الرئيسية / التيار الماركسي الأممي / بيانات ومنظورات / منظورات للثورة العالمية 2014

منظورات للثورة العالمية 2014

ننشر فيما يلي تحليل التيار الماركسي الأممي للوضع العالمي الحالي وآفاق تطوره. سيكون أساسا للنقاش داخل صفوف التيار الماركسي الأممي خلال المؤتمر الأممي الذي سيعقد خلال صيف هذه السنة 2014.



النظرة البعيدة

تنظر الماركسية إلى التاريخ نظرة بعيدة المدى. من وجهة النظر هذه تشكل بعض الفترات في التاريخ نقطة تحول حاسمة، مثلما كانت سنوات 1789، و1917، و1929. خلال تلك الفترات يتم تسريع السيرورة التاريخية برمتها، وخلالها تنقلب الأوضاع، التي كانت تبدو ثابتة بشكل كامل، إلى نقيضها. وإلى هذه القائمة من نقاط التحول التاريخية العظيمة علينا الآن أن نضيف سنة 2008. إن المرحلة الجديدة التي انفتحت مع أزمة عام 2008 تجد انعكاسا لها في تكثيف الصراع الطبقي، وتوتر العلاقات بين الدول، وفي الحروب والصراعات الدولية.

يتعامل الديالكتيك مع السيرورات في تطورها من خلال التناقضات. ويمكننا من أن ننظر إلى ما وراء المعطيات المباشرة (“الحقائق”) وملاحظة السيرورات العميقة التي تجري تحت السطح. يعمل النظام الرأسمالي تاريخيا على إنتاج وتدمير توازنه الداخلي. ويظهر هذا خلال اندلاع الأزمات. ففي المجال الاقتصادي يظهر في تناوب فترات الازدهار والكساد، والذي هو سمة أساسية من سمات النظام الرأسمالي على مدى المائتي سنة الماضية. فترات الازدهار والتشغيل الكامل تتلوها فترات من الركود، حيث تتراجع الاستثمارات، ويتم إغلاق المصانع، وترتفع البطالة وتتوقف القوى المنتجة عن النمو.

يشرح ماركس أن السبب الأساس لكل أزمة رأسمالية حقيقية هي فائض الإنتاج، أو ما يطلق عليه في لغة الاقتصاديين المعاصرين: القدرة الزائدة (التي هي نتيجة لفائض إنتاج وسائل الإنتاج). إن حقيقة أن المجتمع يغرق في الأزمة بسبب كونه ينتج كثيرا هي سمة من سمات الرأسمالية لم تكن معروفة في المجتمعات السابقة. إنه التناقض الجوهري للرأسمالية، والذي لا يمكن حله ضمن حدود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية. وطيلة ثلاثة عقود، وهي الفترة التي بدت وكأنها طويلة نسبيا، ظهر وكأن إمكانية حدوث أزمات فائض الإنتاج قد صارت مسألة مستحيلة، لكن سرعان ما اتضح أن الواقع ليس كذلك.

كان انهيار الستالينية نقطة تحول هامة. ومن الناحية النفسية أعطى ذلك للبرجوازية وللمفكرين المدافعين عنها نسمة أوكسجين جديدة. كما دفع أكثر بالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية نحو معسكر الرأسمالية، وخلق أوهاما جديدة حول “اقتصاد السوق الحرة”. لقد أطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على الأحزاب الستالينية، التي تخلت عن ادعاء الدفاع عن الاشتراكية وأصبحت نسخة شاحبة عن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. وقد أدت نفس السيرورة إلى انتهاء الإصلاحية اليسارية كتيار محدد المعالم داخل الحركة العمالية.

خلال فترة الازدهار الماضية، تجاوزت الرأسمالية حدودها الطبيعية عبر توسيع غير مسبوق للديون وتكثيف التقسيم العالمي للعمل من خلال ما يسمى بالعولمة. دفع نمو التجارة العالمية النظام إلى أعلى في ما كان يبدو وكأنه مسيرة صعود لا تنتهي. مكـّن التوسع في الديون من زيادة الطلب بشكل مؤقت. في حالة بريطانيا، على سبيل المثال، تضاعف حجم الديون الخاصة، بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، 200% في السنوات الخمسين الماضية. وقد سارت الولايات المتحدة وبلدان أخرى على نفس الطريق.

كانت الشمس مشرقة، والأسواق مزدهرة والجميع كان سعيدا. كان كل شيء يبدو وكأنه يسير إلى الأفضل في أفضل العوالم الرأسمالية. ثم جاء انهيار عام 2008. ومع انهيار بنك ليمان براذرز، وصلوا إلى حافة كارثة من حجم انهيار 1929 أو أكبر. لم يتلافوا ذلك إلا بفضل ضخ كميات هائلة من المال العمومي. لقد ألقي كل عبء ديون البنوك الخاصة المتراكمة على كاهل دافعي الضرائب. وقامت الدولة – التي يصر الاقتصاديون على ألا يكون لها أي دور في الاقتصاد – بدعم الصرح المتداعي لـ “اقتصاد السوق الحرة”.

الأزمة مستمرة

منذ عام 2008 تضافرت كل العوامل التي سبق أن دفعت بالنظام صعودا لتدفعه إلى أسفل. فالزيادة الهائلة في الإقراض أصبحت جبلا هائلا من الديون، وعبئا كبير على الاستهلاك، يسحب بثقله الاقتصاد إلى أسفل.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه الصحافة والسياسيون عن الانتعاش، يغرق المنظرون الرأسماليون الجديون في التشاؤم. والاقتصاديون بعيدو النظر لا يتحدثون عن الانتعاش بل عن خطر أزمة جديدة أعمق. إن “الانتعاش” في الحقيقة وهم مريح، موجه بشكل مقصود لتهدئة أعصاب المستثمرين واستعادة “الثقة”.

إن الانتعاش الجزئي الذي تشهده الولايات المتحدة، إذا ما صح أصلا الحديث عن انتعاش، هو أضعف انتعاش من الركود في تاريخ الرأسمالية. بعد فترة الركود عادة ما يميل الاقتصاد إلى النهوض بقوة على أساس الاستثمار المنتج، الذي يعتبر شريان الحياة للنظام الرأسمالي. لكن ليست هذه هي الحالة الآن. ووفقا لتقارير صندوق النقد الدولي فإن الاقتصاد العالمي في طريقه للنمو بنسبة 2.9% فقط، وهو ما يمثل بالكاد حوالي نصف معدل ما قبل الأزمة.

إن الطبيعة غير العقلانية للرأسمالية، الغارقة في خضم تناقضات مستعصية على الحل، قد تفاقمت بشكل أكثر إيلاما وتدميرا من خلال العولمة. لقد صارت “السيادة الوطنية” مجرد كلمة فارغة، حيث أن كل الحكومات خاضعة لتقلبات السوق العالمية.

المضاربات تزدهر بالرغم من كل الكلام عن التنظيم. وهناك كمية كبيرة من المال تدور في جميع أنحاء العالم، تزيد إلى حد كبير من خطر حدوث انهيار اقتصادي غير مسبوق. سوق المشتقات المالية العالمية[1]، التي كانت 59 تريليون دولار عام 2008 قد ارتفعت إلى 67 تريليون دولار بحلول عام 2012. هذا هو حجم سعار المضاربات الجامح الذي اجتاح البرجوازية في عصرنا. إن الترابطات المتشابكة لسوق المشتقات المالية، والتي لا أحد، على ما يبدو، يفهمها فعلا، قد أدخلت تعقيدات ومخاطر جديدة.

وتنعكس عصبية البرجوازية في الارتفاع المحموم والسقوط المدوي للأسواق. يمكن لأدنى حادث أن يسبب الفزع: التوترات السياسية في البرتغال؛ الاضطرابات الاجتماعية في مصر؛ عدم اليقين بشأن توقعات الاقتصاد الصيني، واحتمال القيام بعمل عسكري في الشرق الأوسط يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط؛ يمكن لأي من هذه الأشياء أن تتسبب في الذعر الذي يمكنه أن يغرق الاقتصاد العالمي مرة أخرى في ركود عميق. وتلعب عائدات السندات الحكومية نفس الدور تقريبا الذي تلعبه الرسوم البيانية المعلقة على السرير في المستشفى للدلالة على ارتفاع وانخفاض الحمى. وعند تجاوز درجة الحمى نقطة معينة تهدد المريض بالموت.

شريان حياة الرأسمالية

المشكلة الأكثر خطورة هي نقص الاستثمار المنتج. ففي الولايات المتحدة، ما يزال الاستثمار الخاص في مستوى أدنى حتى من نصيبه من الناتج القومي، في حين بلغ الاستثمار العام ذروته مع التحفيز الذي شهده عام 2010، ومن تم بدأ في التراجع. إن الرأسماليين لا يستثمرون في هذا النوع من النشاط الإنتاجي الذي من شأنه أن يؤدي إلى توظيف العمال الأمريكيين بأعداد كافية للسماح للاقتصاد بالإقلاع. والسبب هو أنه لا يوجد سوق لبضائعهم، أي ليس هناك “طلب فعلي”.

التوقعات الاقتصادية مظلمة وغير مؤكدة. لا أحد يريد أن ينفق أو يستثمر لأنهم لا يستطيعون التنبؤ بالمستقبل. ارتفع عدد الوظائف في عام 2013، لكن التشغيل في المصانع استمر في الانخفاض. وقد اتضح كذب التوقعات الأولية القائلة بأن الانتعاش الاقتصادي بالولايات المتحدة سيكون بقيادة قفزة في التصنيع. الانتعاش الصحي والمستدام يجب أن يستند على الاستثمار المنتج، وليس على عدد أكبر من وجبات البرغر في مطاعم ماكدونالدز.

تكاليف الاستثمار هي الآن في الواقع أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2008. ورغم ذلك فإن الاستثمار في قطاع الأعمال بالولايات المتحدة لم يرتفع إلا بنسبة ضئيلة جدا عن مستوى 2008. سجلت دراسة حديثة أن 40 أكبر شركة في الولايات المتحدة تهدف إلى تقليص نفقات رأسمالها في مجرى عام 2013. ما الغاية من وراء بناء مصانع جديدة والاستثمار في آلات وأجهزة كمبيوتر مكلفة جديدة، عندما لا يمكنهم حتى استخدام القدرة الإنتاجية التي لديهم بالفعل؟

في المملكة المتحدة لا يذهب في الواقع سوى 15% من إجمالي التدفقات المالية إلى الاستثمار. بينما يذهب الباقي إلى دعم الأصول الحالية للشركات، والرهون العقارية، والقروض الشخصية غير المضمونة. وبدلا من الاستثمار في مصانع وآلات جديدة، تعمل الشركات الكبيرة على اقتراض مبالغ هائلة من المال بمعدلات فائدة ضئيلة من أجل إعادة شراء أسهمها. وخلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2013 وحدها، تم إنفاق 308 مليار دولار لهذا الغرض في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالتالي فإن المشكلة ليست هي نقص السيولة. ففي الولايات المتحدة تفيض صناديق الشركات بالأموال لكنها لا تستثمرها في النشاط الإنتاجي. في السنوات الأخيرة تم ضخ مبالغ طائلة من المال في الاقتصاد، وبخاصة في البنوك. والنتيجة هي زيادة الدين العام إلى مستويات تنذر بالخطر، دون خلق أي انتعاش اقتصادي جدير بهذا الاسم. تقول تقديرات وكالة موديز (نقلا عن مجلة فوربس، مارس 2013،) إنه في بداية عام 2013 تم إخفاء 1,45 تريليون دولار من قبل الشركات غير المالية في الولايات المتحدة. بزيادة قدرها 130 مليار دولار عن العام 2012. هذه ليست ظاهرة جديدة. ففي أواخر العشرينيات من القرن الماضي كان هناك تراكم هائل من النقد غير المنفق في الاقتصاد قبيل انفجار الأزمة.

لدا الاقتصاديين البرجوازيين نفور من نطق كلمة “فائض الإنتاج” (والغريب هو أن بعض الاقتصاديين الذين يسمون أنفسهم ماركسيين يعانون أيضا من نفس البلاء). لكن الأسباب الجذرية للأزمة واضحة جدا من وجهة النظر الماركسية. يتم استخلاص فائض القيمة في عملية الإنتاج، لكن هذا لا يستنفذ عملية تحقيق الأموال. إن قدرة الرأسمالي على تحقيق فائض القيمة المستخلصة من عمل العمال يعتمد في نهاية المطاف على قدرته على بيع سلعه في السوق. لكن هذه الإمكانية محدودة بمستوى الطلب الفعلي في المجتمع، أي من خلال القدرة على الدفع.

رغبة الرأسماليين في الإنتاج من أجل الحصول على أرباح رغبة غير محدودة تقريبا، لكن قدرتهم على إيجاد أسواق لمنتجاتهم لها حدود ضيقة جدا. يعتمد الاقتصاد العالمي بشكل خطير على الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الواقع يعتمد العالم كله الآن على الاستهلاك في الولايات المتحدة. لكن الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية الآن ليس في وضع ملائم ليكون بمثابة المحرك للنمو العالمي. وقد انخفض متوسط الأرباح بنسبة 5,4% منذ بدأ الانتعاش في الولايات المتحدة. والبطالة تحوم حول معدل 7%. يمثل الاستهلاك حوالي 70% من الناتج الداخلي الإجمالي للولايات المتحدة وحوالي 16% من الطلب العالمي. وبالتالي فإن المصدرين في كل مكان يأملون في أن يأتي المستهلكون في الولايات المتحدة لإنقاذهم.

لكن هذا يخلق تناقضات جديدة. في العام الماضي تسببت الواردات في ارتفاع العجز التجاري للولايات المتحدة بنسبة 12% إلى 45 مليار دولار في الشهر، وهو ما شكل أكبر قفزة خلال خمس سنوات. وشكلت الواردات من الصين حوالي الثلثين. إذا ما استمر هذا فإن عجز الولايات المتحدة والصين سيتجاوز 300 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، انخفضت صادرات الولايات المتحدة. إن سعي أوباما لمضاعفة الصادرات خلال خمس سنوات هو حلم ميؤوس منه. يمكن لانتعاش الولايات المتحدة أن يتلاشى، ويسحب الاقتصاد العالمي معه إلى أسفل. يشبه هذا تلك الخرافة الروسية القديمة عن الكوخ المدعم بساق دجاجة.

التيسير الكمي[2]

يستند الانتعاش المزعوم بشكل كلي تقريبا على حقن كميات ضخمة من رؤوس الأموال الوهمية في اقتصاد الولايات المتحدة وبلدان أخرى. إن الرأسمالية، مثلها مثل مصاب بمرض عضال، لا تستطيع البقاء على قيد الحياة إلا عن طريق نقل الدم بشكل مستمر على حساب المال العام. البنوك المركزية مضطرة إلى الاعتماد على ما يسمى بالتيسير الكمي، أو بلغة واضحة: طباعة الأوراق النقدية. لقد فشلت سياسة التيسير الكمي ومعدلات الفائدة الصفرية [0%] في تحقيق نتائج ملموسة وتسببت في آثار تضخمية واضحة.

التحسن النسبي للاقتصاد الأمريكي يعود إلى حد بعيد إلى السياسات النقدية المتساهلة التي طبقها الاحتياطي الفدرالي. فمنذ عام 2009 والاحتياطي الفيدرالي يقوم بشراء أصول مالية، وسندات الخزانة الأمريكية وبعض الأنواع من ديون الشركات. من خلال توسيع القاعدة النقدية أبقوا أسعار الفائدة منخفضة، مما ساهم في دعم الشركات المثقلة بالديون واستهلاك الأسر. كان هذا هو العامل الرئيس في ما يسمى بالانتعاش، وهو ما يسند الأسواق المالية، مثلما تسند العكازات شخصا بدون أرجل.

يستند النظام الرأسمالي على اقتصاد المجانين. فبسبب جشعهم لتحقيق أرباح سريعة من المضاربات، نجح البرجوازيون فقط في خلق تضخم هائل لأسعار الأصول خلال العشرين عاما التي سبقت انهيار عام 2008. حدث هذا بسبب سياسة الاحتياطي الفدرالي القائمة على الضغط باستمرار على أسعار الفائدة. ويتم تطبيق نفس السياسة المجنونة الآن في محاولة يائسة لإنعاش الفقاعة. يبدو أنهم قد نسوا أن هذه السياسة نفسها هي بالدرجة الأولى التي أدت إلى الانهيار. ويبدو وكأن البرجوازية قد فقدت كل حواسها. لكن وكما سبق لينين أن قال ذات مرة: «لا يمكن للشخص الواقف على حافة الهاوية التفكير بالعقل».

يبلغ مقدار التيسير الكمي الذي يقوم به الاحتياطي الفيدرالي 85 مليار دولار شهريا. إن المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، واليابان على وجه الخصوص، كلهم يؤمنون بخنوع بوعد برنانكي[3] لهم بتحقيق الربح السريع السهل في المدى البعيد. يحدث هذا، ويا للمفارقة، في نفس الوقت الذي يحاول فيه هو نفسه أن يتراجع عن موقفه. لذا وجد برنانكي نفسه في وضع دقيق للغاية. وحاول الإشارة إلى بداية نهاية أسعار الفائدة الصفرية دون إثارة حالة من الذعر.

إن هؤلاء المشاركين في هذا النشاط يدركون جيدا أنهم يقومون بتجربة خطيرة. لقد فهموا ذلك منذ مدة. قال فريد نيومان، كبير الاقتصاديين في بنك HSBC، إن التسهيلات الكمية «تمكننا من ربح بعض الوقت لكنها لا تحل أي شيء من حيث الجوهر»، (صحيفة الفايننشل تايمز20/09/13)، وقال مايك كرابو، العضو الجمهوري في اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ: «كلما استمروا طويلا في هذه العملية كلما تفاقم عجزنا عن الخروج من الركود».

وعلاوة على ذلك فإن التجربة تدل على أن هذه السياسة تخضع لقانون تناقص المردودية: حيث تصير هناك حاجة إلى كميات أكبر من المال للحصول على نتائج أقل من قبل. وكتب جيليان تيت، من الفايننشل تايمز، قائلا: «هناك طريقة واحدة لتفسير الرقص الجاري هذا الأسبوع حول التسهيل الكمي وهي أن صناع القرار مستمرون في دعم نظام مالي هو (في أحسن الأحوال) هش، و(في أسوأ الأحوال) غير مستقر». وأضاف: نعيش «في عالم حيث تعتمد أسعار الأصول والغرائز على المال الرخيص».

وقد قدمت صحيفة الفايننشال تايمز موقفها من التيسير الكمي بالولايات المتحدة في مقال افتتاحي لها صدر يوم: 9/21/13، حيث قالت:

«بالرغم من أن التيسير الكمي قد رفع الروح المعنوية، فإن تأثيره كان أكثر ضآلة مما كان البعض يأمل. فبالرغم من انخفاض تكاليف التمويل، فإن الاستثمار في حالة ركود. الحكومات تخفض العجز، والأسر تسدد ديونها، والشركات تراكم النقد. وبالتالي فإن المال الذي يتم ضخه من طرف الاحتياطي الفيدرالي لا يقوم بتمويل النشاط الاقتصادي: مثل بناء المنازل أو الاستثمار، مما من شأنه أن يسهم بشكل مباشر في النمو، بل عوض ذلك يتم استعماله لرفع قيمة الأصول الموجودة».

تستمر وكالات تمويل العقارات “فاني ماي” و”فريدي ماك”، كما كانت من قبل، في ضخ القروض في سوق الرهن العقاري. لكن وبينما كانتا قبل الأزمة تسيطران على 60% من سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة، فإنهما الآن تسيطران على 90% منها. كان هذا هو ما انتهى بانهيار عام 2008. وإدراكا منه للمخاطر التي ينطوي عليها الوضع، أعلن برنانكي بحذر خلال يونيو الماضي أن الاحتياطي الفيدرالي قد يتخلص تدريجيا من التيسير الكمي. أتباع كينز، بقيادة بول كروغمان، أصيبوا بالرعب. وحذروا من أن تلك خطوة سابقة لأوانها ومن شأنها أن تبعث برسالة خاطئة للاقتصاد العالمي، بأن البنوك المركزية ستقلص الإنفاق قبل أن يتمكن القطاع الخاص من تحقيق الانتعاش المطلوب. وهذا هو ما حدث سنتي 1937-1938.

حاول برنانكي التخفيف من وطأة الصدمة من خلال اللجوء إلى كل أنواع “الحيثيات” و”التحفظات”. وأكد أن البنك الاحتياطي الفيدرالي لن يوقف شراءه للأصول إلا إذا انخفض معدل البطالة إلى أقل من 7% – وهو ما تحقق الآن – مقللا من خطر تقليص الإنفاق قبل تمكن الاقتصاد من التعافي. وأن معدلات الفائدة قصيرة الأجل ستبقى قريبة من الصفر لفترة طويلة. وكل رفع لمعدل الفائدة سيكون تدريجيا. الخ، الخ.

كل ذلك كان بدون جدوى. فقد أصبحت البرجوازية مدمنة على التيسير الكمي والقروض الرخيصة، تماما مثل المدمن على الهيروين، والذي يحتاج إلى جرعات منتظمة ليعيش. تسبب التصريح في نشر الذعر بشكل فوري في الأسواق المالية، حيث بدأت صناديق التحوط في بيع السندات، مما تسبب في انخفاض كبير لأسعارها. ارتفعت تكاليف الاقتراض بصورة جنونية. وبحلول منتصف شتنبر وجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه مجبرا على التراجع. فارتفعت الأسواق مرة أخرى بعد سماع قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الاستمرار في التيسير الكمي، رغم أن الرئيسة الجديدة للبنك الفيدرالي، جانيت يلين، قد أعلنت عن خطط لتقليصه إلى الصفر بحلول نهاية عام 2014.

الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية

في عام 2009، وبعد أسبوعين على التحاقه بالبيت الأبيض، ألقى أوباما خطابا قال فيه: «لا نستطيع إعادة بناء هذا الاقتصاد على نفس كومة الرمال. يجب أن نبني بيتنا فوق الصخر. يجب علينا وضع أساس جديد للنمو والازدهار، أساس من شأنه أن ينقلنا من عصر الاقتراض والإنفاق إلى عصر الادخار والاستثمار؛ حيث نستهلك أقل في الداخل ونبعث بالمزيد من الصادرات إلى الخارج».

وبعد مرور أربع سنوات ما تزال الولايات المتحدة تبني على أساس من الرمال، وتعبد الأرض لأزمة مستقبلية. يظهر هذا في الرقم الفلكي لديون البلد المتراكمة. إن الطبيعة غير المستقرة للوضع قد تبينت من خلال الإغلاق الذي تعرضت له حكومة الولايات المتحدة، والذي هدد بدفع الولايات المتحدة وكل الاقتصاد العالمي، إلى السقوط الحر في الهاوية. لقد بلغت ديون حكومة الولايات المتحدة الرقم المذهل 16,7 تريليون دولار، أي الحد الأقصى الذي حدده الكونغرس.

