الثورة السودانية تمر من مفترق طرق، والضباع تتجهز لنهشها، وما التحركات الأخيرة من قبل العسكريين إلا دليل على ذلك، وجرس إنذار مبكر للثورة وجماهيرها، رسالة تحذير يجب أن يتعامل معها الثوريون بجدية وأن يتجهزوا لما هو قادم من معارك لن تكون هينة، يجب أن نتسلح بالتنظيم الكافي والنظرية الثورية، وقبل كل شئ بدراسة تجربتنا الذاتية وأخطائها وكيف وصلت الثورة إلى مأزقها الحالي.
عامان وقليل على توقيع الإتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، تلك التسوية التي قطعت الطريق أمام الثورة وحجمت مسارها وعملت على تجريدها من أسلحتها، والتي ضمنت الاحتفاظ بجهاز الدولة القديم بشقيه البيروقراطي والعسكري وضمنت تقسيم الثروة والسلطة بما يحفظ مصالح ذات الطبقة المسيطرة.
خانت قيادة الحرية والتغيير الجماهير، حين أبرمت الاتفاق مع المجرمين، وخانت حتى القيم المجردة مثل مدنية وديمقراطية الدولة عندما اقتسمت السلطة مع المجلس العسكري، وقننت وضع ذات المنظومة الأمنية الفاسدة والمجرمة وإقتصادها تحت أيدي العسكريين ومجموعة من التنازلات المخزية كانت عنوان وثائق الشراكة، والحق أن قيادة قوى الحرية والتغيير تخاف الجماهير أكثر مما تخاف المجلس العسكري والردة الرجعية، وخيانتهم هذه مقصودة لقطع الطريق على تجذر الثورة. أما وقد مضى عامان على التوقيع فتأتي الممارسة لتضيف لتلك التنازلات حتى ما نصت به الوثائق بمسؤولية الشق المدني عنه، رأينا العسكريين يقودونه من إتفاق سلام جوبا مروراً بالمعالجات الاقتصادية والتحديات الأمنية حتى الخاصة بالشرطة والأمن.
الموقف الماركسي من شق السلطة المدني
الموقف الماركسي من أى سلطة يعتمد على شئ أساسي هو: عن أى مصالح طبقية تعبر وتدافع عنها تلك السلطة، سواء كان ممثلي تلك السلطة مدنيين أم عسكريين. بالتالي، موقفنا من عبد الله حمدوك وحكومته يعتمد على نفس المعيار، وقولاً واحداً ما يسمى بالشق المدني في السلطة هو معبر عن مصالح الرأسمالية السودانية والامبريالية، التي خدم عبدالله حمدوك في مؤسساتها المالية طيلة سنوات، ومازال وفياً لتلك المؤسسات إلى الآن، تلك المؤسسات هي التي طرحت اسم “تكنوقراطي مدني” مثل عبدالله حمدوك ليقوم بدور خادع للجماهير التي كانت رافضة لأى انفراد عسكري بالسلطة بعد سقوط الديكتاتور عمر البشير.
لا يجب أن ينخدع الماركسيون و الثوريون بالخلافات بين الشق المدني والشق العسكري، هي خلافات على تقسيم السلطة، هي خلافات حول أى منهم أجدر باستغلال الجماهير وقمعها، خلافات حول أى شق منهما سيكون تابعاً للآخر، خلافات حول من منهما أجدر بأن يكون وكيلاً للامبريالية في السودان، من منهما الأقدر على قمع الجماهير وحكمها، وفي جانب منها هي خلافات لأن العسكريين يهدفون لإنهاء تلك الشراكة في أقرب فرصة مناسبة ويعملون على إضعاف الشق المدني وعلى تهيئة الجماهير لذلك بالتدريج. لا يوجد جانب به ذرة من التقدمية في ما يسمي بالشق المدني، إلا لو اعتبرنا التحدث بالانجليزية بطلاقة من سمات التقدمية.
المواقف السياسية للماركسيين تنبع من الموقف الطبقي الحازم. الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو إجراء مضاد للثورة والجماهير، سواء مر عن طريق المدنيين أو العسكريين، تهيئة الظروف للامبريالية الأمريكية للسيطرة على البلاد هي سياسة مضادة للثورة والجماهير، سواء تمت عن طريق المدنيين أو العسكريين، قمع الجماهير هو إجراء مضاد للثورة والجماهير، سواء تم بأوامر من المدنيين أو العسكريين، استغلال الطبقة العاملة هي سياسة مضادة للثورة والجماهير، سواء تم ذلك الاستغلال في مصانع وشركات المدنيين أو العسكريين، إفقار الجماهير وتحميلها ثمن أزمة الرأسمالية السودانية هي سياسة مضادة للثورة والجماهير، سواء تمت عن طريق المدنيين أو العسكريين. بالتالي ما يحكم الموقف الماركسي هو الأساس الطبقي أولاً وقبل كل شئ. والأساس والأهداف الطبقية لحكومة عبدالله حمدوك هي أهداف رأسمالية تناقض مصالح الطبقة العاملة والجماهير.
رسالة إلى مناضلي ومناضلات الحزب الشيوعي
الرسالة التي يجب أن توضع في بريد قيادة الحزب الشيوعي، أن الطبيعة الديالكتيكية للأوضاع توضح أن إرتباك قوى الثورة وانسداد الأفق، ذو ارتباط مباشر بارتباك مواقف الحزب السابقة، وتردده في اتخاذ المواقف الثورية في لحظاتها الحاسمة، ووضعه للثورة في أيدي قوى الثورة المضادة بشقيها العسكري والمدني. يجب علينا أن نتوقف وننظر بعين النقد والتقييم للمسار الثوري، النقد الذي يرى أسباب الوقوع في الأخطاء في جوهرها، ويربط بينها وبين النظرية الثورية قيد الممارسة، والثورة السودانية عملية ممارسة ثورية من حيث السياسة والتنظيم والتحالفات.
إن تجربة ثورة ديسمبر تؤكد ما هو مؤكد بالنسبة للماركسيين، أن البرجوازية السودانية متمثلة في أحزابها التقليدية و الليبرالية، غير حريصة على المهام الديمقراطية للثورة المتمثلة في الاستقلال من التبعية والمحاور، وديمقراطية توزيع الموارد والسلطة، بل هي على النقيض تعمل كوكيلة إملاءات خارجية مباشرة تهدف لتعزيز شروط التبعية، وهذه الوكالة تضعها في خانة قوى الثورة المضادة بامتياز وما ذلكم الاصطفاف الطبقي الحاكم إلا الدليل القاطع على ذلك، وأن إنجاز المهام الديمقراطية للثورة أصبحت ملقاة على عاتق الطبقة العاملة. على الماركسيين أن ينفصلوا سياسياً بشكل كامل عن ممثلي رأس المال السياسيين وأن يشرحوا للمشوشين فكرياً داخل الحزب وخارجه وللطبقة العاملة تلك الحقيقة التي أكدتها تجربتنا الذاتية، أن ليس هناك إمكانية للتحالف مع الشرائح “التقدمية” البرجوازية، لأنه ليس هناك شرائح تقدمية برجوازية اصلاً.
ضرورة النظرة والتحليل الطبقي للتحالف الحاكم وعجزه، يقودنا بالضرورة ويؤكد لنا مرة أخرى أن الدور الحاسم في الصراع الإجتماعي الحالي نحو التغيير الجذري، أي الطبقي هو دور الطبقة العاملة التي تقود الجماهير الشعبية الكادحة، هو دور تلك القوى الحية التي قامت بالثورة وتمتلك من الأدوات ما يمكنها من حسم الصراع لصالحها كما بينت دروس ثورة ديسمبر في الإضراب العام والعصيان المدني.
نحتاج لبرنامج ماركسي ثوري علمي يطرح الصراع في طبيعته الطبقية، ويربط بين التحديات الآنية ومشكلة جهاز الدولة بشقيه العسكري والمدني وأزمة الرأسمالية السودانية، برنامج يقدم مطالب انتقالية واضحة للطبقة العاملة والجماهير، برنامج هدفه بناء سلطة الطبقة العاملة والفقراء على أنقاض سلطة البرجوازية المدنية والعسكرية، إسقاط سلطة رأس المال لصالح سلطة الطبقة العاملة والجماهير من ناحية أخرى.
برنامج يدفع نحو تأسيس مجالس عمالية في المصانع وأماكن العمل وربطها ببعضها البعض، وتطوير لجان المقاومة وربطها ببعضها البعض كلجان شعبية للأحياء، ليكونوا نواة الدولة الجديدة وروافعها دولة العمال والفلاحين الفقراء والجماهير الشعبية، برنامج يطالب بمصادرة ممتلكات وأموال رموز النظام البائد وعلى رأسهم العسكريين الذين يحكمون اليوم والمتعاونين معهم بما فيها الشركات الأجنبية ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للطبقة العاملة والجماهير الشعبية، مصادرة البنوك المختلفة ودمجها في بنك مركزي واحد يكون خاضعاً لمراقبة الجماهير الشعبية. الدعوة لإنشاء جمعية تأسيسية منتخبة من المجالس الشعبية والعمالية تكون بمثابة بداية نهاية الرأسمالية في السودان. جمعية تأسيسية مكونة من مندوبي العمال والجماهير يكونون خاضعين للرقابة الدائمة والعزل في أى وقت من طرف الجماهير، تضطلع بإعلان خطة اقتصادية عاجلة لتحسين ظروف حياة الجماهير بالاعتماد على خطة اقتصادية مخططة ديمقراطياً، وتعمل على حل أزمة البطالة والسكن التي يعاني منها الشباب السوداني، وتقوم بدعوة قواعد الجيش الجمهوري من جنود وصغار ضباط للانضمام لصفوف الثورة بشكل واضح وطبقي، وترسي دعائم الدولة العمالية الديمقراطية الحقة في السودان.
علينا أن نطرح شعارات وأهداف لتنظيم القوى المناقضة للطبيعة الطبقية للسلطة الحالية، وفق المصالح الطبقية المباشرة في صفوف قواعد المؤسسة العسكرية والجماهير الشعبية والتنظيمات القاعدية. باختصار، نحتاج أن نبلور ونعلن للطبقة العاملة والجماهير تصور الماركسيين عن “كيف تنتصر الثورة السودانية؟”، ونعمل على إقناع الجماهير به، ونعمل على انتصارها بحق.
إن تحطيم جهاز الدولة البرجوازي الموروث عن الاستعمار ليس بالوهم، وإنما الوهم الحقيقي هو مسايرته أو الثقة في إمكانية إصلاحه وترقيعه، كما وأنه يثبت دوماً أن له الدور الحاسم استراتيجياً في انتصار الثورة المضادة و اضمحلال القوى الثورية إذا استعمل كما هو حاله، دون المساس بهيكله المباشر واسقاطه وبناء دولة العمال والفقراء، لتستوعب أوسع مشاركة جماهيرية ديمقراطية. يحتاج الحزب الشيوعي أن يعيد استيعاب الدرس الأهم لكتاب لينين “الدولة والثورة”، أنه لا يمكن للطبقة العاملة والجماهير استخدام جهاز الدولة القديم المصمم اصلاً لقمعها، وأن عليهم أن يشرعوا في بناء جهاز دولتهم الخاص بهم الذي يعمل على تحقيق مصالحهم. إن الأداة الحاسمة في تحطيم جهاز الدولة القديم هو بناء وتنظيم القاعدة الجماهيرية الثورية الديمقراطية والعمل في قلبها والدفع نحو التنظيم الذاتي للجماهير ودعمه والحرص على استدامته بالتطوير والنقد والممارسة الديمقراطية.
في هذه اللحظة الحاسمة على الحزب الشيوعي أن يكون على قدر الأحداث وأن يضطلع بمسؤوليته التاريخية، مسؤولية قيادة الطبقة العاملة والجماهير نحو الانتصار وإسقاط الرأسمالية في السودان. على الرفاق والرفيقات في الحزب الشيوعي أن يدفعوا نحو تبني سياسة ماركسية ثورية حقيقية مناضلة تهدف لتغيير المجتمع وإسقاط الرأسمالية، تهدف إلى تنظيم الطبقة العاملة والجماهير، وأن يرموا نظرية الثورة على مرحلتين و المرحلة الديمقراطية للثورة في سلة القمامة التي تستحقها، تلك النظرية التي لم تجلب سوى التخاذل والمهادنة و الهزيمة تلو الهزيمة.
فلتثقوا في قواكم ولتعملوا على اثقالها نظرياً وعددياً، فلتثقوا في قدرة الطبقة العاملة على التغيير. طريق المهادنة ومسك العصا من المنتصف لا يجلب سوى الهزيمة، أمامكم فرصة تاريخية لتغيير مستقبل السودان ومن خلفه المنطقة بأكملها، أمامكم فرصة ضرب مثال حي لعمال وشباب المنطقة أن الثورة يمكن لها أن تنتصر، أن التحول الاشتراكي ليس من باب الخيال. حقاً هي فرصة تاريخية يجب العمل على اغتنامها وإلا فالهزيمة هي المصير، لن يأتي أحد ليضمن لنا الانتصار، وانظروا في مرآة مصر ترون كيف تكون الهزيمة.
رسالة إلى لجان المقاومة والثوريون والثوريات
رسالة في بريد الثوار مفادها، أن الثورة تراجعت عندما توقف الثوار عن الفعل والعمل اليومي المستمر، يوم أزيلت المتاريس وتحول الثوار لانتظار نتائج التفاوض، تحولت قوى الثورة منذ ذلك الحين من الفاعل للمفعول به، اذن لابد من استعادة الثورة، بإستعادة الفعل والمبادرة.
لا شك أن التجربة الثورية قد لقنتنا لمجموعة من الدروس لم نكن نعيها وأولها أن الحركة ليست كل شئ، وأنا الحركة المدروسة بإستراتيجية تتوافق مع الهدف النهائي هي ما يجب أن نسعى إليها. “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية” ذلك ما تؤكده تجربتنا الثورية وغيرها من التجارب البطولية، علينا أن نعمل على القراءة والتعلم من التجارب الثورية التي سبقتنا لكي لا نكرر نفس الأخطاء وننتهي إلى نفس المصير، “من لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بتكراره”. وكذلك أن لا نثق إلا بأنفسنا وبالأدوات الثورية والعمل المشترك وقيادتنا الثورية التي تتشكل من داخل منظماتنا الثورية ويتم انتخابها وعبر النضال والعمل المستمر والدؤوب.
أيضا يجب ألا تفوت عنا حقائق التاريخ وهي أن المنظمات الجماهيرية عندما تغيب عنها الديمقراطية والنقد تسقط وتتعفن ولا تتطور وتصبح معبرة عن فئات محدودة لا وزن لها، لذا يجب تقييم ونقد التجارب السابقة بكل شفافية، وانتخاب واشراك كل قواعد الحراك بأقصى ممارسة ديمقراطية ممكنة وإن تعذر ذلك وصعب إلا أنه الضامن الوحيد لاستدامة منظماتنا الثورية وتطويرها.
الثورة دوماً تملي شروطها وشعاراتها لذلك لابد من رفع شعارات ثورية إستراتيجية تعبر عن المرحلة الحالية وإن لا ننجر لشعارات تخنق الثورة وتعمل على حصرها في خيارات محبطة ومثبطة مثل (الجوع ولا الكيزان) فلا الجوع ولا الكيزان هم خيارات الثورة وثوارها، ولا العسكر أم المدنيين الانتهازيين كذلك، ثمة طريق ثوري تعبر عنه شعارات ثورية تطرح التحديات وتربط بينها وبين السلطة السياسية وتعمل على ترجمتها استراتيجياً بواجبات يومية.
ابتداع هذه الشعارات، وإنشاء تنظيم وتطويره، والعكوف على كتابة وصياغة برامج بديلة تفصيلية بعيداً عن العموميات التي تغبش طبيعة الصراع وتفتح الباب لقوى الثورة المضادة لركوب مطالب الجماهير وتبنيها الزائف. كما أن الواجب الأساسي والمستمر دوماً هو تطهير الصفوف من الانتهازيين الذين مرت عبرهم المساومات الخائنة، وكشفت عنهم مسيرة الثورة بمنعرجاتها، مدها وجزرها، إذن لا عودة للوراء كما نص قانون الثورة التي تمضي دوماً للإمام ويتساقط منها أمثال هؤلاء.
في النهاية، أمل الثورة السودانية هو في المناضلين والمناضلات الشرفاء داخل الحزب الشيوعي السوداني وخارجه، الذين يستطيعون أن يدفعوا نحو تبني سياسة ماركسية مناضلة تتوجه للطبقة العاملة لتدفعها نحو تصدر قاطرة تغيير المجتمع. إن بقيت الثورة لا تجيد استخدام سلاحها الأقوى، الطبقة العاملة، فسيكون من الصعب عليها مواجهة الهجمات المضادة تلو الهجمات إلى الأبد. فقط الطبقة العاملة بقيادة حزب ثوري من تستطيع أن تحاصر قوات القمع وتعزلهم، لا مصباح يضئ ولا عجلة تدور ولا غذاء ينتج بدون إذن الطبقة العاملة، وفقط إن تحركت الطبقة العاملة بشكل واعي مسلحة ببرنامج لتغيير المجتمع على أسس ثورية لا تستطيع قوة على الأرض أن تقف في وجهها.
- المجد للشهداء والشفاء العاجل للجرحى والحرية للمعتقلين والمفقودين!
- تسقط السلطة الحاكمة بشقيها المدني والعسكري!
- تسقط حكومات رجال الأعمال!
- يجب مصادرة ممتلكات وثروات رموز النظام البائد!
- نحو إنشاء مجالس عمالية وشعبية!
- نحو إنشاء جمعية تأسيسية منتخبة ديمقراطياً!
- من أجل تبني سياسة ماركسية ثورية!
- لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة حكومة عمالية!
محمد حسام وصابر عبد الجليل