الرئيسية / تحليلات تاريخية / الثورة الروسية / لينين حول المسألة النسائية

لينين حول المسألة النسائية

كثيرا ما تكلم معي الرفيق لينين عن قضية النساء. إن العدالة الاجتماعية للنساء هي، بالطبع، مبدأ لا نقاش فيه بالنسبة  للشيوعيين. وأول نقاش مطول أجريناه حول هذا الموضوع كان في مكتبه الواسع بالكريملين، خريف سنة 1920.

بدأ لينين بالقول: “يجب علينا ان نبني حركة أممية قوية للنساء، مبنية على أسس نظرية واضحة”. ثم أضاف: “لا توجد ممارسة جيدة بدون النظرية الماركسية، هذا واضح. من الضروري لنا، باعتبارنا شيوعيين، أن نمتلك أقصى أشكال الوضوح في المبادئ بخصوص هذه المسألة. يجب ان يكون هناك تمييز صارم بيننا وبين جميع الأحزاب الأُخرى. لكن ولسوء الحظ فإن مؤتمرنا العالمي الثاني لم يتناول هذا الموضوع. لقد تم طرحه لكن دون التوصل لأي قرار. ما يزال الموضوع في اللجنة، والتي يتوجب عليها وضع قرار، وأطروحات، وتوجيهات. لكنهم ولحد اليوم لم يستطيعوا احراز الكثير من التقدم، سيكون عليك أن تقدمي يد المساعدة”.

كنت على علم بما قاله لينين وعبّرت عن استغرابي من الحالة الراهنة. كنت متحمسة جدا للعمل الذي قامت به النساء الروسيات في الثورة وفي الدفاع عنها وتطويرها. أما بالنسبة لمكانة الرفيقات وأنشطتهن داخل الحزب البلشفي، فقد بدا لي أنه حزب نموذجي. هو الوحيد الذي شكّل حركة نسائية شيوعية أممية من قوى مفيدة ومدرّبة وذات خبرة، ومثالا تاريخيا.

حركة النساء العاملات

“هذا كلّه صحيح وجيّد”، قال لينين بابتسامة هادئة.

ففي بتروغراد، وهنا في موسكو، وغيرهما من المدن والمراكز الصناعيّة، تصرفت العاملات بشكل رائع خلال الثورة. وبدونهن ما كنا لننتصر، أو كان ذلك سيكون عسيرا. هذا رأيي. كم كن شجاعات، وكم مازلن شجاعات! فكّري بكل أشكال المعاناة والحرمان التي تحملنها. وهن يواصلن لأنهن يردن الحرية، يردن الشيوعية. أجل إن نساءنا العاملات هن مكافحات طبقيات ممتازات. إنهن يستحقن الاعجاب والحب. إضافة إلى ذلك، يجب أن تتذكري أنه حتى سيدات [الحزب] “الديموقراطي الدستوري” في بتروغراد قد أثبتن في صراعهن ضدنا أنهن أكثر شجاعة من الضباط. هذه هي الحقيقة. لدينا في الحزب رفيقات موثوقات وقادرات ونشيطات بلا كلل. يمكننا تكليفهن بالعديد من المناصب الهامة في اللجان السوفياتية والتنفيذية والمفوضيات الشعبية والخدمات العامة من كل نوع. تعمل الكثير منهن ليلا نهارا داخل الحزب أو بين جماهير البروليتاريا والفلاحين والجيش الأحمر. هذا له قيمة كبيرة بالنسبة لنا. كما أنه مهم أيضا للنساء في جميع أنحاء العالم. إنه يوضح قدرة النساء، والقيمة العظيمة لعملهن في المجتمع. إن الديكتاتورية البروليتارية الأولى رائدة حقيقية في تحقيق المساواة الاجتماعية للنساء. إنها تزيل الأحكام المسبقة أكثر بكثير مما يمكن لمجلدات الأدب النسوي أن تزيله. لكن وعلى الرغم من كل ذلك ما زلنا لا نمتلك حركة نسائية شيوعية عالمية، ويجب أن تكون لدينا. يجب أن نبدأ على الفور بإنشائها. فبدون ذلك لن يكون عمل أمميتنا وأحزابها عملا مكتملا، ولا يمكن أبدا أن يكون مكتملا. لكن عملنا من أجل الثورة يجب أن يكون متكاملا. قولي لي، كيف يجري العمل الشيوعي في الخارج.

استمع لينين باهتمام، وكان جسده يميل قليلا إلى الأمام، متابعا، دون أي أثر للملل أو نفاد الصبر أو التعب، حتى بخصوص الأمور الجانبية.

قال لينين:

ليس سيئا، ليس سيئا على الإطلاق. إن طاقة وإرادة وحماس الرفيقات وشجاعتهن وحكمتهن في أوقات العمل غير الشرعي أو شبه الشرعي، تشير إلى احتمالات جيّدة لتطور عملنا. إن هذه عوامل ثمينة في توسيع الحزب وزيادة قوته وكسب الجماهير ومواصلة أنشطتنا. لكن ماذا عن التدريب ووضوح المبادئ لهؤلاء الرفاق من الرجال والنساء؟ انّ هذا ذو أهمية جوهرية للعمل بين الجماهير. ولديه تأثير كبير على ما يهم الجماهير بشكل وثيق، وكيف يمكن كسبهم، وكيف يتم تحميسهم. لا يحضرني الآن اسم من قال إنه: “يجب على المرء أن يكون متحمسا لكي ينجز أشياء عظيمة”. نحن والعمال في العالم كله لدينا أشياء عظيمة فعلا لننجزها. إذن ما الذي يجعل رفيقاتك، نساء ألمانيا البروليتاريات، متحمسات؟ وماذا عن وعيهن الطبقي البروليتاري؟ هل تتركز اهتماماتهن وأنشطتهن على مطالب سياسية فورية؟ ما هو مصدر أفكارهن؟

لقد سمعت بعض الأشياء الغريبة حول هذا الموضوع من رفاق روس وألمان. يجب أن أخبرك، لقد قيل لي إن امرأة شيوعية موهوبة في هامبورغ تنشر صحيفة للبغايا وأنها تريد تنظيمهن من أجل الكفاح الثوري. روزا تصرفت وشعرت كشيوعية عندما دافعت، في مقال لها، عن قضية البغايا اللواتي يتم سجنهن بسبب أي انتهاك لقواعد البوليس أثناء ممارسة تجارتهن الكئيبة. لقد ضحى المجتمع البرجوازي بهن بشكل مضاعف، للأسف. وذلك أولا، بنظام الملكية اللعين الخاص به، وثانيا بنفاقه الأخلاقي اللعين. هذا واضح. وحده المتوحش أو قصير النظر من يمكن له أن ينسى ذلك. لكن ومع ذلك، فإن هذا لا يعني على الإطلاق التفكير في البغايا -كيف أصيغها؟- على أنهن يشكلن قسما ثوريا مناضلا خاصا نقوم بتنظيمهن ونشر جريدة لهن. ألا توجد أي نساء عاملات أخريات في ألمانيا يجب تنظيمهن، ويمكن إصدار جريدة من أجلهن، ومن يجب استقطابهن لنضالاتكم؟ أما تلك الجريدة فليست سوى زائدة مريضة. إن هذا يذكرني بالأسلوب الأدبي المتمثل في رسم كل عاهرة على أنها السيدة مريم. كان أصل ذلك موقف صحي، نابع من التعاطف الاجتماعي، والتمرد على النفاق الأخلاقي للبرجوازية ‘الفاضلة’. لكن الجزء الصحي أصبح فاسدا ومنحطا.

وإلى جانب ذلك فإن مسألة البغايا ستثير العديد من المشاكل الخطيرة هنا. لا بد من إعادتهن إلى العمل المنتج، وإدخالهن في الاقتصاد الاجتماعي. هذا ما يجب علينا فعله. لكنها مهمة صعبة ومعقدة للقيام بها في ظل الأوضاع الحالية لحياتنا الاقتصادية وكل الظروف السائدة. لدينا هنا أحد جوانب قضية النساء والذي صار، بعد استيلاء البروليتاريا على السلطة، يلوح في الأفق أمامنا ويتطلب حلا عمليا. سيطرح علينا قدرا كبيرا من العمل هنا في روسيا السوفياتية. لكن بالعودة إلى موقفكم في ألمانيا، فإنه لا يجوز للحزب، تحت أي ظرف من الظروف، أن يقف مكتوف الأيدي ويراقب مثل هذا السلوك المؤذي من جانب أعضائه. إنه يخلق الارتباك ويقسم القوى. وأنت نفسك، ما الذي فعلته ضده؟.

الجنس والزواج

وقبل أن أتمكن من الاجابة، تابع لينين قائلا:

قائمة خطاياك يا كلارا ما زالت طويلة. قيل لي إن مسائل الجنس والزواج هي الموضوعات الرئيسية التي يتم تناولها في حلقات القراءة والمناقشة للرفيقات. إنها الموضوعات الرئيسية للاهتمام والتعليم والمعرفة السياسية. لم استطع أن أصدق أذنيّ عندما سمعت هذا. البلد الأول لديكتاتورية البروليتارية المحاط بأعداء الثورة من العالم بأسره، والوضع في ألمانيا نفسها، يتطلب أكبر قدر ممكن من التركيز من طرف جميع القوى البروليتارية الثورية لهزيمة الثورة المضادة المتزايدة والمتنامية باستمرار. لكن الرفيقات العاملات يناقشن المشاكل الجنسية ومسألة أشكال الزواج في الماضي والحاضر والمستقبل. إنهن يعتقدن أن أهم واجباتهن هو توعية النساء البروليتاريات بهذه الموضوعات. وأعتقد أن الكتيب الأكثر قراءة، على نطاق واسع، هو كتيب لرفيقة شابة من فيينا حول المسألة الجنسية. يا للتبذير! ما يوجد من حقيقة فيه قد قرأه العمال عند بيبل منذ زمن بعيد، لكن بشكل أقل إثارة للملل، وليس مكتوبا بشكل ثقيل كما هو الحال في الكتيب، بل مكتوبا بقوة، وبمرارة، وبعدوانية ضد المجتمع البرجوازي. 

يبدو امتداد الفرضيات الفرويدية وكأنه “مثقف”، بل وحتى علمي، لكنه الجهل والتضليل. النظرية الفرويدية هي الموضة الحديثة. إنني لا أثق في النظريات الجنسية المنشورة في المقالات والأطروحات والنشرات وما إلى ذلك، أي باختصار ذلك النوع الخاص من الأدب الذي يزدهر برفاهية في التربة القذرة للمجتمع البرجوازي. لا أثق في أولئك الذين لا يهتمون إلا بهذه المسائل، مثل القديس الهندي الذي يتأمل سرته.

يبدو لي أن هذه النظريات الجنسية المزدهرة، والتي هي في المجمل فرضيات، وغالبا ما تكون فرضيات اعتباطية، تنشأ من حاجة شخصية لتبرير اضطراب شخصي أو تضخم في الحياة الجنسية أمام الأخلاق البرجوازية أو على الاقل الاعتذار عنها. يبدو لي هذا الاحترام المقنع للأخلاق البرجوازية مثيرا للاشمئزاز مثله مثل ذلك الاهتمام المفرط بالأمور الجنسية. ومهما بدا هذا السلوك متمردا وثوريا، فإنه يبقى سلوكا برجوازيا تماما. إنه في الأساس هواية المثقفين والأقسام القريبة منهم. لا مكان له داخل الحزب، داخل صفوف البروليتاريا المناضلة الواعية طبقيا.

قاطعته هنا قائلة إن مسائل الجنس والزواج، في المجتمع البرجوازي القائم على الملكية الخاصة، تنطوي على العديد من المشاكل والصراعات والمعاناة الشديدة للنساء من جميع الطبقات والرتب الاجتماعية. وقد أدت الحرب وعواقبها إلى تفاقم صراعات ومعاناة النساء في الشؤون الجنسية، كما أنها سلطت الضوء على مشاكل كانت مخفية عنهن في السابق. وأضيفت إلى ذلك آثار الثورة. بدأ عالم المشاعر والفكر القديم بالترنح. ان الروابط الاجتماعية القديمة تتأزم وتتفكك، وهناك اتجاهات نحو علاقات أيديولوجية جديدة بين الرجل والمرأة. وبالتالي فإن الاهتمام بهذه المسائل هو تعبير عن الحاجة إلى التنوير وإعادة التوجيه. كما أنه يشير إلى ردة فعل ضد زيف ونفاق المجتمع البرجوازي. إن أشكال الزواج والأسرة، في تطورها التاريخي واعتمادها على الحياة الاقتصادية، محسوبة لتدمير الخرافات الموجودة في أذهان النساء العاملات فيما يتعلق بالطابع الأبدي للمجتمع البرجوازي. إن الموقف التاريخي النقدي تجاه تلك المشاكل يجب أن يؤدي إلى نقد لا يرحم للمجتمع البرجوازي، إلى الكشف عن طبيعته الحقيقية وآثاره، بما في ذلك إدانة أخلاقه الجنسية وزيفه. كل الطرق تؤدي إلى روما. وكل تحليل ماركسي حقيقي لأي قسم مهم من البنية الفوقية الأيديولوجية للمجتمع، لأي ظاهرة اجتماعية سائدة، يجب أن يقود لتحليل المجتمع البرجوازي وأسس الملكية البرجوازية، ويجب ان ينتهي بالإدراك التالي: “يجب تحطيم كل هذا”.

أومأ لينين ضاحكا وقال:

ها أنتِ ذا! أنت تدافعين عن رفيقاتك وحزبك. بالطبع، ما تقولينه صحيح. لكنه فقط يبرر الأخطاء التي ارتكبت في ألمانيا، لكن لا يشرعنها. إنها أخطاء، وستظل أخطاء. هل يمكنك حقا أن تؤكدي لي بجدية أن مسائل الجنس والزواج قد نوقشت من وجهة نظر مادية تاريخية حيّة وناضجة؟ للقيام بذلك لا بد من توفر معرفة عميقة ومتعددة الجوانب، وأقصى درجات التمكن الماركسي من كمية كبيرة من الأدبيات. من أين يمكنك الحصول على القوى لذلك الآن؟ لو كانت تلك القوى موجودة، لما تم استخدام كتيبات مثل تلك التي ذكرتها كمواد للدراسة في حلقات القراءة والمناقشة. حيث يتم توزيعها والتوصية بها، بدلا من انتقادها. وما هي نتيجة هذا التعامل غير الماركسي غير المجدي مع هذه المسألة؟ هي أن الأسئلة المتعلقة بالجنس والزواج لا تُفهم كجزء من المسألة الاجتماعية الشاملة؟ كلا، بل أسوء! إذ تبدو المسألة الاجتماعية العظيمة كعنصر ملحق، أو جزء، من المشاكل الجنسية. المسألة الرئيسية تصبح مسألة فرعية. هذا لا يؤدي فقط إلى تعريض الوضوح بخصوص هذه المسألة نفسه للخطر، بل إنه يشوش على الأفكار والوعي الطبقي للنساء البروليتاريات بشكل عام.

وأخيرا لكن ليس آخرا. حتى سليمان الحكيم قال إن لكل شيء وقته. أسألك: هل الآن هو الوقت المناسب لتسلية النساء البروليتاريات طيلة شهور بمناقشات حول كيف يحِب المرء ويحَب، وكيف يَتزوج؟ إننا بالطبع ندرس هذا في الماضي والحاضر والمستقبل، وبين مختلف الشعوب، في إطار ما نسميه بفخر المادية التاريخية! لكن الآن كل أفكار الرفيقات، أفكار نساء الطبقة العاملة، يجب أن تتجه نحو الثورة البروليتارية. لأنها وحدها التي ستخلق الأساس لتجديد حقيقي في علاقات الزواج والعلاقات الجنسية. في الوقت الحالي، هناك مشاكل أخرى أكثر إلحاحا من أشكال زواج الماوريين أو سفاح القربى في العصور القديمة. ما تزال مسألة السوفييتات مطروحة على جدول أعمال البروليتاريا الألمانية. هناك معاهدة فرساي وتأثيرها على حياة المرأة العاملة: البطالة، وانخفاض الأجور، والضرائب، وغير ذلك الكثير. وباختصار فإني أؤكد أن هذا النوع من التربية السياسية والاجتماعية للنساء البروليتاريات خاطئ، خاطئ تماما. كيف يمكنك أن تعايني ذلك بصمت. عليك أن تستخدمي قوة إقناعك ضد هذا.

الأخلاق الجنسية

قلت له إنني لم أتوان عن الانتقاد والنقاش مع الرفيقات القياديات في مختلف المقاطعات. لكن لا كرامة لنبي في وطنه، فبسبب انتقاداتي تلك عرضت نفسي لتهمة أنني من “بقايا أيديولوجية الاشتراكية الديمقراطية والبرجوازية الصغيرة القديمة الطراز”. لكن انتقاداتي لم تضع سدى، حيث أن المسألة الجنسية لم تعد الموضوع الرئيسي لاجتماعاتنا.

قال:

أعرف، أعرف. أنا أيضا اتهمت بالتفاهة في هذا الصدد من قبل الكثير من الناس، رغم أن ذلك يثير اشمئزازي. هناك الكثير من النفاق وضيق الأفق. حسنا، أنا أستحمل الاتهامات بهدوء! إن العصافير الصغيرة ذات المنقار الأصفر التي خرجت لتوها من بيضة الأفكار البرجوازية دائما ما تكون متحذلقة بشكل مخيف. علينا أن نتعايش مع هذا الوضع. كما أن حركة الشباب بدورها تتعرض للهجوم من مرض الحداثة في ما يتعلق بموقفها من المسائل الجنسية واهتمامها بها بشكل مبالغ فيه.

نطق لينين كلمة الحداثة باشمئزاز:

لقد قيل لي إن المسائل الجنسية هي مواضيع الدراسة المفضلة لمنظمات الشباب لديكم أيضا. هناك افتراض أنه يوجد نقص في اللقاءات بخصوص هذا الموضوع. هذه المفاهيم الخاطئة ضارة بشكل خاص وخطيرة بشكل خاص في حركة الشباب. يمكنها بسهولة أن تساهم في الإثارة المفرطة والمبالغة في الحياة الجنسية لبعضهم، مما يؤدي إلى إهدار صحة الشباب وقوتهم. يجب أن تناضلي ضد ذلك أيضا. توجد نقاط اتصال كثيرة بين الحركة النسائية والحركة الشبابية. يجب على رفيقاتنا أن يعملن بشكل منهجي مع الشباب. وهذا استمرار وامتداد لمشاعر الأمومة من المجال الفردي إلى المجال الاجتماعي. يجب تشجيع وتطوير الفعل الاجتماعي للنساء بهدف القضاء على السيكولوجية الفردانية البرجوازية الصغيرة للارتباط الضيق بالمنزل والأسرة. لكننا سنصل إلى ذلك لاحقا.

عندنا نحن أيضا، يحرص جزء كبير من الشباب على ‘مراجعة المفاهيم والأخلاق البورجوازية’ فيما يتعلق بالمسائل الجنسية. ولا بد لي أن أضيف إنهم من أفضل شبابنا الواعدين. ما قلتيه من قبل صحيح، ففي ظل ظروف الحرب والثورة، اختفت القيم الأيديولوجية القديمة أو فقدت قوتها. والقيم الجديدة تتبلور ببطء، عبر صراع. في العلاقات بين الرجل والرجل، بين الرجل والمرأة، تتطور المشاعر والأفكار بشكل ثوري. وظهرت حدود جديدة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع. ما نزال في حالة تخمر فوضوي كامل. اتجاه وقوى تطور مختلف النزعات المتناقضة لا تظهر بوضوح بعد. إنها سيرورة بطيئة وغالبا ما تكون مؤلمة جدا من الاضمحلال والنمو. وخاصة في مجال العلاقات الجنسية والزواج والأسرة. إن الانحلال، والفساد، وقذارة الزواج البرجوازي، وصعوبة الطلاق، والحرية التي يعطيها للرجل، واستعباده للمرأة، والنفاق البغيض للأخلاق والعلاقات الجنسية، يصيب أفضل الناس باشمئزاز عميق.

إن قيود الزواج البرجوازي وقوانين الأسرة في الدول البرجوازية تزيد من حدة هذه الشرور والصراعات. إنها قوة ‘المِلكية المقدسة’. تقدس الفساد والفسق والقذارة. ثم يأتي النفاق التقليدي للمجتمع البرجوازي ‘النزيه’ ليكمل ما تبقى. لقد بدأ الناس في الاحتجاج على التعفن والزيف السائدين، ومشاعر الفرد تتغير بسرعة. إن الرغبة والدافع نحو المتعة يكتسبان بسهولة قوة جامحة في وقت يعرف انهيار إمبراطوريات كبرى، وتحطم الأشكال القديمة للحكم، وعندما يبدأ عالم اجتماعي بأكمله في الزوال. إن أشكال الجنس والزواج، بالمعنى البرجوازي، غير مرضية. وهناك ثورة في الجنس والزواج قريبة، بالارتباط مع الثورة التي تحدث في علاقات المِلكية. من السهل أن نفهم أن المشاكل المعقدة للغاية التي تترتب عن هذه الأوضاع، ستشغل بالضرورة ذهن الشباب والنساء على حد سواء. لأنهم هم من يعانون بشكل خاص في ظل المظالم الجنسية الحالية. هذا طبيعي تماما. يمكننا أن نفهم ذلك. ليس هناك شيء أكثر خطأ من التبشير بين الشباب بالزهد الرهباني وقدسية الأخلاق البرجوازية القذرة. لكنه ليس من الجيد إذا أصبح الجنس هو الشغل الشاغل للحياة السيكولوجية للأفراد. ولكي نعرف الآثار المشؤومة التي يمكن لهذا أن يخلفها، علينا أن نسأل الرفيقة ليلينا، إنها تمتلك كما مهما من الوثائق عن هذه النقطة، بفضل الأبحاث العديدة التي قامت بها في جميع أنواع مؤسسات التعليم، وأنت تعلمين أنها شيوعية حقيقية وبدون أي أحكام مسبقة.

إن الموقف المتغير للشباب تجاه مسائل الحياة الجنسية يعتمد بالطبع على “مبدأ” ونظرية. كثير منهم يسمون موقفهم “بالثوري” و”الشيوعي”. وهم يعتقدون بصدق أنه كذلك. هذا لا يثير استغرابنا نحن كبار السن. على الرغم من أنني لست سوى زاهد قاتم، فإن ما يسمى بـ”الحياة الجنسية الجديدة” للشباب -وأحيانا لكبار السن- يبدو لي غالبا أنه برجوازي بحت، امتداد لبيوت الدعارة البرجوازية. ليس لهذا أية علاقة مع حرية الحب كما نفهمها نحن الشيوعيون. من المؤكد أنكِ على دراية بالنظرية الشهيرة القائلة بأن إشباع الرغبات الجنسية والحب في المجتمع الشيوعي سيكون بسيطا وغير مهم كشرب كأس من الماء. نظرية كأس الماء هذه جعلت شبابنا مجانين، مجانين للغاية. لقد ثبت أنها خطيرة على العديد من الفتيان والفتيات. يؤكد أتباعها أنها ماركسية. شكرا لهذه الماركسية التي تنسب بشكل مباشر وفوري كل الظواهر والتغيرات في البنية الفوقية الأيديولوجية للمجتمع إلى أساسه الاقتصادي! الأمور ليست بهذه البساطة. سبق لفريدريك إنجلز أن أشار إلى ذلك منذ زمن بعيد فيما يتعلق بالمادية التاريخية.

أعتقد أن نظرية كأس الماء هذه غير ماركسية على الإطلاق، وأنها علاوة على ذلك معادية للمجتمع. في الحياة الجنسية لا تؤخذ بعين الاعتبار الطبيعة البسيطة فقط، بل وأيضا الخصائص الثقافية، سواء كانت ذات مرتبة عالية أو منخفضة. لقد أظهر إنجلز في كتابه “أصل العائلة” أهمية تطوير وصقل الرغبة الجنسية العامة إلى الحب الجنسي الفردي. إن العلاقات بين الجنسين ليست مجرد تعبير عن لعبة القوى بين اقتصاد المجتمع والحاجة المادية، معزولة فكريا، من خلال الدراسة، عن النواحي الفسيولوجية. إن الرغبة في ربط التغيرات في هذه العلاقات بشكل مباشر بالأسس الاقتصادية للمجتمع، وبمعزل عن صلاتها بالأيديولوجيا ككل، هي نزعة عقلانية، وليست ماركسية. بالطبع يجب إشباع العطش. لكن هل يستلقي الشخص الطبيعي في الظروف العادية في الوحل ويشرب من بركة ماء، أو من كوب ملطخ بآثار شفاه كثيرة؟ لكن الجانب الاجتماعي هو الأكثر أهمية. شرب الماء هو، بالطبع، شأن فردي. لكن في الحب هناك حياتان معنيتان، وحياة ثالثة، حياة جديدة، وهو ما يمنحها صفتها الاجتماعية، وتؤدي لظهور واجب تجاه المجتمع.

باعتباري شيوعيا ليس لدي أدنى تعاطف مع نظرية كأس الماء، على الرغم من أنها تحمل عنوانا رائعا “إشباع الحب”. وعلى أي حال، فإن تحرير الحب هذا ليس جديدا ولا شيوعيا. تتذكرين أنه في منتصف القرن الماضي تم التبشير به في الأدب الرومانسي على أنه “تحرير القلب”. وهو ما أصبح في الممارسة البرجوازية تحرير اللحم. في ذلك الوقت، كان الوعظ يتم بموهبة أكثر مما هو عليه اليوم، أما الممارسة فلا يمكنني الحكم عليها. لا أقصد عبر نقدي هذا أن أدافع عن الزهد. كلا، مطلقا. لن تجلب الشيوعية الزهد، بل بهجة الحياة، وقوة الحياة، والحياة العاطفية الراضية ستساعد على القيام بذلك. لكن هذا التضخُّم السائد حاليا في الأمور الجنسية لا يمنح، في رأيي، الفرح وقوة الحياة، بل ينتزعها. وفي عصر الثورة، يعتبر هذا سيئا، سيئا للغاية.

الشباب، على وجه الخصوص، يحتاجون إلى بهجة وقوة الحياة. الرياضة الصحية، والسباحة، والسباق، والمشي، والتمارين الجسدية بجميع أنواعها، والاهتمامات الفكرية متعددة الجوانب. التعلم والدراسة والاستفسار بشكل مشترك بقدر الإمكان. هذا سيعطي الشباب أكثر من مجرد نظريات ونقاشات أبدية حول المشاكل الجنسية وما يسمى بـ”العيش على أكمل وجه”. أجساد صحية وعقول سليمة. أنا لست راهبا ولا دون جوان، ولا الموقف الوسيط لهؤلاء التافهين الألمان.

تعرفين الرفيق الشاب…؟ إنه فتى رائع وموهوب للغاية. ومع ذلك أخشى ألا يأتي منه أي خير. إنه يتأرجح من علاقة حب إلى أخرى. هذا لن يفيد النضال السياسي والثورة. ولن أراهن على موثوقية ونضالية أولئك النساء اللواتي يخلطن بين علاقاتهن الرومانسية الشخصية وبين السياسة. ولا على الرجال الذين يطاردون كل تنورة ويقعون في شرك كل شابة. هذا لا ينسجم مع الثورة.

الثورة تتطلب التركيز وتعزيز القوى، سواء من الجماهير أو من الأفراد. لا يمكن أن تتسامح مع الإفراط، كما هو الحال بالنسبة لأبطال وبطلات دانونزيو (D’Annunzio) المنحلين. إن الفوضى في الحياة الجنسية هي ظاهرة برجوازية، هي ظاهرة الانحطاط. البروليتاريا طبقة صاعدة. إنها لا تحتاج لا إلى المخدرات ولا إلى المنبهات. لا تحتاج إلى السموم سواء بالمبالغة الجنسية أو بالكحول. يجب عليها ألا تنسى، ولن تنسى، عار وقذارة ووحشية الرأسمالية. إنها تتلقى أقوى دافع للكفاح من موقعها الطبقي ومن المثال الأعلى الشيوعي. إنها تحتاج إلى الوضوح، والوضوح، والمزيد من الوضوح. وهكذا أكرر، لا لإضعاف ولا لإهدار ولا لتدمير القوى. ضبط النفس والانضباط الذاتي ليسا عبودية، ولا حتى في الحب. لكن سامحني يا كلارا، لقد ابتعدت كثيرا عن نقطة البداية لمحادثتنا. لماذا لم تضبطيني. لقد جرني لساني بعيدا. إنني قلق للغاية بشأن مستقبل شبابنا. إنه جزء من الثورة. فإذا ظهرت ميول ضارة، تتسلل من المجتمع البرجوازي إلى عالم الثورة فمن الأفضل مكافحتها في وقت مبكر. هذه المسائل هي جزء من المسألة النسائية”.

مبادئ التنظيم

نظر لينين إلى الساعة وقال: “نصف الوقت الذي كنت قد خصصته لكِ قد نفذ. لقد كنت أثرثر. ستضعين مقترحات للعمل الشيوعي بين النساء. قولي لي، ما نوع المقترحات التي تفكرين فيها؟”.

أعطيته تقريرا موجزا عنها. وكان يهز رأسه مرارا بالموافقة دون أن يقاطعني. وعندما انتهيت، نظرت إليه بتساؤل.

قال:

أتفق. أريد فقط أن أتطرق إلى بعض النقاط الرئيسية، التي أشارك فيها موقفك بالكامل. يبدو لي أنه من المهم لعملنا التحريضي والدعائي الحالي إذا كان هذا العمل سيقود إلى الفعل والنضالات الناجحة.

يجب أن تشير الأطروحة بوضوح إلى أن الحرية الحقيقية للنساء ليست ممكنة إلا من خلال الشيوعية. يجب إبراز الصلة التي لا تنفصم بين الوضع الاجتماعي والإنساني للنساء وبين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. سوف يرسم ذلك خطاً واضحاً ثابتاً للتمييز بين سياستنا وسياسات الحركات النسوية. كما أنه سيوفر الأساس لتناول قضية المرأة باعتبارها جزءا من المسألة الاجتماعية، وقضية العمال، وبالتالي سيربطها بقوة بالنضال الطبقي البروليتاري والثورة. يجب أن تكون الحركة النسائية الشيوعية نفسها حركة جماهيرية، جزءا من الحركة الجماهيرية العامة، ليس فقط حركة البروليتاريا، بل حركة جميع المستغَلين والمضطهَدين، كل ضحايا الرأسمالية أو أي نوع من أنواع من السيطرة. في ذلك تكمن أهميتها بالنسبة للنضال الطبقي للبروليتاريا وعملها التاريخي لتشييد المجتمع الشيوعي. يمكننا بحق أن نفخر بحقيقة أنه في الحزب، في الأممية الشيوعية، لدينا طليعة النساء الثوريات. لكن هذا ليس كافيا. يجب أن نكسب إلى جانبنا ملايين النساء العاملات في المدن والقرى. نكسبهن لأجل نضالاتنا وعلى وجه الخصوص لأجل التحويل الشيوعي للمجتمع. لا يمكن أن تكون هناك حركة جماهيرية حقيقية بدون النساء.

مفاهيمنا الأيديولوجية هي التي تؤدي إلى مبادئنا في التنظيم. لا منظمات خاصة للنساء. المرأة الشيوعية هي عضو في الحزب مثلها مثل الرجل الشيوعي، بحقوق وواجبات متساوية. لا يمكن أن يكون هناك اختلاف في الرأي حول هذا الأمر. ومع ذلك فإنه يجب ألا نغض الطرف عن حقيقة أنه يتوجب على الحزب أن تكون له هيئات، ومجموعات عمل، ولجان، ومكاتب، أو أي شيء تريديه، تكون مهمتها الخاصة هي العمل على إيقاظ جماهير العاملات، وجعلهن على اتصال مع الحزب وإبقائهن تحت تأثيره. وهذا يتضمن، بالطبع، العمل المنهجي بينهن. يجب أن ندرب أولئك اللواتي تمكنا من تعبئتهن وكسبهن وأن نجهزهن للنضال الطبقي البروليتاري تحت قيادة الحزب الشيوعي. لا أفكر في النساء البروليتاريات فقط، سواء كن يعملن في المصنع أو في المنزل. بل حتى الفلاحات الفقيرات، ونساء البرجوازية الصغرى، فهن أيضا فرائس للرأسمالية، وخاصة منذ الحرب. السيكولوجيا غير السياسية وغير الاجتماعية والمتخلفة لهؤلاء النساء، ومجال نشاطهن المعزول، ونمط حياتهن بالكامل، هذه حقائق، سيكون من العبث التغاضي عنها، من العبث بشكل مطلق. نحن بحاجة إلى هيئات مناسبة لمواصلة العمل بينهن، وأساليب خاصة للتحريض وأشكال التنظيم. هذه ليست نسوية، بل إنه موقف عملي ثوري.

أخبرت لينين أن كلماته شجعتني كثيرا. فقد كافح العديد من الرفاق، وهم رفاق جيدون، بقوة فكرة أن تكون للحزب هيئات خاصة للعمل المنهجي بين النساء.

قال لينين:

هذا ليس بجديد ولا ببرهان. يجب ألا تسمحي لذلك أن يضللك. لماذا لم يكن لدينا أبدا في روسيا السوفياتية عدد من النساء في الحزب مثل عدد الرجال؟ لماذا عدد النساء العاملات المنتظمات في النقابات صغير جدا؟ الحقائق تغذي الفكر. إن رفض ضرورة وجود هيئات منفصلة لعملنا بين الجماهير النسائية هو مفهوم منسجم مع مفاهيم أصدقائنا ذوي ‘المبادئ السامية’ و’الأكثر راديكالية’ في حزب العمال الشيوعي. فبالنسبة لهم يجب أن يكون هناك شكل واحد فقط من التنظيم، هو نقابات العمال. انا أعرفهم. العديد من العقول الثورية المشوشة تلجأ إلى المبدأ “كلما افتقروا إلى الأفكار”. أي عندما يكون العقل منغلقا عن الحقائق الواقعية التي يجب أخذها في الاعتبار. كيف يربط هؤلاء الأوصياء على “المبدأ الخالص” أفكارهم مع ضرورات السياسة الثورية المفروضة علينا تاريخيا؟ كل هذا النوع من الكلام ينهار أمام الضرورة الحتمية. إن لم تكن ملايين النساء معنا لا يمكننا ممارسة دكتاتورية البروليتاريا، ولا يمكننا البناء على أسس شيوعية. يجب علينا أن نجد طريقنا إليهن، يجب علينا أن ندرس ونحاول أن نجد ذلك الطريق.

المطالب الفورية

ولهذا السبب من الصواب أن نتقدم بمطالب لصالح النساء. هذا ليس برنامج حد أدنى، أي برنامج إصلاحات بالمفهوم الاشتراكي الديمقراطي، مفهوم الأممية الثانية. إنه ليس اعترافا بأننا نؤمن بالطابع الأبدي، أو حتى بالمدى الطويل، لحكم البرجوازية ودولتها. إنها ليست محاولة لتنويم النساء بالإصلاحات وتحريفهن عن طريق النضال الثوري. إنه ليس كذلك، ولا أي خدعة إصلاحية أخرى. مطالبنا هي خلاصات عملية استخلصناها من الحاجات الملحة، والإذلال المخزي الذي تتعرض له النساء في المجتمع البرجوازي، المضطهدات والمحرومات من الحقوق. نحن نثبت بذلك أننا ندرك هذه الحاجات ونحس بالإذلال الذي تعيشه المرأة، وامتيازات الرجل. وأننا نكره، نعم نكره، وسنلغي كل شيء يعذب ويضطهد المرأة العاملة، وربة البيت، والفلاحة، وزوجة التاجر الصغير، أجل، وفي كثير من الحالات حتى نساء الطبقات المالكة. إن الحقوق والتشريعات الاجتماعية التي نطالب بها للنساء من المجتمع البرجوازي تظهر أننا نفهم وضع ومصالح النساء، وأننا سنأخذها في الاعتبار في ظل دكتاتورية البروليتاريا. بالطبع ليس لتهدئتهن ودفعهن إلى التقاعس عن الفعل وإبقائهن تحت سيطرة القيادة كما يفعل الإصلاحيون. كلا، بالطبع كلا؛ بل بصفتنا ثوريين يدعون النساء للعمل على قدم المساواة على تغيير الاقتصاد القديم والأيديولوجية القديمة.

أكدت للينين أنني أشاطره آرائه، لكنها ستواجه مقاومة بالتأكيد. ولا يمكن إنكار أن مطالبنا الفورية للنساء يمكن أن تصاغ بشكل خاطئ ويتم التعبير عنها بشكل خاطئ.

قال لينين، بمزاج سيئ تقريبا:

“كلام فارغ!”، “هذا الخطر موجود في كل ما نفعله ونقوله. إذا ردعنا الخوف عن القيام بما هو صحيح وضروري، سنصبح رهبانا هنود. لا تتحركوا، لا تتحركوا، يمكننا التفكير في مبادئنا من فوق برج عال! بالطبع، نحن نهتم ليس فقط بمضمون مطالبنا، بل أيضا بالطريقة التي نقدمها بها. ظننت أنني وضّحت ذلك بما فيه الكفاية. بالطبع لا يجب أن نتقدم بمطالبنا الخاصة بالنساء بطريقة ميكانيكية. كلا، إذ يجب علينا أن نكافح، من أجل هذا المطلب تارة ومن أجل تلك تارة أخرى، حسب ما تقتضيه الظروف الملموسة. وبالطبع من خلال الارتباط دائما بالمصالح العامة للبروليتاريا.

“كل نضال من هذا القبيل يقودنا إلى معارضة العلاقات البرجوازية ‘المحترمة’، ومعجبيها الإصلاحيين الذين لا يقلون احتراما’ عنها، والذين سيضطرون إما إلى النضال معنا تحت قيادتنا -وهو ما لا يريدون القيام به- أو إلى إظهار طبيعتهم الحقيقية. أي أن النضال يبرز بوضوح الاختلافات بيننا وبين الأحزاب الأخرى، ويبيّن هويتنا الشيوعية. إنه يكسبنا ثقة جماهير النساء اللواتي يشعرن أنهن مستغلات، مستعبدات، ومقموعات من قبل سيطرة الرجل، ومن قبل سلطة صاحب العمل، ومن قبل المجتمع البرجوازي بأسره. وبعد تعرضهن للخيانة والهجر من الجميع، ستدرك النساء العاملات أنه يجب عليهن النضال إلى جانبنا.

“هل يجب أن أقسم لك مرة أخرى، أو ادعك تقسمين، أن النضال من أجل مطالبنا للنساء يجب أن يرتبط بهدف الاستيلاء على السلطة، وإقامة دكتاتورية البروليتاريا؟ هذه هي البداية والنهاية بالنسبة لنا في الوقت الحاضر. هذا واضح، واضح جدا. لكن النساء العاملات لن يشعرن بأن لديهن أية مصلحة في المشاركة في نضالنا من أجل سلطة الدولة إذا اقتصرنا على طرح هذا المطلب وحده ودائما، حتى ولو استعملنا في ذلك أبواق أريحا. كلا، كلا! يجب توعية النساء بالصلة السياسية بين مطالبنا، وبين معاناتهن واحتياجاتهن ورغباتهن. يجب أن يدركن أن ديكتاتورية البروليتاريا تعني بالنسبة لهن: المساواة الكاملة مع الرجل في القانون والممارسة، وفي الأسرة، وفي الدولة، وفي المجتمع؛ تعني نهاية سلطة البرجوازية”.

قاطعته قائلة: “وروسيا السوفياتية توضح ذلك”.

فتابع قائلا:

سيكون هذا المثال الأعظم في تعليمنا. روسيا السوفياتية تظهر مطالبنا للنساء في ضوء جديد. ففي ظل دكتاتورية البروليتاريا هذه المطالب ليست موضع صراع بين البروليتاريا والبرجوازية. إنها جزء من هيكل المجتمع الشيوعي. وهذا يوضح للنساء في البلدان الأخرى الأهمية الحاسمة لكسب البروليتاريا للسلطة. يجب التأكيد بشدة على هذا الاختلاف بهدف كسب النساء إلى الصراع الطبقي الثوري للبروليتاريا. من الضروري للأحزاب الشيوعية، ومن أجل انتصارها، تعبئتهن على أساس فهم واضح للمبادئ وعلى أساس تنظيمي راسخ. لكن يجب أن لا نخدع أنفسنا. فروعنا في مختلف البلدان ما زالت تفتقر للفهم الصحيح لهذا الأمر. إنهم يقفون مكتوفي الأيدي بينما هناك مهمة خلق حركة جماهيرية للنساء العاملات تحت القيادة الشيوعية. إنهم لا يفهمون أن تطوير وإدارة مثل هذه الحركة الجماهيرية هو جزء مهم من نشاط الحزب بأكمله، بل هو في الواقع نصف العمل العام للحزب. إن اعترافهم العرضي بضرورة وقيمة حركة نسائية شيوعية قوية وواعية هو اعتراف شفهي أفلاطوني، وليس ناتجا عن اهتمام والتزام دائمين من جانب الحزب.

ماذا عن الرجال؟

التحريض والعمل الدعائي بين النساء، وإيقاظهن وتثويرهن يعتبر أمرا عرضيا، وشأنا يخص الرفيقات النساء فقط. يتم لومهن وحدهن لأن العمل في هذا الاتجاه لا يمضي بسرعة وقوة أكبر. هذا خاطئ، خاطئ تماما! هذه انفصالية حقيقية، وكما يقول الفرنسيون feminism à la rebours (نسوية معكوسة)، نسوية رأسا على عقب! ما هو أساس هذا السلوك الخاطئ لفروعنا في مختلف البلدان؟ في التحليل النهائي ليس الأمر إلا استخفافا بالمرأة وعملها. أجل فعلا! لسوء الحظ، ما يزال من الصحيح القول عن العديد من رفاقنا “اخدشوا شيوعيا، وستجدون تحت الطلاء إنسانا تافها”. بالطبع، يجب أن تخدش البقعة الحساسة، أي عقليتهم تجاه النساء. هل هناك دليل دامغ على هذا أكثر من راحة البال التي يتعامل بها الرجال وهم يرون كيف تستنزف النساء في الأعمال المنزلية الرتيبة، وتتبدد وتضيع قوتهن ووقتهن، وتضيق عقولهن وتبلى، وقلوبهن تنبض ببطء، وعزيمتهن تضعف! بالطبع، أنا لا أتحدث عن السيدات البرجوازيات اللواتي يضعن على كاهل الخدم مسؤولية جميع الأعمال المنزلية، ومن ضمنها رعاية الأطفال. ما أقوله ينطبق على الغالبية العظمى من النساء، على زوجات العمال وأولئك اللواتي يقفن طوال اليوم في المصنع.

وبالتالي فليس هناك سوى قلة قليلة من الرجال -حتى بين البروليتاريا- ممن يدركون مقدار الجهد والمتاعب التي يمكن أن ينقذوا النساء منها، أو حتى يخلصونهن منها تماما، لو أنهم ساعدوا في “عمل النساء”. لكن كلا، فهذا يتعارض مع “حقوق الرجل وكرامته”. إنهم يريدون سلامهم وراحتهم. الحياة المنزلية للمرأة هي تضحية يومية لآلاف التفاهات غير المهمة. “حق السيد” القديم للرجل ما يزال موجودا في السر. إلا أن أمته تنتقم منه، في السر أيضا. إن تخلف النساء وعدم فهمهن للمثل الثورية للرجل يقلل من فرحته وتصميمه في النضال. إنه ذلك الشعور هو مثل الديدان الصغيرة التي تنخر وتآكل ببطء، لكن بثبات. إني أعرف حياة العامل، ليس فقط من خلال الكتب. عملنا الشيوعي بين النساء، عملنا السياسي، يشمل قدرا كبيرا من العمل التربوي بين الرجال. يجب أن نستأصل فكرة “السيد” القديمة حتى جذورها الأخيرة والأصغر، سواء في الحزب أو بين الجماهير. هذه إحدى مهامنا السياسية، تماما مثلما هي مهمة ضرورية عاجلة تشكيل طاقم من الرفاق والرفيقات، مدربين تدريبا جيدا من الناحية النظرية والتطبيق، للقيام بعمل الحزب بين النساء العاملات.

الملايين يبنون حياة جديدة

وفي رده على سؤالي حول الأوضاع في روسيا السوفياتية بخصوص هذه النقطة، قال:

إن حكومة دكتاتورية البروليتاريا، مع الحزب الشيوعي والنقابات العمالية، لا تدخر، بالطبع، أي جهد في محاولة التغلب على الأفكار المتخلفة للرجال والنساء، وتدمير السيكولوجية غير الشيوعية القديمة. في القانون هناك بطبيعة الحال مساواة تامة في الحقوق بين الرجال والنساء. وفي كل مكان يوجد دليل على رغبة صادقة في تطبيق هذه المساواة. نحن ندخل النساء في الاقتصاد الاجتماعي، وفي التشريع والحكومة. جميع المؤسسات التعليمية مفتوحة لهن، حتى يتمكنّ من رفع قدراتهن المهنية والاجتماعية. نقوم بإنشاء مطابخ عمومية ومطاعم عمومية ومغاسل ومحلات تصليح ودور حضانة ورياض أطفال ومعاهد تعليمية بجميع أنواعها. باختصار، نحن ننفذ بجدية المطلب الذي رفعناه في برنامجنا بنقل الوظائف الاقتصادية والتربوية للأسرة المعزولة إلى المجتمع. سيعني هذا تحرر المرأة من الكدح المنزلي القديم والاعتماد على الرجل. وهذا سيمكنها من ممارسة مواهبها وميولها بكامل طاقتها. كما أن الأطفال تتم تربيتهم في ظروف أكثر ملاءمة من المنزل. لدينا أكثر قوانين الحماية للعاملات تقدما في العالم، ويقوم مسؤولو العمال المنظمون بتنفيذها. نقوم بإنشاء مستشفيات للولادة، ودور للأمهات والأطفال، وعيادات للأمومة، وتنظيم دورات محاضرات حول رعاية الطفل، ومعارض لتعليم الأمهات كيفية رعاية أنفسهن وأطفالهن، وما شابه ذلك. نحن نبذل أكثر الجهود جدية لرعاية النساء العاطلات عن العمل.

نحن ندرك بوضوح أن هذا ليس كافيا مقارنة باحتياجات النساء العاملات، وأنه بعيد عن أن يكون كل ما هو مطلوب من أجل تحررهن الحقيقي. لكنه رغم ذلك يمثل تقدما هائلا، مقارنة بالظروف في روسيا القيصرية الرأسمالية. بل إنه يمثل قدرا كبيرا من التقدم مقارنة بالظروف السائدة في البلدان التي ما تزال فيها الرأسمالية مسيطرة. إنها بداية جيدة في الاتجاه الصحيح، وعلينا أن نطورها أكثر. بكل طاقتنا، صدّقي ذلك. فكل يوم من أيام وجود الدولة السوفياتية يثبت بشكل أوضح أنه لا يمكننا المضي قدما بدون النساء.

كلارا زيتيكين

يناير 1924

ترجمة راي أرمند – عضو التيار الماركسي الأممي

ترجم عن النص الأصلي:

Lenin on the Women’s Question