خلال اجتماع اللجنة التنفيذية للتيار الماركسي الأممي، نهاية شهر يناير، قدم آلان وودز (محرر موقع marxist.com) لمحة عامة عن الأحداث الدرامية التي تتكشف مع بداية عام 2021. تتسبب أزمة الرأسمالية العالمية في حدوث انفجارات واضطرابات واستقطاب طبقي في جميع البلدان الواحد منها تلو الآخر.
ما تزال جائحة كورونا مستمرة في إلحاق البؤس والمصاعب بالناس العاديين، بينما يواصل الأثرياء مراكمة الثروات أكثر فأكثر. تعمل الطبقة السائدة على ضخ تريليونات الدولارات في شرايين النظام لإبقائه واقفا على قدميه، لكن حتى ولو حدث تعاف اقتصادي على المدى القصير، فإن ذلك سيفتح الطريق لانهيار أكثر عمقا في المستقبل.
لم يكد العام الجديد يبدأ حتى رأينا مشاهد اقتحام حشد من اليمين المتطرف لمبنى الكابيتول الأمريكي في واشنطن بتحريض من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، محولين بذلك مركز الإمبريالية الغربية إلى ما يشبه دولة فاشلة. تُظهر هذه الأحداث، إلى جانب احتجاجات حركة حياة السود مهمة الأكبر خلال الصيف الماضي، مدى عمق الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي.
كما تظهر الاحتجاجات الكبيرة في أماكن أخرى، مثل الهند وروسيا، نفس السيرورة: استياء الجماهير آخذ في الازدياد، والطبقة السائدة تعجز عن الحكم بالطرق القديمة. وكما يشرح آلان فإن كل الطرق تؤدي إلى انفجار غير مسبوق للصراع الطبقي على الصعيد العالمي.
تتمثل مهمة الماركسيين، في هذا السياق، في أن يعملوا على تقديم بديل اشتراكي ثوري لملايين العمال والشباب الذين ينهضون للنضال، ويشهدون بأم أعينهم الفشل التام للرأسمالية في أن توفر لهم حياة كريمة.
نص الخطاب:
تختلف هذه المنظورات العالمية عن أي منظورات عالمية أخرى تحدثت عنها من قبل؛ هناك ما يشبه سحابة داكنة تجثم على الوضع وهي هذه الجائحة التي لا مثيل لها، التي تعرض ملايين البشر للبؤس والموت. هناك ما يقرب من 100 مليون حالة إصابة حول العالم، وأكثر من مليوني حالة وفاة.
لم يسبق أن تم تسجيل مثل هذه الأرقام خارج حرب عالمية مروعة.
والوضع سيء بشكل خاص في البلدان الفقيرة، في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لكنه يؤثر أيضا على بعض أغنى البلدان. ففي الولايات المتحدة هناك أكثر من 25 مليون إصابة، وعدد الوفيات يرتفع بلا هوادة نحو نصف مليون حالة وفاة. أنا أقيم في لندن، حيث تسجل بريطانيا أعلى الوفيات بالنسبة لعدد السكان. تسجل 3,5 مليون إصابة، وقد اعترفت الحكومة رسميا للتو بأكثر من 100.000 حالة وفاة.
بعبارة أخرى، ليست الأزمة الحالية أزمة اقتصادية عادية. إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لملايين الناس. ونقطة البداية في تحليلنا هي أن الرأسمالية لا تستطيع حل المشكلة: فالرأسمالية هي المشكلة.
تعمل هذه الآفة الرهيبة على فضح الانقسامات العميقة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء. لقد فضحت خطوط الصدع العميقة التي تقسم المجتمع، بين أولئك الذين يحكم عليهم بالمرض والموت، وبين الذين ليسوا كذلك.
لقد فضحت الطبيعية التدميرية للرأسمالية، وفوضاها العارمة وإفلاسها، وتحضر الشروط لاندلاع الصراع الطبقي في كل بلدان العالم. الحكومات مغرمة بإجراء المقارنات العسكرية عند وصفها للوضع الحالي. يقولون إننا في حالة حرب ضد عدو غير مرئي، ضد هذا الفيروس الرهيب. والحل الذي يقدمونه هو أنه على جميع الطبقات والأحزاب أن تتحد معا خلف الحكومات القائمة.
أجل، لكن هناك هوة هائلة تفصل بين الأقوال والأفعال. هوة بين الحاجات الملحة للمجتمع وبين آليات اقتصاد السوق. إذا كنا حقا في حالة حرب ضد الفيروس، فيجب على جميع الحكومات أن تحشد كل مواردها من أجل مهمة واحدة، وهي: التعبئة على أساس خطة عمل عالمية.
لقد صارت ضرورة الاقتصاد المخطط والأممية والتخطيط الأممي قضايا ملحة. فالفيروس، وعلى الرغم مما يعتقده السيد ترامب، لا يحترم الحدود أو الإجراءات الجمركية.
إن الحل، من وجهة نظر عقلانية بحتة، هو زيادة إنتاج اللقاح. لكن ما نراه في المقابل هو مشهد مثير للاشمئزاز للخلاف بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول ندرة اللقاحات، بينما البلدان الأفقر محرومة فعليا من الحصول على أي لقاحات على الإطلاق.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا هناك أصلا ندرة في اللقاحات؟ يجب توسيع الطاقة الإنتاجية من خلال إنشاء مصانع جديدة. لماذا لم يتم القيام بذلك؟ السبب بسيط وهو أن شركات الأدوية الكبرى لا تهتم بتوسيع الإنتاج على نطاق واسع، لأن أرباحها ستتضرر. فإذا قاموا بزيادة طاقتهم الإنتاجية، بحيث يتم تزويد العالم بأسره باللقاح في غضون ستة أشهر، وهو أمر ممكن تماما، ستصير تلك المصانع التي بنوها حديثا بدون جدوى، يا للخسارة!
وبالتالي ستكون الأرباح أقل بكثير مما هي عليه في ظل الوضع الحالي حيث يمكن للمصانع القائمة أن تستمر في الانتاج بكامل طاقتها لسنوات قادمة، مما يعني استمرار شركات الأدوية في تحقيق أرباح كبيرة، وبالطبع استمرار المشاكل في الإنتاج والعرض. وهذا يعني نقصا في كل مكان، مع بقاء ملايين الجرعات بدون استخدام، وموت الملايين نتيجة لذلك.
هذا وتضغط الطبقة الرأسمالية في جميع البلدان من أجل عودة العمال إلى العمل، من أجل استئناف الإنتاج. يُجبَر العمال على العودة إلى أماكن العمل المزدحمة، بدون وسائل حماية كافية، وهذا ما يعادل إصدار حكم بالإعدام على العديد من العمال وأسرهم.
من ناحية أخرى يعترف منظرو الرأسمالية أن الأزمة الاقتصادية الحالية هي الأشد حدة منذ 300 عام. فخلال الفترة ما بين أبريل ويونيو من العام الماضي فقط، ضاعت 400 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم. إذا أخذنا السياحة وحدها، وهي قطاع مهم للعديد من البلدان الفقيرة، يقولون إنه سيتم القضاء على 120 مليون وظيفة. وتلك الاقتصادات التي تسمى صاعدة تنجرف إلى القاع مع البقية. الهند والبرازيل وروسيا وتركيا كلها في أزمة. وقد تراجع اقتصاد كوريا الجنوبية العام الماضي، لأول مرة منذ 22 عاما، وذلك على الرغم من الدعم الحكومي الذي قيمته حوالي 283 مليار دولار.
لن أخصص الكثير من الوقت لنقاش الاقتصاد، رغم أنني سأفعل ذلك لاحقا إذا توفر لدي الوقت. دراسة الاقتصاد، من وجهة نظر الماركسية، ليست مسألة مجردة وليست مسألة أكاديمية. للاقتصاد تأثير عميق على تطور وعي جميع الطبقات، هذا هو السبب. والشيء الرئيسي الذي نلاحظه الآن في كل مكان هو الأزمة، ليس فقط أزمة الحكومات أو مجرد أزمة سياسية، بل هي أزمة النظام، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة.
هناك مؤشرات واضحة على أن الأزمة شديدة وعميقة إلى درجة أن الطبقة السائدة بدأت تفقد السيطرة على الأدوات التقليدية التي استخدمتها في الماضي لإدارة المجتمع. كما أن السياسيين البرجوازيين قد فقدوا السيطرة تماما.
البداية من الولايات المتحدة الأمريكية، أغنى وأقوى بلد في العالم. لقد ضربت الأزمة الاقتصادية العالمية الولايات المتحدة الأمريكية بشدة. أثناء الجائحة تقدم 40 مليون أمريكي بطلب التعويض عن البطالة، إذ كما هو الحال دائما يكون الناس الأكثر فقرا والشباب هم الأكثر تضررا. ربع الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة فقدوا عملهم. وقد تسبب هذا بلا شك في إثارة قلق شديد في دوائر الطبقة السائدة في الولايات المتحدة.
لم يكن من المفترض أن تلعب الدولة أي دور في الحياة الاقتصادية، ربما ما زلتم تتذكرون تلك النظرية؟ لكن الطبقة السائدة، وبسبب شعورها بالخطر الذي يحبل به الوضع، اضطرت إلى اتخاذ إجراءات طارئة. لقد تخلصوا من كل النظريات القديمة القائلة بأنه على الدولة ألا تتدخل في الاقتصاد، وصرنا نرى الآن في جميع البلدان، بدءا من الولايات المتحدة، أن ما يسمى باقتصاد السوق الحرة، أي الرأسمالية، يعتمد كليا على جهاز الإنعاش، مثل مريض بفيروس كورونا. ولا يستمر في البقاء إلا بفضل مساعدات الدولة.
ذهبت معظم تلك الأموال مباشرة إلى جيوب الأغنياء. إلا أنها ساهمت في البداية في التخفيف من آثار الأزمة على الطبقات الأكثر فقرا. لكن الحكومات بدأت الآن تسحب هذا الدعم. ونتيجة لذلك نرى أفظع أشكال الفقر في أغنى بلد في العالم.
سبق لي أن أعطيت الأرقام في مقال كتبته مؤخرا، وهي إحصائيات مروعة. تفتقر العديد من العائلات الأمريكية الآن إلى المال الكافي لوضع الطعام على المائدة. بنوك الغذاء تتكاثر، ويغرق الملايين في فقر مدقع. والكثير من الناس مهددون بفقدان منازلهم لأنهم لا يستطيعون دفع الإيجار.
وبعبارة أخرى لقد تحولت الهوة بين الأغنياء والفقراء إلى هاوية لا يمكن رأبها.
وهذا له تأثير. كل تلك الديماغوجية حول المصلحة الوطنية، وأنه يجب علينا أن نكافح معا، وكلنا في نفس القارب، إلخ. حسنا، دعونا نوضح المسألة: الجماهير مستعدة لتقديم التضحيات في ظل ظروف معينة، في زمن الحرب يكون الناس على استعداد لتوحيد صفوفهم لمحاربة العدو المشترك، هذا صحيح. إنهم مستعدون، لفترة على الأقل، لقبول مستويات معيشية أقل. والقبول كذلك بالقيود على الحقوق الديمقراطية، إلى حد ما ولفترة من الوقت.
لكن هناك لامساواة غير مسبوقة، راكم الأثرياء ثروات فاحشة… في حين من المرتقب، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، أن يسقط ما يقرب من 90 مليون شخص إلى ما دون مستوى 1,90 دولار في اليوم، أي عتبة الحرمان الشديد.
ومع ذلك، فإنه في عام 2020، نما إجمالي ثروة المليارديرات بمقدار 1,9 تريليون دولار. وهذا في خضم الجائحة، في خضم الأزمة. وفي هذا الصدد يبرز مثال جيف بيزوس صارخا. إنه الآن يكسب في الثانية الواحدة أكثر مما يكسبه العامل الأمريكي العادي خلال أسبوع كامل.
إن الهوة التي تفصل بين من يملكون ومن لا يملكون قد تحولت، كما سبق لي أن قلت، إلى هاوية لا يمكن تجاوزها. وهو ما يعمق الاستقطاب الاجتماعي والسياسي. إنه يخلق مزاجا متفجرا من الغضب في المجتمع. ففي كل مكان تنظرون إليه، في جميع البلدان، هناك كراهية شديدة ضد الأثرياء والأقوياء: ضد المصرفيين، وضد وول ستريت، وضد النظام بشكل عام.
هذه الكراهية تم توجيهها بمهارة من قبل الديماغوجي اليميني دونالد ترامب. وهو ما أرعب ممثلي رأس المال. لقد كانوا محقين في اعتبارهم لدونالد ترامب تهديدا، لأنه كان يزرع عن عمد الألغام في أساس الإجماع، في أساس كل السياسات الوسطية التي استمروا يبنونها بجهد طيلة عقود.
تحاول الطبقة الحاكمة يائسة منع هذا الاستقطاب، وإعادة توحيد الوسط مرة أخرى. لكن كل الظروف الموضوعية تعرقل محاولاتهم. وتعتبر أحداث السادس من يناير دليلا صارخا على هذا. إنهم الآن يقولون إنها كانت تمردا، ويحاولون عزل ترامب المتهم بتنظيم تمرد. إذا كانت محاولة تمرد فهي محاولة سيئة للغاية! كانت أعمال شغب كبيرة. إلا أنها كانت خطيرة على الطبقة الحاكمة، وكشفت بشكل صارخ عن الانقسامات العميقة الموجودة في الدولة نفسها.
تشير أحداث 06 يناير في واشنطن إلى أن الاستقطاب داخل المجتمع وصل إلى نقطة حرجة، إلى نقطة الانهيار. مؤسسات الديمقراطية البرجوازية تخضع للاختبار إلى أقصى حدودها. إنها أزمة نظام وليست أزمة سياسية عادية. وعلى الرغم من وابل العداء الإعلامي الذي تلا ذلك، فإن 45% من الجمهوريين المستجوبين قد أعلنوا أن اقتحام مبنى الكابيتول كان مبررا. نحن نتحدث هنا عن الملايين! وهذا معبر للغاية، لكن الحدث الأكثر تعبيرا من ذلك هو حقيقة أن 54% من الأمريكيين قد عبروا عن أن إحراق مركز الشرطة في مينيابوليس كان عملا مبررا. ودعونا لا ننسى أن 10% من سكان الولايات المتحدة قد شاركوا في احتجاجات حركة حياة السود مهمة، وهو عدد أكبر بكثير من عدد الذين اقتحموا مبنى الكابيتول.
إذا جمعنا معا الحركة العفوية التي اجتاحت البلاد بعد مقتل جورج فلويد، والأحداث غير المسبوقة التي أعقبت الانتخابات الأمريكية، سنرى أننا أمام نقطة تحول في الوضع برمته. إنها بالطبع حركة مشوشة، على أقل تقدير. تتخللها بعض العناصر الرجعية، لكنها ليست مجرد موجة قاتمة من الردة الرجعية، على عكس ما يقوله المراقبون الليبراليون الذين لا يفهمون شيئا.
يجب على الماركسيين أن يكونوا قادرين على التمييز بين ما هو تقدمي وما هو رجعي. يجب علينا أن نفهم أن لدينا هنا، في شكل جنيني، تطورات ثورية ستحدث في المستقبل. الليبراليون الأغبياء لا يفهمون شيئا، يتحدثون عن الفاشية، التي لا يعرفون أي شيء عنها. وسوف أقتبس لاحقا من مقال عميق يُظهر أن البرجوازيين بعيدي النظر يفهمون ما نفهمه، يفهمون أنه توجد، في كل مكان، في كل بلد، حالة من الغضب والاستياء، تغلي تحت السطح، ضد النظام القائم. يعبر هذا المزاج عن نفسه في شكل انهيار تام للثقة في المؤسسات الرسمية والأحزاب والحكومات والقادة السياسيين والمصرفيين والأثرياء والشرطة والقضاء والقوانين القائمة والتقاليد والدين وأخلاق النظام القائم.
لم يعد الناس يصدقون ما يقال لهم في الصحف والتلفزيون، إنهم يقارنون الاختلاف الكبير بين ما يقال وما يحدث، ويدركون أن كل ما يقدم لهم مجرد أكاذيب. لم يكن هذا هو الحال دائما. ففي الماضي لم يكن معظم الناس يهتمون كثيرا بالسياسة، وهو ما ينطبق أيضا حتى على العمال. كانت المحادثات في أماكن العمل تدور عادة حول كرة القدم والأفلام والبرامج التلفزيونية. نادرا ما كان يتم ذكر السياسة، إلا في وقت الانتخابات ربما.
أما الآن فكل ذلك تغير. لقد بدأت الجماهير في الاهتمام بالسياسة، لأنهم بدأوا يدركون أنها تؤثر بشكل مباشر على حياتهم وحياة أسرهم. هذا في حد ذاته انعكاس لمزاج الثورة. كانت مؤسسات الديمقراطية البرجوازية قائمة على افتراض أن الهوة بين الأغنياء والفقراء يمكن إخفاؤها واحتواؤها في حدود يمكن التحكم فيها. لكن الحال لم يعد كذلك. هذا هو بالضبط سبب انهيار الوسط السياسي.
صحيح أنه بسبب الإفلاس الكامل للإصلاحيين، بمن فيهم الإصلاحيون اليساريون، تمكن الديماغوجيون اليمينيون، أو من يسمون بالشعبويين، من الاستفادة من ذلك المزاج. ذلك طبيعي فالطبيعة تكره الفراغ. يفسر الحمقى الليبراليون والإصلاحيون هذا على أنه صعود للفاشية. لكن منظري رأس المال يفهمون الوضع بكل وضوح.
أواخر دجنبر، نشرت “فاينانشيال تايمز” مقالا موقّعا من طرف هيئة التحرير، أظهر تقييما مختلفا تماما للسيرورة التي تحدث وآفاقها. سأعمل، بعد إذنكم، على اقتباس بضعة أسطر منه:
«صارت المجموعات التي تضررت من التغيير الاقتصادي تشعر بشكل متزايد أن المسؤولين لا يهتمون بمأزقها».
هذا صحيح، فهؤلاء الناس -أنصار ترامب- عندما تمت استجوابهم قالوا إن “واشنطن لا تهتم بنا! نحن الأشخاص المنسيون!”.
ويواصل المقال: «والأسوأ من ذلك، لقد تلاعبوا بالاقتصاد لخدمة مصلحتهم الخاصة ضد الذين يعيشون على الهامش. إن هذا يضع، ببطء لكن بثبات، الرأسمالية والديمقراطية في حالة خلاف مع بعضهما البعض. منذ الأزمة المالية العالمية، غذّا هذا الشعور بالخيانة رد فعل سياسي عنيف ضد العولمة وضد مؤسسات الديمقراطية الليبرالية…» [ها هي الجملة المعبرة!]: «يمكن للشعبوية اليمينية أن تزدهر نتيجة رد الفعل العنيف هذا بينما تبقي على الأسواق الرأسمالية في مكانها». وهذه هي النقطة الجوهرية… «لكن بما أنها لا تستطيع الوفاء بوعودها للمحبطين اقتصاديا، فإن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يخرج المسلحون بالمذاري ضد الرأسمالية نفسها…»، «وضد ثروة أولئك الذين يستفيدون منها».
هذا حديث جدي، أليس كذلك؟ إنه يظهر فهما عميقا بديناميات الصراع الطبقي. وكيف أن ما يسمى بالشعبوية اليمينية ليست سوى المرحلة الأولى قبل الانفجار الثوري. إنهم يفهمون ذلك جيدا. حتى اللغة التي يستعملونها معبرة. إن عبارة ”المسلحين بالمذاري” هي إحالة على الثورة الفرنسية، أو على ثورة الفلاحين عام 1381، عندما استولى الفلاحون على لندن.
ويمكن ملاحظة هذه التقلبات الهائلة في العديد من البلدان، إن لم نقل في جميع البلدان.
رأينا ذلك مؤخرا في روسيا، حيث كانت عودة نافالني إشارة لانفجار الاحتجاجات في موسكو و110 مدينة أخرى، في أماكن مثل فلاديفوستوكين وفي الأقاليم. ما الذي يمثله هذا؟ هذه ليست الثورة الروسية بعد، هذا صحيح. إنها أيضا مظاهرات غير متجانسة للغاية، يوجد فيها الكثير من أفراد الطبقة الوسطى، والمثقفين، والليبراليين، لكن أيضا عدد متزايد من العمال. إلا أنها كانت مظاهرات كبيرة في السياق الروسي. يجب أن يُنظر إليها في سياق تدهور مستويات المعيشة. لقد كان النمو الاقتصادي السنوي بين عامي 2013 و2018، أي قبل انتشار الجائحة يساوي 0,7%، أي أنه كان راكدا تقريبا. أما في نهاية العام الماضي فقد شهدت نموا سلبيًا بنحو 5%.
كان في مقدور بوتين، في الماضي، أن يتباهى ببعض النجاح في المجال الاقتصادي، لكن ذلك لم يعد ممكنا الآن. البطالة تتصاعد بسرعة والعديد من العائلات تفقد منازلها. لذا فإن مسألة نافالني ليست سوى عنصر واحد من عناصر الوضع. كل شيء يشير كذلك إلى أن دعم بوتين آخذ في الانهيار. عمل نافالني، بعد يومين من اعتقاله، على نشر مقطع فيديو مثير للاهتمام، شاهده الملايين، يفضح الفساد الشخصي لبوتين، ويظهر أنه بنى قصرا كبيرا على شاطئ البحر الأسود، وكل هذا يؤدي إلى تكوين مزاج متفجر. روسيا، كما سبق لي أن قلت، ليست بعد في وضع ما قبل ثوري، لكن الأحداث تتحرك بسرعة كبيرة الآن.
وفي الطرف الآخر من العالم، في الهند، وبينما أنا أتحدث، نرى أحداثا ترقى إلى مستوى حركة تمرد: حركة فلاحين نظموا مسيرة بالجرارات يوم 26 يناير، في عيد الجمهورية، إلى دلهي حيث كان مودي يحتفل باستعراض عسكري كبير. كان من المثير للإعجاب رؤية ذلك على شاشة التلفزيون، كان من المذهل رؤية آلاف الفلاحين يواجهون قوات الشرطة المدججة بالسلاح. من الواضح أن مودي قد اهتز بفعل تلك الانتفاضة، التي أعطت فكرة عن الغضب المكبوت للجماهير.
لكن نقطة ضعف تلك الحركة هي غياب استجابة جدية من جانب الطبقة العاملة الهندية القوية.
لنضال الفلاحين تأثير قوي في المصانع، لكن القادة النقابيين الستالينيين المتحكمين يكبحون ذلك. إنهم يشعرون الآن بضغط هائل من أسفل، وصاروا يتحدثون عن تنظيم إضراب عام لمدة أربعة أيام، وهو أمر مهم. لقد حاولوا في الماضي إرهاق العمال، كما فعل نظراؤهم في اليونان، ودعوا إلى سلسلة من الإضرابات العامة ليوم واحد. كانت تلك مناورة لتخفيف الاحتقان ومنع اندلاع حركة عامة.
لقد ناقشنا في اجتماع السكرتارية الأممية، في وقت سابق، الشعارات التي رفعها الرفاق في باكستان والهند من أجل الإضراب العام، وآمل أن يتوفر لي الوقت لكي أتعامل مع ذلك لاحقا.
لن أمضي وقتا طويلا في الحديث عن منظورات إدارة بايدن، لكن من الواضح أن وول ستريت تعلق كل آمالها على تلك الإدارة وعلى جهود التلقيح، لكن بايدن سيترأس أمة منقسمة ومتراجعة. ولن تؤدي محاولاته لشراء بعض الوقت إلا إلى تراكم المزيد من الديون، الأمر الذي سيحضر لاندلاع أزمة أكبر في المستقبل.
ليس لدي الوقت الكافي لنقاش الصين بشكل مفصل، لكن الصين هي القوة الاقتصادية الكبرى الوحيدة التي تحقق نوعا من النمو الإيجابي. وذلك لأن الدولة الصينية تدخلت بحزم لمواجهة كل من الجائحة والأزمة الاقتصادية، بتطبيق نوع من رأسمالية الدولة، إذا أردتم استخدام هذا التعبير. ولكي نكون منصفين علينا أن نقول إنها حققت بعض النتائج حتى الآن.
صحيح أن نمو الاقتصاد الصيني يبلغ حوالي 2%، وهو أمر ضعيف للغاية من منظور الصين، لكنهم يتوقعون الآن نموا بنسبة 8% هذا العام. إذا كان هذا صحيحا، فإن الصين ستتفوق في أدائها على بقية العالم. لكن هذا النجاح بالذات سوف يتسبب في إضعافها، لأن هذا النمو الاقتصادي يعتمد بشكل مفرط على التصدير. إن الصين تتدخل بقوة في السوق العالمية وسيتعين عليها التدخل بقوة أكبر. سيعني ذلك حتما المزيد من التوتر بين الصين والولايات المتحدة التي تعتبر الصين الخطر الرئيسي، وهو الموقف الذي لا يخص ترامب وحده، بل بايدن والديمقراطيون أيضا.
كانت الصين، في الماضي، جزءا كبيرا من الحل بالنسبة للرأسمالية العالمية، لكنها الآن صارت جزءا كبيرا من المشكلة. ويهدد الصراع بينها وبين الولايات المتحدة بشكل خاص بإشعال حرب تجارية أكثر خطورة، حرب تشكل أكبر تهديد محتمل للرأسمالية العالمية، لأن نمو التجارة العالمية، أو ما يسمى بالعولمة، هو ما يفسر تطور الرأسمالية خلال الفترة السابقة. والآن بالطبع سيتحول ذلك إلى نقيضه مع عواقب سلبية للغاية بالنسبة للرأسمالية.
سيكون لهذا بدوره تأثير داخل الصين. لقد بدأت هناك بالفعل عمليات إغلاق للمصانع وبطالة، مخفية لكنها موجودة. وهذا ما يفسر مسارعة شي جين بينغ إلى قمع الحركة في هونغ كونغ. لم يكن ذلك تعبيرا عن القوة، بل عن الخوف والضعف. لقد كانت الطبقة السائدة في الصين قلقة من أن ينتشر هذا النوع من الحركة إلى البر الرئيسي، وهو ما سوف يحدث حتما، مثلما يلي النهار الليل. يجب علينا، بصفتنا أممية، أن نكون مستعدين للأحداث الكبرى التي ستشهدها الصين، والتي ستحدث عندما لا يتوقعها أحد، لأن الصين تحت نظام شمولي، ولا نعرف ما يحدث هناك. وإذا كان في مقدور الدولة الصينية قمع دولة صغيرة مثل هونغ كونغ، فإنه لن يكون من السهل عليها السيطرة على 100 هونغ كونغ داخل الصين نفسها. لذلك يجب أن نتبع بعناية التطورات في الصين.
ليس لدي وقت كاف لمناقشة الاقتصاد. لكن من المهم التأكيد على ما قلته سابقا: عندما تواجه البرجوازية خطر خسارة كل شيء، ستلجأ إلى أكثر الأساليب تطرفا للدفاع عن نظامها. لقد قاموا في كل مكان الآن بالتخلص من نظرياتهم القديمة حول السوق الحرة، واختاروا الكينزية بدلا من ذلك. وهم يترنحون مثل رجل مخمور من هذا الجانب إلى ذاك.
إنهم الآن يعتمدون، بشكل شبه حصري، على معونات الدولة. كان تيد غرانت يصف الكينزية بأنها اقتصاد [سحر] الفودو، وأعتقد أنه وصف صحيح. إن الفكرة القائلة بأن الدولة تمتلك أموالا غير محدودة هي مجرد هراء. إنها سياسة يائسة حقا اعتمدوها في كل مكان، وأدت إلى تراكم ديون فلكية لا يمكن تصورها. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يواجه النظام الرأسمالي في وقتنا الحالي.
لدي الأرقام هنا، وسوف ننشرها في وثيقة ستصدر لاحقا. لكن تلك الديون سوف تنفجر في وجوههم عاجلا أم آجلا. هناك قنبلة موقوتة من الديون، مندمجة بأسس الاقتصاد الآن. وسيكون لها على المدى الطويل آثار أكثر تدميرا من أي تفجير إرهابي. لكنهم على المدى القصير سعداء جدا بمواصلة ما يقومون به، بل وينشرون بكل ثقة مقالات تتنبأ بالانتعاش.
والآن، باعتبارنا أناسا جادين، يجب علينا النظر في تلك الحجج بطريقة جدية. هل من الممكن حدوث تعافي اقتصادي من نوع ما؟ حسنا، أولا وقبل كل شيء، يجب أن نأخذ التوقعات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بكثير من الحذر. ففي المقام الأول تختلف الأزمة الحالية عن أزمات الماضي لأنها متشابكة بشكل لا ينفصم مع جائحة فيروس كورونا، وبالتالي فلا يمكن لأحد التنبؤ بأي درجة من درجات اليقين حتى متى ستستمر.
ولهذا السبب فإنه لا يمكن اعتبار تنبؤات الاقتصاديين أكثر من مجرد تخمين. اليقين الوحيد هو أن جميع المؤشرات الرئيسية تشير إلى الأسفل، وهذا أمر واضح.
لكن هل يعني ذلك أنه من المستبعد تماما حدوث تعاف من نوع ما؟ كلا، لا يمكن استخلاص هذا الاستنتاج. بل إن حدوث الانتعاش، في الواقع، أمر حتمي عند نقطة معينة. لقد مر النظام الرأسمالي دائما من فترات الازدهار والركود. وعاجلا أم آجلا، سيجدون طريقة للخروج من هذا الركود أيضا. لكن علينا أن ننظر إلى نوع التعافي الذي نتحدث عنه هنا. هل نتحدث عن بداية مرحلة طويلة من النمو والازدهار، أم مجرد فاصل مؤقت بين أزمة وأخرى؟
يعتمد التشخيص الأكثر تفاؤلا على أنه يوجد، على الأقل في البلدان الرأسمالية المتقدمة، ما يسمونه بـ “الطلب المكبوت”. هناك الكثير ممن يواجهون الفقر المدقع، لكن هناك أيضا ملايين العائلات الميسورة التي لديها الآن فائض من المال لتنفقه، وهذه حقيقة. وعند توقف الجائحة سيكونون متحمسين للإنفاق في المطاعم والحانات والعطلات الخارجية، وما إلى ذلك. قد يعني ذلك ارتفاعا حادا فوريا في الاقتصاد بعد الجائحة، وهذا غير مستبعد، إضافة إلى ضخ الدولة لمبالغ هائلة من الأموال في الاقتصاد.
لنكن واضحين: أحيانا يكون للرفاق فكرة أحادية الجانب عن هذه المسألة. من وجهة نظرنا لن يكون الانتعاش المؤقت أمرا سيئا. لقد تسببت الجائحة وما تلاها من ارتفاع في معدل البطالة في إلحاق الصدمة بالطبقة العاملة وأدى إلى قدر معين من الشلل، هذه حقيقة. لكن حتى الانتعاش المتواضع والصغير للنشاط الاقتصادي، والانخفاض الطفيف في البطالة سيكون له تأثير فوري على إعادة تنشيط النضال الاقتصادي، حيث سيسعى العمال لاستعادة كل ما فقدوه خلال الفترة السابقة.
ولنكن واضحين تماما بشأن ذلك، إن مثل هذا الانتعاش سيكون مؤقتا وهشا للغاية، لأنه مبني على أساس مصطنع وغير سليم. سوف يحتوي في داخله على بذور تدميره. وكلما ارتفع أكثر، كلما كان السقوط أشد.
لكن، وكما قلت سابقا، فإن مسألة الاقتصاد ليست مهمة، من وجهة نظرنا، إلا بقدر ما تؤثر على وعي الجماهير. وهنا يجب أن أعترف أني أشعر ببعض القلق حيال الطريقة التي يطرح بها بعض الرفاق مسألة المنظورات. تبدو لي أنها طريقة ميكانيكية بعض الشيء، حيث يكتب الرفيق مقالا، ويضع قائمة بإحصائيات هامة للغاية عن الجوع والبؤس والبطالة وما إلى ذلك، ثم يستنتج على الفور: الرأسمالية انتهت، عاشت الثورة الاشتراكية!
أيها الرفاق! أود أن أقول إن الأمور ليست بهذه البساطة، وهذه الطريقة مرفوضة تماما من منظور ديالكتيكي. لا تقوموا بإقحام استنتاجات في موقف ما، قبل أن تكونوا قد قمتم فعلا بالبرهنة عليها. لا تفترضوا أن الناس الذين يقرأون هذه المقالات متفقون معنا على مواقفنا. يجب أن تنبع الاستنتاجات من التحليل، ويجب أن يكون تحليلا جديا.
ليس صعبا وصف أزمة الرأسمالية. لكن الشيء الصعب، والذي علينا أن نقوم به، هو شرح كيفية الانتقال من أ إلى ب. وهذا يحتاج إلى شرح. المشكلة الجوهرية هي غياب العامل الذاتي. الأزمة واقع حقيقي، والحقيقة هي أن العمال يتعلمون، لكنهم يستغرقون وقتا لكي يتعلموا، التعلم سيرورة. ولن تصل الجماهير ببساطة إلى نفس الاستنتاجات التي توصلنا إليها نحن بطريقة نظرية منذ سنوات. لا يمكن للجماهير أن تتعلم إلا من شيء واحد فقط وهو: التجربة. كان لينين يقول: “الحياة تعلم”.
لكن التعلم من كتاب التجربة العظيم هو عملية بطيئة ومؤلمة. سيكون الأمر سريعا للغاية لو توفر حزب ثوري جماهيري مثل الحزب البلشفي، لو توفرت منظمة لديها أعداد كافية لتكون حاضرة ولها سلطة كافية لكي يصير صوتها مسموعا من قبل العمال.
قال لينين نقلا عن هيجل إن الحقيقة دائما ملموسة، وهو الشيء الذي ينساه في بعض الأحيان حتى أكثر الماركسيين معرفة. أيها الرفاق، علينا أن نبين بشكل ملموس كيف ننتقل من أ إلى ب، ومن ب إلى ج ود وهـ. ولهذا الغرض علينا أن نطرح سلسلة مطالب انتقالية ملائمة تهدف إلى حماية صحة العمال وسبل عيشهم، وتضع عبء الأزمة على كاهل أرباب العمل. يجب علينا تقديم المطالب المناسبة ليس فقط للعاملين في مجال الرعاية الصحية وخدمات الخطوط الأمامية، بل لجميع العمال، يدفع فاتورتها الرأسماليون. إذا قال أرباب العمل إنهم لا يستطيعون تحمل تلك التكاليف، علينا أن نطالبهم بفتح دفاتر الحسابات وكشف المبالغ الهائلة التي يخفونها، والمبالغ الضخمة التي حصلوا عليها من الدولة!
ولن يرى العمال ضرورة تغيير المجتمع إلا عندما سيرون فشل أرباب العمل في تلبية تلك المطالب.
المشكلة الرئيسية هي مشكلة القيادة. لا يمكن للغضب الجماهيري أن يجد تعبيرا عنه من خلال الشريحة القيادية للمنظمات العمالية. زعماء النقابات العمالية يعيقون الحركة. لكن العمال سيجدون طريقة للتعبير عن أنفسهم سواء مع هؤلاء أو بدونهم.
في إيطاليا لا يوجد حزب عمالي جماهيري، لكن مزاج العمال يزداد غضبا ويزداد نفاذ صبرهم مع كل يوم يمر. وسيؤدي فشل الحكومة المتكرر إلى انفجار الصراع الطبقي بشكل حتمي.
لا يعبر هذا المزاج عن نفسه في البرلمان بل في الشوارع. فئات جديدة تدخل إلى ساحة النضال. رأينا ذلك في فرنسا مع السترات الصفراء، ورأيناه في الهند مع حركة الفلاحين، ونراه بطريقة مشوهة في حركة اقتحام مبنى الكابيتول.
ما هي الشعارات المناسبة الآن في الهند؟ من الناحية الموضوعية، كل الشروط موجودة لتنظيم إضراب عام شامل. المشكلة هي أن القادة الستالينيين يعملون، كالعادة، على كبح الحركة. إنهم فاسدون ميؤوس منهم، ومعادون للثورة، لكن عليكم أن تفهموا أنه حتى أكثر القادة فسادا ورجعية يمكنهم أن يتأثروا بضغط الطبقة العاملة عندما تبدأ هذه الأخيرة في التحرك.
قادة النقابات العمالية في الهند يناقشون الآن فكرة إضراب عام لمدة أربعة أيام، بينما موقفنا هو الإضراب العام المفتوح الشامل. إذن ماذا علينا أن نفعل؟ نحن لسنا قادة الحركة، هؤلاء هم قادتها. علينا أن نقول لهم: “حسنا، دعونا نحصل على إضراب لمدة أربعة أيام، لكن كفانا كلاما، هيا إلى العمل! أولا: عليكم تحديد اليوم! إطلاق حملة التعبئة في المصانع، والدعوة إلى اجتماعات احتجاجية جماهيرية، وتشكيل لجان إضراب، واجتذاب الفلاحين والنساء والشباب والعاطلين، وجميع الشرائح المضطهَدة في المجتمع. وربط هذه الأجهزة النضالية على المستوى المحلي والوطني، أو بعبارة أخرى تشكيل سوفييتات!” إذا تم القيام بذلك -أنا لا أقول إنه سيتم القيام به- لكن إذا تم القيام بذلك، فإن إضرابا لمدة أربعة أيام سيتحول إلى إضراب عام لمدة أربعة أيام، مما سيطرح مسألة السلطة على جدول الأعمال. بمجرد ما سيتم تنظيم الجماهير في الهند من أجل ذلك، سيصيرون قوة لا يمكن أن تقف في وجهها أي قوة على الأرض.
يجب أن أختم كلمتي، لكن هناك نقطة واحدة يجب أن نفهمها: ستكون هذه الأزمة أزمة طويلة الأمد، سوف تستمر سنوات، أو حتى عقودا، مع فترات صعود وهبوط. ستطول بسبب غياب العامل الذاتي.
ومع ذلك فإن هذا ليس سوى أحد وجهي العملة. فحقيقة أنها ستكون طويلة وممتدة لا تعني أنها ستكون أقل اضطرابا، بل على العكس تماما. المنظور الحالي هو منظور التغيرات الحادة والمفاجئة. يمكن للسيرورات التي كان تطورها يستغرق سنوات عديدة في الماضي، أن تحدث الآن بين عشية وضحاها، وتطرح قضايا جدية للغاية أمامنا. علينا أن نكون مستعدين أيها الرفاق! لن يكون عام 2021 مثل أي عام آخر، فقد دخلت الطبقة العاملة مدرسة قاسية للغاية، ستكون هناك العديد من الهزائم والنكسات، لكن العمال سيستخلصون من تلك المدرسة الدروس اللازمة.
قادة النقابات العمالية منفصلون تماما عن الواقع، إذ أنهم يعكسون الماضي، يعكسون تلك الأيام التي كانت لديهم فيها علاقة سهلة مع الرأسماليين، وكان بإمكانهم الحصول بسهولة على تنازلات صغيرة لصالح العمال. الآن الأمور مختلفة جدا. سيتعين عليهم القتال من أجل كل مطلب. ويجد العمال أنفسهم في ظروف لا تطاق، حيث حياتهم وحياة أسرهم في خطر.
سوف تتغير النقابات في مسار النضال. قادة اليمين القدامى يموتون، واحدا تلو الآخر، أو يتقاعدون أو يتم استبدالهم. وبدأ جيل جديد من المناضلين العماليين الشباب في تحدي القيادة. إن الساحة مهيأة لتحويل النقابات إلى منظمات كفاحية.
حتى النقابات التي تبدو الأكثر رجعية وخمولا سوف تنجذب إلى هذا الصراع. ويجب علينا نحن الماركسيين أن نكون في الصفوف الأمامية لهذا النضال، الذي يعتمد عليه في النهاية نجاح الثورة الاشتراكية. يعلمنا الديالكتيك أن الأشياء يمكن أن تتغير إلى ضدها، ويجب أن نكون مستعدين لذلك.
لدينا الأفكار الصحيحة والأساليب الصحيحة والمنظورات الصحيحة. ومهمتنا الآن هي تحويل ذلك إلى نمو، مهمتنا هي بناء جيش ثوري قوي من الكوادر، قادر على قيادة جيش ثوري، قادر على قيادة العمال في النضال من أجل حسم السلطة.
لا يوجد في الحياة شيء أكثر أهمية من هذه المهمة. ومعا يمكننا تحقيق ذلك بالتأكيد.
العنوان الأصلي للنص:
Dynamite in the foundations: Alan Woods on the crisis of world capitalism