تأتي هذه الجامعة في سياق عالمي وإقليمي يتسم بتصاعد الأزمة الرأسمالية، وتزايد التناقضات الطبقية، واستمرار اندلاع ثورات جماهيرية في بلد تلو الآخر، ما يجعل مهمة تصليب النواة الشيوعية الثورية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

انعقدت الجامعة الشيوعية الثورية باللغة العربية في أيام 24 و25 و26 من أكتوبر الماضي، بحضور عشرات الشيوعيين والشيوعيات من مختلف بلدان المنطقة: موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر وفلسطين والأردن والسعودية وسوريا والعراق.
وقد خُصصت النسخة الثالثة من الجامعة الشيوعية الثورية، التي ينظمها مناضلو ومناضلات الأممية الشيوعية الثورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمناقشة أسس الماركسية بشكل أساسي.
فعلى مدار ثلاثة أيام، توزعت الجلسات على ست محاور، نقاش خلالها الرفاق: المادية الجدلية والمادية التاريخية والاقتصاد الماركسي، بالإضافة إلى المنظورات العالمية والموقف الماركسي من الدولة وتاريخ الأممية الشيوعية الثورية والإرث الثوري لتيد غرانت.
لقد كان تنظيم الجامعة الشيوعية الثورية باللغة العربية للسنة الثالثة على التوالي نجاحًا كبيرًا في ظل ظروف سياسية وتنظيمية بالغة الصعوبة تشهدها منطقتنا.
الجلسات
بدأت الجامعة بنقاش المنظورات العالمية التي قدمها الرفيق بن كوري من السكرتارية الأممية، حيث شرح عمق أزمة النظام الرأسمالي ومدى تعقيدها، والتي تتسم بتراجع القوة الإمبريالية الأمريكية على المستوى العالمي، يقابله صعود قوى إمبريالية جديدة مثل الصين وروسيا. هذا التغير في ميزان القوى يصبغ الأحداث في العالم كله، من حرب أوكرانيا إلى الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، مخلفًا هزات عنيفة وحروبًا متتالية تسقط ضحايا بالآلاف.

