نحن، في التيار الماركسي الأممي، نشعر بأسى عميق جدًا على هذه الأرواح البريئة التي دفعت ثمن فساد الطبقة البرجوازية في العراق، والتي لم تهتم يومًا لحياة الجماهير.
نعزي ذوي ضحايا فاجعة البصرة ونعزي الجماهير في البصرة وعموم العراق على هذه الفاجعة الأليمة التي يصعب وصفها مهما حاولنا.
ماذا حدث؟
لقد صرحت وزارة الداخلية العراقية أن ستة تلاميذ بالمرحلة الابتدائية لقوا حتفهم وأصيب 14 آخرون، بعدما دهست شاحنة تبريد مجموعة من الأطفال في مدينة البصرة.
وأضافت أن سائق الشاحنة فقد السيطرة عليها بعد عطل في المكابح مما أدى إلى اصطدامه بمجموعة من تلاميذ إحدى المدارس الابتدائية القريبة الذين كانوا يسيرون على جانب الطريق في بلدة الهارثة على الضواحي الشمالية للبصرة.
لكن هل هذه الحكاية فقط؟
هذا ما تحاول اقناعنا به الطبقة السائدة بممثليها، أنه مجرد حادثة سير، لكن الحقيقة هي أن هذه الحادثة كان يمكن تجنبها، حيث انه قبل الفاجعة بأيام انتشر فيديو يحذر من كارثة قد تحدث بسبب طريقة عبور الأطفال من هذا الطريق، وكيف أنه لا يوجد شرطي مرور لتنظيم عبور التلاميذ بشكل امن.
أي ان المشكلة كانت مطروحة فعلا لكن تم إهمالها!
في مقابلة أجرتها قناة وان نيوز مع ذوي الضحايا ذكر أحدهم أن عوائل التلاميذ هم المتكلفين بمساعدة أبنائهم عبور الطريق، أي دون وجود شرطي مرور وإن وجد فلا يكون إلا مرة في الأسبوع!
إضافة إلى هذا، لا يوجد أي جسر للمشاة، بهذه الوضعية فالتلاميذ معرضون بشكل كامل للموت.
وبالفعل لو أطلعنا على نموذج التخطيط العمراني لقضاء الهارثة (القضاء الذي وقعت فيه الفاجعة)، سنجد أن المدارس تقع على جانبي الطريق دون وجود أي جسر للمشاة.
والموضوع ليس محصورا في هذه الفاجعة بالبصرة، بل هناك سوابق لإهمال هذا النظام في كامل العراق.
لم ننس بعد عائشة باسم نوري، طالبة الصيدلة التي دُهست خلال محاولتها عبور شارع سريع للوصول إلى جامعتها. هذه الفاجعة أشعلت موجه احتجاجات بين الطلبة أدت للإضراب عن الدراسة احتجاجًا على عدم إنشاء جسر مشاة، وتعرضهم للخطر بسبب حوادث الدهس.
نظام فاسد لا يستحق الوجود
بعد الغزو الامبريالي سنة 2003 الذي أعاد البلد قرون إلى الوراء جاء هؤلاء السياسيون البرجوازيون فوق ظهور الدبابات الأمريكية واعدين بمستقبل أفضل للشعب وبتقديم بديل للجماهير يعوضهم عن حقبة ديكتاتورية صدام حسين وحزب البعث التي عاشوها لعقود، لكن ما الذي حققوه؟ إن البرجوازية الحالية دخلت بمنافسة مع البرجوازية البعثية التي كانت تحكم بالسابق، منافسة ليس فقط على أساس اقتصادي، بل منافسة تقوم ايضًا على من سيقوم بسحق الشعب بأفضل الطرق ممكنة.
و”برجوازيتنا” اليوم، لتحقيق هذه الغاية، تحولت إلى ما يشبه عصابات المافيا، بدلًا من الاستثمار لحماية وانقاذ حياة الجماهير، أي للحفاظ على حياتهم على الأقل رغم هذا البؤس كله، أصبحت تعتاش على النهب فقط، مع فتات قليل من المنجزات هنا وهناك للتخدير
على ما يبدو أنه فعلًا ما يقال صحيح “سقط صدام فظهر ألف صدام”، فشكرًا للإمبريالية على “تحريرها” هذا، كيف ستبدو القيود لو كانت هذه هي الحرية؟
وكما نرى الآن يحاول ممثلو الطبقة البرجوازية السائدة في العراق، من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومحافظ البصرة أسعد العيداني، تصوير الموضوع كأنه مجرد حادث مؤسف عابر.
لكن الحقيقة هي أنه كان من الممكن تجنب هذه الفاجعة وإنقاذ حياة أطفال لا ذنب لهم إلا كونهم ولدوا في ظل هذا العصر البائس الذي تحكم فيه الرأسمالية، التي أوصلت فيه البشرية، وفي العراق على وجه الخصوص، إلى أعماق القاع.
الآن البرجوازية أثبتت لنا مرة أخرى اليوم أنها تفضل الأرباح والسرقة على حياة الملايين، هذا ما يحسه ذوي الضحايا، وهي مشاعر ملايين العمال وعموم الكادحين في العراق، مشاعر السخط على هذا النظام بكل البؤس الذي ينتجه.
مشاعر السخط هذه تظهرها لنا المقابلة التي أجرتها قناة وان نيوز مع ذوي الضحايا، قال أحدهم «هم يسرقون المليارات ألا يمكنهم أن يبنوا جسر عبور للطلاب؟»
أرواح قد ضاعت بسبب عبثية هذا النظام المجرم، ولكيلا ترحل المزيد من الأرواح البريئة تحت وطأة هذا النظام، فيجب إسقاطه مرة وإلى الأبد.
ولكي نقيس مدى الانحطاط الذي تسببت به الطبقة السائدة البرجوازية في العراق، يمكننا أن نرى الفضيحة الجنسية الأخيرة لعميد كلية الحاسوب في البصرة.
أرواحنا ليست لعبة
هذا هو الشعار الذي رفعه زملاء وزميلات عائشة باسم نوري في الاحتجاجات بعد وفاتها، وهذا ما ننادي به نحن كذلك، يجب وقف سيلان الدم هذا، لا يمكن لفاجعة عائشة ولفاجعة أطفال البصرة أن تمر مرور الكرام.
الاحتجاجات والاضرابات التي أشعلتها فاجعة عائشة تظهر لنا أن الطلبة والطالبات مستعدين لخوض النضال، وهذه الحركة هي الخطوات الأولى للرد على هذا الإهمال الإجرامي.
ولهذا ندعو المناضلين والمناضلات الشيوعيين/ات الثوريين/ات في العراق إلى تكثيف النضال من أجل تعويض عادل لضحايا الفاجعة وإلى محاسبة كل المسؤولين، بما فيهم محافظ البصرة أسعد العيداني.
والنضال من أجل فرض تطبيق مخطط عاجل للاستثمار في البنية التحتية، من طرق وسكك حديدية، وتشييد قناطر المشاة في المدن وتحصين المؤسسات التعليمية.
إن النضال من أجل هذه المطالب يندرج ضمن نفس النضال ضد الفساد والاستبداد، اللذان يشكلان أبرز مظاهر تعفن الرأسمالية في عصر انحطاطها. وبالتالي يجب أن نخوضه بمشروع اشتراكي ثوري، يقوم على ضرورة حسم العمال للسلطة السياسية والاقتصادية وإسقاط طبقة الطفيليين وخدامهم ووضع كل الثروات في خدمة مصالح المجتمع ككل.
ومن هذا المنطلق ندعوكم للانضمام لنا للأممية الشيوعية الثورية من أجل بناء الحزب الثوري والنضال لإنهاء سيلان الدم هذا، لأن أرواحنا ليست لعبة.