تظهر شدة الأزمة في الانقسام الحاد داخل صفوف الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة وممثليها السياسيين. خلال فترة الطفرة الاقتصادية كان في مقدور الحزبين الرأسماليين [الجمهوري والديمقراطي]، واللذان يمثلان جناحي الطبقة الرأسمالية الأمريكية، أن يتوصلا إلى حل وسط بشأن معظم القضايا. لكن الآن، عندما فرغ الصندوق، صارت المجموعات السياسية القديمة عائقا مطلقا لتطور المجتمع مع ما يتضمنه ذلك من عواقب وخيمة.

لقد أوصلت الحاجة إلى رفع سقف الدين الأمريكي هذه الانقسامات إلى نقطة الأزمة. وكان الفشل في القيام بذلك من شأنه أن يدفع بالولايات المتحدة إلى العجز. كان هذا سيؤدي إلى انخفاض في الناتج الداخلي الإجمالي للولايات المتحدة بـ 6,8% وخسارة خمسة ملايين وظيفة في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.[4] إلا أن الجناح اليميني “حزب الشاي” والجمهوريين في الكونغرس، المدفوعين بكرههم لأوباما، وبرنامجه لإصلاح قطاع الصحة، وبسبب هوسهم الضيق الأفق بخفض العجز، كانوا مستعدين تماما لدفع الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي إلى الانهيار.

يشير أتباع كينز إلى أن خفض مستويات المعيشة خلال مرحلة الركود لن يعمل سوى على تعميق وإطالة مدة الركود. وهذا صحيح إلى حد بعيد. لكن النقديين محقون هم أيضا في إشارتهم إلى أن السياسات الكينزية للتمويل بالعجز هي وصفة لرفع معدل التضخم وستؤدي في نهاية المطاف إلى مفاقمة الأزمة.

في ظل الاقتصاد الرأسمالي لا توجد الكثير من المحفزات للاستثمارات الخاصة عندما تكون أسعار الفائدة قريبة من الصفر، ويكون العجز العمومي كبيرا جدا. ومن المثير للسخرية أن اقتصاديا مثل جيف ساكس، وهو نفسه الرجل الذي أطلق عنان الليبرالية الجديدة في أوروبا الشرقية، قد صار يدعو الآن إلى تطبيق نسخة جديدة للخطة الجديدة[5] على الصعيد العالمي. إن هذا انعكاس ليأس البورجوازية التي تشعر بأنها في مأزق. إن الطبقة السائدة منقسمة على نفسها حول ماهية الإجراءات التي يجب اتخاذها للتغلب على الديون الضخمة التي تقف فوق رأس الاقتصاد الأمريكي وكأنها سيف داموقليس المرعب.

لقد دق إغلاق الحكومة الأمريكية ناقوس الخطر في الأوساط البرجوازية على الصعيد الدولي. فرئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، سماه بـ «اللحظة الخطيرة جدا… يمكن للتقاعس عن الفعل أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض الثقة وتباطؤ النمو». ووجهت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، تحذيرا أكثر وضوحا عندما قالت إن الجمود في الكونغرس الأميركي يهدد برمي العالم في ركود جديد. وبدأ الدولار يتراجع أمام العملات الأخرى مع فقدان المستثمرين للثقة فيه.

أدت سياسة الحجز المجنونة تلك إلى تخفيضات في الاستثمار في البحث العلمي والتعليم والبنية التحتية، أي خفضت بشكل كبير في الأشياء التي تحتاجها أميركا أكثر لتحقيق حد أدنى من تخفيض العجز في الميزانية. وطالب اليمين الجمهوري أوباما بالتخلي عن إصلاحاته الصحية الخجولة أصلا. لقد كان الجمود في الكونغرس دليلا واضحا على الانقسام داخل صفوف الطبقة الحاكمة، وهو ما تم تجاوزه مؤقتا، لكنه لم يحل.

يدافع قسم آخر من الاقتصاديين البرجوازيين الآن عن الاعتدال في تطبيق سياسة التقشف أو التخلي عنها، وحماية الفقراء، والرفع من مهاراتهم، وتوجيه الاستثمارات نحو الطاقة الخضراء، الخ. ويهدف هذا إلى زيادة الطلب عن طريق زيادة الاستهلاك. لكن هذه المقترحات تصطدم مباشرة مع المقاومة المريرة من طرف رجال الأعمال والجمهوريين والنقديين.

إن هذه سياسة خطرة جدا، وقد شبهها بعض الاقتصاديين بالموقف الذي واجهه روزفلت عام 1938 عندما اضطره الكونغرس إلى كبح التحفيزات، مما أدى إلى تراجع اقتصادي جديد. في الحقيقة لم تكن خطة روزفلت الاقتصادية هي التي أوقفت الكساد العظيم، بل الحرب العالمية الثانية. لكن هذا الخيار لم يعد ممكنا في الوقت الذي لم يعد فيه الرئيس الأمريكي قادرا حتى على شن غارة على سوريا.

في خطابه عام 2009، اختار أوباما ألا يشير إلى ما تبقى من المنزل المبني على الرمال: «فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا»[6].

أزمة أوروبا

إن الطابع العالمي للأزمة يجعل من المستحيل “فصل” أوروبا عن أمريكا. فإعلان الولايات المتحدة عزمها تقليص التيسير الكمي تسبب على الفور في حدوث اضطرابات في الأسواق، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو. وكانت النتيجة هي تشديد السياسة النقدية في الوقت الذي يفترض الركود وارتفاع البطالة تطبيق السياسة المعاكسة.

ظهرت الأزمة في أوروبا بشكل أكثر حدة من أي مكان آخر. وبسرعة تحولت كل أحلام البرجوازية الأوروبية حول بناء أوروبا رأسمالية موحدة إلى رماد. لقد صعدت كل التناقضات الوطنية إلى السطح، مما يهدد مستقبل، ليس فقط منطقة اليورو، بل الاتحاد الأوروبي نفسه.

ثقل الديون بمثابة حجر رحى عملاق مربوط في رقبة الاقتصاد الأوروبي، يسحبه إلى أسفل ويمنع حدوث انتعاش حقيقي. لا أحد يعرف المدى الحقيقي لديون الأبناك الأوروبية. وقد وصل مبلغ القروض الرديئة لأبناك الاتحاد الأوروبي، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، إلى 1,05 تريليون دولار [التريليون هو ألف مليار -المترجم-] على الأقل (أي ضعفي مقدارها عام 2008). ولكن هذا مجرد تقدير (أي تخمين) أما الرقم الحقيقي فأكبر من ذلك بكثير. تَعتبر معظم الأبناك الاستثمارية أن القطاع البنكي الأوروبي يجب أن يتقلص ما بين 2 تريليون دولار إلى 2,5 تريليون دولار، للوصول إلى الحجم الذي يمكن وصفه بأنه ملائم.

كان هناك انتعاش بطيء في ألمانيا، لكن إيطاليا وإسبانيا ما زالتا في حالة ركود، بينما اليونان غارقة في ركود عميق. وقد فقدت إيطاليا 9٪ من ناتجها المحلي الإجمالي منذ بداية الأزمة، وفقدت اليونان 25٪ على الأقل. ولن يكون من الممكن لألمانيا الحفاظ على النمو إذا لم يكن هناك انتعاش في منطقة الأورو ككل، والتي تشكل السوق الرئيسي لصادراتها. في عام 2012 تراجعت مبيعات السيارات الأوروبية إلى أدنى مستوى لها منذ بدء الاحتفاظ بالسجلات قبل 24 عاما، أي عام 1990. وقد واصلت مبيعات السيارات في أوروبا التراجع خلال الستة أشهر من بين الأشهر الثمانية الأولى من عام 2013.

لقد تم الاحتفال بإطلاق عملة الأورو في عام 1999 باعتبارها المفتاح لمستقبل ذهبي من السلام والازدهار والتكامل الأوروبي. لكنها في ظل ظروف الأزمة صارت، كما توقعنا، مصدرا للصراع القومي والتفكك.

على الرغم من أن الأورو ليس السبب في مشاكل بلدان مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، كما يتصور القوميون ضيقو الأفق، فإنه بدون شك قد فاقم تلك المشاكل إلى أقصى درجة.

في الماضي كان في إمكان هذه البلدان إيجاد حل لأزمتها من خلال تخفيض قيمة العملة. أما الآن فهذا مستحيل. وبدلا من زيادة حصتها من الأسواق على حساب المنافسين الأجانب من خلال تخفيض قيمة العملة، هي الآن مضطرة إلى اللجوء إلى سياسة “تخفيض داخلي”، أي تطبيق سياسة تقشف وحشية. لكن هذا لن يؤدي سوى إلى تعميق الركود واحتداد الانقسامات الطبقية في المجتمع.

كان العامل المباشر هو الأزمة اليونانية، التي تهدد الأورو والاتحاد الأوروبي نفسه. وقد كان من الطبيعي أن تظهر الأزمة لأول مرة في أضعف حلقات سلسلة الرأسمالية الأوروبية. لكن تداعيات الأزمة اليونانية تؤثر على أوروبا كلها. خلال النهوض الاقتصادي الذي أعقب إطلاق عملة اليورو، كسبت ألمانيا الكثير من تصدير سلعها إلى منطقة اليورو. وما بدأ كنقطة إيجابية تحول إلى نقطة سلبية. وعندما وعد ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، بأنه سيستخدم جميع الموارد الاقتصادية الموجودة تحت تصرفه لإنقاذ اليورو، نسي أن يشرح لنا من أين ستأتي هذه الموارد.

إن أي تحويل مالي لإنقاذ منطقة اليورو، سيكون دائما تحويلا لأموال دافعي الضرائب الألمان إلى مكان آخر. وهذا يطرح بعض المشاكل الخطيرة لأنجيلا ميركل. لقد تبنت ألمانيا موقف المدافع العنيد عن التقشف والانضباط المالي. ويمكنها ان تتحمل القيام بذلك، فهي أقوى الاقتصادات الأوروبية، والقوة الاقتصادية لا بد أن تترجم عاجلا أو آجلا إلى قوة سياسية. وعلى الرغم من أوهام البرجوازية الفرنسية في الماضي، فإن ألمانيا هي من يقرر كل شيء.

ومع ذلك، فإن لسياسة التقشف حدودا اجتماعية وسياسية معينة. وقد وصلت بلدان مثل اليونان والبرتغال بالفعل إلى هذه الحدود، كما أن إسبانيا وإيطاليا ليستا بعيدتان عنها. وعلى الرغم من التفاؤل الأخير للبرجوازية، فإنه لم يتم حل أي مشكل. إن أزمة منطقة الأورو يمكنها أن تندلع مرة أخرى في أية لحظة. وقد أثار فرض سياسة التقشف المشؤومة أزمة سياسية حادة في البرتغال، حيث كادت الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة أن تتسبب في انهيار الحكومة. إن الدين العام في البرتغال آخذ في الارتفاع، ومن المرجح أن يصير فوق 130٪ من الناتج القومي بحلول عام 2015. وبالتالي ما الفائدة من كل تلك التضحيات والآلام؟

بعض “اليساريين” في أوروبا – من بينهم على سبيل المثال لافازانيس- زعيم حزب سيريزا، يدعون إلى التخلي عن اليورو، بل وحتى الخروج من الاتحاد الأوروبي نفسه، كحل للأزمة ولمشاكل الطبقة العاملة. إلا أننا نحن الماركسيين لا نرى أن سبب الأزمة هو وجود الاتحاد الأوروبي، بل نعتبر أن سبب الأزمة هو النظام الرأسمالي.

ليس الاتحاد الأوروبي أكثر من نقابة لأرباب العمل تهدف الى تعزيز مصالح الرأسماليين الأوروبيين الكبار. يفرض الاتحاد الأوروبي سياسات مضادة للطبقة العاملة في كل مكان. ولا يمكن إصلاح هذه الهيئة وتحويلها إلى نوع من “أوروبا اجتماعية”. نحن نعارض هذا الوهم، لكن الحل لا يكمن في تشكيل سلسلة من الرأسماليات الوطنية الصغيرة، بل يكمن في وحدة عمال أوروبا في النضال من أجل الولايات المتحدة الأوروبية الاشتراكية.

ينعكس عدم الاستقرار السياسي، الذي تسببت فيه تدابير التقشف، في توالي صعود حكومات ائتلافية ضعيفة وفي التقلبات العنيفة للرأي العام. ففي إيطاليا لم يتمكنوا إلا بصعوبة بالغة من تشكيل ائتلاف للحزب الديمقراطي مع برلسكوني، وقضى قادة الائتلاف معظم وقتهم في مهاجمة بعضهم البعض بشكل علني. إن اهتمام برلسكوني الرئيسي هوالإفلات من السجن. لكن هذا الاهتمام الوجيه لا يحتل، من وجهة نظر المصالح العامة للرأسمالية الإيطالية، سوى مكانة ثانوية.

لقد تسبب مشهد المشاحنات المقززة والانقسامات في القمة، وفضائح الفساد (كما هو الحال في إسبانيا)، وعدم الوفاء بالوعود (كما في فرنسا)، وتكالب السياسيين على ملئ جيوبهم (كما في اليونان)، في الوقت الذي يتسببون بأشد الآلام لبقية المجتمع، في تراجع عام لشعبية كافة الأحزاب الموجودة وقادتها. هذا تطور ينذر بالخطر للبرجوازية، التي تستخدم الأسلحة السياسية الاحتياطية التي تمتلكها للدفاع عن نظامها. إن شروط انفجار أزمة اجتماعية وسياسية واسعة النطاق في أوروبا تتراكم باستمرار.

إن البرجوازية تحدق في الهاوية، وقد تضطر الى التراجع. وبصرف النظر عن أي شيء آخر، فإن سياسة التقشف قد فشلت فشلا ذريعا في إعادة تنشيط الاقتصاد. بل على العكس من ذلك، تسببت في تحويل الوضع السيء إلى الأسوء. لكن ما هوالبديل؟ إن البرجوازية محصورة بين الرمضاء والنار. ليس من الواضح ما إذا كانت منطقة الأورو سوف تتفكك بشكل كامل، وهو الاحتمال الذي يرعب البرجوازية ليس فقط في أوروبا. ومن أجل منع حدوث انهيار كامل، سيضطر زعماء الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن بعض الشروط الأكثر صرامة. وفي النهاية لن يتبق سوى القليل جدا من الفكرة الأصلية عن الوحدة الأوروبية، التي هي أمر مستحيل في ظل الرأسمالية.

يمكن تلخيص مشكلة البرجوازية الأوروبية ببساطة: إن الطبقة الحاكمة لا تستطيع أن تستمر في تحمل المكتسبات التي فرضتها الطبقة العاملة على مدى نصف القرن الماضي، لكن الطبقة العاملة لا يمكنها أن تقبل أي تخفيضات أخرى في مستويات المعيشة. إننا نشهد في كل مكان تراجعات حادة في مستويات المعيشة؛ وتخفيضات الأجور؛ وعادت إلى الوجود ظاهرة الهجرة من بلدان جنوب أوروبا نحو بلدان مثل ألمانيا. لكن إلى أين يمكن الهجرة عندما سيضرب الركود ألمانيا أيضا؟

لقد تقوت الطبقة العاملة بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية. بينما انخفضت بشكل حاد الاحتياطيات الاجتماعية للردة الرجعية. إن الفلاحين، الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة جدا من المجتمع في الماضي، ليس فقط في اسبانيا وايطاليا وفرنسا واليونان، بل أيضا في ألمانيا، قد صاروا الآن أقلية صغيرة. وبعض الفئات الاجتماعية مثل المعلمين وموظفي القطاع العام وموظفي الأبناك، الذين كانوا في الماضي يعتبرون أنفسهم من الطبقة الوسطى، ولا يتخيلون إمكانية الانضمام إلى نقابة أوالمشاركة في إضراب عن العمل، هم الآن من بين أكثر الفئات كفاحية في صفوف الحركة العمالية. وينطبق الشيء نفسه على الطلاب، الذين كانوا قبل عام 1945 موالين في الغالب لليمين أوحتى للفاشيين، والذين صاروا الآن يتجهون بحزم نحواليسار وينفتحون في كثير من الحالات على الأفكار الثورية.

لم يتعرض العمال الأوروبيون لأية هزيمة ساحقة منذ عقود. ولن يكون من السهل إجبارهم على التخلي عما حققوه من مكتسبات. وقد تبين هذا في أكتوبر 2013 مع رجال الاطفاء البلجيكيين الذين احتجوا أمام البرلمان بثلاثين شاحنة، حيث أغلقوا كل المنافذ، ورشوا الشرطة بالماء والرغوة، مطالبين بزيادة ميزانيتهم بمبلغ 75 مليون أورو اضافي للرفع من عدد الموظفين إلى مستويات مقبولة. وفي الأخير اضطرت الحكومة إلى الاستسلام عندما قدم عمال السكك الحديدية المساعدة لرجال الاطفاء بإيقافهم لمحطات السكك الحديدية. إن هذا التغيير في ميزان القوى يشكل معضلة خطيرة للبرجوازية في تطبيق تدابير التقشف اللازمة. ومع ذلك، فإن الطبقة الحاكمة مضطرة بسبب الأزمة لمواصلة هجماتها.

ألمانيا

ظاهريا يبدو أن ألمانيا قد نجت من الأزمة. لكن دور ألمانيا سوف يأتي. إن نقطة ضعف الرأسمالية الألمانية هو اعتمادها غير المسبوق على التصدير: ففي عام 2012 بلغت الصادرات الألمانية 44٪ من الناتج المحلي الإجمالي (1,1 تريليون أورو). وكان السبب وراء هذا النجاح الواضح هو أن الأجور الحقيقية للعمال الألمان قد تجمدت في نفس المستوى الذي كانت عليه سنة 1992. ووفقا لصحيفة الفايننشل تايمز: «لدا ألمانيا الآن أعلى معدل للعمال ذوي الأجور المنخفضة، بالنسبة إلى متوسط الدخل الوطني، في أوروبا الغربية». ربع القوى العاملة هم من ذوي “الدخل المنخفض”. وقد تضاعف عدد العمال المؤقتين ثلاثة مرات خلال عشر سنوات.

الصادرات الألمانية، التي تشكل المصدر الوحيد للنمو في الفترة الأخيرة، قامت بالتالي على أساس الأجور المنخفضة ومستويات عالية من الاستثمار. ولقد أعطت المستويات العالية للإنتاجية، التي تعتصر من العمال الألمان، للصناعة الألمانية ميزة كبيرة على منافسيها الأوروبيين، كما نرى من خلال الارقام التالية :

أداء الإنتاج الصناعي ما بين سنة 2000 وأكتوبر 2011:

ألمانيا: + 19,7٪
البرتغال: – 16,4٪
إيطاليا: – 17,3٪
اسبانيا: – 16,4٪
اليونان: – 29,9٪

والحقيقة هي أن الرأسمالية الألمانية قد ربحت على حساب منافسيها الأوروبيين الأضعف والذين لا يمكنهم أن يتنافسوا مع صناعاتها. كانت خسارتهم مكسبا لألمانيا. وبالتالي فإن الأورو قد خدم بالأساس مصالح ألمانيا قبل كل شيء. لقد كانت البنوك الألمانية سعيدة جدا بإقراض المال لبلدان مثل اليونان لتمكينها من شراء البضائع الألمانية. لكن هذه السيرورة قد انقلبت الآن إلى نقيضها. وعلى الرغم من أنه لا يمكنهم الاعتراف بالحقيقة علنا، فإن التقارير المسربة عن برنامج صندوق النقد الدولي الأول لإنقاذ اليونان قد أثبتت ما سبق لنا أن أكدناه في الماضي، أي: أن برامج إنقاذ اليونان هي قبل كل شيء ضرورية لإنقاذ الأبناك الألمانية (والفرنسية).

يصب الديماغوجيون اليمينيون في ألمانيا الآن سيلا من اللعنات على أوروبا وعلى الأورو. لكن منظري الرأسمالية الألمانية الأكثر جدية يشعرون بالقلق الشديد. إنهم يفهمون أن ألمانيا لا يمكنها استعادة التوازن الاقتصادي طالما استمرت بقية منطقة الأورو غارقة في الأزمة. إذ إلى أين يمكنهم تصدير بضائعهم ؟

في حديثه خلال قمة اقتصادية هامة في مدينة هامبورغ الألمانية، حذر الزعيم السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، هيلموت شميت، من أن: «ثقة الرأي العام في الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي قد تحطمت، وأوروبا تقف على حافة الثورة». وأكد كذلك على ضرورة إحداث تغييرات سياسية واقتصادية كبرى في أوروبا. لكن ما هي التغييرات المطلوبة؟ ومن الذين سوف يعملون على تنفيذها؟

بريطانيا

بريطانيا التي كانت القوة الصناعية الأكبر في العالم فقدت قاعدتها الصناعية وصار يهيمن عليها بالكامل رأس المال المالي الطفيلي والخدمات. تضم المملكة المتحدة عددا من المصرفيين الذين يكسبون أكثر من مليون جنيه استرليني سنويا أكثر من بقية دول الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من أنها تدعي حدوث “انتعاش” فإن الحقيقة هي أنها تعيش تراجعا.

لقد شهدت بريطانيا خلال الفترة الأخيرة أكبر انهيار في مستويات المعيشة تعرفه منذ ستينيات القرن التاسع عشر، أي قبل أكثر من 150 عاما. وهناك تحذيرات من انفجار جديد بين الشباب على غرار الاحتجاجات التي اجتاحت البلدات والمدن في جميع أنحاء بريطانيا قبل بضع سنوات. تقول الاحصائيات أن 2 مليون طفل في بريطانيا يذهبون كل صباح إلى المدرسة جياعا. لقد صدمت هذه الحقائق الرأي العام مما اضطر الحكومة إلى المسارعة إلى تقديم وجبات مجانية لجميع الأطفال في المدارس الابتدائية.

لقد شهدت المواقف الاجتماعية في بريطانيا تحولا هائلا. فقد تحولت المواقف القديمة المبنية على الاحترام والتوقير تجاه المؤسسات إلى كراهية. والناس الذين كان ينظر إليهم بنوع من التقدير كأعضاء البرلمان، ورجال الصحافة والقضاء والشرطة، صار ينظر إليهم نظرة الشك والاحتقار.

وأكد جون ماك ديرموت في الفايننشل تايمز أنه:

«يبدو أن الناس صاروا يعتقدون بأن هناك شيء فاسد في المؤسسات، وفي عام 2010، وجد استطلاع للرأي أن 81٪ من البريطانيين يتفقون مع الرأي القائل بأن: “السياسيين لا يفهمون العالم الحقيقي على الإطلاق”. وذكرت هيئة مسح الموقف الاجتماعي البريطاني أن 18٪ فقط من المستجوبين يثقون في إمكانية أن تضع الحكومات مصالح البلاد فوق مصالح أحزابها، مقابل 38٪ في عام 1986. والموقف من البنوك أسوء بكثير. ففي عام 1983، كان 90٪ من المستجوبين يعتقدون أن الأبناك “تدار بشكل جيد”، مقارنة مع 19٪ فقط اليوم، وهو ربما التحول في المواقف الأكثر دراماتيكية في تاريخ تقارير هذه المؤسسة البالغ 30 عاما.

«إن مواقف البريطانيين من المؤسسات تتغير صعودا ونزولا، وإسألوا عن ذلك صاحبة الجلالة. لكن الفضائح المتتالية التي تضرب الأبناك والبرلمان ووسائل الإعلام تؤدي إلى انهيار هائل في الثقة في أولئك الذين يديرون السلطة في البلاد… وهناك جهل عميق بين الأقوياء بعمق مشاعر العداء ضد النخبة، في بريطانيا وخارجها». (الفايننشل تايمز: 28/09/2013)

اضطر زعيم حزب العمال إد ميليباند في النهاية إلى التعبير، ولو بأكثر الطرق احتشاما، عن الغضب المتنامي ضد الشركات الكبرى والبنوك بعد ضغوط متزايدة من قواعد الحركة العمالية. وعلى الرغم من أن انتقاداته كانت محدودة وضعيفة، فإنها أثارت موجة من الغضب لدا الصحافة البرجوازية. لقد اتهمت صحيفة الفايننشل تايمز ميليباند بـ “الاتجار في الحيل الشعبوية”. لدينا هنا بالفعل صورة عن الضغوط المتناقضة التي من شأنها أن تتضاعف ألف مرة عندما سيدخل حزب العمال الحكومة في ظل ظروف الأزمة.

فرنسا

في البداية كان الهدف من الاتحاد الأوروبي أن يكون اتحادا تلعب فيه فرنسا دور الزعيم السياسي لأوروبا وتكون ألمانيا هي المحرك الاقتصادي. لكن الآن اتضح أن مخططات الطبقة الحاكمة الفرنسية هذه مجرد أحلام طوباوية. فبرلين تقرر كل شيء، بينما لا تقرر باريس في أي شيء.

في الانتخابات الأخيرة حقق الحزب الاشتراكي فوزا كاسحا على كل المستويات. لكن سرعان ما تبخر ذلك الدعم الذي تمتع به هولاند. فهو، مثله مثل أي زعيم إصلاحي آخر، قبل بلعب دور إدارة أزمة الرأسمالية. ونتيجة لذلك صار يحتل الآن أسوء تصنيف لرئيس فرنسي منذ عام 1958. وقد سجلت أحدث استطلاعات الرأي زيادة في الدعم لليمينية مارين لوبان، بينما تخلف هولاند في الوراء.

ستحاول وسائل الإعلام تصوير ذلك بكونه ميلا نحواليمين. لكنه في الواقع يعبر عن مزاج عام من الإحباط والاستياء تجاه الأحزاب القائمة وخيبة الأمل في “اليسار”، الذي قدم الكثير من الوعود ولم يحقق سوى القليل. يبقى أن نرى ما إذا كان الحزب الشيوعي مع سياساته الإصلاحية يستطيع كسب تأييد الاشتراكيين أو جبهة اليسار أو يسترد النجاحات الانتخابية السابقة.

من أجل صرف الأنظار جزئيا عن مشاكله الداخلية، أطلق هولاند سلسلة من المغامرات العسكرية الخارجية في أفريقيا (مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى). وبسبب محاصرته من طرف ألمانيا في أوروبا، يحاول إحياء دور فرنسا القديم في أفريقيا والشرق الأوسط. لكن الإمبريالية الفرنسية، في الواقع، تفتقر إلى العضلات للقيام بدور مستقل على الصعيد العالمي. وسوف تنتهي هذه المغامرات العسكرية حتما بخسائر، مضيفة وقودا جديدا لنيران السخط المشتعلة في الداخل.

تبقى فرنسا البلد الرئيسي للصراع الطبقي في أوروبا. وقد أظهر العمال الفرنسيون مرارا وتكرارا أنهم لم ينسوا أبدا تقاليدهم الثورية. إن الجماهير تبحث عن طريقة للخروج من الأزمة. لقد وضعت ثقتها في القادة الاشتراكيين، لكن هؤلاء الأخيرين مرتبطون عضويا بالنظام الرأسمالي والوضع القائم. لقد حطم “اليسار” آمال الجماهير. قادة الحزب الشيوعي وحزب اليسار عملوا على تحطيم جبهة اليسار في الانتخابات البلدية. يوجد الحزب الشيوعي في تحالف مع الحزب الاشتراكي، وهو حزب الحكومة، في حين أن حزب اليسار في بعض البلديات متحالف مع حزب الخضر، الذي لديه هو أيضا وزيران في الحكومة الحالية. من خلال تحطيمهم لجبهة اليسار – على الأقل على مستوى البلديات – تسببوا في خيبة آمال هؤلاء العمال والشباب الذين يبحثون عن بديل على يسارالحزب الاشتراكي. إن تلك الخطوة مؤشر على العمى الإصلاحي الكامل لقادة الحزب الشيوعي الذين يتشبثون بأذيال الحزب الاشتراكي بالضبط في الوقت الذي فقد فيه هولاند وحكومته مصداقيتهما وصارا فاقدان بشكل كبير للشعبية. وبدلا من الحفاظ على موقف معارضة واضحة للحكومة، فإنهم يحاولون بعناد الحفاظ على مواقعهم في الحكومة المحلية. يجب على الماركسيين أن يطالبوا قادة جبهة اليسار بالقطع مع الاشتراكيين والخضر وتعزيز جبهة اليسار على أساس سياسات يسارية واشتراكية حقيقية.

إن ما نراه أمامنا هو سيرورة استقطاب واضحة بين الطبقات والتي سيتم التعبير عنها على شكل انفجار اجتماعي في مرحلة معينة. يمكن للعمال والشباب المحبطين من المسار الانتخابي أن ينزلوا الى الشوارع كما فعلوا في كثير من الأحيان في الماضي. ويجري الإعداد لتكرار أحداث ماي 1968. لكنها هذه المرة ستكون على مستوى أعلى، ولم يعد الستالينيون يمتلكون القوة أو النفوذ لخيانتها.

إيطاليا

تتأرجح إيطاليا على شفا هبوط لولبي وارتفاع عائدات السندات. وستكون العواقب كارثية، ليس فقط لايطاليا بل أيضا لمنطقة الأورو. لقد وصلت ديونها المتراكمة إلى حوالي 2 تريليون أورو. وتهدد تكاليف الاقتراض الحكومي بخنق الاقتصاد الإيطالي على المدى الطويل.

البطالة آخذة في الارتفاع. وخلال السنوات الثلاث الماضية، فقد مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 25 و34 وظائفهم. ومن بين الذين تقل أعمارهم عن 35 لا يعمل سوى أربعة من أصل عشرة. ورسميا هناك أكثر من ثلاثة ملايين عاطل عن العمل في المجموع، لكن كثيرا من الناس توقفوا عن البحث عن وظيفة لأنهم لا يثقون في إمكانية الحصول على منصب شغل. في عام 2012، تم تصنيف أكثر من 9 ملايين شخص كفقراء، من بينهم 4,4 مليون يعيشون في ظروف فقر مدقع.

أكدت دراسة حديثة أنجزتها مؤسسة Legacoop (أكبر شبكة للأسواق الممتازة) ما كان واضحا منذ مدة: ثلاثة ملايين أسرة – 12,3٪ من السكان- غير قادرين على توفير وجبة عالية البروتين كل يومين؛ 9 ملايين ايطالي عاجزون عن تلبية نفقات غير متوقعة تبلغ 800 أورو؛ صار الايطاليون يتخلون بشكل متزايد عن استخدام السيارة (25٪ من السكان)؛ ولم يعودوا قادرين على الذهاب في عطلة (انخفض عدد الذين خرجوا في عطلة بأربعة ملايين شخص هذا الصيف)، ولا يشترون ملابس جديدة (23٪ من السكان). وانخفض الإنفاق على الغذاء في السنوات الست الماضية بنسبة 14٪، أي انخفض إلى مستويات سنة 1971 (2400 أورو للفرد الواحد).

وصفت الفايننشل تايمز المهام التي تواجه إيطاليا بأنها “مؤلمة اقتصاديا وانتحارية سياسيا” (07/10/2013). لا يمكن لإيطاليا الرأسمالية أن تتنافس مع ألمانيا وفرنسا وهي تتراجع إلى الوراء. في الماضي كان في إمكانها تخفيض قيمة عملتها، لكن مع الأورو صار هذا الطريق مسدودا. وبدلا من ذلك عليها أن تلجأ إلى “تخفيض داخلي” (أي إجراء تخفيضات كبيرة في مستويات المعيشة). لكن للقيام بذلك هناك حاجة إلى حكومة قوية. إلا أن هذا غير ممكن.

كل الأحزاب الإيطالية منقسمة على نفسها. فداخل الحزب الديمقراطي يوجد انقسام بين الشيوعيين القدامى وبين العناصر البرجوازية الصريحة الديمقراطية المسيحية. وانفجر حزب مونتي الصغير إلى فصائل، ويتوقع أن يسقط من 10٪ إلى 4٪ في الانتخابات القادمة. بل وحتى حركة غريللو “خمسة نجوم” قد انقسمت، مع بعض الميل الواضح للتعاون مع الحزب الديمقراطي.

لقد لعب قادة النقابات دورا مشؤوما بدعمهم لما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، وتقبلهم لتدابير التقشف المعادية للطبقة العاملة. ينطبق هذا بشكل خاص على القادة “اليساريين” لنقابة عمال المعادن،FIOM، الذين، بعد أن دغدغوا آمال العمال، التحقوا بكاموسو زعيم الكونفدرالية العامة الإيطالية للشغل CGIL، في توقيع وثيقة مشتركة لمؤتمر الكونفدرالية العامة CGIL. نرى هنا بشكل ملموس الدور الحقيقي للإصلاحيين اليساريين. فقادة النقابات العمالية الإصلاحيون اليمينيون يرتمون في حضن البرجوازية، بينما يرتمي قادة النقابات العمالية الإصلاحيون اليساريون في أحضان اليمين. لا أحد منهم لديه أي ثقة في الطبقة العاملة، التي تركت بدون قيادة في اللحظة الحرجة.

يمكن لخيانة القادة أن تؤدي إلى خلق مزاج مؤقت من الإحباط واللامبالاة بين صفوف العمال. لكن ذلك لن يكون نهاية المسألة. إذ للعمال الإيطاليين، مثلهم مثل العمال الإسبان واليونانيين والفرنسيين، تقليد طويل من الحركات النضالية العفوية. وأمام انسداد الطريق في منظماتهم الجماهيرية التقليدية، سوف يجدون وسيلة للتعبير عن غضبهم بطريقة متفجرة. كان هذا هو معنى خريف عام 1969 الساخن. وقد أظهرت الخمسة أيام من الاضراب المفتوح ضد الخصخصة الذي خاضه عمال النقل بجنوة، في نوفمبر 2013، المزاج الحقيقي الذي يتطور بين صفوف الطبقة العاملة الإيطالية. إن الوضع في إيطاليا يحبل بمثل هذه التطورات. وهذا يصدق أكثر على الشباب.

إسبانيا

بعد خمس سنوات على بداية الركود، سيتراجع الاقتصاد الاسباني بمعدل 1,4٪ في عام 2013. وقد ارتفعت البطالة إلى مستوى قياسي قريب من 27٪ من القوة العاملة، ووصلت بطالة الشباب إلى 57٪. وقد تم تدمير أكثر من 6 ملايين وظيفة منذ عام 2007، وأجبر مئات الآلاف من الشباب على الهجرة.

بعد عدة سنوات من فرض حزم ضخمة من التخفيضات التقشفية، ما يزال من المتوقع أن يسجل عجز الميزانية عام 2013 رقم 6,5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في حين سيقترب الدين من 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تم الجمع بين الإجراءات التقشفية وبين سياسات جارفة مضادة للإصلاحات في سوق العمل، والتي سمحت لإسبانيا باستعادة قدرتها التنافسية مع جيرانها الأوروبيين. وهو ما يعني، بعبارة أخرى، فرض على العمال دفع الثمن الكامل للأزمة الرأسمالية. وبعد كل هذا الألم والمعاناة كل ما تم تحقيقه هوالحديث الغامض عن انتعاش ضئيل في العام المقبل مع نمو يتوقع أن يبلغ 0,2٪ فقط في عام 2014، وربما 1٪ في عام 2015. وعلى هذا الأساس، سيستغرق الأمر حتى عام 2021 لاستعادة مستوى النمو الذي كان قبل الركود، أي ضياع حوالي 15 سنة !

والحقيقة هي أن الكمية الهائلة من ديون الشركات والأسر، والآن ديون الدولة، التي تراكمت خلال سنوات طويلة من الازدهار لم يتم امتصاصها بالكامل من قبل النظام. وإلى أن يتحقق ذلك، لن يكون هناك أي انتعاش مستدام حقيقي للرأسمالية الإسبانية. تستند التوقعات الحالية “المتفائلة” على انتعاش الصادرات، التي تعتمد كليا على خروج أوروبا من الركود، وهو ما يعتبر أساسا هشا للتفاؤل.

لقد كان تأثير الأزمة الاقتصادية على وعي الجماهير عميقا وسيستمر مدة طويلة. وإلى جانب الركود الاقتصادي يجب علينا أن نضيف فضائح الفساد التي تضرب جميع مؤسسات الديمقراطية البرجوازية (القضاء والنظام الملكي والبرلمان والحزب الحاكم). إن ما نراه في اسبانيا هوأزمة النظام التي فضحت فساد كل الصرح الذي بنت عليه الطبقة الحاكمة شرعيتها منذ نهاية ديكتاتورية فرانكو. كل أشباح الماضي القديمة تعود لتقبض على البرجوازية الإسبانية الضعيفة الرجعية. وقد عادت المسألة القومية في كاتالونيا، التي تغذيها الأزمة الاقتصادية، إلى الحياة مرة أخرى. وعاد النضال من أجل العدالة لضحايا نظام فرانكو إلى الواجهة ليكشف الطابع الرجعي لجهاز الدولة والطبقة الحاكمة من تحت القشرة الرقيقة للديموقراطية.

اندلعت موجات متتالية من التحركات الجماهيرية، وخاصة منذ عام 2011: حركة Los indignados، والحركة المناهضة للإخلاء، وإضرابات قطاع التعليم، ومعركة عمال المناجم، والحركة العفوية لموظفي القطاع العام، والإضرابات العامة لمدة 24 ساعة، إلخ. لا يمكن للجماهير بطبيعة الحال أن تبقى في حالة تعبئة وحركة دائمة وسوف تكون هناك فترات صعود وهبوط، وفترات توقف. لكن الغضب الذي تراكم تحت السطح والذي لا يجد قناة للتعبير عن نفسه، ما يزال موجودا، ويمكن أن ينفجر في أي وقت.

البرتغال

ما تزال البرتغال غارقة في الركود، مع توقعات لحدوث انكماش في الناتج المحلي الإجمالي عام 2013 ما بين 1,6٪ و2,7٪ و(ربما) نمو ضعيف جدا في عام 2014. وصلت البطالة مستوى قياسيا قدره 16٪، وسوف تفشل الحكومة في تحقيق هدف خفض العجز لهذا العام (الهدف هو 5,5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بينما الرقم الحقيقي سيكون أقرب إلى 6٪)، على الرغم من سنوات من الإجراءات التقشفية القاسية المفروضة من طرف خطة الإنقاذ الأوربية لعام 2010، والتي بلغ مقدارها 78 مليار أورو.

وتشمل ميزانية 2014 المزيد من التخفيضات في الأجور في القطاع العام تتراوح بين 2٪ و12٪ للعامل الواحد، وخفض المعاشات التقاعدية بـ 728 مليون أورو. وهناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات تساوي 3,3 مليار أورو في عام 2014، إضافة إلى خطة إنقاذ أخرى. وقد أدى ذلك إلى انهيار في الدعم للحكومة اليمينية. في الانتخابات المحلية لعام 2013 تعرضت أحزاب الائتلاف الحاكم لهزيمة ساحقة. وعلقت صحيفة الفايننشل تايمز بحزن قائلة: “الوضع السياسي يتدهور”.

إن الحكومة البرتغالية، التي نفذت بخنوع جميع تدابير التقشف التي يمليها عليها الاتحاد الأوروبي، تطالب بالصبر، وتتوسل قائلة: “من فضلكم اعطونا مزيدا من الوقت”. لكن أصحاب الأموال في واشنطن وبروكسل وفرانكفورت والترويكا غير مستعدين للصبر. وكمقابل لخطة إنقاذ جديدة سيطالبون بضمانات أكيدة بمواصلة تنفيذ برنامج التقشف. وبهذا يتم تحضير الشروط لاحتجاجات جماهيرية أكبر.

باسوس دي كويلهو، الذي تفاخر بأنه رجل قوي وبأنه تلميذ نموذجي للترويكا عندما انتخب في يونيو 2011، يظهر الآن كزعيم ضعيف لائتلاف مفكك. وحكومته، التي اكتسبت كراهية الشعب البرتغالي، وصلت إلى حافة الانهيار بعد الإضراب العام يوم 27 يونيو2013. والذي كان الأخير بعد سلسلة من التحركات الجماهيرية المستمرة ضد الائتلاف اليميني.

تعيد الطبقة العاملة البرتغالية اكتشاف تقاليد ثورة 1974- 1975. لقد خرج مليون شخص إلى الشوارع في شتنبر 2012، ثم خرج مليون ونصف المليون شخص في مارس 2013. إن المشكلة هي غياب القيادة. فالحزب الاشتراكي “المعارض” ما يزال فاقدا للمصداقية (فقد وقع على خطة الإنقاذ مباشرة قبيل طرده من الحكومة) ولم يكسب سوى من حيث النسبة المئوية بسبب ارتفاع معدل الامتناع عن التصويت.

الحزب الشيوعي هوالمستفيد الرئيس من هذه الموجة غير المسبوقة من السخط. لكن الحزبين المتواجدين على يسار الحزب الاشتراكي يعانيان من عدم وجود بديل جدي للأزمة، فكتلة اليسار (Bloco de Esquerda) تدافع عن سياسة كينزية إصلاحية حول “أوروبا الاجتماعية” و”التدقيق في حسابات الديون”، في حين يدعوا الحزب الشيوعي البرتغالي إلى سياسة شبه ستالينية تقوم على اقتصاد “وطني وديمقراطي” خارج الأورو.

اليونان

بعد خمس سنوات من الإجراءات التقشفية القاسية لم تحل مشاكل اليونان بل صارت أسوء من أي وقت مضى. لقد أغرقت سياسات “انهب واحرق”، التي طبقتها الترويكا، البلاد في ركود عميق. 1,4 مليون شخص عاطلون عن العمل، من بينهم شابان اثنان من كل ثلاثة. وأصبحت مستويات الفقر التي لم يسبق لها مثيل منذ سنوات الحرب هي القاعدة.

تشتكي حكومة أثينا (وهي محقة) من أن التخفيضات التي طالبت بها بروكسل تدفع الاقتصاد إلى مزيد من الركود، وتؤدي إلى تخفيض عائدات الضرائب، وزيادة العجز وتجبرهم على الاقتراض أكثر. لكن هذه النداءات لا تجد آذانا صاغية. فالألمان وغيرهم من المقرضين يردون بأن الأوروبيين الجنوبيين قد عاشوا فوق مستواهم لسنوات، ويجب عليهم الآن أن “يتعلموا الانضباط “.

لم تؤد كل حزم الإنقاذ المتتالية إلا إلى كسب بعض الوقت. لكن الأسواق لا تخدع. وقد تم فقط تأجيل المآل النهائي للأزمة اليونانية، لكن عاجلا أم آجلا سوف يصبح لا مفر منه.

وفي نفس الوقت تعتبر اليونان أرض الفرص بالنسبة للمضاربين الماليين. نشرت صحيفة الفايننشل تايمز مقالا بعنوان: “ربح صناديق التحوط في أرض الفرص اليونانية ” حيث نقرأ:

«لقد كان القطاع المصرفي في اليونان محط أكبر قدر من الاهتمام. وقد كانت شركات Paulson & Co وBaupost وDromeus وYork Capital وEaglevale وOchZiff من بين الشركات التي اشترت حصصا في بنك Alpha وبنك Piraeus. وقد حققت جميع تلك الشركات أرباحا كبيرة. إن التداول المحموم في الضمانات العقارية يعني أيضا أن صناديق التحوط يمكنها أن تنتهي بالسيطرة على سجلات أسهم البنك اليوناني». (11/10/13)

هذا النهب الذي تتعرض له اليونان، والإملاءات المشؤومة التي تفرضها الترويكا، وانهيار مستويات المعيشة، أدى إلى اندلاع موجة هائلة من الإضرابات العامة والمظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية. لقد تم إسقاط حكومتين بالفعل، والثالثة على وشك السقوط. يكافح ساماراس للحفاظ على تماسك ائتلاف هش لا يمكنه أن يستمر طويلا. وسوف يكون المستفيد الرئيس هو حزب سيريزا. لكن على اليمين تمكن حزب الفجر الذهبي بدوره من النمو.

توصل أصحاب القراءات السطحية إلى الاستنتاج بأن صعود الفجر الذهبي يعني أن هناك خطر وشيك للفاشية. لكن ما حدث للفجر الذهبي يؤكد صحة موقفنا بشأن آفاق الفاشية في عصرنا الحالي. إن البرجوازية اليونانية طبقة حاكمة مجرمة رجعية، ويمكن لقسم منها ربما أن يكون مستعدا لتسليم السلطة لحزب الفجر الذهبي، إذا تمكن من ذلك. وفي الواقع، فإن الفئات الأكثر رجعية بين صفوف الطبقة الحاكمة قد أيدت الحزب علنا ومولته.

وعلى عكس التشكيلات السياسية اليمينية الأخرى في أوروبا (فيني في ايطاليا ومارين لوبان في فرنسا)، التي تسعى إلى النأي بنفسها عن ماضيها الفاشي وتقديم نفسها على شكل أحزاب برلمانية “محترمة”، فإن الفجر الذهبي منظمة فاشية واضحة، وقد انفضحت صلاتها الوثيقة مع ضباط الشرطة والجيش. لهذه الكلاب المسعورة أجندتها الخاصة، والتي يبدو أنها تشمل الاستيلاء على السلطة.

مشكلتها هي أن الطبقة العاملة اليونانية قوية وكفاحية وغير مهزومة. تخشى البرجوازية من أن الفاشيين قد يثيرون، عن طريق اتخاذ إجراءات سابقة لأوانها، حركة جماهيرية سيكون من المستحيل السيطرة عليها. لقد ذهب بلطجية الفجر الذهبي بعيدا جدا عندما قتلوا مغنيا يساريا شهيرا، مما أثار احتجاجات واسعة النطاق. فاضطرت البرجوازية اليونانية إلى اتخاذ بعض التدابير ضدهم.

بطبيعة الحال، ليس لدا البرجوازية أية نية في محو الفاشيين. لقد اتخذت بعض التدابير لأغراض تجميلية من أجل تهدئة غضب الجماهير. ولاحقا سيعيد الفاشيون تنظيم صفوفهم تحت راية أخرى، ربما كجزء من ائتلاف يميني مع صورة أكثر احتراما (أقل نازية). وفي الوقت نفسه، سوف تظل العناصر الأكثر سعارا من بين حثالة البروليتاريا تلعب دور قوات مساعدة لأجهزة القمع (التي ترتبط بها عضويا)، وسيعملون بوصفهم كاسري إضرابات وبلطجية، ويعتدون على المهاجرين ويهاجمون المناضلين اليساريين.

إن المنظور المباشر لليونان ليس قيام نظام فاشي ولا نظام بونابارتي، بل المزيد من الميل نحو اليسار. إن الانهيار الحتمي لحكومة ساماراس ستطرح مسألة صعود حكومة سيريزا على جدول الأعمال. لكن بقدر ما يقترب تسيبراس من السلطة، بقدر ما تصير لغته أكثر مهادنة أملا منه في الحصول على عدد أكبر من الأصوات. لكن وعلى العكس من ذلك، يثير هذا السلوك الشكوك بين صفوف الشعب اليوناني الذي اعتاد على قادة يعدون بالكثير ويقدمون القليل عندما يتم انتخابهم.

لقد ظهر المزاج الحقيقي للجماهير في استطلاع للرأي كشف أن العمال اليونانيين قد بدأوا بالفعل في استخلاص استنتاجات ثورية. ذكر الاستطلاع أن 63٪ من الشعب اليوناني يريدون حدوث “تغيير عميق” في المجتمع، وهو ما يعني ثورة، في حين قال 23٪ صراحة إنهم يريدون الثورة. ليست المشكلة هي عدم النضج الثوري من جانب الجماهير، بل هي حقيقة أن لا أحد من الأحزاب الموجودة أو القادة الحاليين مستعد لتقديم تعبير واع للرغبة الشديدة للجماهير في تغيير المجتمع.

خلال الأربع أو الخمس سنوات الماضية أظهر العمال اليونانيون بوضوح رغبتهم في تغيير المجتمع. لقد شنوا الإضرابات العامة واحدا تلوالآخر. لكن خطورة الأزمة تجعل أنه ليس في مقدور حتى أشد الإضرابات والمظاهرات قوة وكفاحية حل المشكلة. وسوف تقابل الدعوة إلى مزيد من الإضرابات ليوم واحد بمزيد من الشكوك في المصانع. إن العمال الذين سدت أمامهم طريق الإضرابات والمظاهرات، سيتحركون على الصعيد الانتخابي. وعاجلا أو آجلا سوف ينتخبون حكومة يسارية، وهو ما سيطرح على سيريزا الخيار التالي: إما تنفيذ سياسة اشتراكية أو القبول بلعب دور إدارة أزمة الرأسمالية اليونانية الفاسدة والمنحطة. وسيشكل هذا مؤشرا على انفتاح مرحلة جديدة في الثورة اليونانية، وسيفتح إمكانيات هامة للماركسيين اليونانيين.

البريكس[7]

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية شكل النمو في التجارة العالمية القوة المحركة الأكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي. لكن في الوقت الحالي تتوقع وكالة مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية UNCTAD أنه من المرجح أن تظل التجارة العالمية في حالة ركود لسنوات عديدة، وهو ما سيكون له آثار عميقة على الاقتصادات الصاعدة التي تعتمد على الصادرات.

إن الآمال المبالغ فيها بخصوص إمكانية لعب آسيا لدور القوة المحركة للاقتصاد العالمي قد تبددت. النمو في الصين يتباطأ، ويتراجع في الهند بوتيرة أسرع. ما يزال الاقتصاد الأوروبي متعثرا كما أن آفاق اليابان قاتمة. وقد حاولت الحكومة اليابانية إنعاش اقتصاد راكد عن طريق ضخ الأموال. لكن هذه السياسة غير صحية مطلقا. لقد وصل الدين الحكومي الياباني إلى 250% من الناتج الداخلي الإجمالي. بلدان البريكس كلها في نفس الموقف وحتى توقعات صندوق النقد الدولي لاقتصادات جنوب شرق آسيا يمكن تخفيض سقفها بشكل حاد. ويتحدث صندوق النقد الدولي الآن عن “حدوث تباطؤ هيكلي” في الاقتصادات الصاعدة.

لقد تباطأ النمو في ما يسمى بالأسواق الصاعدة. وهو الوضع الذي ليس من الصعب تفسيره. فإذا كانت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عاجزتان عن الاستهلاك، فإن الصين لا يمكنها أن تنتج. وإذا كانت الصين غير قادرة على الانتاج، فإن بلدانا مثل البرازيل والأرجنتين وأستراليا لن تكون قادرة على تصدير سلعها.

أموال المضاربة التي تدفقت إلى بلدان البريكس في الفترة الماضية قد بدأت الآن تفر إلى الخارج، مما تسبب في انخفاض حاد في قيمة عملاتها. فالروبية الهندية والروبية الإندونيسية والبيزو الأرجنتيني والريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي قد سجلت جميعها انخفاضات حادة. وقد حذر وزير المالية النيجيري من أن نهاية التسهيل الكمي في الولايات المتحدة سوف يهز الأسواق الصاعدة ويرفع تكاليف الاقتراض. نفس الموقف عبر عنه رئيس الوزراء الماليزي، نجيب رزاق، الذي توقع أن يتدفق المال عائدا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

قلل النمو الاقتصادي القوي وارتفاع مستويات المعيشة من حدة الصراع الطبقي خلال العقد الماضي، لكن معدلات النمو في تراجع في كل من البرازيل وتركيا. في الواقع لقد تباطأ النمو بشكل ملحوظ، في جميع أنحاء العالم النامي إلى مستويات تجعل من الصعب أو من المستحيل دخول الجيل الجديد من الشباب أسواق العمل.

الصين

ترتبط أزمة البريكس عضويا بتباطؤ الاقتصاد الصيني. إن صعود الصين، الذي كان ينظر إليه من قبل البعض، وحتى بعض الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “ماركسيين”، كضمانة لمستقبل الرأسمالية العالمية، قد أدى فقط إلى شحذ كل التناقضات. لقد وفر النمو الهائل الذي كان الاقتصاد الصيني يحققه نسمة أوكسجين للرأسمالية العالمية طيلة فترة من الزمن. والآن تبين أن هذه الميزة الهائلة قد صارت مشكلة هائلة. كان لا بد أن تعبر الاستثمارات الضخمة في الصناعة الصينية عن نفسها من خلال كمية ضخمة من السلع الرخيصة، والتي عليها إيجاد أسواق خارج الصين. وبالنسبة لأرباب الصناعة العالمية، أدى سيل الصادرات الصينية الرخيصة على مدى العقد الماضي إلى تفاقم أزمة فائض الإنتاج.

إن الجمع بين عرض كثيف لليد العاملة الرخيصة القادمة من الريف وبين الآلات الحديثة والتقنيات التي يغذيها الدعم الحكومي، قد مكن الصين من تطوير قاعدة صناعية قوية بسرعة. لقد دمرت مناصب الشغل والقدرات الانتاجية في جميع أنحاء العالم، وتسببت في إغلاق المصانع في البلدان المنافسة. وقد تعودت الشركات الأجنبية على الارتعاش خوفا أمام تدفق السلع الرخيصة القادمة من الصين. في البداية كانت هناك نسبة عالية جدا من الأرباح، لكن، وكما شرح ماركس، فإن كل ما يحدث هو أن الرأسماليين الآخرين يدخلون إلى السوق فيتراجع معدل الربح ليصل إلى مستويات أكثر طبيعية. ونحن نرى هذا يحدث في الصين الآن. لقد وصلت فترة النمو الهائل إلى حدودها. وفي الوقت الحالي تجد الصين نفسها في مواجهة نفس المشاكل التي تعاني منها جميع الاقتصادات الرأسمالية.

تمكنت البضائع الصينية منخفضة التكلفة من السيطرة على العديد من القطاعات. لكن بمجرد ما ينتقل الجزء الأكبر من قطاع صناعي معين إلى الصين، فإن فائض الإنتاج يأتي بسرعة خلفه. وهم الآن قلقون بشكل متزايد من ارتفاع فائض الإنتاج في الاقتصاد الصيني. وهو ما يشكل خطرا كبيرا على ما يعتبر الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

خلال الأزمة المالية العالمية، ساهمت الصين في إنقاذ النظام الرأسمالي من خلال إطلاق حزمة تحفيزات هائلة وفرت إمدادات أوكسجين للسوق العالمية. ونتيجة لذلك، نما الاقتصاد الصيني بمعدل 8,7% و10,3% في عامي 2009 و2010. وكانت هذه أكبر تجربة لتطبيق الاقتصاد الكينزي في التاريخ. لكن التناقضات الآن أصبحت جلية. إن العديد من الصناعات التي استفادت من التحفيزات: من الصلب إلى بناء السفن إلى صهر المعادن، قد صارت الآن مشلولة بسبب فائض هائل في الإنتاج. ويتسبب تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين في خسائر فادحة وهناك ضرورة لإجراء عملية تطهير مؤلمة.

قالت صحيفة الفايننشل تايمز (17/6/2013): «من المواد الكيميائية والاسمنت إلى الجرافات والتلفزيونات ذات الشاشات المسطحة، تعاني الصناعة الصينية من القدرة الزائدة (excess capacity) التي تدفع الأرباح إلى الانخفاض داخل البلد وخارجه، وتنذر بمزيد من زعزعة استقرار النمو الصيني الهش أصلا».

تنتج الصين ما يقارب نصف الانتاج العالمي من الألومنيوم والصلب وحوالي 60% من الانتاج العالمي للاسمنت، لكن تتم زيادة القدرة الإنتاجية الجديدة بسرعة، حتى مع تباطؤ الاقتصاد وتضاؤل أسواق التصدير. وعلى الرغم من أن إنتاج الصلب فى الصين يسجل مستويات قياسية، فإنه لا يتم استخدام سوى حوالي 80% من الطاقة الإنتاجية للبلد. ويقول قادة الصناعة والمسؤولون الحكوميون إنه ينبغي المزيد من تخفيض القدرة الزائدة من أجل العودة بالقطاع إلى التوازن.

وتضيف نفس الصحيفة :

«في العام الماضي لم يتم استخدام سوى حوالي ثلثي القدرة الإنتاجية لقطاع الإسمنت، وفقا لدراسة أصدرتها كونفدرالية الشركات الصينية.

«كتب أوشا هالي قائلا: “هناك قدرة زائدة مفرطة بدون قياس العرض والطلب، ووجدنا أن الدعم يمثل حوالي 30% من الناتج الصناعي. ومعظم الشركات التي رأيناها من المحتمل أن تفلس إذا لم تحصل على الدعم”.

«تقريبا كل خطط الشركات الصناعية للاستثمار والنمو قد بنيت على الاعتقاد بأن الحكومة لن تسمح أبدا بأن يتراجع النمو إلى أقل من 8 أو 9%. لكن الوضع لم يعد كذلك. لقد انخفض معدل النمو في الصين إلى 7,5% وارتفع لاحقا إلى حوالي 7,8%. لكن حتى هذا الرقم الأخير كان أبطأ معدل سجل خلال 13 عاما.

«الطاقة المفرطة (overcapacity) في صناعة السيارات متفشية، وفي حالة شركة جيلي[8] التي اشترت فولفو في عام 2010، جاء أكثر من نصف صافي أرباحها مباشرة من الإعانات في عام 2011. وفي الواقع، كانت مداخيل الدعم لشركة جيلي في ذلك العام أكبر بـ 15 ضعفا من ثاني أكبر مصدر للأرباح أي “مبيعات الخردة” وفقا لتحليل Fathom China». (صحيفة الفايننشل تايمز 17/6/2013).

إن حجم الطاقة المفرطة والتباطؤ في النمو الصيني يشيران الى أن العديد من الشركات ستواجه الإفلاس. وسيكون لذلك آثار عميقة على وعي كل طبقات المجتمع الصيني.

منظورات الصراع الطبقي

لقد استندت كل نجاحات الاقتصاد الصيني في نهاية المطاف على عمل العمال الصينيين الذين يكدحون مقابل أجور زهيدة في ظروف تشبه تلك التي كان العمال يعيشونها في انكلترا الفيكتورية. لا يوجد مكان آخر في العالم فيه التفاوتات الموجودة في الصين، التي من المفترض أن تكون بلدا “اشتراكيا”. لقد ظهرت طبقة جديدة من البرجوازيين الصينيين الذين يرفلون في كماليات غير معروفة لدى الغالبية العظمى من السكان.

تحكم الصين نخبة صغيرة من الأوليغارشيين الفاحشي الثراء الذين اغتنوا من خلال نهب الدولة والاستغلال الوحشي لقوة عمل العمال الصينيين. لكن القاعدة الاجتماعية للطبقة الرأسمالية الصينية ضيقة جدا. فمن بين عدد سكان يبلغ حوالي مليار و354 مليون نسمة، هناك فقط 1,2 مليون مليونير (بالدولار الأمريكي). أي ما مقداره 0,1% من عدد السكان. عدد المليونيرات بالدولار ينمو بسرعة لكن ذلك يظهر أيضا مدى ضعف الرأسماليين في الصين. إن 1,2 مليون مليونير هو أقل من العدد المطلق لأصحاب الملايين في بريطانيا أو إيطاليا.

صحيح أن تحتهم توجد شريحة من صغار المستغِلين وصغار صغار المستغِلين: مديرو المصانع والمسيرون والمهندسون والبيروقراطيون والمسؤولون في مؤسسات الدولة والحزب. والذين يشكلون إلى جانب أسرهم جزءا من النظام. لكن رغم ذلك فإن الأغلبية الساحقة من الشعب مقصية من الثروة الاقتصادية والنفوذ السياسي المرتبط بها. إن الثروة الفاحشة التي تمتلكها النخبة الحاكمة وأبنائها (“الأمراء”) تقابل باستياء كبير من طرف الشعب. والفساد الواسع الانتشار الذي يزدهر على كل المستويات يشكل سببا إضافيا للسخط.

إن المحاكمات التي تحظى بتغطية إعلامية مكثفة، والتي غالبا ما تنتهي بالحكم بالإعدام على المسؤولين، الذين ذهبوا بعيدا جدا في ممارساتهم الفاسدة، هي طريقة تحاول النخبة الحاكمة من خلالها تهدئة غضب المواطنين الصينيين العاديين، بينما تحاول في نفس الوقت منع الفساد، الذي هو صفة حتمية للنظام البيروقراطي الشمولي، من استهلاك كمية مفرطة من الثروة التي تنتجها الطبقة العاملة.

إن الجيل الجديد من العمال الشباب ليس مستعدا للتعايش مع الأجور المتدنية والظروف السيئة كما كان الجيل القديم من الفلاحين السابقين الذين جاءوا من القرى الفقيرة. ويتم التعبير عن مزاج السخط المتصاعد في المجتمع الصيني من خلال ارتفاع عدد الإضرابات والمظاهرات وحالات الانتحار في المصانع. في مجتمع شمولي مثل الصين، حيث يتم قمع كل أشكال السخط بالقوة، وحيث لا يوجد سوى القليل من صمامات الأمان القانونية، يمكن أن تحدث الانفجارات فجأة ودون سابق إنذار. وليس من قبيل الصدفة أن الدولة الصينية قد صارت للمرة الأولى في تاريخها تنفق على الأمن الداخلي أكثر مما تنفقه على الدفاع.

روسيا

إن روسيا وعلى عكس غالبية الدول الأوروبية، لا تواجه بعد مشكلة ديون خطيرة. فبفضل صادرات النفط والغاز ونمو الاقتصاد في الفترة الماضية، تمكنت من توفير احتياطيات مالية كبيرة. لكن هذا قد بلغ الآن حدوده. ومن بين ما يشترك فيه الاقتصاد الروسي مع بقية بلدان البريكس الأخرى هو التراجع، مع معدل نمو يقدر بحوالي 1%.

هذا هو العامل وراء ارتفاع مزاج الاستياء، ليس فقط بين صفوف الطبقة العاملة، بل أيضا بين صفوف شرائح واسعة من البرجوازية الصغيرة، والذي يظهر في تصاعد المعارضة المناهضة لبوتين. ونتيجة لتوسع الاقتراض صار أغلبية العمال والشباب الآن يجدون أنفسهم تحت وطأة ديون ثقيلة. نفس الشيء ينطبق على الشركات والبلديات. والنتيجة هي انخفاض الاستثمارات والركود الاقتصادي. وللمرة الأولى بدأت قطاعات اقتصادية مثل صناعة السيارات تعاني من مشاكل خطيرة في المبيعات.

يجري دعم الاقتصاد من قبل الدولة من خلال تطبيق سياسات كينزية تتمثل في الاستثمار المباشر للدولة في البنية التحتية، أو في مشاريع مثل ألعاب سوتشي الأولمبية الشتوية لعام 2014، وكأس العالم لكرة القدم عام 2018. إن هذه المشاريع التي تمثل المعادل الحديث لبناء أهرامات الفراعنة المصريين، لا يمكن تحقيقها إلا على أساس استغلال العمال ذوي الأجور المنخفضة وارتفاع أسعار النفط والغاز. ومع ذلك، فقد كان للفترة الطويلة من ارتفاع أسعار النفط نتيجة حتمية فيما يخص التكنولوجيات الجديدة لإنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تحول مشروع بوتين “imperial energy” إلى مهزلة. وكان رد فعله الهستيري على تحركات منظمة السلام الأخضر Greenpeace في بحر بارنتس علامة واضحة ليس على القوة، بل على الذعر.

لقد مكن نمو الاقتصاد خلال الفترة الماضية بوتين من تطبيق نوع من السياسة شبه الأبوية. وهذا ما أعطى لنظامه مظهر الاستقرار. لكن لا يمكن لهذا أن يستمر لفترة طويلة. يواجه أغلبية العمال الجدد أجورا منخفضة وظروف عمل سيئة. وقد كانت هناك زيادة حادة في أعداد المهاجرين غير القانونيين أو شبه القانونيين من آسيا الوسطى. وبدأ الوضع الاجتماعي والسياسي يظهر منذ الآن علامات على الاختلال، وهذا ما يحدد سياسات بوتين وكذلك سياسات المعارضة.

إن الهدف الرئيسي للمعارضة الليبرالية هو انتزاع العناصر البرجوازية الصغيرة من قبضة بوتين. الوجه الرئيسي في المعارضة الآن هو أليكسي نافالني. في الانتخابات الأخيرة لمنصب رئيس بلدية موسكو، التي أجريت في شتنبر عام 2013، حصل نافالني على 27,24% من الأصوات مقابل 51% لمرشح بوتين، سوبيانين. بينما لم يحصل مرشح الحزب الشيوعي وزعيم الجناح “اليساري” داخل الحزب، ايفان ميلينكوف، سوى على 10,69%.

كان المحامي والمقاول الصغير نافالني قد طرد من الحزب الليبرالي يابلوكو. ويشمل برنامجه مكافحة الفساد و”حكومة رخيصة” وتخفيض الضرائب وتطبيق نظام التأشيرات على بلدان آسيا الوسطى السوفياتية السابقة وترحيل الأجانب العاطلين عن العمل.

لقد أدت عودة الرأسمالية في روسيا إلى تقاطب شديد للثروة. ويبين أحدث إصدار لـ Credit Suisse Wealth Report بشكل واضح أن الثروة العالمية ما تزال تتركز في أيدي الولايات المتحدة من حيث الأعداد المطلقة لأصحاب ملايين الدولارات، ومقدار الثروة المتراكمة التي تتركز في أيديهم. لكنه يسلط الضوء أيضا على حقيقة أن روسيا قد أصبح لديها أعلى مستوى من التفاوت في الثروة في العالم، بصرف النظر عن البلدان الكاريبية الصغيرة والمليارديرات المقيمين بها. يمتلك أصحاب الملايير في جميع أنحاء العالم، ما بين 1% و2% من إجمالي ثروات الأسر؛ أما في روسيا اليوم فإن 110 مليارديرا يمتلكون 35% من مجموع الثروة.

لقد خف التوتر بين الطبقات جزئيا وبشكل مؤقت بفعل النمو الاقتصادي. لكن الاقتصاد الآن تباطأ بشكل حاد، مما يعكس الأزمة العامة للرأسمالية العالمية. وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في روسيا عام 2013 إلى 1,5%، مقارنة مع 5% و8% قبل الأزمة المالية.إن الوضع في روسيا يشير إلى اقتراب انفجار اجتماعي، حتى على المدى القصير.

قال لينين إن الشرط الأول للثورة هو أن تكون الطبقة الحاكمة في أزمة وغير قادرة على الاستمرار في الحكم بالطريقة القديمة. وبالفعل هناك مزاج عام من التشاؤم في صفوف النظام، بل وحتى الذعر في بعض الأحيان. إن هدف بوتين الرئيسي هو بناء دولة بوليسية قوية قبل اندلاع الأزمة.

شرط لينين الثاني للثورة هو وجود حالة غليان بين صفوف الشرائح الوسطى في المجتمع، والتي تتأرجح بين الثورة والثورة المضادة. وتوضح المظاهرات الحاشدة ضد تزوير الانتخابات، والتي كان أغلبية المشاركين فيها من الطبقة المتوسطة، أن هذه السيرورة قد بدأت بالفعل.

لكن الشرط الثالث، والذي هو أن يكون العمال على استعداد للنضال وتقديم التضحيات من أجل تغيير المجتمع، لم ينضج بعد في روسيا. لكن قدوم الأزمة الاقتصادية وخيبة الأمل المتزايدة في بوتين يعني أنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن تواجه روسيا انفجارات اجتماعية مشابهة لما حدث في تركيا والبرازيل.

المشكلة هي غياب القيادة. إن العجز المطلق لما يسمى بالحزب الشيوعي عن تقديم بديل للجماهير يعني أن الاحتجاجات تتم بقيادة الليبراليين البرجوازيين والديمقراطيين البرجوازيين الصغار. لكن هذه الحركة ليست سوى عرض من أعراض الاضطرابات المتنامية، والتي ستعبر عن نفسها عاجلا أم آجلا في انفجار اجتماعي. وفي الوقت المناسب سوف تعيد الطبقة العاملة الروسية، في الممارسة، اكتشاف التقاليد الحقيقية لثورة أكتوبر والبلشفية.

الهند وباكستان

كانت البرجوازية الهندية مصابة بأوهام العظمة. ولقد ادعى رئيس الوزراء مونامهان سينغ أن النمو في الهند يساوي 8% إلى 9%. والآن هو حوالي نصف هذا العدد. لقد جفت الاستثمارات الخاصة. والتضخم بلغ أكثر من 10% وما يزال في تصاعد. كما انخفضت قيمة الروبية بـ 13% في غضون ثلاثة أشهر عام 2013. وقد حذرت صحيفة الإيكونوميست (24/8/2013) قائلة: «ملوك المال الذين كانوا يهتفون لصعود الهند كقوة عظمى صاروا يحذرون الآن من احتمال اندلاع اضطرابات مدنية».

هذا التوقع قد أصبح بالفعل حقيقة واقعة. وينعكس الغليان الموجود داخل المجتمع الهندي في سلسلة من الحركات الجماهيرية حول مختلف القضايا. في البداية كانت هناك حركة مكافحة الفساد، وتلتها مظاهرات حاشدة ضد الاغتصاب وضد الاعتداءات على النساء. كلا الحركتين كانتا إلى حد كبير ذات طبيعة برجوازية صغيرة، لكنهما كشفتا عن وجود تيار استياء عميق من الأساس الهندوسي القومي المحافظ للدولة الهندية.

كانت هذه المظاهرات مثل الزبد فوق أمواج المحيط؛ أو بعبارة أخرى كانت أعراضا لتيارات أعمق وأقوى تعتمل تحت السطح. إن استياء الجماهير، التي لم تستفد من النمو الذي عرفه الاقتصاد الهندي، قد بدأ يتحول إلى غضب. وقد تبين ذلك من خلال سلسلة من التمردات الفلاحية وقبل كل شيء من خلال الإضراب العام لمدة يومين في فبراير 2013.

وعلى الجانب الآخر من الحدود المصطنعة، انحدرت باكستان إلى مستوى من البؤس أسوء من أي شيء سبق لها أن شهدته منذ الاستقلال. الانهيار الاقتصادي والهجمات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار وحالات الانتحار داخل الأسر الفقيرة وبيع الأطفال والأعضاء البشرية وتعذيب وقتل النساء… كل هذا يعيد إلى الذهن مقولة لينين: “إن الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية”.

آمال الجماهير في تحسين أوضاعها تعرضت للخيانة في ظل حكومة حزب الشعب الباكستاني. والآن تطبق حكومة الرابطة الإسلامية اليمينية المزيد من الهجمات. لقد نهبوا ممتلكات الدولة من خلال خصخصة الشركات العمومية مثل شركة الطيران الباكستانية الدولية والخدمات البريدية والسكك الحديدية وشركة الماء والكهرباء (WAPDA)، وغيرها من الشركات.

ونتيجة لذلك، سيكون هناك المزيد من التسريحات والمزيد من البطالة والمزيد من الفقر والمزيد من التفكك الاقتصادي. ويتفاقم بؤس الشعب بسبب الطائفية الدينية الهمجية والمذابح الجماعية والحروب بالوكالة الدامية في بلوشستان وهجمات الطائرات بدون طيار في بختونخوا، وما إلى ذلك. وما تزال المخابرات الباكستانية (ISI) تعمل وكأنها دولة داخل الدولة، حيث تثير الصراعات وتقوم بعمليات القتل وتمارس العنف لخدمة مؤامراتها السرية. وكوسيلة لتحويل انتباه الجماهير عن المعاناة الرهيبة التي تعيشها، تلعب الطبقة الحاكمة الباكستانية المنحطة بالنار في الصراعات في أفغانستان ومع الهند. وما يزال النزاع في كشمير مستمرا في تسميم العلاقات بين البلدين.

ليس هناك من حل على أساس الرأسمالية. لا الرابطة الإسلامية ولا حزب الشعب الباكستاني ولا الدكتاتورية العسكرية يمكنها أن تنجح. وحدها الثورة الاشتراكية يمكنها أن تقدم وسيلة للخروج من الجحيم الذي يعيش فيه الملايين من الناس في باكستان والهند وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا. لقد صارت ظروف العيش الرهيبة لا تطاق. ويجري الآن إعداد الشروط الموضوعية لنهوض ثوري على غرار ثورة 1968-1969. لقد خرجت تلك الثورة [ثورة 1968-1969] عن مسارها بسبب عدم وجود القيادة. لكن تصاعد قوة التيار الماركسي الأممي في باكستان، في ظل أصعب الظروف التي يمكن تخيلها، يقدم الأمل بالنصر في المستقبل. يجب علينا أن نضاعف جهودنا لتعزيز قوات الماركسيين الباكستانيين لضمان النصر.

أفغانستان

بعد ثلاثة عشر عاما من القتال الدموي، يسعى الامبرياليون جاهدين لتخليص أنفسهم من المستنقع الأفغاني. عندما ذهب جيش التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى أفغانستان، توقعنا أن نجاحه الأولي سينتهي في الأخير بالفشل. وقد كتبنا في ذلك الوقت:

«لقد أدت سرعة انهيار دفاعات طالبان، والسهولة التي دخلت بها قوات التحالف الشمالي إلى كابول، بالكثير من الناس إلى الاستنتاج بأن الحرب قد وضعت أوزارها وأن طالبان قد انتهت. إن هذا فهم خاطئ جدا للوضع. [. .. ]

«لقد فقدت طالبان سيطرتها على السلطة، لكنها لم تفقد قدرتها على خوض الحرب. إنها مدربة جيدا على خوض حرب العصابات في الجبال. لقد فعلت ذلك من قبل وتستطيع ان تفعل ذلك مرة أخرى. في الشمال كانوا يقاتلون في أراضي غريبة ومعادية. لكن في قرى وجبال منطقة البشتون، هم في وطنهم. ينفتح احتمال خوض حرب عصابات طويلة الامد يمكن أن تستمر لسنوات. كان الجزء الأول من حملة الحرب التي شنها الحلفاء هو الجزء السهل. لكن الجزء الثاني لن يكون بنفس السهولة. سيتوجب على القوات البريطانية والأمريكية أن ترسل بعثات عسكرية للبحث والتدمير إلى المناطق البشتونية، حيث ستكون أهدافا للعصابات. سوف تكون الخسائر حتمية. وهو ما سيكون له في مرحلة معينة تأثير على الرأي العام في بريطانيا وأمريكا.

«كان الأمريكيون يأملون أن يكونوا قادرين على تنفيذ ضربة جراحية سريعة ضد بن لادن، بالاعتماد بشكل رئيسي على القوة الجوية. لكن عوض ذلك صار الصراع أكثر تعقيدا وصعوبة من أي وقت مضى، واحتمال انتهاء الصراع تأجل إلى أجل غير مسمى تقريبا. سيكون عليهم إبقاء قواتهم متمركزة ليس فقط في أفغانستان، بل أيضا في باكستان وغيرها من البلدان من أجل دعمها. [. .. ]

«هذا موقف أسوء بكثير وأكثر خطورة من ذلك الذي وجد فيه الأمريكيون أنفسهم يوم 11 شتنبر. سيكون على واشنطن الآن التحالف مع النظام المفلس والمضطرب في باكستان، وكذلك على جميع الدول الأخرى “الصديقة” في المنطقة، والتي تتسبب بممارساتها في زعزعة استقرارها. إذا كان الهدف من هذه العملية هو مكافحة الإرهاب، فسوف تجد أنها قد حققت العكس. قبل هذه الأحداث كان في إمكان الإمبرياليين أن يحافظوا على مسافة آمنة نسبيا من التشنجات والحروب التي تدور في هذا الجزء من العالم، لكنهم الآن متورطون تماما فيها. لقد تسببت الولايات المتحدة وبريطانيا من خلال تصرفاتهما منذ 11 شتنبر في جر أنفسهما إلى مستنقع سيكون من الصعب عليهما تخليص أنفسهما منه».

لقد كتبنا هذا في 15 نوفمبر 2001 (أفغانستان بعد سقوط كابول : هل انتهت الحرب؟). وبعد اثنتي عشر عاما ليست هناك حاجة لتغيير ولو كلمة واحدة مما كتبناه في ذلك الحين.

مع ناتج محلي إجمالي للفرد الواحد يساوي 528 دولارخلال سنتي 2010- 2011، تعتبر أفغانستان من بين أفقر عشر بلدان في العالم. 36% من السكان، في عام 2008، يعيشون تحت خط الفقر، ويعتبر أكثر من نصف عدد السكان في وضعية هشاشة. وتسجل أفغانستان أعلى معدل لوفيات الأطفال الرضع في العالم بمعدل يبلغ 134 لكل 1000 مولود حي. متوسط أمد الحياة هو 48,1 سنة. و75% من السكان أميون. كما أن أفغانستان هي أيضا أكبر مصدر للأفيون في العالم.

إن المبالغ الهائلة من الأموال التي تنفق على حرب عديمة الفائدة كافية لتغيير حياة الشعب. لكن بدلا من ذلك عمل الامبرياليون على تدمير البلاد وهم الآن مضطرون لمغادرتها بعد أن لم يحلوا أي مشكل. إنهم يتفاوضون مع طالبان، التي سيكون لها حتما رأي مؤثر في أي حكومة مقبلة في كابول. لم يتحقق أي شيء ما عدا المزيد من زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، بدءا من باكستان.

أمريكا اللاتينية

اقتصادات عدد من بلدان أمريكا الجنوبية (بما في ذلك البرازيل وشيلي وبيرو وبوليفيا والإكوادور وكولومبيا)، التي استفادت من تصدير المواد الخام والسلع الأساسية ومصادر الطاقة للصين، تعاني الآن من انعكاسات تباطؤ الاقتصاد الصيني. وسيكون لذلك تداعيات سياسية واجتماعية عميقة في الفترة المقبلة، مثلما سبق لنا أن رأينا بالفعل خلال التحركات الجماهيرية ضد ارتفاع ثمن تذاكر النقل العمومي في البرازيل.

بعد فترة من احتداد الصراع الطبقي في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية (وبالخصوص في فنزويلا وبوليفيا والإكوادور)، مع إسقاط الحكومات اليمينية في انتفاضات جماهيرية، وانتخاب رؤساء اتخذوا تدابير دفعت بهم إلى الصراع مع الإمبريالية، والانتفاضات الإقليمية، الخ، يبدو أن الموجة الثورية في القارة قد وصلت إلى نقطة توقف. هناك الآن نوع من الجمود في الصراع بين الطبقات، حيث لا أحد من الطرفين قادر على تحقيق نصر حاسم.

تعرضت محاولات الانقلاب الرجعية إلى الهزيمة على يد الجماهير في فنزويلا (في عدة مناسبات) وفي الإكوادور وبوليفيا. ولم تتمكن القوى الرجعية والإمبريالية من إلحاق هزيمة حاسمة بأي من هذه الحركات الجماهيرية، باستثناء الانقلابين في باراغواي وهندوراس، واللذان مع ذلك لم يضعا حدا للحركة الثورية في هذين البلدين.

في كولومبيا أدت بداية مفاوضات السلام بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية، والتي تدل على عدم قدرة قوات المغاوير على كسب الحرب، إلى فتح الطريق أمام تطور الصراع الطبقي على أسس طبقية. وقد شهد الرئيس الجديد سانتوس انهيار شعبيته (من 46% إلى 21% ما بين شهري يونيو وغشت 2013) بعد سلسلة من الإضرابات من قبل مزارعي البن وعمال قطاع القضاء، والطلاب، والإضراب الوطني للمزارعين مؤخرا والذي وضع وجه حكومته أمام الجدار. محاولة الطبقة الحاكمة الكولومبية “تجميل” أساليب حكمها (بعد أن اعتمدت بشكل كبير على القوات شبه العسكرية في عهد أوريبي) أتت بنتائج عكسية، كما أطلقت العنان لموجة من الصراع الطبقي.

مع عودة الحزب الثوري المؤسساتي (Partido Revolucionario Institucional) إلى السلطة، تمكنت الطبقة الحاكمة المكسيكية من الحصول على حكومة قوية نسبيا مما سمح لها بتنفيذ التدابير التي كانت تخطط لها منذ سنوات. وحتى قبل أداء بينيا نيتو لليمين، كانوا قد طبقوا بالفعل إصلاح قانون الشغل. لقد قضى هذا الإصلاح على العديد من المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الثورة المكسيكية، مما يسهل استغلال الطبقة العاملة.

وكانت الخطوة الرئيسية الأخرى هي الإصلاح المضاد في قطاع الطاقة، والذي يفتح الباب أمام الشركات متعددة الجنسيات للاستثمار في قطاعات الكهرباء والنفط. كان تأميم قطاع النفط، من طرف حكومة لازارو كارديناس عام 1938، يعني تحقيق المكسيك، طيلة عدة عقود، لاستقرار اقتصادي واجتماعي نسبي. أما الآن فقد انتهى ذلك. قبل الإصلاح الذي شهده قطاع الطاقة، كانت شركة النفط بيميكس تساهم بـ 40% من الموازنة العامة للدولة. أما الآن فسيتم توجيه جزء كبير من تلك الموارد إلى جيوب الرأسماليين الخواص. سيؤدي ذلك إلى عجز في الميزانية، وهو ما ستتم معالجته عبر الزيادة في الضرائب والتخفيضات في الإنفاق الاجتماعي.

ينعكس انحطاط النظام الرأسمالي المكسيكي في نمو البطالة ونمو الاقتصاد غير المهيكل وتصاعد البؤس والتفكك الاجتماعي. ويتم التعبير عن هذا بكل وضوح في تطور سوق المخدرات والحرب على المخدرات الناتجة عنه، وهو ما أدى إلى زيادة معاناة الجماهير. تشكل هذه الإصلاحات المضادة نقطة تحول، وسوف تؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للشعب المكسيكي، في السنوات المقبلة.

قيادة النقابات وحزب حركة التجديد الوطني (Morena)، بمنظورها الانتخابي الإصلاحي، كانت بمثابة الفرامل التي منعت تنظيم مقاومة موحدة الصفوف استنادا إلى أساليب العمل الجماهيري الثوري. ومع ذلك، فإن هناك مزاجا متزايدا من الغضب. وقد اتضح ذلك من خلال تشكيل حركة مورينا، وفي النضالات النقابية الكفاحية – مثل نضالات المعلمين وعمال الكهرباء- مع دخول جيل جديد من الشباب الكفاحيين إلى ساحة النضال، وتطوير العديد من المليشيات الجماهيرية ومجموعات الدفاع الذاتي.

في ولاية غيريرو كانت هناك تحركات جماهيرية مسلحة، وفي ميتشواكان هناك بلديات في حالة حرب أهلية مفتوحة. وعلى الرغم من أن هذه السيرورة مليئة بالتناقضات، فإنها أعراض للضغط الهائل الذي تمارسه الرأسمالية المكسيكية المتحللة على الجماهير، التي بدأت تتوصل إلى خلاصات ثورية. حكومة بينيا نيتو ستواصل سياستها الهجومية والإصلاحات المضادة، والتي تعبد الطريق لاندلاع حركة مقاومة عمالية واسعة النطاق.

ومع ذلك، ونظرا لعدم وجود العامل الذاتي، أي: قيادة ثورية واضحة، فإن الجماهير في أمريكا اللاتينية عجزت عن الاستيلاء على السلطة والقضاء على الرأسمالية. وقد أدى هذا إلى دخول الصراع الطبقي في مأزق وحدوث توازن مؤقت وغير مستقر بين الطبقات، وهو الوضع الذي ساهم الازدهار الاقتصادي في إطالة أمده. إن الركود العالمي الذي بدأ في 2007-2008 لم يصب أمريكا الجنوبية إلا جزئيا، وتعافت المنطقة منه بسرعة، بفعل تعطش الصين للموارد. لكن هذا الوضع يصل الآن إلى نهايته. وقد اتضح ذلك بطريقة مثيرة للغاية في الأحداث التي شهدتها البرازيل.

البرازيل

في الفترة الماضية (حتى عام 2011)، تمتعت البرازيل بمعدلات عالية من النمو، وذلك أساسا بفضل التصدير إلى الصين. لقد مكن هذا الرأسماليين من تقديم التنازلات فيما يتعلق برفع الأجور عندما واجهوا النقص في اليد العاملة والإضرابات. لقد ارتفعت الأجور بمعدل 3% و5% بين عامي 2002 و2013. وانتهت 95% من المفاوضات حول الأجور بزيادات في الأجور أعلى من معدل التضخم. هذا إضافة إلى إنجازات برنامج لولا للرعاية الاجتماعية “bolsa familia” الذي هدف إلى دعم شروط عيش أفقر الفئات الاجتماعية (25 مليون نسمة)، وهو ما يفسر جزئيا أسباب استقرار حكومة حزب العمال لفترة طويلة.

لكن الآن كل شيء قد تغير. فالتباطؤ الحاد للاقتصاد في عام 2011 (+2,7%) و2012 (+0,9%) كشف فجأة عن وجود إحباط واسع النطاق، بلغ ذروته في اندلاع حركة جماهيرية في يونيو 2013. إن المستويات المنخفضة نسبيا للاستثمار من قبل الرأسماليين يعني أن ارتفاع الأجور لم تقابله زيادة في الإنتاجية. منذ عام 2003، تضاعفت تكاليف اليد العاملة في البرازيل، بل إنها بالدولار قد بلغت ثلاثة أضعاف.

أدى انخفاض مستويات الاستثمار في البرازيل إلى انخفاض حاد في الإنتاجية بالمقارنة مع غيرها من الاقتصادات الكبيرة. وقد مكنت طفرة الصادرات إلى الصين من إخفاء الوضع الكارثي في البرازيل لفترة من الزمن. أشار تقرير خاص لصحيفة الإيكونوميست عن البرازيل (28 شتنبر 2013) إلى أن البرازيل تسير نحو فترة من تزايد الأزمة والصراع الطبقي. والتضخم الذي يقترب من 6% يتسبب في خفض مستويات معيشة الناس العاديين وتأجيج المطالب الاقتصادية للطبقة العاملة. هذا الواقع يفسر رغبة قسم من البرجوازية البرازيلية في التخلص من حزب العمال. لا يعتقدون أن حزب العمال قادر على غرس السكين سريعا وعميقا بما فيه الكفاية. بينما يشعر قسم آخر من البرجوازية بالرعب من احتمال التعامل مع احتداد الصراع الطبقي بدون مساعدة من قادة حزب العمال.

لقد عكست الحركة ضد ارتفاع أسعار تذاكر النقل، والتي انتشرت بسرعة في مختلف أنحاء البلاد، السخط الواسع المتراكم في المجتمع. إنها تمثل دليلا على وصول الموجة الثورية من البلدان العربية وبلدان جنوب أوروبا إلى البرازيل. وعلى الرغم من أن الحركة كانت بلا قيادة وكانت تضم حتما العديد من العناصر المرتبكة، فإنها مثلت نقطة تحول هامة، وتبعتها سلسلة من الأيام النضالية الوطنية من قبل الحركة النقابية وتعبئة ضخمة حول إضراب المعلمين. لن تتمتع ديلما روسيف بالتأكيد بالطفرة الاقتصادية الطويلة التي ضمنت استقرار لولا في السلطة. وسيخلق هذا ظروفا استثنائية للماركسيين البرازيليين في الفترة المقبلة.

فنزويلا

في فنزويلا، شكل النصر الصغير الذي حققه مادورو في الانتخابات الرئاسية في أبريل، بعد وفاة تشافيز، تحذيرا جديا للحركة البوليفارية. ومع ذلك، فإن محاولة الأوليغارشية لاستخدام النتيجة المتقاربة للإطاحة بمادورو أدت إلى نتائج عكسية. فمرة أخرى خرجت الجماهير إلى الشوارع وهزمت الاستفزازات اليمينية من خلال التعبئة الثورية.

والعامل الرئيسي الآن هو أن الاضطراب الاقتصادي الناجم عن محاولة تنظيم الاقتصاد الرأسمالي، والتخريب المتعمد الذي تقوم به الطبقة السائدة، والإضراب عن الاستثمار من جانب الرأسماليين، قد أدى إلى تآكل خطير في الأساس الاجتماعي لدعم الثورة. تتظافر ندرة المنتجات الأساسية مع تفشي التضخم، الذي بلغ الآن 50%. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة جدا من الزمن. فإما أن تتخذ الثورة خطوات حاسمة في اتجاه إلغاء الرأسمالية، أو أن الفوضى الاقتصادية ستهيئ الظروف للبرجوازية لتعود إلى السلطة وتحاول سحق الثورة.

كانت سياسة حكومة مادورو، بعد انتخابات ابريل، هي مهاجمة المعارضة في المجال السياسي، بينما تحاول في نفس الوقت التوصل إلى اتفاق مع الرأسماليين في المجال الاقتصادي. قدمت تنازلات للشركات الخاصة فيما يتعلق بالحصول على العملة الصعبة، بما في ذلك تحرير الرقابة على الأسعار، وتم اقتراح فكرة إنشاء مناطق اقتصادية خاصة على غرار الصين. كانت هذه سياسة طوباوية لا يمكنها حل أي مشكل. فأي تنازل للطبقة السائدة سيقوض القاعدة الاجتماعية للثورة في حين لن يحل أيا من المشاكل الاقتصادية الجوهرية.

خلال التحضير للانتخابات البلدية، دجنبر 2013، اتخذت الحكومة مسارا مختلفا، حيث وجهت عدة ضربات ضد الرأسماليين. وكانت هذه الضربات ضمن نفس منطق تنظيم الرأسمالية، لكنها أثبتت شعبيتها الكبيرة بين صفوف الجماهير العاملة وأدت إلى إشعال الحماس الثوري بين القواعد. كانت هذه التدابير ضد المضاربات والغلاء هي التي ضمنت الفوز في الانتخابات البلدية. وحتى لو تمكنت الأوليغارشية من العودة إلى السلطة، فإن هذا لن يكون نهاية الثورة. يمكن أن يكون لذلك تأثير مفيد في تجذر الحركة البوليفارية، مثلما حصل مع الهزيمة في إسبانيا في أكتوبر 1934 (“bienio negro”)، والذي لم يكن سوى مقدمة لمعركة أكثر حسما بين الطبقات. لا يمتلك أي زعيم داخل الحركة البوليفارية نفس السلطة التي كان تشافيز يمتلكها، وبالتالي فإن انتقاد القيادة والبيروقراطيين والإصلاحيين من قبل الجماهير صار يكتسب طابعا أكثر حدة وأكثر وضوحا.

تبقى المهمة الرئيسية هي بناء قيادة ثورية ذات جذور في صفوف طليعة الطبقة العاملة، وقادرة على تسخير الطاقة الاستثنائية التي أظهرتها الجماهير الثورية لأكثر من 15 عاما، وتوجيهها نحو الاستيلاء على السلطة والقضاء على الرأسمالية.

العلاقات العالمية

كتب لينين ذات مرة عن “مادة ملتهبة في السياسة العالمية”، وليس هناك نقص في هذه المادة في عالم اليوم. إن الممارسات العدوانية التي تقوم بها القوى الامبريالية تؤدي إلى اندلاع المعارضة الداخلية ويمكن أن تكون بمثابة عامل آخر للتجذر. يمكن للمزاج الثوري أن ينشأ ليس فقط من العوامل الاقتصادية ولكن أيضا من الحروب والأعمال الإرهابية، والكوارث الطبيعية والأحداث العالمية. رأينا هذا في الماضي خلال حرب فيتنام، ونفس الشيء يمكن أن يحدث مرة أخرى.

فضحت تسريبات ويكيليكس وتصريحات سنودن الآراء والدوافع والمصالح الحقيقية للإمبريالية الأمريكية، ومزقت القناع الدبلوماسي المبتسم للكشف عن الوجه القبيح للمصلحة الذاتية الكلبية. وقد فضحت أيضا عدم قدرة الولايات المتحدة الحفاظ على أسرار الأنظمة الأخرى. وأظهرت المدى الذي وصلته الولايات المتحدة في التجسس على حلفائها. وكشفت أمام الرأي العام في العالم الطبيعة الحقيقية للدبلوماسية البرجوازية بوجه عام. وبقيامها بذلك قدمت خدمة مهمة للطبقة العاملة العالمية.

أدى سقوط الاتحاد السوفياتي منذ أكثر من عشرين عاما إلى تحول كبير في العلاقات العالمية. كانت الولايات المتحدة آنذاك هي القوة العظمى العالمية الوحيدة. ومع القوة الهائلة جاءت الغطرسة الهائلة، كما ظهر بكل وضوح في ما يسمى بعقيدة بوش. أعلنت الإمبريالية الأمريكية حقها في التدخل في أي بلد، لإسقاط الحكومات وفرض إرادتها في كل مكان. لكن وبعد عقدين من الزمن تراجعت أوهام العظمة هذه إلى حد ما.

لقد أدى صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية إلى إحداث تعديل جذري في ميزان القوى في آسيا والمحيط الهادئ. النخبة الحاكمة الصينية لديها طموحات لتأكيد دورها السياسي والعسكري في ارتباط مع قوتها الاقتصادية المتنامية. وهذا ما يؤدي بشكل متزايد إلى حدوث صراعات مع البلدان الأخرى في تلك المنطقة الهامة، وبالدرجة الأولى مع اليابان. وليس الصراع حول الجزر المتنازع عليها سوى مظهر واحد فقط عن ذلك. واشنطن تراقب هذه الظاهرة بقلق متزايد. لطالما اعتبرت الإمبريالية الأمريكية المحيط الهادئ عنصرا محوريا في إستراتيجيتها العالمية. ولهذا فإن صعود الصين يشكل تهديدا مباشرا لمصالحها، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث مواجهات خطيرة في المستقبل.

تلعب روسيا دورا أكثر استقلالية في العلاقات الدولية مما كانت عليه في الماضي. فبعد أن عانت الإذلال في يوغوسلافيا والعراق (كلاهما كانا مجالا نفوذ روسي سابقا)، لم تعد روسيا مستعدة لقبول الإملاءات الإمبريالية الأمريكية على الصعيد العالمي. وقد تبين ذلك من خلال تصرفاتها في جورجيا، التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول إدخالها تحت سيطرتها. لقد استخدمت روسيا القوة المسلحة في عام 2008 لإعطاء جورجيا درسا دمويا ومنعها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وفي سوريا كذلك رسمت موسكو خطا آخر على الرمال لم يتجرأ الأميركيون على عبوره.

لكن هذا ليس بسبب قوة روسيا، بل بسبب الضعف والشلل النسبيين اللذان تعاني منهما الإمبريالية الأمريكية. في السنوات العشر الماضية تصرفت الامبريالية الأمريكية مثل فيل داخل متجر للخزف الصيني. ونتيجة لذلك لم يعد لديها في أي مكان تقريبا أي حلفاء يمكنها الاعتماد عليهم. كان غزو العراق كارثة. كانت نية بوش إظهار قوة أمريكا. لكن مغامرة العراق جاءت بنتائج عكسية سيئة، حيث زادت في زعزعة استقرار منطقة كانت أصلا شديدة الاضطراب. ومن خلال تدمير الجيش العراقي، تسبب بوش في فوضى داخل العراق وسمح باتساع نفوذ إيران في المنطقة.

تسبب كل هذا في إحداث تغيير كبير في مزاج الرأي العام في الولايات المتحدة. فبعد الفشل الواضح في العراق وأفغانستان، تعب الرأي العام الأميركي من المغامرات العسكرية الخارجية، وبدأ يتصاعد في الكونغرس وبين المواطنين مزاج يذكر بالنزعة الانعزالية الأمريكية القديمة. ونتيجة لذلك، لم يتمكن أوباما من تنفيذ قراره المعلن بقصف سوريا. وفي خطاب مثير للشفقة، كان فيه أوباما يتناقض مع نفسه في كل جملة، قال إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فعل كل ما تحب في العالم.

الشرق الأوسط الآن مرجل يغلي بالاضطرابات. وقد تفاقم هذا بفعل السياسة الخرقاء وقصيرة النظر للإمبريالية الأمريكية. نمو القوة الإيرانية في المنطقة أغضب المملكة العربية السعودية. وجدت الرياض نفسها مضطرة للاعتراف بفكرة أن طهران تمتلك الآن سيطرة حقيقية على أجزاء كبيرة من العراق. وقد أدت الفوضى في العراق إلى صراع طائفي دموي بين السنة والشيعة مع تفجيرات ومجازر إرهابية يومية. تخشى العائلة المالكة السعودية من أن السلطة قد تنزلق من بين يديها. وقد تأكدت هذه المخاوف بفعل الانتفاضة الجماهيرية التي شهدتها البحرين في عام 2011.

في الشرق الأوسط نرى حدود قوة الولايات المتحدة. وقد تسبب الضعف الواضح للإمبريالية الأمريكية في أن يقوم حلفاءها التقليديون في الشرق الأوسط بالسعي نحو مصالحهم الخاصة بشكل أكبر بكثير مما كان في الماضي. وفي العديد من الحالات أدى ذلك إلى تصادم المصالح وتحد سافر للولايات المتحدة. وقد تبين ذلك من خلال الوعد الذي قدمته السعودية بتعويض أي تخفيض في المساعدات الأمريكية للجيش المصري. لقد غضب السعوديون من إزالة مبارك الذي كان حليفا يمكنهم الاعتماد عليه. وقد حاولت واشنطن الضغط على المؤسسة العسكرية المصرية من خلال خفض المساعدات العسكرية في أعقاب الإطاحة بمرسي.

ضخت الزمرة الحاكمة القطرية ثمانية ملايير دولار من الدعم المالي في رصيد مصر، وكانت الداعم الخليجي الرئيسي لحكومة مرسي. كانت تراهن على أن الفراغ الذي خلفه سقوط رموز الأنظمة الاستبدادية العربية سيملأ من قبل الإسلاميين، وكانت تأمل في تسخيرهم من أجل تعزيز مكانتها في المنطقة.

لقد أحرقت قطر أصابعها في ليبيا، ثم في سوريا، وأيضا خسرت مليارات الدولارات في مصر. كان من المفترض أن يساهم ذلك المال في تحقيق مكاسب سياسية، لكنها راهنت على الحصان الخطأ. ستتقدم الإمارات العربية المتحدة والسعودية لمساعدة الاقتصاد المصري على الوقوف على قدميه. كل هذا يشبه الحروب بين “عائلات” المافيا، وهي حقيقة العصابات الحاكمة الغنية بالنفط.

سوريا

إن ما بدأ كانتفاضة شعبية ضد النظام البعثي في سوريا تحول الآن إلى حرب أهلية طائفية. لقد تدخلت الأسر الحاكمة السعودية والقطرية من أجل سحق العناصر الثورية وتحويل الصراع إلى حرب طائفية.

حاولت واشنطن الاعتماد على العناصر البرجوازية “الديمقراطية” في ما يسمى بالجيش السوري الحر، لكنها هزمت تماما على يد السعوديين والقطريين الذين سلحوا ودعموا الميليشيات الجهادية. ومع ذلك، فإن السعوديين والقطريين يدعمون أجنحة مختلفة من الميليشيات السورية. يعتمد السعوديون على السلفيين من العناصر الموالية لهم في محاولة لتقويض هيمنة جبهة النصرة والقاعدة.

لقد تم تشكيل الائتلاف الوطني المدعوم من الغرب والمقيم في اسطنبول في نوفمبر 2012، واعترف به من قبل أكثر من 100 دولة كممثل “شرعي” للمعارضة السورية. إن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يرغبان في الاستناد على العناصر البرجوازية “المعتدلة” في صفوف المعارضة. لكنهما واجها مشكلة لا يمكن التغلب عليها، حيث أعلنت إحدى عشر ميليشيا إسلامية عدم اعترافها بالائتلاف، بما في ذلك بعض الميليشيات التي تنتمي رسميا للجيش الحر.

من المعروف أن الميليشيات الجهادية هي التي تخوض أكثر عمليات القتال، وهي ليست على استعداد للخضوع للائتلاف الوطني. وكانت النتيجة هي اندلاع القتال بين جماعات المعارضة المختلفة والمزيد من تشرذمها. أما الأكراد فقد استفادوا من ضعف السلطة المركزية وصاروا الآن مستقلين بشكل كامل تقريبا في شمال شرق البلاد، وهو ما يعني أن هناك الآن دولتان كرديتان مستقلتان في المنطقة. هذا يضيف عوامل جديدة لعدم الاستقرار وسوف يشجع النزعات الانفصالية الكردية في كل من تركيا وإيران.

تمتلك العناصر الإسلامية الرجعية الآن السيطرة الكاملة على حركة التمرد المسلح. والآن هناك قتال مفتوح بين الجهاديين وبين الجيش الحر، وبين الجهاديين وبين الأكراد. وهناك أيضا عدد من الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الحكومة والتي هي خارج سيطرة الأسد. تتجه سوريا الآن في نفس الاتجاه الكارثي الذي سار فيه العراق وأفغانستان، مع استيلاء أمراء الحرب المحليين على السلطة في المناطق. إن البلاد تتفكك أمام أعيننا. وما لدينا الآن في سوريا هو الثورة المضادة من كلا الطرفين.

حارب الطرفان بعضهما إلى أن وصلا مأزقا دمويا، لكن تدخل حزب الله والإيرانيين، في صيف عام 2013، غير ميزان القوى لصالح الحكومة. كان الأمريكيون يبحثون عن ذريعة للتدخل في سوريا لتغيير الوضع، لكن ضعف الإمبريالية الأمريكية ظهر من خلال حقيقة أن أوباما عجز حتى عن الحصول على تصويت في الكونغرس لصالح قصف سوريا. ونتيجة لذلك وقف عاجزا تماما أمام الروس، الذين أخذوا المبادرة الدبلوماسية، عندما قدم جون كيري ما يمكن اعتباره تصريحا مرتجلا مفاده أن سوريا يمكنها أن تتجنب التعرض للهجوم إذا ما تخلت عن أسلحتها الكيميائية.

تظهر مسألة الأسلحة الكيميائية نفاق الإمبرياليين المقرف. لنترك جانبا حقيقة أن الولايات المتحدة نفسها تمتلك أكبر مخزون من الأسلحة الكيميائية في العالم، وأنها استخدمت أسلحة كيماوية على نطاق واسع ضد الشعب الفيتنامي، فضلا عن أسلحة أخرى مثل النابالم. ففي الآونة الأخيرة استخدمت قنابل الفوسفور الأبيض في قصف الفلوجة، مما تسبب في عواقب مروعة على السكان. كما لم يكن لديهم أي اعتراض على استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل صدام حسين عندما كانت تُستخدَم ضد الجنود الإيرانيين خلال الحرب بين إيران والعراق.

من الجلي أن مسألة الأسلحة الكيميائية استخدمت كذريعة لمهاجمة سوريا لأن القوات الحكومية، بمساعدة من إيران وحزب الله، كانت تلحق هزائم فادحة بالمتمردين. كان هدف واشنطن توجيه ضربة ضد القوات المسلحة السورية من شأنها أن تساعد المتمردين. لم يكن الهدف هو السماح لهؤلاء الأخيرين بتحقيق النصر العسكري، بل فقط استعادة توازن معين بين الجانبين من أجل فتح المجال أمام المناورات الدبلوماسية. أما مصالح الشعب السوري البئيس والاعتبارات الإنسانية فهي بعيدة جدا عن حساباتهم.

فشلت هذه المناورة بسبب قبول النظام السوري (بطلب من موسكو) تسليم ترسانته الكيميائية بأكملها. لم يكن لهذه الخطوة أي تأثير عملي على القدرة العسكرية للنظام السوري، والذي استخدم الأسلحة التقليدية بشكل فعال جدا لذبح أعدائه طيلة مدة الحرب. وبعد أن راوغ بشكل فعال الأمريكيين بشأن قضية الأسلحة الكيميائية، أطلق الأسد هجوما كبيرا ضد المتمردين، وألحق بهم هزائم فادحة. ومع ذلك، فإنه يبدو من المشكوك فيه ما إذا كان أي من الطرفين لديه ما يكفي من القوة لتحقيق انتصار عسكري حاسم.

يناور الروس والأميركيون مع القوى الإقليمية الأخرى لتنظيم “مؤتمر للسلام” في جنيف. لكن حتى وإن تم عقد ذلك المؤتمر، فإن النتائج لن تخدم مصالح الشعب السوري. فمن جهة يساند السعوديون والقطريون القوى الجهادية الرجعية. أما هدف الأمريكيين الوحيد فهو الحفاظ على سيطرتهم على المنطقة ومقاومة تصاعد النفوذ الإيراني. الروس بدورهم مهتمون فقط بالحفاظ على سيطرتهم على سوريا، حليفتهم التقليدية. لقد دعموا الأسد حتى الآن، لكنهم سيكونون مستعدين كليا للتضحية به، بشرط أن تبقى مصالحهم الأساسية في سورية محمية. بعد الهزيمة في العراق، صار كل من الروس والأميركيين (وحلفائهم الأوروبيين “الديمقراطيين”) متفقين على أنه يجب الحفاظ على الدولة السورية في مصلحة دعم “النظام والقانون”.

يوفر الجمود على الجبهة العسكرية فرصة للقوى الأجنبية لتكثيف بحثها عن “تسوية متفاوض عليها”. وقد يؤدي ذوبان الجليد الجزئي في العلاقات بين واشنطن وطهران إلى فتح الطريق أمام مشاركة إيران في مؤتمر السلام في جنيف. وقد استقبل هذا الاحتمال بالابتهاج في دمشق وطهران، وبالغضب في إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

رأي الناس العاديين في سورية في كل هذه المناورات غير معروف. إنهم لن يكونوا حاضرين في جنيف، وآرائهم ليست مهمة بالنسبة لأي من القوى المعنية. السبيل الوحيد للخروج من الفوضى التي تعيشها سوريا هو انتصار الثورة الاشتراكية في أحد البلدان الرئيسية في المنطقة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يغير بشكل كبير ميزان القوى الطبقي. إن مستقبل سوريا الآن يعتمد على تطور الأحداث خارج حدودها: أي على التطورات الثورية في تركيا وإيران، وقبل كل شيء في مصر.

الاحتجاجات الجماهيرية ضد حكومة مرسي في 30 يونيو 2013

الثورة المصرية

إن الثورة العربية الرائعة، والتي لم تنته بعد، قد أطلقت قوة هائلة لملايين الأشخاص، الذين تسميهم الصحافة البرجوازية “الشارع العربي”. لقد كانت نقطة تحول في تاريخ العالم. سوف يكون للأحداث التي تجري في الشرق الأوسط تأثيرات عميقة سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي. مصر هي الدولة الرئيسية في العالم العربي. وما يحدث فيها يكون له دائما تأثير حاسم على العالم العربي بأسره والمنطقة كلها. لقد دخلت الثورة مرحلة جديدة مع النهوض الجماهيري الهائل الذي أطاح بمرسي والإخوان المسلمين.

لقد أخرجت الحركة الثورية الجماهيرية التي أطاحت بمرسي 17 مليون شخص إلى شوارع مصر. ليس لحركة بهذه الأبعاد مثيل في التاريخ. في الواقع، كانت السلطة في أيدي الجماهير في يونيو عام 2013، لكنها لم تدرك ذلك، ولم يكن هناك أحد ليشرح لها ذلك. يمكن تلخيص المشكلة الرئيسية ببساطة: لقد كانت الجماهير قوية بما يكفي لقلب نظام الحكم، لكنها لم تكن منظمة وواعية بما يكفي لكي تأخذ السلطة التي كانت بالفعل بين أيديها. ونتيجة لذلك ضاعت الفرصة وكان قادة الجيش قادرين على التدخل لملء الفراغ.

كانت تصرفات الجيش مماثلة تقريبا لتصرفات نابليون يوم 05 أكتوبر من عام 1795، عندما سحق مجموعة من الغوغاء الملكيين في شوارع باريس. ثم، كما هو الحال الآن، شن الرجعيون حركة في الشوارع كان يمكنها لو نجحت أن تؤدي إلى انتصار الثورة المضادة. في مصر أظهرت الجماهير دعما حماسيا لقمع الإخوان المسلمين، الذين رأت فيهم، عن حق، قوى الرجعية القاتمة. لكن هذا التشبيه التاريخي له حدوده. لم يتمكن نابليون من فرض ديكتاتوريته المعادية للثورة إلا بسبب استنزاف الجماهير الثورية لطاقتها. أما في مصر، فعلى العكس من ذلك، تمتلك الثورة احتياطيات كبيرة، تعلن عن نفسها في كل مرحلة حاسمة.

ظهرت قوة الثورة في ضعف الإخوان وعدم قدرتهم على تنظيم رد فعل قوي ضد هزيمة مرسي. لم يتمكنوا من تنظيم مظاهرات كبيرة سوى في القاهرة والإسكندرية، وحتى هناك لم يكونوا ناجحين إلا في الضواحي الأكثر ثراء وأحياء الطبقة المتوسطة. أما في كل مكان آخر فقد كانوا يستقبلون بمعارضة شرسة من طرف الجماهير الثورية التي طردتهم من حي تلو الآخر. وأخيرا شتتهم الجيش وسحقهم بسهولة.

في غياب حزب ماركسي ثوري حقيقي، كان قادة الجيش قادرين على المناورة بالاستناد على الجماهير، بطريقة بونابارتية، لتوجيه ضربات ضد الإخوان المسلمين، ثم قام في اليوم الموالي باعتقال زعماء العمال وكسر الإضرابات.

إن الثورة مدرسة واسعة للجماهير التي لا يمكنها أن تتعلم إلا من خلال التجربة فقط. وقد كانت الثورة الثانية على مستوى أعلى بكثير من الأولى. لقد ذهبت كل الليونة والسذاجة الممثلة في شعارات من قبيل “كلنا مصريون”، وبدلا منها تطورت إرادة ثورية صلبة حازمة مما يعني أن العملية برمتها لم تأخذ إلا جزءا بسيطا من الوقت الذي أخذته الثورة في عام 2011. لكن تسليم السلطة إلى المجلس العسكري يعني تسليم السلطة مرة أخرى إلى نفس الطبقة الحاكمة القديمة، وإن إلى قسم مختلف من ذلك الذي كان مرسي يمثله. وهذا يعني أنه سيكون على الجماهير المرور من درس صعب جديد.

صحيح أن السيسي معادي للثورة، تماما مثلما كان البونابارتي كيرينسكي في روسيا بعد ثورة فبراير. لكنه أكثر ذكاء بكثير من مرسي. لقد كانت طبيعة مرسي المعادية للثورة واضحة، لكن دور السيسي ليس واضحا بما فيه الكفاية أمام أعين الجماهير، التي ما تزال حتى الآن تعتبره حليفها. إنها ترى في حملات الجيش ضد الإخوان عملا ثوريا. وهذا هو السبب الذي جعلها مستعدة لإعطاء السيسي الوقت، لكن صبر الجماهير لن يستمر إلى ما لا نهاية. وبالفعل فإن الحكومة الببلاوي، التي عينها السيسي، فاقدة للشعبية بشكل كبير.

بعد انتخابات البرلمان والانتخابات الرئاسية، سوف تتصاعد الانتقادات ضد الحكومة وستصبح التناقضات بين الثورة وبين الحكام الجدد أكثر وضوحا من أي وقت مضى. والأساس هو الأزمة الاقتصادية التي سببت البطالة الجماهيرية والفقر. وتستمر مسألة الأسعار ومناصب الشغل بدون حل. إذا ما ترشح السيسي في الانتخابات القادمة فإنه سينتخب بأغلبية كبيرة. لكن وبمجرد وصوله إلى السلطة، سوف يكون من المتوقع منه أن يقدم الأشياء التي ينتظرها العمال والفلاحون والعاطلون: مناصب الشغل والخبز والمأوى. لكن هذا غير ممكن على أساس الرأسمالية. عندها ستنفتح مرحلة جديدة وعاصفة من الاضطرابات الثورية.

تدخل فئات جديدة إلى ساحة النضال في كل وقت. أما كبار السن والفئات المتعبة، بما في ذلك بعض الذين لعبوا دورا قياديا في وقت سابق، فسوف يميلون إلى الابتعاد، بسبب خيبة أملهم وارتباكهم أمام الأحداث التي لم يتوقعوها ولم يفهموها. إنهم يشتكون باستمرار مما يسمونه “انخفاض مستوى وعي” الجماهير. لكن هم الذين يرتكبون الجريمة الخطيرة المتمثلة في الخلط بين الثورة والثورة المضادة.

إن هؤلاء “اليساريين” التائهين، الذين يرددون صدى دعاية البرجوازية والإمبريالية، والذين يقفون ضد الحركة الجماهيرية الرائعة التي أطاحت بمرسي بالادعاء أنها “انقلاب”، لم يفهموا شيئا مما يحدث. إن الحركة التي اندلعت في يونيو الماضي كانت بالفعل الثورة المصرية الثانية. لقد حصلت الجماهير التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين الرجعي الممقوت على الشعور بقوتها الجماعية، والتي لم تفقدها، والتي ستوفر الأساس لهجوم ثوري جديد في الفترة المقبلة. يجب علينا أن ندير ظهورنا للعناصر الشائخة المحبطة ونتوجه نحو الشباب، نحو الجيل الجديد من المناضلين الذين يمثلون المستقبل الثوري.

إيران

لقد مثل انتخاب روحاني بدايات تغيير في الوضع. كانت الانتخابات علامة واضحة على أن النظام لا يمكنه أن يستمر في مساره السابق. لقد تعرضت الحركة الجماهيرية سنة 2009 لقمع عنيف وأسكت صوتها بواسطة الضغط المتواصل وإلغاء الحقوق الديمقراطية. وقد انعكست أزمة النظام في الصراع المفتوح بين أحمدي نجاد وبين خامنئي. كان الاقتصاد في أزمة عميقة، وهو ما تفاقم بشكل كبير بسبب العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. البطالة، التي كانت مرتفعة أصلا، وصلت إلى مستويات عالية جديدة. وانهيار الريال يعني أن معدلات التضخم ارتفعت أكثر من 100%. كما أن الصناعة والإنتاج والتجارة على حافة الشلل.

