«كان المزاج حماسيا. كان الرفاق والرفيقات يستمعون بانتباه وكان الصمت مطبقا. لقد كانوا يستمعون ليس فقط بآذانهم، بل أيضا بقلوبهم وأرواحهم». تعبر هذه الكلمات، التي كتبها أحد المندوبين في مؤتمر الوحدة، بشكل جيد جدا عن المزاج الذي ساد هذا الاجتماع الهام، الذي يمثل بداية جديدة للقوى الماركسية الأممية في باكستان.
جاءت الدعوة لعقد مؤتمر الوحدة من طرف أولئك الرفاق في الفرع الباكستاني الذين يدعمون القرار حول الوحدة الذي صدر بالإجماع عن اجتماع اللجنة التنفيذية الأممية (IEC) شهر فبراير الماضي. كان من الضروري عقد مثل هذا الاجتماع لأن قسما من قيادة التنظيم في باكستان استمرت تقاطع بنشاط قرارات الأممية، إلى حد إلغاء المؤتمر السنوي للفرع من أجل منع النقاش.
وقد عقد المؤتمر في وقت قصير للغاية – ما يزيد قليلا على أسبوع واحد في الواقع، لكن وعلى الرغم من هذا، ورغم صعوبات أخرى، فقد حقق نجاحا ملحوظا. في اليوم الأول حضر ما مجموعه 129 من الرفاق. وقد تخلف وفد من بلوشستان بسبب الظروف الجوية السيئة، إلا أنهم سيصلون هذه الليلة، ويتوقع أن يصل يوم غد عدد أكبر من المندوبين.
لقد أتى الرفاق عمليا من كل مناطق وجهات البلاد: من كراتشي، من دادو (السند الداخلية)؛ ومن مركز شوقي (بلوشستان)؛ ومولتان وبهاوالبور ولودهران ولياه وباكار (جنوب البنجاب)؛ ومن فيصل آباد وسرغودا ومياني (وسط البنجاب)؛ ومن لاهور؛ ومن روالبندي وإسلام آباد وواه (شمال البنجاب)؛ ومن روالاكوت وبلاندري (كشمير). ومن المقرر أن يصل غدا رفاقنا من مالاكاند (باختونخوا) وبيشاور (باختونخوا) وأبوت أباد (باختونخوا) وكويتا (بلوشستان) وجوجرانوالا، كاموكي (وسط البنجاب) وشيخ بورا قرب لاهور.
الشيء الأكثر لفتا للانتباه في هذا الحضور هو غلبة فئة الشباب. معظم الحاضرين من الرفاق الشباب النشيطين المتقدين حماسا، وإن كان هناك أيضا عدد لا بأس به من المناضلين كبار السن المخضرمين الذين كانوا متحمسين أيضا. ترأست الجلسة الأولى الرفيقة أنام بيتافي، التي هي منظمة العمل بين النساء في الفرع الباكستاني. وقد أدلى بالملاحظات الافتتاحية الرفيق افتاب أشرف، من جهة لاهور، والذي شرح السبب وراء الدعوة إلى عقد المؤتمر. كما قرأ لائحة طويلة من رسائل التضامن من العديد من فروع التيار الماركسي الأممي، بما في ذلك بريطانيا وإيطاليا والدنمارك السويد والنمسا وكندا والمغرب والمكسيك وجنوب أفريقيا، وغيرها.
قدم الدورة الأولى عن المنظورات العالمية الرفيق آلان وودز، من السكرتارية الأممية للتيار الماركسي الأممي. وكان ملخصا مذهلا عن الوضع العالمي، بما في ذلك أسباب الأزمة الاقتصادية للرأسمالية وأزمة الشرق الأوسط وتطور التيارات اليسارية الجماهيرية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وقال آلان «الاشتراكية إما أن تكون أممية أو لا شيء». «إن القومية والأممية نزعتان متناقضتان، كما هو موضح في الوثيقة التأسيسية لحركتنا، أي البيان الشيوعي». وأوضح آلان أن الرأسمالية تمر بأعمق أزمة لها منذ 200 سنة. افتتح عام 2016 بانخفاض حاد في أسواق الأسهم، مما يدل على العصبية الشديدة للطبقة الرأسمالية. الرأسماليون يخشون من الأزمة الجديدة، التي قد تندلع قبل نهاية العام، لأنه لم يتبق لهم أية أسلحة لمواجهتها.
ووصل آلان إلى إدانة جرائم الإمبريالية في الشرق الأوسط والمعاملة غير الإنسانية للاجئين من قبل ما يسمى بالبرجوازية الأوروبية الإنسانية. واستشهد بكلمات لينين حول أن: “الرأسمالية هي الرعب بلا نهاية”.
في ملاحظاته النهائية أعاد آلان التأكيد على قول كارل ماركس بأن الخيار أمام الإنسانية هو إما الاشتراكية أو الهمجية. تلقى جميع الحاضرون هذا الخطاب بقدر هائل من الحماس والتصفيق مع صيحات: انقلاب! انقلاب! سوشلسٹ انقلاب! (الثورة! الثورة! الثورة الاشتراكية!).
بعد الغداء، بدأت الدورة الثانية وألقى آدم بال خطابا حول التكتيكات ومهام الفرع الباكستاني. وفي خطاب مؤثر جدا أكد على أهمية الشباب والعمل النقابي والعمل بين النساء. كما انتقد بشدة الانحراف الانتهازي الذي ساد في الماضي فيما يتعلق بالموقف تجاه حزب الشعب الباكستاني (PPP) والذي تسبب في صعوبات خطيرة للفرع الباكستاني. وبعد خطابه، الذي استقبل بشكل جيد للغاية، كانت هناك سلسلة من المداخلات الممتازة من طرف الرفاق ماهبلوس (ملتان) وخالد جمالي (دادو) وعمر (اسلام اباد) وياسر (كشمير) وأختار منير (فيصل آباد) وشاهجاهان (واه) وروب سويل (السكرتارية الأممية) وباراس جان (كراتشي).
كان لهذا النقاش طابع مختلف تماما عن تلك النقاشات اعتدنا عليها في المؤتمرات السابقة للفرع الباكستاني، فللمرة الأولى صار بالإمكان سماع الأصوات الحقيقية للمناضلين القاعديين. في حين أن النقاشات السابقة كانت متحكما فيها وذات طابع اصطناعي للغاية، أما الآن فقد أعرب الرفاق عن آرائهم بحرية وبقوة. وقد ترك هذا انطباعا قويا على جميع الحاضرين.
وخلاصة القول هي أن اليوم الأول من هذا المؤتمر التاريخي يظهر الآفاق الرحبة لمستقبل التيار الماركسي الأممي في باكستان.
واستمرت أشغال اليوم باجتماعات لجان العمل النقابي والعمل الشبابي والعمل بين النساء.
وسيستأنف المؤتمر مداولاته غدا.
اليوم الثاني:
في هذا اليوم وصلت مجموعات أخرى من الرفاق الجدد من بلوشستان ومناطق أخرى. وحضر أيضا عمال من مصنع المنظفات (United Detergent factory) على طريق شيخ بورا، والمرتبط بشركة يونيليفر العملاقة، التي خاض عمالها مؤخرا إضرابا عن العمل.
تحقق كل هذا بالرغم من الكثير من الصعوبات الجمة والتخريب. شهدث الأسابيع الأخيرة حملة من الطرد ضد رفاق قياديين داخل الفرع، شملت الرفاق التالية أسماؤهم:
- الرفيق باراس جان (عضو اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية للفرع الباكستاني وعضو اللجنة التنفيذية الأممية والسكرتير الإقليمي لكراتشي – تعرض للطرد-)
- الرفيق تصور قيصراني (عضو اللجنة المركزية وعضو اللجنة الإقليمية لكراتشي- تعرض للطرد-)
- الرفيق ياسر إرشاد (عضو اللجنة المركزية والسكرتير الجهوي لكشمير وعضو مؤسس للمنظمة في كشمير- تعرض للطرد-)
- الرفيق افتاب أشرف (عضو اللجنة المركزية والسكرتير الجهوي للاهور، – جمدت عضويته ثم تعرض للطرد-)
- الرفيق راشد خالد (عضو اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية وقيادي نقابي وطني – تعرض للطرد-)
- آدم بال (عضو اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية للفرع الباكستاني وعضو اللجنة التنفيذية الأممية والمنظم النقابي السابق في جنوب آسيا – تعرض للطرد-)
- الرفيق غولباز (عضو اللجنة المركزية وعضو لجنة كشمير الجهوية – تعرض للطرد-)
- خالد جمالي (سكرتير منطقة دابو، السند، – تعرض للطرد-)
لقد وضعت قيادة الفرع القديم كل العقبات الممكنة في طريق المشاركين في المؤتمر باستعمال البلطجة والترهيب والتهديد بالطرد ضد أي شخص يحضر هذا الحدث. لكن كل هذه الضغوط فشلت في ردع الرفاق الذين كانوا مصممين على الحضور والتعبير عن آرائهم.
كانت الدورة الأولى حول قرار اللجنة التنفيذية الأممية والأزمة في باكستان، من تقديم الرفيق روب سويل. أوضح الرفيق أنه كانت هناك حملة مقصودة من طرف قادة الفرع القديم من أجل زرع البلبلة ومنع الديمقراطية الداخلية والاستمرار في عمليات الطرد.
تسبب هذا في أزمة داخل المنظمة، ووجدت اللجنة التنفيذية الأممية نفسها مضطرة للتدخل لحل الأزمة. طالبت بأن تتوقف عمليات الطرد وفتح الطريق أمام النقاش الديمقراطي. ليس من الممكن حل الخلافات السياسية بالوسائل التنظيمية. لكن لسوء الحظ، تصدت القيادة القديمة لكل محاولة لإيجاد الحل.
قال الرفيق سويل: «حاولت القيادة القديمة عمدا ذر الرماد في عيون الأعضاء. ولذا فمن المهم جدا توضيح الأمور بأسرع وقت ممكن».
ناقشت اللجنة التنفيذية الأممية مسألة باكستان وأصدرت قرارا بالإجماع لوقف عمليات الايقاف والطرد. كما دعت إلى تنظيم مؤتمر ناجح وإطلاق نقاش لمدة ستة أشهر حول المسائل المتنازع عليها.
لكن للأسف واصلت القيادة القديمة التصدي لهذه المقترحات. ألغت القيادة القديمة المؤتمر من أجل قمع النقاش واتخذت تدابير جديدة لطرد المعارضة. وبمجرد وصول ممثلي اللجنة التنفيذية الأممية إلى لاهور، بلغ إلى علمهم إصدار المزيد من عمليات الطرد.
وخلال الأسبوع، وبعد أن رفضت القيادة القديمة لقاء ممثلي اللجنة التنفيذية الأممية، أصدرت بيان القطيعة مع التيار الماركسي الأممي. لقد رفضت مؤتمر الوحدة وهددت جميع الذين يحضرونه بالطرد.
قال روب سويل: «ليست للأساليب غير الديمقراطية التي تستخدمها القيادة القديمة أي شيء مشترك مع تقاليد تيارنا أو مع أساليب البلشفية».
علينا إعادة تأسيس الفرع على أساس ديمقراطي سليم. كل أولئك الذين يقبلون بقرار اللجنة التنفيذية الأممية سيكون مرحبا بهم للانضمام إلى المنظمة الجديدة والدفاع عن أفكارهم.
وبعد مناقشة مستفيضة، كان هناك اتفاق كامل على الموقف. تم وضع قرار اللجنة التنفيذية الأممية للتصويت، وصودق عليه بالإجماع.
جلسة بعد الظهر حول التنظيم قدمها الرفيق باراس جان. وبدأ بالقول: «إن الطريقة التي تم بها هذا المؤتمر، والمناقشات التي أجريت والآراء التي طرحت، تظهر بوضوح أن هذا ليس مؤتمرا عاديا».
المسألة الرئيسية هي إعادة بناء المنظمة.
إن المنظمة الجديدة ستكون مختلفة عن القديمة، ستقوم على أساس الثقة المطلقة في الأعضاء والديمقراطية الداخلية المطلقة والنظرية الماركسية.
وقال باراس: «كل مناطق باكستان ممثلة هنا. سوف نعمل بسرعة على إصلاح الفروع في جميع المناطق والأقاليم. سوف نعيد مكانة المؤتمر باعتباره أعلى هيئة في الفرع الباكستاني، كما يليق بالتقاليد البلشفية».
وأضاف: «سوف نصدر جريدة جديدة على وجه السرعة، إلى جانب مجلة نظرية. علينا زيادة التمويل اللازم لتغطية هذه المنشورات ودفع أجور المتفرغين عندنا».
في أعقاب تقارير اللجان، نظمنا المزيد من المناقشات حول العمل الشبابي، بما في ذلك تحالف الشباب التقدمي، والعمل بين النساء والنقابات.
أنهى الرفيق باراس مداخلته بنداء للقيام بعملنا بطاقة متجددة وحماس ثوري.
ثم شرع مؤتمر الوحدة في انتخاب لجنة التنسيق الوطنية.
في ملاحظاته الختامية قدم الرفيق آلان وودز خطابا ملهما قال فيه إن هذا الاجتماع كان أفضل اجتماع حضره على الاطلاق في باكستان طيلة 25 عاما. لقد تحدث الرفاق بحرية وصراحة حول جميع المسائل، وهو الشيء الذي لم يكن عليه الحال دائما في السابق. وحذر من أنه بقطعهم مع الأممية دخل القادة القدماء في مسار خطير من شأنه أن يؤدي بهم حتما إلى الانحطاط القومي. كان من الضروري الحفاظ على مبادئ الأممية البروليتارية مهما كان الثمن. وقد مثل هذا المؤتمر بداية جديدة:
«إن النظام الرأسمالي يتعفن وهو واقف على قدميه، لكن الوحش يرفض أن يموت. والمجتمع الجديد يكافح من أجل أن يولد. مهمتنا هي مساعدته على أن يولد بأسرع وقت وبأقل ألم ممكن».
«إن عملكم يبدأ صباح غد لإعادة بناء الفرع الباكستاني. ولدينا كل الثقة في أنكم سوف تنجحون».
انتهى المؤتمر بتحايا حماسية للأممية وهتافات: «يحيا الفرع الباكستاني للتيار الماركسي الأممي»!
فاليد أ. خان
السبت: 19 مارس 2016
عنوان النص بالإنجليزية: