يخوض الأساتذة المتدربون منذ نهاية أكتوبر الماضي معركة طويلة النفس، بأشكال نضالية متعددة، ضد المخططات الحكومية التي تضرب في الصميم الحق في التعليم العمومي والحق في الشغل، من بينها المرسومين 2.15.588 و2.15.589 القاضيين على التوالي بفصل التكوين عن التوظيف وتحويل الراتب الأساسي 2450 لمنحة مقزمة تساوي 1200 درهم.
تنوعت الأشكال النضالية بين معارك وطنية (إنزالات وطنية للرباط) وأخرى محلية متفرقة في المكان وموحدة في الزمان (مسيرات – وقفات – اعتصامات..الخ) كان آخرها تنفيذ التنسيقيات المحلية، على المستوى الوطني، لخلاصات البرنامج النضالي الوطني التي تنص على القيام بمسيرات محلية إلى الساحات العمومية يوم 30/12/2015 .
بمجرد انطلاق الأساتذة لتنفيذ هذه الخطوة تحركت آلة القمع الجهنمية لتضرب وترفس وتعتقل. ففي مركز أسفي تعرض الأساتذة المتدربون لتدخل همجي أسفر عن إصابات متفاوتة الخطورة. وتعرض مناضلو/ات مركز قلعة السراغنة لتدخل مماثل أسفر عن العديد من الإصابات ومحاولة اعتقال المنسق المحلي للفرع .
نفس الشيء عرفته مجموعة من المدن الأخرى حيث تم بعد الزوال محاصرة مركز تطوان بترسانة قمعية كبيرة ومنع الأساتذة المتدربين من الخروج بمسيرة نحو “ساحة مولاي المهدي” وإتلاف لافتاتهم وملصقاتهم ومصادرة مكبرات الصوت. لكن هذا لم ينل من إصرار الأساتذة الذين أصروا على تجسيد احتجاجهم وتمكنوا من الخروج بشكل فردي والالتحاق بالساحة العمومية تحت حصار رهيب من طرف قوى القمع السري والعلني.
مركز طنجة هو الأخر لم يسلم من العنف والإنزال القمعي الكبير ومنع الأساتذة المتدربين من الخروج بمسيرة نحو “ساحة الأمم” وبعد التحاق الأساتذة بالساحة العمومية فرادى تم التدخل بقوة في حقهم تحت مرأى ومسمع أبناء الشعب. أسفر التدخل عن سقوط 15 جريح تم نقلهم إلى قسم المستعجلات واعتقال 8 أساتذة متدربين وتفريق الوقفة بالقوة ومطاردة آخرين بالأزقة والشوارع. رد الأساتذة على هذا القمع بالمزيد من الصمود حيث حولوا وقفتهم إلى اعتصام “بسور المعجازين” حيث نددوا بالقمع وطالبوا بإطلاق المعتقلين تحت حصار قمعي رهيب
بمدينة تازة كذلك تدخلت قوى القمع باستعمال القوة لتفريق المسيرة التي نظمها الأساتذة المتدربون من مقر نيابة التعليم بالمدينة في اتجاه “ساحة الاستقلال” التي احتضنت مهرجانا خطابيا بعد التحاقهم بشكل فردي.
وفي مدينة أكادير كذلك استعملت قوى القمع القوة المفرطة من أجل تفريق مسيرة احتجاجية كان يقوم بها الأساتذة المتدربين في اتجاه إحدى الساحات مما خلف إصابات متفاوتة الخطورة ومطاردات متفرقة . نفس الممارسات سجلت بمدينة مراكش بعد محاصرة مسيرة الأساتذة المتدربين لساعات “بباب دكالة” ومنعها من التحرك وإيقاف أحد الأساتذة قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقا.
حتى بالعاصمة الاقتصادية نال الأساتذة المتدربون نصيبهم من القمع والحصار والمنع من تجسيد المسيرة نحو إحدى الساحات واعتقال أستاذين وصحافي. فرد الأساتذة بالاعتصام حتى إطلاق سراح الأستاذين.
تكوين من نوع خاص
قد يبدو للوهلة الأولى أن الأساتذة المتدربين لم يحصلوا على أي تكوين قد يفيدهم في ممارسة مهنتهم، وأن امتناعهم عن العودة إلى صفوف الدراسة قد فوت عليهم تعلم طرق تدريس مفيدة ونظريات ضرورية لمزاولة المهنة، الخ. لكن الواقع شيء آخر مختلف تماما. لقد تلقوا خلال هذه الأشهر الأخيرة أفضل تكوين في حياتهم، تكوين سيساعدهم ليس فقط على مزاولة مهنة التدريس بشكل جيد بل سيفيدهم في حياتهم كلها.
ماذا كانوا سيستفيدون لولا انخراطهم في هذه المعركة؟ كانوا فقط سيحضرون جلسات لغسل الأدمغة حول أن الفكر السائد، أي الفكر البورجوازي، فكر جيد يتوافق مع العقل والتاريخ والعلم وأن كل ما نحتاجه هو إتقان طرق إيصاله إلى المتعلمين، وطرق “التعامل” (قمع) مع كل امتناع أو عجز عن فهمه واستبطانه من طرفهم.
وفي المقابل قدمت لنا المعركة فرصة جيدة لفهم طبيعة النظام الدكتاتوري القائم، الذي يواجه كل احتجاج بالقمع الهمجي. لقد تعلمنا دروسا قيمة في طبيعة الدولة، باعتبارها مجرد أداة قمعية في يد الطبقة السائدة لخدمة مصالح كبار البورجوازيين المحليين والدوليين.
كما أنها قدمت لنا درسا قيما في أن ما تخشاه الطبقة السائدة هو وحدتنا وصمودنا، وأن أسوء كوابيسها هي اتحادنا بالجماهير الكادحة المفقرة المستغلة الغاضبة في الشوارع والأسواق والأحياء العمالية. لقد سلطت كل هذا القمع لإيقاف هذه الدينامية التي يحاول الأساتذة المتدربون من خلالها مخاطبة أبناء الشعب والتواصل مع الفئات المقهورة لشرح طبيعة المعركة لهم.
إن ما يعطي النظام قدرته على قمع الحركات الاحتجاجية هو نجاحه في عزلها عن بعضها البعض، لهذا نجده يحاول ما أمكن قمع مثل هذه الخطوات وعزل أي فعل نضالي عن الحاضن الشعبي خصوصا في بؤر عمالية مثل طنجة – البيضاء – اكادير ومدن حساسة مثل مراكش ورزازات..الخ.
أليست هذه دروس قيمة أفضل ألف مرة من كل تلك النظريات التافهة والكلام الفارغ الذي كان الأساتذة المتدربون سيسمعونه في مراكز التكوين حول مختلف بيداغوجيات تمرير نفس الايدولوجيا ونفس الفكر بطرق مختلفة، لتصنع منهم وسائل للقمع الإيديولوجي ولإعادة إنتاج نفس العلاقات التي تضطهدهم وتسحقهم، وتجعل منهم مجرد قناة “قادوس” لتمرير فضلات مؤخرات البورجوازيين من القصور إلى البحر؟
هل هناك من درس أكثر قيمة من الدروس التي تعلمناها في المسيرات العمالية وملاحم التضامن الشعبي، حول أن العمال والشباب العاطل والفلاحين والفقراء، أي كل هؤلاء الذين تحاول الطبقة السائدة فصلنا عنهم واحتقارهم والتعالي عليهم، هم الحليف الوحيد لنا في ساحة النضال؟
هل كانت مراكز التكوين تلك ستعلمنا كيف نناضل وكيف ندافع عن حقوقنا وأن وحدتنا هي الضمانة الوحيدة لانتصارنا؟
لقد تعلم الأساتذة المتدربون في أشهر النضال هذه أن الطبقة السائدة تحتقرهم ولا تقيم وزنا لمصيرهم ولا مستقبلهم ولا طموحاتهم، فهي مستعدة للتضحية بهم من أجل الربح. بل لا تعطي قيمة حتى لأجسادهم ودمائهم وكرامتهم، إذ أنها مستعدة لسفكها في الشوارع كل مرة حاولوا أن يحتجوا أو يعبروا عن معارضتهم لسياساتها. لا حقوق لمن يقف في وجه مصلحة الربح، هذا هو الشعار الرأسمالي.
والدرس الأهم الذي يجب علينا تعلمه هو أن النظام الرأسمالي في حد ذاته هو سبب المشكل. ليس هذا المرسوم أو ذاك، وليست هذه الحكومة أو تلك سوى تعبير عن هذا الداء العميق الذي هو النظام الرأسمالي. إنه نظام مريض ومفلس بشكل كامل، ولكي يستمر في البقاء عليه أن يسحقنا ويستغلنا ويحكم علينا نحن الشباب بالبطالة أو القبول بالعمل الهش وظروف العيش البائسة. لماذا علينا أن نقبل بأن يبقى حفنة من كبار المالكين لوسائل الإنتاج، الطفيليين الذين لا يعملون ولا ينتجون شيئا، محتكرين للثروة والسلطة بينما نحن الأغلبية الساحقة نقاسي كل هذه الظروف البئيسة.
إنها حقا دروس قيمة، ما كانت 100 سنة من التكوين في مراكز غسل الأدمغة تلك لتقدم ولو سطرا واحدا منها. وعندما ستنتصر المعركة وسيعود الأساتذة المتدربون إلى الأقسام ويصيرون أساتذة وأستاذات، سيعودون وهم قد تعلموا الكثير. عندها سيكون عليهم أن ينقلوا هذه الدروس إلى الجيل الجديد من الشباب، إلى تلاميذهم. وبهذا لن تكون دروس المعركة قد ضاعت.
رابطة العمل الشيوعي
الأربعاء: 30 دجنبر 2015