لقد انتهت الزيارة التي قام بها جورج والكر بوش، رفقة زوجته وأكثر من 500 رجل أمن، إلى فيينا للمشاركة في قمة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. منحت هذه الزيارة لقوات البوليس النمساوي فرصة عظيمة لاختبار “إجراءات الطوارئ”، تحت قيادة وكالة المخابرات الأمريكية، عندما تظاهر آلاف الناس ضد بوش وضد السياسات الإمبريالية التي يدافع عنها.
سيناريو الحرب الأهلية
اتخذت إجراءات أمنية هائلة قبل ساعات من وصول بوش، رئيس أقوى دولة في العالم، إلى مطار Schwechat بفيينا. مركز المدينة كان مغلقا. والناس الذين يقطنون أو يشتغلون في “المنطقة الحمراء”، لم يكن بإمكانهم الدخول إليها إلا بعد الإدلاء بوثائق الهوية ورخصة خاصة.
وضعت اللافتات الصارمة المكتوب عليها “ممنوع ركن السيارات”، على طول الطريق الذي كان من المنتظر أن يمر منه بوش وموكبه وكذا جميع الأماكن التي كان سيتوقف بها الرئيس الأمريكي. قُطِرت عشرات السيارات. وفرض على أصحابها دفع غرامات هائلة. في “المنطقة الحمراء” حتى الدراجات الهوائية منعت. وعندما وصل بوش يوم الثلاثاء مساء، كانت كل حركة السيارات قد حول اتجاهها. وتم إغلاق كل الطريق الرابط بين المطار والمدينة لأجل السيد بوش. في كل زاوية كان يقف هناك شرطيان أو ثلاثة يمنعون الناس من استعمال الشوارع التي كان بوش سيمر منها. حتى الأرصفة صارت مناطق ممنوعة. قوارب البوليس كانت تتفقد نهر الدانوب. المروحيات تحلق فوق مركز المدينة. وتموقع القناصة في أماكن حساسة. تم استقدام 3000 رجل شرطة من جميع أنحاء البلاد لإنجاح هذه الخطة الأمنية السخيفة، إضافة إلى مابين 500 و800 رجل أمن أمريكي لدعمهم وتوجيههم. هذا هو ما يعنيه مفهوم “السيادة الوطنية” في عصر الإمبريالية. لقد تعاونت وحدة مكافحة الإرهاب النمساوية، COBRA، بشكل وثيق مع الوحدات الأمريكية. وتقدر تكلفة إجراءات الأمن هذه بمليون أورو على الأقل. إن هذه الإجراءات التي استعملت لضمان أمن رئيس الولايات المتحدة، كانت في الواقع تدريبا على الحرب الأهلية.
لم تكن سلامة الرئيس هي الوحيدة على رأس جدول الأولويات. إذ أن كل أحياء المدينة القديمة أغلقت لخمسة ساعات بسبب أن زوجة الرئيس، لورا بوش، أرادت زيارة كاتدرائية سان ستيفان وبعض المتاحف. إن ما يوضحه هذا هو إلى أي درجة رفعت الطبقة السائدة وممثلوها السياسيون أنفسهم فوق بقية المجتمع. وكما قال أحد العمال في تصريح لأحد القنوات التلفزية: « إن هؤلاء المسؤولين عن مثل هذه السياسات ضد الشعب، هم في حاجة بالتأكيد إلى مثل هذه الإجراءات الأمنية».
الحكومة النمساوية ورئيس الدولة هينز فيشر (الحزب الاشتراكي)، تلقوا هذا الضيف الهام وأعطوه مثالا عن حسن الضيافة النمساوية. حيث لم يتم التطرق، إلا بشكل محتشم، إلى القضايا الأكثر إحراجا من قبيل معتقل غوانتنامو ونزول طائرات وكالة المخابرات الأمريكية في أوروبا (والتي نزلت بعضها في النمسا، كما أكدت ذلك تقارير جديدة). وقد رفضت الحكومة النمساوية الخنوعة توجيه احتجاج حقيقي ضد دور الإمبريالية الأمريكية. وكما قال بوش أثناء مؤتمره الصحفي الختامي، حول علاقته بالمستشار النمساوي المحافظ شوسل (Schüssel)، « أنا أناديه وولفغانغ (Wolfgang)، وهو يناديني جورج والكر.»
مشاعر الاحتجاج
خلال الزيارة كان بإمكان المرء أن يرى الناس يحتجون ضد بوش في كل المدينة. كان الاحتجاج مكتوبا على الأقمصة والملصقات، بل إن كاتبا يساريا شهيرا كتب على سطح بيته، بأحرف كبيرة، “بوش عد أدراجك”. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الأغلبية الساحقة من المواطنين يعارضون زيارة بوش. يعتبر بوش في نظر 80% من المواطنين رمزا للحرب والاستغلال. وقد كانت هذه الإجراءات الأمنية السخيفة، التي تشبه تلك التي تحدث في ظل الأنظمة الدكتاتورية، والتي أرعبت العديد من الناس العاديين (العمال، الطلاب، الخ.)، القطرة التي أفاضت كأس صبر الجماهير وساعدت على تعبئة الرأي العام ضد الرئيس الأمريكي، وفي الواقع، ضد النظام الذي يمثله. ولقد تعلم العديد من الناس “الغير مسيّسين” بدورهم بعض الدروس خلال هذه الزيارة.
حاول السياسيون اليمينيون المتطرفون من أمثال جورغ هايدر(Jörg Haider) وهـ، س، ستراش (H.C. Strache) ربح بعض النقاط بإطلاقهم لبعض التصريحات المعادية للأمريكان. إلا أنه كان من الواضح، منذ البداية، أن الاحتجاجات ضد زيارة بوش كانت يسارية بالأساس وتقدمية. كانت وسائل الإعلام جد انتقادية اتجاه الزيارة وكذا اتجاه دور بوش والولايات المتحدة في العالم. إن هذا يعكس طبعا شعورا عاما في أوروبا ضد “أمريكا”، إلا أنه كانت هناك أيضا تغطية واسعة لزيارة كيندي شيهان، أم أحد الجنود الأمريكيين الذين سقطوا في العراق. لقد أصبحت رمزا للحركة المعادية للحرب في أمريكا. تكلمت في اجتماعين جماهيريين نظمهما الحزب الاشتراكي والنقابات وأجرت حوارا مع القناة التلفزية الوطنية وجرائد شهيرة. لقد كان لهذا طبعا تأثير إيجابي جدا على التعبئة من أجل المظاهرات ضد بوش والحرب.
المظاهرات ضد بوش وضد الحرب
بدأت المظاهرات بمظاهرة طلابية، يوم الأربعاء صباحا، في فيينا. خرج فيها حوالي 1200 طالب. رفضت الشرطة أن تسمح للمتظاهرين بأن يستعملوا الشوارع الكبرى في المدينة القديمة ووجهوهم نحو المناطق السكنية. كان المتظاهرون يصيرون أكثر فأكثر كفاحية مع كل دقيقة تمر. لقد تلقى المتظاهرون التأييد من طرف الجماهير التي تقطن وتعمل في الطريق الذي مرت منه المظاهرة، مما زاد من حماس الطلاب. توقف أحد سائقي الشاحنات وترجل وطلب إعطائه منشورا، كما توقف أحد سائقي التاكسي ولوح بقبضته.
بعد بضعة ساعات، خرجت مظاهرة طلابية أخرى، بعد نهاية اليوم الدراسي، في غرب النمسا بالمنطقة المحافظة فورارلبيرغ، للاحتجاج ضد الحرب والرأسمالية. التحق حوالي 200 طالب بالمظاهرة التي نظمتها منظمة الشبيبة الاشتراكية التي يقودها الماركسيون. لقد كانت هذه خطوة هامة أخرى في طريق بناء حركة شبيبية اشتراكية قوية في هذه المنطقة على أساس الأفكار الماركسية.
أهم محطة خلال هذا اليوم النضالي كانت هي المظاهرة الجماهيرية التي نظمت في المساء بفيينا. تقديرات البوليس تتحدث عن حوالي 15000 متظاهر. ربما يمكن للمرء لأن يضيف حوالي 5000 إلى هذا العدد. لم تكن هذه المظاهرة أقل بكثير من تلك المظاهرة الكبرى ضد الحرب التي نظمت في بداية الحرب على العراق سنة 2003. لقد كانت منظمة الشبيبة الاشتراكية هي القوة المحركة لهذه المظاهرة.
كان هناك تحالفان يساريان دعيا إلى هذه المظاهرة. الأولى أطلقت على نفسها اسم: “بوش عد أدراجك” وكانت مكونة من عدة مجموعات “معادية للإمبريالية”. ولقد كانت هناك انتقادات (صحيحة جزئيا) من أن بعض هذه المجموعات تتبنى موقفا جد معاد للأمريكان. والمجموعة الثانية، “أوقفوا بوش”، كانت مقادة من طرف الشبيبة الاشتراكية ومنظمات يسارية إصلاحية أخرى. لقد كان لهذه المجموعة موقف جد مسالم وإصلاحي. وكانت شعاراتهم هي: “من أجل السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية”. وقد عبئ التيار الماركسي Der Funke لهذه المظاهرة بشعاراته الخاصة وبنداء سياسي كما حاول طرح بديل سياسي لهذين التحالفين الاثنين. لقد كان شعارنا مقتطفا من جورج بوخنر (Georg Büchner)، “السلام للأكواخ! الحرب على القصور!” وقد عملنا بهذا على طرح موقف طبقي وعبرنا على أنه لا يمكن لهذه المظاهرة أن تكون مجرد احتجاج على شخص واحد، أو فقط على ظاهرة الحرب، بل أنه يجب طرح بديل عن الرأسمالية والنظام السائد. إضافة إلى ذلك، رفعنا فكرة الحاجة إلى بناء حركة تضامن مع الحركات الثورية في أمريكا اللاتينية، لأنه في بلدان من قبيل فنزويلا تطورت المقاومة ضد الإمبريالية الأمريكية، مما يشكل حقيقة بديلا ثوريا عن نظام الاستغلال والقمع الرأسمالي. وقد كانت حملة “ارفعوا أيديكم عن فنزويلا” حاضرة بدورها في المظاهرة بمجموعة جد مكافحة ورايات مثيرة للإعجاب.
بعد المسيرة الجماهيرية التي نظمت تضامنا مع هوغو تشافيز والثورة الفنزويلية وكوبا، قبل شهر، تعتبر هذه المظاهرة ثاني أهم حدث جماهيري ينظم من طرف الحركة المعادية للإمبريالية والمعادية للحرب في النمسا. إذ خلال اليومين الأخيرين تعلم آلاف من المواطنين العاديين، دروسا هامة حول طبيعة هذا النظام وجهاز الدولة. لقد أدى هذا إلى تجذر العديد من الناس وأعطاهم وعيا سياسيا.
كل هذا عبد الطريق من أجل المزيد من العمل للتيار الماركسي النمساوي في بناء قوة صلبة داخل الحركة العمالية والشباب.
Der Funke – www.derfunke.at
عنوان النص بالإنجليزية :
Bush visit to Vienna provokes mass protest against imperialism and war