمة الطبقة العاملة. وفي الوقت نفسه يشهد التيار الماركسي الأممي نموا متزايدا في أعداد مناضليه ومناضلاته ويطور فهما أعمق للسيرورات التي تجري، ويتدخل في النضالات الجارية، ويناضل من أجل الأفكار الاشتراكية داخل صفوف حركات العمال والشباب.
اجتمع أكثر من 250 رفيقا ورفيقة من جميع أنحاء العالم في اليونان، بين 29 يوليوز و03 غشت 2014، في المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي، لمناقشة آفاق الثورة العالمية ومهام الماركسيين في هذه الأوقات المضطربة. وقد برزت مواضيع مشتركة في المناقشات والمساهمات التي قدمها الرفاق على مدار الأسبوع، والتي شددت على ضرورة تحليل وفهم الأوضاع الاقتصادية والسياسية على نطاق العالم من أجل فهم الكيفية التي تتطور بها الأوضاع وتحديد كيفية التدخل الأكثر فعالية في الحركات الجماهيرية ونضالات الطبقة العاملة.
قبل كل شيء، يمكن وصف الفترة الحالية باعتبارها فترة غياب تام للاستقرار: اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. إن الاضطراب الذي يعرفه الوضع الجيو سياسي – مع ما يميزه من حروب صغيرة وحروب بالوكالة وحروب أهلية وهجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم – وصل مستويات لم يشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. ونتيجة هذا الاضطراب وعدم الاستقرار هي أن الوضع يتضمن المنعطفات الحادة والتغيرات المفاجئة. وهذا هو السبب الذي يجعل من الحيوي الآن – أكثر من أي وقت مضى- على هؤلاء الذين يناضلون من أجل التغيير الثوري للمجتمع أن يخصصوا الوقت الكافي لكي يناقشوا الأحداث الجارية والسيرورات التي تتكشف على الصعيد العالمي، من أجل فهم صحيح للاتجاه الذي تقود إليه هذه الأحداث والسيرورات.
حضرت المؤتمر مجموعات من المندوبين من مختلف أنحاء العالم. وقد جاءت هذه الوفود من كندا والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك والسلفادور والبرازيل والأرجنتين وباكستان ونيوزيلندا وبريطانيا والدنمارك والسويد وألمانيا والنمسا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وصربيا واليونان وايطاليا واسبانيا وغيرها. كما حضر المؤتمر رفيقان من روسيا وعضو من منظمة بوروتبا (Borotba) الاوكرانية، وهي المنظمة الثورية التي تلعب دورا قياديا في النضال ضد الفاشية في أوكرانيا.
على مدار الأسبوع عقدت الوفود اجتماعات رسمية وغير رسمية للتعلم من تجارب بعضها البعض في التنظيم والاشتغال داخل كل من النقابات والحركة الطلابية. بالإضافة إلى ذلك، عقدت اجتماعا خاصا مع الرفيق ديمتري كوليسنيك، رئيس تحرير الموقع الالكتروني اليساري الأوكراني liva.com.eu والعضو في منظمة بوروتبا، لمناقشة حملة التضامن مع حركة المقاومة ضد الفاشية في أوكرانيا. وقد حضر الاجتماع مجموعة من نحو 50 رفيقا ورفيقة حيث استمعوا باهتمام كبير وطرحوا مجموعة من الأسئلة.
خصص الجزء الأكبر من المؤتمر لمناقشة منظورات الثورة العالمية، استنادا إلى وثيقة منظورات للثورة العالمية 2014. تجسد هذه الوثيقة تكثيفا لتجربة آلاف الرفاق والرفيقات أعضاء التيار الماركسي الأممي، وهي أهم وثيقة ينتجها التيار الماركسي الأممي كل سنتين.
المد والجزر
افتتح الرفيق آلان وودز أشغال المؤتمر من خلال إعطاء لمحة عامة عن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط واليونان واسبانيا وأوكرانيا. وأعقب ذلك تحليل عميق لعواقب الأزمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008، والتي – حتى وفقا للمحللين البرجوازيين – من المتوقع أن تستمر لمدة لا تقل عن عقدين من الزمن.
