أدت استعادة الجيش الإسرائيلي، خلال نهاية الأسبوع، لجثث ستة رهائن كانوا محتجزين لدى حماس في غزة، إلى انفجار غضب موجه ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويوم الأحد، خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء إسرائيل. أصيبت البلاد بالشلل بفعل الإضراب العام الذي دعت إليه نقابة الهستدروت (المنظمة العامة للعمال في إسرائيل)، صباح يوم الاثنين 02 شتنبر. يحمل المتظاهرون نتنياهو مسؤولية مقتل الرهائن، نظرا لتخريبه الواضح والمستمر للمفاوضات مع حماس. هذه أزمة سياسية جدية للغاية، وقد تؤدي إلى إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي.
يوم السبت 31 غشت، عثر الجيش الإسرائيلي على جثث ستة رهائن (هيرش غولدبرغ بولين، وإيدن يروشالمي، وأوري دانينو، وأليكس لوبانوف، وكارميل غات، وألموغ ساروسي)، كانت حماس قد اختطفتهم خلال الهجوم المفاجئ الذي شنته في 07 أكتوبر 2023، واحتجزتهم في نفق في رفح.
تبين أن جميعهم كانوا على قيد الحياة قبل ما بين 48 و72 ساعة. وتزعم مصادر إسرائيلية أنهم جميعا تعرضوا لإطلاق النار عدة مرات من مسافة قريبة، مما يشير إلى أنهم أعدموا بينما كانت قوات الجيش الإسرائيلي تقترب من موقعهم. وهناك تكهنات بأن إنقاذ رهينة آخر، فرحان القاضي، من قبل الجيش الإسرائيلي، خلال الأسبوع الماضي، كان هو ربما ما قاد قوات الأمن الإسرائيلية إلى موقع هؤلاء الرهائن الستة الآخرين.
وقد نفى المسؤول الكبير في حماس وكبير المفاوضين، خليل الحية، المزاعم الإسرائيلية بأن الرهائن قد أعدموا قائلا إن: “بعض هؤلاء السجناء قُتلوا مباشرة على يد القوات الإسرائيلية، إما من خلال الغارات الجوية أو الرصاص الحي”.
وفي تصريح لقناة الجزيرة، أشار المسؤول إلى تعثر المفاوضات، قائلا: “رد نتنياهو على قبولنا الوثيقة التي قدمها الرئيس بايدن كان المراوغة ثم فرض شروط جديدة. نتنياهو فرض البقاء في [ممري] فيلادلفيا ونيتساريم ورفض إطلاق سراح سجنائنا المسنين الذين يقضون أحكاما بالسجن المؤبد. لسنا مهتمين بالتفاوض على أساس شروط نتنياهو الجديدة. والحركة تقرر عدم التنازل عن مقترح 02 يوليوز”.
نتنياهو هو المسؤول
بالنسبة لعائلات الرهائن، ونسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي، تعتبر التفاصيل الدقيقة لأسباب مقتلهم غير مهمة. المهم هو أن أقاربهم كانوا على قيد الحياة قبل أيام قليلة فقط وهم الآن قد ماتوا. إنهم يحملون نتنياهو مسؤولية هذه الوفيات بسبب تحريكه المستمر لأعمدة المرمى في المفاوضات مع حماس، والذي يعتقدون بقوة أنه يفعله بهدف وحيد، وهو البقاء في السلطة. وهذا ما أدى إلى تدفق غير مسبوق للغضب الموجه ضد رئيس الوزراء.
في الواقع، كان الجميع في إسرائيل يعلمون أن تصرفات نتنياهو المتهورة قد تؤدي إلى إعدام الرهائن. وكان خبراء عسكريون وأمنيون قد أخبروه بذلك مرارا وتكرارا؛ كما تم توجيه تحذير آخر في اجتماع مجلس الوزراء الأمني، يوم الخميس 29 غشت. جاء نتنياهو إلى اجتماع مجلس الوزراء ومعه “اقتراح” آخر لتحريك أعمدة مرمى مفاوضات الرهائن، كما كان يفعل منذ أشهر. هذه المرة، كان الطلب هو أن يبقى الجيش الإسرائيلي مسيطرا على ممر فيلادلفيا أثناء وقف إطلاق النار لتبادل الرهائن.
ووفقا لتقارير إعلامية، فقد أدى ذلك إلى مشادة كلامية مع وزير الدفاع، يوآف غالانت، من حزب الليكود، الذي ينتمي إليه نتنياهو. دحض غالانت ادعاء نتنياهو بأن الخرائط التي تُظهر سيطرة الجيش الإسرائيلي على ممر فيلادلفيا قد تم الاتفاق عليها بين الجيش والولايات المتحدة، واتهمه بإجبار الجيش على الموافقة عليها.
وتفيد تقارير أكسيوس (Axios ) أنه عند تلك النقطة: “غضب نتنياهو، وضرب بيده على الطاولة، واتهم غالانت بالكذب وأعلن أنه سيعرض الخرائط للتصويت في مجلس الوزراء على الفور”.
ورد غالانت عليه يستحق الاقتباس، حيث قال:
“بصفتك رئيسا للوزراء، فأنت مخول بطرح أي قرار تريده للتصويت، بما في ذلك إعدام الرهائن” (التشديد من عندنا).
ووفقا لنفس التقرير في أكسيوس، فقد أخبر وزير الدفاع مجلس الوزراء أن الموافقة على القرار من شأنها أن تمنح زعيم حماس، يحيى السنوار، المزيد من النفوذ في المفاوضات، وقال: “علينا أن نختار بين فيلادلفيا وبين الرهائن. لا يمكننا الحصول على الاثنين. إذا صوتنا، فقد نكتشف إما أن الرهائن سيموتون أو سنضطر إلى التراجع من أجل إطلاق سراحهم” (التشديد من عندنا).
من المهم أن نؤكد على أن وزير الدفاع غالانت ليس محبا للسلام ولا مؤيدا لحقوق الفلسطينيين. بل على العكس تماما. كانت الطريقة التي جادل بها في اجتماع مجلس الوزراء من أجل الدفاع عن مصالح الأمن القومي الإسرائيلي.
ووفقا لأكسيوس، فقد قال إن الاتفاق من شأنه أن “يقلل من التوترات الإقليمية مع إيران وحزب الله” وبالتالي يسمح للجيش الإسرائيلي “بإعادة التجمع وإعادة التسليح وإعادة التفكير في استراتيجيته وتحويل تركيزه من غزة إلى تهديدات إقليمية أخرى”. إن عدم التوقيع على الاتفاق من شأنه أن يترك “الجيش الإسرائيلي متورطا في غزة، في حين يؤدي إلى تفاقم التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي قد تؤدي إلى حرب إقليمية، بينما يركز الجيش الإسرائيلي على مكان آخر”.
من المهم أن نلاحظ أن غالانت كان واضحا في تحميل الجانب الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن التوقيع أو عدم التوقيع على الاتفاق. هذا هو الوضع الحقيقي في الواقع. فقد أكدت حماس، وكررت ذلك مرة أخرى، أنها وافقت بالفعل على صفقة تبادل الرهائن في 02 يوليوز. وكانت الولايات المتحدة هي التي اقترحت تلك الصفقة ووافقت عليها إسرائيل. لكن وبمجرد أن أعلنت حماس موافقتها، شرع نتنياهو في تغيير موقفه وإضافة مجموعة من المطالب والشروط الأخرى المصممة لإفشال توقيع الاتفاق.
الغضب في الشوارع
ليس من المستغرب إذن أنه بمجرد صدور نبأ اكتشاف ستة رهائن قتلى، انفجر أقارب الرهائن في غضب ضد نتنياهو ودعوا إلى احتجاجات جماهيرية. وأعلن منتدى عائلات الرهائن أنه:
“لولا التأخير والتخريب والأعذار، لكان من المرجح أن هؤلاء الذين علمنا بوفاتهم هذا الصباح ما يزالون على قيد الحياة. لقد تخلى نتنياهو عن الرهائن. هذه حقيقة الآن. ابتداء من الغد سوف تهتز البلد. إننا ندعو الجمهور إلى الاستعداد. سنوقف البلد. لقد انتهى الصمت”.
كانت الاحتجاجات ضد نتنياهو يوم الأحد ضخمة، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع، ربما ما يصل إلى 300 ألف في تل أبيب و200 ألف آخرين في بقية أنحاء البلد. وقد استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لإبعاد المتظاهرين عن الطرق السريعة الرئيسية.
بدأ الاحتجاج في تل أبيب بمسيرة إلى مقر الجيش الإسرائيلي، حيث حمل المشاركون ستة توابيت ترمز لجثث كل من الرهائن الستة الذين تمت استعادتهم ليلة السبت. وهتف المتظاهرون الذين يحملون الأعلام الإسرائيلية، “الآن، الآن!” مطالبين بصفقة رهائن فورية، و”نريدهم أحياء!”
تحدث أقارب الرهائن إلى الحشود. وقال أحدهم، مخاطبا نتنياهو مباشرة: “لو لم تخربوا الصفقة مرارا وتكرارا، لكان 26 رهينة الذين قُتلوا في الأسر هنا اليوم معنا، أحياء. ستة منهم كانوا أحياء حتى الأسبوع الماضي في جحيم لم يكن معظمكم من أعضاء الكنيست ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة فيه ولو ليوم واحد”.
واتهمت إيناف زانغاوكر، والدة أحد الرهائن، رئيس الوزراء بلعب الروليت الروسي بأرواح الرهائن “حتى يموتوا جميعا”؛ وقالت إن الرهائن الستة ماتوا “على مذبح فيلادلفيا”. وأنهت خطابها بالدعوة إلى العمل: “هذا هو الوقت المناسب للتحرك. لهز الأمة حتى يتم التوصل إلى اتفاق. انزلوا إلى الشوارع يا شعب إسرائيل. انزلوا إلى الشوارع!” وفي القدس، احتج الآلاف أمام مكتب رئيس الوزراء في محاولة لتعطيل اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الأمني.
في ظل هذه الأجواء المشحونة أعلن الأمين العام للهستدروت، بار ديفيد، أن النقابة العمالية الإسرائيلية تدعو إلى إضراب عام يوم الاثنين، متعهدا بأن: “البلد بأكملها ستشل غدا”. كما أعلنت نقابة الأطباء دعمها للإضراب. وانضم إلى دعوات الاحتجاجات والإضراب العام سياسيون من حزب العمل المعارض وزعماء المعارضة البرجوازية: بيني غانتس ويائير لابيد.
وناشد وزير الحكومة، اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، المحكمة إصدار أمر قضائي بوقف الإضراب، بحجة أنه لم تتم الدعوة إليه بسبب المفاوضات الجماعية أو المطالب الاقتصادية للعمال، بل كان “إضرابا سياسيا” يهدف إلى التأثير على قرارات الحكومة بشأن “قضايا الأمن القومي الحاسمة”. ولم يكن مخطئا.
هذا إضراب فريد من نوعه. إنه دعوة للعمال لاستخدام قوتهم لتحقيق أهداف سياسية، والتي هي في هذه الحالة، التوصل إلى صفقة رهائن. تحظى هذه الأهداف أيضا بدعم قسم كبير من الطبقة السائدة، لأسباب خاصة بها. في الواقع، خرج كل من منتدى الأعمال وجمعية المصنعين، اللذان يمثلان الرأسماليين، وخاصة أولئك في قطاع التكنولوجيا الفائقة الحيوي، علنا لدعم الإضراب.
ووفقا للجزيرة فإن:
“جمعية المصنعين في إسرائيل قالت إنها تدعم الإضراب واتهمت الحكومة بالفشل في “واجبها الأخلاقي” لإعادة الأسرى أحياء. وقال رئيس الجمعية رون تومر: “بدون عودة الرهائن، لن نتمكن من إنهاء الحرب، ولن نتمكن من إعادة تأهيل أنفسنا كمجتمع ولن نتمكن من البدء في إعادة تأهيل الاقتصاد الإسرائيلي”.
ما لدينا هنا هو نفس ذلك التحالف العابر للطبقات الذي كان وراء الاحتجاجات ضد نتنياهو بشأن الإصلاح القضائي في بداية عام 2023. نحن نشهد مزيجا من حركة جماهيرية من الأسفل، بقيادة أقارب الرهائن، مع أزمة هائلة دخل صفوف الطبقة السائدة وأجهزة الدولة من الأعلى. إن تصرفات نتنياهو مدفوعة بشكل أساسي برغبته في التشبث بالسلطة ومنع الإجراءات القضائية ضده. وفي سعيه لتحقيق هذا الهدف، هو مستعد تماما لإغراق المنطقة بأكملها في حرب دامية، يريد جر الولايات المتحدة إليها.
الانقسامات داخل الطبقة السائدة
لا تشكل حياة الرهائن، في حساباته القاسية، سوى عملة صغيرة يمكنه استخدامها لتحقيق مكاسب سياسية. لقد أدت مناوراته الكلبية إلى عزله عن ناخبيه، وقطاعات كبيرة من الطبقة السائدة الإسرائيلية وحتى العديد من أعضاء حكومته، كما يتضح من صدامه مع غالانت.
نقلت مقالة نشرت في صحيفة هآرتس الصهيونية الليبرالية عن عضو بارز في حكومة نتنياهو إلقاءه اللوم عليه في وفاة الرهائن، حيث قال:
“كان يعلم أن الرهائن يعيشون في وقت مستعار، وأن الرمال في الساعة الرملية الخاصة بهم كانت تنفد. كان يعلم أن هناك أوامر بقتلهم إذا ما حدثت محاولات إنقاذ. لقد فهم معنى أوامره وتصرف بدم بارد وبقسوة. الجميع يعرفون أنه فاسد ونرجسي وجبان، لكن افتقاره إلى الإنسانية انكشف تماما بكل قبحه خلال الأشهر الأخيرة. إن دماء الرهائن على يديه، دون إعفاء حماس من أي مسؤولية”. (التشديد من عندنا).
تنهي صحيفة هآرتس الصهيونية الليبرالية المقال بالدعوة إلى إزاحة بيبي من السلطة، إذ تقول: “إذا كانت لدى أي شخص شكوك حتى الآن، فإن مقتل الرهائن يجب ألا يترك أي شك. يجب أن تكون الكارثة نقطة تحول في الجهود السيزيفية لطرد العصابة الخطيرة والمتطرفة التي استولت على الحكم في إسرائيل”.
يريد قسم كبير من الطبقة السائدة وأجهزة الدولة التخلص من نتنياهو، وذلك ليس لأنهم يهتمون بمصير الرهائن، ولا لأنهم يعارضون المذبحة ضد الفلسطينيين، التي أودت بالفعل بحياة أكثر من 40 ألف شخص. كلا. إنهم يعارضون نتنياهو لأنهم يرون فيه خطرا على مصالح الطبقة الرأسمالية ووجود الدولة الصهيونية ذاته.
أثناء دعوته إلى إضراب عام، عبر سكرتير الهستدروت، بار ديفيد، عن الأمر بهذه الطريقة: “نحن لم نعد شعبا واحدا؛ نحن معسكر ضد معسكر. نحن بحاجة إلى إستعادة دولة إسرائيل”. وبهذا، أظهر نفسه باعتباره خادما مخلصا لمصالح الطبقة السائدة الصهيونية.
إن فكرة كون العمال والرأسماليين متحدون جميعا في الدفاع عن إسرائيل “ضد العدو الأجنبي” هي التي سمحت للطبقة السائدة في إسرائيل بإخفاء الانقسامات الطبقية الحقيقية في البلاد وخلق شعور صهيوني وطني بالتماسك من أجل البقاء في السلطة.
من وجهة نظر بار ديفيد وقطاعات كبيرة من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، فضلا عن الممثلين السياسيين البرجوازيين، فإن نتنياهو يدمر شرعية دولة إسرائيل، ولهذا السبب فهو خطير. وقد أدى هذا إلى أزمة سياسية غير مسبوقة، تصل مباشرة إلى قمة الدولة الإسرائيلية. ويبقى أن نرى ما إذا كانوا مستعدين لإسقاطه بالفعل.
إذا كان هناك من شيء يخشاه الرأسماليون الإسرائيليون أكثر من نتنياهو، فهو إمكانية العمل المستقل من جانب الطبقة العاملة. وهم في هذا أيضا متحدون مع قادة الهستدروت. والإضراب العام الذي كان قد تم الإعلان عنه كإضراب لمدة 24 ساعة بحيث ينتهي في الساعة السادسة من صباح يوم الثلاثاء 03 شتنبر، تم وقفه من قبل زعماء النقابات العمالية ومن المقرر أن ينتهي في الساعة السادسة من مساء اليوم. وكانت محكمة العمل قد قضت بضرورة انتهاء الإضراب بحلول الساعة 2.30 بعد الظهر، وقد وافق زعماء الهستدروت على الامتثال لأمر المحكمة.
قالت لصحيفة جيروزالم بوست: “صرح رئيس الهستدروت، أرنون بار ديفيد، بعد القرار، “نحن نحترم القانون”. وقال أحد ممثلي الهستدروت لراديو 103FM: “نحن أهل القانون. إذا أمرت المحكمة بوقف الإضراب، فسوف نفعل ذلك”. وكما نرى، فإن زعماء النقابات العمالية المزعومين ليسوا مستعدين للوقوف في وجه الدولة الصهيونية.
موقف الولايات المتحدة يلعب دورا رئيسيا في كل هذا بالطبع. إن سياسات نتنياهو، وهجومه الوحشي العشوائي الإبادي على غزة، واستفزازاته المستمرة في لبنان وإيران بهدف توسيع الصراع وجر الإمبريالية الأمريكية، ليست بالضرورة متوافقة مع أهداف الإمبريالية الأمريكية في المنطقة. إنها تهدد بزعزعة استقرار الأنظمة الأخرى التي تريد الولايات المتحدة أن تستند إليها: الملكيات الرجعية في الخليج والأردن، وتركيا ومصر.
ومع ذلك، فكما رأينا منذ البداية، الإمبريالية الأمريكية غير راغبة في تحدي نتنياهو بجدية. لو كان بايدن والإمبريالية الأمريكية راغبين حقا في كبح جماحه، لكان بإمكانهما القيام بذلك بكل بساطة: من خلال قطع المساعدات العسكرية والمالية. لكنهم لم يفعلوا ذلك. كانت هناك تحذيرات. ووبخ بايدن بيبي، في السر والعلن. لكنه لم ينفذ أبدا تهديداته الخفيفة والمبطنة. إن الإمبريالية الأمريكية مسؤولة تماما ومتواطئة في مذبحة الفلسطينيين في غزة.
وفي الوقت نفسه، يتعرض بايدن والديمقراطيون لضغوط كبيرة من طرف قطاعات من ناخبيهم، الذين يتعاطفون مع محنة الفلسطينيين. لقد أعلنت كامالا هاريس بوضوح وقوفها إلى جانب إسرائيل. ولا يوجد أي تغيير في هذا الصدد. فالديمقراطيون هم أحد حزبي الطبقة السائدة الإمبريالية الأمريكية، وبالتالي فهم ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل باعتبارها أحد حلفائهم الرئيسيين في منطقة حاسمة. ومع ذلك، فإن تأمين نوع من الصفقة سيكون في مصلحتهم الانتخابية، على بعد أسابيع من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
ماذا يقول بايدن الآن؟ في مواجهة تخريب نتنياهو المستمر للمفاوضات، أعلن أن الولايات المتحدة ستضع عرض “خذه أو اتركه” على الطاولة. ويقول بايدن إنه سيكون الأمر متروكا لكل من إسرائيل وحماس لقبوله أو أن الولايات المتحدة ستنسحب من المفاوضات.
هذا لا يعني شيئا. فقد كان هناك بالفعل “اتفاق نهائي” في يوليوز، توسطت فيه الولايات المتحدة أيضا على أساس اقتراح وافقت عليه إسرائيل. لكن عندما أعلنت حماس موافقتها عليه، أضاف نتنياهو على الفور مطالب أخرى لإفشال الصفقة. ثم قرر قتل زعيم حماس ورئيس المفاوضين!
الحقائق واضحة. لقد كانت حماس مستعدة تماما للتوقيع على الصفقة. ونتنياهو هو الذي خرب بشكل منهجي كل محاولات التوصل إلى اتفاق.
الاستفزازات في الضفة الغربية
في الوقت نفسه، ومع استمرار المذبحة في غزة، تكثفت استفزازات المستوطنين اليمينيين المتطرفين في الضفة الغربية (تحت حماية الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن والحكومة) فضلا عن التوغلات الإسرائيلية.
لقد كانت مدينة جنين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي خلال الأيام الخمسة الماضية. ووفقا لبلدية جنين، فقد قام الجيش الإسرائيلي بتجريف 70% من شوارع المدينة و20 كيلومترا من شبكات المياه والصرف الصحي منذ أن شن غاراته يوم الأربعاء 28 غشت. وترك عشرات الآلاف من الناس بدون ماء أو كهرباء أو طعام، ومنعتهم قوات الاحتلال من الوصول إلى المساعدات الإنسانية.
لكن القوى الإمبريالية الغربية، التي تحب الحديث عن نظام قائم على القواعد، تغض الطرف عن هذا الأمر بكلبية مطلقة. أو بعبارة أكثر دقة، بتطبيق معاييرها المزدوجة المثيرة للاشمئزاز، حيث تدعم بشكل كامل المذبحة ضد الفلسطينيين. يقال لنا إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن هذا الحق لا يشمل الفلسطينيين بالطبع. تتلقى إسرائيل مليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدات، في حين يذبح الفلسطينيون. وإذا ما تجرأت محكمة دولية على التشكيك في هذا الأمر، فإن ضغوطا هائلة تمارس عليها لكي تلتزم الصمت. كما تتم شيطنة المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، وتفريق اعتصامات التضامن معهم بوحشية، ومضايقة المدافعين عن حقوق الفلسطينيين باستخدام التشريعات المناهضة للإرهاب.
إن الطريقة الوحيدة لكسر الجمود هي من خلال العمل الثوري. العمل الثوري، أولا وقبل كل شيء، ضد الحكومات الغربية التي تشعل الحروب وترتكب جرائم الحرب، والتي لولا دعمها لما كان من الممكن أن تحدث مذبحة غزة؛ وثانيا العمل الثوري في المنطقة للإطاحة بالأنظمة الرجعية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج والأردن ومصر وتركيا وغيرها من الدول التي تتواطأ بشكل كامل في اضطهاد الفلسطينيين.
وأخيرا، لابد وأن يصاحب النضال من أجل تحرير الفلسطينيين سياسة قادرة على تقسيم المجتمع الإسرائيلي على أسس طبقية. إن هذا يتطلب سياسة استقلال طبقي، حيث يتم وضع مصالح العمال اليهود والعرب في إسرائيل في مواجهة مصالح الطبقة الرأسمالية الإسرائيلية، وليس السياسة الحالية القائمة على التعاون الطبقي التي يتبناها زعماء حزب العمال والنقابات العمالية. إن ما تحتاج الطبقة العاملة في إسرائيل إلى فهمه هو أن شعبا يضطهد شعبا آخر لا يمكنه أن يكون هو نفسه حرا أبدا.
وعوض أن تكون إسرائيل “ملاذا آمنا” لليهود، فقد أصبحت بلدا في حرب دائمة مع جيرانها. وذلك لأنها أنشئت من خلال اجتثاث شعب بأكمله، الفلسطينيين، من وطنه التاريخي.
لعقود من الزمان، حافظت الطبقة السائدة الصهيونية على قبضتها على السلطة من خلال توحيد كل السكان اليهود في إسرائيل خلفها تحت ذريعة أن الدولة الصهيونية تضمن أمنهم. لكن هجوم السابع من أكتوبر أدى إلى تفجير هذه الأسطورة. إن الأزمة الحالية تفتح نافذة صغيرة من الفرصة لدق إسفين في المجتمع الإسرائيلي على أسس طبقية، لكن هذا يتطلب بناء قوة ثورية قادرة على فضح نتنياهو وكذلك ذلك القسم الذي يعارضه من الطبقة الرأسمالية؛ قوة ثورية ملتزمة بإنهاء اضطهاد الشعب الفلسطيني.
ولن يتسنى حل هذا الصراع الذي دام أجيالا إلا عندما تتم الإطاحة بالطبقة السائدة الصهيونية، والقضاء على مشروعها، وحصول الشعب الفلسطيني على وطن، وهذا يتطلب ثورة في مختلف أنحاء المنطقة.
خورخي مارتن
2 سبتمبر/أيلول 2024
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:
Explosion of anger against Netanyahu in Israel: “hostages’ blood is on his hands”
3 تعليقات
تعقيبات: هل نواجه حربا عالمية ثالثة؟ – ماركسي
تعقيبات: ناضلوا ضد العدوان الإسرائيلي، ناضلوا ضد الإمبريالية – بيان الأممية الشيوعية الثورية – البديل الماركسي – سوريا
تعقيبات: الشرق الأوسط: حريق من صنع الإمبريالية – ماركسي