الرئيسية / دول العالم / الأوضاع العالمية / آلان وودز يتحدث عن أعمق أزمة للرأسمالية العالمية

آلان وودز يتحدث عن أعمق أزمة للرأسمالية العالمية

ننشر فيما يلي المداخلة الافتتاحية التي ألقاها آلان وودز، محرر موقع marxist.com، خلال مناقشة المنظورات العالمية، في مؤتمر التيار الماركسي الأممي 2021. في هذا الخطاب يحدد آلان السيرورات الأكثر جوهرية التي تتكشف في وضع عالمي يتميز بأزمة غير مسبوقة وتفكك على كل المستويات. لم يسبق للرأسمالية أن كانت أكثر اضطرابا مما هي عليه اليوم، ولم يسبق لإمكانيات الصراع الطبقي أن كانت أكبر مما هي عليه اليوم. إلا أن العنصر المفقود هو قيادة ثورية جريئة توضح للعمال والشباب والفقراء في العالم الطريق للخروج من هذا المستنقع.

ينعقد هذا المؤتمر في ظل وضع يتميز بتغير جوهري، تغير هائل في تاريخ العالم. إنها أزمة تختلف بشكل واضح عن أي أزمة أخرى رأيناها وستكون لها عواقب هائلة. وأحد العوامل التي تجعلها مختلفة هو تزامنها مع الجائحة. لكنه يجب علينا أن نكون واضحين تماما بشأن أن الجائحة ليست هي السبب وراء اندلاع هذه الأزمة. لقد  كانت الأزمة تتراكم حتى قبل بداية الجائحة. لكنها الآن ارتبطت بشكل وثيق بالجائحة، مما أدى إلى فضح جميع خطوط الصدع الرئيسية الموجودة داخل المجتمع.

ما تزال الجائحة خارج نطاق السيطرة، معرضة لملايين الرجال والنساء والأطفال لمعاناة وموت كان من الممكن تفاديهما. آخر رقم رأيته هو أن هناك رسميا 180 مليون حالة إصابة بفيروس كورونا وأربعة ملايين حالة وفاة في جميع أنحاء العالم. لا يمكن مقارنة هذه الخسائر إلا بشيء واحد، وهو حرب عالمية كارثية. ومع ذلك فإنه حتى هذه الأرقام لا تعكس الحجم الحقيقي للكارثة. تشير دراسة حديثة أجرتها مجلة The Economist إلى أن عدد الوفيات قد يتراوح ما بين 17 مليون إلى 30 مليونا خلال السنوات القليلة المقبلة.

شاهدوا خطاب آلان بالكامل على هذا الرابط.


بحر من البؤس البشري

إننا نواجه بحرا لا نهاية له من البؤس البشري الذي يصيب بشكل خاص البلدان الأكثر فقرا. لكن ليس البلدان الأكثر فقرا وحدها. تكشف هذه الجائحة التفاوتات العميقة بين الأغنياء والفقراء، ليس على المستوى العالمي فقط، بل وداخل المجتمع كذاك، بما في ذلك في أغنى البلدان على وجه الأرض. من السهل تحديد الكمية على المستوى العالمي. لن يتمكن نصف سكان العالم من الحصول على اللقاح هذا العام. وأغنى البلدان، أعضاء مجموعة السبع الكبار، لم تتعهد بتوفير سوى 10 %من اللقاحات اللازمة لمواجهة الجائحة على الصعيد العالمي. ومما زاد الطين بلة، بالطبع، هو أن هناك متحورات أكثر خطورة واسرع انتشارا تظهر خاصة بين السكان غير الملقحين.

لا تتمتع أفقر بلدان العالم بأي حماية على الإطلاق ضد متحور دلتا. شاهدت يوم أمس على شاشة التلفزيون أنه في أفريقيا لم يتم تطعيم سوى 1.5 % من السكان. وفي زامبيا ترفض المستشفيات استقبال المرضى الفقراء، ولا تخدم سوى المرضى المذرين للربح. يضطر الأقارب إلى إحضار الأكسجين الخاص بهم لأنه غير متوفر في المستشفيات. هذه هي الصورة العامة. وهناك إندونيسيا أو ميانمار، على سبيل المثال، حيث تظهر قصص مروعة. لقد رأيتم الصور على شاشات التلفزيون. للجائحة تأثير مدمر في أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط… يتحدثون عن “التباعد الاجتماعي” و”غسل اليدين”، كيف يمكن غسل الأيدي حيث يفتقر الملايين إلى مياه الشرب النظيفة؟ وكيف يمكن الحفاظ على التباعد الاجتماعي في أسواق لاغوس وكراتشي؟

سقط 1.5 مليون شخص في براثن الفقر خلال العام الماضي. ويواجه الملايين الاختيار بين الموت بسبب فيروس كورونا أو الموت البطيء المؤلم من الجوع. إن الرأسمالية، كما قال لينين، هي رعب بلا نهاية. لكن كل هذا له عواقب. وقد بدأنا نرى ذلك بالفعل في جنوب إفريقيا، مع أعمال الشغب، حيث نشهد فورة هائلة من الغضب. يقولون إن السبب وراء ذلك هو اعتقال زوما، لكني لا أعتقد أن ذلك هو السبب. إن ذلك الانفجار دليل على حقيقة أن الملايين يعيشون في ظروف لا تطاق ولم يعد يمكنهم تحملها بعد الآن.

ليس من السهل تحديد أسباب الجائحة. لقد قضى الطاعون على نصف سكان أوروبا خلال القرن الرابع عشر. وما زالوا حتى يومنا هذا لا يعرفون سبب تلك الجائحة، ليس لديهم أي فكرة! إنهم لا يعرفون حتى كيف كانت. فكرة الطاعون الدبلي فقدت مصداقيتها، وكذلك فكرة أنه انتشر بسبب البراغيث والجرذان في السفن. الشيء الذي هو واضح تماما، وذلك هو الأهم، هو التأثير الذي كان له على المجتمع.

كان للطاعون دور أساسي في إنهاء النظام الإقطاعي. لقد دفعه عن حافة الهاوية. كان [المجتمع الاقطاعي] غارقا بالفعل في الأزمة، وقام [الطاعون] بدفعه عن حافة الهاوية. وقد كانت لذلك عواقب ثورية. مثلما في إنجلترا مع ثورة الفلاحين عام 1381.

يجب أن يكون لدينا موقف ديالكتيكي. الديالكتيك على جدول الأعمال، وسترون الآن سبب وجوده على جدول الأعمال. إنها مسألة الصدفة والضرورة. يمكنكم أن تروا أن هذه الجائحة، مثلها مثل كل الجوائح، تقع بالفعل ضمن فئة الصدفة. الصدفة بالمعنى الفلسفي للكلمة. وهذا يعني أن شيئا ما قد يحدث أو قد لا يحدث في وقت معين.

ليس علينا شرح الصدف، إنها سيرورة معقدة للغاية، وهناك دائما العديد من التفسيرات للصدفة.

لكن ما هو واضح، وما سبق لهيغل أن شرحه، هو أن الضرورة تعبر عن نفسها من خلال الصدفة. هذا هو الحال دائما. وفي واقع الأمر، كانت الأزمة ستحدث سواء مع الجائحة أو بدونها.

لقد أدت الجائحة إلى تفاقم الأزمة. لكنه كان في إمكان أي صدفة أخرى أن تكون سبب الأزمة الحالية. سواء جائحة، أو أزمة بورصة، أو حرب، أو حتى عملية اغتيال. كان لينين يرى أن محاكمة دريفوس في فرنسا من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية، وكان من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع ثورة في فرنسا. كانت تلك صدفة. وبصراحة فإنه ينبغي علينا ألا نضيع الكثير من الوقت في الحديث عن سبب وقوع الصدفة، بل نركز بدلا من ذلك على الآثار التي تخلفها على النظام الحالي، مما يؤدي إلى الإخلال بالتوازن وإجبار الملايين من الناس على إعادة النظر في الأفكار التي لطالما اعتنقوها. هذه هي النقطة المهمة التي يجب توضيحها هنا. وهذه هي الحقيقة التي تحدث بوضوح.

ومن المثير للاهتمام أنه في 29 أبريل، نشرت مجلة الإيكونوميست مقالا مثيرا للاهتمام يوضح كيف تسببت الجوائح السابقة في زيادة العداء بين الأغنياء والفقراء، مما أدى إلى تطورات ثورية. من المفيد أن نقتبس من ذلك المقال لأنه يوضح كيف أن منظري رأس المال يصلون دائما، مع تأخر طفيف وانطلاقا من وجهة نظرهم الطبقية، إلى استنتاجات مشابهة لاستنتاجات الماركسيين. وأقتبس من مجلة الإيكونوميست:

ضرب وباء الكوليرا فرنسا بشدة في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث قضى على ما يقرب من 03% من الباريسيين في شهر واحد، وكانت مستشفياتهم غارقة في الأمراض التي لم يستطع الأطباء تفسيرها، وهذه هي النقطة المثيرة للاهتمام. أدت نهاية الطاعون إلى حدوث انتعاش اقتصادي، حيث شهدت فرنسا ثورة صناعية عقب بريطانيا. لكن وكما يعلم كل من قرأ Les Miserables [البؤساء]، لفيكتور هوغو، فقد ساهمت الجائحة أيضا في حدوث نوع آخر من الثورات. حيث أن فقراء المدينة، الذين كانوا الأكثر تضررا من المرض، حوّلوا غضبهم إلى الأغنياء الذين فروا إلى منازلهم في القرى لتجنب العدوى، وشهدت فرنسا اضطرابات سياسية لسنوات بعد ذلك.

بعد ذلك يخلص [المقال] إلى استنتاج مثير للاهتمام: “كما تؤكد [رواية] البؤساء، فإنه غالبا ما يتبع الاضطراب السياسي عواقب اقتصادية لا يمكن التنبؤ بها”.

كما وجد أن جائحة كوفيد 19 قد جعل الناس في جميع أنحاء أوروبا يقفون ضد عدم المساواة. وهذا هو الاستنتاج النهائي: “لقد انفجرت تلك الضغوط، في بعض الحالات، على شكل اضطراب سياسي. تكشف الجوائح التفاوتات الموجودة من قبل وتفاقم حدتها، مما يدفع أولئك الموجودين في الجانب الخطأ من الصفقة إلى البحث عن الإنصاف”.

كما ترون هؤلاء الناس ليسوا أغبياء، يمكنهم رؤية ما يمكننا رؤيته، وهم قلقون للغاية، لأنهم يدركون أن الانتعاش لن يحل أي شيء وأن الظروف الحالية تمهد الطريق للتطورات الثورية في كل مكان. هذا هو الذي يجب علينا أن نركز فيه انتباهنا، وليس التخمينات الفارغة.

انعدام المساواة وقلق الطبقة السائدة

ترون أن العديد من المساهمات كانت على نفس المنوال. لا يمكن للنمو الاقتصادي أن يخفي التناقضات الاجتماعية والطبقية الصارخة التي كشفتها الجائحة، حتى في البلدان الرأسمالية المتقدمة. ومن المعروف أن القطاعات الأشد فقرا، العمال ذوو الياقات الزرقاء، هي التي تضررت أكثر من الجائحة. ولهذا كانت إيطاليا هي الأكثر تضررا. يعلم الجميع أن عدد الوفيات كان أعلى بكثير في المناطق الفقيرة منه في المناطق الأكثر ثراء. وهذا هو السبب في أن هناك في جميع البلدان شعور عارم بالظلم والغضب والمرارة والسخط، يتراكم تحت السطح، ويخلق ظروفا ملائمة للانفجار الاجتماعي.

من المستحيل علي أن أؤكد بما فيه الكفاية على أهمية هذا الواقع. وإذا كان بإمكان البرجوازية، في شخص الإيكونوميست، رؤية هذا الواقع بوضوح، فإنه يجب أن نكون قادرين على رؤيته بشكل أكثر وضوحا. هناك عبارة قالها أحد دعاة السلام للينين خلال الحرب العالمية الأولى، وهي: “إن الحرب فضيعة”. فأجابه لينين: “أجل، فضيعة الأرباح!”.

ترون الأرقام التي تحققت حتى خلال الجائحة، ليس لدي الوقت لأقتبسها. لقد أصبح الأغنياء أكثر ثراء. لقد نشرنا معطيات حول جيف بيزوس، وأعتقد أنها واردة في الوثيقة. والشيء العجيب هو أنهم يتباهون بتلك الثروات، وكأنهم فخورون بها. ولديكم المشهد المثير للاشمئزاز للسيد بيزوس وهو يرتدي بدلة الفضاء ويشارك في سياحة الفضاء مع أصدقائه الفاحشي الثراء.

وفي المقابل يعمل مئات الآلاف من عماله في ظروف شبيهة بالعبودية مقابل أجور البؤس. لكن هذه الأشياء لا تمر دون أن تترك أثرا. وهذا الموقف، بالمناسبة، هو أكثر وضوحا مما كان عليه في عهد لويس الرابع عشر بين قصر فرساي وبين الأحياء الفقيرة في باريس. وقد صار أشد وضوحا للجميع بفعل وسائل التواصل الاجتماعي. هذا يوضح مدى انفصال تلك الزمرة الطفيلية عن الواقع. وهذه نقطة مهمة لأنها تحدث لهم جميعا. السياسيون والاقتصاديون، ناهيك عن الفلاسفة، موجودون على كوكب آخر.

إنهم بعيدون تماما عن الواقع، مثلهم في ذلك مثل ماري أنتوانيت التي ردت، وفقا للقصة الشهيرة، على من قالوا لها إن الناس ليس لديهم خبز: “فليأكلوا الكعك!”. لا شك أنه سنحت لها الفرصة لكي تتأمل في هذه العبارة بعد سنوات قليلة عندما سيقت إلى المقصلة.

هذه الأشياء لها تأثير كما تعلمون، وقد لاحظها واضعو استراتيجيات رأس المال. كتب راندال لين، محرر مجلة فوربس -والتي هي بالطبع مجلة لفاحشي الثراء- الأسطر التالية المثيرة للاهتمام، في 07 أبريل، حول التفاوت الهائل بين الأغنياء والفقراء، حيث قال:

ستولد هذه الأرقام كميات لا حصر لها من القلق، والذي معظمه مبرر. ليس هناك ما يبرر زيادة الثروة الجماعية بقيمة 05 تريليونات دولار خلال الجائحة، في حين عانى معظم سكان العالم من الخوف والمرض والحصار. الرأسمالية، التي هي أعظم نظام على الإطلاق لصنع الرخاء، تقوم على ميثاق اجتماعي للنمو، غير متكافئ بطبيعته، لكنه يرفع في النهاية كل القوارب. لقد أدى اقتصاد كوفيد 19 إلى تحطيم هذا المفهوم؛ ويمكن القول إن التفاوت الاقتصادي الهائل يشكل أكبر تهديد للنظام الاجتماعي الحديث.

لا يمكن للرأسمالية أن تحل مشاكل الجائحة، لأن الرأسمالية هي المشكلة. تحب الحكومات استخدام المقارنات العسكرية لوصف الوضع الحالي، فنحن في حالة حرب ضد كوفيد وما إلى ذلك. لكن إذا كنا حقا في حالة حرب ضد الفيروس، فإنه على الحكومات أن تعمل على تعبئة جميع الموارد لحل هذه المهمة الواحدة. كانت لتعمل على تكثيف الإنتاج لصنع أكبر عدد ممكن من اللقاحات. فلماذا لا يفعلون ذلك؟ إنهم لا يفعلون ذلك لأنه يتوجب توسيع القدرة الانتاجية، وإنفاق الأموال على بناء مصانع جديدة. لكن كبار مصنعي اللقاحات في القطاع الخاص، لا يهتمون في الواقع بالتوسع لأنهم إذا قاموا بزيادة طاقتهم الإنتاجية حتى يتمكن العالم بأسره من الحصول على اللقاحات في غضون ستة أشهر، وهو أمر ممكن جدا، فماذا سيفعلون بتلك المصانع؟ ستبقى فارغة وستصير أرباحهم أقل. لذلك ليست لديهم مصلحة، وهذه هي المشكلة.

في أوقات الحرب، يكون الناس على استعداد لتقديم التضحيات، وقبول مستويات معيشية أقل، بل وحتى قيود معينة على الحقوق الديمقراطية لفترة زمنية معينة. لكن هذه الأزمة فضحت كل فساد وفوضى وعدم كفاءة النظام الرأسمالي وجشع الرأسماليين الكبير. وهذا هو أساس النهوض غير المسبوق للصراع الطبقي في كل مكان.

تناقضات مستعصية

قال روب [سيويل] في ملاحظاته الافتتاحية إن هذه أكبر أزمة اقتصادية خلال 300 عام الماضية. وكان محافظ بنك إنجلترا من أوضح ذلك. إلا أن لينين شرح أن الرأسمالية يمكنها أن تتعافى حتى من أعمق الأزمات، ما لم تعمل الطبقة العاملة على الإطاحة بها. والآن هناك بداية انتعاش اقتصادي. لقد توقعنا ذلك في الوثيقة. اعتقدنا أن الأمر سيستغرق وقتا أطول قليلا، لأنه تم اكتشاف اللقاحات بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا. لكن العديد من المعلقين يقولون إن الاقتصاد الأمريكي سينمو بنسبة 06%. وهذا رقم مرتفع. كما بدأت بلدان أخرى في تحقيق نمو سريع غير عادي.

لكن هذا النمو مليء بتناقضات جديدة وغير قابلة للحل. علينا أن نفهم شيئا آخر، أسمع من يقول إنه لا يمكن أن يكون هناك المزيد من الإصلاحات في ظل الرأسمالية. وهذا أيضا خطأ! صحيح أنه بشكل عام لا يمكن أن يكون هناك المزيد من الإصلاحات. لكن عندما تواجه الطبقة الحاكمة خطر خسارة كل شيء، فإنها ستلجأ إلى أكثر الإجراءات يأسا لإنقاذ النظام. يبدو لي، في الوقت الحالي، أن البرجوازيين هم مثل رجل مخمور. إنهم مخمورون بأوهام الكينزية التي رفضوها في السابق. تتشبث الطبقة السائدة بالكينزية مثلما يتشبث غريق بقشة. هذا أمر لا يصدق، إنهم يتحدثون عن إنفاق مليارات الدولارات، أو الجنيهات أو اليوروهات، كما لو أن الأمر يتعلق بمبالغ هزيلة. لقد نسوا حقيقة أولية وهي أنه لا يمكن للحكومات أن تخلق المال من الفراغ، واستخدامه لإخراج الاقتصاد من الأزمة، ذلك مجرد وهم.

ومع ذلك فإنهم في مواجهة خطر الانهيار المروع، دفعوا فاتورة أجور ملايين العمال من الميزانية العامة. كانت البنوك المركزية تغرق السوق بأموال مزيفة، لكن هذا في حد ذاته حكم إدانة ضد النظام الرأسمالي. اطرحوا على أنفسكم هذا السؤال: كيف يمكن التوفيق بين هذه السياسة وبين الشعار الذي يتكرر كثيرا عند الاقتصاديين، الذين كانوا يخبروننا، طوال العقود الثلاثة الماضية على الأقل، أن الدولة والحكومة ليس لهما دور في اقتصاد السوق الحر؟

ومع ذلك، فإن في الوقت الحاضر، وعلى المستوى العالمي، لا يمكن لما يسمى باقتصاد السوق الحر أن يستمر إلا على أساس تلقي الصدقات من طرف الدولة. كان من المفترض ألا تلعب تلك الدولة أي دور على الإطلاق. إن هذا اعتراف بالإفلاس بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن المشكلة المركزية واضحة ويمكن تلخيصها في كلمة واحدة وهي: الديون. لقد  وصلت الديون العامة، أي جميع الديون -ديون الأسر وديون الشركات وديون الدولة- حسب آخر الأرقام التي حصلت عليها، أكثر من 350 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي. هذا أحد أكبر الأخطار التي تواجه النظام الرأسمالي العالمي، وهناك أخطار أخرى. إنها قنبلة موقوتة من الديون مزروعة في أسس الاقتصاد. وهي، على المدى البعيد، أكثر تدميرا من أي قنبلة إرهابية.

في عهد ترامب، على سبيل المثال، ارتفع الدين العام للولايات المتحدة، في غضون أربع سنوات فقط ، بمقدار 07 تريليونات دولار، لا أقل. ليصل إلى ما مجموعه 21.6 تريليون دولار. وهذا يمثل أكثر من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية توجد الآن، من حيث الدين العام، في نفس مستوى اليونان وإيطاليا. لكن ليس علينا الحديث عن ذلك، أليس كذلك؟ ولا أن نتحدث عن موعد سدادها.

والآن فإن هذه السياسة تهدد أيضا بارتفاع هائل للتضخم. لقد قدم الرفاق الإيطاليون بعض التعديلات المثيرة للاهتمام حول التضخم والتي أضفناها إلى الوثيقة. سنعمل على قول المزيد حول هذا الموضوع لاحقا. لكني لاحظت أن مارتن وولف، وهو اقتصادي ذو بعد نظر من “فاينانشيال تايمز”، اقتبس من البيان الشيوعي بطريقته الخاصة، حيث يقول: “هناك شبح يطارد المستثمرين”، وهو عودة التضخم. وما نراه هو وصفة ملائمة لانفجار كبير للتضخم المفرط في مرحلة معينة.

يبدو أن ارتفاع الأسعار في مارس وأبريل يؤكد هذا المنظور بالفعل. لكن دور الأبناك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي، يتمثل في العادة، كما تعلمون، في زيادة أسعار الفائدة لكبح التضخم -وهذا هو الغرض منه- وأيضا لدعم العملة (الدولار في هذه الحالة). لكن الاحتياطي الفيدرالي لا يفعل ذلك، فهو لا يرفع أسعار الفائدة. وذلك لأنهم مرعوبون من أن تؤدي أي زيادة في أسعار الفائدة إلى حدوث ركود فوري.

وبالمناسبة فإن هذا الخوف مبرر.

وهم يتعرضون لضغوط من طرف بايدن لعدم القيام بذلك. يؤكد بايدن، بالطبع،  على أن الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة مستقلة. وهذا بالطبع وهم سخيف. من المستحيل أن يكون الاحتياطي الفيدرالي مستقلا. هذه أموال مزيفة -يتحدثون عن أخبار مزيفة، والآن هذه أموال مزيفة!- تأتي من الاحتياطي الفيدرالي، وهذا وحده ما يدعم المالية الحكومية.

بورصة وول ستريت تدفع إدارة بايدن لزيادة تدخل الدولة في الاقتصاد. ولم يضيع بايدن أي وقت في الكشف عن خطته لتحفيز الاقتصاد بما قيمته 1.9 تريليون دولار. يساوي هذا جبلا من الديون. لكن مشكلة الجبال، كما يعلم الرفاق السويسريون والنمساويون، هي أنها تسبب في النهاية حدوث انهيارات ثلجية.

لكنهم يتجاهلون الخطر. الاقتصاديون الجديون، مثل مارتن وولف، يحذرونهم. لكنهم مثل رجل مخمور، وأنتم تعرفون ما يحدث له: تكون لديك حفلة وتتناول القليل من المشروبات، ثم المزيد من المشروبات، وفي النهاية تصير مخمورا بشكل كامل. وهناك دائما شخص ما، هناك دائما شخص فظيع، يأتي ويربت على كتفك، شخص يسمى مفسد الحفلة، ويقول لك: “من الأفضل أن تتوقف عن الشرب، ستصاب بصداع رهيب في الصباح”. ماذا ترد عليه؟ “أوه، دعني وشأني!”. وفي اليوم التالي تستيقظ… وماذا تقول عندها؟ “أوه، لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدا، لقد تعلمت درسي”. أجل، أبدا حتى الحفلة التالية!

يتجاهل البرجوازيون كل علامات التحذير. وهناك مثل هندي، أو صيني، قديم كما تعلمون يقول: “ذلك الذي يمتطي ظهر النمر سيجد صعوبة عندما يحين وقت النزول”. إن الطبقة السائدة تمتطي ظهر نمر التضخم. إنها بخير الآن! إلى أن تصطدم بجدار من الطوب.

هذا هو المنظور. هذا أحد المخاطر، وهناك مخاطر أخرى. سياسة ترامب الحمائية: “أمريكا أولا”، التي هددت البنية الكاملة للعولمة التي تم تشييدها بصعوبة على مدى عقود. لقد  انخرط في الصراع مع الصين. لكن بايدن الآن يتبع نفس السياسة بالضبط. وقد كانت إحدى إجراءاته الأولى هي الأمر بمائة يوم من مراجعة أمن جميع سلاسل التوريد الأمريكية. الأمريكيون قلقون بشكل خاص بشأن الرقائق الالكترونية. وهي التي تمثل قضية استراتيجية رئيسية للرأسمالية الأمريكية.

لا أعرف ما إذا كنتم تعرفون هذا، لكن جميع الرقائق في العالم تصنع في مكانين فقط: تايوان وكوريا الجنوبية، وهما مكانان تحاول الصين زيادة نفوذها فيهما.

وسيكون لهذا عواقب في جميع أنحاء المنطقة.

التأثير على الوعي

قلت في وقت سابق إنه يجب علينا أن نركز على تأثير الأزمة على الوعي. وكما قلنا في الوثيقة فإن الانتعاش الاقتصادي لن يكبح الصراع الطبقي، بل على العكس من ذلك سيزيد من حدته. خاصة على الجبهة النقابية. إن ما يجب أن تفهموه، قبل كل شيء، هو هذه المرارة الهائلة والغضب السائدين بين الجماهير، والتي لن تزول مع عودة الانتعاش الاقتصادي. هنالك بالفعل تغيرات واضحة في الوعي.

لدي أرقام من استطلاع للرأي، وهي تشير بوضوح إلى تجذر واضح بين الجماهير، وخاصة الشباب. 54% من الأمريكيين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، ينظرون إلى الرأسمالية بشكل سلبي. و52 % ينظرون إلى الاشتراكية بإيجابية.

والأكثر إثارة للاهتمام هو استطلاع قامت به منظمة يمينية، تدعى مؤسسة ضحايا الشيوعية. وجدوا أن 18 % من الشباب يعتقدون أن الشيوعية نظام أكثر عدلا من الرأسمالية وتستحق أن تؤخذ بالاعتبار في أمريكا. كما وجد الاستطلاع أن 30% من الشباب لديهم وجهة نظر إيجابية عن الماركسية. ويؤيد 26% القضاء التدريجي على النظام الرأسمالي لصالح نظام أكثر اشتراكية.

ويعتقد 78 % من الناس أن الأحزاب السياسية والسياسيين بعيدون وغير مهتمين بآراء الشباب.

كما تقول نفس الأرقام إننا نعيش في زمن ظلم واستغلال كبيرين. 66 % من الجمهوريين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عاما، لديهم نظرة إيجابية عن الرأسمالية، وهذا أقل من 81 % التي سجلت عام 2019. لدي الكثير من الأرقام، لكني أعتقد أنكم فهمتم الصورة العامة. لدينا هنا بشكل جنيني الخطوط العريضة للتطورات الثورية التي ستحدث في المستقبل.

ليس لدي الآن الكثير من الوقت للحديث عن الصين. هذا نقاش منفصل. لكن وكما تتذكرون من الوثيقة، فإن الصين تتعافى بشكل سريع من الجائحة. استمرت الصادرات الصينية في الارتفاع كل شهر منذ يونيو 2020. لكن هذا النجاح ذاته يمثل أيضا مشكلة لها.

لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. يتعين على الصين أن تصدر من أجل البقاء. لكنها تواجه رد فعل من جانب الولايات المتحدة، على شكل الإجراءات الحمائية التي تم اتخاذها. لقد تسببت في مشاكل خطيرة للصادرات الصينية. وهذا بدوره يمكن أن يسبب مشاكل خطيرة للصين داخليا. تحتاج الصين إلى الحفاظ على نمو بنسبة 08 % لمواكبة نمو القوى العاملة. وهناك بالفعل حالات إغلاق للمصانع.

لقد تمكنت الصين حتى الآن من احتواء الوضع. لكن ما حدث في هونغ كونغ هو مؤشر على ما يمكن أن يحدث في أي مدينة صينية. لذلك يجب علينا أن نتابع الأحداث في الصين عن كثب. يجري التحضير لأحداث عظيمة في الصين، الشيء الذي سيغير مصير الصين والعالم بأسره.

لقد سبق لي كما ترون أن تعاملت مع مسألة الوعي. لدي أرقام عن بريطانيا وأمريكا اللاتينية. لقد كان لفيروس كورونا تأثير كبير على أمريكا اللاتينية بالطبع. عادت مستويات الفقر المدقع إلى ما كانت عليه خلال التسعينيات. كانت هناك بالفعل تطورات ثورية في عام 2019 قبل الجائحة. وهناك تطورات في تشيلي، وفي كولومبيا مع الإضراب العام، وفي بيرو مع فوز بيدرو كاستيلو، وفي البرازيل مع احتجاجات Fora Bolsonaro [بلسونارو ارحل] التي بدأت تكتسب زخما. كل هذه الحركات يقودها الشباب والنساء بشكل خاص، مما يشير إلى أن أمريكا اللاتينية على وشك إعادة ربط عقدة التاريخ الثوري.

ليس لدي ما يكفي من الوقت للتعامل مع مسألة كوبا، إن الأمر يتطلب بالفعل مناقشة منفصلة، وهو ما سوف نجريه خلال الاجتماع المقبل للجنة التنفيذية الأممية. إن الوضع في كوبا خطير للغاية. لقد انتشرت [المظاهرات] إلى بلدات ومدن أخرى في كوبا، مما يشير إلى حدوث تغير في الوضع. جزئيا بسبب تأثير الحصار. لقد حاولت الإمبريالية الأمريكية خنق كوبا. وهذا يخلق حالة من السخط التي من الواضح أنها موجهة ضد البيروقراطية التي لا تستطيع تقديم أي حل لأنها جزء من المشكلة. وسائل الاعلام العالمية تقوم، بطبيعة الحال، بتصوير المتظاهرين على أنهم مدافعين عن الحرية والديمقراطية. لقد كانت المظاهرات أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي، خلال العقود القليلة الماضية، لكنهم بالغوا في تصوير حجمها ويكذبون بوقاحة.

تلقى النظام دعما واسعا من قبل العمال والناس العاديين، وليس فقط من قبل الشرطة. كان هناك العديد من الكوبيين الشرفاء الذين دعموا الثورة ضد الثورة المضادة. لكن وسائل الاعلام قامت بوضع صور المتظاهرين المؤيدين للثورة وكأنهم معادون للثورة. ومن المخزي للغاية أن من يسمون بالثوريين، ومن يسمون بالماركسيين، ومن يسمون بالتروتسكيين، مثل حزب العمال الاشتراكي، قد استسلموا لوسائل الإعلام البرجوازية. صحيح أنه كان هناك فلاحون وعمال في المظاهرات [المعادية للثورة]. لكن وجود العمال والفلاحين الفقراء في مثل تلك المظاهرات لا يكفي لتأكيد الطابع التقدمي أو الثوري للحركة.

من الواضح أن الشعارات الرئيسية والمحتوى السياسي لتلك المظاهرات مناهضة للثورة ومناهضة للاشتراكية. والآن في موقف كهذا، موقف تقاطب حاد، علينا أن ننحاز إلى أحد الجانبين. لا يمكننا أن نقف غير مبالين. لا يمكن أن يكون هناك أي غموض على الإطلاق. نحن ضد تلك المظاهرات، ويجب علينا أن ندافع بنشاط عن الثورة.

قد تكون هناك عناصر مشوشة لكن هذا خارج الموضوع. لقد شاركنا بصفتنا تيارا بنشاط في كوبا منذ بعض الوقت. لقد شاركنا في المناقشات التي انطلقت منذ بعض الوقت. ولدينا درجة من المصداقية… يوجد ضمن الجناح اليساري للحزب الشيوعي الكوبي من يؤيدون كوننا اتخذنا موقفا حازما لصالح الثورة. هذا لا يعني أننا ندعم سياسات البيروقراطية. إنها مسؤولة بشكل ما عما يحدث في كوبا. إنها مسألة معقدة ويجب علينا أن نعود إليها، وسنعود إليها في الجلسة القادمة.

لست مضطرا للتعامل مع التطورات المهمة جدا التي تعرفها ميانمار، فالمقالات التي أنتجناها عن الموضوع وضحت الموقف بشكل جيد للغاية. لكن مهمة الثوريين في ميانمار صعبة للغاية. هناك قمع شرس. وقد وصلت الثورة، في الوقت الحالي على الأقل، إلى طريق مسدود. ولسوء الحظ انجذب بعض أفضل الشباب إلى خوض حرب العصابات، يمكنكم أن تتفهموا ذلك. أنا أتفهم ذلك. لكن يجب أن نتعلم من التاريخ. إن من لا يتعلم من أخطاء الماضي محكوم عليه بتكرارها. سبق لنا أن رأينا مثل هذا من قبل أيها الرفاق. لديهم نظام شديد الوحشية والفساد. وسوف يلجأ إلى اتخاذ أي إجراء لسحق مجموعات حرب العصابات تلك، مما سيؤدي إلى خسارة مأساوية للعديد من العناصر الأكثر شجاعة. الثورة في ميانمار لم تضع بعد. لقد أظهرت الجماهير شجاعة هائلة وروحا ثورية عظيمة. لكنه يجب علينا في التحليل الأخير أن نقول الحقيقة. لقد خذلهم انعدام القيادة، خذلتهم القيادة السيئة، هؤلاء اللبراليين والقادة البرجوازيين، الذين ليس لديهم منظور حقيقي للنضال الثوري. لكن كما قال نابليون إن الجيوش المنهزمة تتعلم جيدا.

إن المهمة الآن هي تجميع القوى الموالية للثورة التي ما تزال موجودة وفي ظل ظروف صعبة من عدم الشرعية، لمساعدتها على إعادة تجميع صفوفها ومساعدتها على الاستعداد للظروف الجديدة التي ستأتي حتما.

انهيار الوسط

لكننا لا نتحدث عن بلد بعينه، فأينما نظرتم ترون نفس الصورة. هذه ليست أزمة عادية، إنها أزمة النظام، أزمة النظام الرأسمالي نفسه. لم يسبق لي أن رأيت مثلها منذ وقت طويل. والعنصر الجديد هو الطريقة التي تفقد بها الطبقة السائدة السيطرة على الوضع نفسه. فقدان السيطرة على الأدوات التقليدية لإدارة المجتمع. وفقدان السياسيين السيطرة على الوضع، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا.

لكن ما يقلق الطبقة السائدة، قبل كل شيء، هو انهيار الوسط السياسي، هذا الصفر الهائل. ماذا يعكس ذلك؟ إنه يعكس استقطابا سياسيا واجتماعيا حادا، نحو اليسار ونحو اليمين- لا تنسوا ذلك. وهذا هو ما يسبب القلق داخل الطبقة السائدة، التي تشعر بأن السلطة تتلاشى من بين يديها. أينما نظرتم ترون أحزابا رسمية كانت قوية، كان لها في يوم من الأيام نفوذ كبير، لم تعد الجماهير تربطها الآن بالتقدم بل بالتقشف. خذوا بريطانيا كمثال. يخبرنا الديالكتيك أن الأشياء ستتحول عاجلا أم آجلا إلى نقيضها. فكروا للحظة فقط، لم يمض وقت طويل، قبل أربع سنوات أو خمس، كانت بريطانيا تعتبر نموذجا للاستقرار السياسي في أوروبا. ما هو الوضع الآن؟ إنها نموذج لعدم الاستقرار التام على جميع المستويات. طيلة عقود من الزمان حكمت الطبقة السائدة البريطانية من خلال حزبين، حزب العمال وحزب المحافظين. كان حزب المحافظين هو الحزب الرئيسي، لكنه كان في بعض الأحيان يواجه صعوبات.

كان الوضع شبيها بلعبة الكريكيت: إذ بمجرد أن ينتهي أعضاء الفريق الأول، يأتي دور أعضاء الفريق الآخر. إذا واجهت حكومة المحافظين صعوبات، يأتون بحكومة حزب العمال. ولا شيء يتغير. لكن الوضع لم يعد كذلك الآن. لقد فقدت الطبقة السائدة البريطانية السيطرة على حزب المحافظين. هل يمكنكم أن تقولوا إن حكومة جونسون تخضع لسيطرة الطبقة السائدة البريطانية والمصرفيين والرأسماليين؟ كلا، لا أعتقد ذلك. إنه تحت سيطرة مجانين من الطبقة الوسطى، مع وجود مهرج سيرك في منصب رئيس للوزراء.

كما فقدوا السيطرة على حزب العمال في عهد كوربين، وقد كان ذلك تطورا مقلقا للغاية. لقد سبق لنا أن قلنا هذا، كان من المستحيل أن تسمح الطبقة السائدة باستمرار ذلك. لقد حشدوا كل قواتهم لتدمير كوربين، وقد دمروه بالفعل. والآن انعطف حزب العمال إلى اليمين. والآن هناك صراع يجري. سيتحدث الرفاق عن ذلك. لقد نلنا في النداء الاشتراكي شرف حظرنا. ونحن نحصل على الكثير من الدعم بسبب ذلك، لسنا قلقين. وفي الولايات المتحدة، هل يمكنكم القول إن ترامب كان ممثلا للطبقة السائدة؟ كلا، لقد كان دونالد ترامب ممثلا لدونالد ترامب. لقد تخلص من سيطرتهم.

كانت هناك حركة بقيادة ساندرز مثلت أيضا تهديدا خطيرا. إن القلق الأكبر بالنسبة للبرجوازية هو انهيار الوسط، وهم يحاولون جاهدين إعادة بنائه. عندما كنا نقوم بصياغة هذا، تذكرت أغنية للأطفال مفادها:

هامبتي دمبتي جلس على الحائط،

هامبتي دمبتي سقط بشكل مدو.

كل خيول الملك وكل رجاله،

لم يستطيعوا ترميم هامبتي مرة أخرى.

هامبتي دمبتي هو الوسط. التيارات العميقة تدفع الطبقات بعيدا عن الوسط. وتزايد اللامساواة هو السبب في ذلك. هناك تحركات كبيرة للشباب على وجه الخصوص، لأنهم الأكثر تضررا من هذه الأزمة، واستطلاعات الرأي هذه ليست مصادفة، إنها نتيجة لذلك الاستقطاب. إن هذا الجيل لا يثق في الرأسمالية.

في أمريكا، كانوا في الماضي يتحدثون عن الحلم الأمريكي. وقد اعتاد الناس على تصديق ذلك. إذا عملت بجد وتضحية، يمكنني أن أؤسس شركة، ويمكنني أن أصير مليونيرا، يمكنني تحقيق ذلك. لكن ما هو الواقع الآن؟ الجيل الحالي هو الجيل الأول في تاريخ الولايات المتحدة الذي لا يمكنه توقع مستوى معيشي أفضل مما كان عليه آبائهم. شباب الولايات المتحدة سرق منهم مستقبلهم وهم يعرفون ذلك. وهذا هو سبب وراء التجذر الذي تبينه استطلاعات الرأي. وهناك استطلاعات أخرى في بريطانيا وإيطاليا تظهر نفس الشيء. الناس يعرفون هذا، ولهذا تجد الشعارات الثورية صدى لها بين الشباب.

يمكنني أن أقول شيئا عن دور النساء. انظروا إلى المظاهرات الضخمة للنساء في الأرجنتين وأيرلندا وبولندا وإسبانيا. النضال من أجل المساواة في الحقوق وضد الظلم، وكذلك ضد دكتاتورية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في أماكن مثل أيرلندا. لقد سعدت كثيرا عندما رأيت أنه في أيرلندا، التي كانت المكان حيث تهيمن الكنيسة بشكل خاص على دور النساء، قد انتهى ذلك.

كل هذه أعراض لتيارات ثورية. وترون أيضا ظاهرة أخرى يجب أن نشرحها ونفهمها: إن المزاج السائد في المجتمع هو الغضب، لكنه أيضا مزاج مرتاب ومتقلب. إن الجماهير تبحث بجهد عن مخرج من هذه الأزمة الرهيبة، وسوف تتحرك في هذا الاتجاه أو ذاك. فإذا ما أصيبوا بخيبة أمل في اتجاه ما، فإنهم سوف ينظرون في اتجاه آخر. وإذا أصيبوا بخيبة أمل في اليسار، سينظرون إلى اليمين. لكن هذا صحيح أيضا في الاتجاه الآخر، حيث ستحدث انعطافات سريعة إلى اليسار بعد خيبة الأمل في اليمين.

الانتعاش الاقتصادي، لن أتحدث كثيرا عنه. إنه ذو طابع مضطرب للغاية، لأنه يقوم على أساس غير سليم. وهو، على أي حال، يحتوي في ذاته على بذور تدميره. وكلما ارتفع، ويمكن أن يرتفع شيئا ما، لأنه كان هناك تراكم كبير جدا للقوة الشرائية التي لم يكن من الممكن استخدامها أثناء الجائحة، بالإضافة إلى الحقن المستمر لكميات هائلة من رأس المال الوهمي في الاقتصاد. يمكنه النمو لفترة طويلة. حتى متى؟ لا أعرف حتى متى. من يدري؟ لكن هناك شيء واحد يمكنكم أن تكونوا على يقين منه، وهو أنه كلما ارتفع مستوى الصعود، كلما كان الانهيار أكثر عنفا عندما سيحدث، وسوف يحدث حتما.

لكن هذا ليس بالأمر السيء من وجهة نظرنا، حيث سيؤدي إلى انتعاش على صعيد النضالات الاقتصادية. صحيح أن قادة النقابات، ويا لهم من شرذمة مفلسة، كانوا يعيقون الحركة، هذا صحيح. إنهم يريدون حياة هادئة كما ترون، كل ما يريدونه هو حياة هادئة. كان ذلك ممكنا في الماضي، لكنه لم يعد ممكنا الآن. ستندلع، بالطبع، نضالات جديدة سيبرز خلالها جيل جديد من المناضلين الطبقيين. القادة القدامى يموتون أو يتقاعدون أو هم على وشك أن يُطردوا؛ وستحل محلهم عناصر أكثر تجذرا. سوف تهتز النقابات من أعلى إلى أسفل.

لن أتحدث كثيرا عن بريطانيا، سأقول فقط بعض الأشياء عنها، فالرفاق البريطانيون لديهم الكثير ليقولوه، وأشياء مثيرة للاهتمام للغاية ليخبروننا بها. وكما قلت سابقا، تتحول الأشياء بشكل ديالكتيكي إلى نقيضها. والنقابات تخضع للضغط مثلها مثل أي شيء آخر. وهو ما يمكن رؤيته بالفعل في بريطانيا.

يونيسون (UNISON) هي أكبر نقابة في بريطانيا، تضم الكثير من عمال القطاع الصحي. لكن ينبغي أن تفهموا أن هذه النقابة كانت تحت سيطرة اليمين المتطرف، وذلك طيلة عقود، لا أتذكر كم من الوقت. وبالنظر إلى الأمر حتى قبل ستة أشهر، فأنا متأكد من أن الكثير من الناس كانوا ليقولوا: “أوه، لا يمكنك تغيير UNISON، اليمين يسيطر عليها بقوة، ولا يمكنك تغيير جهاز بيروقراطي من هذا القبيل”. حسنا يا أصدقائي، لقد تغيرت، إنها تتغير الآن. هذه ثورة في الواقع، ولقد أحدثت موجات من الصدمة في جميع أنحاء الحركة العمالية.

كان هناك انتصار ساحق لليسار داخل اللجنة التنفيذية الوطنية، وقد صفى الآن الجناح اليميني وسيطر على جميع اللجان الرئيسية في تلك النقابة. وهذا له تداعيات جدية للغاية على الحركة النقابية بأكملها وأيضا على كل حزب العمال.

خاضت حكومة جونسون معركة ضد الممرضين اللذين أنقذوا حياته. لم يكن ذلك مكانا جيدا لخوض المعركة. هؤلاء الأوغاد المنافقون كانوا قد دعوا الناس ليصفقوا للممرضين، وقالوا إن هؤلاء الممرضين هم أبطالنا، لكن عندما تعلق الأمر بالزيادة في الأجور، فلم يقدموا لهم سوى 01  %، والتي هي إهانة.

كان ستارمر زعيم حزب العمل أكثر تقدما، حيث قال: “كلا، كلا، لا تعرضوا على الممرضين زيادة بـ 01  %، هذه فضيحة، يجب أن تعرضوا عليهم 2.5 %”… واتضح أن المحافظين عرضوا عليهم 03  %. فانقلب عليهم عمال القطاع الصحي وقالوا لهم: كلا، 03  % إهانة، إنها إهانة لأولئك الناس الذين يعرضون حياتهم للخطر خلال هذه الجائحة. وهم الآن يهددون بالإضراب. الكلية الملكية للممرضين هي النقابة الرئيسية للممرضين. إنها ليست حتى نقابة، بل هي جمعية موظفين. ليس من المفترض أن ينظموا إضرابات. لكنهم الآن يتحدثون عن اتخاذ إجراءات وربما سيفعلون ذلك، ما لم تقدم لهم الحكومة عرضا أفضل. هذا يوضح ما قلته، يوضح مستوى الغضب والسخط الموجود. ليس فقط بين العاملين في مجال الصحة، وليس فقط في بريطانيا، إنها ظاهرة عالمية وسوف تحدث، سوف تعبر عن نفسها. فالعمال، بعد هزيمتهم على الجبهة السياسية، سيتحولون حتما إلى الجبهة النقابية في الفترة المقبلة.

يجب ألا ننظر إلى النقابات نظرة ثابتة سطحية. يجب أن ننظر إلى الأشياء بطريقة ديالكتيكية، ليس كما كانت عليه، بل كما هي عليه، وكما ستصير عليه بالضرورة. حتى أكثر النقابات تخلفا سوف تهتز من الأساس.

العامل الذاتي

إذن ما هي المشكلة هنا؟ هناك مشكلة واحدة فقط. المشكلة الرئيسية هي مشكلة القيادة. وهي أن المزاج الغاضب الموجود لا يجد أي تعبير عنه في القيادة.

بالطبع نحن لا نشطب المنظمات الجماهيرية من حساباتنا، نحن لسنا عصبويين. لكن يجب علينا أيضا أن نكون واقعيين. يجب ألا ننظر إلى المنظمات الجماهيرية بنظارات وردية. صحيح أن لدينا ظاهرة كوربين، لكن هذا استثناء. وقد لعب في النهاية دورا مؤسفا مثله مثل كل الإصلاحيين اليساريين. الإصلاحيون اليمينيون هم عملاء للبرجوازية متشبثون بالطبقة السائدة، هذا أهم عوامل قوتهم، وهو أيضا أكبر نقاط ضعفهم. لكن الإصلاحيين اليساريين يتشبثون بالإصلاحيين اليمينيين! “أوه، يجب أن نحقق الوحدة، يجب أن نحافظ على الوحدة!”.

كان في إمكان كوربين أن يقوم بعملية تطهير ضد اليمين، وكان بإمكانه أن يقوم بذلك بدعم من القواعد. هذا ما فعله ترامب مع الجمهوريين. لماذا لا يستطيع الحزب الجمهوري التخلص من ترامب؟ سأخبركم لماذا، فالأمر بسيط للغاية: إنهم مرعوبون منه. إذ أنه بفعل ديماغوجيته، حصل على الدعم النشط من جانب القواعد. وبمقدوره أن يشن الهجوم ضد أي سيناتور أو عضو في الكونغرس يعارضه، وهذا ما سيفعله. إنهم مرعوبون منه. وهذا ما كان يجب على كوربين أن يفعله مع برلمانيي حزب العمال. لكنه لم يفعل ذلك. كان وديعا جدا ومعتدلا، كان مع الوحدة، الوحدة، فحاربوه وحطموه. والآن بعد أن سيطروا على القيادة، لا تراهم يتحدثون عن الوحدة، بل يمسكون بالعصا. هذا، بالطبع، هو الفرق بين الإصلاحيين اليمينيين والإصلاحيين اليساريين.

يعتقد هؤلاء البيروقراطيون أنهم أذكياء. إنهم ليسوا أذكياء، إنهم أغبياء جدا. إنهم يتشبثون بالنظام الرأسمالي بينما هو ينهار، وسيجرهم معه إلى الأسفل، وسينجر الإصلاحيون اليساريون معهم. وهو ما من شأنه أن يترك فراغا يمكننا أن نستغله، ونظهر بوضوح باعتبارنا تيارا ثوريا. لن يتم حل هذه الأمور، في التحليل الأخير، من خلال القوانين والأنظمة، بل سيتم حلها في الشوارع والمصانع.

في إيطاليا على سبيل المثال -ومرة ​​أخرى ليس لدي وقت كاف للتعامل مع إيطاليا- لا يوجد حزب عمالي جماهيري. لكن المزاج الكفاحي موجود بين العمال، وسوف ينعكس ذلك في الصراع الطبقي حيث ستنضم فئات جديدة إلى النضال. رأينا ذلك في فرنسا مع السترات الصفراء، وفي الهند مع نضال المزارعين. تيار التاريخ كله يتحرك الآن في اتجاهنا.

لكن لا بد من كلمة تحذير أيها الرفاق. هذه الأزمة لن تنتهي بسرعة. ستكون أزمة طويلة الأمد بسبب غياب العامل الذاتي. لن يكون صراعا سلسا طويل الأمد. ستكون المرحلة الحالية مرحلة التغيرات الحادة والمفاجئة. السيرورات، التي كان تطورها في الماضي يأخذ عدة سنوات، يمكنها الآن أن تتطور بين عشية وضحاها. سيكون عام 2021 عاما لا مثيل له. لقد مرت الطبقة العاملة بمدرسة صعبة للغاية. سيتم تعلم العديد من الدروس الصعبة، لكنه سيتم تعلمها وهذا هو الأهم، وسوف تستخلص الجماهير الخلاصات اللازمة.

لم يتبق لي الآن الكثير من الوقت. لقد نسيت أن أذكر إيران والإضرابات الكبرى لعمال النفط. هناك الكثير من المواد القابلة للاحتراق. ما هو دورنا في كل هذا؟ لقد شهدت أمميتنا تطورا هاما للغاية خلال العامين الماضيين. لقد أظهر رفاقنا مرونة وجرأة عظيمتين، ونتيجة لذلك تمكنا من النمو بشكل كبير، في حين عانت المجموعات الأخرى من الأزمات والانقسامات وتغرق في النسيان الذي تستحقه، إنها تختفي في الأفق. نقول لهم: “رحلة سعيدة. لا تتصلوا بنا”.

النمو الذي شهدناه يملأنا بالتفاؤل والثقة بالمستقبل. أعتقد أننا المتفائلون الوحيدون في العالم. يسألنا البعض: “لماذا أنتم مبتهجون للغاية؟”، نحن متفائلون لسبب واحد بسيط للغاية: نحن ماركسيون وثوريون، نحن نبني أنفسنا على أساس العلم والمنظورات. لا يمكن للتشاؤم والارتياب أن يؤثرا على أحد، فهما بلا فائدة.

نحن متفائلون لأن أفكارنا صحيحة وقد تم أثبتت صحتها في الممارسة. وهذا يملأنا بالثقة في المستقبل. لكن لا مجال للرضا عن النفس. يجب علينا ألا نبالغ. نحن ما زلنا في بداية البداية. قواتنا صغيرة، إنها تنمو، لكنها ما زالت صغيرة وسنواجه تحديات كبيرة. والسؤال الذي سأطرحه هو: هناك احتمالات عظيمة تنفتح أمامنا، يمكنكم أن تروا ذلك في بريطانيا الآن، فهل نحن مستعدون للاستفادة من هذه الامكانيات العظيمة؟

في بريطانيا كان أداء الرفاق جيدا جدا. لكننا ما زلنا غير مستعدين بعد في فروع كثيرة. ويجب علينا أن نستعد في أسرع وقت ممكن لمواجهة هذه المهام الضخمة. إن ما نحتاجه حقا هو القيام بثورة داخلية. ثورة سيكولوجية، إن شئتم القول. يجب علينا أن نتخلص من عقلية الحلقات الصغرى القديمة، يجب أن نتركها وراءنا. يجب أن نتحول إلى الاحتراف من القمة إلى الأسفل، ويجب أن نحول ذلك إلى نمو. لدينا الأفكار الصحيحة والمنظورات الصحيحة، لكن يجب علينا أن نبني جيشا قويا من الكوادر. هذه هي المهمة الأكثر إلحاحا. ويجب أن يلعب هذا المؤتمر دورا أساسيا في تحقيق هذه المهمة. وبهذا التوقع المعروض عليكم أختتم ملاحظاتي.

1 أكتوبر/تشرين الأول 2021

ترجم عن النص الأصلي:

Alan Woods on the deepest-ever crisis of world capitalism