المغرب: غشت الشهداء

جريدة الثورة
الأربعاء: 23 غشت 2017

باستشهاد عبد الحفيظ الحداد (سائق تاكسي وأب لثلاث أطفال ومعيلهم الوحيد) نكون أمام ثالث شهيد سقط لنا في شهر غشت (2017). فبعد عماد العتابي وخلادة الغازي، ها هو الحداد يودعنا بعدما اختنق بقنابل الغاز التي تطلقها قوات الملك بكثافة وبشكل يومي لقمع ووقف التظاهر بإقليم الحسيمة.

وقبله كان عماد العتابي قد استشهد متأثرا بقنبلة غازية اخترقت رأسه إثر مشاركته في المظاهرة الوطنية التي أقيمت في الحسيمة يوم 20 يوليوز، بدعوة من نشطاء الحراك الجماهيري بالريف قبل اعتقالهم بالجملة، والتي شارك فيها الآلاف من مختلف المدن رغم الحصار الذي ضرب على كل مداخل المدينة والمنع.

لقد أصيب العتابي، وغيره كثر، يوم 20 يوليوز، لكن إصابته كانت بليغة أدت إلى وفاته إكلينيكيا، واضطرت السلطات إلى حمله بمروحية على وجه السرعة للمستشفى العسكري بالبيضاء، حتى لا يتقاطر المتظاهرين للمستشفى وكذا للتحكم في توقيت إعلان وفاته، خاصة وأن النظام كان يتهيأ للاحتفال بـ “عيد العرش”، ويعلم أن خبر استشهاده سيثير سخط الجماهير، وقد “يشوش” على “الاحتفالات”. ومباشرة بعد “العيد” أعلن النظام أن العتابي قد “توفي”.

واستشهد خلادة الغازي في سجون النظام إثر إضراب عن الطعام لمدة 90 يوما، على خلفية حكم قضائي جائر كان لصالح أحد عناصر المافيا العقارية المتحالفة مع السلطة في إقليم أزيلال. وكان خلادة قد خاض، بجانب 40 أسرة، اعتصاما دام سبعة أشهر، بعدما منع أحد “المنعشين” العقاريين الطريق على كل الأسر للوصول إلى منازلهم. وعوض إنصافهم تم اعتقاله والتنكيل به.

أما الحداد فقد تأثر بالغازات التي تطلق على المتظاهرين يوميا بالريف وبعد نقله للمستشفى، يوم 11 غشت، لم يلق غير الإهمال ليستشهد يوم 18 غشت. وبدل أن يحاكم المتورطون في اغتياله وكذا من تسبب في إهماله في المستشفى، تم اعتقال أحد الممرضين وتقديمه للمحاكمة، لأنه قام بتصويره في المستشفى وأخبر أهله بأنه قد استشهد، وهو الخبر الذي كانت الدولة تعمل على التستر عليه.

ثلاثة شهداء في شهر واحد فقط، وربما كان العدد سيكون أكبر لو لم يوقف ربيع الأبلق (المعتقل السياسي على خلفية حراك الريف) إضرابه عن الطعام، الذي وصل إلى 40 يوما، والذي خاضه تحت شعار “البراءة أو الشهادة”. وكان قد نظم قبله مجموعة من المعتقلين السياسيين، في سجن عكاشة، حركة إضراب مفتوح عن الطعام.

قدم حراك الريف لحد الآن ثلاث شهداء: محسن فكري، والذي كان استشهاده الحدث الأساسي الذي انطلق منه الحراك الجماهيري ودام لأكثر من تسعة أشهر. وفي هذا المسار خاضت الجماهير الشعبية في الريف سلسلة طويلة من الاحتجاجات عمت كل المنطقة وسطرت ملف مطلبي، وعماد العتابي والحداد.

وبالإضافة إلى الشهداء قدم الحراك أكثر من 350 معتقلا والعشرات من المتابعين وكذا العشرات من الضحايا إثر التدخلات الهمجية التي تقوم بها قوى القمع في الريف.

وفي سنة 2011، وبالضبط يوم 20 فبراير، تاريخ انطلاق حركة 20 فبراير التي عمت كل جهة وإقليم في المغرب، ومن أجل لجم الحراك الذي كان بالكاد قد انطلق، عمد النظام إلى حرق خمسة من الشباب في إحدى الوكالات البنكية بمدينة الحسيمة. نفس الهمجية والقمع الذي ووجهت به حركة 20 فبراير في مختلف مدن المغرب استعملت لمواجهة حراك الريف وكل المدن المتضامنة والتي قدمت من أجل هذا التضامن معتقلين، كمدينة القنيطرة مثلا.

إن هذا الإمعان في القمع والاعتقال والقتل من جانب النظام في الرد على المظاهرات والنضالات الشعبية، دليل على طبيعة متأصلة فيه وليس مجرد سلوك عرضي لهذا المسؤول أو ذاك، لهذا الجهاز أو ذاك. وهذا ما يتضح من خلال خطاب العرش الأخير الذي من خلاله نوه الملك بـ “الأمن” ورفع لهم القبعة على ممارستهم القمعية التي يواجهون بها مظاهرات سلمية لساكنة لا تمتلك غير حناجرها لتوصل بها رسائل مفادها استحالة العيش في هكذا وضع وعزمها على مواصلة الطريق في درب النضال من أجل العيش الكريم ومن أجل مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية.

غشت الشهداء

يصادف شهر غشت ذكرى استشهاد أكثر من شهيد سقط في معركة الانفكاك من هذا النظام القمعي الجائر. ففي 25 غشت من سنة 1984 أعلن استشهاد الرفيق الدريدي مولاي بوبكر، بعدما خاض 55 يوما من الإضراب عن الطعام. ويوم 28 غشت من سنة 1984 أعلن كذلك عن استشهاد الرفيق مصطفى بلهواري، الذي خاض بدوره، مع رفاقه المعتقلين على خلفية انتفاضة 84، إضرابا عن الطعام دام 56 يوما. ويوم 19 غشت من سنة 1989، وبإضراب عن الطعام كذلك استشهد الرفيق عبد القادر شبادة، الذي بدء إضرابه اللامحدود يوم 17 يونيو(62 يوما من الإضراب). وسنة 2014 وفي 13 غشت سيزف للشعب المغربي خبر استشهاد الرفيق مصطفى المزياني، المعتقل في سجون النظام، بعد 72 يوما من إضرابه عن الطعام.

إننا أمام كوكبة من الشهداء سقطوا في خضم النضال من أجل التحرر من هذا النظام الطبقي. شهر غشت يشهد ويدون أسمائهم بفخر.

الانتقام:

إن أقوى سلاح تمتلكه الجماهير في مجابهة البرجوازية ودولتها هو التنظيم. وبجانبه طبعا وعيها الثوري.

حرب طويلة خاضها كادحي وكادحات المغرب ضد هذا النظام الطبقي القائم منذ فجر “الاستقلال”. بجانب الإضرابات العامة، كانت الانتفاضات الجماهيرية التي كادت أن تعصف بالنظام وتطوي صفحته نهائيا. لم ينقص الجماهير في كل تلك المعارك التاريخية لا البطولة ولا العزيمة ولا الشجاعة في الصراع.. دائما كان سلاح التنظيم هو ما تفتقده.

لخص تروتسكي سنة 1938، في البرنامج الانتقالي، الأزمة بقوله:

“إن الأزمة التاريخية التي تعاني منها الإنسانية تتلخص في أزمة القيادة الثورية”. بهذا يمكن أن نتعرف على أزمتنا، نحن الطبقة العاملة والشعب المغربي عموما، في نضالنا من أجل الإطاحة بنظام الاضطهاد والاستغلال الطبقي. إن أزمتنا أزمة قيادة. إن التنظيم الثوري، تنظيم الكوادر الثورية وطليعة النضال الثوري، هو الحلقة المفقودة وفقدانها سيطيل، شئنا أم أبينا، من عمر النظام ومعه كل شرور الدكتاتورية والرأسمالية.

ليست مهمة بناء القيادة الثورية مسألة ثانوية أو ترفا، إنها الإجابة الأهم التي يقدمها الماركسي لتخصيب النضال وربطه بمشروع طبقي واضح المعالم.

ليس النضال هدفا في حد ذاته، إنه فقط الفعل الذي من خلاله يمكن أن نحقق الهدف النهائي. وبين النضال والهدف النهائي يجب أن نتوفر على الآلية المناسبة.

ببناء هكذا آلية، أي الحزب العمالي الثوري، سنكون قد وضعنا اللبنة الأولى في مشروع تحررنا وفي مشروع انتقامنا لكل الشهداء الذين سقطوا لنا في معركة تحررنا النهائي.

إن الانتقام يجب أن يكون انتقاما طبقيا واعيا ومنظما، ومن أجل هذا الانتقام تمثل مسألة بناء الحزب الثوري المهمة الملحة لكل مناضل ثوري وهي النقطة الأولى في جدول أعماله لأنه بالحزب وحده يمكن أن نحقق الانتصار، يقول تروتسكي:

«فبدون حزب ثوري قادر على توفير قيادة واعية للطاقة الثورية للطبقة العاملة، سوف تتبدد هذه الطاقة هباء، مثل بخار غير موجه داخل مكبس»، وحتى لا يتبدد هذا النضال ويتبخر، شاركنا مهمة بناء حزب الثورة، حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.