ملايين العمال مجبرون على التعامل مع انفجار الأسعار، في حين أنهم إما قد تعرضوا للطرد من العمل أو أنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور. وليست الأوضاع أقل كارثية بالنسبة للطبقات الوسطى. حيث وجدت العائلات التي كانت تعيش حياة مستقرة نسبيا نفسها بين عشية وضحاها تعيش الإفلاس، قيمة مدخراتهم انخفضت ومقاولاتهم أفلست.

كان من المفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية مخططا لها وغير مثيرة للجدل. لكن أثناء الحملة قام مختلف المرشحين، الذين تم اختيارهم بدقة، بمهاجمة بعضهم البعض بعنف. إن الانقسام المفتوح في صفوف الطبقة الحاكمة مكن الجماهير من فرض نفسها على الساحة.

مثلت اجتماعات حملة حسن روحاني نقطة للتعبئة. وتسبب دخول الجماهير إلى الساحة في فشل جميع خطط الزمرة الحاكمة. فاضطر الملالي لتغيير المسار. يمثل روحاني جناح النظام الذي يدافع عن إدخال الإصلاحات من فوق لمنع اندلاع الثورة من تحت. ونتيجة لذلك اضطر النظام إلى اتخاذ بعض الخطوات المحدودة لتخفيف الضغط، خصوصا على الشباب والطبقة المتوسطة. هذا هو السبب في أن هناك الآن أوهام كبيرة حول روحاني. لكن ومع تراجع المشاكل الديمقراطية سوف تظهر المشاكل الاقتصادية على السطح.

يحاول النظام التوصل إلى اتفاق مع الأميركيين، من أجل فتح السوق والفوز أيضا ببعض التنازلات، وخاصة في البنية التحتية النفطية الضعيفة. إن مثل هذه الصفقة، إذا ما تمت، لن تغير من الوضع العام للجماهير. إن الطريقة الوحيدة أمام البرجوازية الإيرانية للخروج من أزمتها هي زيادة استغلال العمال. لكن هذا لن يؤدي سوى إلى صب الزيت على النيران. إن كل خطوة في اتجاه الانفتاح ستؤدي إلى إذكاء التنظيم الذاتي للعمال والشباب وستحضر الشروط لاندلاع انفجارات ثورية كبيرة في المستقبل.

هذا “الانفتاح” يقدم فرصا جديدة للمعارضة واليسار. وقد بدأت بعض جرائد المعارضة (وحتى اليسارية) في الظهور. وتدريجيا بدأت قوى المعارضة تعاود الظهور. الشباب منفتحون على الأفكار الاشتراكية والثورية. صحيح أن هناك أوهام حول روحاني، لكن هذه الأوهام لن تصمد طويلا على محك التجربة القاسي. ستضطر الجماهير أن تمر عبر مدرسة الديمقراطية البرجوازية من أجل استخلاص الدروس اللازمة، لكنها ستستخلصها بالتأكيد.

اللامساواة وتركيز الرأسمال

إن تنبؤ ماركس بأن تطور الرأسمالية سيؤدي حتما إلى تركيز الثروة أكثر فأكثر في يد عدد أقل فأقل من الأشخاص قد تأكد بشكل تام في الواقع. وقد كتب في المجلد الأول من الرأسمال: «إن تراكم الثروة في أحد القطبين هو، بالتالي وفي الوقت نفسه، تراكم للبؤس في القطب المعاكس». هذه هي بالضبط الوضعية التي نجد أنفسنا فيها الآن. ففي كل مكان هناك زيادة حادة في اللامساواة.

إن الأرقام في هذا الصدد رهيبة. فبين عامي 1993 و2011، في الولايات المتحدة، ارتفع الدخل المتوسط بمعدل 13,1٪ في المجموع، لكن متوسط دخل 99٪ من السكان الأكثر فقرا (أي جميع الأسر التي يبلغ دخلها حوالي 370000 دولار في السنة) لم يرتفع إلا بـ 5,8٪ فقط. إن هذا الفرق يوضح جيدا حجم الثروات التي يحققها 1٪ من السكان الأكثر ثراء. كان نصيب العمال من الدخل القومي للولايات المتحدة يساوي 62٪ قبل الركود. وهو الآن حوالي 59٪ من الدخل القومي. وبالتالي فإن متوسط دخل الأسر صار الآن أقل مما كان عليه قبل الركود، في حين ترتفع اللامساواة.

ومن المفارقات الصارخة أن سوق الأسهم في الولايات المتحدة قد ارتفع بنسبة تزيد على 50٪ منذ بداية الأزمة، بينما انخفض متوسط الدخل. الثروة الفاحشة تنتج النفوذ السياسي: يمكن للطغمة الثرية المتنفذة أن تشتري الصحف والقنوات التلفزيونية وتمول الحملات السياسية والأحزاب وجماعات الضغط. في الولايات المتحدة على المرء أن يكون مليونيرا ليكون رئيسا، وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يحظى بتأييد العديد من أصحاب المليارات. الديمقراطية يمكن شراؤها وبيعها لصالح من يدفع أعلى سعر.

وقد ظهرت أسطورة الارتقاء الاجتماعي على حقيقتها، باعتبارها مجرد كذبة كلبية. الآباء الأغنياء لديهم أبناء أغنياء. والطبقة الحاكمة نخبة مغلقة منفصلة تماما عن بقية المجتمع. الحصول على التعليم العالي مكلف بشكل متزايد. يجد الخريجون أنفسهم مثقلين بديون هائلة بمعدل 25000 دولار لكل طالب، وغالبا ما يكونون عاجزين عن إيجاد وظائف في مهنة من اختيارهم، هذا إذا تمكنوا أصلا من العثور على وظيفة. سلم الارتقاء الاجتماعي رمي بعيدا. مئات الآلاف من خريجي الجامعات يقدمون وجبات الهامبرغر في مطاعم ماكدونالدز أويرتبون السلع في رفوف الأسواق الممتازة. إن الوضع الذي يواجهه الشباب في الولايات المتحدة اليوم مشابه إحصائيا لذلك الذي كان الشباب في العالم العربي يواجهونه قبل انفجار الثورتين التونسية والمصرية.

لقد تحول الحلم الأمريكي إلى الكابوس الأمريكي. ويضطر 47 مليون أمريكي إلى اللجوء إلى طوابع المعونة الغذائية[9] (food stamps) من أجل الحصول على الغذاء حتى نهاية الشهر. وقد اتضح شعور الغضب المتزايد من هذا الظلم في شعار “نحن الـ 99٪” الذي رفعته حركة احتلال الساحات في الولايات المتحدة الأمريكية. إن الأخطار التي يحبل بها الوضع الحالي واضحة لمنظري الرأسمالية الأكثر تبصرا.

الهوة بين الطبقات

إن الجماهير مستعدة لتقديم التضحيات شريطة أن تكون القضية عادلة وتكون التضحيات هي نفسها بالنسبة للجميع. لكن لا أحد على استعداد لتقديم تضحيات لإنقاذ أصحاب الأبناك، كما أنه ليست هناك مساواة في التضحية. أصحاب الأبناك يملئون جيوبهم بالأموال التي أنفقت عليهم بسخاء من قبل دافعي الضرائب (أو بالأحرى من قبل الحكومة، لأن لا أحد طلب رأي دافعي الضرائب في ذلك)، ويدفعون لأنفسهم مكافآت ضخمة.

في خضم الأزمة، يزداد الأغنياء ثراء ويزداد الفقراء فقرا على فقر. وقد نشر بنك كريدي سويس تقريرا يبين الزيادة في عدد أصحاب ملايين الدولارات (على أساس إجمالي الأصول، ما بين منتصف عام 2012 إلى منتصف 2013):

إسبانيا: 402.000 (+ 13,2٪)
الولايات المتحدة: 13.210.000 (+ 14,6٪)
فرنسا: 2.210.000 (+ 14,9٪)
ألمانيا: 1.730.000 (+ 14,6٪)
المملكة المتحدة : 1.520.000 (+ 8,2٪)
إيطاليا: 1.440.000 (+ 9,5٪)
الصين: 1.120.000 (+ 8,7٪)
كندا: 993.000 (+ 4,7٪)

كما يوضح تقرير آخر لكريدي سويس بعض الأرقام المثيرة للاهتمام عن اللامساواة في توزيع الثروة. لقد كشف أنه في القمة، يحتكر 32 مليون شخص 98,7 تريليون دولار [التريليون هوألف مليار -المترجم-]. وهذا يعني أن 41٪ من ثروات العالم محتكرة في يد من 0,7٪ من مجموع السكان البالغين. وتبلغ نسبة الذين لديهم ثروة شخصية ما بين 100.000 دولار إلى مليون دولار 7,7٪ من سكان العالم، ويحتكرون ما مجموعه 101,8 تريليون دولار، وهو ما يمثل 42,3٪ من الثروة العالمية.

وفي الطرف الآخر، 3,2 مليار نسمة لا يمتلكون جميعهم سوى 7,3 تريليون دولار. وهذا يعني أن 68,7٪ من السكان البالغين في العالم لا يمتلكون سوى 3٪ من ثروته فقط. ويعني أن الـ 0,7٪ من السكان البالغين الأكثر ثراء في العالم لديهم ثروة شخصية تعادل 14 مرة أكثر مما يمتلكه الـ 68٪ من السكان البالغين الأكثر فقرا. إن هذه الأرقام تؤكد تنبؤ ماركس بشأن تركيز الرأسمال:

«إن تراكم الثروة في أحد القطبين هو، بالتالي وفي الوقت نفسه، تراكم للبؤس وعذاب الكدح والعبودية والجهل والفظاظة، والتدهور العقلي، في القطب المعاكس، أي في جانب الطبقة التي تنتج الرأسمال نفسه». (ماركس: رأس المال، المجلد الأول، الفصل 25 – الطبعة الفرنسية-)

“الاقتصاد المكثف”

سبق للينين أن شرح أن السياسة هي تكثيف للاقتصاد. طيلة مرحلة كاملة بقيت الرأسمالية، على الأقل في البلدان الرأسمالية المتقدمة، تبدو كنظام “يوفر الحاجيات”. وقد تمتع الجيل الذي نشأ في الولايات المتحدة وأوروبا خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية بفوائد اقتصادية لم يسبق لها مثيل: التشغيل الكامل، وارتفاع مستويات المعيشة والإصلاحات.

كانت تلك هي المرحلة الكلاسيكية للإصلاحية في أوروبا. كان في مقدور الرأسماليين السماح بالإصلاحات على أساس اقتصاد مزدهر وأرباح كبيرة. لكن الوضع لم يعد كذلك. إن البرنامج الحقيقي للبرجوازية الآن هو إلغاء دولة الرفاه بشكل كامل، وإجبار العاطلين على العمل مقابل أي أجر يعرضه عليهم أرباب العمل. وهذا يعني أن نعود إلى زمن ماركس وديكنز. وحدها قوة العمال المنظمين ما يمنع البرجوازية من إنجاز هذه الردة الاجتماعية حتى النهاية.

إن الأفق هو سنوات من الاقتطاعات والتقشف وانخفاض مستويات المعيشة. وهذه هي الوصفة النموذجية لاندلاع الصراع الطبقي في كل مكان. تطالب البرجوازية بتصفية الديون وبميزانيات متوازنة وخفض الإنفاق الاجتماعي “المسرف” ( أي الإنفاق على المدارس والمستشفيات ومعاشات التقاعد، لكن، بطبيعة الحال، ليس خفض الإعانات الموجهة للبنوك). ويزعمون، مثل سفسطائيين حقيقيين، أنه على الرغم من أن هذه التدابير ستؤدي “على المدى القصير” إلى حدوث انكماش اقتصادي كبير وانخفاض حاد في مستويات المعيشة (بالنسبة للبعض)، فإنها على المدى البعيد، ستؤدي، بطريقة سحرية، إلى خلق الأساس لحدوث “انتعاش مستدام”. وهو الزعم الذي كان العجوز كينز سيرد عليه قائلا: “على المدى البعيد سنكون جميعا في عداد الأموات”.

إن الوضع غير مستقر إلى درجة أن أي شيء يمكنه أن يؤدي إلى إشعال أزمة كبيرة؛ هذا صحيح بالنسبة للاقتصاد (انظر الاغلاق الحكومي في الولايات المتحدة وأيضا تزايد الديون في أوروبا)، لكن صحيح أيضا بالنسبة للمجتمع ككل. يمكن للصراع الطبقي أيضا أن يندلع بفعل هذه الأحداث أو تلك (رجال الاطفاء البلجيكيين).

السؤال المطروح أمام البرجوازية هو: كيف يمكن الحكم في مثل هذا الوضع المتأزم؟ في كثير من بلدان أوروبا يتجلى المأزق السياسي في تنظيم تحالفات غير مستقرة وبرلمانات معلقة. ويجري اختبار المؤسسات الديمقراطية البرلمانية البرجوازية إلى أقصى الحدود.

إن نمو ظاهرة الامتناع عن التصويت تشير إلى السخط المتزايد تجاه جميع الأحزاب الموجودة. وهذا ليس مستغربا بالنظر إلى سلوك القيادات العمالية. فحتى عندما يكونون في المعارضة، يواصل قادة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية دعم السياسة العامة للاقتطاعات والتقشف. وقد تبين ذلك بوضوح في حالة الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي، وحزب العمال البريطاني، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، والحزب الاشتراكي الإسباني وحزب باسوك في اليونان. هذا هو ما ينتج مزاج خيبة الأمل واللامبالاة.

في ألمانيا أيضا هناك اتجاه متزايد نحو الامتناع عن التصويت. فازت ميركل في الانتخابات، لكنها رغم ذلك لم تفز بالأغلبية، واحتاجت إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتشكيل حكومة “ائتلافية كبيرة”. 40٪ من الناخبين في ألمانيا غير ممثلين من قبل أي حزب في البرلمان؛ انخفضت الأصوات التي حصل عليها Die Linke من حوالي 12٪ إلى أقل بقليل من 9٪. لكن الطبيعة تكره الفراغ، وتشكيل ائتلاف SPD- CDU يعني أن Die Linke الآن هو المعارضة الحقيقية الوحيدة، ويمكن أن يبدأ في كسب الدعم.

ونتيجة لذلك، بدأنا في العديد من البلدان نشهد صعود أحزاب جديدة: الخضر (في السويد)، الشعبويون في أيسلندا وإيطاليا، و”أحزاب القراصنة” (في السويد وألمانيا وأيسلندا)، وصعود أحزاب اليمين المتطرف (اليونان والسويد والنرويج وفرنسا) وحزب UKIP المعادي للاتحاد الأوروبي في بريطانيا. يعكس كل هذا وجود غليان في المجتمع، وشعورا عميقا بالسخط وعدم الرضا تجاه النظام السياسي القائم.

في أوروبا هناك تشكيك متزايد في مصداقية مؤسسات الديمقراطية البرجوازية، وخاصة في البلدان الأكثر تضررا من الأزمة. ونظام الحزبين القديم (الحزب اليميني مقابل الحزب الاشتراكي الديمقراطي) في أزمة. بعض ذلك الاستياء تستثمره أحزاب على يسار الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، كما يشهد على ذلك نمو حزب سيريزا، واليسار الموحد، وجبهة اليسار في فرنسا. أما في إيطاليا، حيث لا وجود لمثل هذا عملت حركة “05 نجوم” بزعامة غريللو (والتي هي حركة احتجاجية برجوازية صغيرة مرتبكة) على ملء هذا الفراغ مؤقتا.

لكن حتى هذه الأحزاب لا تقدم بديلا حقيقيا للأزمة الرأسمالية، وبالتالي لا تنمو بالسرعة التي كان يمكنها أن تنمو بها لو أنها عبرت ولو جزئيا عن مزاج الغضب السائد في المجتمع. لكن عدم وجود صدى لاستياء الجماهير داخل الأحزاب الإصلاحية ينعكس في الساحة السياسية من خلال زيادة نسبة الامتناع عن التصويت أوالأصوات الملغاة. ففي اسبانيا، في عام 2008، تمكن الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني من الحصول على 83٪ من أصوات الناخبين بوتيرة إقبال بلغت 75٪. أما اليوم فإن استطلاعات الرأي تعطي لهما بالكاد 50٪ على نسبة المشاركة أقل من ذلك بكثير (حوالي 50٪ الآن يعلنون أنهم إما لن يدلوا بأصواتهم، أو سيصوتون ببطاقات فارغة أولا يعرفون لمن سيدلون بصوتهم، وهو ما يشكل رقما قياسيا).

في البرتغال نرى وضعا مماثلا في الانتخابات البلدية الأخيرة. ارتفع عدد الامتناع عن التصويت إلى 550.000 ؛ كما تضاعفت الاصوات الباطلة والبطائق الفارغة، بزيادة قدرها 170.000. خسر الائتلاف اليميني الحاكم 600.000 صوتا ؛ وخسر الحزب الاشتراكي الديمقراطي “المعارض” 270.000 صوتا؛ وحقق الحزب الشيوعي بالكاد 13.000 صوتا ؛ في حين فقدت كتلة اليسار 45.000 صوتا.

المنظمات الجماهيرية

إن المشكلة المركزية هي مشكلة القيادة. فالقادة العماليون سواء في الأحزاب السياسية أو النقابات يعيشون في الماضي. إنهم لم يفهموا طبيعة الأزمة الحالية ويحلمون بإمكانية العودة إلى “الأيام السعيدة الماضية”. إنهم عاجزون عضويا عن القطع مع البرجوازية وقيادة نضال جدي ولو للدفاع عن مكتسبات الماضي، فبالأحرى النضال من أجل تحسين مستويات المعيشة.

هناك تناقض حاد بين الغضب العارم الذي يعتمل في صفوف الطبقة العاملة وبين سلبية وعجز قادتها. المنظمات الجماهيرية، بشكل عام، ما تزال الى حد بعيد على مستوى منخفض من النشاط. وبالتالي ليس هناك أي ضغط حقيقي على القادة لمنعهم من الذهاب أبعد إلى اليمين. وقد كان هذا هو الاتجاه العام خلال الفترة الماضية. لقد بلغ انحطاط جميع القيادات أعماق لا مثيل لها. إنها حقيقة صادمة جدا كون المنظمات التي تم بناؤها من طرف الطبقة العاملة لتغيير المجتمع قد تحولت إلى عقبات قوية في مسار التحويل الاجتماعي.

دور الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية تاريخيا هو تحطيم معنويات العمال ودفع الطبقة الوسطى إلى أحضان الرجعية. فبعد أن تخلت منذ فترة طويلة عن أي انتماء للاشتراكية، صارت توجه كلماتها إلى أصحاب الأبناك والرأسماليين، وتعتمد لهجة “معتدلة” و”محترمة “. إنهم يحاولون إقناع الطبقة الحاكمة أنهم أناس صالحون لتولي المناصب الرفيعة في الدولة. ومن أجل إثبات ولائهم للبرجوازية وإمكانية الاعتماد عليهم “كرجال ونساء دولة” أهل للثقة، تراهم أكثر حماسا من المحافظين في تنفيذ سياسة الاقتطاعات والإصلاحات المضادة (دائما تحت راية “الإصلاح”).

إصلاحيو اليسار، الذين كانوا يهيمنون على الأحزاب الاشتراكية في أوروبا سنوات السبعينات، تحولوا إلى مجرد نسخة باهتة لأنفسهم في الماضي. وبسبب افتقارهم إلى قاعدة أيديولوجية أو نظرية متينة، تراهم يسيرون ببؤس وراء اليمين. إن اليمين أكثر ثقة لأنه يشعر بأن لديه دعم الشركات الكبرى. بينما اليسار، على النقيض من ذلك، ليست لديه الثقة لا في الطبقة العاملة ولا في نفسه. وليس حال إصلاحيي اليسار في النقابات بأفضل من حال نظرائهم السياسيين. إنهم يقفون مدانين وقد فشلوا حتى في الاستمرار في الدفاع عن الأجور وشروط العمل والحقوق النقابية.

تم طرد سلسلة كاملة من الحكومات “اليسارية” بعد تطبيقها سياسة الاقتطاعات: أسبانيا وأيسلندا والنرويج واليونان، وفي إيطاليا في وقت سابق. بينما شهدت الحكومات الأخرى تراجع الدعم التي تمتعت به سابقا ويرجح أن تفقد السلطة في الانتخابات المقبلة (الدنمارك وفرنسا وايرلندا). كان حزب العمال الايرلندي يحقق أرقاما عالية في استطلاعات الرأي قبل مشاركته في ائتلاف برجوازي ينفذ سياسة الاقتطاعات. وقد انهار ذلك، وانخفض معدل التأييد من 24٪ إلى 4٪.

في اليونان، كانت لحزب باسوك قاعدة جماهيرية وكان أحيانا يحقق أصواتا تقارب 50٪، لكنه شهد انهيارا في عدد الأصوات نتيجة لتنفيذه للسياسات التي تمليها عليه الطبقة الحاكمة والاتحاد الأوروبي. تم استبداله في أول الأمر من قبل الحكومة “الوطنية” بزعامة باباديموس، ثم انضم إلى ائتلاف مع اليميني ساماراس. لكن العامل الأكثر أهمية كان هو الصعود السريع لحزب سيريزا، الذي كافح في الأصل للحصول على 4٪ أو5٪ من الأصوات، ووصل عند نقطة معينة إلى 30٪ من الأصوات في استطلاعات الرأي.

ومع ذلك فإن المنظمات الجماهيرية، وحتى أكثرها انحطاطا، سوف تعكس حتما في مرحلة معينة ضغط الجماهير. في الفترة المقبلة ستكون هناك تقلبات عنيفة للرأي العام إلى اليسار وإلى اليمين. يجب علينا أن نكون مستعدين لهذا ونشرح دلالته الحقيقية. في سياق بحثها عن طريقة للخروج من الأزمة، ستختبر الجماهير – وتتجاوز – الأحزاب والقادة الواحد منهم بعد الآخر. لكن الميزة الثابتة هي رفض كل من شارك في الحكومة ونفذ برنامج تقشف.

في بريطانيا، هناك بعض المؤشرات على أن الضغط من الأسفل (وخاصة من النقابات) يجبر ميليباند على أن ينأى بنفسه عن حزب المحافظين والليبراليين. يعكس ميليباند، ولو باستحياء، الغضب الشعبي المتزايد ضد الشركات الكبرى والبنوك. وبمجرد وصولهم إلى السلطة سيقع القادة الإصلاحيون تحت ضغط شديد من طرف كل من الطبقة الحاكمة والجماهير. سوف يسحقون بين حجري الرحى. وستحدث انشقاقات إلى اليمين واليسار. وفي بعض الحالات سيتحطمون تماما (كحالة حزب إعادة التأسيس الشيوعي في ايطاليا وربما باسوك في اليونان). لكنهم في كل الأحوال سيدخلون في الأزمة.

مع تفاقم الأزمة، سوف تبدأ التيارات اليسارية في التبلور داخل الأحزاب العمالية الجماهيرية والنقابات. يجب على التيار الماركسي أن يتتبع الحياة الداخلية للمنظمات الجماهيرية عن كثب ويسعى للوصول إلى العمال والشباب الذين يتحركون نحو اليسار والذين يبحثون عن بديل وكسبهم إلى صفوفه.

ومع ذلك، فإن قدرتنا على التدخل بفعالية في المستقبل سيحددها نجاحنا في بناء التيار الماركسي اليوم. ليس التدخل في الحركة الجماهيرية بـ 20 أو50 من الكوادر مشابها للتدخل فيها بـ 500 أو1000. يجب أن يتحول النوع إلى كم، بحيث يمكن للكم بدوره أن يتحول إلى مستوى أعلى نوعيا. من أجل تحريك الجماهير، لا بد من امتلاك رافعة، وهي التي لا يمكن أن تكون إلا تيارا ماركسيا قويا وكثير العدد.

النقابات

النقابات هي المنظمات الأكثر أساسية للطبقة العاملة. في ظل الأزمة يشعر العمال بضرورة النقابات أكثر من الفترات “العادية”. في القطاع الصناعي شهدنا العديد من النضالات والمعارك الكفاحية، وكلما دعت القيادات النقابية إلى النضال في شكل إضرابات عامة وإضرابات قطاعية، وما إلى ذلك، كانت استجابة العمال للدعوة على نطاق واسع. المشكلة هي أن القادة النقابيين عاجزون تماما في مواجهة الأزمة الرأسمالية لأنهم لا يمتلكون حقا أي بديل (ما عدا بعض الإجراءات الكينزية).

في إسبانيا كان هناك إضراب شامل للمعلمين في جزر البليار والذي استمر لثلاثة أسابيع واجتذب تأييدا شعبيا عظيما (تنظيم مظاهرة في بالما دي مايوركا ضمت حوالي 100.000 متظاهر في جزيرة يبلغ عدد سكانها حوالي 800.000!)، وقد شهد الإضراب استخدام أساليب الصراع الطبقي العمالية التقليدية التي كانت قد نسيت في الفترة الماضية: الجموعات العامة الجماهيرية، انتخاب المندوبين، دعم أولياء الأمور والطلاب وصندوق الإضراب. لكن القادة النقابيين تركوا معلمي جزر البليار لوحدهم في المعركة، حيث رفضوا توسيع النضال إلى شرائح أخرى وإلى البر الرئيسى، فاضطرت الحركة إلى التراجع، ثم هزمت بفعل الإرهاق.

في ظل هذه الظروف ليس من المستغرب أن العديد من العمال يشككون في صحة الدعوة إلى إضرابات 24 ساعة العامة المعزولة، من دون خطة نضال متواصلة من قبل القادة النقابيين. في الواقع، لقد استخدمت هذه الإضرابات من قبل القادة كوسيلة لتنفيس الضغط. في اليونان الآن أصبح سلاح الإضراب العام ليوم واحد بدون جدوى. وصارت الدعوة إلى مثل هذه الأشكال تقابل بالريبة من جانب العمال الذين يحسون بضرورة خوض أشكال أكثر جذرية. إن ما هو مطلوب، في ظروف اليونان، هو تنظيم إضراب عام سياسي شامل لاسقاط الحكومة.

إننا نرى تراكم الغضب والسخط سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، والذي لا يجد حتى الآن أي قناة واضحة للتعبير عن نفسه. في اسبانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا يضطر مئات الآلاف من الشباب إلى الهجرة، وهو ما يشكل عودة إلى وضع اعتقد آبائهم أنهم قد تركوه وراءهم.

هناك هجمات مستمرة على الرعاية الصحية العمومية ونظم التعليم، وانتشار وباء البطالة، لا سيما بين الشباب، وفضائح الإخلاء القسري للمنازل، مع وجود أعداد كبيرة من الشقق والمنازل الفارغة وتزايد عدد الناس الذين يعيشون في الشوارع، والذين كان العديد منهم يعتبرون أنفسهم من “الطبقة الوسطى”، ودفعوا إلى ما تحت خط الفقر، الخ.

في ظل هذه الظروف يرى العمال في النقابات، أكثر من أي وقت مضى، خط دفاعهم الأول. كل هذه الضغوط لا بد أن تصعد إلى السطح، في مزيج من حركات الاحتجاج العفوية، وانفجارات الغضب، والتي سيكون لها حتما في نهاية المطاف انعكاس على المنظمات الجماهيرية.

وسوف تنعكس المراحل الأولى من تجذر الجماهير في الإضرابات، والإضرابات العامة والمظاهرات الجماهيرية. لقد شهدنا هذا بالفعل في اليونان وإسبانيا والبرتغال. لكن ونظرا لعمق الأزمة فإن هذه الإجراءات وحدها لا يمكنها أن تنجح في منع وقوع هجمات جديدة على مستويات المعيشة.

حتى في بلجيكا، حيث أجبرت النضالات الكفاحية التي خاضها رجال الاطفاء وعمال السكك الحديدية الحكومة على التراجع، فإن ذلك لن يكون إلا انتصارا مؤقتا. فما ستقدمه الحكومة باليد اليسرى، سوف تسترجعه باليد اليمنى. وفي اليونان، كان هناك ما يقارب ثلاثين إضرابا عاما، لكن الحكومة ما تزال تهاجم.

تدريجيا سيتعلم العمال من خلال التجربة أنه من الضروري اتخاذ تدابير أكثر جذرية. لقد بدأوا في استخلاص استنتاجات ثورية. لقد أوضح تروتسكي أهمية المطالب الانتقالية كوسيلة لرفع وعي العمال إلى المستوى الذي يطلبه التاريخ. لكنه أشار أيضا إلى أنه في ظل أزمة عميقة ليست مثل هذه المطالب كافية:

«بالطبع ليس السلم المتحرك لساعات العمل ولجان الدفاع الذاتي العمالية إجراءات كافية. هذه ليست سوى الخطوات الأولى اللازمة لحماية العمال من الجوع ومن سكاكين الفاشيين. هذه وسائل عاجلة وضرورية للدفاع عن النفس. لكنها في حد ذاتها لن تحل المشكلة. المهمة الرئيسية هي تمهيد الطريق لنظام اقتصادي أفضل، من أجل استخدام أكثر عدلا وعقلانية وملائمة للقوى المنتجة في مصلحة الشعب كله.

«لا يمكن أن يتحقق هذا عن طريق الأساليب النقابية البسيطة و”العادية” والروتينية. لا يمكنك أن تختلف مع هذا، لأنه في ظروف الانحطاط الرأسمالي تصير النقابات المعزولة عاجزة ولو عن وقف تدهور ظروف العمال. يصير من الضروري اللجوء إلى أساليب أكثر حسما وجذرية. لقد أوصلت البرجوازية، التي تمتلك وسائل الإنتاج وسلطة الدولة، الاقتصاد بأكمله إلى حالة ميؤوس منها من الفوضى الشاملة. من الضروري إعلان إفلاس البرجوازية ونقل الاقتصاد إلى أيدي جديدة ونزيهة، أي إلى أيدي العمال أنفسهم». (تروتسكي: حوار مع منظم في نقابة CIO، 29 شتنبر 1938)

دور الشباب

من بين السمات الرئيسية للوضع الحالي استمرار وجود مستويات عالية من البطالة ونقص العمالة، خاصة بين الشباب. هذا ليس الجيش الاحتياطي من العاطلين الذي تكلم عنه ماركس. إنها بطالة دائمة وهيكلية، بطالة عضوية مثل ورم سرطاني يلتهم أحشاء المجتمع ويدمره من الداخل.

يمكن رؤية أسوأ آثار البطالة بين صفوف الشباب، الذين يفرض عليهم تحمل العبء الأكبر لأزمة الرأسمالية. آمال الشباب وطموحاتهم تصطدم بحاجزا لا يمكن اختراقه. يصير هذا أكثر إثارة للسخط عندما نجد أن عددا متزايدا من العاطلين هم من الحاصلين على تعليم عال. إن هذا يخلق خليطا جد مضطرب وشديد الاشتعال.

الجيل الحالي هو أول جيل من الشباب لا يمكنه أن يتوقع الحصول على مستوى معيشة أفضل من مستوى معيشة آبائه. لقد سرق مستقبلهم. وتجري التضحية بجيل كامل من الشباب على مذبح الرأسمال. بين البرازيل وتركيا هناك، بطبيعة الحال، اختلافات، لكن هناك أيضا سمات مشتركة ساعدت على اشتعال السخط. وستؤدي نفس العوامل إلى اندلاع احتجاجات مماثلة في أماكن أخرى. ومن بين العوامل الهامة هناك بطالة الشباب.

لا تقتصر هذه الظاهرة على البلدان الأكثر فقرا في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا. فالبطالة والفقر مزيج متفجر يمكن أن يشتعل في أي وقت، وفي أي بلد. لقد كانت بطالة الشباب عاملا كبيرا في اندلاع ما يسمى بالربيع العربي. ويمكن للمستويات العالية من البطالة بين الشباب في أوروبا أن يكون لها نفس التأثير في تجذر الشباب، وبالفعل فإن تجذر الشباب هو ظاهرة معممة إلى هذه الدرجة أو تلك في جميع أنحاء أوروبا.

في بريطانيا موجة التجذر بين الطلاب أعقبتها انتفاضات للشباب العاطلين في جميع المدن الكبرى هزت أركان الحكومة. وفي اليونان، جاءت التحركات الكبيرة للطبقة العاملة في أعقاب حركة كبيرة لطلاب المدارس. وفي أسبانيا والولايات المتحدة شهدنا حركة احتلال الساحات وحركة الساخطين (indignados)، والتي كانت تتألف في أغلبيتها من الشباب. هناك العديد من السوابق التاريخية لهذا الوضع. فالثورة الروسية عام 1905 سبقتها مظاهرات الطلاب عام 1900 وعام 1901. واندلعت ثورة ماي 1968 في فرنسا بشرارة أطلقتها المظاهرات الطلابية التي تم قمعها بوحشية من قبل الشرطة.

قال لينين: “من لديه الشباب لديه المستقبل”. يجب علينا مهما كلف الأمر أن نجد الطريق إلى الشباب الثوري، ونقدم تعبيرا واعيا ومنظما لرغبتهم في محاربة الظلم والقهر وبناء عالم أفضل. إن نجاح أو فشل التيار الماركسي الأممي رهين إلى حد كبير بقدرتنا على تحقيق هذه الغاية.

هل الظروف ناضجة للثورة؟

نحن على مشارف وضع جديد كليا على الصعيد العالمي. وهذا واضح من خلال أحداث الأشهر الإثني عشر الماضية وحدها. سحب الغاز المسيل للدموع تملأ شوارع اسطنبول. وهراوات الشرطة تحطم الجماجم في ساو باولو و17 مليون شخص أطاحوا برئيس مصري. واندلعت الاحتجاجات في بلغاريا. وهذه ليست سوى بداية لموجة من السخط السياسي في العالم النامي، الذي يحبل بالإمكانيات الثورية.

يعلمنا الديالكتيك أنه عاجلا أو آجلا كل شيء يتحول إلى نقيضه. وقد تأكد هذا القانون الجدلي بشكل لافت للنظر من خلال أحداث الاثني عشر شهرا الماضية. دعونا نتذكر بأن تركيا والبرازيل كانتا حتى وقت قريب اثنتان من البلدان الرائدة في الاقتصادات الصاعدة. منظرو الرأسمالية لم يتخيلوا أبدا إمكانية حدوث هبات ثورية في هذين البلدين. لكنهم على كل حال لم يتخيلوا أيضا حتى إمكانية الإطاحة الثورية بمبارك في مصر أو بن علي في تونس.

يمكن العثور على المتشائمين والمشككين في كل مكان وبأعداد وفيرة. إنهم حطام ومخلفات هزائم الماضي، رجال ونساء شاخوا قبل الأوان وفقدوا كل ثقة في الطبقة العاملة وفي الاشتراكية وفي أنفسهم. يعيش هؤلاء المتشائمون الكلبيون حياتهم البئيسة على هامش الحركة العمالية، وأحيانا داخلها. مهمتهم الرئيسة في الحياة هي الأنين والتذمر من العمال والشباب، والتقليل من قيمة إنجازاتهم والمبالغة في تضخيم أخطائهم.

يمكن العثور على مثل هذه العينة من الناس بين صفوف الستالينيين السابقين في المقام الأول. لأنهم تخلوا منذ وقت طويل عن الأمل في الثورة الاشتراكية، إن هذه المخلوقات البائسة ليست معنية سوى بشيء واحد فقط: نشر سموم التشاؤم والارتياب في أوساط الشباب، وإحباطهم وثنيهم عن المشاركة في الحركة الثورية.

هؤلاء الناس الذين وصفهم تروتسكي بشكل صحيح بالمشككين المتعفنين، يزعمون أن الطبقة العاملة ليست مستعدة للاشتراكية، وأن الظروف ليست ناضجة، الخ. ومن نافلة القول إنه بالنسبة لهؤلاء الناس لن تكون الظروف أبدا ناضجة من أجل الاشتراكية. وبعد أن أنشؤوا في عقولهم بعض المعايير المستحيل تحققها لـ “نضج” الثورة، صار في إمكانهم بعد ذلك الجلوس بشكل مريح على كراسيهم وعدم فعل أي شيء.

من الضروري أن نؤكد على الفكرة الأساسية بأن السمة الرئيسية للثورة هي دخول الجماهير إلى مسرح التاريخ. في عام 1938، كتب تروتسكي قائلا:

«إن شتى أنواع الثرثرة حول عدم “نضج” الشروط الموضوعية للاشتراكية ليست إلا حصيلة الجهل أو ضرب من الخداع الواعي. فالمقدمات الموضوعية للثورة البروليتارية ليست ناضجة وحسب، بل أخذت تتعفن إلى حد ما. بدون الثورة الاشتراكية في الفترة التاريخية القادمة، ستتعرض الحضارة الإنسانية بكاملها لخطر الكارثة. كل شيء مرهون بالبروليتاريا، أي في المقام الأول بطليعتها الثورية. إن الأزمة التاريخية التي تعاني منها الإنسانية تتلخص في أزمة القيادة الثورية». (تروتسكي: البرنامج الانتقالي، ماي – يونيو1938)

تعبر هذه الأسطر بشكل باهر عن الوضع الراهن على الصعيد العالمي. إنها تبدو في الواقع كما لو كانت قد كتبت بالأمس فقط!

وضد المتشائمين والمشككين الذين ينكرون الدور الثوري للبروليتاريا، سوف نبرز دائما الإمكانيات الثورية للعمال والشباب، والتي أكدتها الأحداث باستمرار. إن الحركات الثورية الرائعة في تركيا والبرازيل ومصر، والإضرابات العامة في اليونان وإسبانيا، والحركة الجماهيرية في البرتغال التي كادت تسقط الحكومة، والإضرابات العامة في الهند وإندونيسيا، كلها مؤشرات واضحة على أن الثورة الاشتراكية العالمية قد بدأت.

لكن حقيقة أن الثورة قد بدأت لا تعني أنها ستكون ناجحة على الفور. إن نجاحها رهين بالعديد من العوامل، وأهمها نوعية القيادة. قال هيغل:

«عندما نريد أن نرى شجرة بلوط في قوة جذعها وامتداد أغصانها، وكثافة أوراقها، لن نرضى بأن تقدم لنا، عوض ذلك، ثمرة بلوط». (هيغل: فينومينولوجيا العقل، المقدمة).

إن ما نراه أمامنا هي فقط التباشير الأولى للثورة الاشتراكية. إنها بداية استيقاظ الجماهير بعد فترة طويلة من خمود الصراع الطبقي في العديد من البلدان. يحتاج الرياضي، بعد فترة طويلة من الخمول، إلى بعض الوقت لتمديد عضلاته والقيام بحركات “الاحماء” لاكتساب القدرة اللازمة لمزاولة أنشطة أهم. وبالمثل تحتاج الطبقة العاملة إلى بعض الوقت لاكتساب الخبرة اللازمة لرفع نفسها إلى المستوى الذي يطلبه التاريخ.

كقاعدة عامة إن الجماهير تتعلم من التجربة. إن هذا مؤلم في بعض الأحيان وبطيء دائما. ستصبح عملية التعلم هذه أسرع وأقل إيلاما إذا كان هناك حزب ماركسي قوي مع قيادة متبصرة مثل تلك التي وفرها لينين وتروتسكي. لو كان هناك ما يشبه الحزب البلشفي في مصر في يونيو الماضي، من كان ليشك في قدرة العمال والشباب الثوريين على حسم السلطة بسهولة.

يتحدث بعض الدبلوماسيين الأوروبيين بحزن عن “أزمة محتملة للديمقراطية”، والأكيد هو أن مؤسسات الديمقراطية البرجوازية تتعرض لضغوط تدفعها إلى نقطة الانهيار. في حكومات أوروبا، وقبل كل شيء في برلين، هناك قلق مستمر من أن فرض سياسة التقشف سوف يتسبب في اندلاع الصراع الطبقي على نطاق يجعله يمثل تهديدا للنظام الاجتماعي القائم.

السبب الحقيقي للرعب الذي أصيبت به البرجوازية [الأوربية] إثر الإطاحة بمرسي في مصر، عندما خرج 17 مليون متظاهر إلى الشوارع، هو أنها تخشى من أن تحدث مثل هذه الأمور في أوروبا أيضا. لقد أجرت الفايننشل تايمز بقلق مقارنة بين ما يحدث الآن وبين سنة 1848 الثورية: «هذا […] يذكرني بسنة 1848. مترنيخ يطل من النافذة بإحتقار على كتلة تافهة من الغوغاء، قبل ساعات قليلة من الاطاحة به بشكل مذل، وغيزو العاجز عن التنفس بسبب الصدمة وهو يقدم استقالة حكومته، وتيير رئيس الوزراء ليوم واحد، الذي عانى من نوبة متلازمة توريت[10] وهو في عربته المطاردة من طرف الجماهير…». يعترف الاقتصاديون البرجوازيون أن منظور الرأسمالية هو عشرون عاما من التقشف. وهذا يعني عقدان من الصراع الطبقي المتزايد، مع حتمية المد والجزر. ستعقب لحظات من النهوض الكبير فترات من الإرهاق والإحباط والارتباك والهزائم، بل وحتى الردة الرجعية. لكن في ظل المناخ الحالي، كل فترة هدوء لن تكون سوى مقدمة لاندلاع صراعات جديدة وأكثر حدة. وعاجلا أو آجلا، في هذا البلد أو ذاك، سوف تطرح مسألة السلطة على جدول الأعمال. والسؤال هو ما إذا كان العامل الذاتي في اللحظة الحاسمة قويا بما فيه الكفاية لتوفير القيادة اللازمة.

يتراكم توتر هائل لا يطاق على جميع المستويات. لا يعود السخط العام الموجود في المجتمع إلى العوامل الاقتصادية فقط: البطالة وانخفاض مستويات المعيشة. إنه يعكس خيبة الأمل في كل المؤسسات القائمة في المجتمع الرأسمالي: السياسيين والكنيسة ووسائل الإعلام والمصرفيين، والشرطة، والنظام القضائي، الخ. كما أنه يتأثر أيضا بالأحداث التي تجري على الصعيد العالمي (العراق، أفغانستان، سوريا، الخ).

ليست الظروف هي نفسها في كل مكان. فعلى سبيل المثال، يعتبر الوضع في اليونان أكثر تقدما مما هو عليه في ألمانيا. لكن في كل مكان، وليس بعيدا تحت السطح، هناك سخط عارم، وشعور بأن المجتمع يسير بشكل خاطئ جدا، وأن هذا أمر لا يطاق وأن الأحزاب والقيادات الحالية لا تمثلنا. إن الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية هي إما ناضجة أو أنها تنضج بسرعة. لكن العامل الذاتي مفقود. وكما قال تروتسكي منذ فترة طويلة، الأزمة هي أزمة قيادة.

بفعل سلسلة كاملة من الأسباب التاريخية الموضوعية تعرضت الحركة للتراجع؛ وتحولت القوى الماركسية الحقيقية إلى أقلية صغيرة، معزولة عن الجماهير. هذه هي المشكلة المركزية والتناقض الرئيسي الذي لابد من حله. من الضروري كسب الكوادر اللازمة وتدريبها ودمجها في المنظمة، وتوجيهها نحوالمنظمات العمالية الجماهيرية.

إن هذا يستغرق وقتا. وسيكون لدينا بعض الوقت بسبب بطء السيرورة. لكن ليس لدينا كل الوقت. من الضروري أن نتعامل مع مهمة بناء القوى الماركسية بشعور من الاستعجال، وأن نفهم أن الطريق إلى تحقيق انتصارات كبيرة في المستقبل يتم إعداده بسلسلة من النجاحات الصغيرة في الوقت الحاضر. لدينا الأفكار اللازمة. وقد أكدت الأحداث منظوراتنا بشكل باهر. يجب علينا الآن أن نحمل هذه الأفكار إلى الطبقة العاملة والشباب. إن الطريق نحوالعمال والشباب مفتوحة على مصراعيها. فلنتقدم إلى الأمام بثقة.

إلى الأمام لبناء التيار الماركسي الأممي!

عاشت الثورة الاشتراكية العالمية !

التيار الماركسي الأممي
لندن 11 دجنبر 2013

هوامش

[1] سوق المشتقات هي سوق المشتقات المالية مثل العقود المؤجلة والتي هي مشتقة من أشكال أخرى من الأصول. وهي عبارة عن عقود فرعية تبنى أو تشتق من عقود أساسية لأدوات استثمارية (أوراق مالية، عملات أجنبية، سلع…الخ) لينشأ عن تلك العقـود الفرعية أدوات استثمارية مشتقة.

[2] هو سياسة نقدية تلجأ إليها البنوك المركزية لتنشيط الاقتصاد القومي، عبر قيامها بشراء الأصول المالية من أجل زيادة كمية الأموال المحددة مقدما في الاقتصاد. [المترجم]

[3] برنانكي، بن شالوم، اقتصادي أمريكي في معهد بروكينغ، تولى مرتين رئاسة الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، ما بين 2006 و2014. [المترجم]

[4] منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) منظمة تأسست سنة 1948، تضم الآن ثلاثين من الدول المصنعة (الولايات المتحدة، كندا، فرنسا ألمانيا، الخ) [المترجم]

[5] الخطة الجديدة: (the New Deal) سياسة طبقها الرئيس الأمريكي روزفلت للخروج من أزمة 1929. [المترجم]

[6] إنجيل متى 7/ 27 [المترجم]

[7] كلمة مكونة من الأحرف اللاتينية الأولى لأسماء البلدان صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم (BRICS): البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. – المترجم –

[8] جيلي Geely أكبر شركة صينية لصناعة السيارات

[9] طوابع أو كوبونات معونة تقدمها السلطات للأشخاص الفقراء يمكن استبدالها بسلع غذائية في المتاجر – المترجم –

[10] متلازمة توريت خلل عصبي وراثي يظهر منذ الطفولة، أعراضه حركات عصبية لا إرادية متلازمة قد يصحبها ترديد المصاب بشكل لا إرادي لألفاظ بذيئة -المترجم-.

عنوان النص بالإنجليزية:

Perspectives for World Revolution 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *