سنتطرق في هذا الأسبوع إلى نص قصير لكنه محوري للينين، والذي حدد العديد من التكتيكات والأساليب التي لعبت دورا رئيسيا في بناء قوى الحركة الشيوعية في روسيا. كراس “بم نبدأ؟”، الذي كتب عام 1901، هو تفسير موجز لكنه بارع للحاجة إلى المرونة التكتيكية وأهمية الصحافة الثورية. إنه يحتوي على دروس ذات راهنية كبيرة للنضال من أجل بناء حزب ثوري اليوم.
كانت السنوات الأولى من القرن العشرين فترة مضطربة، سواء بالنسبة لروسيا بشكل عام، أو للقوى الماركسية بشكل خاص. ففي فبراير ومارس 1901، اهتزت المدن الكبرى، في جميع أنحاء الإمبراطورية الروسية، بسلسلة من الاحتجاجات الجماهيرية التي نظمها طلاب الجامعات، والتي اجتذبت دعم ومشاركة شريحة كبيرة من العمال. وعلى الرغم من طبيعة تلك الاحتجاجات باعتبارها احتجاجات طلابية ضد الاعتداءات على الحريات الأكاديمية، فإنه سرعان ما تطورت الحركة إلى تبني مطالب سياسية أوسع وأصبحت نقطة تجميع للفئات المتقدمة من الجماهير المضطهَدة.
ورغم أن الحركة تعرضت في النهاية للسحق من قبل الشرطة القيصرية، فإنها كانت علامة واضحة على الغضب المتأجج تحت سطح المجتمع الروسي. كان مسار ذلك المزاج المتطور واضحا، وعبر عن نفسه لاحقا في الثورة الروسية عام 1905، التي أعلنت دخول الطبقة العاملة إلى الساحة. لقد كانت مهمة الشيوعيين واضحة، إذ كانت تلك الفئات بحاجة إلى التنظيم وإلى القيادة السياسية.
عندما اندلعت تلك التوترات الطبقية المتصاعدة، في عام 1901، كان الماركسيون في روسيا يتألفون من حلقات ثورية معزولة، كانت تظهر بشكل خاص بين الطلاب. كانت تلك المجموعات، بعد أن تنمو إلى حجم معين، تحاول عادة إنشاء صحف محلية والتواصل مع العمال. لكن سرعان ما تأتي الاعتقالات فتحطمها، فيتوجب أن تبدأ العملية من الصفر.
لينين، الذي كان قد هرب قبل بضعة أشهر فقط من منفاه في سيبيريا إلى سويسرا، كان على اتصال بمجموعات من الثوريين المتفرقين في جميع أنحاء البلاد، والذين كانوا يفتقرون إلى أي تماسك أو توجيه مركزي. ومع نشر كراس “بم نبدأ؟”، بدأ لينين العمل الدؤوب لتوحيد الشيوعيين الروس على أساس برنامج مشترك، وصحيفة لعموم روسيا، واستراتيجية ملموسة.
جاء المقال في شكل رد على أفكار “رابوتشييه ديلو”، التي كانت صحيفة تصدرها مجموعة من الماركسيين الروس في ذلك الوقت. كانت “رابوتشييه ديلو” قد اقترحت مجموعة متنوعة من التغييرات الجذرية في استراتيجية الثوريين في فترات زمنية مختلفة، تتراوح بين الرفض الكامل لنضال العمال السياسي، إلى المطالبة الفورية باحتجاجات “مستمرة” و”هجوم مباشر” على الدولة القيصرية.
لكن لينين أشار إلى أن الحديث عن “التكتيكات” بشكل مجرد لا يعني شيئا إذا لم يكن هناك حزب متماسك لتنفيذها. وفي مواجهة تشتت أعضاء الحزب، كانت المهمة الأولى للشيوعيين تتلخص في توفير إطار تنظيمي يسمح للحزب بالعمل ككيان واحد.
وكما وضح لينين فإن:
«المهمة المباشرة لحزبنا ليست استدعاء جميع القوى المتاحة لتنفيذ الهجوم الآن، بل الدعوة إلى تشكيل منظمة ثورية قادرة على توحيد جميع القوى وتوجيه الحركة، في خضم الممارسة الفعلية وليس بالاسم فقط».
ما كان الحزب بحاجة إليه آنذاك هو نقطة تجميع يستطيع الرفاق أن ينظموا حولها نشاطهم الحزبي الداخلي وتحريضهم ودعايتهم الخارجية. طرح لينين، ببصيرة متميزة، الدعوة إلى إنشاء صحيفة شيوعية لعموم روسيا باعتبارها الأداة لإنجاز تلك المهمة. وكانت إيسكرا (الشرارة)، بهيئة تحريرها في المنفى، بعيدا عن متناول الشرطة السرية القيصرية، بمثابة الهيئة المركزية التي عملت على توحيد الشيوعيين الروس.
كان من المقرر أن تصبح تلك الصحيفة، التي تنشر عبر كل روسيا، ركيزة أساسية لجميع أنشطة أعضاء الحزب في جميع أنحاء البلاد. كانت مهمتها أن تقدم أفكارا وتحليلات وتقارير ومنظورات واضحة للثوريين في عموم روسيا.
وقد أوضح لينين أن تلك الصحيفة لن تعوض العمل التحريضي الذي يقوم به الرفاق حول القضايا المحلية، بل ستوفر للمنظمة الثورية “سقالات” عامة، أو محورا يمكن أن تتمحور حوله المهام المحددة للمجموعات المحلية.
ومن خلال توحيد المنظمة بأكملها حول صحيفة واحدة، سيتم تعزيز قوة الرفاق سواء عمليا أو سياسيا، ووضع الأساس لبناء حزب قادر على انجاز المهام الهائلة في تلك المرحلة.
لم يتمكن لينين في تلك المقالة القصيرة، من أن يرسم الخطوط العريضة للطريق إلى الأمام بالنسبة للحزب. وبدلا من ذلك، اعتبر أن بم نبدأ؟ ستشكل “الخطة الهيكلية” للكتيب الذي كان سينشره بعد عام واحد بعنوان: “ما العمل؟” وذلك الكتاب الذي يفصل بشكل كامل مقترحات لينين للحزب سيصبح نصا تأسيسيا في تاريخ البلشفية، وسيكون موضوع مقال الأسبوع المقبل في هذه السلسلة.
تعليق واحد
تعقيبات: لينين: بم نبدأ؟ – ماركسي