في يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، اهتز العالم بخبر الهجوم الإرهابي الأكثر تدميرا في التاريخ. يُخشى أن يكون آلاف الأشخاص قد لقوا حتفهم وأصيب عدد أكبر بجروح، بعد أن اصطدمت طائرتان بأبراج مركز التجارة العالمي في قلب الحي المالي بنيويورك. بعد 18 دقيقة فقط من الانفجار الأول، وقع انفجار آخر عندما اصطدمت طائرة أخرى بالبرج الآخر.
يُعتقد أن الطائرتان كانتا طائرات ركاب، وأن إحداهما من نوع بوينغ 767 تابعة لشركة الخطوط الجوية الأمريكية كانت قد أقلعت من بوسطن. اصطدمت الطائرة الأولى في أحد الأبراج قبيل التاسعة صباحا (الثانية مساء بتوقيت جرينتش). وتصاعد الدخان من فتحة في البرج المكون من 110 طوابق، والذي دمر بالكامل. بعد فترة وجيزة، ضُرب البرج الآخر بطائرة مختطفة. وشوهد الناس وهم يقفزون من النوافذ في مشهد من الرعب المروع. يعمل حوالي 50.000 شخص في البرجين، إلا أنه يبدو لم يكن، في وقت الهجوم، سوى حوالي 6000 شخص – ومن الأرجح أن الكثير منهم قد مات أو جرح.
يعتبر المبنى من المعالم السياحية الشهيرة، وهو الأطول في نيويورك، ويضم مقرات العديد من شركات الخدمات المالية، وقد تزامن الهجوم مع وصول الموظفين والسياح إلى المبنى. وقد سبق أن تعرض المركز لعملية تفجير في فبراير 1993، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وجرح أكثر من 1000 آخرين. الآن لم يعد المركز موجودا فقد تحول إلى أنقاض مشتعلة.
ولم تتوقف الهجمات هنا. في حادثة أخرى، اصطدمت طائرة بمبنى البنتاغون في واشنطن العاصمة، واشتعلت فيه النيران. كما أعلن مسؤولو مطار مقاطعة سومرست، بولاية بنسلفانيا، أن طائرة كبيرة تحطمت شمال المطار على بعد حوالي 80 ميلا جنوب شرق بيتسبيرغ.
وورد أن طائرات مخطوفة أخرى تتجه إلى واشنطن. لتسود حالة من الرعب والهلع بشوارع واشنطن ونيويورك، فأغلقت الجسور والأنفاق، في نيويورك، وسط مخاوف من هجمات أخرى. فاجأت المآسي الأمة ودفعت المسؤولين، خوفا من المزيد من الهجمات، إلى إخلاء مبنى الكابيتول (البرلمان) والبيت الأبيض ووزارة الخارجية والمباني الفيدرالية الأخرى. ألغيت الرحلات الجوية في جميع المطارات الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد وقت قصير من الانفجار الذي وقع في مبنى الكابيتول، أمرت الحكومة الفيدرالية بإغلاق جميع المباني الفيدرالية في منطقة واشنطن، وفقا لمكتب إدارة شؤون الموظفين. واتُخذت خطوة إضافية بإغلاق المعالم الوطنية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك نصب واشنطن التذكاري وتمثال الحرية وقوس بوابة سانت لويس، من بين مواقع أخرى، وذلك وفقا لإدارة المتنزهات الوطنية (NPS).
لم يضيع المسؤولون الأمريكيون أي وقت لوصف الحادث بأنه هجوم إرهابي. يبدو أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) كان يحقق في تقارير حول اختطاف طائرة قبل وقوع الحادث. وقد عاد الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى واشنطن وعقد اجتماع طارئا لمجلس الأمن القومي. وقال إن الانفجارات كانت “أعمال إرهابية شنيعة وحقيرة” وأضاف إن “الإرهاب لن يتمكن من الانتقاص من روح أمتنا”. وللمرة الأولى في التاريخ الأمريكي، يأمر الرئيس بوقف بري وطني، وحظر جميع الرحلات الجوية المهددة بالإسقاط.
أمر الرئيس بوش بإجراء تحقيق شامل “لملاحقة الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الاعتداءات”. وقال قبل أن يطلب من جمهوره الوقوف دقيقة صمت والصلاة لأرواح الضحايا “لقد أمرت بأن تخصص الموارد الكاملة للحكومة الفيدرالية لمساعدة الضحايا وعائلاتهم”.
إن هذا العمل الإرهابي جريمة و يجب أن يدان – و لكن ليس للأسباب الكاذبة المقدمة من قبل بوش و بلير. يعارض الماركسيون الإرهاب الفردي لأنه ضار وﻻ ﻴﺨﺩﻡ ﺇﻻ الفئات الأكثر رجعية للطبقة الحاكمة. سوف يخدم هذا العمل البشع والدموي مصالح ﺍﻹﺤﺘﻜﺎﺭﺍﺖ ﺍﻠﻜﺒﺭﻯ والإمبريالية. سوف يطلق يد بوش للقيام بأي شيء يريده في الشرق الأوسط وعلى نطاق عالمي. وسوف يقبل ﺍﻠرأي العام في الولايات المتحدة أي سياسة رجعية في الداخل والخارج.
سيكون وقع هذا الحدث على الرأي العام الامريكي مماثل ﻠﺒﻴﺭﻞ ﻫﺎﺭﺒور، الذي أداﻧﻪ روزفلت علنا لكنه رحب ﺒﻪ سرﺍ. سيكون الشعب الأمريكي مستعدا الآن لقبول الأعمال الوحشية لما يسمى بمكافحة الإرهاب في الخارج، وأيضا التشريعات الرجعية واللاديمقراطية في الداخل. سيكون لها تأثير مماثل على الرأي العام الأمريكي بالنسبة إلى بيرل هاربور، الذي أدانه روزفلت علنا لكنه رحب به سرا.
من يقف وراء الهجمات؟
لم تعلن اي مجموعة حتى الآن مسئوليتها عن هذه الحوادث، لكن العديد من المراقبين يرجحون أن حركات في الشرق الأوسط قد تكون وراء العمليات. في ﺍﻠبداية تم توجيه أصابع الاتهام إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. الا أن الجبهة الديمقراطية نفت مسئوليتها عن ذلك فورا، وهذا صحيح بلا شك. فمثل هذا الهجوم الطموح الذي يتضمن عملية خطف متزامنة لأربع طائرات مختلفة على أرض الولايات المتحدة، يحتاج تخطيطا و ﺗﻧﻆﻴما كبيرين قد يستغرق اعداده شهورا ان لم يكن سنوات. في الحقيقة ﻠﻴﺲ لدى أحد من حركات المقاومة الفلسطينية القدرة اللازمة ﻤﻦ اﻠﺗﻧﻆﻴﻢ ﻮ الدعم المالي والبنية التحتية لشن مثل هذا الهجوم. من غير الممكن ﻣﻌﺭﻓﺔ من يقف خلف الهجمات الحالية بالضبط. فالهجمات السابقة التي نسبت إلى “إرهاب الشرق الأوسط” ﺍﺘﻀﺢ ﻓﻴﻣﺎ ﺒﻌﺪ ﺃﻧﻬﺎ كانت من عمل منظمات ﻳﻤﻴﻧﻴﺔ أمريكية.
وقال كريس ييتس، خبير الطيران في جين للنقل في لندن: “ربما يكون هذا أكثر الهجمات الإرهابية جرأة التي حدثت على الإطلاق في العالم. يتطلب الأمر عملية لوجستية من جماعات إرهابية لا تضاهى. ويوجد عدد قليل جدا من الحركات الارهابية مدرجة في هذه القائمة… ويأتي أسامة بن لادن على رأس القائمة.”
من الواضح أن هذا الهجوم يتماشى مع أهداف وأساليب بن لادن ولديه الوسائل اللازمة لتنفيذه. دعا بن لادن المسلمين في كل مكان لمهاجمة وقتل الأمريكيين. وحذر قبل ثلاثة أسابيع من “هجوم غير مسبوق” على المصالح الأمريكية بسبب دعم واشنطن لإسرائيل. لا شيء مشترك بين هذا الرجل وحركته والاشتراكية أو التقدمية، فهو يمثل أكثر ردود الفعل سعارا. ومع ذلك، لا يكفي الصراخ باتهام بن لادن. بل من الضروري شرح كيف ظهر ولماذا.
يجب ألا ننسى أن بن لادن تم تمويله، في الأصل، وتسليحه ودعمه من قبل الإمبريالية الأمريكية وأنه صنيعة وكالة الاستخبارات الأمريكية. فعندما كانت مصلحة واشنطن إثارة الأصولية الإسلامية كسلاح ضد الاتحاد السوفياتي، فإنها لم تتردد في دعم هؤلاء الرجعيين القتلة والمجرمين. طالما الضحايا بعيدين جدا – في أفغانستان أو في الشرق الأوسط- فإن هؤلاء المنافقين يغضون يصرهم. الآن يكتشفون فجأة أن بن لادن وأمثاله هم “أعداء الحضارة”. ولكن في هذه الحالة فإن تهديد الحضارة يجب أن يختم بـ”صنع في الولايات المتحدة الأمريكية!”.
كما ذكرنا، تم قصف المركز التجاري من قبل في عام 1993. وقال إيرا فوربر، المتحدث الرسمي السابق باسم المجلس القومي لسلامة النقل، “حدث ثانٍ يصعب تصديقه”. بالطبع فمن الواضح أن هناك العديد من العناصر الغامضة في هذا الغضب. كيف حدث أن الإرهابيين تمكنوا من شن مثل هذا الهجوم دون تنبيه وكالات الاستخبارات الأمريكية؟ مثل هذا المشروع الكبير يجب أن يشارك فيه عدد كبير من الأفراد، ومعدات تقنية معقدة ووقت طويل للاستعداد. كيف استطاع هذا الانفلات من رقابة المخابرات الأمريكية؟
يقال إنه من الصعب اختراق المنظمات الإرهابية. في الواقع، فإن العكس هو الصحيح. فوكالة المخابرات المركزية تحتفظ بملفات مفصلة على كل هذه المجموعات، ولا شك أن لديها عملاء ومتعاونين مزروعين في صفوف هذه الجماعات – بما في ذلك العملاء المحرضين، ذوي المواقف المتطرفة.
في الماضي، حققت أجهزة المخابرات نجاحا كبيرا في منع الهجمات الإرهابية. لكن هذه المرة يبدو أن هناك فشلا ذريعا وغير معقول. وقد علق خبراء الاستخبارات البريطانية أن فشل المخابرات الأمريكية في اكتشاف مثل هذه العملية على هذا النطاق الواسع، والذي يجب أن يكون قد تم التخطيط له وتنظيمه على مدى فترة طويلة، أمر مدهش للغاية وفي الواقع لا يمكن تفسيره.
كيف يمكن أن تكون المخابرات الأمريكية جاهلة وغير كفؤة لدرجة تسمح بمثل هذا الهجوم المدمر على مراكز التحكم للأمة؟ احتمال واحد لم يذكر – وهو أنه كان نتيجة استفزاز لم تكن عواقبه في الحسبان. في عالم غامض من المؤامرات والاستفزازات والاستفزازات المضادة التي تميز أنشطة أجهزة المخابرات، فمن غير المستبعد أن قسم من المؤسسة العسكرية الأمريكية قرر أن يسمح للإرهابيين بشن هجوم داخل أمريكا كوسيلة لتعزيز الدعم الشعبي لسياسة التسلح وإعادة التسلح العدوانية. هذا من شأنه أن يفسر الفشل المفاجئ للمخابرات الأمريكية، ويبدو من خلال الطبيعة المدمرة للهجوم أن الاستفزاز قد خرج عن نطاق السيطرة.
شيء واحد مؤكد. ستكون نتيجة الهجوم تقوية الإمبريالية واليمين في الولايات المتحدة الأمريكية. ومرة أخرى نرى النتائج الرجعية للإرهاب الفردي – ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺪﻴﻧﻪ الماركسيون دون اي تحفظ.
الآثار الاقتصادية
الآثار الاقتصادية للهجوم كانت فورية ومثيرة. فقد توقف التداول في بورصة نيويورك إلى أجل غير مسمى. تلى ذلك هبوط حاد في البورصات في لندن ومراكز التجارة العالمية الأخرى. 80% من الإنترنت معطلة، وشبكات الهواتف المحمولة عاطلة عن العمل، مما زاد من حالة من الذعر.
انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية قبل تعليق التداول إلى أجل غير مسمى قبل الافتتاح يوم الثلاثاء. وبسرعة انخفضت الأسهم في أوروبا بأكثر من 6%، مع تراجع مؤشر FTSE Eurotop 300 الأوروبي بنسبة 4,5% بعد ان حقق مكاسب في وقت سابق. وقال أندرو ميليجان، رئيس الاستراتيجية العالمية في شركة ستاندرد لايف إنفستمنتس في إدنبره: “سيتساءل المستثمرون عما إذا كانت هذه بداية حملة إرهابية على الولايات المتحدة. وتستهدف المؤسسات البارزة”. وقال أحد المتداولين في الأسواق الناشئة في نيويورك: “لا توجد أسعار. لا توجد تجارة. جميع الوسطاء نزلوا الى مركز التجارة، لذلك لا توجد أسعار”.
كان من المتوقع انخفاض الأسهم الأمريكية بعد الافتتاح المتأخر، في حين تأثرت أسهم شركات التأمين بشدة بفعل المخاوف من الالتزامات الضخمة. وقال ستانلي نابي، العضو المنتدب في صندوق كريدي سويس الأول ببوسطن، الذي يدير استثمارات تبلغ 110 مليار دولار “عندما يفتح السوق، سيكون هناك انخفاض كبير، وأعتقد أنه سيفتح ببضع مئات من النقاط على مؤشر داو جونز على الأقل. هذا أمر لا يصدق على الاطلاق”.
وقال مايك لينهوف من شركة جيرارد للتأمين: “إنها كارثة. السوق بأكمله في حالة من الفوضى. لقد تم قصف البنتاغون ولا أحد يعرف بالفعل ماذا سيكون رد السياسة الأمريكية، التي أعتقد أنها ستكون شديدة جدا، بمجرد أن يتأكدوا من المسؤول”.
تم تسجيل هبوط حاد في الأسهم الأمريكية والدولار الأمريكي مع ارتفاع الطلب على سندات الملاذ الآمن، على اثر قيام المستثمرين بالبحث عن ملاذات آمنة في هذا الأوقات المضطربة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب والنفط والفرنك السويسري في أعقاب هذه الحوادث. ودخلت بورصة لندن للأوراق المالية على الفور في هبوط حر، فقد انخفض مؤشر لندن فوتسي (FTSE) بـ200 نقطة، وتكررت انخفاضات مماثلة في جميع البورصات الأخرى. ارتفع سعر النفط بدولارين للبرميل. كما تم بسرعة اخلاء مباني كثيرة في مدينة لندن خشية هجوم محتمل.
في أوروبا أيضا، انخفضت عائدات الديون الحكومية الأوروبية قصيرة الأجل إلى أدنى مستوى لها منذ عامين. وتسببت الكارثة في انخفاض سيولة اليورو من سوق سندات الشركات باليورو مع فرار المستثمرين إلى سندات حكومية آمنة. في الواقع كان المستثمرون جد متوترين قبل الهجمات، أما الآن فقد دخل عنصر جديد إلى المعادلة.
انخفض الدولار أمام كل من اليورو والين بعد الانفجار. فعادل اليورو 0,9050 دولار، مقارنة بـ 0,8978 دولار قبل الانفجارات الأولى.
ارتفع الفرنك السويسري لفترة وجيزة إلى 1,4901 مقابل الدولار، من مستويات الافتتاح حول 1,6882، لكنه تراجع بسرعة إلى حوالي 1,66. وارتفعت أسعار النفط الخام (برنت IPE) في العقود الآجلة بأكثر من ثلاث دولارات ونصف الدولار لتتجاوز 31 دولارا للبرميل، بينما ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من ستة دولارات، أو 2%، إلى 278,00 دولارا / 280.50 دولارا للأوقية. وعبر أحد المعلقين في لندن عن قلق المستثمرين:
“لا أعتقد أنه يمكن للمرء أن يتحدث بعقلانية عن سلوك السوق. تماما كما نتحدث، انخفض سوق المملكة المتحدة بمقدار 20 إلى 30 نقطة – هذه تحولات سريعة للغاية. وستنخفض قيمة البنوك وشركات التأمين أكثر من غيرها – أي شيء يتعرض له. ستنتعش أسهم النفط بشكل جيد وأسعار النفط في ارتفاع، حيث يبلغ سعر النفط الآن ما يقرب من 30 دولارا (20 جنيها إسترلينيا) للبرميل مقارنة بـ 27,50 دولارا في وقت سابق من هذا الصباح”.
قوة الدولار – بالنظر إلى ضعف الاقتصاد الأمريكي – تتحدى قانون الجاذبية. لقد كان ينظر إليه حتى الآن كملاذ آمن في فترة عدم الاستقرار العالمي. في مرحلة معينة، لا بد أن ينقلب هذا بشكل عكسي حيث سحب المستثمرون الأجانب أموالهم من أمريكا، مما أثار زيادة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودفع الاقتصاد الأمريكي إلى الركود. ومن المرجح أن موجة الركود قد بدأت بالفعل.
فبعد ما يقرب من عشر سنوات من الانتعاش في الولايات المتحدة الأمريكية، يحلق الاقتصاد العالمي الآن على حافة ركود خطير. واتضح أن العولمة، في حقيقة الأمر، هي أزمة عالمية للرأسمالية. فالسبب الكامن وراء الأزمة الرأسمالية هو فائض الإنتاج. فبمجرد أن تصل الدورة الاقتصادية إلى النقطة الحرجة حيث يتحول التراكم الكمي إلى نقلة نوعية، حيث يمكن لأي حادث أن يدفع الاقتصاد الموجود على حافة الهاوية إلى الركود. كان هذا هو حدث مع صدمة النفط في 1973-1974. إنه من الضروري أن نذكر أنفسنا بأن ارتفاع سعر النفط مرتبط بالأحداث في الشرق الأوسط. الآن يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه.
فوضى العالم الجديدة
بين عشية وضحاها، تبين أن أعظم بلد عرفه العالم على الإطلاق هو عملاق ساقاه ﻤﻥ طين. وتبين أيضا أن أقوى دولة عسكرية شهدها العالم عاجزة في مواجهة الإرهاب. قبل الحرب العالمية الثانية، توقع ليون تروتسكي أن الحرب ستنتهي بانتصار الإمبريالية الأمريكية، لكنه أضاف أن الولايات المتحدة سيكون لها ديناميت في أساساتها. لقد أصبحت هذه الكلمات التنبؤية حقيقة. منذ عشر سنوات، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وعد أب الرئيس بوش بإقامة نظام عالمي جديد. هاهو الواقع الآن ﻳﻧﺘﻘﻢ وبقوة.
لقد أحدث اغتصاب هذا الكوكب من قبل الشركات الكبرى عالما محفوفا بالبؤس والحرب والفوضى، والتي أثرت الآن على قلب الإمبريالية العالمية. هذا هو السبب الحقيقي للبشاعة الحالية. إن الإرهاب المتمثل في الجوع والمرض والبؤس والاستغلال والقمع في جميع أنحاء العالم الذي يرزح فيه الملايين من الرجال والنساء والأطفال يوميا، هو السبب الجذري للاضطراب وعدم الاستقرار الذي يجتاح الكوكب في فجر القرن الحادي والعشرين.
أوضح صورة لهذا ما يحدث في فلسطين، حيث يتعرض سكان الضفة الغربية وغزة يوميا للهجمات الدموية للإمبريالية الإسرائيلية، وهدم منازلهم، وقتل شبابهم، وقطع أرزاقهم. فهل هناك ما يدعو للعجب من أن قطاعات من الشباب الفلسطيني قد دفعت إلى اليأس؟ هل من المستغرب أن هناك كراهية عميقة للإمبريالية الأمريكية التي تدعم إسرائيل وتلتزم الصمت عن كل هذه الفظائع؟ أين إدانة الرئيس بوش عندما قتل الإسرائيليون زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في هجوم صاروخي؟ أين كان كل الحديث عن “الهجوم على الحضارة” عندما كان المئات من المدنيين الفلسطينيين يقتلون ويشوهون على يد الجيش الإسرائيلي؟
كل هذا كان له أفظع الآثار على وعي الجماهير الفلسطينية. ساعات بعد الهجمات، وردت أنباء عن احتفالات في شوارع نابلس بالضفة الغربية. المعاناة الفظيعة التي لحقت بالشعب الفلسطيني من قبل الإمبريالية الإسرائيلية، المدعومة من واشنطن، هي ما يثير رد فعل كهذا. لكنه رد فعل مضلل جدا. إن مشاهد الشباب الفلسطينيين يعبرون، على شاشات التلفزيون، عن مساندتهم قتل مئات المدنيين الأمريكيين ستلحق أضرارا بالغة بالقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية ودوليا. إن التعاطف الذي كسبوه بين عمال الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى بسبب معاناتهم على أيدي المضطهِدين الإسرائيليين سوف ينسى في موجة من الاشمئزاز، والتي سيستخدمها الرجعيون الأمريكيون في إثارة شعور معاد للعرب والفلسطينيين. مما يمهد الطريق لموجة قمع وحشية جديدة ضد الفلسطينيين، والتي ستكون أكثر قبولا لدى الرأي العام العالمي، وإن تم ادانتها سابقا.
سيتعين على الأمريكيين شن هجوم على بعض الدول العربية – على الأرجح العراق. سوف يحتاجون إلى تعاون المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ ذلك. وهو ما من شأنه يقوي قبضة إسرائيل، وليس أن يضعفها. سيضر ذلك بقضية الفلسطينيين ولن يساعدها. وهنا يكمن الطابع الرجعي لرد الفعل هذا. على المرء أن يكون أعمى حتى لا يرى ذلك.
على الرغم من تأثيرها المذهل، فحتى أفضل الهجمات الإرهابية لا يمكن أن تنجح أبدا في تدمير الإمبريالية أو حتى إضعافها بشكل خطير. استغل جورج روبرتسون، سكرتير الناتو، الهجوم على الفور للدفاع عن زيادة القوة العسكرية للناتو. عواقب الهجمات الحالية ستكون خطيرة ورجعية. ستتعرض الإمبريالية الأمريكية للضغط من أجل الانتقام ولن تشعر بالضيق بشأن الضحايا الذين تستهدفهم. في الواقع، كانت هناك محاولات لإلقاء اللوم على العراق على هذه الهجمات الفظيعة. سيكون الرد بالقصف و التدمير من جديد، مما يضيف إلى هذه الدوامة الجهنمية مزيدا من القتل و القتل ﺍﻠﻣﻀﺎﺩ. فيما يتعلق بشعوب الشرق الأوسط، فإن الحادث الحالي لن يساعدهم في محنتهم. لن يستفيد الشعب الفلسطيني من هذا الهجوم. سيندفع الإمبرياليون الأمريكيين إلى أحضان إسرائيل. ووحشية هذا الأخيرة ضد الفلسطينيين ستكون “مبررة” بسبب التهديد الإرهابي المزعوم.
فبعد الهجوم الإرهابي على السفارات الامريكية في إفريقيا، قصف الإمبرياليون الأمريكيون ليبيا والسودان، رغم أن أيا من هذه الدول لم يكن له أي علاقة بذلك الهجوم. من المرجح أن يعودوا الآن لقصف شعب العراق الذي لا حول له ولا قوة – كما لو أن هناك جريمة دموية تبرر جريمة أخرى. وبهذه الطريقة، سوف يفاقمون جميع التناقضات على مستوى عالمي، وسيقع ضحايا جدد وكراهية جديدة – مما يضيف المزيد من الوقود لوقوع أعمال إرهابية جديدة. هذا ما يسمونه “الدفاع عن الحضارة”.
قال لينين ذات مرة إن الرأسمالية هي الرعب بلا نهاية. خلال السنوات الأخيرة، كان الأمريكيون والأوروبيون يتسلحون إلى آخر مستوى، بهدف التدخل ضد حركة الجماهير في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، كما في خطة كولومبيا المزعومة. إن الوحشية الحالية ستعني المزيد من التسارع في هذا البرنامج العدواني للتسلح. هذا لا يبشر بأمر إيجابي للعمال والفلاحين في العالم، ولكنه مجرد مظهر آخر من مظاهر الأزمة الرأسمالية المتشنجة على نطاق عالمي. وعلى حد تعبير المؤرخ الروماني تاسيتوس: “عندما صنعوا الهمجية، أطلقوا عليها اسم السلام”.
تيد غرانت وآلان وودز
لندن، 11 سبتمبر 2001.
عنوان ومصدر المقال بالانجليزية: