الرئيسية / دول العالم / أمريكا / البرازيل / الانقلابات والنضال الجماهيري في أمريكا اللاتينية

الانقلابات والنضال الجماهيري في أمريكا اللاتينية

هذا المقال في الأصل عرض قدمه الرفيق محمد حسام، عضو هيئة تحرير موقع marxy.com ومجلة “الحرية والشيوعية”، في “نادي إلى اليسار” على منصة “الكلوب هاوس” خلال شهر يناير/كانون الثاني من هذه السنة، وقد تم نشره في العدد 11 من مجلتنا “الحرية والشيوعية”.


أمريكا اللاتينية على صفيح ساخن، هي واحدة من أكثر الأماكن في العالم التي تتجلى فيها أزمة النظام الرأسمالي وأزمة اليسار الإصلاحي في آن واحد. تعيش أمريكا اللاتينية لعقود طويلة في تقلبات حادة، أزمة متفاقمة وصراعًا طبقيًا يكاد لا يهدأ.

ما نشهده حاليًا هناك هو امتداد للحركة الجماهيرية التي اندلعت في أواخر 2019 في العديد من البلدان، الإكوادور وتشيلي وكولومبيا، والتي بدورها كانت جزءا من موجة مد للحركة الجماهيرية على مستوى العالم، في السودان ولبنان والجزائر والعراق وصولاً إلى هونج كونج. في كل تلك الحركات شهدنا نفس السيرورة: حركة جماهيرية قوية وعفوية، بحضور شبابي واضح ومكثف، هؤلاء الشباب الذين شبوا في أعقاب أزمة 2008، الذين كل ما توفره لهم الرأسمالية هو وعد بمستقبل مأزوم، وعي طبقي متقدم، الجماهير تسائل كل النظام، لكن أيضًا شهدنا تراخي وتخاذل القيادة، أو من يفترض فيهم أن يكونوا القيادة، قمع وحشي، ووصول الحركات الجماهيرية لطريق مسدود.

نحن هنا لا نتحدث عن مجرد حركات مطلبية معارضة بالمعنى التقليدي هنا أو هناك، إنما نتحدث عن سيرورة ثورية واحدة، غمرت الجماهير الشوارع مثل النهر الهادر، نتحدث عن حركات كانت تواجه ما هو أعمق وأكثر من الحكومات القائمة، كانت تواجه النظام بأكمله، صوبت هجومها نحو النظام بأكمله، والهتاف اللبناني الشهير “كلن يعني كلن” هو تعبير واضح عن مستوى الوعي الطبقي لتلك الموجة، تمامًا كما الثورة السودانية ودرجة تنظمها. باختصار نحن نتحدث عن موجة ثورية اجتاحت العالم من أقصى الغرب لأقصى الشرق في شهور قليلة تحمل كثير من السمات الثورية، لم تقطعها سوى فراغ القيادة ثم الجائحة.

ورجوعًا لأمريكا اللاتينية، لفترة وجيزة، قبل تلك الحركات وبعدها، ساد تشاؤم في الجو بين اليساريين حول المد اليميني في أمريكا اللاتينية، مع تأزم الحكومات اليسارية المختلفة، في فنزويلا والبرازيل وحتى كوبا، وانتشر التشاؤم مع انتصار جائير بولسونارو في البرازيل، الأزمة الطاحنة التي مرت بها فنزويلا ومحاولة الانقلاب بدفع الولايات المتحدة الأميركية لإسقاط حكومة مادورو هناك، لدرجة أنه بدأ الصراخ حول المد اليميني في القارة والفاشية في البرازيل.

طبعًا أصدقاؤنا اليساريون المثقفون جدًا يستعملون الفاشية كمسبة وليس مصطلحًا سياسيًا، لكن هذا شيءٌ آخر لسنا بصدده الآن، المهم أنه كان من الواضح لنا، في التيار الماركسي الأممي، أن انتخاب بولسونارو لم يكن دليلاً على مدّ “فاشي” أو حتى يميني في البرازيل، وإنما كان دليلاً على عمق الأزمة وحدية المشهد السياسي، نتاج خيانة حزب العمال البرازيلي، بقيادة لولا دا سيلفا وديلما روسيف من بعده، للجماهير وتطلعاتها، وعقم الساحة السياسية، فجاء بولسونارو بمظهر الحل من خارج المؤسسة الرسمية ليلامس بخطابه الشعبوي المزاج الراديكالي للجماهير التي لم تعد تقبل الحلول المتذبذبة والخطاب الوسطى، تمامًا مثلما كان الوضع حينما انتُخب ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبسرعة، بعد فوز اليسار في انتخابات عدة بلدان في أمريكا اللاتينية، البيرو وكولمبيا وأخيرًا البرازيل بعودة لولا دا سيلفا للحكم، انقلب المزاج اليساري عند أصدقائنا 180 درجة، وصوروا كما لو أنه لا رجعة لليمين بعد الآن فقد انتصر اليسار، وهذا لم يكن حقيقيًا، في النهاية إذا عجزت تلك الحكومات اليسارية عن حل المشاكل الملحة للجماهير وحشد الجماهير في مشروع ثوري لإسقاط الرأسمالية، فمزاج الجماهير يمكن أن ينقلب. يمتاز المزاج الجماهيري في أوقات الأزمات الطاحنة، مثل الأزمة الحالية، بكونه راديكالي وكثير التقلب، تبحث الجماهير في كل مكان عن بديل، ومع فساد الأحزاب القائمة وعقم الأحزاب العمالية التقليدية، يجربون كل الحلول، من اليمين لليسار، لكن للأسف، أو لأقولها بصراحة لحسن حظنا، أنه لا مكان للوسط في هذه المرحلة من التاريخ.

البيرو

كان انتخاب بيدرو كاستيلو بمثابة زلزال سياسي في البيرو، زلزال يعبر عن تغيير مهول في الصراع الطبقي والاستقطاب السياسي هناك. شنت الطبقة السائدة البيروفية حملة شرسة لهزيمة النقابي الذي يصف نفسه بأنه ماركسي ولينيني: بيدرو كاستيلو، بغض النظر عن أنه ليس كذلك من وجهة نظرنا، شنت حملة تحت شعارات مثل: “الشيوعية هي الفقر” لهزيمة القاعدة الشعبية المستند عليها بيدرو كاستيلو.

ما حدث كان بسبب الأزمة الرأسمالية التي تفاقمت مع الجائحة. عانت البيرو من أسوأ الانكماشات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية بنسبة 11% عام 2020، وسجلت أسوأ نسبة من الوفيات الزائدة، وأسوأ معدل وفيات في أي مكان في العالم، وبينما تسابق السياسيون الأثرياء والبيروقراطية الحكومية لأخذ اللقاحات تركوا الجماهير لتموت.

هذا الانتصار كان تعبيرًا عن رغبة الجماهير في التغيير وتطلعها لبديل جذري، وهو ما كان يمثله بيدرو كاستيلو من وجهة نظرهم. تقدم بيدرو ببرنامج يلامس تطلعات الجماهير: إعادة التفاوض بشأن شروط العقود مع شركات التعدين متعددة الجنسيات (وإذا رفضت الشركات فسيتم تأميمها)، وعقد جمعية تأسيسية لتغيير دستور عام 1993 المكتوب خلال ديكتاتورية فوجيموري، بشعارات حماسية ألهبت الجماهير مثل: “لا مزيد من الفقراء في بلد غني”.

بيدرو كاستيلو في حد ذاته كان يمثل الكثير بالنسبة للجماهير، معلم ريفي له جذور فلاحية، متحدٍ للبيروقراطية النقابية، من خارج المؤسسة الحاكمة، من يسارها بمعنى أصح ومناهض لها، هذا في ظل سئم الجماهير من كل الأحزاب الليبرالية القائمة.

فاز بيدرو كاستيلو في تلك الانتخابات بفارق ضئيل، وهذا نتيجة الاستقطاب السياسي والطبقي الحاد في البيرو. كان أمام بيدرو كاستيلو طريقين: إما أن يفي بوعوده للجماهير، وهذا معناه الاعتماد عليها لإسقاط الرأسمالية، وإما أن يتراجع تحت ضربات الرأسمالية في الداخل والخارج. كانت الجماهير على استعداد للمضي قدمًا إلى النهاية في الدفاع عن مشروع بيدرو كاستيلو، وهو ما لم يستغله كاستيلو.

ذُعرت الطبقة السائدة من فوز بيدرو كاستيلو وبدأت تعد العدة للتخلص منه منذ اليوم الأول، ظلت تنظر إليه كدخيل عليها، كانوا يرونه تهديدًا لسلطتهم وامتيازاتهم، لقد لجأت الطبقة السائدة والإمبريالية الأمريكية من خلفها لكل الحيل لعرقلة بيدرو كاستيلو وإفشال مسعاه لتطبيق سياساته.

يعتبر برنامج كاستيلو، على الرغم من الإشارات إلى ماركس ولينين في كل وثائق حزبه، أحد برامج التنمية الرأسمالية الوطنية، وليس برنامجًا اشتراكيًا. كان يريد استخدام الثروة المعدنية للبلاد لصالح البرامج الاجتماعية (التعليم بشكل رئيسي) والعمل مع “رجال الأعمال الوطنيين المنتجين” من أجل “تطوير الاقتصاد”. ونموذجه كان الإكوادور وبوليفيا على حد قوله، دون التعلم من إخفاقات الإكوادور وبوليفيا.

المشكلة هي أن الرأسماليين المسؤولين “المنتجين الوطنيين” لا وجود لهم، لا في البيرو ولا في أي مكان آخر، الرأسماليون يستثمرون ليس من أجل الوطن ولا التنمية وإنما من أجل الأرباح. إن الطبقة السائدة في البيرو، أصحاب البنوك، وملاك الأراضي، والرأسماليين، مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بمصالح الشركات متعددة الجنسيات والإمبريالية، التي كان يود بيدرو كاستيلو بسذاجة أن يتفاوض معها.

واجه كاستيلو معضلة: إما أن يفي بوعوده للجماهير، وهو ما يعني أن يدفع لقطيعة مع النظام الرأسمالي، وإما أن يدخل في طريق المساومات البرلمانية -الذي تعارضه أغلبيته- مع الطبقة السائدة، ويفقد شعبيته بالتدريج تمهيدًا لسقوطه، وللأسف اختار الطريق الثاني.

موقفنا حينها، في التيار الماركسي الأممي، الذي يمكن الاطلاع عليه في موقعنا العربي والإنجليزي، هو أنه يجب دعم كل خطوة إلى الأمام يخطوها بيدرو كاستيلو، ونقد كل تذبذب وتراجع، مع الشرح للجماهير لأوجه قصور بيدرو كاستيلو ومشروعه الإصلاحي منذ البداية، وهو موقفنا تجاه كل الإصلاحيين اليساريين، وأنه يجب على الطبقة العاملة والجماهير أن لا تثق إلا في قواها الذاتية.

وأخيرًا، تم تقديم طلب عزل ثالث ضد الرئيس بيدرو كاستيلو وكان من المقرر مناقشته في 7 ديسمبر من قبل الكونجرس. ومع ذلك، في الساعة 11:45 صباحًا من نفس اليوم، وجه كاستيلو رسالة إلى الأمة يعلن فيها حل البرلمان، ردًا على الهجمات المتعددة والعقبات التي وضعها البرلمان ضد حكمه منذ البداية. لكن للأسف كانت هذه محاولة في الوقت الضائع.

لقد دعا قبلها بيدرو كاستيلو، نتيجة حالة المشاحنات والشلل السياسي، منظمة الدول الأمريكية قبل أسابيع قليلة إلى التدخل، أي أنه كان يدعو الإمبريالية الأمريكية، دون تعلم أي شيء من تاريخ تدخلها في أمريكا اللاتينية، الذي يهدف لتأكيد مصالحها ضد أي محاولة من قبل الجماهير لتحرير نفسها، بما في ذلك حتى المحاولات الإصلاحية الخجولة التي لم تشن أبدًا معركة حاسمة وجادة ضد الرأسمالية.

لكن جاءه رد مفاجئ بالنسبة له ومتوقع جدًا بالنسبة لنا، لقد نال ما طلبه، تدخلت منظمة الدول الأمريكية وأعلنت أن الرئيس بيدرو كاستيلو قد خرق النظام الدستوري. لذلك، أقرت منظمة الدول الأمريكية بإقالته وصدقت على الرئاسة الجديدة لدينا بولارت. وهذا بدلاً من أن يتوجه للجماهير ويدعوها للاحتشاد دفاعًا عنه وعن برنامجه، وهو ما كان سيلقى استجابة واسعة. باختصار هذا ما جنته يداه.

ردت الجماهير بقوة على هذا الانقلاب، اجتاحت الشوارع، مظاهرات وإغلاقات للشوارع واعتصامات وإضرابات عامة، ردت الطبقة السائدة بعنف همجي أدى لمقتل العشرات. وما زالت حتى الآن الساحة السياسية البيروفية شديدة الفوضى، السلطة الانقلابية شديدة الهشاشة، الطبقة السائدة بدأت في التصدع نتيجة صمود الجماهير. يمكن هزيمة الانقلاب الأخير في البيرو، فقط إن اتحدت الطبقة العاملة تحت راية برنامج نضالي جريء وحازم، وهو ما يمكن إنتاجه استنادًا على الحركة المتنامية بين الجماهير. الجماهير تحتاج إلى قيادة ثورية وبرنامج اشتراكي جريء يبين لهم الطريق إلى الأمام. رفاقنا في البيرو يبذلون مجهودًا جبارًا ويبلون بلاءً حسنًا، لدينا مجموعة صغيرة لكنها نشطة للغاية ونحن واثقون من أنهم سوف يحققون نتائج رائعة. النضال الجماهيري مستمر والقمع أيضًا لكنه لا يجلب نفعًا للطبقة السائدة، وهذا أكثر ما يرعبها. علينا أن نراقب تطور الأوضاع هناك عن كثب.

البرازيل

شهدت الانتخابات البرازيلية الأخيرة استقطابًا حادًا للغاية، بولسونارو -مستندًا إلى الفئات الأكثر تخلفًا ومحافظة في البلاد- في مواجهة لولا دا سيلفا – مستندًا إلى الفئات الأكثر تقدمًا بقيادة الطبقة العاملة-. برغم أن حملة لولا دا سيلفا افتقرت إلى محتوى طبقي جذري، وقامت على تحالفات غير مبدئية مع البرجوازية البرازيلية، وهو ما ظهر في اختيار نائب الرئيس، جيراردو ألخمين، وهو سياسي برجوازي أصيل كما يقال. كل هذا استفاد منه بولسونارو، وهو ما ظهر في فوز لولا دا سيلفا بفارق ضئيل.

بدلاً من أن يبني حملته على القضايا الطبقية، تم جره للقضايا الثقافية المجردة، التي يتفوق فيها بولسونارو، وحاول لولا التفوق على بولسونارو بالميل أكثر نحو اليمين، ظنًا منه أن هذا في مصلحته، بينما كان من شأن حملة جريئة بمطالب اجتماعية ملموسة، وبخطاب طبقي كفاحي، أن تتجاوز الانقسامات الدينية والثقافية وتنسف شعبوية بولسونارو.

خاضت الطبقة العاملة نضالاً حازمًا ضد بولسونارو، الذي كان يمثل بالنسبة لها الهجوم على الأجور وظروف العمل ومستويات المعيشة، والتعامل الكارثي مع الجائحة، من أجل لولا دا سيلفا الذي يأملون أن يمثل عكس ذلك، رغم أن لولا وحزبه، وبشكل خاص ديلما روسيف، خسروا كثيرًا من رصيدهم أثناء تجربتهم في الحكم، ونستطيع أن نقول ونتوقع أنه لو كان هناك مرشح غير بولسونارو لكان خسر لولا دا سيلفا، ولو كان هناك مرشح آخر غير لولا دا سيلفا ومشروع سياسي عمالي وكفاحي لكان هزم بولسونارو بسهولة جدًا.

كان قد فقد شعبيته كُليًا بالفعل، تميزت فترة رئاسته بمظاهرات لا تنقطع، لشهور قبل الانتخابات كان يخرج الآلاف إلى الشوارع هاتفين ورافعين شعار: ”Fora Bolsonaro! “  (“بولسونارو ارحل! ”)، الذي كان رفاقنا في البرازيل، في منظمة اليسار الماركسي، أول من رفعه، لكن قيادات حزب العمال والنقابات العمالية كبحت الجماهير حينها، وحثتهم على “احترام التفويض الديموقراطي لبولسونارو” وانتظار الانتخابات المقبلة لطرده. وفي الوقت نفسه برروا تخاذلهم وميلهم نحو اليمين بإثارة المخاوف من كون بولسونارو “فاشيًا”!

في النهاية الانتخابات لا تحل المشاكل تلقائيًا، القنبلة الموقوتة الموجودة في أسس الوضع الحالي هي، بطبيعة الحال، الأزمة الاجتماعية الحادة التي تعيشها البرازيل والارتفاع الحاد للّامساواة: يعاني 33 مليون برازيلي من سوء التغذية، بينما زاد عدد أصحاب الملايين بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة.

يتولى لولا دا سيلفا السلطة حاليًا في وقت أعمق أزمة للنظام الرأسمالي، حيث لا يمكنه الاستفادة من ارتفاع أسعار المواد الخام مثل رئاسته الماضية، حيث لا يمكنه مسك العصا من المنتصف. إن استمرت حكومة لولا دا سيلفا، كما هو متوقع، في الالتزام بالنظام الرأسمالي، فسوف تصبح حكومة لشن المزيد من الهجمات على الطبقة العاملة.

كتب رفاقنا في البرازيل بعد الانتخابات:

“انتصار لولا هو الخطوة الأولى، لكن يتوجب الآن الاستعداد للنضال من أجل التغيير الحقيقي: التغيير الذي تتوقعه جماهير العمال والشباب الذين صوتوا لصالح لولا. لقد تم هزم بولسونارو في صناديق الاقتراع، لكن “البولسونارية” ما تزال حية وقوية، وسيتعين هزيمتها في المصانع وأماكن العمل، وفي أحياء الطبقة العاملة، باستخدام أساليب الإضرابات الجماهيرية والمظاهرات.”

وهو ما حدث في المحاولة الانقلابية اليمينية التي حدثت في بداية الشهر الحالي، ومن الواضح أنها لم تكن محاولة جدية أو مخططة، حيث إنها حتى لم تلق دعم شرائح معتبرة من الطبقة السائدة، وسارعت الإمبريالية الأمريكية بنفاق لإدانة تلك المحاولة، طبعًا لمصلحتها الخاصة ولعدم اضطراب الأوضاع أكثر، حيث إنها هي الداعم الرئيسي للانقلاب في البيرو. اقتحم مجموعة من أنصار بولسونارو المتعصبين الكونجرس والقصر الجمهوري والمحكمة العليا. وفي هذا السياق أنصح الجميع بقراءة البيان الصادر عن رفاقنا هناك، تحت عنوان: “البرازيل: ضد اليمين المتآمر الانقلابي – من أجل تحرك موحد مستقل للطبقة العاملة!”.

نقرأ فيه: “حكومة لولا – ألخمين، التي هي حكومة وحدة وطنية مع الطبقة الرأسمالية، لا تتوقف عن مد يدها إلى ممثلي اليمين وحتى اليمين المتطرف للانضمام إلى الحكومة. ووزير الدفاع، خوسيه موسيو، الذي من المفترض فيه أن يسهر على الدفاع عن الحكومة في مواجهة التخطيط للانقلاب، صنف معسكرات الخيام [التي أقامها أنصار بولسونارو] أمام الثكنات العسكرية، والتي كانت تدعو إلى التدخل العسكري، على أنها “تعبير عن الديمقراطية”.”

ردت الجماهير بالنزول إلى الشوارع لإظهار معارضتها لتلك المحاولة الانقلابية الفاشلة، وهو ما يجب أن يستغله قادة المنظمات العمالية واليسارية ليس فقط من أجل التعبئة ضد اليمين، ولكن من أجل الاستقلال الطبقي للطبقة العاملة.

درس في الإصلاحية

خلال السنوات الماضية، في أمريكا اللاتينية بشكل خاص وفي العالم بشكل عام، تعلمنا درسًا مهمًا عن الإصلاحية: إنه يمكنك أن تكون في السلطة دون أن يعني هذا أن يكون لديك سلطة حقيقية. دون مصادرة المفاتيح الرئيسية للاقتصاد وتسييرها بشكل ديمقراطي لن يكون لأي انتخابات أو مؤسسة تمثيلية أي أهمية في حد ذاتها.

تستطيع الأحزاب اليسارية والعمالية الفوز بالانتخابات، حتى الرئاسية، في ظروف معينة، لكن دون أن تنزع القوة الاقتصادية للرأسماليين فإن فوزها لن يؤدي إلا لإحراقها وتبديد رصيدها وشرعيتها وشعبيتها بين الجماهير، خصوصًا في أوقات الأزمات الاقتصادية، ويمكن أن يمهد هذا الطريق لعودة اليمين، لأنه في النهاية الرأسماليين هم الذين يتحكمون في الحكومات وليس العكس، مهما بدا عكس ذلك ومهما أدعي وتصور الإصلاحيون المثاليون الذين يصوروا الصراع الطبقي والأزمة الاقتصادية على أنها أزمة قرارات وسمات شخصية، وليست أزمة مزروعة في أسس النظام الحالي. بالنسبة لنا نحن، الماركسيون، لا ننبذ الانتخابات البرجوازية التمثيلية من حيث المبدأ، ولكننا نراها مهمة بقدر ما تُظهر للجماهير حدود الديمقراطية التمثيلية في ظل النظام الرأسمالي، وبقدر ما تساعد على تعبئة وتنظيم ورفع وعي الجماهير، وبقدر ما تسمح لنا بالتعبير عن وجهات نظرنا.

للأسف نتيجة تعرض القوى الماركسية الحقيقية لتراجع كبير طيلة فترة تاريخية كاملة، نتيجة عوامل تاريخية عديدة، لم تكن جاهزة في وقت استيقاظ الجماهير في الفترة الماضية، ولنكن صريحين هذا الوضع مستمر حتى الآن، القوى والتيارات الإصلاحية، بشكل خاص اليسارية، هي من كانت جاهزة أكثر، لكنها الآن تخضع للاختبار القاسي في بلد تلو الآخر، وسقطت أغلبها بنفس سرعة صعودها، وكان لأغلبها طابعًا عرضيًا للغاية، مثلما شهدنا في السنوات القليلة الماضية. تعيش الإصلاحية فقط على تربة النمو والتعافي الاقتصادي، وهذا يظهر بوضوح في أزمة الرأسمالية الحالية، التي لا توفر مساحة وهامش مناورة للإصلاحيين، اليمينيين واليساريين على حد سواء.

إخفاق الإصلاحيين اليساريين، بغض النظر عن نواياهم ونزاهتهم الشخصية، له سبب واضح: إنه لا يوجد حل وسط بين مصالح الرأسماليين والطبقة العاملة، خصوصًا في أوقات الأزمات الاقتصادية. أي محاولة لإيجاد ذلك الحل الوسط وخدمة تلك المصالح الطبقية المتناقضة هي محاولة عبثية وسوف تؤدي إلى الهزيمة، وأحيانًا تؤدي إلى إثارة استياء المعسكرين، العمالي والرأسمالي. لو صح لنا أن نتعلم شيئًا عن الإصلاحيين: إنهم لا يتعلمون شيئًا من التاريخ، يقال إن الغباء أن تفعل نفس الشيء مرتين وتنتظر نتائج مختلفة، لكن نفس الشيء فعلوه عشرات المرات وليس مرتين فقط، لكنهم للأسف لا يتعلمون شيئًا.

خاتمة

من الضروري دراسة الأحداث في البيرو والبرازيل، وأحداث الإكوادور وتشيلي وبوليفيا التي تتقاسم كثيرًا من التشابهات مع البيرو، للتحضر للأحداث المستقبلية. ما يحدث الآن وما نحن بصدد مناقشته الآن لا يخص أمريكا اللاتينية فقط، بل يخص كل السيرورة الثورية التي بدأت في العالم كله، والتي سوف تتجذر أكثر، وما يحدث هناك يمكن أن ينتقل بسهولة هنا. البيرو والبرازيل ليسوا نماذج منعزلة وإنما تعبير عن فترة من اشتداد الصراع الطبقي في أمريكا اللاتينية والعالم كله.

لذا فإن الأحداث الحالية ليست نهاية المطاف، السؤال ليس ما إذا كان سيكون هناك اضطرابات اجتماعية في الفترة المقبلة، لأن هذا شيء حتمي، ولكن بالأحرى كيف يجب أن يستعد الثوريون لها. الدروس الرئيسية للأزمة المستمرة في أمريكا اللاتينية هي، أولاً: الطبيعة العميقة لأزمة النظام وتشوه سمعة مؤسسات الديمقراطية البرجوازية، ثانيًا: القدرة الهائلة والاستعداد للنضال من جانب الجماهير التي لا تتراجع في وجه القمع ولا بوعود تقديم تنازلات، ثالثًا: على الرغم من توازن القوى الموالي لصالح الطبقة العاملة، هناك غياب واضح ومؤثر للعامل الذاتي – قيادة ثورية يمكنها دفع الطبقة العاملة نحو الاستيلاء على السلطة.

الآن ونحن في أعمق وأعقد أزمات النظام الرأسمالي، الطبقة السائدة لا تمتلك حلاً للأزمة، حتى حل لصالحها لأنها تفتقر إلى القاعدة الاجتماعية لتأسيس ردة رجعية قوية مثل الماضي، المنظمات العمالية أكثر انحطاطًا بكثير عن الماضي، وهو ما يشكل مانعًا لصد حركة الجماهير، لكن الجماهير تتعلم -ببطء نوعًا ما ولكن بثبات واضح- من خلال التجربة إجرام النظام وضرورة التغيير.

نحن في مرحلة شديدة الاضطراب، مرحلة من التقلبات والتغيرات الحادة، بما في ذلك التغيرات في الوعي، ليس هناك مكان في العالم في مأمن من احتدام الصراع الطبقي، كما أثبتت الأحداث في بطن الوحش: الولايات المتحدة الأمريكية. سوف نشهد العديد من موجات المد والجذر، ومقبلين على مرحلة طويلة من الثورات والثورات المضادة، الثورات والانقلابات.

يجب أن نعمل بأقصى طاقتنا لنلامس مزاج الجماهير الذي بدأ في التغير في كل مكان، وبشكل خاص الشباب. كتب تروتسكي في عام 1931: “إن الوقت، في الوضع العالمي الحالي، هو أثمن المواد الخام”، هذا ما يجب أن نضعه نصب أعيننا، إذا لم نكن جاهزين سوف تضيع فرص مهمة يمكنها أن توفر مدخل لانتصار الثورة الاشتراكية في المنطقة والعالم. بقدر جاهزيتنا للأحداث المستقبلية بقدر ما سوف نقلص فترة احتضار النظام الرأسمالي شديدة الاضطراب والدموية التي نعيش في ظلها حاليًا وولادة المجتمع الاشتراكي.

مهمة الماركسيين والثوريين في كل مكان هي حل هذه المسألة، مسألة غياب العامل الذاتي، من خلال بناء تيار ماركسي قوي، متجذر في الطبقة العاملة، بمنظور أممي، يمكنه التدخل في الانتفاضات والثورات التي ستحدث لا محالة في بلداننا، لتغيير مسار الأحداث. وتحقيق، في بلد تلو الآخر، انتصارًا حقيقيًا سيغير المجتمع والمنطقة، والعالم بأسره. هذا ما نسعى إليه في التيار الماركسي الأممي وندعو كل من يتفق معنا للانضمام إلينا في هذا النضال العظيم والمهمة الثورية الأهم: مهمة بناء التيار الماركسي الأممي.

  • تسقط الرأسمالية!
  • عاشت الطبقة العاملة!
  • عاش التيار الماركسي الأممي!
  • من أجل بناء منظمات ماركسية ثورية!
  • لا بديل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة حكومة عمالية!

محمد حسام
23/1/2023