فجر يوم الأحد الماضي، 07 يوليوز، بالدار البيضاء قام ضابط شرطة بإعدام شابين (رجل وامرأة) بالرصاص الحي في الشارع العام. وقد وقعت الحادثة بشارع لالة الياقوت، بحضور حشد من المواطنين الذين شلتهم الصدمة والرعب.
وللتستر على الجريمة سارعت المديرية العامة للأمن الوطني إلى إصدار بلاغ، يوم الأحد، قالت فيه إن «المعطيات الأولية للبحث تشير إلى تدخل مفتش شرطة ممتاز يعمل بفرقة الأبحاث التابعة لمنطقة أمن أنفا من أجل توقيف أربعة أشخاص في حالة سكر، وهم فتاتان وشابان، يشتبه في تورطهم في أنشطة إجرامية وحيازة أحدهم لسلاح أبيض، وذلك قبل أن تتم مواجهته بمقاومة عنيفة من قبلهم، اضطر على إثرها إلى استعمال سلاحه الوظيفي وأطلق رصاصتين أصابتا شابا وفتاة من بين المشتبه فيهم بشكل قاتل». وهكذا صار المجرم ضحية والضحايا مجرمين.
وكما هي العادة دائما في مثل هذه الحالات تحرك محترفو العهر الفكري من “صحفيين” ومواقع “مستقلة” وذباب الكتروني، إلى تأكيد رواية المديرية العامة، بتصريحات لشهود زور، من حثالة المجتمع، تم تلقينهم ما سيقولونه مقابل حفنة من الدراهم الممرغة بدماء الضحايا، أو لمجرد التغاضي عن أنشطتهم المشبوهة كالقوادة والسرقة وبيع المخدرات بالتقسيط، الخ.
لكن حدث ما لم يكن في حسبان هؤلاء المجرمين جميعا، إذ ظهر شريط فيديو مدته 48 ثانية، صوره أحد السكان من نافذة منزله، والذي فضح الطريقة التي قتلت بها الشابة. أظهر الشريط رجلا غارقا في دمائه وشابة تصرخ في وجه الضابط المسلح: “شنو دار… شنو دار لك حتى تقتلو؟” (ماذا فعل؟ ماذا فعل لك لكي تقتله؟). قبل أن يبادر شخص آخر إلى إسقاطها على الأرض وهو يصرخ في وجهها: “نتي ريحي… راه بوليسي هذا” (اجلسي إن هذا رجل شرطة)، وبعد سقوطها انحنى عليها ضابط الشرطة وأعدمها بطريقة وحشية.
المواطنون الذين حضروا لحظة الجريمة أكدوا أنهم أصيبوا بالدهشة بعد سماعهم لرواية المديرية العامة وشهادات الزور التي نشرتها المواقع الالكترونية المخابراتية، لكنهم التزموا الصمت لأنهم شعروا بالخوف من التعرض للانتقام بنفس الطريقة أو ما يشبهها في حالة ما إذا تكلموا. بينما قالت سيدة تسكن بالجوار إنها رأت من النافذة كيف أطلق الشرطي النار على الشاب دون أن تعرف السبب، مما ينفي رواية الهجوم والدفاع عن النفس من أساسها.
أمام هذه التطورات اتضح للمسؤولين الكبار أنه عليهم تغيير روايتهم فخرجوا ببلاغ آخر أعلنوا فيه:
«أن المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالدار البيضاء فتحت بحثا معمقا لتحديد ظروف وملابسات إطلاق المعني بالأمر لرصاصتين من سلاحه الوظيفي، مما تسبب في وفاة شاب وسيدة يبلغان من العمر على التوالي 35 و40 سنة، وهو البحث الذي أظهرت نتائجه الأولية ارتكاب موظف الشرطة لتجاوزات مهنية وقانونية خطيرة خلال هذا التدخل، الأمر الذي استدعى توقيفه عن العمل في انتظار تقديمه أمام العدالة».
السؤال الذي يطرحه الجميع الآن هو: لماذا لم يجر ذلك التحقيق منذ البداية، واكتفت المديرية، قبل ظهور الفيديو، بما قاله القاتل في حق ضحاياه؟ وماذا كان سيحصل لو لم يظهر ذلك الشريط؟ طبعا كانت الضحيتان ستتعرضان للقتل مرتين، مرة بالرصاص الذي أرداهما ومرة بالكذب الذي حولهما إلى مجرمين.
سيخرج إعلام العهر الآن لكي ينوه بفتح التحقيق ويدعو الجميع إلى انتظار نتائجه. أما الشعب المغربي فيعرف جيدا ما الذي تعنيه “لجان التحقيق”، إنها لا تعني إلا إقبار الحقيقة. أين هي نتائج التحقيق في جريمة قتل خمسة شبان من مناضلي حركة 20 فبراير وإحراق جثتهم في الحسيمة؟ وأين هي نتيجة التحقيق في قتل الشابة حياة بالرصاص الحي في عرض البحر؟ وغيرها كثير…
سيحاول إعلام العهر كذلك أن يصور الجريمة وكأنها حادث معزول قام به ضابط عنيف، ربما يعاني من مشاكل نفسية، فتطوى القضية ويضيع دم الضحيتين هباء، كما ضاع دم حياة والشباب الخمسة وآلاف الأبرياء الآخرين. أو قد يعملون على التضحية به إذا ما اندلعت حركة جماهيرية قوية للمطالبة بالثأر للقتيلين.
لكن وبالرغم من كل ما يقال وسيقال فإن الطبقة السائدة ودولتها ليسوا متضررين من مقتل هؤلاء الشابين، بل العكس هو الصحيح. إن عملية إعدامهما بتلك الطريقة مفيدة للدولة والطبقة السائدة لأنها تعزز “هيبة المخزن”، إنها تعزز شعور الخوف بين الجماهير من جهاز القمع، وهذا الخوف ضروري لتأبيد سيطرة الطبقة السائدة، خاصة في ظل ظروف الأزمة وتزايد حدة النضالات العمالية والشبابية. وهذا ما يفسر مسارعة مديرية الأمن في البداية إلى الدفاع عن الضابط بتلك الرواية الملفقة.
إن الدولة المغربية ليست سوى آلة قتل جهنمية، تمارس الارهاب والتعذيب والقتل بشكل منهجي، ولا تقيم وزنا لحياة المواطنين الذين ليسوا في نظر هؤلاء البيروقراطيين والطبقة السائدة التي يدافعون عن مصالحها، سوى رعايا وعبيد لا حقوق لهم. إن مشاعر الاحتقار التي يكنها جهاز القمع للجماهير، مقابل مشاعر الاستخذاء والذل تجاه الطبقة السائدة، هي مشاعر ناتجة عن موقف طبقي يدرس لهم في المعاهد والثكنات ويعتبر مقياس ولائهم وعاملا في ترقيتهم وامتيازاتهم.
كنا قد شرحنا في المقال الذي أصدرناه عن جريمة قتل الشابة حياة أن عملية إعدامها:
«ليست حدثا معزولا، حيث أن التقتيل سياسة ممنهجة عند النظام القائم، والشعب المغربي رهينة آلة جهنمية للقتل شعارها: “تناضل تقتل، تحتج تقتل، بل وحتى إن حاولت الفرار تقتل”. فعشرات الشباب من حركة عشرين فبراير قتلوا بدم بارد، كما قتل عشرات الطلاب أثناء احتجاجات سلمية، ومؤخرا قتلت سيدة في مدينة أزرو خنقا بقماش العلم الملكي على يد القوات المساعدة، أثناء مشاركتها في احتجاج سلمي للنساء السلاليات ضد محاولات مافيا العقار الاستيلاء على أراضيهم. والقائمة ستبقى مفتوحة ما بقي هذا النظام المجرم قائما».
وبالفعل ها نحن نشهد إضافة شابين جديدين إلى تلك القائمة، التي ستبقى مفتوحة لتضم ضحايا آخرين ما دام النظام الدكتاتوري قائما.
وكنا قد ختمنا ذلك المقال قائلين:
«لا بد من الانتقام لمقتل حياة، مثلما لا بد من الانتقام لمقتل السيدة فضيلة وأمي فتيحة ومناضلي حركة 20 فبراير ومحسن فكري وغيرهم وغيرهم من ضحايا هذا النظام المجرم. والطريقة الوحيدة للانتقام هو مواصلة النضال والعمل الدؤوب من أجل بناء القيادة الثورية، فأزمة الحركة الجماهيرية هي أزمة القيادة الثورية».
بدون تلك القيادة لن تتحرك النقابات للقيام بإضراب عام سياسي لفرض محاسبة المسؤولين الحقيقيين عن تلك الجرائم، لأن النقابات في ظل قيادة البيروقراطية الإصلاحية المتواطئة ستبقى صامتة وكأن الأمر لا يعنيها. وبدون تلك القيادة ستبقى نضالات الشعب المغربي من أجل الحرية والعدالة والكرامة مشتتة وبالتالي عقيمة، وسيبقى جهاز الدولة جبارا، والطبقة العاملة مجرد لحم للاستغلال. لهذه فإن مهمة بناء القيادة الثورية هي المهمة التي يتوجب على كل الشباب الذي آلمه مشهد القتل الوحشي لهؤلاء الشابين البريئين الأعزلين، أن يضعها على كاهله باعتبارها ضرورية وملحة وراهنية.
أنس رحيمي
12 يوليوز 2019