أكد آلان على أننا، نحن الماركسيون، لا ندرس الاقتصاد من أجل اهتمامات أكاديمية، بل من أجل فهم أفضل لآثار الأزمة على الوعي الطبقي. تعكس الحركات الجماهيرية التي تجري اليوم تزايد الوعي والتجذر بين الجماهير. ففي مختلف البلدان، مثل اليونان واسبانيا، ينظم العمال والشباب اليوم رد فعل ضد عدة سنوات من التدابير التقشفية، التي لم تقدم أية فوائد للغالبية العظمى من الشعب.
إن الطبيعة العالمية لهذه الحركات والانتفاضات لها أيضا تأثير كبير على وعي الناس حول العالم. لكن عدم وجود أية قيادة لهذه الحركات، حيث لا وجود لمن يقدم بديلا حقيقيا لسياسة التقشف، يشكل عقبة لا بد من التغلب عليها.
أوضح آلان أنه في غياب قيادة ثورية لن تتطور حركة الجماهير هذه في مسار تصاعدي متواصل، ولن تسير بخطى ثابتة، بل سوف تعرف فترات من المد والجزر، والثورة والثورة المضادة. حيث ستتعلم الجماهير في خضم التجربة والنضال.
اليوم من الواضح أن موجة الإضرابات التي تعرفها بلدان جنوب أوروبا، في أعقاب تطبيق اقتطاعات قاسية في ميزانيات الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة، لم تؤد سوى إلى إنهاك واستنزاف طاقة الجماهير العاملة. إن الموجة المقبلة من الإضرابات والاحتجاجات، والتي ستأتي حتما، يجب أن يكون لها هدف سياسي واضح: الإطاحة بالمؤسسات السياسية الحالية، مع برنامج اشتراكي يدعو إلى إعطاء كل السلطة للطبقة العاملة.
الاشتراكية أو الهمجية
من الواضح أن الصراع الطبقي يشتد في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي تعمل فيه الرأسمالية على سحق حياة الناس العاديين من أجل الحفاظ على امتيازات أقلية صغيرة، مما يبين أكثر من أي وقت مضى الوجه الهمجي الحقيقي للنظام الرأسمالي. وفي الوقت نفسه تستيقظ شعوب أوروبا على الطبيعة الفاسدة للديمقراطية البرجوازية، حيث أصبح من الواضح، مع توالي الفضائح، أن جميع المعايير الأخلاقية والمعنوية قد اختفت عند الطبقة الحاكمة.
ستعبر الثورة عن نفسها من خلال أزمة النظام والدولة البرجوازية وأجهزتها. والشعور بالأمن الذي كانت شعوب أوروبا تحس به يقترب من نهايته، بينما تضرب الأزمة الاقتصادية أفقر طبقات المجتمع، وتؤثر حتى على الطبقات الوسطى، مما يؤدي إلى حدوث استقطاب حاد في المجتمع ويجعل تناقضات الرأسمالية أكثر وضوحا. كما سينعكس هذا الاستقطاب الحاد من خلال حدوث منعطفات حادة في السياسة، وحدوث تقلبات نحو أقصى اليسار ونحو أقصى اليمين، مع قيام الجماهير باختبار الأحزاب الواحد منها بعد الآخر في محاولة لإيجاد حل لمشاكلها، ضمن نظام لا يمكنه أن يقدم لها أي بديل حقيقي.
وفي بقية العالم تتشابه الأوضاع مع تلك الموجودة في أوروبا. ففي البرازيل وصل الفساد داخل الدولة مستويات هائلة، وهو ما اتضح خلال كأس العالم. حيث يتم التجسس على الناس، ويطردون من منازلهم ويقتلون في الشوارع على يد دولة فقدت آخر ذرة من الإنسانية. وقد أوضح الرفاق من البرازيل كيف أصبح النضال ضد القمع في البرازيل جزء من النضال من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
النضال من أجل الحقوق الديمقراطية يندلع أيضا في أوكرانيا، حيث يتعرض المناضلون النقابيون والأحزاب اليسارية للهجوم والقمع من طرف القوات شبه العسكرية الفاشية التي تم دمجها في الدولة من قبل حكومة كييف. وقد خصص المؤتمر لهذه القضية وثيقة منفصلة، تم التصويت عليها بالإجماع، بعنوان “موضوعات حول أوكرانيا“. كما أصدر أيضا توصية تضامنية مع النضال ضد الفاشية في أوكرانيا، ومرة أخرى بالإجماع، مما يمثل تطبيقا عمليا لمبدأ الأممية الماركسية.
وأشار آلان وودز كذلك في واحدة من مداخلاته إلى صراع القوى في أوكرانيا بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، كمثال حاسم على كلبية الطبقة البرجوازية في محاولاتها لخدمة مصالحها. الحل الوحيد للأزمة في أوكرانيا هو توحيد الطبقات العاملة في أوكرانيا في نضال موحد للعمال من أجل الإطاحة بالأوليغارشية الحاكمة واستبدالها بدولة الاقتصاد المخطط والرقابة العمالية.
الأممية الاشتراكية
كما قدم المؤتمر العالمي للرفاق فرصة للتعرف، بطريقة غير رسمية كذلك، على قوة وامتداد التيار الماركسي الأممي. حيث تخللت الأسبوع العديد من لقاءات التعارف، مما سمح للرفاق، بمن فيهم العديد من الرفاق الجدد والأصغر سنا، من مختلف الفروع، الالتقاء مع بعضهم البعض وتبادل الخبرات. وبالنظر للنجاحات التي حققتها العديد من الفروع في جذب الشباب المتجذر، وهو ما أشارت إليه العديد من المداخلات على مدار الأسبوع، شهد طابع وتكوين الأممية تغيرا كبيرا منذ المؤتمر العالمي السابق لعام 2012، مع حضور العديد من الوجوه الجديدة، التي جذبتها أفكار الماركسية الثورية، وحضرت المؤتمر للمرة الأولى.
وقد تجلت الدرجة العالية من الحماس، الذي أضفتها الفئات الجديدة من الشباب، في الغناء المستمر للأناشيد الثورية للحركات العمالية من مختلف البلدان، وهي الأناشيد التي كانت ترفع في كثير من الأحيان بشكل عفوي كلما تجمع الرفاق معا. تقاسم المشاعر الثورية هذا مكن جميع الرفاق من الاندماج مع بعضهم البعض، مما أتاح لهم استيعاب معنى الأممية البروليتارية الثورية، ممثلة في الأفكار الماركسية الحقيقية ..
تجسدت مشاعر الحماس هذه بأفضل شكل في النشاط الذي نظم في ليلة اختتام المؤتمر. وبالإضافة إلى الغناء الجماعي الذي شارك فيه أعضاء جميع الوفود الحاضرة في المؤتمر، مما أبرز روح التيار الماركسي الأممي ككل، قامت مختلف الفروع بتأدية أغاني مختارة من تقاليد الحركات العمالية الخاصة بها. وهذا ما خلق جوا من الرفاقية الحقيقية، مع القليل من التنافس أيضا لمعرفة من الذي يمكنه أن يغني أفضل!
يا عمال العالم: اتحدوا!
كان الاحتفال بالأممية الاشتراكية مناسبا جدا لمؤتمر هذا العام، حيث أن سنة 2014 تصادف الذكرى 150 لتأسيس الأممية الأولى على يد ماركس وإنجلز، وهو ما تمت الإشارة إليه في شعار المؤتمر، الذي رفع عاليا وراء منصة المتدخلين.
وبالتالي فإن المؤتمر العالمي لهذا العام قدم استعراضا حيا لقوة الأفكار الماركسية الحقيقية، والتي أكدت بدقة المنظورات المطروحة في المؤتمر. لقد وجدت روح النداء الشهير الذي وجهه ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي: “يا عمال العالم اتحدوا!” تجسيدا حيا لها في المؤتمر. وكان الحماس الذي خلقته هذه الروح معديا جدا، ومن دون شك سوف يدفع الرفاق إلى مواصلة العمل الثوري بهمة أكبر في بلدانهم.
ما بدا واضحا من خلال مداخلات الرفاق من جميع أنحاء العالم هو امتداد الاستياء على نطاق واسع بين صفوف العمال والشباب. إن هدف التيار الماركسي الأممي هو الوصول إلى الفئات الأكثر جذرية داخل الحركة العمالية. والنمو عدديا ونوعيا لكي يصير قادرا على لعب دور حاسم في قيادة النضال في جميع أنحاء العالم نحو التغيير الاشتراكي للمجتمع. كان المزاج السائد بين الرفاق طيلة المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي 2014، مزاج العزيمة والحماس لتحقيق هذه المهمة المطروحة على كاهلنا.
ألبوم الصور
عنوان النص بالإنجليزية: