بن كوري
07 غشت 2018
خلال الفترة ما بين 24 و29 يوليوز، اجتمع 370 من الماركسيين من أكثر من 25 بلدا، في بلدة بجبال الألب الإيطالية، للمشاركة في المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي. نعتقد أن هذا المؤتمر سيتم تذكره في السنوات القادمة باعتباره نقطة تحول في الجهود الرامية إلى بناء منظمة عالمية قادرة على قيادة الطبقة العاملة في كفاحها من أجل إسقاط الرأسمالية.
لقد كان هذا أكبر مؤتمر عالمي للتيار الماركسي الأممي على الإطلاق. وعلى الرغم من الصعوبات الهائلة لتنظيم مثل هذا الحدث، فقد حقق نجاحا هائلا. ناقش المؤتمر، طيلة ستة أيام، الوضع العالمي المضطرب، والنهج الماركسي في النضال ضد الاضطهاد، كما كانت هناك جلسات خاصة حول الأحداث في إيطاليا وباكستان، إضافة إلى تقرير تنظيمي أممي شامل. وقد أبانت النقاشات السياسية عن مستوى سياسي عال عند جميع فروع التيار الماركسي الأممي كما أبانت عن وحدة الإرادة.
يعود الفضل في النمو الرائع الذي حققه التيار الماركسي الأممي خلال السنوات القليلة الماضية إلى البناء على الأساس الصلب للنظرية الماركسية، إضافة إلى الاحترافية في العمل.
لقد تمكنت العديد من فروع التيار الماركسي الأممي من تحقيق نمو سريع منذ المؤتمر العالمي الأخير، قبل سنتين. وينبغي الإشارة بشكل خاص إلى الفرع الكندي والفرع السويدي والفرع الفرنسي والفرع الباكستاني، وهي الفروع التي تضاعف حجمها؛ والفرع الأمريكي الذي نما بنسبة 50%، وتمكن من تأسيس العديد من الفروع المحلية الجديدة في مختلف أنحاء البلد. لقد عززت جميع الفروع هياكلها ومنشوراتها وقدرتها على التدخل بفعالية في الحركة.
وأوضح الرفيق ماركو لا غروتا، من منظمة Fightback، الفرع الكندي للتيار الماركسي الأممي، أنه: «لا توجد “صيغة سحرية” لتحقيق النمو، الوسيلة الوحيدة هي التكوين والتدريب الدؤوبين لفئة من الثوريين المحترفين الذين سيصبحون بدورهم بناة التيار الماركسي الأممي».
يتواجد التيار الماركسي الأممي اليوم في 41 بلدا حول العالم. لكن وعلى الرغم من كل النمو الذي شهدته الأممية خلال السنوات الماضية، فإنها ما تزال منظمة صغيرة للغاية وتفتقر إلى الموارد مما يعيقها عن الاستفادة من جميع الفرص المذهلة التي تنفتح أمامها.
لكن عوض الحسرة أمام هذا الواقع أظهر المؤتمر التصميم الموجود عند مناضلي/ ات التيار الماركسي الأممي للتغلب على كل العقبات والاستعداد للمهام التي تفرضها أعمق أزمة تواجهها الرأسمالية منذ ثلاثينيات القرن العشرين. وقد تم التعبير عن هذا التصميم بشكل بليغ في حجم المساهمات المالية التي تم جمعها خلال المؤتمر. خلال الجامعة الصيفية الأممية، العام الماضي، كان قد تم جمع مبلغ 70.000 يورو، في ما كان حملة مساهمات رائعة بالفعل، لكن هذه السنة تمكن المؤتمر من جمع مبلغ يتجاوز 100 ألف يورو!
المنظورات العالمية
افتتح المؤتمر أشغاله بتحليل الوضع العالمي. لسنوات قادمة سوف يعتبر عام 2008 نقطة تحول في تاريخ العالم. فمنذ اندلاع تلك الأزمة لم يبق أي شيء مثلما كان عليه في السابق. لقد أدت كل محاولات الرأسماليين استعادة التوازن الاقتصادي لنظامهم، من خلال التقشف والهجمات على مستويات معيشة الطبقة العاملة، إلى تقويض الاستقرار الاجتماعي والسياسي للنظام. وبعد مرور عشر سنوات على بداية الأزمة، ما زال الرأسماليون لم يجدوا أي وسيلة يمكنهم من خلالها تثبيت الوضع. أما بالنسبة للطبقة العاملة فإنها لم تشهد أي تحسن في مستويات معيشتها.
وبينما يمكن لقيادة النقابات العمالية وخطر البطالة أن يؤديا إلى إضعاف النضالات العمالية في معظم أنحاء العالم، فإن هناك غضبا يتراكم تحت السطح في كل مكان، يمكنه أن ينفجر في أي مكان دون سابق إنذار. لقد تغير وعي مئات الملايين من العمال بشكل كامل بفعل الأحداث التي وقعت منذ عام 2008.
إن الانتفاضة، بل وحتى التمرد الشعبي، الذي شهدته هايتي في الأسابيع القليلة التي سبقت انعقاد المؤتمر، توضح هذه المسألة بشكل تام. لقد استمرت جماهير ذلك البلد لسنوات طويلة تتعرض للنهب والاستغلال والقمع بكل الطرق على يد القوى الإمبريالية من خلال الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية وما شابه. لكن القشة التي قصمت ظهر الجمل كانت هي محاولة الحكومة خفض دعم الوقود، وهو الإجراء الذي سيغرق الملايين في البؤس التام.
الولايات المتحدة في أزمة
في الولايات المتحدة أعربت الأزمة عن نفسها في انتخاب دونالد ترامب، وقد أدى ذلك إلى حدوث تصدعات بين الرئيس وبين أقسام مهمة من الطبقة السائدة والدولة. لقد تسبب انتصار ترامب في تخريب الحزب الجمهوري. لكن الركن الرئيسي الآخر للرأسمالية الأمريكية، أي الحزب الديمقراطي، ليس في وضع أفضل.
تكشف الأزمة الحالية بوضوح حدود الإمبريالية الأمريكية. وليس هناك مكان آخر تظهر فيه الأزمة أكثر مما تظهر في التناقضات الحادة التي يعرفها الشرق الأوسط، حيث ورطت الطبقة السائدة الأمريكية نفسها. وبينما يحاول ترامب وأحد أجنحة الطبقة السائدة التقارب مع روسيا لمساعدتهم على الخروج من الفوضى التي خلقوها في سوريا، فإن جناحا آخر عازم على منع أي تقارب.
علاوة على ذلك هناك انشقاق عميق للغاية في صفوف الطبقة السائدة الأمريكية بين مؤيدي التجارة الحرة وبين جناح الحمائية. وعوض ما يقال عن دونالد ترامب بكونه “مجنونا” أو “عميلا لروسيا”، فإنه ليس سوى ممثل لاتجاه قديم في الرأسمالية الأمريكية: إنه انعزالي.
من الواضح أن هناك من بين مكونات الطبقة السائدة الأمريكية من يودون فرض التعريفات الجمركية على المنافسين، والموجهة بشكل خاص ضد السلع عالية التقنية القادمة من الصين، لكن هناك آخرون يمكنهم أن يروا بوضوح تام أنه بمجرد ما ستندلع الحرب التجارية الانتقامية، لن يكون من السهل إيقافها. يشبه هذا الوضع ذلك الاتجاه نحو الحمائية الذي ساهم بشكل كبير في إغراق الاقتصاد العالمي في كساد عميق خلال ثلاثينيات القرن العشرين. ويهدد مثل هذا السيناريو بتكرار الأمر نفسه الآن، لكن على نطاق أكثر اتساعا.
وبينما ترامب ليس هو سبب النزعات الحمائية المتنامية على نطاق عالمي، فإنه بالتأكيد يسرع وتيرتها. إن السبب الجوهري لهذه الأزمة هو اختناق القوى المنتجة بفعل القيدين الرئيسيين أمام التقدم في ظل الرأسمالية، وهما الملكية الخاصة والحدود الضيقة للدولة الوطنية.
أوربا
من الواضح أن مركز الثورة العالمية قد تحول، في الفترة الحالية، إلى أوروبا. في اليونان تسببت ثماني سنوات من الأزمة والتقشف في انكماش الاقتصاد بنسبة 25%. لكن وعلى الرغم من جميع الاقتطاعات، فقد ارتفع الدين بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليونان من 159% إلى 180%. أما في فرنسا فقد شهدنا إضرابات جماهيرية ضد سياسات ماكرون. وفي اسبانيا رأينا إسقاط حكومة راخوي، بل حتى في ألمانيا تواجه الأحزاب القديمة الأزمات.
لكن أكبر مصدر لقلق الرأسماليين في أوروبا هو الوضع في إيطاليا، الذي يهدد بانفجار واسع النطاق. فمع وجود 2,3 تريليون يورو من الديون المعلقة حول رقبة الدولة، تقف إيطاليا على حافة أزمة أكبر من نظيرتها في اليونان. وقد فتح صعود حكومة حركة الخمس نجوم والرابطة مرحلة جديدة من الاضطرابات الأكثر ضخامة في إيطاليا.
أينما ننظر حول العالم نرى نفس المشهد: سنوات من الهجمات على الطبقة العاملة لم تقدم أي حل جوهري للمشاكل الاقتصادية الأساسية، لكن العمال يصلون إلى حدود قدرتهم على الصبر. التقاطب السياسي يدمر ما يسمى بـ “الخط الوسطي”. وفي هذه الأثناء نشهد حدوث الانقسامات في صفوف الطبقة السائدة في جميع البلدان الواحد منها بعد الآخر. كل هذه الأعراض تدل على انفتاح مرحلة من النهوض النضالي والثورات.
مهمتنا هي بناء تيار ماركسي قوي، سواء من الناحية الكمية أو النوعية، يمكنه أن يمهد الطريق لحزب ثوري قادر على قيادة الطبقة العاملة إلى الاستيلاء على السلطة والتحويل الاشتراكي للمجتمع.
الماركسية ضد السياسات الهوياتية
في اليوم الثالث من المؤتمر، قدم الرفيق فريد ويستون مناقشة حول النهج الماركسي لمسألة النضال ضد الاضطهاد وتحرير الجماعات المضطهَدة.
لقد تسببت الهزائم التي تعرضت لها الطبقة العاملة من أواخر السبعينيات والثمانينيات في خلق مزاج من التشاؤم سيطر على فئة من المثقفين اليساريين، وخاصة التيارات الستالينية، الذين، ومن أجل تبرير إحباطهم، استسلموا للهجوم الأيديولوجي الرجعي الذي أعقب تلك الهزائم وانهيار الاتحاد السوفييتي.
رفض مفكرو ما بعد الحداثة، الذين قادوا الحملة ضد الماركسية، مفاهيم “التقدم” و”العلم”، وبغطرسة ساخرة رفضوا إمكانية تحقيق التحويل الثوري للمجتمع. ومن خلال المحاضرات بالجامعة سعوا، ونجحوا جزئيا، في إصابة جيل جديد من الشباب اليساري بعدوى تشاؤمهم.
أدت هذه الأفكار الرجعية إلى التعبير عن نفسها من خلال مختلف أشكال السياسات الهوياتية (Identity politics) المسببة للانقسام، بدءا من التقاطعية¹ إلى نظرية الكوير² (Queer theory)، إلى مختلف فروع الحركة النسوية.
تشترك كل أشكال السياسات الهوياتية هذه من حيث الجوهر في تبنيها لمفهوم مثالي عن الاضطهاد، فبدلا من تحليل الأساس الموضوعي المادي للاضطهاد، نجد أن نقطة البداية والنهاية بالنسبة لهم هي التجربة الذاتية. وبدلا من السعي إلى الإطاحة الثورية بالنظام الرأسمالي، يسعون إلى “تحرير” المضطهَدين من خلال التغييرات في اللغة أو “الخطاب”، إلخ. وبذلك يقدمون أعظم خدمة للطبقة الرأسمالية. وبدلا من العمل على توحيد المضطهَدين في خضم صراع طبقي واحد ضد الرأسمالية، ينتهي بهم المطاف إلى تقسيم الحركة إلى تسلسل هرمي مع عدد لا حصر له من الفئات.
تؤدي هذه الأفكار، بالرغم من “جذرية” اللغة التي تستخدمها، إلى أكثر النتائج رجعية بالنسبة للحركة الجماهيرية، عبر تأليب النساء ضد الرجال والسود ضد البيض، إلخ.
لقد شمل النقاش مجموعة من التجارب من جميع أنحاء العالم. وكانت هناك مساهمات خاصة من رفاقنا الإسبان، الذين جلبوا خبرة قيمة من “الإضراب النسوي” الذي نظم في 08 مارس من هذا العام. كما قدم الرفاق من بلجيكا وكندا وبريطانيا وأماكن أخرى تجارب مباشرة للدور الذي يلعبه دعاة السياسات الهوياتية.
وفي النهاية صوت المؤتمر بالإجماع على ضرورة الدفاع عن الماركسية ضد هذه الأفكار التقسيمية الرجعية.
الأزمة في إيطاليا ودور الماركسيين
طيلة الأسبوع تأكدت فكرة أن الماركسيين هم المتفائلون الوحيدون في العالم! فالصحافة الرأسمالية والأوساط الأكاديمية والقادة الرسميون للحركة العمالية، جميعهم غارقون في التشاؤم، بينما التيار الماركسي الأممي هي المنظمة الوحيدة التي تتميز بالتفاؤل القائم على أسس صلبة. وكانت أكثر جلسة أثبتت هذه النقطة هي الجلسة حول أزمة الرأسمالية الإيطالية.
لم تتمكن ايطاليا من الخروج من أزمة عام 2008، بل سارت الأمور فيها من سيء إلى أسوء. ما يزال الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للفرد اليوم أقل مما كان عليه في 2008، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 30%. لقد صارت الحياة لا تطاق بالنسبة لغالبية الطبقة العاملة والكادحين.
منذ عام 2008 جاءت العديد من الحكومات “التكنوقراطية” واليمينية و”اليسارية” وذهبت. كلهم نفذوا نفس السياسة: سياسة التقشف الوحشي لصالح الرأسمالية الدولية. ومع ذلك فإن هذا ما يزال غير كاف من وجهة نظر الطبقة السائدة. كانت النتيجة أن جميع الأحزاب الرئيسية، من حزب برلسكوني إلى الحزب الديمقراطي، صارت متماهية مع الدولة الرأسمالية وشهدت جميعها انهيارا في قاعدة دعمها.
لقد شهد الحزب الديمقراطي، على وجه الخصوص، تراجعا هائلا في قاعدة دعمه. إذ مثل خلال الفترة الماضية، على الرغم من مزاعمه “اليسارية”، الأداة الأكثر موثوقية لتنفيذ سياسات التقشف التي طالب بها الرأسماليون الإيطاليون والاتحاد الأوروبي.
وعندما تولى رينزي منصبه، حاول تنفيذ كميات كبيرة من الاقتطاعات والإصلاحات المضادة في فترة قصيرة جدا، بينما لم تقم النقابة الرئيسية، الكونفدرالية العامة الإيطالية للشغل (CGIL)، بأي شيء من جانبها لمقاومة هذه الهجمات.
لم تكن النتيجة مجرد انهيار في دعم رينزي وحكومته فقط، حيث تم تحطيمهما خلال الاستفتاء على الإصلاح الدستوري لعام 2016 والانتخابات العامة في 04 مارس، بل انهيار جميع الأحزاب التي تقف على يسار الحزب الديمقراطي، والتي شاركت في سياسات التعاون الطبقي أو أخفقت في تقديم بديل حقيقي لسياسة التقشف. مهد هذا الوضع الطريق لصعود حركة الخمس نجوم، كما عانت CGIL بدورها من الأزمة، وبدأت تواجه تحديا من قبل نقابات يسارية أصغر مثل Unione Sindacale di Base.
لقد دخلت إيطاليا الآن وضعا فريدا بالنسبة لجميع طبقات المجتمع. فالطبقة العاملة، التي كان لها في يوم من الأيام حزب شيوعي قوامه مليونا عضو، أصبحت الآن محرومة من أي تمثيل سياسي. كما أن الطبقة السائدة الإيطالية بدورها تدخل منطقة جديدة، حيث وجدت نفسها للمرة الأولى بدون أي حزب “موثوق به”.
في سياق بحث ملايين العمال عن البديل، وضعوا آمالهم في تشكيلات جديدة مثل حركة الخمس نجوم. لكن هذا الحزب بدوره، وعلى الرغم من كل خطاباته الصاخبة المناهضة للنظام، لن يتمكن من الوفاء بأي من الوعود التي قطعها خلال الانتخابات.
وفي حين أن الكثير من اليساريين أحبطوا بسبب انهيار الأحزاب اليسارية المزعومة في إيطاليا، ولم يعودوا يرون سوى الكآبة أمامهم، فإننا، نحن الماركسيون، نرى أن هذه الأحداث تنبأ بانفجار اجتماعي هائل في المستقبل القريب.
حركة الخمس نجوم ستتحطم؛ قد يستغرق الأمر ستة أشهر وقد يستغرق عاما أو عامين، لكن ذلك حتمي. سوف يصعد الغضب الذي يغلي في أعماق المجتمع الايطالي إلى السطح، وستعيد الطبقة العاملة الإيطالية اكتشاف تقاليدها الكفاحية الثورية. هذا هو المنظور الذي يحضر الماركسيون في إيطاليا، المنظمون حول جريدة Rivoluzione (الثورة)، أنفسهم له.
جلسة حول باكستان
كان أبرز حدث في المؤتمر هو الجلسة حول باكستان. قام الرفاق الباكستانيون، الذين ترأسوا المناقشة، بشرح مفصل للأزمة التي تعيشها باكستان.
شكلت باكستان، منذ عام 1947، بيدقا للإمبريالية الأمريكية ومركز الردة الرجعية في جميع أنحاء المنطقة. لكن في السنوات الأخيرة وصلت العلاقات بين الإمبريالية الأمريكية وباكستان إلى أسوء حالاتها، حيث صارت الصين تتدخل بشكل متزايد في البلد. لقد ضخت الصين استثمارات استراتيجية في باكستان من خلال مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني.
وقد أشادت كل التيارات السياسية في باكستان، من اليسار إلى اليمين، بهذه الروابط الوثيقة مع الصين. وحده تيارنا من قام بتحليل هذا الاتجاه الجديد بشكل جدي وتجرء على الإشارة إلى الطابع الإمبريالي للمصالح المتزايدة للصين في باكستان.
لقد أصبحت الأزمة المتفاقمة للرأسمالية الباكستانية واضحة بشكل متزايد. ففي الأشهر السبعة الماضية فقدت الروبية 20% من قيمتها، علاوة على ذلك بدأت البطالة تتصاعد بقوة. ومع تفاقم الأزمة في دول الخليج جفّت التحويلات المالية أيضا وبدأ آلاف العمال بالعودة من المملكة العربية السعودية.
سيتعين على الطبقة السائدة الباكستانية، في ظل هذه الظروف، أن تتوجه إلى صندوق النقد الدولي جاثية على ركبتيها، لتتوسل القروض، بينما تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن أي خطة إنقاذ ستُستخدم لتسديد القروض لصالح المقرضين الصينيين!
ليس لدى أي من الأحزاب السياسية برنامج يمكنه أن يخفف من الجحيم الذي يعيشه الشعب الباكستاني بشكل يومي. لذلك حولت الجماهير ظهرها لهم جميعا. وبينما تمكن حزب عمران خان (حزب الانصاف) من الفوز في الانتخابات الأخيرة، فإنه بدوره لن يقدم شيئا للجماهير.
لكن وعلى الرغم من عدم امتلاك العمال والفقراء لتعبير سياسي منظم عن مصالحهم، فمن الواضح أنهم قد وصلوا إلى أقصى ما يمكنهم تحمله. لذلك بدأنا نشهد تحركات جماهيرية للعمال والطلاب خلال السنوات الأخيرة، وخاصة تلك الحركة الضخمة التي شهدناها مؤخرا لشعب البشتون المضطهَد، والتي هزت الطبقة السائدة في باكستان من أساسها.
لقد تدخل رفاقنا بقوة في تلك الحركة ضد القمع الذي يعاني منه شعب البشتون. ودافعوا عن ضرورة ربط ذلك النضال بنضالات كل القوميات والجماعات المضطهَدة الأخرى. ودعوا، قبل كل شيء، حركة البشتون إلى الوحدة مع نضال الطبقة العاملة للإطاحة بالرأسمالية في باكستان وكل شبه القارة الهندية.
وكما ذكرنا في تقارير سابقة، تعرض رفاقنا للهجوم من طرف الدولة الباكستانية في عدة مناسبات. إلا أن رفاقنا أبانوا، في ظل تلك الظروف، عن إرادة فولاذية وشجاعة شكلتا مصدر إلهام لجميع مناضلي/ات الأممية، وألهبتا الحماس خلال المؤتمر.
إعادة ربط عقدة التاريخ
لقد أبانت الإسهامات التي قدمها الرفاق من جميع البلدان عن وجود خاصية مشتركة: ففي جميع أنحاء العالم تخضع قيادة الحركة العمالية، سواء كانت من النوع الإصلاحي اليساري أو اليميني، للاختبار على نحو صارم، ويجري فضح سياساتها. ومن ناحية أخرى فإن محاولات الطبقة الرأسمالية المضي قدما في الهجوم وتنفيذ أجندة التقشف، تزيد من زعزعة استقرار الرأسمالية وتعطي دفعة أكبر للصراع الطبقي.
منذ فترة ما بعد الحرب، تقلصت قوى الماركسية إلى مجرد أقلية صغيرة على الصعيد الأممي، وبالتالي لم تكن قادرة على تقديم قيادة بديلة. وفي إشارة منه إلى هذه العزلة خلال المرحلة الماضية، قال آلان وودز: “لقد شهدنا في عدة مناسبات انقطاع خيط التاريخ”.
خلال مرحلة الردة الرجعية الفاشية والستالينية المظلمة، في ثلاثينيات القرن العشرين، وحده تروتسكي، وأنصاره في الأممية الرابعة، من بقوا محافظين على راية الماركسية طاهرة. لكن بعد وفاة تروتسكي تسببت القيادة غير الكفؤة للأممية الرابعة في تحطيم تلك المنظمة.
وحدها حفنة صغيرة من الأفراد في بريطانيا، بقيادة تيد غرانت، من استمرت في الدفاع عن الأفكار الحقيقية لماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي وتطويرها. وها هي جهودهم اليوم قد أثمرت في نجاح هذه الأممية. وأمام المندوبين المشتعلين حماسا اختتم آلان وودز أشغال المؤتمر بالكلمات التالية:
«كانت كلمات تروتسكي الأخيرة وهو مستلق على فراش موته، بسبب ضربة غادرة من عميل ستاليني، هي: “أنا واثق من انتصار الأممية الرابعة. واصلوا إلى الأمام”.
إننا، بهذا المؤتمر، نعيد ربط عقدة التاريخ. إن الأممية الرابعة الحقيقية موجودة هنا، في هذه القاعة!».
هوامش:
1: التقاطعية: نظرية نسوية تقول بأن النساء “الملونات” تعانين من تمييز مضاعف على المستوى القانوني والقضائي والحق في الوصول إلى الخدمات العامة وغيرها. وهي حركة نسوية تطورت ضد” النسوية البيضاء” – المترجم.
2: الكوير، أو أحرار وحرائر الجنس: تستعمل من قبل الذين يرفضون الهويات الجنسية التقليدية (مزدوجي الميل والمتحولين جنسيا…)- المترجم.
عنوان النص بالإنجليزية:
2 تعليقات
تعقيبات: الماركسية ضد سياسات الهوية – ماركسي
تعقيبات: ماركسي: الأفضل على موقعنا خلال سنة 2023 – ماركسي