وقد قدم الرفاق من المغرب ومصر مداخلاتهم حول منظورات الوضع في البلدين، مؤكدين أن الأزمة تضرب بجذورها في كل أقطار المنطقة، كما في سائر بلدان العالم.
أما الجلسة الثانية في اليوم الأول، فدارت حول المادية التاريخية من تقديم الرفيق طارق، بينما تناولت الجلسة الأولى في اليوم الثاني المادية الجدلية من تقديم الرفيق مود سعيد، والجلسة الثانية في اليوم الثاني تناولت الاقتصاد الماركسي من تقديم الرفيق أيمن. أما في اليوم الثالث والأخير فقد افتتحه الرفيق محمد حسام بجلسة حول الماركسية والدولة. واختتمت الجامعة بجلسة الرفيق نور الدين حول الأممية الشيوعية الثورية والإرث الثوري لتيد غرانت، حيث شرح كيف أن الأممية تأسست على الدفاع الحازم عن النظرية الماركسية الثورية في مواجهة التشويهات الستالينية والعصوبية والهجوم الفكري البرجوازي.
جامعة مختلفة!
تميزت هذه النسخة من الجامعة بخصوصية نوعية، إذ جرت على أساس مجموعات شيوعية ثورية قائمة بالفعل في عدد من بلدان المنطقة، على عكس السنوات السابقة التي كانت مرحلة غرس البذور الأولى. اليوم يمكن أن نقول إن البذور قد غرست بنجاح، وحان وقت الاعتناء بالنبتة حتى تنمو نموًا صحيحًا وثوريًا.
إنها قفزة نوعية ومؤشر واضح على نجاح العمل الشيوعي في بلدان تعاني من القمع الوحشي والدكتاتورية وتجريم أي نشاط سياسي أو تنظيمي حقيقي. كما تميزت النسخة الحالية بحضور عدد ملحوظ من الرفاق الجدد ومشاركتهم الفاعلة في المداخلات والنقاشات، ما يعكس اتساع دائرة التنظيم ونجاحه في كسب عناصر جديدة من صفوف الشباب والعمال.
إن الجامعة لم تكن مجرد نقاشات نظرية، بل كانت أيضًا مدرسة عملية لإعداد الكوادر القادرة على قيادة النضال الطبقي في بلدانها، وتجذير العمل الماركسي الثوري في صفوف الجماهير.
خطوة يتبعها خطوات
أسدل الستار على النسخة الثالثة من الجامعة الشيوعية الثورية باللغة العربية، وهي في حد ذاتها حدث فريد من نوعه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن العمل الشيوعي الثوري لا يتوقف عند هذا الحد، بل بدأ من جديد بزخم أكبر.
اختُتمت الجامعة بالأغاني الثورية والنشيد الأممي، وسط قناعة جماعية بأن العمل الحقيقي يبدأ الآن.
لقد نُظمت هذه الجامعة في ظروف ذاتية وموضوعية صعبة، بالاعتماد على الطاقة الثورية للرفاق والرفيقات من مختلف بلدان المنطقة والعالم. وتمثل الجامعة خطوة في مسار طويل من النضال الشاق والعنيد لبناء المنظمات الشيوعية الثورية وتصليب الكوادر الماركسية في المنطقة.
إن الجامعة الشيوعية الثورية ليست حدثًا سنويًا فحسب، بل محطة من محطات بناء النواة الماركسية الثورية في منطقتنا، وتعبير حي عن الإمكانيات الكامنة في الطاقات الشبابية والعمالية التي تبحث عن تفسير علمي لأزمات النظام وعن طريق ثوري للخلاص منه. لقد أثبتت النقاشات العميقة، وتفاعل الرفاق والرفيقات من مختلف البلدان، أن الحاجة إلى منظمة أممية قادرة على توحيد خبرات الطبقة العاملة وتوجيه نضالاتها أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
إن مهام المرحلة المقبلة لن تكون سهلة، فالأزمة الرأسمالية العالمية تتسارع، وتداعياتها السياسية والاجتماعية والبيئية تضرب منطقتنا بقوة، في وقت تفتقد فيه الجماهير إلى القيادة الثورية التي تستطيع أن تربط النضالات اليومية بالرؤية الاستراتيجية لإسقاط النظام الرأسمالي وبناء المجتمع الاشتراكي. وهذا بالضبط هو الدور التاريخي الذي وُجدت من أجله الأممية الشيوعية الثورية: بناء القيادة، وتسليح المناضلين بالنظرية الماركسية الصحيحة، وتوحيد الكفاح الأممي في وجه البربرية الرأسمالية.

لقد أدت الجماهير دورها بشجاعة، ودفعت أثمانًا باهظة، لكن غياب حزب شيوعي ثوري متغلغلًا في الطبقة العاملة وقادرًا على قيادتها حال دون انتصار الثورات. ولهذا خصصت هذه النسخة من الجامعة لدراسة النظرية الماركسية الثورية الصحيحة، غير المشوهة ستالينيًا أو إصلاحيًا أو عصبويًا، أي من أجل رفع الراية الشيوعية الثورية النظيفة عاليًا، وربط النظرية بالممارسة الثورية اليومية.
لقد أثبتت التجربة التاريخية أن المثابرة التنظيمية والدراسة النظرية الجادة والعمل الجماعي المنضبط قادرون على تحويل المجموعات الصغيرة إلى قوة ثورية لها وزن وتأثير. وما نحتاجه اليوم هو أن تتوسع هذه الجهود، وأن ينضم مزيد من العمال والشباب والطلاب إلى صفوف الأممية الشيوعية الثورية، للمساهمة في بناء المنظمة القادرة على قيادة المعارك الطبقية المقبلة.
إن النصر لن يُمنح لنا، بل سيفرضه المناضلون الذين يختارون أن يقفوا في الصفوف الأمامية للنضال الطبقي. ولهذا ندعو كل من يقتنع بضرورة التغيير الجذري، ويرى في الماركسية منهجًا لتحرير الإنسانية، إلى الانخراط في صفوف الأممية الشيوعية الثورية، والمساهمة في بناء القيادة الثورية التي تحتاجها الطبقة العاملة من أجل إسقاط هذا النظام وبناء المجتمع الاشتراكي.
عاشت الطبقة العاملة!
عاشت الثورة الاشتراكية العالمية!
عاشت الأممية الشيوعية الثورية!
هيئة تحرير ماركسي
15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025
ماركسي موقع الأممية الشيوعية الثورية الناطق بالعربية