أدت التحركات المناهضة للانقلاب ضد الرئيس بيدرو كاستيلو، في بيرو، إلى وضع حكومة الانقلابية، دينا بولوارت، على حافة الانهيار، حيث تأثرت 14 مقاطعة بيروفية، من أصل 24، بالمظاهرات الجماهيرية والإضرابات وحواجز الطرق.
لقد فشل القمع في إيقاف الحركة، وذلك على الرغم من مقتل ثمانية أشخاص، بينهم قاصران، جميعهم بنيران الشرطة، باستثناء واحد.
قامت الجماهير في عدة مقاطعات في الجنوب، على جبال الأنديز، بالاستيلاء على المطارات وهاجمت مكاتب المدعين العامين. كما احتلت مجموعات من المتظاهرين منشآت الغاز في كاميسيا.
الحركة الجماهيرية المتنامية للعمال والفلاحين والشباب تنتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد، رافعة لأربعة شعارات مركزية: الحرية لكاستيلو، حل الكونغرس، إجراء انتخابات جديدة، والدعوة لمجلس تأسيسي.
كان إقالة كاستيلو واعتقاله، يوم 07 دجنبر، بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل حركة قوية صارت تهدد النظام القائم برمته. وعندما يقول العمال والفلاحون الفقراء إننا “نريد جمعية تأسيسية”، فإنهم لا يقصدون مجرد إعادة كتابة الدستور الحالي، الذي صدر في ظل دكتاتورية فوجيموري، بل التغيير الجذري للنظام السياسي بأكمله.
قال أحد المحتجين في بازوس، مدينة هوانكافيليكا، عند إحدى حواجز الطرق: “إلى متى سنبقى خاضعين للرأسماليين”. والفكرة التي تحرك عشرات الآلاف من الناس الآن هي السؤال التالي: “إذا كنا قد انتخبنا المعلم كاستيلو، فلماذا تعتقد الأوليغارشية أن من حقها عزله؟”. في الواقع، إن ما يتم طرحه على الطاولة هو التشكيك في مهزلة الديمقراطية البرجوازية، التي تتيح للجميع التصويت، في حين أن أقلية غير منتخبة وطفيلية من الرأسماليين وأصحاب الأبناك وكبار ملاكي الأراضي والشركات متعددة الجنسيات هم الذين يحكمون حقا.
مناورات الأوليغارشية
تعتقد الأوليغارشية الرأسمالية أن الشعب مجرد حشد من الجهلة وبالتالي لا يستطيع الحكم. ومن المؤكد أنها لم تتصالح أبدا مع فكرة أن يصير معلم نقابي، له جذور في Rondas campesinas (دوريات مستقلة للفلاحين)، رئيسا للبلاد. وعلى الرغم من كل التنازلات التي قدمها كاستيلو للطبقة السائدة وتراجعه عن برنامجه الخاص، فإنهم لم يعتبروه قط واحدا منهم.
لكن العمال ليسوا حمقى، وقد ردوا على الانقلاب البرلماني، الذي نفذته الأوليغارشية، بالتعبئة الجماهيرية، تحت الغطاء القانوني للدستور نفسه، حيث تنص المادة 46 منه على ما يلي: “لا يدين أحد بالطاعة لحكومة مغتصبة للسلطة، ولا لأولئك الذين يستولون على السلطة العامة بانتهاك الدستور والقوانين، وللسكان المدنيين الحق في التمرد دفاعا عن النظام الدستوري. وتصرفات من اغتصبوا السلطة العامة باطلة ولاغية”.
وهكذا فقد بدأت المقاطعات، الواحدة منها تلو الأخرى، تعلن التمرد الشعبي ضد عزل الرئيس كاستيلو. وقد أعلنت عدة مناطق بالفعل إضرابا غير محدود منذ 13 دجنبر، وما زالت أخرى تنضم إليها. تنتشر الحركة من الجنوب المتمرد إلى الشمال. وفي العاصمة الشباب، بقيادة طلاب سان ماركوس ولا كانتوتا، هم من يقودون الحركة في الوقت الحالي في مواجهة قمع الشرطة.
بدأت القوة المتنامية للتعبئة الجماهيرية في كسر التحالف الانقلابي. قامت السلطات في العديد من المقاطعات والأقاليم الجنوبية بإصدار بيانات تندد بالقمع وتطالب بإجراء انتخابات عامة فورا. وأدلت الجمعية الوطنية للمحافظين الإقليميين ببيان مماثل.
الرئيسة الانقلابية نفسها التي كانت قد أعلنت، عندما أدت اليمين بشكل غير شرعي، إنها ستتولى المنصب حتى عام 2026، ثم قالت إنه ستكون هناك انتخابات في عام 2024، هي الآن تتعرض لضغوط من خلال مقترح ستتم مناقشته في الكونغرس، يوم 15 دجنبر، يدعو لإجراء انتخابات عام 2023.
من الواضح أن فكرة إجراء انتخابات مبكرة، والتي دعت إليها السلطات الحالية (الكونغرس والرئيسة المغتصبة للسلطة)، هي محاولة من قبل الأوليغارشية لإيجاد مخرج من الوضع المتفجر الذي أشعلوه بأنفسهم.
لكن هذا ليس ما تريده الجماهير. فعندما يقول العمال والفلاحون والشباب في شوارع وساحات البلاد: “نريد انتخابات الآن”، فإن هذا الشعار مرتبط بالشعارات الأخرى، بدءا بشعار الحرية لكاستيلو (وإعادته إلى منصب الرئاسة)، وانتهاء بحل الكونغرس، والدعوة لجمعية تأسيسية. الأوليغارشية الرأسمالية تريد الدعوة للانتخابات… حتى يبقى كل شيء على حاله، وتغادر الجماهير الشوارع والساحات والطرق.
لنخرج جميعا اليوم!
هذا اليوم سيكون حاسما. لقد دعت جميع المنظمات الكفاحية والنقابات العمالية ونقابات المعلمين ومنظمات الفلاحين ودوريات الفلاحين، والمنظمات الطلابية وقوات الدفاع الإقليمية ولجان الاضراب، إلى تنظيم إضراب وطني كبير ومظاهرة في العاصمة ليما. وقد بدأ عشرات الآلاف من المحتجين بالفعل في مسيرات من كل ربوع البلاد.
وفي حالة من الذعر، أعلن وزير الدفاع، يوم 14 دجنبر، حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة 30 يوما، ومدد الإجراء الذي تم الإعلان عنه بالفعل في أريكويبا وإيكا وأنداهوايلس، لمدة 60 يوما.
أوضح وزير الدفاع، ألبرتو أوتارولا، أن: “الشرطة الوطنية البيروفية تتحكم في النظام الداخلي بدعم من القوات المسلحة… وأن إعلان حالة الطوارئ الوطنية يعني تعليق حقوق التجمع وحرمة المنازل وحرية العبور وحرية التجمع والحريات الفردية “.
يعتبر هذا القرار تحديا واضحا للحركة. إنه محاولة لمنع الإضراب الوطني والتعبئة بالقمع. لكن في المقاطعات الجنوبية الثلاث، التي يقوم الجيش فيها بالفعل بحراسة المباني العامة، لم تتمكن حالة الطوارئ من إيقاف الحركة الجماهيرية.
أطلقت وسائل الإعلام البرجوازية والممثلون السياسيون للأوليغارشية حملة لتجريم الحركة، متهمين إياها بأنها تخضع لسيطرة قوات منظمة “الدرب المضيء”. هذا الاتهام مثير للسخرية، كما أن تهمة ” Terruqueo” (التي تعني اتهام شخص ما بأنه إرهابي)، التي شكلت لسنوات طويلة جزءا من ترسانة الطبقة السائدة في بيرو، لم يعد لها تأثير كبير على الرأي العام.
في غضون ذلك، انتهت بالفعل السبعة أيام القانونية كحد أقصى للاحتجاز السابق للمحاكمة في قضية كاستيلو. واليوم من المقرر أن يبت القضاء في طلب النيابة العامة لتمديد المدة 18 شهرا على ذمة المحاكمة!
لكن يجب أن نشير إلى أن قادة اليسار لم يرتقوا، مع الأسف، إلى مستوى اللحظة. الرئيس السابق لمجلس وزراء كاستيلو، غيدو بيليدو، الذي امتنع عن التصويت على عزل الرئيس، خرج للدعوة إلى الحوار (بينما الشرطة تطلق النار على المتظاهرين) ونأى بنفسه عن “الأعمال الإجرامية التي تنزع الشرعية عن الاحتجاج السلمي”، و”الأعمال العدوانية والتخريب” (!!) .
إنه رد فعل دفاعي غير مقبول أمام الهجمات التي تشنها وسائل الإعلام البرجوازية والتي تستهدف بيليدو نفسه وأعضاء آخرين في الكونغرس، مثل تيلو وبرميخو وتشافيز، بوصفهم “محرضين على الاحتجاج”، وتتهمهم دون دليل “بتوفير الأموال والخدمات اللوجستية لمنظمة Movadef ” (منظمة داعمة لحقوق سجناء الدرب المضيء).
ما كان يجب على بيليدو قوله هو إن العنف يأتي من جانب الأوليغارشية والانقلابيين وجهاز الدولة، والذين يستخدمونه للتشبث بالسلطة. أما بالنسبة لاتهامات “التخريب” و”العنف” فعلينا أن نجيب بأن سبعة من الوفيات الثمانية، التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية، قد نجمت عن إطلاق الشرطة للنار على المتظاهرين. إذن من هو العنيف؟ من هم المخربون؟ الشعب له الحق في الدفاع عن نفسه ضد قمع حكومة غير شرعية.
لقد صرح زعيم حزب Perú Libre (بيرو حرة)، فلاديمير سيرون، بنفس هذه المصطلحات تقريبا عندما أعلن: “إن سبب العنف هم الأثرياء الذين قاموا بالإطاحة بكاستيلو، والفقراء لا يذهبون إلى الاحتجاجات لأنهم يريدون الموت، بل بسبب الظروف التي تجبرهم على السير في هذا الطريق، ولجعل صوتهم محترما واحترام فوزهم في صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي يُسلب منهم اليوم “.
على العمال والشباب والفلاحين اسقاط الانقلاب!
صار موقف حزب Perú Libre ضعيفا بسبب تصويته (بستة أصوات مقابل ثلاثة، وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت) لصالح عزل كاستيلو في الكونغرس، يوم 07 دجنبر.
وعلى الرغم من أن الحزب قد أصر بشكل صحيح على أن الانتخابات الجديدة في حد ذاتها لن تحل أي شيء، واقترح ربطها باستفتاء تأسيسي، فقد أوضح سيرون أنه يتصور الجمعية التأسيسية على أنها طريقة لتأسيس “ميثاق اجتماعي أكثر إنصافا” بين العمال والرأسماليين، وأنه “فقط بالإجماع بين الطبقات الحاكمة والمحكومة يمكن أن يكون هناك سلام اجتماعي، وهو ما يبدأ بمناقشة الدستور الجديد في جمعية تأسيسية”.
نرى هنا الارتباك الأيديولوجي المتأصل في جذور موقف حزب Perú Libre، والذي رغم أنه يصف نفسه بأنه “ماركسي ولينيني ومارياتيغيي”، فإنه يدافع في الواقع عن إدارة الرأسمالية بطريقة “أكثر إنصافا” للعمال والفلاحين. يجب أن نقول الحقيقة بوضوح: هذا غير ممكن، وخاصة في زمن الأزمة الرأسمالية العالمية العميقة، وعلى وجه الخصوص في بلد تهيمن عليه الإمبريالية مثل بيرو.
في مواجهة هذا الوضع، من الواضح أنه لا يمكن للطبقة العاملة والفلاحين والطلاب أن يعتمدوا إلا على قوتهم الخاصة. ومن أجل تحقيق النصر يجب على الحركة أن تنظم صفوفها من خلال مندوبين منتخبين وقابلين للعزل في كل مدينة وبلدة وحي وكلية وقرية، متحدين في جمعية ثورية وطنية للعمال والفلاحين، والتي ينبغي أن تتولى بأيديها زمام السلطة في البلاد وتزيح الأوليغارشية الرأسمالية إلى الأبد.
ستكون الساعات القليلة القادمة حاسمة.
اطردوهم جميعا! الشعب العامل هو الذي يجب أن يحكم! يجب مصادرة ملكية الأوليغارشية والشركات متعددة الجنسيات! لا مزيد من الفقراء في بلد غني!
خورخي مارتن
15 دجنبر 2022
مصدر وعنوان النص بالإنجليزية:
PERU: Usurper Boluarte declares state of emergency to crush 15 December national strike