الرئيسية / قضايا نظرية / الأصولية الإسلامية / حزب الله: هل هو تنظيم إرهابي؟

حزب الله: هل هو تنظيم إرهابي؟

يوم الأربعاء، 02/03/2016، أعلن مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي انعقد في العاصمة التونسية، في دورته الثالثة والثلاثين، إدانته وشجبه لما أسماه: «الممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها حزب الله الإرهابي لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية». وذلك نزولا عند رغبة وكر الإرهاب العالمي ومعقل الرجعية في المنطقة والعالم، أي: المملكة العربية السعودية.

وبمجرد صدور البيان سارعت مختلف الأحزاب اليسارية بالإجماع إلى التعبير عن موقف التنديد بهذا التصنيف الذي اعتبرته خاطئا ولا مسؤولا وما إلى ذلك من تعابير الشجب والإدانة الشديدتين.

وفي هذا الصدد أدلى الناطق باسم المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، يوم الخميس 03/03/2016، بتصريح قال فيه إن الحزب “يدين بشدة هذا القرار”.

كما عبر الحزب الشيوعي الفلسطيني فيبيان له، صدر يوم الخميس 03/03/2016، عن إدانته للقرار «الصادر عن اجتماع وزراء الداخلية العرب، ومجلس التعاون الخليجي، القاضي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية».

وبدوره أدان الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي المغربي، في شريط فيديو منشور على قناة اليوتوب، قرار إدراج حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية.

وفي بلاغ للجبهة الشعبية التونسية، يوم 03 مارس 2016، عبرت عن استنكارها «لاصطفاف الحكومة التونسية، من خلال وزير داخليتها، وراء الموقف السّعودي الخليجي الوارد في البيان الختامي لمجلس وزراء الداخلية العرب والذي يصنّف حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا، ويساند التدخل العسكري السعودي الخليجي في اليمن».

نفس الموقف تبنته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي رفضت بدورها اعتبار حزب الله حزبا إرهابيا. وهكذا يكون الموقف من حزب الله قد وحد اليسار في كل منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما لم تستطع أية قضية أخرى أن تحققه منذ وقت بعيد. هكذا يسخر التاريخ من هؤلاء الستالينيين المثيرين للشفقة.

في شرعية القرار

في البداية، وقبل أي نقاش آخر، يجب أن نوضح أن كل تلك الأنظمة التي التقت في الاجتماع المذكور وخرجت بقرارها ذاك، هي أنظمة إرهابية رجعية بكل المقاييس. جميع تلك الأنظمة، وعلى رأسها السعودية وبقية دول الخليج والمغرب، تقمع شعوبها ولا تتورع عن إطلاق النار على المتظاهرين العزل في شوارعها، عندما يخرجون للمطالبة بحقوقهم. تاريخ النظام المغربي معروف في هذا الصــــدد، مثلما هو معروف تاريخ المملكة السعودية والبحرين، الخ.

وجميع تلك الأنظمة بدون استثناء دعمت ومولت أو ما زالت تدعم وتمول التنظيمات الإسلامية كلما احتاجت إليها للصراع ضد اليسار والاشتراكية، ووفرت لهم المساجد وسهلت لهم مهامهم في تجنيد الشباب. قامت بذلك لمحاربة اليسار في الستينات والسبعينات، وقامت بذلك في الثمانينات خلال حرب الإرهابيين في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي، وتقوم بذلك مع مختلف التيارات الدينية المتطرفة في سوريا وليبيا وغيرهما.

وبالتالي فليست لدى هذه الأنظمة جميعها أية شرعية لإدانة الإرهاب، لأنها هي بالذات راعية الإرهاب وهي الإرهاب نفسه.

لكن بعد التأكيد على هذه الحقيقة، يجب علينا أن نناقش الآن طبيعة حزب الله وهل هو، من وجهة نظرنا، نحن الماركسيين، ومن وجهة نظر الطبقة العاملة والنضال من أجل الاشتراكية، بالفعل منظمة إرهابية أم لا؟

المقاومة؟

الجواب، بالنسبة لأصدقائنا في التيارات اليسارية المشار إليها أعلاه، واضح ولا يحتاج إلى نقاش. إنهم فاقدون كليا للبوصلة، والتحليل العلمي التاريخي بالنسبة لهم طلاسم لا يفهمون كنهها مطلقا. هذه هي مأساتهم، وهذا هو السبب الجوهري في كل تلك الأخطاء التي يرتكبونها في كل موقف يتخذونه.

لقد بنوا موقفهم الرافض لاعتبار حزب الله منظمة إرهابية على أساس أنه منظمة للمقاومة والنضال اللبناني الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي. لسان حالهم يقول: «حزب الله ليس إرهابيا ويجب دعمه، والسبب هو أنه يصارع ضد إسرائيل، لذا يجب على الجميع أن يصمت ويتركه يشتغل».

الحزب الشيوعي الفلسطيني مثلا يقول (في بيانه المشار إليه أعلاه) إن: «الحزب [حزب الله] قدم التضحيات والشهداء في سبيل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، ولعب وما زال يلعب دورا مهما وريادياً في مقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية ودعمه اللامحدود للقضية الفلسطينية» وأكد أن «هذا القرار لن يؤثر على صورة حزب الله في العالم العربي والإسلامي».

وقال الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي إن: «حزب الله كان ولازال أهم حركة مقاومة في لبنان وداعم للمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني […]». وقالت الجبهة الشعبية إن القرار: «يجرّم ضمنيا المقاومة، يخدم مصالح الكيان الصهيوني الذي يسعى بكل الوسائل إلى تصفية كل نفسٍ مقاوم في المنطقة والقضاء على كل قوة تحدّ من توسّعـه واغتصابه للأراضي الفلسطينية واللبنانية والعربية عامة، ممّا يفتح الباب واسعا أمام التطبيع معه».

وهكذا يتضح أن حزب الله ليس في حاجة ليصنع لنفسه بنفسه أسطورة يتعيش منها، فله بين صفوف اليسار في المنطقة الكثير من الأبواق القادرين على القيام بذلك بشكل أفضل، وأكثر مصداقية.

إلى هذه الدرجة انحط هؤلاء اليساريون، حتى صاروا يحرفون التاريخ بخسة لصالح ذلك الحزب الطائفي اليميني الرجعي، ويساعدونه على مسح كل آثار جريمته أمام الجيل الجديد من الشباب الثوري.

في الواقع لم يكن حزب الله في أي فترة من تاريخه حركة للمقاومة الوطنية ضد الاستعمار ولم يتشكل في البداية من أجل النضال ضد إسرائيل.

لم يظهر حزب الله إلى الوجود باسمه هذا إلا عام 1985. وهذا كاف لكي نطرح على أصدقائنا اليساريين السؤال عن متى بدأت “مقاومة” الحزب. وقبل الإعلان الرسمي عن وجوده وقبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، كان مجرد تنظيم يقوم بعملياته العسكرية لصالح إيران، فقد شارك في الحرب الأولى ضد العراق سنة 1980، ثم عمل على تفجير السفارة العراقية في بيروت، تحت اسم حزب “الدعوة” سنة 1981. وبعد ذلك قام بتفجير السفارة الأميركية ومركزين للجنود الأميركيين والفرنسيين في لبنان، بتوجيه دائما من مصالح إيران.

وبعد أن اقتضت مصالح إيران، بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، تجميع مختلف التنظيمات الإسلامية الشيعية المؤمنة بنظرية “ولاية الفقيه”، أي ولاية الخميني، صدر الأمر إلى حزب الدعوة الإسلامية واتحاد الطلبة المسلمين واللجان الإسلامية ولجان العمل الإسلامي وعلماء وإسلاميون مستقلون، بأن يوحدوا صفوفهم في التنظيم الذي سمي “مجلس الشورى”، الذي صار لاحقا “حزب الله”.

ولم يعلن رسميا عن تأسيس “حزب الله” إلا في فبراير 1985 في وثيقة “الرسالة المفتوحة للمستضعفين“، التي شكّلت ما يشبه ميثاق الحزب، والتي نوصي مناضلي تلك الأحزاب اليسارية التي يتعاطف قادتها اليوم مع الحزب أن يقرأوها، لكي يكونوا لأنفسهم صورة واضحة عن طبيعة هذا الحزب الذي صار قادتهم يركعون في وجوده. حيث يعرف بنفسه قائلا: «إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثل بالولي الفقيه»، أي بالخميني قاتل الشيوعيين وآلاف العمال والفقراء في إيران.

وحتى بعد الإعلان عن وجوده رسمياً باسم حزب الله، سنة 1985، اقتصر دوره في البدايـــة على خطف الرهائن الأجانب في بيروت، ليقوم الحرس الثوري الإيراني بالتوسط لإطلاق سراحهم مقابل المال والأسلحة لصالح الحزب ولإيران. أي أنه كان أقرب إلى تنظيم المافيا لا أكثر.

وبعد سنة 1986 تخصص الحزب في قتل مناضلي المقاومة في الأحزاب الأخرى وعلى رأسها الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي وحزب البعث وحركة القوميين العرب والحزب السوري القومي الاجتماعي، الخ. في حين كان يعمل على تصفية حركة أمل الشيعية التي كان يتصارع معها على تمثيل الشيعة في لبنان، إضافة إلى رفضه لمواقفها اللبرالية ومعارضتها للخرافات التي يتبناها هو وعلى رأسها اعتقاده في ولاية الفقيه وولاؤه التام للخميني. وهي الحرب التي تمكن بواسطتها من تصفية وجودها تقريبا من الضاحية والجنوب والبقاع.

أما علاقته بإسرائيل فقد استمرت بين الشد والجذب، إلا أن الموجه فيها لم يكن موقف المقاومة أو تحرير فلسطين، وغير ذلك من الأكاذيب التي يريد القادة الستالينيون إقناعنا بها اليوم، بل كان الموجه فيها فقط هو مصلحة إيران والمصالح الطائفية للحزب فقط.

وهذا ما يظهر جليا في الاتفاقيتين اللتين وقعهما الحزب مع إسرائيل، في يوليوز 1993 وأبريل 1996، حيث التزم الحزب بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، معتبراً أن إطلاق صواريخ “الكاتيوشا” على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل الفلسطيني المحتل ليس سوى رد فعل على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في جنوب لبنان.

ظلامية الحزب وذيليته لإيران تظهر جليا من خلال موقفه من المشاركة في الحياة السياسية حيث كان يرفضها جملة وتفصيلا، حتى عام 1992، عندما غير موقفه انصياعا لضغوط النظام السوري وفتوى من الخميني تحلل له المشاركة !! هنيئا لأصدقائنا الستالينيين برفقتهم.

طبعا لعب الحزب دورا رياديا في الحرب ضد الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان، وفي انسحاب إسرائيل سنة 2000 منها، لكن هذا يعود إلى الأموال والأسلحة الإيرانية والدعم السوري من جهة، ومن جهة أخرى إلى صمود وكفاحية الشعب اللبناني والعديد من قوى المقاومة الأخرى التي طمس الإعلام العالمي، والإسرائيلي كذلك، اسمها، لأهداف كثيرة على رأسها إعطاء الصراع صبغة دينية، بين مسلمين ويهود، لما فيه مصلحة الدولة الصهيونية نفسها.

أما العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006، والذي يحاول الحزب تسميته نصرا وتصويره وكأنه حرب شنها من أجل تحرير لبنان وفلسطين وربما العالم كله من إسرائيل، فلم تكن سوى مناورة قام بها الحزب من أجل تحرير أسراه المعتقلين في السجون الإسرائيلية، على رأسهم سمير القنطار، وذلك بعد فشل المفاوضات غير المباشرة، بين الحزب وإسرائيل لإطلاق سراحه.

يوم 12 يوليوز 2006، شن الحزب ما أسماها بعملية “الوعد الصادق” والتي أدت إلى أسر بعض الجنود الإسرائيليين، فطالب بمبادلتهم بالأسرى المعتقلين عندها. وهو ما ردت عليه القوات الإسرائيلية باقتحام الجدار الحدودي إلى الأراضي اللبنانية، فتمكن الحزب من نصب كمين لها فدمر دبابتين وقتل 8 جنود إسرائيليين. فقامت إسرائيل بشن عدوان شامل على لبنان قتلت فيه الكثير من المواطنين اللبنانيين الأبرياء وشردت حوالي نصف مليون مدني من جنوب لبنان. بينما اكتفى الحزب ببعض العمليات المعزولة والضربات التافهة والكثير من الخطابات العنترية لحسن نصر الله.

كانت نتيجة هذه العملية هي سقوط 1200 شهيد لبناني و4400 جريح، وتدمير 78 جسرا و28000 منزل وتدمير 65 % من البنية التحتية اللبنانية، وكلفة إعادة إعمار تقدر بملايين الدولارات، بينما لم يتجاوز عدد القتلى الإسرائيليين 104 من الجنود و40 مدنيا وجرح 360 شخصا.

كان من الضروري أن نعيد سرد تلك الأحداث المعروفة، لكي نضع النقاط على الحروف ونمنع أصدقاءنا من تشويه التاريخ، بحيث تصير تلك الأحداث وكأنها ملحمة بطولية خاضها الحزب لتحرير فلسطين أو لبنان أو هما معا. لقد كانت العملية الفاشلة مغامرة غير محسوبة من طرف قيادة الحزب وسادته في إيران، وهو ما اعترف به حسن نصر الله نفسه عندما قال في مقابلة له مع التلفزيون اللبناني وصحيفة “الحياة” اللندنية، في شتنبر 2006: «قيادة الحزب لم نتوقع ولو واحداً في المائة أن تؤدي العملية إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل. لو علمنا إن عملية الأسر ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعاً.»

لكن هذه الحرب التي دمرت لبنان لم تكن سيئة بالنسبة للحزب ولا بالنسبة لإيران ولا لبقية دول الخليج وعلى رأسها السعودية. فقد دخلت “الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان”، إلى جانب قطر والسعودية والكويت والإمارات، واستفادوا جميعا من صفقات مربحة في كعكة “إعادة الإعمار”، التي بالإضافة إلى الأرباح التي حققتها لهم من أموال الشعب اللبناني المفقر، مكنتهم كذلك من إحكام قبضتهم القذرة على اقتصاده الهش وإغراقه في الديون.

وفي هذا السياق فازت إيران بصفقات عديدة لتأهيل الطرق والجسور في المناطق المستهدفة والكثير من المشاريع الأخرى. ففي الضاحية الجنوبية لبيروت أنجزت الهيئة 6 جسور للمشاة فوق طريق المطار، إضافة إلى إنشاء وإعادة تأهيل بعض الحدائق العامة في برج البراجنة وحارة حريك والغبيري. كما أنجزت، خلال الخمسمائة يوم الأولى التالية للعدوان، 580 طريقا رئيسية وفرعية، من أصل 822 طريقاً رئيسية وفرعية في لبنان، وبمساحة إجمالية تعادل 365 كلم، ورممت حوالي 70 مسجداً و7 كنائس في حارة حريك والحدث وزحلة ودورس… الخ. وفازت بصفقات إعادة بناء عــدد من المستشفيات والمراكز الطبية، والمدارس، وغير ذلك. كل هذا إضافة إلى خلق نوع من “توازن الرعب” في المنطقة بين إيران وإسرائيل. أما الشهداء والجرحى فلا عزاء لهم.

حزب الله حزب طائفي ويستمد وجوده من تكريس الطائفية في لبنان وإعادة إنتاجها على كافة الأصعدة. وهو ما يتضح في خطابات وأدبيات وممارسات الحزب. لم يعارض حزب الله، نهائيا وأبدا، النظام الطائفي والبرجوازية اللبنانية. وقد اعتمد على خطاب طائفي شيعي مقيت لتبرير تدخله العسكري في سوريا، فحسن نصر الله، على سبيل المثال، قال إن حزب الله يحتاج إلى التدخل في سوريا ليس فقط لحماية المقاومة، إنما أيضاً للدفاع عن القرى الشيعية، عن طريق إرسال مقاتليه إلى الحدود. وشدد على دور حزب الله في حماية الرموز الدينية، مثل ضريح السيدة زينب في دمشق، “الذي تم استهدافه عدة مرات من قبل الجماعات الإرهابية”.

إن حزب الله حزب بورجوازي جزء من النظام القائم، يدافع عن الخصخصة ويمارسها ويستفيد منها، حيث يستثمر أموال طائلة في قطاع العقارات والأراضي ومختلف المشاريع بما فيها التعليم والصحة وغيرها. مدارس حزب الله كمدرسة البتول للبنات، التي تشكل جزءاً من شبكة مدارس المصطفى، والتي تبلغ قيمة الأقساط المدرسية للشخص الواحد حوالي 1600 دولار أميركي عدا ونقدا، ومدرسة المهدي وغيرهما.

ثم المستشفيات الخاصة مثل مستشفى الرسول الأعظم، الذي يوفر خدمة للشخصيات “المهمة”، وغرفاً متميزة للمرضى. ويذكر موقع المستشفى الالكتروني: «صحيح أن الرعاية الطبية هي خدمة أساسية، ولكن لا ننسَ أن الإدارة تقدم أفضل الخدمات الفندقية لمرضاها، من خلال وجود جناحين لكبار الشخصيات، و”سوبر” جناحين آخرين».

إنه حزب لا يشكل أي خطر للأنظمة القائمة في المنطقة وهذا ما يفضحه خطاب نصر الله الذي ألقاه بعد بضعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نهاية عام 2008 وبداية العام 2009، حين قال: «لسنا في نزاع أو مشكلة مع أحد، ولا مع نظام سياسي عربي في هذا البلد أو ذاك، سواء كان ديمقراطياً، أو ديكتاتورياً، أو ملكياً، أو دينياً أو علمانياً، شرعياً أو غير شرعي…. بغض النظر عن التوصيف، نحن لا نتدخل في مثل هذه الأمور»، وأضاف أن حزب الله: «لا يريد الدخول في نزاع مع أي نظام… نحن لا نريد أي خصومة مع أي نظام عربي، ومن الواضح أننا لا نريد الدخول بصراع مع أي نظام عربي، سواء كان سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً، وحتى عبر وسائل الإعلام»

كما أنه عدو للثورات الشعبية التي اندلعت في المنطقة، وحتى عندما دعمها بالأقوال، لأسباب طائفية دائما حيث لم يدعم سوى الحراك البحريني والحوثي، سرعان ما تراجع عن ذلك وساوم بها لمصالحه الضيقة ومصالح سادته في طهران. وهكذا أصدر تلفزيون المنار، سنة 2013، اعتذاراً رسمياً من النظام البحريني عن تغطية القناة للانتفاضة البحرينية، حدث كل هذا في نفس الفترة التي شهدت تقارباً بين قطر وحزب الله، وهو ما أكده حسن نصر الله في خطاب متلفز له، على قناة المنار، في دجنبر عام 2013، أعلن فيه أنه اجتمع مع وفد قطري، وأكد الطرفان في بيان مشترك على أن الحلول السياسية في المنطقة كانت أساساً لحل بنّاء للقضايا، لصالح الشعب، كما أكدا على أن «تعاون الطرفين في لبنان هو العلاج الذي يخدم هذا البلد وجميع مواطنيه».

وهو حزب عدو للعمال يتضح ذلك من خلال وقوفه ضد المطالب العمالية لهيئة التنسيق والاتفاق الذي أبرمه مع التيار الوطني الحر وحركة أمل القاضي بكسر مطالب عمال شركة الكهرباء وغير ذلك. وبالتالي فإنه حتى ولو حمل البندقية ضد العدو الصهيوني فإن تلك البندقية لا يمكن أن تكون لمصحة الطبقة العاملة أو التقدم أو التحرير، فبالأحرى الاشتراكية.

علاقة الحزب باليسار

تعترف ماري ناصيف – دبس، عضو بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، أي نفس الحزب الذي يندد اليوم بإدراج حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية، أن حزب الله «قبل عشرين عاما، شن حربا بلا هوادة ضد الشيوعيين». وأنه «كان يرى في الحزب الشيوعي نقيضه في كل شيء. كان يسعى لإلغاء كل فكرة عن العلمانية والانفتاح وفلسفة مغايرة الخ. بدأت العلاقات متوترة للغاية ووصل حزب الله حد اغتيال العديد من رفاقنا، وبوجه خاص مثقفين وأطر جامعية. قتلوا على سبيل المثال مهدي عامل الذي كان اشتغل على مسائل الاستعمار والدين، وهو مثقف بارز وفيلسوف مرموق. واغتالوا أيضا حسين مروة، فيلسوف كبير ألف كتابا في غاية الأهمية بعنوان “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” […]».

وتضيف: «نشبت معارك صغيرة سواء في بيروت أو في البقاع الغربي، في مناطق عديدة، حيث كان ميزان قوى يتيح قضاء طرف على آخر. ساعد ذلك أيضا ميل سوريا إلى استئصال شيوعيي المقاومة الوطنية. كان ثمة تفاهم ما بين القوى السورية وحزب الله وقوى أخرى أيضا. كنا ملاحقين، وكان ثمة رفاق ذهبوا للقيام بعمليات مقاومة واغتيلوا – أطلق عليهم النار من خلف».

اقرؤوا يا حماة حزب الله، الحزب “المقاوم”، “الممانع”، “رمز النضال” ضد إسرائيل: “رفاق ذهبوا للقيام بعمليات مقاومة واغتيلوا – أطلق عليهم النار من خلف”. أو من الأحسن ألا تقرؤوا، فلا حاجة لكم بدروس التاريخ، لكن رجاء اختفوا واتركوا للجيل الجديد من الشباب الشيوعي أن يبني تجربته بعيدا عنكم.

لكن حتى ماري ناصيف – دبس نفسها، وبعد أن تفضح كل هذا، تتحدث عن تغير موقف حزب الله وتؤكد بدورها أنها تعتبره “حزب مقاومـــة”، “منتم إلى حركة التحرر الوطني على المستوى الوطني والعربي”، وما إلى ذلك. أي أنه علينا أن ننسى التاريخ فنحن أبناء اليوم، وكأن تلك الممارسات كانت نزق الشباب أو أخطاء غير مقصودة، رغم أن الحزب لم يقدم ولو نقدا شكليا لها ولن يقدم لهم أية تعزية، بل وسوف يعود إلى ارتكابها مجددا بمجرد ما سوف يبدأ اليسار في التطور ويحتد الصراع الطبقي.

فلنسجل للتاريخ: إن حزب الله قتل المناضلين الشيوعيين مهدي عامل و حسين مروه وخليل نعوس وسهيل طويله وميشال واكد ونور طوقان، وغيرهم، بل هناك شكوك قوية في كونه هو بالذات من قتل الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي.

والآن فليتفضل أصدقاؤنا بأن يشرحوا لنا ماذا يعني قتل المفكرين العزل، وتصفية المعارضين فقط لأنهم يفكرون بشكل مختلف؟ أليس إرهابيا ذلك التنظيم الذي يخرس صوت خصومه من مناضلين يساريين وشيعيين ووطنيين بكاتم الصوت والقنبلة؟

أسباب أخطاء اليسار

لا يمكن للمتتبع لمختلف المواقف التي ينتجها اليسار في منطقتنا إلا أن يستغرب من قدرة قادة هذا اليسار على ارتكاب هذا القدر الهائل من الأخطاء التي يرتكبونها، حتى أنهم يرتكبون الأخطاء مع كل كلمة يقولونها أو حركة يقومون بها. آخر أخطائهم كان موقفهم من الحراك الثوري الذي شهدته المنطقة، حيث قاموا جميعا بتبني سياسة التعاون الطبقي والتقارب مع مختلف مكونات البرجوازية “المعارضة” خاصة في تونس، لكن كذلك في المغرب (مع العدل والإحسان)، ولبنان وفلسطين، الخ. وطبيعة الشعارات التي رفعوها لتأطير الحراك والتي ابتعدت ما أمكن عن شعار إسقاط الرأسمالية وحسم السلطة من طرف الطبقة العاملة، بحجة عدم نضج الشروط لذلك، ومكنوا البرجوازية بذلك من استعادة سيطرتها على الأوضاع مجددا، ثم عادوا إلى مكانهم الهامشي.

إن السبب الجوهري وراء كل هذه الأخطاء التي ارتكبوها ويرتكبونها وسيرتكبونها بالتأكيد، هو احتقارهم للنظرية وتبنيهم لفكرة الثورة عبر مراحل. وكلما أكدنا نحن الماركسيين على ضرورة التكوين النظري الصلب للمناضلين، على أساس الماركسية الثورية، كلما ابتسم أصدقاؤنا هؤلاء باحتقار من هذه النزعة “الثقافاتية” و”الدغمائية” و”عبادة النصوص”، الخ. لكن الضريبة التي يقدمونها دائما لاحتقارهم للنظرية هي فقدان البوصلة وارتكاب أفظع الأخطاء عند إنتاج أي موقف مهما كان.

كما أن فكرة الثورة عبر مراحل: مرحلة الثورة البرجوازية (الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية)، بكونها مرحلة منفصلة قائمة بذاتها، قبل مرحلة الثورة الاشتراكية، وهي الفكرة الستالينية ذات الأصول المنشفية، والتي أودت بالكثير من الثورات طيلة القرن العشرين وأودت بالحراك الثوري الأخير في منطقتنا.

كلما اندلعت ثورة ونهضت الطبقة العاملة لحسم السلطة كلما صاح أصدقاؤنا الظروف الموضوعية للاشتراكية وحسم الطبقة العاملة للسلطة غير متوفرة بعد، والظروف الذاتية والوعي غير متوفران بعد، والظروف الدولية غير متوفرة بعد، وإلى أن تتوفر تلك الشروط على الطبقة العاملة واليساريين أن يكتفوا بثورة توصل “البرجوازية الوطنية” إلى السلطة. وفي سبيل ذلك عليهم أن يتحالفوا مع “الجناح التقدمي” “الوطني” “الديمقراطي” من البرجوازية ضد الجناح الرجعي وضد “بقايا الإقطاع” والإمبريالية، الخ. وبدل تقسيم الأحزاب والأنظمة على أساس طبقي واضح إلى بورجوازية أو عمالية، يقسمونها إلى رجعية وأخرى “ديمقراطية”، “مقاومة” و”ممانعة” وأخرى خائنة ومتخاذلة، أي يستعيضون عن التحديد العلمي بالمفاهيم الأخلاقية والمجردة، وهو ما يجعلهم يتحالفون مع العدل والإحسان في المغرب، ومع النهضة سابقا ومع اللبراليين حاليا في تونس ومع حزب الله وبشار الأسد الخ، الخ.

خاتمة

في هذه الخاتمة الموجزة نقول لأصدقائنا إنه ليس عليهم أن يحزنوا كثيرا لموقف وزراء الداخلية العرب، فالولايات المتحدة الأمريكية متفقة معهم وتتعاطف مع موقفهم النبيل المقاوم الممانع، فقد استبعد تقرير التقييم الأمني السنوي الأميركي، الذي صدر في 26 فبراير 2016، والذي قدمه مدير جهاز الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر إلى مجلس الشيوخ الأميركي، حزب الله وكذلك راعيته إيران من قائمة التهديدات الإرهابية لمصالح الولايات المتحدة. الله لا يغلق بابا حتى يفتح أخرى سبحانه.

لكننا في نفس الوقت نود أن نطرح بعض الأسئلة على أصدقائنا في تلك التيارات اليسارية، التي تتسابق اليوم نحو إبداء تعاطفها مع حزب الله “المقاوم” “الممانع”: كيف سوف ستشرحون، يا أصدقاءنا الأعزاء، للشعب السوري اليوم ضرورة تقبل رصاص ميليشيات الحزب؟ كيف ستقنعونهم أن الموت بالرصاص الممانع أفضل من الموت برصاص داعش والنصرة؟

وماذا ستقولون غدا للعمال والشباب الإيرانيين الذين سيتدخل ضدهم حزب الله بالتأكيد، إلى جانب الحرس الثوري الفاشي، عندما سيثورون لإسقاط نظام الملالي الرجعي القائم في بلادهم؟ خاصة وأن ذلك الغد ليس ببعيد جدا.

وماذا ستقولون للعمال والشباب اللبنانيين الذين سيتدخل ضدهم حزب الله عندما سيثورون لإسقاط النظام القائم الرأسمالي الطائفي المتعفن، والذي يعتبر حزب الله جزءا لا يتجزأ منه؟

لا بد أن كل ذلك لا يدخل في أولويات أصدقائنا، لأن أغلبهم لا يؤمن بحتمية اندلاع الثورات الاشتراكية في المدى المنظور، والآخرون يراهنون على النسيان، مثلما يعتقدون أن الشعوب قد نست كل الأخطاء الفادحة الكثيرة التي ارتكبوها في الماضي.

جريدة الثورة – المغرب
العدد الثاني: مارس 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *