خلال نهاية الأسبوع المنصرم، الأحد 19 نوفمبر 2017، توفيت 15 امرأة إثر تدافع مئات النساء اللائي كن ينتظرن الحصول على مساعدات غذائية، عبارة عن كيس صغير من الدقيق، من إحدى الجمعيات في منطقة سيدي بولعلام، بإقليم الصويرة، وما زال عدد الضحايا ينذر بالارتفاع، بالنظر إلى خطورة الإصابات المسجلة في صفوف الجريحات.
وفي هذا الصدد قال التقرير الرسمي، عبر بلاغ لوزارة الداخلية: «[…] 15 شخصا لقوا مصرعهم، وأصيب خمسة آخرون بإصابات متفاوتة الخطورة، في حادث تدافع وقع خلال عملية توزيع مساعدات غذائية نظمتها إحدى الجمعيات المحلية بالسوق الأسبوعي لجماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة […] وعلى إثر هذا الحادث، أصدر الملك محمد السادس، تعليماته السامية إلى السلطات المختصة لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من أجل تقديم الدعم والمساعدة الضروريين لعائلات الضحايا وللمصابين […] كما قرر […] التكفل شخصيا بلوازم دفن الضحايا ومآتم عزائهم وبتكاليف علاج المصابين». دون أن ينسى، طبعا، الإشارة إلى أنه قد تم: «فتح بحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة لمعرفة ظروف وملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات».
وتم تشييع جثامين الضحايا يوم الاثنين 20 نوفمبر 2017، بسرعة قياسية، إذ دفنّ في اليوم الموالي لمقتلهن وذلك لاستغلال حالة الصدمة من أجل إخفاء معالم الجريمة ومنع تناسل التساؤلات حول الأسباب العميقة التي أجبرتهن، وأجبرت المئات غيرهن، على التجمهر بكل تلك الأعداد الهائلة ساعات طويلة، لاستجداء دقيق ممرغ بالذل والمهانة، في بلد الفوسفاط والكوبالت والثروة السمكية الهائلة وغيرها من الثروات.
لكننا، نحن الماركسيون، نرفض أن ندع هذا الحادث المأساوي يمر دون أن نطرح الأسئلة عن الأسباب العميقة وراءه والمسؤولين الحقيقيين عنه، ونقدم البديل الذي يمكن الشعب المغربي من العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية.
وقبل كل شيء نقول إن خروج كل تلك الأعداد الهائلة من النساء لتسول كيس من الدقيق تعبير ليس فقط عن مستوى التجويع والتفقير التي وصل إليها الشعب المغربي بسبب سياسات الطبقة الرأسمالية الحاكمة في المغرب، بل كذلك على نجاح سياستها الإجرامية في نشر ثقافة الذل واستجداء “الإحسان”، كبديل عن ثقافة الحق والنضال.
يعمل النظام القائم على نشر وتكريس ثقافة الذل والاستجداء بكل الطرق وفي جميع المناسبات، وخاصة تلك الخرجات الفلكلورية التي يقوم بها محمد السادس نفسه عندما يجمعون له ضحايا البؤس والشقاء لكي يتم تصويرهم وهم يأخذون تلك القفة الهزيلة ويقبلون الأيدي ويظهرون المسكنة في منظر مقزز، وكأنهم ليسو مواطنين ولا بشر لهم حق في العيش الكريم والاستفادة من ثروات بلدهم، أو كأنهم لاجئون من بلد آخر. وحملة توزيع محافظ الأدوات المدرسية على الأطفال والتي من المفترض أن تكون حقا بديهيا، بالنظر إلى أنهم مواطنون مغاربة وهي حملة ممولة من الميزانية العامة وليست صدقة من أحد. لكنهم يريدون أن يحطموا كرامة الشعب المغربي ويعلموه أنه لا يمتلك حقا إلا ما يجودون به عليه، وأنه عليه أن يستمر في الشكر وأنه الأدنى وهم الأعلون.
والأكيد أنه لو كانت تلك النساء مجتمعات بتلك الأعداد في وقفة احتجاجية أو مسيرة للمطالبة بحقوقهن لكانت الهراوات والغازات المسيلة للدموع قد نزلت على رؤوسهن ولتعرضن للاعتقال، مثلما حدث في الريف وزاكورة وكما يحدث للعاملات المعتصمات أمام أبواب المصانع وفي كل ربوع البلد. لكن بما أنهن كن مجتمعات لتلقي “الإحسان” ولتمرغ كرامتهن في الوحل فذلك مقبول، بل ذلك هو المقصود.
إنه نظام مجرم، فبعد أزيد من 60 سنة على ما يسمى بالاستقلال، وبرغم كل الثروات التي يتمتع بها المغرب، ما زال أبناء الشعب مضطرين إلى استجداء المساعدات الغذائية الأساسية بتلك الطرق المذلة والمهينة للكرامة البشرية، التي لا يمكن أن تحدث إلا مع شعب يعيش تحت حصار عدو غاشم أو يعاني حربا مدمرة. وهذا بالفعل ما يحصل: إن الشعب المغربي يعيش تحت حصار طبقة من الطفيليات الجشعة تحت نظام دكتاتوري يستنزف الأخضر واليابس في حرب مدمرة غير معلنة وغير كلاسيكية، حرب الاستغلال والنهب.
المغرب بلد غني جدا جدا بالثروات، أهم ثرواته ساكنة شابة تمثل أغلبية السكان، شباب قادرون على العمل وإبداع ويرغبون في ذلك، بل يتحرقون شوقا لمنصب شغل، ويضطرون لرمي أنفسهم في البحر بحثا عن فرصة للعمل.
كما أنه بلد يمتلك ثروات طبيعية قلما تتوفر لبلد بحجم المغرب: فنسبة الأراضي الصالحة للزراعة من مساحة المغرب هي 12%، أي ما يعادل 90 ألف كيلومتر مربع (9 ملايين هكتار)، وهي مساحة تساوي ثلاثة أضعاف مساحة بلجيكا (30.528 كيلومتر مربع). الثروة السمكية هائلة بدورها، فالمغرب، سنة 2014، جاء في المرتبة 18 عالميا والأولى عربيا بمليون طن من الأسماك.
كما يتوفر المغرب على ثروة معدنية مهمة، ممثلة أساسا في الفوسفات، إذ يحتضن أكبر احتياطي في العالم (75% من الاحتياطي العالمي) ويحتل المرتبة الثالثة عالميا في الإنتاج بحوالي 29,5 مليون طن سنويا، وهو أول مصدر لهذه المادة بما قيمته حوالي 14,49 مليار دولار. وتقدر نسبة اليورانيوم الممكن استخراجها من الفوسفاط المغربي بستة ملايين طن أي ما يعادل ضعف المخزون العالمي المكتشف حاليا.
ويحتل المرتبة الأولى عربيا في إنتـاج الفضة، بحجم إنتاج بلغ عام 2009 على سبيل المثال، 178 طن. والمرتبة الأولى عربيا في إنتـاج النحاس، بإنتاج بلغ في نفس السنة 28,7 طن. كما أنه يحتل المرتبة 61 عالميا في إنتاج الذهب. ويضم مخزونا هائلا من الحديد ومعادن أخرى من قبيل الرصاص والمنغنيز والكوبالت والزنك والأنتيمون والفليور، الخ، الخ. (انظر مقالنا: النظام مفلس يستحيل إصلاحه، الاشتراكية هي البديل)
لكن ورغم ذلك فإن 23% من الأطفال المغاربة مصابون بالتقزم، و10% منهم يعانون من نقص في الوزن، و12% مصابون بالهزال. أما فيما يخص وفيات الأطفال، البالغين من العمر أقل من 5 سنوات، فإن المغرب يعتبر، حسب منظمة اليونيسيف، الأسوء بين بقية بلدان المنطقة المغاربية، ولا يقترب حتى من تلك النسب المسجلة في البلدان الأقل نموا. وهو ما يتضح من خلال التقرير الذي نشرته، حيث أشارت إلى أنه يسجل وفاة 28 في الألف بعيدا وراء تونس التي تسجل 14 في الألف وليبيا 13 في الألف، بل ووراء كل من الجزائر 26 في الألف ومصر 24 في الألف والأردن 18 في الألف، ناهيك عن دولة مثل كوبا التي تسجل 6 في الألف. أما بخصوص التعليم فطفل واحد بين اثنين محروم من التعليم الأولي. و12,4% من الأطفال البالغين ما بين 12 و14 سنة لا يذهبون إلى المدرسة، وتبلغ النسبة 25% في البادية.
هذا وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد أكدت أن ما يقارب مليون و685 ألف شاب، تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين. وأشارت إلى أن النساء الشابات هن الأكثر تضررا من هذا الوضع، إذ تصل نسبتهن إلى 44% من الشابات المغربيات، أي مليون و319 ألف .
هذا بينما أغنياء المغرب يزدادون غنى. فحسب صحيفة telquel.ma، تمكنت 500 شركة مغربية من تحسين أرباحها سنة 2016، بالرغم من ضعف معدل النمو الذي لم يتجاوز 1,2% والذي يعتبر الأضعف منذ 2000. وعلى رأس هذه الشركات جاء المكتب الشريف للفوسفاط الذي حقق 42,47 مليار درهم سنة 2016، تليه اتصالات المغرب.
ويحتل التجاري وفابنك، المملوك من طرف الهولدينغ الملكي، “الشركة الوطنية للاستثمار”، قمة لائحة تضم أكبر 500 شركة عربية، حسب المجلة الأمريكية فوربس، والتي أكدت وجود 39 شركة مغربية أخرى في اللائحة .
الهولدينغ الملكي، “الشركة الوطنية للاستثمار”، الذي يهيمن على كافة القطاعات الاقتصادية المغربية الكبرى، من بنوك وشركات تأمين واتصالات وشركات عقارية وسياحية وقطاع الطاقات النظيفة والصناعات الغذائية، الخ، حقق لوحده سنة 2015 رقم أعمال يعادل 3,5% من الناتج المحلي الخام المغربي. إلى ذلك نضيف أن ميزانية البلاط الملكي لسنة 2017، قد ارتفعت مقارنة مع سنة 2016، لتصل إلى 2 مليار و80 مليون و891 ألف درهم.
وكانت مجلة فوربس كذلك قد أدرجت المليارديرين المغربيين عزيز أخنوش وأنس الصفريوي في لائحة أصدرتها عن كبار أصحاب الملايير في إفريقيا لسنة 2016. بثروة تساوي 1,4 مليار دولار، لأخنوش، محتلا بذلك الرتبة 16 إفريقيا، وثروة تساوي 1,1 مليار دولار لأنس الصفريوي، مما مكنه من احتلال المركز 18. كما أشارت تقارير أخرى إلى امتلاك عثمان بن جلون لثروة بلغت 2,3 مليار دولار وامتلاك الشعبي لثروة تساوي 1,3 مليار دولار.
وأشارت منظمة النزاهة المالية العالمية في تقرير لها إلى أن «حجم الأموال التي تم تهريبها من المغرب إلى الخارج، خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2004 و2013، فاق 41 مليار دولار أمريكي»؛ وأن الأموال المهربة نحو الأبناك السويسرية تتزايد بمعدل 11,5% سنويا، وأن أزيد من 30% من ثروات الأسر الغنية في المغرب موجودة بحسابات أجنبية في بنوك سويسرا وبريطانيا والجنات الضريبية.
وكل هذا غيض من فيض لأن هناك ثروات هائلة أخرى مسكوت عنها، ونقصد ثروات جنرالات الجيش وكبار المسؤولين في الدولة وغيرهم من ناهبي ثروات البلد. هذا هو السبب الحقيقي في الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب المغربي، في التعليم والصحة والعمل وكل ظروف العيش، وهذا هو السبب الحقيقي في فقر هؤلاء النساء اللائي قتلن يوم أمس تحت الأقدام.
ليس هناك من حل في ظل النظام القائم، نظام الاستغلال والدكتاتورية. إنه نظام نفس تلك الأقلية التي تنهب ثروات البلد وتفقر الشعب المغربي، ولا يمكنه أن يحقق أي تحسين جدي في ظروف عيش الأغلبية الساحقة. لا ثقة في مشاريعه وبرامجه ولا في لجان التحقيق التي يشكلها لذر الرماد في العيون.
لا ثقة إلا في قوتنا الخاصة وفي النضال العمالي الشعبي الموحد من أجل إسقاط هذا النظام ومصادرة ملكيات ناهبي الملكية، وتأميم المناجم والضيعات الكبرى والشركات والأبناك، المحلية منها والعالمية، ووضعها تحت رقابة مجالس العمال والفلاحين الفقراء لتسييرها وفق مخطط اشتراكي للإنتاج، لخدمة الحاجيات الاجتماعية للأغلبية الساحقة من العمال والفلاحين وليس مصالح حفنة من الأغنياء.
فقط في ظل نظام مجالس العمال والفلاحين الفقراء والاقتصاد المخطط بطريقة ديمقراطية سيصير من الممكن القضاء على الجوع والحاجة والبطالة وغيرها من مآسي الرأسمالية، وبالتالي القضاء على ثقافة “الإحسان”. وبذلك سنبني مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وننتقم لدماء تلك البريئات اللائي سحقن تحت أقدام أخواتهن في الشقاء بعدما سحقن طوال حياتهن تحت أقدام الطبقة الحاكمة ودولتها.
أنس رحيمي
22 نونبر 2017