في نهاية شهر يونيو، شهدت موريتانيا تنظيم انتخابات “ديمقراطية” لاختيار رئيس جديد للبلاد ضمن سيرورة ديمقراطية تحت رعاية النظام العسكري. وقد أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عن فوز وزير الدفاع السابق، محمد ولد الغزواني، منذ الجولة الأولى، بنسبة 52,01%، ليكون بذلك خليفة محمد ولد عبد العزيز، بعد أن كان الرجل الثاني في نظامه.
لا يمثل هذا التغيير في الأسماء الكثير بالنسبة لجماهير العمال والفقراء، الذين خرج البعض منهم في مظاهرات عفوية في أحياء نواكشوط ونواذيبو(العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية) ، بالرغم من تهديدات القمع وتراجع قادة المعارضة عن المسيرة الاحتجاجية ضد نتائج الانتخابات، ودعوتهم المحتجين “الابتعاد عن العنف والتمسك بالسلم والأمن”“.
الطغمة العسكرية
لاستيعاب كيف تمكنت الطغمة العسكرية الحاكمة أخيرا من تجاوز معضلة التناوب على السلطة داخلها باستعمال تقنية الانتخابات، في حين كانت تتم غالبا عبر الانقلابات في الماضي، لابد أن نستعرض أهم المحطات الانقلابية وما تخللتها من انتخابات.
في 06 غشت 2008، وصل الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة على إثر انقلاب عسكري ضد الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله، وذلك بعد أول تجربة انتخابات رئاسية تعددية أجريت في مارس 2007.
وقبله كان العقيد ولد الطايع، الذي وصل بدوره الى السلطة عن طريق انقلاب، سنة 1984، فشهد عهده تطبيق سياسة رجعية على الصعيدين الخارجي والداخلي، فعلى الصعيد الخارجي انخرط بحماس في كل مؤامرات القوى الامبريالية، حيث ارتمى في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح موريتانيا ثالث دولة، تنتمي للجامعة العربية، تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وحليفا نشطا في “الحرب على الارهاب” التي شنتها إدارة بوش بعد أحداث شتنبر 2001.
أما على الصعيد الداخلي فقد شهدت موريتانيا تعميم القمع والاستغلال والفساد. فموريتانيا كانت تعيش وضعا اقتصاديا متدهورا، حيث كان متوسط دخل الفرد في موريتانيا لا يتجاوز 530 دولارا، ووصل معدل التضخم إلي 6,5% سنويا، أما نسبة من يعيشون تحت خط الفقر فكانت 46,7%، ووصلت نسبة البطالة إلى 31,2%، وارتفع حجم الديون إلى 148% من إجمالي الناتج القومي، حسب إحصائيات الصندوق الدولي للتنمية الزراعية لعام .
تعتبر هذه الحصيلة الكارثية للاقتصاد الموريتاني نتاجا طبيعيا لأزمة النظام الرأسمالي محليا وعالميا، لكن ما زاد من حدتها هو الفساد المستشري في كل دواليب الدولة والاقتصاد، إضافة إلى انسياق أعمى وراء سياسات البنك والصندوق الدوليين.
لقد أدت تلك السياسات الاقتصادية إلى عدم استقرار سياسي ظهرت تجلياته في مظاهرات حملة الشهادات العاطلين عن العمل، وفي نضالات عمال المناجم والطبقات الشعبية، فالدولة فقدت الكثير من آليات التأثير في النشاط الاقتصادي التي كانت تتيح للفئات الأكثر فقرا في المجتمع الاستفادة منها، وبقيت رأسمالية الدولة التي تشكل العمود الاقتصادي الأكبر والأثر الأول على القطاع الخاص. فالنظام الموريتاني يعيد انتاج طبقة رجال الأعمال والأغنياء كلما تبدل رؤوسه نظرا للعلاقة الجدلية بين المال والسياسة والمجتمع القبلي التقليدي في صميم طبيعة الديمقراطية الموريتانية.
كانت هذه هي الممهدات للانقلاب العسكري الذي نفذه علي ولد محمد فال على نظام ولد الطايع، في 03 غشت 2005. فالرأسمالية الموريتانية كانت في حاجة لإيجاد مخرج من عدم الاستقرار الذي وسم السياسة الموريتانية في السنوات الأخيرة من حكم ولد الطايع، تجلى ذلك في عدة محاولات تمردية داخل الجيش كان أخطرها محاولة تمرد يونيو 2003 بقيادة صالح ولد حننه (رئيس حزب حاتم حاليا)، ووجدت تعبيرها السياسي في المؤسسة العسكرية التي تدخلت في محاولة لتأسيس نظام تبعي بواجهة ديمقراطية، بحيث سلم قائد الانقلاب (علي ولد محمد فال) السلطة لرئيس منتخب في أبريل 2007.
لقد وصل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم، كما سبقت الاشارة، تحت رعاية الطغمة العسكرية، واحتل ولد عبد العزيز وبعض القادة العسكريين المقربين منه ومن بينهم محمد الغزواني (الرئيس الحالي) مناصب مهمة في الدولة، حيث رُقي ولد عبد العزيز الى رتبة جنرال، وهي أعلى رتبة في الجيش الموريتاني، فيما بدا كبند من صفقة سرية بين الرجلين. لكن سرعان ما توترت العلاقة بعد ذلك بين العسكر وبين الرئيس، وانتهت بإعلان ولد عبد العزيز، الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله، وتسلم الجنرال عزيز وضباط آخرون السلطة في البلاد، حيث أطلقوا على أنفسهم اسم “المجلس الأعلى للدولة”.
هذا الانقلاب لم يرض القوى الامبريالية التي تمتلك استثمارات مهمة في قطاع النفط في البلاد، خصوصًا بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز والثروات الطبيعية المختلفة في الأراضي الموريتانية. ترغب تلك القوى في نظام يمتاز بحد أدنى من الديموقراطية الشكلية لضمان نوع من الاستقرار وتسهيل عملية تفويت حقوق استثمار واستخراج الثروات الطبيعة.
وكذلك عارضت أغلب التيارات والاحزاب السياسية بدورها هذا الانقلاب، مطالبة بعودة الرئيس “الشرعي”، وعلى اثر ذلك تدخلت الدول الامبريالية، من أجل فرض انتخابات بين المعارضة والجنرال، وبعد مشاورات عدة وتنازلات من طرف العسكر لبعض التيارات السياسية، جرت الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوز ولد عبد العزيز، منذ الجولة الاولى بـ52,85%.
وعلى كل حال، استطاع بعد ذلك الرئيس الموريتاني الجديد، أن يفوز في انتخابات الولاية الثانية عام 2014، بـ81,94% من الأصوات، في ظل مقاطعة المعارضة، بعد رفض السلطة الاستجابة للطلبات المتعلقة بضمان حياد الجيش والمؤسسة الأمنية في الانتخابات، في عشرية كانت الأكثر اضطرابا سياسيا حيث لم يمر شهر دون احتجاجات مطلبية .
ولد الغزواني
انتخاب ولد الغزواني لم يكن مفاجئا على الاطلاق، لأن الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، كان قد مهد الطريق لزميله وشريكه في الانقلابات.
فولد الغزواني، كان يقود سلاح المدرعات، في غشت 2005، وساهم هو وصديقه محمد ولد عبد العزيز في الانقلاب الذي قاده علي ولد فال، على الرئيس معاوية ولد الطايع، وأصبح مديراً لإدارة الأمن الوطني برتبة لواء. وفي عام 2008، تمت ترقيته إلى رتبة فريق، ثم فريق أول، وتولى قيادة الأركان الوطنية بعد أن شارك في الانقلاب الثاني مع صديقه محمد ولد عبد العزيز على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ موريتانيا. فالرجلين اللذين ولدا في نفس السنة 1956، زميلان منذ لقائهما في الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس بالمغرب.
وفي كل هذه المهام التي تولاها أثبت ولاءه لولد عبد العزيز، فخلال إصابة هذا الأخير بالرصاص في 13 أكتوبر 2012 وتوجهه إلى فرنسا للعلاج كان رئيس أركانه (ولد الغزواني) المسؤول عن تسيير أمور البلاد، وعلى الرغم من أن الوضع كان مواتيا للانقلاب الناجح فإنه لم يستغل تلك الفرصة.
وبعد تقاعده وخلعه للبزة العسكرية، في نوفمبر 2018، عُين وزيراً للدفاع تمهيدا لترشيحه للانتخابات الرئاسية، مستندا على دعم الرئيس الحالي المنتهية ولايته، والامبريالية الفرنسية، التي تعتبره دعامة “للاستقرار” في منطقة الساحل، نظرا لأنه كان المشرف على إعادة تنظيم جهاز الأمن الموريتاني، أحد أكثر الأجهزة فاعلية في المنطقة ضد تهديد الجماعات المسلحة.
الانتخابات
أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ليلة الأحد 23 يونيو 2019، النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية، التي تمت يوم السبت، وتنافس فيها ستة مترشحين هم، وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني، والوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر، والبرلمانيان بيرام ولد الداه ولد عبيدي، ومحمد ولد مولود، والبرلماني السابق كان حاميدو بابا، والخبير المالي محمد الأمين المرتجي الوافي.
واسفرت النتائج، في ظل نسبة مشاركة وصلت الى 62,66%، عن فوز المرشح محمد ولد الغزواني بنسبة 52,01% من الأصوات المعبر عنها. وبحسب هذه النتائج فقد حل المرشح بيرام الداه اعبيد في المرتبة الثانية، بحصوله على نسبة 18,57%، من الأصوات المعبر عنها، فيما حل المرشح سيدي محمد ولد بوبكر ثالثا بحصوله على نسبة 17,87%، وفي المركز الرابع جاء المرشح كان حاميدو بابا بحصوله على نسبة 8,71%، من الأصوات المعبر عنها، فيما جاء المرشح محمد ولد مولود في المركز الخامس بحصده نسبة 2,44%، وفي المرتبة السادسة نجد المرشح محمد الأمين ولد المرتجي بحصة 0,40%.
لا يمكن اتهام الطغمة العسكرية بالثقة الزائدة، فرغم كل القيود والترهيب والقمع فإنها أحست بأن كل هذا لم يكن كافيا، فقامت بتعديل الدستور في غشت 201، في ظل معارضة مختلف التيارات السياسية التي رفضت هذا التعديل في البرلمان فتم تمريره عبر “استفتاء”. اتهمت المعارضة الرئيس المنتهية ولايته بالسعي إلى سابقة يمكن أن تسهل إلغاء سقف عدد الولايات الرئاسية المحددة باثنتين، اضافة الى الاتهامات المتعددة بتزوير ارادة الناخبين، خاصة في المناطق الريفية النائية، وابتزاز المواطنين، وتسخير وسائل الدولة العمومية، سواء في هذه الانتخابات أو التعديلات الدستورية التي جرت في غشت 2017. وقد قدم مرشحو المعارضة عشرات الطعون إلى المجلس الدستوري والتي قالوا إنها تثبت وقوع “عمليات تزوير” لصالح المرشح محمد ولد الغزواني.
ضعف المعارضة
يعتبر حزب اتحاد القوى الديمقراطية، أكبر الأحزاب المعارضة وأقدمها، إلا أن حله سنة 2000 أدى إلى ظهور أغلب أحزاب المعارضة على أنقاض هذا الحزب، ومن بينها ظهر “تكتل القوى الديمقراطية”، أكبر أحزاب المعارضة، حتى تاريخ قريب جدا، والذي يكاد ينهار فلم يعد بين صفوفه سوى زعيمه أحمد ولد داداه والقليل من كوادره، بعد تاريخ من التنازلات الغريبة للعسكر، فقد قامت قيادة الحزب بالتنسيق مع ولد عبد العزيز للانقلاب على الرئيس المنتخب سنة 2008، واحتفت بهذا الانقلاب في الشارع ودعمته تشريعيا. وزاد من انهيار الحزب مغادرة أغلب كوادره وقياداته وتحالفها مع مرشح العسكر (الجزيرة). إضافة لذلك فقد فقَـد الحزب الأمل بترشيح زعيمه التاريخي أحمد ولد داداه للرئاسيات، الأمر الذي يجعل حزبا مثله بلا مرجعية فكرية، إلا وزن زعيمه (الأخ الأصغر لأول رئيس موريتاني، المختار ولد داداه).
على يسار التكتل نجد حزب “اتحاد قوى التقدم” الذي مر بسنوات خلاف شديد جعل قائده “محمد مولود” ينحط في الكثير من الانتهازية ويتبرأ من اليسار مما أغضب الكثير من الرفاق داخل الحزب وجعلهم فاقدي البوصلة، لا يستطيعون الخروج من الحزب خوفا أن يستولى عليه اليمين الذي تعزز موقعه بعد الانقلاب على ولد الطايع بالتحاق عناصر غريبة عنه. إن التنازلات التي قدمتها قيادة الحزب لفائدة العناصر اليمينة دمرته بشكل كلي تقريبا، وهو ما تثبته النتائج المحصل عليها، فلم تتجاوز حصة زعيم الحزب، الذي رشح نفسه للانتخابات الرئاسية، 2,5%.
لم يحقق هذان الحزبان التاريخيان نتائج تذكر في هذه الانتخابات، بينما تصدر المعارضة المرشحان بيرام الداه اعبيد ومحمد ولد بوبكر، اللذان احتلا المركزين الثاني والثالث على التوالي. يعتبر بيرام الداه اعبيد أهم وجوه المعارضة في الوقت الراهن، وقد ترشح للانتخابات كممثل عن حزب “الصواب” ذي الميول البعثية، الذي تحالف معه قبيل الانتخابات. وقد استمد هذا الزخم من تاريخه النضالي في مجال حقوق الانسان وضد العبودية والميز العنصري. ففي 2011 حصل على جائزة مدينة فايمر الألمانية التي تُعتبر من أرفع جوائز حقوق الإنسان في ألمانيا، كما حصل عام 2013 على جائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.
لم يساهم ترشح بيرام الداه اعبيد في تقوية المعارضة، بل دفع الى خلق شرخ وسط الجماهير الشعبية من فلاحين وعمال، وذلك بتسييده لخطاب طائفي بشكل ملفت في كل القضايا السياسية وعلى كل الأصعدة.
على يمين كل ذلك، ودائما في صف المعارضة، يقع حزب تواصل (الإخواني)، الحزب الذي شهد تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة نظرا لعدة عوامل، من بينها عمله الدؤوب على الاتصال بالجماهير الفقيرة، عن طريق أنشطته “الخيرية” المعهودة كوسيلة الأحزاب الإخوانية الأولى في تدجين الجماهير وابتلاع طموحاتها في التغيير الجذري، متسلحا كذلك بخطابه الديماغوجي الديني، وقد كان هذا الحزب الداعم الأبرز لمرشح المعارضة الثاني، سيدي محمد بوبكر، وهو رئيس وزراء سابق وسفير لنظام الجنرال ولد عبد العزيز في القاهرة.
في الأزمة حل للأزمة
الاوضاع الاجتماعية في موريتانيا في أسوأ حالاتها، إذ يعيش حوالي 71,3% من سكانها على حافة دخل لا يتعدى دولارين في اليوم، و23,5% منهم يعيشون بأقل من 1,25 دولار يوميًا، بحسب أرقام التقرير السنوي حول حالة الأغذية والزراعة لعام 2015، الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).
قد يبدو للوهلة الأولى وكأن موريتانيا بلد فقير. كلا هذا غير صحيح ! إنه بلد غني بالثروات الطبيعية من حديد وذهب وفوسفات ونحاس، إضافة إلى ثروتها السمكية الهائلة. كما أن أغلبية السكان (57%) هم في سن العطاء والعمل، لكن كل هذه الثروات منهوبة ومستغلة من طرف أقلية من الرأسماليين المحليين وأسيادهم الإمبرياليين.
وبالتالي فإن ظروف الفقر والتخلف ليست قدرا محتوما على الشعب الموريتاني، ويمكن بالتأكيد تغييرها بتغيير النظام الحالي وبناء نظام جديد قائم على تملك المنتجين الحقيقيين للثروة، أي العمال والفلاحون الفقراء، لكبريات الشركات والأبناك والمناجم والأرض ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية لمجالس العمال والفلاحين لتسييرها وفق مخطط يهدف إلى خدمة مصالح الأغلبية الساحقة، وليس تلك الأقلية من الطفيليات الأثرياء المحليين والأجانب.
لكن هذا البديل لا يمتلكه مرشحو النظام، كما أنه لا يمكن أن يأتي بانقلاب عسكري أو بمبادرة من أقلية “مستنيرة” تحرر الشعب من فوق. ولا تمتلكه حتى قوى “المعارضة”، لأن كل مشاريعها تقوم على وهم اصلاح الرأسمالية، لكن لا حل ممكن في ظل الرأسمالية، فالرأسمالية هي المشكل، وبالتالي فإن كل المشاريع التي تبقى ضمن حدود هذا النظام، القائم أصلا على الاستغلال والتقشف والبطالة، ستساهم فقط في تكريس تلك المشاكل بغض النظر عن نوايا أصحابها.
إن الطريقة الوحيدة لتحقيقه هو بالعمل الدؤوب على تأسيس تنظيم يساري قادر على تنظيم الجماهير والطبقة العاملة وفق أفق نضال ثوري يتجاوز جميع أخطاء اليسار الموريتاني التاريخية.
فالطبقة العاملة الموريتانية قوية وذات تقاليد كفاحية عريقة تعود الى فترة الستينات والنضال ضد البرجوازية المحلية ورؤوس الأموال الفرنسية. حيث سبق لها أن خاضت العديد من المعارك الثورية وحققت الكثير من المكاسب، بينها، على سبيل المثال، فرض تأميم شركة “ميفرما” سنة 1974، بعد معارك لقيت تضامنا واسع الانتشار في البلاد. وكذلك الإضراب الكبير سنة 2015 الذي شل منطقة ازويرات، حيث أضرب حوالي 4000 عامل منجمي في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم )، لمدة شهرين، من أجل الزيادة في الأجور…
إن الجماهير الموريتانية قد أثبتت في العديد من المرات أنها تريد تغيير هذه الأوضاع، كما أنها تستطيع ذلك. وقد أكدت مرارا أنها تعرف جيدا كيفية تنظيم الاحتجاجات، وبالرغم من التعتيم الإعلامي فإنها شاركت بحماس شديد في الاحتجاجاتالتي عرفها الشرق الأوسط وشمال افريقيا سنة 2011.
هذا وتشهد موريتانيا مؤخرا ارتفاعا كبيرا في عدد الإضرابات العمالية والمسيرات الاحتجاجية، شاركت فيها حتى تلك الفئات التي تعتبر محظوظة داخل الطبقة العاملة كالأطباء والأساتذة وغيرهم.
إن ما ينقص هو وجود قيادة ثورية جريئة تمتلك مشروعا اشتراكيا واضحا، ومنغرسة بشكل قوي بين صفوف الطبقة العاملة، في أماكن العمل والنقابات والأحياء العمالية، لكي توحد كل تلك النضالات وتقودها نحو النصر النهائي على نظام الاستغلال والتبعية والتخلف، وبناء موريتانيا اشتراكية حرة ومزدهرة.
هذا ما يتوجب على الشباب الثوري في موريتانيا الشروع في بنائه بشكل عاجل، فإذا توفرت تلك القيادة وانخرطت الطبقة العاملة الموريتانية في ذلك المسار، ستجد كل عمال المنطقة والعالم إلى جانبها، عندها لن تكون هناك قوة يمكنها أن تمنعها من تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
أنس رحيمي و”السميدع”
15 يوليوز 2019