الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: حركة 20 فبراير! كيف تتبع الماركسيون مسار الحركة؟

المغرب: حركة 20 فبراير! كيف تتبع الماركسيون مسار الحركة؟

بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق الحراك الثوري: 20 فبراير نعيد نشر هذا المقال الهام الذي كتب قبل سنتين خلال الذكرى الثامنة لحركة 20 فبراير، وذلك لنعيد التأكيد على منظورنا خلال مسار أحداث هذا الحراك الثوري.


بحلول هذا اليوم: 20 فبراير 2019، تكون قد مرت ثماني سنوات كاملة على انطلاق الحراك الشعبي الثوري، الذي شكل منعطفا حاسما في تاريخ المغرب. وقد كنا، نحن أنصار جريدة الثورة (رعش سابقا)، قد سايرنا تطور الحركة منذ بداياتها الأولى، ليس فقط بالتعبئة والمشاركة الفعلية في المسيرات والوقفات ومختلف الأشكال النضالية التي خاضتها الحركة، بل أيضا بتحليل مختلف القضايا التي كانت تطرح على الحركة وكنا نقدم إجاباتنا لمختلف الأسئلة التي تواجهها ومقترحاتنا لتطوير الحراك نحو النصر.

ميلاد الحركة

قبل انطلاق الحركة كنا من بين أوائل التيارات اليسارية التي أعلنت انخراطها فيها، وهو ما أعلناه في بياننا الذي أصدرناه آنذاك، والذي أكدنا فيه دعمنا لمبادرة التظاهر يوم 20 فبراير، ومشاركتنا الفعلية في تلك المحطة النضالية، كما نوهنا بانخراط الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وغيرها من التنظيمات والأحزاب اليسارية (النهج الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الخ) لإنجاح هذه المحطة. وأكدنا على ضرورة التسلح بالمنظور الطبقي للنضال وبناء منظمات النضال وحفز التنظيم والدفاع الذاتيين، كما أكدنا على ضرورة تكريس ثقافة التضامن الأممي مع الشعوب المناضلة.

ومباشرة بعد انطلاق الحركة أصدرنا بيانا آخر (يوم الثلاثاء 22 فبراير 2011) وجهنا فيه التحية لأبناء شعبنا وللتيارات التقدمية التي شاركت في الحراك وفضحنا لجوء النظام إلى استعمال البلطجية والقمع الحيواني للمظاهرات… كما أكدنا على وجه الخصوص على عزمنا على أن تكون هذه المحطة بداية الثورة المغربية من اجل إسقاط نظام الاستغلال والتخلف والدكتاتورية والقمع، وليس مجرد محطة لتصريف غضب الجماهير الكادحة، وشرحنا أن القضاء على الاستبداد والتخلف والبطالة والجوع، رهين بثورة اشتراكية تطيح بدولة البرجوازية وتقيم سلطة العمال. لقد دافعنا منذ البداية عن ضرورة تنظيم الحركة وإعطاءها منظورا اشتراكيا

مرحلة المد

حققت الحركة التفافا شعبيا واسعا فقد شكلت بحق أكبر حراك ثوري في تاريخ المغرب، إذ لم يسبق على الإطلاق أن شاركت كل تلك الأعداد الهائلة من الجماهير (وخاصة النساء والشباب) في مظاهرات وأشكال احتجاجية شبه يومية ملأت الشوارع والبلدات، بل ووصلت إلى القرى البعيدة. وعندما كانت الحركة في أوجها كانت مسيرات 80 ألف متظاهر حدثا عاديا في بعض المدن الكبرى كطنجة والبيضاء… لا يوحدهم تنظيم أو نقابة أو حزب، بقدر ما توحدهم شعارات الحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية !

لقد كانت فرصة تاريخية لتصفية الحساب مع نظام الدكتاتورية والاستغلال والقهر. أصيب النظام بالرعب ولما لم ينفعه القمع في إيقاف الحركة سارع إلى استعمال المناورات، وفي هذا السياق جاء خطاب 09 مارس 2011 الذي أعلن فيه الملك “م 6” عن “إصلاحات” اعتبرتها وسائل الإعلام الرسمية والأحزاب الإصلاحية “قفزة ديمقراطية عظيمة”.

استوعبنا منذ البداية أنها مجرد خدعة وخرجنا بتحليل دقيق أوضحنا فيه أن تلك “الاصلاحات” ليست «سوى مناورة من جانب النظام والإمبريالية الفرنسية والأمريكية، لاحتواء الحركة». وشرحنا أنهم:

«يريدون تحييد التيارات والأحزاب الإصلاحية، من قبيل الاتحاد الاشتراكي على سبيل المثال، التي اضطرت، تحت ضغط قواعدها، لدعم حركة 20 فبراير. كما أنهم يريدون خلق انقسام داخل صفوف حركة الشباب…”

وأضفنا أن:

«هذه الدولة الرأسمالية لا يمكن إصلاحها. يجب الإطاحة بها وتفكيكها. ليس هناك أي لجنة، ولا تفاوض، ولا استفتاء يمكنه أن يجلب الديمقراطية الكاملة التي يريدها الشباب والجماهير في المغرب. لذا دعونا لا ننخدع بالمناورات في القمة. لقد بدأ النضال للتو. إننا نطالب بالديمقراطية الكاملة، بدون الملوك والأمراء، والبيروقراطيين والخبراء والرأسماليين. وبدل “اللجنة” نريد جمعية تأسيسية. دعوا الشعب يضع دستورا جديدا! بالطبع لا يمكننا الوثوق في هذا النظام لتنظيم انتخابات الجمعية التأسيسية. يتعين علينا أن ندعو إليها بأنفسنا! ولذلك فإنه علينا تنظيم وانتخاب مجالس شعبية محلية وإقليمية. يجب أن يمضي النضال قدما. إن شعارنا هو: ثورة حتى النصر!»

وبذلك كنا التيار الوحيد الذي طرح شعارات واضحة للحركة.

وفي مقالنا الذي نشرناه يوم 16 ماي 2011، كتبنا ما يلي:

«أيها الشباب/ الشابات أيها العمال/ العاملات أيها الشعب الكادح: إن النظام الرأسمالي الملكي الدكتاتوري لن يقدم لنا دستورا ديمقراطيا حقا، ولن يقدم لنا تنازلات جدية، فلا ثقة في وعوده ولا في لجانه ولا تنازلاته الكاذبة، علينا ألا نثق إلا في قوتنا وتنظيمنا ووحدة صفوفنا ونضالنا الثوري! علينا أيها الشباب المكافح من الآن فصاعدا أن نستعد للقمع بتنظيم لجان للدفاع الذاتي […] ومليشيات شعبية تحت رقابة الجماهير في الأحياء والمدارس والجامعات وأماكن العمل والمظاهرات».

كما دعونا إلى تنظيم إضرابات عامة وتشكيل جبهة عمالية موحدة بين كل التيارات اليسارية المكافحة على قاعدة مطالب حد أدنى على رأسها إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، إسقاط الحكومة والبرلمان، وإسقاط الاستبداد ومحاسبة كل المسؤولين عن القمع والفساد.

وبعد ذلك جاءت دعوتنا الواضحة والصريحة لمقاطعة التصويت في الاستفتاء على الدستور الممنوح حيث قلنا:

«يريد النظام القائم بهذا الدستور، أن يكرس الوضع القائم على الطغيان والحكم الفردي من خلال نشر الوهم بأنه قدم بعض التنازلات، من أجل شق صفوف الحركة الشبابية الثورية وتبرير القمع ضد جناحها الجذري. كما يريد أن يبعد الانتباه عن النضال الجاري في الشوارع والمعامل والجامعات إلى النقاش الدستوري والألاعيب القانونية لبعض المرتزقة الأكاديميين وراء الأبواب المغلقة.»

وقلنا إننا:

«لا نثق مطلقا في وعود النظام الدكتاتوري القائم ولا نراهن أبدا على أية إمكانية لإصلاحه من الداخل. إننا نعتبر أن المخرج الوحيد أمام عمال هذا الوطن وشبابه وكل الكادحين هو النضال الثوري من اجل إسقاطه واستبداله بنظام الديمقراطية العمالية المؤسسة على قاعدة المجالس الشعبية.»

كما أوضحنا أنه:

«دستور لا يعنينا نحن العمال/ات والفلاحين/ات والشباب/ات الثوري/ات، إنه دستور تكريس الدكتاتورية والحكم الفردي، كما أن نتيجة التصويت مقررة سلفا.»

وعليه فإننا دعونا الشعب المغربي إلى مقاطعة الاستفتاء الشكلي، وتصعيد النضال الثوري في الشوارع من اجل فرض مجلس تأسيسي تدعوا إليه وتراقبه الجماهير من خلال مجالسها ونقاباتها، بعد تطهيرها من عملاء البرجوازية، باعتبار ذلك الضمانة الوحيدة لبناء نظام ديمقراطي تأخذ فيه الطبقة العاملة وعموم الكادحين مصيرهم بين أيديهم.

مرحلة الحيرة

بعد خمسة أشهر على انطلاق الحركة، بدأ يظهر نوع من التردد على الحركة. حيث استفادت عدة جهات من غياب قيادة منتخبة ذات مصداقية وغياب الرؤية الواضحة لكي تبدأ في جر الحركة في الاتجاه الذي يخدم مصالحها، كما أن مخابرات النظام تمكنت من اختراق الحركة، ليس بالضرورة بواسطة عملاء محترفين، بل عبر القوى الاصلاحية وبعض الوصوليين الذين كان كل همهم تحقيق مكاسب شخصية على ظهر الحركة.

آنذاك شرحنا أنه قد حان الأوان لكي نطور طرق اشتغالنا وندقق في شعاراتنا ومطالبنا والبديل الذي نريد تحقيقه، وقد قلنا:

إن الملاحظ لتحركات النظام يرى أنه ما انفك يطور أشكال مواجهته للحركة ويغير طريقة تعامله معها […] بينما استمرت حركتنا تشتغل بنفس الطرق التي ابتدعناها منذ البداية. ولعل أبرز أوجه قصور الحركة كون المطالب التي طرحتها في بداياتها الأولى ما تزال لحد الآن بدون تدقيق كاف.»

وأكدنا أنه على الحركة أن «تحدد بشكل واضح ماذا تريده والبديل الذي تطرحه. فما المقصود بالديمقراطية؟ وماذا يعني كل مناضل/ة في الحركة وكل تيار بالدستور البديل؟ وما هو نظام الحكم المنشود؟».

وقلنا للشباب أن يحذروا «من دعاة “اللامبالاة” و”اللاتسيس”، لأنهم يمارسون بدعوتهم تلك أسوء أشكال السياسة: سياسة الخداع والتضليل». وأضفنا:

«أيها الشباب إن من لا يمارس السياسة تمارس عليه. وكل من لم يتعلم استشفاف المصالح الطبقية من وراء الخطابات “البريئة” و”اللامنتمية” سيبقى حتما ضحية ساذجة بين يدي محترفي السياسة والوصوليين. وعليه يجب علينا أن ننتمي بشكل واضح إلى طبقتنا ومصالح شعبنا الآنية والتاريخية، ونسهر على تثقيف أنفسنا بشكل جدي، ونتعلم تفكيك الخطابات السياسية واستشفاف المصالح الطبقية وراء كل خطاب سياسي، وكل شعار، الخ.

أيها الشباب عليكم أن تطالبوا كل التيارات السياسية داخل الحركة بأن تطرح برامجها والبديل الذي تمتلكه، وتدع لكم حق الاختيار بناء على دراستكم الخاصة وتجربتكم اليومية. لا تدعوا أحدا يقنعكم أن تيارا سياسيا معينا يدعم الحركة بدون هدف سياسي، أو يناضل إلى جانبها أو داخلها بدون تصور. وبالتالي فإن المطلوب هو أن يعمل الجميع على توضيح تصوراته.»

وفيما يخص القيادة نبهنا إلى خطر سيطرة أبناء الطبقة الوسطى على قيادة الحركة وأنهم سوف يعملون على المساومة بالحركة لخدمة مصالحهم الوصولية الضيقة، وشرحنا أن «القطع مع أبناء الطبقة الوسطى المدللين هؤلاء، الذين التحقوا بالحركة تحت تأثير الموضة والرغبة في كسر روتين حياتهم المترفة والرغبة في تحقيق مصالح أنانية، والمستعدين دائما للمساومة بها، سيشكل ربحا كبيرا للحركة. خاصة إذا صوحب بالعمل الدؤوب من أجل الانفتاح أكثر على شباب الأحياء العمالية الفقيرة والاتجاه نحو الطبقة العاملة..».

الموقف من العدل والإحسان

يشهد التاريخ أننا كنا أول وأكثر من انتقد جماعة العدل والاحسان وفضحنا ركوبها على الحركة، بينما كانت هناك تيارات يسارية تدعو إلى التحالف معها وكانت أخرى صامتة، الخ.

قلنا إن “دور اليسار الثوري داخل الحركة ليس البحث عن الوحدة مع تلك المكونات [التيارات الاسلامية عدل وإحسان وسلفيين الخ]، بل دوره، على العكس تماما، فضحها وجعل الجماهير تفهم التناقض بين مصالحها وبين مصالح تلك المكونات.”

وقلنا إن:

«تواجد اليسار الثوري في الحركة ليس تواجدا مع العدل والإحسان، أو غيرها من التيارات البرجوازية، أصولية كانت أو لبرالية، إنه تواجد مع الجماهير، وهذا هو ما يجب ألا يغيب عن ذهننا. وبالتالي عليه أن يتدخل في الحركة براية مستقلة، ويرفع مطالبه النابعة من هموم الجماهير وتطلعاتها، والمعبرة عن مصالحها الآنية والتاريخية، وإلا فإنه سيخون مهمته التاريخية، ويسقط في الذيلية للتيارات البرجوازية (بشكلها الأصولي أو اللبرالي)، وبالتالي لن تكون لمشاركته في الحركة أية فائدة.»

وفضحنا العدل والاحسان بكونها تيار رجعي ظلامي لا يؤمن بالديمقراطية. وعندما كانت الجماعة تزعم أنها تنظيم يؤمن بالديمقراطية وكانت بعض التيارات تصفق لها وبعض السذج يصدقونها قلنا إنه:

«يجب على كل قارئ جدي، يريد التعرف على المواقف الحقيقية والثابتة للجماعة، بعيدا عن التصريحات الصحفية المحكومة بأهداف تكتيكية، أن يعود إلى الكتابات التأسيسية للجماعة، الصادرة عن مؤسس الجماعة ومرشدها الأعلى عبد السلام ياسين. إن موقف الجماعة الحقيقي من الديمقراطية مصاغ بوضوح كبير في العديد من كتابات الشيخ ياسين، أما كل المزاعم الأخرى التي صرنا نسمعها مؤخرا على لسان بعض قادة الجماعة، فليست سوى محاولة لذر الرماد في أعين الشباب المتحرق إلى بناء دولة ديمقراطية حقيقية تقطع مع قداسة الحاكم والحكم الفردي المطلق. والدليل على ذلك هو أن الجماعة لم تقدم أي نقد لتلك المواقف الثابتة في تصورها ولا لصاحبها الذي يصل به أعضائها إلى درجة القداسة».

واستشهدنا في نفس المقال بكتابات مؤسس الجماعة الذي يعلن صراحة عداءه للديمقراطية.

كما فضحنا العلاقة الوطيدة الموجودة بين الجماعة وبين السفارة الأمريكية في الرباط. وكتبنا أن:

«لقاءاتهم مع الأمريكان تأتي في سياق تقديم التقارير الاستخباراتية والاستقواء بأمريكا للحصول على المكاسب فسفير الولايات المتحدة الأميركية بالرباط، صامويل كابلان، وبعد ان أكد وجود تلك اللقاءات، أو ما أسماه بـ “الاتصالات” بين الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة في سفارتها بالرباط، مع قياديين من جماعة العدل والإحسان. قال بأن: “لقاءات السفارة وأعضاء بجماعة العدل والإحسان تنظم بشكل سري، حتى يتسنى لأميركا تقصي واستطلاع الطرق التي تفكر بها الجهات المعارضة للسلطة بالمغرب”، مشيرا إلى أنه “ليس بالإمكان أن يكون كل المغاربة راضين عن نظام حكمهم”».

وكان موقفنا واضحا من هذه السياسة الرجعية وقلنا إننا:

«ليست لدينا أية ذرة ثقة في الإمبريالية، سواء الأمريكية منها او الأوربية أو غيرها. إننا نعتبر الإمبريالية عدوة للشعوب وراعية للدكتاتوريات والرجعية في كل مكان. كما أننا نرفض أي استقواء بالإمبريالية لتحقيق مكاسب من أي نوع. إن مكتسباتنا ثمرة شرعية لنضالاتنا إلى جانب شعبنا الكادح الطامح إلى الانعتاق من نير النظام القائم ومن نير الإمبريالية والرأسمالية. وسنناضل ضد أي تدخل في حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي ونضاله ضد النظام القائم، عميل الإمبريالية الوفي. كما سنناضل ضد كل التيارات، سواء الأصولية أو اللبرالية، التي تريد اغتصاب هذا الحق ووضعه بين أيدي الإمبرياليين الأمريكان أو الأوربيين او غيرهم».

ثم شرحنا أن «تعامل الجماعة مع الحركة (حركة 20 فبراير) ليس تعاملا نابعا من قناعة مبدئية حقيقية بمطالب هذه الحركة، أو نابعا من رغبة في تحقيق الديمقراطية والتقدم لهذا البلد وكادحيه، بل نابع فقط من الرغبة في تحقيق مكاسب أنانية رجعية». وحذرنا الشباب ورفاقنا في التيارات اليسارية الأخرى من خطر الرهان على هذه الحركة الرجعية.

وعندما قامت العدل والاحسان بالخروج من حركة 20 فبراير فضحنا أسبابها الحقيقية في مقال المغرب: انسحاب جماعة “العدل والإحسان” من حركة 20 فبراير: الأسباب ودور اليسار. فبعد أن أكدنا في البداية على أن:

«قرار جماعة ياسين الانسحاب من الحركة، لا يعنينا بشكل مباشر، كماركسيين، لأنه يخص تنظيما رجعيا معبرا عن الطبقة السائدة، تيار معادي للتقدم ومدافع شرس عن الملكية الخاصة والتبعية، وليس بالمطلق تيارا تقدميا ولا ديمقراطيا، كما أننا نعتبر أن انتمائه إلى الحركة في البداية كان مجرد تعبير عن طفولتها (الحركة) وأزمتها وتخلف وعيها…»

بل واعتبرنا أن انسحابهم من الحركة «يشكل، من وجهة نظر الماركسيين، محطة نوعية في سيرورة تطور الحركة النضالية، ونقطة تحول هامة في مستوى وعي شباب الحركة في طريق تخلصهم من أوهامهم حول التيارات الأصولية»، وأشرنا إلى دور السفارة الأمريكية في الرباط في جعل الجماعة تتخذ ذلك الموقف.

مرحلة الأزمة

عندما دخلت الحركة في مأزق بعد سنتين على انطلاقها كنا أول من فهم ذلك وقدمنا قراءتنا لذلك الوضع في مقال منظوراتنا، حيث كتبنا ما يلي:

«توجد الآن حركة عشرين فبراير أمام مأزق حاد. وبالرغم من أنها ما تزال مستمرة في العديد من المدن، إلا أنها فقدت الكثير من زخمها. إنها تعيش أزمة. وبدل شعور الفرح والتفاؤل الذي اجتاح الشباب في بداية الحركة، بدأ يظهر جو من التردد والشكوك والأسئلة.»

وشرحنا العوامل الموضوعية والذاتية وراء تلك الأزمة، ففيما يتعلق بالعوامل الموضوعية قلنا:

«إننا نعتبر أن أهم الأسباب التي أدت إلى دخول الحركة في هذا المأزق هي سيطرة أبناء الطبقات الوسطى منذ البداية على قيادة الحركة في أهم معاقلها، وخاصة الدار البيضاء والرباط. إن هؤلاء الشباب المدللون الذين نصبوا أنفسهم زعماء للحركة، دون أن ينتخبهم أحد، وجدوا أن من حقهم ليس فقط أن يحتكروا القرارات، بل أن يحددوا أيضا سقف الحركة ومطالبها، وأشكالها النضالية».

كما أضفنا أن:

«الأحزاب الإصلاحية بدورها لم تكن غائبة عن هذه السيرورة، فقد عبأت كما هي العادة دائما كل قواها لكي تنصح الحركة بـ “التعقل” و”الاعتدال”. وتحالفت مع النظام القائم في تقييد الحركة وخلق البلبلة في وسطها بنشر الأوهام حول الإصلاحات و”منافع” الملكية والدستور، الخ.»

ولم ننس الاشارة إلى الدور الرجعي المقيت الذي لعبته (وما زالت تلعبه) الجمعيات التنموية، حيث كتبنا:

«ومن بين العوامل الأخرى التي أدت إلى عزل الحركة عن قاعدتها وخاصة في الأحياء الفقيرة والقرى المهمشة هناك المنظمات “غير الحكومية” التنموية. […] ومن خلال عملها المكثف والذي ازداد نشاطا في الآونة الأخيرة تمكن النظام القائم من امتصاص عدد كبير من شباب تلك الأحياء والدواوير في “حفلات خيرية” و”مبادرات تنموية” الخ. وبالرغم من أن المهدئات لا تداوي السرطان فإنها تمكن المريض به من تحمل الألم لكي يموت في صمت فلا يزعج بصراخه الآخرين».

وكما أشرنا إلى:

«قدرة النظام على تغيير أقنعته والمزاوجة بين القمع والتنازلات الوهمية و[…] تقسيم الأدوار بين مختلف أبواقه وعملائه وأجهزته: جهاز القمع البوليسي لجأ إلى القمع الوحشي، بينما لجأ رجال الدين إلى محاربة الفتنة والحث على إطاعة أولي الأمر؛ أما الصحفيون اللبراليون والأكاديميون فقد قدموا لنا مقالات ومحاضرات مطولة حول “الشباب والتمرد”، و”الأحلام الطوباوية”، و”الاستثناء المغربي”، الخ؛ ولم ينسوا طبعا استدعاء “قيادات الحركة” إلى ندواتهم وبرامجهم التلفزيونية وفنادق الخمس نجوم؛ هذا إضافة إلى خرجات الملك المسرحية بتدشين صنبور ماء هنا وتقديم أغطية هناك، والتي توجت بـ “إصلاح الدستور” الذي سارعت كل الأبواق إلى اعتباره “ثورة حقيقية”، الخ. وقد تمكنت هذه المناورات من تقسيم الحركة وزرع البلبلة والغموض في صفوفها».

أما بالنسبة للعوامل الذاتية فقد حددناها في: “غياب التنظيم والوعي” واعتبرنا أن: «العامل المحدد هنا هو ضعف اليسار، وانتشار الأوهام والإصلاحية بين صفوفه». ودعونا إلى تجاوز هذه النواقص.

وحذرنا الشباب الثوري من أن:

«الثورة ليست مسيرة سعيدة تنتقل من انتصار إلى انتصار. إنها مرحلة كاملة من الأحداث العاصفة التي تتزامن خلالها الانتصارات والهزائم، وفترات الانفجار المدوي بفترات الهدوء الممل. وهذا بالضبط ما نعيشه اليوم على الصعيد العالمي. وليس المغرب بمنأى عن هذا القانون، لذا فإن ما نشهده اليوم من تراجع لحركة عشرين فبراير، ليس نهاية للثورة المغربية، إنه فترة في مسيرة، وسنشهد مستقبلا نهوضا ثوريا أقوى وأكثر تطورا وبمشاركة قوى أكثر جذرية: الطبقة العاملة، والفلاحون الفقراء، ونساء الأحياء الفقيرة والشباب الفقير».

نهاية مرحلة

عندما استنزفت الحركة قواها، كنا أول من فهم ذلك، وأول من عبر عنه صراحة، منذ 2013، في حين استمرت بقية التيارات الأخرى تظن أن الركود مؤقت واستمرت تلهت وراء إعادة إحياء الحركة. فبعد أن شرحنا في وثيقتنا “منظورات المغرب 2013” أن الحركة في شكلها المعروف قد انتهت أضفنا:

«إننا نعتبر أن حركة عشرين فبراير ستبقى نقطة مضيئة في تاريخ شعبنا، لكننا نعتبر أنها قد استنزفت. إننا سنستمر في النضال من أجل المطالب العادلة التي رفعتها، ومن أجل إطلاق سراح معتقليها ومعاقبة المسؤولين عن قتل مناضليها، كما سنستمر في التواجد في كل الأشكال النضالية الجماهيرية التي ستخرج باسمها. إلا أننا في نفس الآن نعتبر إنه من الخطأ إضاعة الجهد والوقت الثمين، الذي لا نمتلك منه الكثير، في الصراعات الهامشية والمناورات داخل اجتماعات فارغة، مع العصب أو مع “الزعماء” الذين لا ينام بعضهم قبل أن يضع تقريرا على مكتب أجهزة الاستعلامات. إننا وإن كنا نتفهم رغبة رفاقنا في التيارات اليسارية الأخرى (النهج الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد) ودوافعهم والمجهودات التي يبذلونها من أجل إنعاش الحركة وإعادة الحياة إليها، فإننا لا نتفق مع محاولات إبقائها بشكل مصطنع وتحويلها إلى صنم».

ثم أضفنا أن تاريخ المغرب شهد «تحركات ثورية عديدة بعضها وصل درجة حمل السلاح (جيش التحرير، الخ)، لكنها عندما استنفذت شروط بقاءها تم تجاوزها جدليا من طرف حركات أخرى. هذا هو قانون الصراع الطبقي، نفي النفي. إننا نعتبر موقفنا هذا دعوة منا للتيارات اليسارية الأخرى إلى الاستعداد للتحركات الثورية التي سيأتي بها المستقبل، بدل الانشغال بالصراعات الهامشية داخل اجتماعات العصب واستنزاف الطاقات». وقد أثبت التاريخ صحة موقفنا.

بعد توقف الحركة

كان لتراجع الحركة، كما توقعنا، تأثير مدمر على معنويات الكثير من الشباب والمناضلين، فعم الاحباط واليأس. لكننا حافظنا على رباطة جأشنا ولم نفقد البوصلة، فكتبنا في مقالنا “المغرب: حركة عشرين فبراير بعد أربع سنوات على انطلاقها” نشرح الوضع قائلين:

«الآن وبعد أربع سنوات، نشهد في كل مكان توقف الموجة التي تلت مباشرة فرار بنعلي، وعوض الفرح حل الحزن، وأحيانا التعب وحتى الإحباط بين صفوف الشباب الذي قاد النضالات في المرحلة السابقة. ناهيك عن الإصلاحيين واللبراليين، الذين كانوا ينتظرون هذه الفترة بالضبط لكي يأكدوا للجميع أنه لا أمل في التغيير، وأن كل ما يمكن الطموح له هو إدخال بضعة إصلاحات هنا وهناك. وقد إزداد هذا الجو الكئيب كثافة بشكل خاص عندما تمكنت الإمبريالية وعملاؤها في المنطقة، خاصة السعودية وقطر والقوى الأصولية بشتى أقنعتها، من تحويل مسار ثورات شعبية عديدة، في سوريا وليبيا، نحو مذابح همجية وحروب أهلية تهدد بتقسيم تلك البلدان وإعادتها إلى العصر الحجري. وفي المقابل نشهد ابتهاج قوى الثورة المضادة واستعادتها لثقتها في نفسها، حتى أنها بدأت تعمل على التراجع على كل التنازلات التي قدمتها إبان فترة المد الثوري الأخيرة، بل وتدمير اصلاحات كانت قد تحققت في مراحل سابقة بنضالات مريرة».

وأضفنا بكل ثقة:

«لكن وبالرغم من كل المظاهر، الحراك الثوري لم يتعرض للهزيمة. نعم خسرنا المعركة، لكن خسارة المعركة لا تعني الهزيمة، كما أن النضالات الشعبية لم تتوقف، صحيح أنها غيرت شكلها وأحيانا تفرقت إلى معارك مشتتة وبمطالب مختلفة وفئوية. لكنها لم تتعرض لهزيمة ساحقة، كما أن النظام القائم لم يحقق انتصارا ساحقا. وعندما يتوفر التصميم والعزم، خسارة المعركة في حد ذاتها ليست مشكلة، فالجيوش المنهزمة تتعلم أفضل من الجيوش المنتصرة. المهم هو أن نمتلك الرغبة في التعلم ونقد أخطائنا وتجاوزها. سبق لسبينوزا أن قدم نصيحة غالية، ما أحوج الشباب الثوري للتمعن فيها: “لا تبك، ولا تضحك، بل: فكر!“. نعم علينا الآن أن نفكر، نفكر في أوجه القصور في حركتنا والأخطاء التي ارتكبناها، وفي الشراك التي نصبها لنا أعداؤنا وسقطنا فيها، وفي الأصدقاء المزيفين الذين وثقنا فيهم، والنصائح المسمومة التي قدموها لنا فطبقناها، ونفكر كذلك في الآفاق.»

وأضفنا:

«يعلمنا التاريخ أنه دائما في فترة الركود والردة التي تعقب الثورات غير المكتملة تصاب فئات كثيرة بالتعب وبالاحباط، البعض يتخلى نهائيا عن النضال، بل ينقلب البعض ضد الأفكار التي ناضل من أجلها. لكن من يستمرون يتعلمون ويصيرون أكثر نضجا، وعندما يأتي المد من جديد وتنهض الجماهير مجددا إلى النضال، يلتقون بفئات شابة جديدة أكثر حيوية وأكثر نشاطا، ويبدأون مجددا».

منظوراتنا للمستقبل

نحن الماركسيون متفائلون بطبيعتنا، وتفاؤلنا هذا نابع من قراءتنا العلمية للواقع، لذا وبالرغم من أننا فهمنا أن حركة 20 فبراير قد انتهت فإننا قلنا: «إن النضال الثوري مسألة جدية ولا يحتمل البكاء على الأطلال، فلندع ما ينهار ينهار، ولنعمل على بناء أدواة النضال الثوري والتحضير الجدي للمحطة القادمة، القادمة حتما، والتي تحمل معها أبهى الوعود بالنصر والتغيير». قلنا إنه: «لا مجال لليأس، فالمستقبل للتغيير وليس للجمود. وليست هناك قوة في استطاعتها أن تجهض مشروعا صار ضرورة، مثلما هو مشروع التغيير الاشتراكي للمجتمع في عصرنا الحالي

وبالفعل جاءت محطات أخرى عديدة أثبتت بشكل كامل أن التاريخ لم يتوقف وأن الطبقة العاملة والشباب الثوري والجماهير الكادحة ستنهض للنضال من أجل تغيير الأوضاع وأخذ مصيرها بيدها، وكلما انهزمت مؤقتا كلما نهضت مجددا، بثقة أكبر وبوعي أكبر.

وما زال الواقع يحبل بأكبر الملاحم الثورية، فالنظام القائم بالمغرب يعيش أزمة عميقة وقد استنفذ رصيد الشعبية ولم تعد له أي شريعة في أعين الأغلبية الساحقة من الجماهير. كما الأزمة الاقتصادية التي يعرفها النظام الرأسمالي عالميا ومحليا لم تترك للحاكمين أي هامش مناورة. المستقبل للهجمات وسياسة التقشف وضرب المكتسبات من جانب الطبقة السائدة ودولتها، والنضال بمختلف الأشكال في المصانع والجامعات والأحياء العمالية والشوارع والقرى…

لنا كل الثقة في قدرة الطبقة العاملة والشباب الثوري على النضال وتحقيق الانتصار، لكن ما يؤجل النصر ويرفع من حجم التضحيات هو غياب القيادة الثورية والبرنامج الاشتراكي الثوري، وهنا تتلخص مهمة الشباب الثوري الواعي: فلنعمل على بناء القيادة الثورية لقيادة نضالات شعبنا نحو النصر وبناء مغرب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، مغرب الاشتراكية.

أنس رحيمي
20 فبراير 2019