الرئيسية / لينين خلال عام / لينين: بم نبدأ؟

لينين: بم نبدأ؟

خلال إعدادنا لمقال عن كراس “بم نبدأ؟” في إطار سلسلتنا “لينين خلال عام”، التي نتتبع فيها كتابات لينين، أعدنا قراءة الترجمة العربية لكراس لينين، الذي كتب عام 1901، وقد تبين لنا عدم دقة الترجمات العربية المتداولة، خاصة الصادرة عن دار التقدم. لذا قررنا في هيئة ماركسي إعادة ترجمة هذا الكراس الهام الذي حدد فيه لينين العديد من التكتيكات والأساليب التي لعبت دورا رئيسيا في بناء قوى الحركة الشيوعية في روسيا.


لقد صار سؤال: ما العمل؟ في السنوات الأخيرة يطرح على الاشتراكيين الديموقراطيين الروس بإلحاح خاص. ليس السؤال مطروحا حول الدرب الذي علينا اتباعه (كما كان عليه الحال في أواخر العقد التاسع وأوائل العقد العاشر)، بل حول الخطوات العملية التي يتعين علينا أن نخطوها في الدرب المعروف وبأي طريقة. إنه سؤال حول أسلوب وخطة النشاط العملي. ولا بد من الاعتراف بأننا لم نحل بعد هذه المسألة المتعلقة بطابع النضال ووسائله، والتي هي أساسية بالنسبة لحزب عملي، وما تزال تثير خلافات جدية تدل على اضطراب وتذبذب ايديولوجي مؤسفين. فمن جهة يحاول التيار الاقتصادوي، الذي هو أبعد من أن يكون قد مات، أن يبتر ويضيق العمل في حقل التنظيم السياسي والتحريض السياسي. ومن جهة أخرى هناك تيار الانتقائية اللامبدئية الذي يرفع رأسه باعتزاز كما من قبل، متكيفا مع كل ميل جديد، وغير قادر على التمييز بين متطلبات الساعة وبين المهام الأساسية والحاجات الدائمة التي تجابه الحركة ككل. وهذا التيار، كما هو معروف، قد تحصن في صحيفة رابوتشييه ديلو[1]. والبيان البرنامجي الأخير لهذه الصحيفة -وهو عبارة عن مقالة مدوية بعنوان مدو الانعطاف التاريخي (العدد 6، ليستوك رابوتشييه ديلو[2])ـ يؤكد بجلاء خاص الوصف الذي أعطيناه لها. فبالأمس فقط، كان هناك شغف بـالاقتصادوية، وغضب شديد ضد الإدانة الحازمة لـرابوتشايا ميسل[3]، ومحاولة لتلطيف لهجة بليخانوف الذي طرح مسألة النضال ضد الحكم المطلق. أما اليوم فهي تستشهد بقول ليبكنخت: “إذا تغيرت الأحوال في 24 ساعة، تعين تغيير التكتيكات أيضا في 24 ساعة”، وهناك حديث عن تنظيم كفاحي قوي لأجل الهجوم المباشر، لأجل مهاجمة الحكم المطلق، وعن التحريض الثوري السياسي الواسع بين الجماهير (كم نحن حازمون الآن: سواء على المستوى الثوري أو السياسي!)؛ وعن الدعوات المستمرة للاحتجاج في الشارع؛ وتنظيم مظاهرات ذات طابع سياسي حاد (كذا!) في الشوارع وما إلى ذلك.

يمكننا ربما أن نعرب عن سرورنا بفهم رابوتشييه ديلو السريع للبرنامج الذي طرحناه في العدد الأول من إيسكرا[4] والداعي إلى تشكيل حزب قوي جيد التنظيم، هدفه ليس فقط الحصول على تنازلات معزولة، بل اقتحام قلعة الحكم المطلق نفسه؛ لكن الافتقار إلى أي وجهة نظر محددة لدى هؤلاء الأفراد لا يمكن إلا أن يثبط سعادتنا.

الغلاف الأمامي للعدد الأول لجريدة أيسكرا

رابوتشييه ديلو تذكر اسم ليبكنخت عبثا بالطبع. إن تكتيكات التحريض فيما يتعلق ببعض المسائل الخاصة، أو التكتيكات المتعلقة ببعض تفاصيل تنظيم الحزب، يمكن أن تتغير خلال أربع وعشرين ساعة؛ لكن وحدهم الأشخاص الذين لا يملكون أي مبدأ من يمكنهم تغيير وجهة نظرهم، في أربع وعشرين ساعة، أو في أربعة وعشرين شهرا، حول الحاجة، بشكل عام ودائم ومطلق، إلى منظمة للنضال وإلى التحريض السياسي بين الجماهير. من السخافة الاحتجاج باختلاف الظروف وتغير الفترات: فبناء منظمة كفاحية والقيام بالتحريض السياسي أمران ضروريان في ظل أي ظروف سلمية رتيبة، في أي فترة، بغض النظر عن مدى تميزها بتراجع الروح الثورية. وعلاوة على ذلك، فإنه في مثل هذه الفترات بالتحديد، وفي مثل هذه الظروف بالتحديد، حيث يكون هذا النوع من العمل ضروريا بشكل خاص، لأنه في أوقات الانفجارات والغليان يكون الأوان قد فات لتشكيل المنظمة؛ يجب أن يكون الحزب في حالة استعداد لبدء النشاط في أي لحظة. يجب تغيير التكتيكات في 24 ساعة!. ولكن، لأجل تغيير التكتيكات، يجب أولا أن تكون هناك تكتيكات؛ فبدون تنظيم قوي متمرس بالنضال السياسي في جميع الظروف وفي كل الأوقات، لا يمكن الحديث عن أي خطة عمل منهجية، ترتكز على مبادئ ثابتة وتطبق بثبات، خطة تستحق لوحدها اسم التكتيك. دعونا، في الواقع، نتأمل المسألة؛ يقولون لنا إن الظرف التاريخي قد طرح أمام حزبنا مسألة جديدة تماما هي مسألة الإرهاب. كانت المسألة الجديدة تماما بالأمس، هي مسألة التنظيم السياسي والتحريض؛ أما اليوم فهي الإرهاب. أليس من الغريب أن نسمع أناسا نسوا مبادئهم إلى هذا الحد الفادح وهم يطالبون بتغيير جذري في التكتيكات؟

ومن حسن الحظ أن رابوتشييه ديلو مخطئة. إن مسألة الإرهاب ليست مسألة جديدة على الإطلاق؛ ويكفي أن نذكر بإيجاز بوجهات النظر الراسخة للاشتراكية الديمقراطية الروسية حول هذا الموضوع.

نحن لم نرفض قط الإرهاب[5]، من حيث المبدأ، ولا نستطيع أن نرفضه. إن الإرهاب هو أحد أشكال العمل العسكري الذي قد يكون مناسبا تماما، بل وضروريا، في مرحلة محددة من المعركة، نظرا لحالة محددة للقوات وفي ظروف محددة. لكن النقطة المهمة هي أن الإرهاب، في الوقت الحاضر، لا يطرح بأي حال من الأحوال كعملية للجيش في الميدان، كعملية مرتبطة بشكل وثيق ومتكاملة مع النضال بأكمله، بل كشكل مستقل من الهجمات العرضية التي لا علاقة لها بأي جيش. وبالفعل لا يمكن للإرهاب أن يكون غير ذلك عندما لا تكون هناك منظمة ثورية مركزية وعندما تكون المنظمات الثورية المحلية ضعيفة. ولذلك، فإننا نعلن بشكل قاطع أنه في ظل الظروف الحالية، تعتبر وسيلة النضال هذه في غير وقتها وغير ملائمة؛ وأنها تصرف انتباه المناضلين الأكثر نشاطا عن مهمتهم الحقيقية، وهي المهمة الأكثر أهمية من وجهة نظر مصالح الحركة ككل؛ وأنها تشوش تنظيم القوى، ليس قوى الحكومة، بل قوى الثورة. ولا نحتاج إلا أن نتذكر الأحداث الأخيرة: فقد رأينا بأعيننا اندفاع جماهير العمال والشعب العادي في المدن إلى النضال، في حين يفتقر الثوريون إلى هيئة أركان من القادة والمنظمين. وفي ظل هذه الظروف ألا يهدد انتقال أشد الثوريين عزما إلى الإرهاب، بإضعاف تلك الفصائل الكفاحية التي يمكن عليها وحدها تعليق آمال جدية؟ ألا يهدد هذا بقطع الصلة بين المنظمات الثورية وبين تلك الجماهير المبعثرة من المستائين والمحتجين والمستعدين للنضال، لكنهم ضعفاء بحكم تبعثرهم ذاته؟

والحال هو أن الضمانة الوحيدة لنجاحنا تكمن في هذه الصلة. نحن أبعد ما نكون عن إنكار أهمية ووزن الضربات البطولية المنفردة، لكن من واجبنا أن نحذر بكل حزم من الولع بالإرهاب، ومن اعتباره الوسيلة الرئيسية والأساسية للنضال، كما يميل الكثيرون إلى ذلك في الوقت الحاضر. إن الإرهاب لن يستطيع أبدا أن يصبح عملا عسكريا عاديا: فهو في أحسن الأحوال لا يصلح إلا كواحد من الأساليب المستعملة خلال هجوم حاسم. لكن هل يسعنا في الظرف الراهن أن ندعو إلى مثل ذلك الهجوم الحاسم؟ إن رابوتشييه ديلو تعتقد، على ما يبدو، أنه في وسعنا ذلك. وهي، على كل حال، تصيح: شكلوا طوابير هجومية!. لكن هذا ناتج مرة أخرى عن الحماسة أكثر من العقل. فالسواد الأعظم من قوانا الحربية يتألف من متطوعين ومتمردين. ليست لدينا من القوات الدائمة غير بضع فصائل صغيرة، ناهيك عن أن تلك الفصائل غير معبأة، وغير مترابطة فيما بينها، وغير مدربة على الانتظام في طوابير عسكرية على العموم، فبالأحرى في طوابير هجومية. وفي مثل هذه الأحوال، يجب أن يكون واضحا لكل من يستطيع أن يرى ظروف نضالنا العامة، دون أن ينساها عند كل انعطاف في مجرى الأحداث التاريخي، أن شعارنا في الظرف الراهن لا يمكن أن يكون هو شن الهجوم، بل يجب أن يكون: ضرب حصار محكم حول قلعة العدو. وبتعبير آخر: إن مهمة حزبنا المباشرة لا يمكن أن تكون دعوة جميع القوى الموجودة إلى الهجوم الآن بالذات، بل يجب أن تكون الدعوة إلى خلق تنظيم ثوري قادر على توحيد جميع القوى وعلى قيادة الحركة، لا بالاسم وحسب، بل بالفعل أيضا، منظمة تكون مستعدة على الدوام لتأييد كل احتجاج وكل غليان والاستفادة منه لزيادة وتعزيز القوات المقاتلة الصالحة للمعركة الفاصلة.

إن دروس أحداث فبراير ومارس[6] كبيرة الدلالة إلى حد أنه من المشكوك فيه أن نجد الآن اعتراضات مبدئية على هذا الاستنتاج. لكن المطلوب منا في الوقت الحاضر ليس الحل المبدئي للمسألة، بل الحل العملي. وليس المطلوب أن نوضح لأنفسنا طبيعة التنظيم المطلوب وغايته على وجه الدقة، بل المطلوب أن نرسم خطة معينة للتنظيم لكي يمكن الشروع ببنائه من جميع الجوانب. ونظرا لإلحاح المسألة وأهميتها، نعتزم من جهتنا أن نعرض على الرفاق مسودة مشروع سنبسطه بمزيد من التفصيل في كراس نهيئه للطبع[7].

من وجهة نظرنا إن نقطة الانطلاق لأنشطتنا، والخطوة العملية الأولى لإنشاء المنظمة المنشودة، أو دعونا نقول: الخيط الأساسي الذي، إذا اتبعناه، سيمكننا من أن نطور تلك المنظمة ونعمقها ونوسعها باستمرار، ينبغي أن تكون هي تأسيس جريدة سياسية لعموم روسيا. إن الجريدة هي أكثر ما نحتاج إليه؛ فبدونها يستحيل القيام بدأب وانتظام بالدعاية والتحريض المبدئيين والشاملين، الذين يشكلان المهمة الدائمة والرئيسية للاشتراكية-الديموقراطية على العموم، وتشكلان، على وجه الخصوص، المهمة الملحة في الوقت الراهن، حيث ينتشر الاهتمام بالسياسة وبمسائل الاشتراكية بين أوسع فئات السكان.

لم يسبق أن كانت هناك حاجة ملحة مثلما هو الحال اليوم لتعزيز ذلك التحريض المتفرق في شكل عمل فردي ومنشورات محلية، وكراريس محلية، وما إلى ذلك، بالتحريض المعمم والمنهجي الذي لا يمكن القيام به إلا بمساعدة الصحافة الدورية. ويمكن القول دون مبالغة إن وتيرة وانتظام طباعة (وتوزيع) الصحيفة يمكن أن تكون بمثابة معيار دقيق لمدى متانة بناء هذا القطاع الأساسي والأكثر أهمية من أنشطتنا النضالية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تكون صحيفتنا صحيفة لعموم روسيا. إذا فشلنا، وطالما فشلنا، في توحيد جهودنا للتأثير على الشعب والحكومة عن طريق الكلمة المطبوعة، فسيكون من الطوباوية التفكير في قدرتنا على الجمع بين وسائل أخرى، أكثر تعقيدا وصعوبة، ولكنها أيضا أقوى فاعلية لممارسة النفوذ. تعاني حركتنا في المقام الأول، سواء على المستوى الإيديولوجي أو العملي والتنظيمي، من حالة التشرذم، ومن الانغماس شبه الكامل للأغلبية الساحقة من الاشتراكيين الديمقراطيين في العمل المحلي، مما يضيق آفاقهم ونطاق أنشطتهم ومهارتهم في الحفاظ على السرية واستعدادهم. وهذه الحالة من التشظي بالتحديد، هي التي يجب على المرء أن يبحث فيها عن الجذور العميقة للاضطراب والتذبذب المذكورة أعلاه. إن الخطوة الأولى نحو القضاء على هذا القصور، نحو تحويل الحركات المحلية المتنوعة إلى حركة واحدة لعموم روسيا، يجب أن تكون هي تأسيس صحيفة لعموم روسيا. وأخيرا، ما نحتاجه بالتأكيد هو صحيفة سياسية. فمن دون صحيفة سياسية لا يمكننا تصور وجود حركة سياسية تستحق هذا الاسم في أوروبا اليوم. وبدون هذه الصحيفة لا يمكننا أن ننجز مهمتنا، والتي هي تركيز جميع عناصر السخط السياسي والاحتجاج، وبالتالي تلقيح الحركة الثورية للبروليتاريا. لقد اتخذنا الخطوة الأولى، وأيقظنا في الطبقة العاملة الشغف بالتشهير الاقتصادي المصنعي. ويجب علينا أن نخطو الخطوة التالية: ينبغي لنا أن نوقظ الشغف إلى التشهير السياسي بين جميع فئات السكان الواعية بعض الشيء. ولا ينبغي أن يثبط عزائمنا ما نراه اليوم من ضعف وندرة ووجل في أصوات التشهير السياسي. فهذا ليس بسبب الخضوع الشامل للاستبداد البوليسي، بل لأن أولئك القادرين والمستعدين للقيام بمهمة الفضح ليس لديهم منبر يتحدثون منه، ولا جمهور متحمس ومشجع، ولا يرون في أي مكان بين الشعب قوة تستحق بذل الجهد للتوجه إليها بشكواهم من الحكومة الروسية الجبارة. لكن كل هذا يتغير بسرعة اليوم. فهناك مثل هذه القوة، إنها البروليتاريا الثورية، التي أظهرت استعدادها، ليس فقط للاستماع إلى الدعوة إلى النضال السياسي ودعمها، بل للانخراط في المعركة بجرأة. نحن الآن في وضع يسمح لنا بتوفير منبر لفضح الحكومة القيصرية على الصعيد الوطني، ومن واجبنا أن نفعل ذلك. ويجب أن يكون ذلك المنبر صحيفة اشتراكية ديمقراطية.

تُظهر الطبقة العاملة الروسية، على عكس بقية الطبقات والشرائح الأخرى في المجتمع الروسي، اهتماما مستمرا بالمعرفة السياسية وتُظهر تعطشا متواصلا وواسع النطاق (ليس فقط في فترات الاضطرابات الشديدة) للأدبيات الثورية. وعندما يكون مثل هذا الطلب الجماهيري واضحا، وعندما يبدأ بالفعل تدريب القادة الثوريين المحنكين، وعندما يجعل تركز الطبقة العاملة منها السيدة الفعلية في الأحياء العمالية في المدن الكبرى وفي المستوطنات الصناعية والمجتمعات المحلية، يصير من الممكن تماما للبروليتاريا أن تؤسس صحيفة سياسية. ومن خلال البروليتاريا، ستصل الصحيفة إلى البرجوازية الصغيرة في المدن، والحرفيين الريفيين، والفلاحين، وبذلك تصبح صحيفة سياسية شعبية حقيقية.

ومع ذلك، فإن دور الصحيفة لا يقتصر فقط على نشر الأفكار، والتثقيف السياسي، وكسب الحلفاء السياسيين. فالصحيفة ليست مجرد داعية جماعي ومحرض جماعي، بل هي أيضا منظم جماعي. ويمكن تشبيهها، في هذا الصدد، بالسقالات التي تحيط بمبنى قيد الإنشاء، والتي تحدد معالم البناية وتسهل التواصل بين البنائين، مما يمكنهم من توزيع العمل وعرض النتائج المشتركة التي حققها عملهم المنظم. وبمساعدة الصحيفة، ومن خلالها، من الطبيعي أن تتشكل منظمة دائمة تنخرط ليس فقط في الأنشطة المحلية، بل في العمل العام المنتظم، وتدرب أعضائها على متابعة الأحداث السياسية بعناية، وتقدير أهميتها وتأثيرها على مختلف فئات السكان، وتطوير وسائل فعالة للحزب الثوري للتأثير على تلك الأحداث. إن مجرد المهمة التقنية المتمثلة في تزويد الصحيفة بالمواد بانتظام وتوزيعها بشكل منتظم سوف يتطلب شبكة من الوكلاء المحليين للحزب الموحد، الذين سيحافظون على اتصال مستمر مع بعضهم البعض، ويعرفون الوضع العام للأمور، ويعتادون على أداء مهامهم المفصلة في العمل لعموم روسيا، واختبار قوتهم في تنظيم الأعمال الثورية المختلفة. ستشكل شبكة الوكلاء[8] هذه الهيكل العظمي لنوع التنظيم الذي نحتاجه على وجه التحديد: تنظيم كبير بما يكفي ليشمل البلد بأكمله؛ تنظيم واسع ومتعدد الجوانب بدرجة كافية لتحقيق تقسيم صارم ومفصل للعمل؛ ورابط الجأش بما فيه الكفاية ليكون قادرا على القيام بعمله بثبات تحت أي ظرف من الظروف، وفي جميع المنعطفات المفاجئة، وفي مواجهة جميع الطوارئ؛ ومرنا بما فيه الكفاية ليكون قادرا، من ناحية، على تجنب معركة مفتوحة ضد عدو قوي، عندما يركز العدو كل قواته في مكان واحد، وقادرا، من ناحية أخرى، على الاستفادة من أخطائه ومهاجمته في الوقت الذي لا يتوقعه والمكان الذي لا يتوقعه. نحن نواجه اليوم مهمة سهلة نسبيا تتمثل في دعم المظاهرات الطلابية في شوارع المدن الكبرى؛ وربما سنواجه غدا مهمة أكثر صعوبة تتمثل، على سبيل المثال، في دعم حركة العاطلين عن العمل في منطقة معينة، والتواجد في مواقعنا في اليوم التالي للعب دور ثوري في انتفاضة للفلاحين. يجب علينا اليوم أن نستفيد من الوضع السياسي المتوتر الناجم عن الحملة التي شنتها الحكومة ضد الزيمستفو؛ وقد نضطر غدا إلى دعم السخط الشعبي ضد تعسف قوات القيصر والمساعدة، عن طريق المقاطعة، والتنديد، والمظاهرات، وما إلى ذلك، في جعل الأمور ساخنة للغاية بالنسبة لها بحيث يجبرها على التراجع بشكل علني. لا يمكن تطوير هذه الدرجة من الاستعداد الكفاحي إلا من خلال النشاط المستمر للقوات النظامية. فإذا وحدنا قوانا لإصدار جريدة عامة، فإن هذا العمل سيدرب ويبرز أمهر الدعاة، وكذلك أبرع المنظمين، وأكثر قادة الحزب السياسيين موهبة، ممن يستطيعون عند الاقتضاء أن يرفعوا شعار المعركة الحاسمة ويقودوا تلك المعركة.

وفي الختام لا بد من بضع كلمات لتجنب سوء الفهم المحتمل. لقد تحدثنا باستمرار عن الإعداد المنهجي والمخطط له، لكنه ليست في نيتنا، بأي حال من الأحوال، الإشارة إلى أنه لا يمكن الإطاحة بالحكم المطلق إلا من خلال حصار منظم أو عن طريق هجوم منظم. إن مثل هذا الرأي سيكون سخيفا وعقائديا. فعلى العكس من ذلك، من الممكن تماما، ومن الأكثر احتمالا تاريخيا، أن ينهار الحكم المطلق تحت تأثير إحدى الانفجارات العفوية أو التعقيدات السياسية غير المتوقعة التي تهدده باستمرار من جميع الجهات. لكنه لا يمكن لأي حزب سياسي يرغب في تجنب المقامرات المغامرة أن يبني سياساته على توقع مثل تلك الانفجارات والتعقيدات. يجب أن نسير في طريقنا الخاص، ويجب أن نواصل عملنا المنتظم بثبات، وكلما قل اعتمادنا على ما هو غير متوقع، كلما قلت فرصة أن نفاجأ بأي منعطفات تاريخية.

كتب في أيار/مايو 1901
نشر لأول مرة في جريدة إيسكرا، العدد: 4، مايو 1901
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي


[1]  “رابوتشييه ديلو” (قضية العمال) – صحيفة ذات نزعة “اقتصادوية”، صحيفة اتحاد الاشتراكيين الديمقراطيين الروس في الخارج. صدرت بشكل غير منتظم ونُشرت في جنيف من أبريل 1899 إلى فبراير 1902 تحت رئاسة هيئة تحرير مكونة من ب. ن. كريتشيفسكي، وأ.س. مارتينوف، وف. ب. إيفانشين. صدرت منها 12 عددا.

انتقد لينين آراء جماعة “رابوتشييه ديلو” في كتابه “ما العمل؟”.

[2]  “ليستوك” رابوتشيفو دييلا (ملحق “رابوتشييه ديلو”) صدرت منها ثمانية أعداد في جنيف، على فترات غير منتظمة، بين يونيو 1900 ويوليوز 1901.

[3]  “رابوتشايا ميسل” (الفكر العمالي)، جريدة “اقتصادوية”، صحيفة اتحاد الاشتراكيين الديمقراطيين الروس في الخارج، صدرت من أكتوبر 1897 إلى دجنبر 1902. صدر منها 16 عددا: صدرت الأعداد من 3 إلى 11 والعدد 16 في برلين، والأعداد المتبقية في سان بيترسبورغ. حُررت من طرف ك. م. تاختريف وآخرون.

وصف لينين آراء الصحيفة بأنها نسخة روسية متنوعة من الحركة الانتهازية العالمية، وانتقدها في عدد من مقالاته المنشورة في إيسكرا وفي أعمال أخرى بما في ذلك “ما العمل؟”.

[4]  الاشارة هنا إلى مقال “المهام العاجلة لحركتنا”، الذي نشر افتتاحية للعدد الأول دجنبر 1900.

إيسكرا (الشرارة) ـ أول صحيفة ماركسية غير شرعية لعموم روسيا، أسسها لينين في عام 1900. كان تأسيس صحيفة كفاحية للماركسية الثورية هو المهمة الرئيسية التي واجهت الديمقراطيين الاشتراكيين الروس في ذلك الوقت.

وبما أن نشر صحيفة ثورية في روسيا كان مستحيلا، بسبب الاضطهاد البوليسي، فقد وضع لينين، عندما كان ما يزال في المنفى في سيبيريا، كل تفاصيل خطة نشر الصحيفة في الخارج. وعندما انتهت فترة نفيه في يناير 1900، بدأ على الفور في وضع خطته موضع التنفيذ. في فبراير، أجرى مفاوضات مع فيرا زاسوليتش، التي جاءت بشكل غير قانوني إلى سان بيترسبورغ من الخارج، حول مشاركة مجموعة تحرير العمل في نشر صحيفة ماركسية لعموم روسيا. انعقد ما يسمى بمؤتمر بسكوف في أبريل، بمشاركة لينين، ومارتوف (تسديرباوم)، وبوتريسوف، ورادشينكو، و“الماركسيون الشرعيون” (ستروف وتوغان-بارانوفسكي). ناقش المؤتمر مسودة إعلان هيئة التحرير الذي صاغه لينين حول برنامج وأهداف صحيفة عموم روسيا (إيسكرا) والمجلة العلمية والسياسية (زاريا). زار لينين عددا من المدن الروسية -سان بيترسبورغ، وريغا، وبسكوف، ونيجني نوفغورود، وأوفا، وسامارا- وأقام اتصالات مع المجموعات الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطيين والاشتراكيين الأفراد وحصل على دعمهم لإيسكرا. في غشت، عندما وصل لينين إلى سويسرا، عقد هو وبوتريسوف كونفرانس مع مجموعة تحرير العمل حول برنامج وأهداف الصحيفة والمجلة، وحول المساهمين المحتملين، وحول تشكيلة هيئة التحرير، وحول مشكلة المقر. وللحصول على تقرير مفصل لتأسيس إيسكرا، انظر مقالة “كيف كادت “الشرارة” أن تنطفأ”.

صدر العدد الأول من “إيسكرا” لينين في لايبزيغ في دجنبر 1900؛ نُشرت الأعداد التالية في ميونيخ. ابتداء من يوليوز 1902 نُشرت في لندن. ومن ربيع عام 1903 في جنيف.

كانت هيئة التحرير تتألف من لينين، وبليخانوف، ومارتوف، وأكسيلرود، وبوتريسوف، وزاسوليتش. كان السكرتير الأول لهيئة التحرير هو سميدوفيتش ليمان. وابتداء من ربيع عام 1901، تقلدت هذا المنصب كروبسكايا، التي كانت مسؤولة أيضا عن جميع المراسلات بين إيسكرا وبين المنظمات الاشتراكية الديمقراطية الروسية. كان لينين في الواقع رئيس التحرير والشخصية القيادية في إيسكرا. نشر مقالاته حول جميع المسائل المهمة المتعلقة بتنظيم الحزب والنضال الطبقي للبروليتاريا في روسيا وتناول أهم الأحداث في الشؤون العالمية.

أصبحت “الإيسكرا”، كما خطط لينين، مركزا لحشد قوى الحزب، ومركزا لتكوين قادة الحزب. تم تنظيم مجموعات ولجان تابعة لحزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي في عدد من المدن الروسية (سان بيترسبورغ، وموسكو، وسامارا، وغيرها) على أساس الخط السياسي لإيسكرا. ظهرت منظمات إيسكرا وعملت تحت القيادة المباشرة لأنصار لينين ورفاقه: باومان، وبابوسبكين، وغوسيف، وكالينين، وكرزيزانوفسكي، وآخرون. ولعبت الصحيفة دورا حاسما في النضال من أجل بناء الحزب الماركسي، وفي هزيمة “الاقتصادويين”، وفي توحيد حلقات الدراسة الاشتراكية الديمقراطية المشتتة.

بمبادرة وبمشاركة مباشرة من لينين، قامت هيئة التحرير بوضع مشروع برنامج الحزب (نُشر في إيسكرا، العدد 21) وحضرت لعقد المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، الذي انعقد في يوليوز وغشت 1903. وبحلول الوقت الذي انعقد فيه المؤتمر، كانت أغلبية المنظمات الاشتراكية الديمقراطية المحلية في روسيا قد وحدت جهودها مع إيسكرا، ووافقت على برنامجها وخطتها التنظيمية وخطها التكتيكي، وقبلتها باعتبارها جهازها القيادي. وبموجب قرار خاص، نوه المؤتمر بالدور الاستثنائي الذي لعبته إيسكرا في النضال من أجل بناء الحزب، واعتمد المؤتمر الصحيفة باعتبارها الصحيفة المركزية للحزب. ووافق على هيئة تحرير تتألف من لينين وبليخانوف ومارتوف. وعلى الرغم من قرار المؤتمر، رفض مارتوف المشاركة، وقام لينين وبليخانوف بتحرير الأرقام من 46 إلى 51. وفي وقت لاحق، انتقل بليخانوف إلى موقف المناشفة وطالب بوضع جميع المحررين المناشفة القدامى، على الرغم من رفض المؤتمر لهم، في هيئة التحرير. لم يوافق لينين على ذلك، وفي 19 أكتوبر (1 نوفمبر، بالتقويم الجديد) 1903، غادر هيئة تحرير إيسكرا لتعزيز موقعه داخل اللجنة المركزية وليخوض من هناك النضال ضد الانتهازيين المناشفة. وقد قام بليخانوف وحده بتحرير العدد 52 من إيسكرا. وفي 13 (26) نوفمبر 1903، قام بليخانوف، بمبادرة منه وفي انتهاك لإرادة المؤتمر، بضم جميع المحررين المناشفة القدامى إلى هيئة التحرير. وابتداء من العدد 52، حول المناشفة “إيسكرا” إلى صحيفة لهم.

[5]  الارهاب الذي يدور عنه الحديث هنا، هو تلك العمليات التي كانت تستهدف كبار المسؤولين في الدولة (وزراء، قادة شرطة قمعيون، جواسيس، أعضاء منظمة المائة السود، بل والقيصر نفسه). ولا علاقة لهذا المفهوم كما كان يستعمل في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وبين استعماله في وقتنا الحالي مع صعود تيارات رجعية تستهدف المدنيين بطريقة عشوائية. المترجم.

[6]  يشير هذا المقطع إلى الأعمال الثورية الجماهيرية للطلاب والعمال -المظاهرات السياسية والاجتماعات والإضرابات- التي جرت في فبراير ومارس 1901، في سان بيترسبورغ، وموسكو، وكييف، وخاركوف، وكازان، وياروسلافل، ووارسو، وبيلوستوك. وتومسك وأوديسا ومدن أخرى في روسيا.

إن الحركة الطلابية في 1900-1901، والتي بدأت بمطالب أكاديمية، اكتسبت طابع العمل الثوري ضد السياسة الرجعية للنظام القيصري الاستبدادي؛ وقد حظيت بدعم العمال المتقدمين ولاقت استجابة من جميع فئات المجتمع الروسي. كان السبب المباشر للمظاهرات والإضرابات في فبراير ومارس 1901 هو فرض التجنيد الإجباري على 183 طالبا من طلاب جامعة كييف كإجراء عقابي لمشاركتهم في اجتماع للطلاب. شنت الحكومة هجوما شرسا على المشاركين في التحركات الثورية. وقامت الشرطة والقوزاق بتفريق المظاهرات والاعتداء على المشاركين؛ واعتُقل مئات الطلاب وطردوا من الكليات والجامعات. في 4 (17) مارس 1901، تم تفريق المظاهرة في الساحة أمام كاتدرائية كازان، في سان بيترسبورغ، بوحشية خاصة. كانت أحداث فبراير ومارس دليلا على النهوض الثوري في روسيا. وكانت مشاركة العمال في الحركة تحت شعارات سياسية ذات أهمية كبيرة.

[7]  الإشارة إلى كتاب لينين ما العمل؟ الأسئلة الملحة لحركتنا.

[8]  سيكون مفهوما، بالطبع، أن هؤلاء الوكلاء لا يمكنهم العمل بنجاح إلا باتصال وثيق مع اللجان المحلية (المجموعات، حلقات الدراسة) لحزبنا. وعلى العموم، لا يمكن بالطبع تنفيذ الخطة التي نعرضها برمتها إلا بتوفر الدعم الأكثر نشاطا من جانب اللجان التي حاولت في مناسبات متكررة توحيد الحزب والتي نحن على يقين من أنها ستحقق هذا التوحيد -إن لم يكن اليوم، فغدا، إن لم يكن بطريقة، فبأخرى. لينين.