أربعة عشر عاماً من حرب دمرت الحجر والبشر. خمسة عشر مليون لاجئ، وأكثر من مليوني ضحية بين مقتول ومفقود. ثلاث ساعات كهرباء يومياً في أفضل الأحوال، وانقطاع المياه عن المنازل لدرجةٍ أصبح فيها الاستحمام مرةً واحدة في الأسبوع نوعاً من الرفاهية. غياب الإنترنت لأيامٍ كاملة. تسعون في المئة من الشعب تحت خط الفقر. انقطاع المواصلات، وغيرها من الظروف الكارثية التي، رغم قسوتها، نظّم خلالها تيار “البديل الماركسي – سوريا” أولى ندواته، بعد دعوةٍ لبّاها العديد من الأشخاص، وخصوصاً من فئة الشباب.
في الدفاع عن الماركسية
كان هذا عنوان الندوات التي نوقشت فيها ثلاثة محاور رئيسية، وهي: الفلسفة الماركسية، والفرق بين الشيوعية والستالينية، والتعريف بالأممية الشيوعية الثورية.
انطلاقاً من مقولة لينين: “فلسفة الماركسية هي المادية”، عرضنا في المحور الأول شرحاً حول المعسكرين الإيديولوجيين الكبيرين: المادية والمثالية، وأوضحنا أن هذين المصطلحين في الفهم الفلسفي لا علاقة لهما بمعناهما في الاستخدام اليومي، حيث تُربط المادية بالجشع، والمثالية بالفضيلة.
المادية تعني أنه لا يوجد لدينا سوى عالم مادي واحد، وأن الأشياء كانت موجودة قبل وقت طويل من ظهور أي وعي بها من جانب الكائنات الحية. وبالتالي، ليس الوعي هو من يحدد الوجود، بل الوجود هو من يحدد الوعي. أما المثالية، فتعتبر أن العالم المادي ليس حقيقياً، بل هو انعكاس للأفكار، ولذلك فإن أي انطلاق من المثالية في تفسير الواقع هو تفسير منفصل عن الواقع.
المحور الثاني شرح الفرق بين الشيوعية والستالينية. إن ما سقط في الاتحاد السوفياتي لم يكن الشيوعية، بل النسخة الكاريكاتورية عنها. ولتوضيح ذلك، كان لا بد من الحديث عن الأسباب التاريخية للستالينية.
الدعاية والافتراءات البرجوازية تربط البلشفية أو الشيوعية بالستالينية، ويعتبرون أن وصول ستالين إلى السلطة كان حالة حتمية، ومرتبطاً بشكل أساسي بالعامل الذاتي، أي بالحزب البلشفي وطبيعة قيادة لينين وتروتسكي.
أما بالنسبة لنا، فهذا ليس سوى هراء مثير للاشمئزاز. وقد تم إيضاح أن صعود نجم البيروقراطية الستالينية لعب فيه الدور الأكبر التدخلات الإمبريالية في الاتحاد السوفياتي. لم يأتِ أحد من هؤلاء الناقدين أو الأكاديميين أو المفكرين أو الإعلاميين البرجوازيين على ذكر الاجتياح الذي نفّذه واحد وعشرون جيشاً إمبريالياً للاتحاد السوفياتي بعد انتصار الثورة البلشفية. ولم يذكروا أيضاً الدعم الذي قدّمه الإمبرياليون للجيش الأبيض، الذي كان يضم في صفوفه فاشيين لا يقلّون سوءاً عن موسوليني وهتلر.
هذه الحروب أدّت إلى موت عدد كبير من العمال، الأمر الذي أثّر بشكل جوهري على الديمقراطية العمالية، وبالتالي صعود البيروقراطية، التي بحثت عن شرعية لها في شخصية مثل شخصية ستالين.
وقدمنا في المحور الثالث، شرحا عن الأممية الشيوعية الثورية وجذورها التاريخية. وكيف كان الرفاق في بداية التسعينيات “أقلية الأقلية”، وكيف سبحوا ضد التيار. ففي الوقت الذي كان فيه الرأسماليون يحتفلون بالنصر، ظنّاً منهم أن الشيوعية قد سقطت، كان رفاقنا آنذاك يركّزون على السلاح الأمضى، ألا وهو النظرية الماركسية، فأسسوا موقع “في الدفاع عن الماركسية”، الذي هو، بكل فخر، الموقع الأكبر في العالم حول النظرية الماركسية.
أما الآن، فلم نعد “أقلية الأقلية”، بل أصبحنا بالآلاف حول العالم، ولم يعد التيار ضدنا، بل أصبح معنا.
آراء وردود أفعال
أوضحت إحدى المشاركات في الندوة أنها، وبمحض الصدفة، وجدت الدعوة على فيسبوك وقررت المشاركة. كانت سعيدة جداً، وأكدت أن مثل هذه الندوات هي ما نحتاج إليه اليوم في سوريا، وخصوصاً لفئة الشباب الذين يشعرون بالضياع ويبحثون عن بديل. كما أن الاستمرار في تنظيم فعاليات مماثلة من شأنه أن يوفّر النظرية التي يمكن للشباب أن يتبنوها من أجل التغيير.
ولم يكن ذلك مجرّد رأي فردي، بل هو واقع لمسناه فعلياً من خلال ردود الأفعال على التقرير المصوّر الخاص بالندوات، والذي تمّ عرضه على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد وصلت الإحصائيات على صفحات “الشيوعي” على فيسبوك وإنستغرام إلى آلاف المشاهدات، وعشرات المشاركات، بالإضافة إلى مطالبات بتنظيم الندوة نفسها في مدن سورية أخرى، إلى جانب رغبة مجموعة كبيرة من الشباب في الانضمام إلى نقاشاتنا النظرية.
وقد تمّ الاتفاق على الاستمرار في هذه النقاشات الماركسية من خلال ندوات دورية تُعقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
صور ماركس على نواصي الشوارع وإقبال غير متوقّع

في إطار عملنا الدعوي الهادف إلى التواصل مع الشباب الباحث عن بديل لهذا النظام الطبقي المفلس، قمنا بطباعة ملصقات تحمل صور كارل ماركس مع عبارات تدعو إلى التنظم من أجل إسقاط النظام الطبقي، لا إعادة تشكيله. وقد أُرفقت الملصقات برمز QR للتواصل معنا.
وقد كانت النتيجة تحمل إشارة واضحة: كل النفاق الذي يروّجه الإعلام البرجوازي حول أن ما سقط في سوريا هو الاشتراكية، لا يُؤخذ على محمل الجد من قبل شريحة واسعة من الشباب.
وعلى الرغم من قلّة المناطق التي تمّ إلصاق الملصقات فيها، وبالتالي محدودية الوصول إلى جماهير واسعة، إلا أن التجاوب والتواصل كانا رائعَين.
أحد الشباب رأى الملصق، فتواصل معنا، وأرسل صورة هذا الملصق لأصدقائه في مناطق أخرى. تعرّف الرفاق الجدد على إعلان المبادئ الخاص بالتيار، وتوافقوا مع ما ورد فيه، فانضموا إلى النقاشات النظرية الأسبوعية التي يُجريها التيار حول النظرية الماركسية.
ولم يكن انضمامهم إلى النقاشات كمستمعين فقط، بل تولّوا دورهم في خطة التصليب النظري كمحاضرين أيضاً، ما يدلّ على جدّية هؤلاء الشباب الذين يقومون بعمل تاريخي عبر المساهمة في بناء حزب الثورة، الذي يحمل الأمل الوحيد في التغيير الجذري والحقيقي.
مجلة “الشيوعي” إلكترونياً… وقريباً ورقياً
تزامناً مع هذه الندوات، أطلق تيار “البديل الماركسي – سوريا” الصفحة الخاصة بمجلة “الشيوعي” على فيسبوك وإنستغرام (الشيوعي / The Communist)، والتي ستصدر قريباً بنسختها المطبوعة، وسيتم توزيعها وبيعها ورقياً في الداخل السوري.
تقوم صفحة “الشيوعي” بتغطية النضالات العمالية في سوريا، والمنطقة، والعالم، وتربط هذه النضالات والمطالب الآنية للعمال، والفلاحين الفقراء، والطلاب، بضرورة الثورة الاشتراكية، من خلال برنامجنا الانتقالي.
لقد لاقت التقارير المصوّرة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً من المتابعين، حيث بلغ عدد مشاهدات تغطية الندوة التي نظّمناها أكثر من 5500 مشاهدة على إنستغرام حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
رفاقنا في الأممية الشيوعية الثورية تابعوا هذه التطورات باهتمام وفرح كبيرَين، وبلغت مشاركاتهم للتقارير رقماً غير مسبوق، وصل إلى أكثر من 40 مشاركة.
تأتي هذه الخطوة في إطار تطوير الصحافة الثورية بصفتها ضرورة تاريخية يفرضها الواقع الموضوعي في المنطقة، وكذلك في ظلّ غياب الحزب الثوري والقيادة الثورية، باعتبارهما العامل الحاسم في انتصار أي ثورة مقبلة.
احتجاجات عمالية ضد قرارات الفصل التعسفي
تشهد العديد من المدن السورية تظاهرات عمالية ضد القرارات الصادرة عن سلطة الأمر الواقع في سوريا. فقد تمّ منح الآلاف من العمّال إجازات لمدّة ثلاثة أشهر، بعد حلّ المؤسسات العامة التي كانوا يعملون فيها، من دون صدور أي قرار واضح أو توضيح بشأن مستقبلهم المهني.
يروّج أنصار النظام الجديد إلى أن العمال المفصولين هم موظفون غير مؤهّلين، تمّ تعيينهم بالمحسوبية من قبل النظام السابق. إلا أن كاميرا الرفاق المشاركين في هذه الاحتجاجات أثبتت عكس ذلك تمامًا. فقد تحدّث المحتجون إلى رفاقنا، وعبّروا عن رفضهم لسياسات الحكومة المؤقتة، معتبرين أنها لا تملك الشرعية لاتخاذ مثل هذه القرارات، كونها غير منتخبة.
وفي هذا السياق، وجّهنا عبر صفحة “الشيوعي” رسالتنا إلى العمّال المحتجّين، وإلى سائر العمال، ونقتبس منها:
«نتوافق معكم بأن الحكومة الحالية غير شرعية وغير منتخبة، ولا يحق لها اتخاذ القرارات. ولكن أي حكومة سوف تأتي عن طريق الديمقراطية الرأسمالية، أي البرلمانية، لن تكون حكومة لصالح العمال، وسوف تأخذ إجراءات معادية لكم أيضاً. المشكلة لا تكمُن فقط في كون الحكومة غير منتخبة، بل حتى لو جاءت عبر انتخابات “ديمقراطية” على الطريقة الرأسمالية، فإن النتيجة لن تكون مختلفة.
إن الرأسمالية الوطنية، وكذلك الأمر الرأسمال العالمي، في حالة أزمة غير مسبوقة. وبالتالي، فإن أي حكومة قادمة على أساس رأسمالي ستستمر في الهجوم على حقوق العمال، وتحميل العمال والفلاحين الفقراء وباقي الفئات المسحوقة فاتورة الأزمة.
أنتم الآن تدركون ما هي الأوبئة التي تعانون منها: البطالة، البؤس، البيروقراطية، الاستغلال -أي هي أوبئة الرأسمالية. لذلك، فإن سلوك أي طريق في ظل الرأسمالية سوف يؤدي بكم إلى نفس المكان. نحن في تيار “البديل الماركسي – سوريا” نتضامن مع نضالاتكم، ونؤكد، بصفتنا شيوعيين ثوريين، أن الطريق الوحيد لتحقيق مطالبكم هو الديمقراطية العمالية. عندها فقط، لن يستطيع أحد اتخاذ أي قرار فصل تعسفي بحقكم.»
تظاهرات ضد تصريحات مجرم الحرب نتنياهو
في تصريح أثار ضجّةً كبيرة، أعلن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أنه سيقوم بـ”حماية الدروز” في جنوب سوريا، في محاولة منه لكسب شرعية لتوسيع مشروعه في سوريا وفتح جبهة قتال جديدة.

قوبلت هذه التصريحات بمظاهرات واسعة في كل من مدينتَي السويداء وجرمانا، حيث عبّر أبناء الطائفة الدرزية عن رفضهم الواضح لأي تدخّل صهيوني، تحت أي ذريعة. ولم تقتصر ردود الأفعال على دروز سوريا، بل عقد الحزب الاشتراكي التقدمي في لبنان مؤتمراً ندد فيه، بلسان زعيمه وليد جنبلاط، بتصريحات نتنياهو، محذّراً من استغلال بعض ضعاف النفوس لجرّ الطائفة الدرزية إلى حرب أهلية لا أحد يعرف كيف تنتهي.
لكن الردّ الأشدّ جاء من فلسطين، حيث أقدم أحد الشباب على تنفيذ عملية طعن في مدينة حيفا، قُتل فيها شخص وجُرح خمسة آخرون. وقد أعلنت هيئة البث الإسرائيلية لاحقًا أن منفذ العملية هو “يثرو شاهين”، أحد أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين. هذه التطورات وضعت نتنياهو في موقف لا يُحسد عليه.
لم تقتصر ردود الأفعال على الطائفة الدرزية، بل دُعي إلى مظاهرات مركزية في درعا، والقنيطرة، ودمشق، ومدن سورية أخرى. شارك تيار “البديل الماركسي – سوريا” في هذه الفعاليات، وأصدرنا بيان دعم حيّينا فيه نضالات الجماهير ضد البلطجة الصهيونية. وقد طبعنا هذا البيان على شكل مناشير وزّعناها على المشاركين، الذين تلقوها بحماس كبير.
وهنا نقتبس جزءًا من هذا البيان:
«نحن في تيار البديل الماركسي – سوريا (المجموعة السورية للأممية الشيوعية الثورية)، نحيي العمال وباقي الفئات المضطهدة في سوريا على هذا الموقف الرافض لاستغلال اسمهم لخدمة مصالح الإمبرياليين، وندعو للمشاركة في تظاهرات يوم غد، مع التأكيد على ضرورة تنظيم النضال ضد كل أشكال الوجود الامبريالي في سوريا، سواء الأمريكية أو الروسية أو التركية.
تأتي تصريحات نتنياهو هذه ضمن سلسلة من التصريحات المختلفة التي يحاول فيها الخروج من أزمته السياسية عن طريق توسيع رقعة الصراع. إن الأزمة الرأسمالية تضرب إسرائيل بالفعل، وسوف تضربها أكثر في المستقبل القريب. وما يساعد الطبقة السائدة الصهيونية على لجم الصراع الطبقي الداخلي ليس “الاستثناء الإسرائيلي” ولا “الرابطة اليهودية المقدسة”، وإنما نيران الحرب التي يشعلونها بين الفينة والأخرى، ويستفيدون منها، بجانب دعم الإمبريالية الدائم لهم.
ولكن، مع ضرب الأزمة لكل أركان الكوكب، بما في ذلك في البلدان الإمبريالية التي تدعم إسرائيل، وانفتاح آفاق التطورات الثورية في البلدان الغربية مجددًا بعد عقود من الخمول، أصبح من الواضح أن المستقبل سيكون مليئًا بالمفاجآت غير السارة للصهاينة.»
ناضلوا معنا من أجل فدرالية اشتراكية شرق أوسطية
بالنسبة لنا كماركسيين، فإن واقعية أي فكرة ليست مسألة نظرية، بل مسألة عملية. فالممارسة والتجارب السابقة هي المحكّ الذي يجب أن يُثبت فيه الإنسان واقعية أيّ حلّ مطروح. أما الخلاف حول واقعية فكرة معزولة عن الممارسة، فهو خلاف عقيم وغير مجدٍ.

إن التاريخ مليء بالشواهد والأحداث التي تؤكد أنه لا وجود لأي حلول على أسس رأسمالية. فقد سلكت كل بلدان المنطقة التي اندلعت فيها الثورات منذ عام 2010 الطريق الرأسمالي، والجميع يرى النتائج. وعلى الرغم من اختلاف التجارب والنتائج الكارثية فيما بينها، إلا أنها جميعًا تشترك بخاصية واحدة: أن التغيير فيها كان قائماً على أساس رأسمالي.
من مصر إلى تونس، إلى السودان، وليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن… وقعت شعوب هذه المنطقة كلها ضحية غياب القيادة الثورية، الأمر الذي جعل الأحداث تسير في الاتجاه الرأسمالي، أي نحو الثورة المضادة. وهكذا ينصف التاريخ مرة أخرى تروتسكي حين أشار إلى أن “أزمة الإنسانية تتمثل في أزمة غياب القيادة الثورية”.
نحن الآن نعيش حقبة ما قبل ثورية، أو ربما نسير نحوها. وهذه الحقبة لا ينقصها سوى حزب كفاحي فعلاً، حتى تتحول إلى حقبة ثورية. وهذا الحزب، لكي يكون ثوريًا، يجب أن يمتلك إعلامًا ثوريًا كفاحيًا وجريئًا، وأن يصوّب نظره إلى الأبعد.
لذلك، إن كنتم تتفقون معنا، ندعوكم للانضمام إلى تيار البديل الماركسي – سوريا.
انضموا إلى الأممية الشيوعية الثورية لنخوض معًا نضالًا مشتركًا طويلًا وصعبًا وعنيدًا، لكنه الطريق الوحيد للخلاص من نظام الرعب الرأسمالي، مرة واحدة وإلى الأبد.