من قتل موسى عرفات ولماذا؟

«الصوت صوت يعقوب (شارون) لكن اليدان يدا إسحاق» (محمد دحلان وزير الشؤون المدنية الفلسطيني).  

موسى عرفات

   قبل يومين وعلى الساعة الرابعة صباحا، هاجم عشرات من الرجال المسلحين منزل موسى عرفات (ابن عم الراحل ياسر عرفات) في غزة والذي يتواجد بالقرب من منزل الرئيس ابو مازن. وبعد 45 دقيقة من تبادل إطلاق النار، عملوا على إخراجه الى الشارع وقتله.

   مباشرة بعد ذلك، خرجت الينا وسائل الاعلام البرجوازية، بخبر تبني العملية من طرف لجان المقاومة الشعبية – المعروفة أيضا باسم كتائب الناصر صلاح الدين-. وحسب الصحيفة الاسرائيلية هآرتس (عدد 7 شتنبر 2005) : «تبنت لجان المقاومة الشعبية المسؤولية في قتل موسى عرفات واختطاف نجله، منهل، الذي يشغل منصبا رفيعا في صفوف قوات الأمن الفلسطينية. وقد صرح ناطق باسم لجان المقاومة الشعبية بأن منظمته “تقوم باستجواب نجل موسى عرفات حول جرائم والده وسوف تحاكمه طبقا لشرع الله”.».  

   من المثير للاستغراب أنه وطيلة 45 دقيقة من تبادل إطلاق النار، لم يظهر لأي شرطي وجود في مكان الحادث. كيف يمكن لهذا أن يحصل؟ الإشارة الأولى جاءت من عند اللواء ماهر فارس، مدير المخابرات العسكرية في نابلس، الذي شكك في قدرة ميلشيات الناصر صلاح الدين على القيام بمثل هذا الهجوم. وقد صرح في حوار له مع الجزيرة (7 شتنبر 2005) قائلا : «لقد استعملت في العملية قاذفات صواريخ وأجهزة تفجير. وتواصلت المواجهات حوالي 45 دقيقة، بالرغم من قرب منزل موسى عرفات إلى مقر إقامة الرئيس عباس والكثير من مقرات ومنازل مسؤولي أجهزة الأمن الفلسطينية… إن هذا يبين تقصيرا واضحا من طرف وزارة الداخلية الفلسطينية وجميع الأجهزة الأمنية في المنطقة».

   في نفس الليلة، أخبرتنا نفس وسائل الإعلام أنه وبعد لقاء مع مسؤولين من مصر والسلطة الفلسطينية، تراجعت لجان المقاومة الشعبية عن تصريحها.

   إن ما تناست وسائل الإعلام الرأسمالية، بكل راحة ضمير، الإشارة إليه، طيلة اليوم (لكنها صارت مجبرة على الاعتراف به لاحقا) هو أن المنظمة التي تبنت العملية، ليست سوى مجموعة صغيرة من غزة، منشقة عن المنظمة الرئيسية المتمركزة في رفح، وأن الشخص الذي قرأ البيان، أبو عبير، كان قد جرد من صلاحيته كناطق رسمي باسم اللجان منذ شهور مضت.

   لقد كان موسى عرفات شخصية مكروهة من طرف العديد من الفلسطينيين، بسبب فساده وقسوته. وعندما صار على رأس المخابرات العسكرية أصبح صديقا مقربا لكمال حامد، المقاول الثري والشهير بتعاونه مع إسرائيل والذي هو من أمد ابن عمه، أسامة حامد، بالهاتف النقال الذي استعمل في عملية اغتيال “المهندس” يحيى عياش.  

   لقد كانت للعديد من الجهات الدوافع لاغتيال موسى عرفات، لكن الدوافع وحدها لا تكفي، إذ أن عملية الاغتيال تتطلب توفر الوسائل والحماية من طرف أجهزة السلطة في غزة، حتى يمكن تنفيذها بدون إزعاج.

   ليس من الصعب جدا معرفة من يمكنه تحقيق ذلك. يوم 16 غشت كتبت مراسلة الهآرتس، أميرة هاس(Amira Has)، تقول: «كان الآلاف من رجال الشرطة الفلسطينية حاضرين لمساعدة الإسرائيليين في الانسحاب. لكن عندما كانت “فرق الموت” التابعة لدحلان، التي كانت ترتدي السواد وتحمل الكلاشينكوف، تعمل على إرهاب جماهير غزة، لا أحد وجد لرجال الشرطة هؤلاء أي أثر».

   يوم أمس، كتب آرنون ريغولار (Arnon Regular) في صحيفة هآرتس مقالا يمكننا من المزيد من المعطيات، إذ يقول: «إن السؤال الوحيد الذي يمكننا الإجابة عنه الآن هو: من يستفيد أكثر من عملية الاغتيال؟ والجواب هو: وزير الشؤون المدنية الفلسطينية، محمد دحلان، قائد أجهزة الأمن الوقائي، ورئيسها رشيد أبو شبك، الذي خاض، طيلة السنتين الماضيتين، حربا معقدة وشرسة ضد موسى عرفات وسيده ياسر عرفات».

   طيلة السنتين الماضيتين تواجهت “فرق الموت” التابعة لضابط الأمن الوقائي، نبيل تموس، وغيرها من فرق المرتزقة في قطاع غزة، بشكل مستمر مع “فرق الجحيم” التابعة لنجل موسى عرفات، الذي أختطف يوم أمس، عندما قتل أبوه. قبل هذه العملية نفذت ثلاثة عمليات، على الأقل، ضد حياة موسى عرفات، والجانبان معا تورطا في العديد من المواجهات ومعارك الشوارع في القطاع طيلة الفترة الماضية.  

   إن الجهات التي تقف وراء دحلان ليست خافية على أحد. لقد سبق لإذاعة بي بي سي أن أعلنت، يوم 23 ابريل 2003، أن «القائد السابق للأمن الوقائي، في قطاع غزة، هو واحد من أصغر القادة الفلسطينيين سنا، ويحوز على ثقة الولايات المتحدة وإلى حد ما ثقة إسرائيل. إنه، حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، الفلسطيني الوحيد الذي، إلى جانب ياسر عرفات، جلس في اجتماع خاص مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق، بيل كلينتون. إن السيد دحلان واحد ممن تعتقد إسرائيل أنها قادرة على التعامل معهم».

   هل من الممكن أن تكون للوزير الأول الإسرائيلي، آرييل شارون، مصلحة في اغتيال موسى عرفات؟ إن أي واحد لديه معرفة بمجازر صبرا وشاتيلا، يمكنه أن لا يستبعد، على الأقل، توجيه أصابع الاتهام.

   ما هي إذن طبيعة الصفقة التي يمكن أن تكون الحكومة  الاسرائيلية قد عقدتها مع دحلان في هذه الحالة؟

   يمكن إيجاد تفسير لهذا في مقال كنت قد كتبته، يوم 21 غشت 2005، تحت عنوان: “إسرائيل: الانسحاب من غزة… هل هو خطوة نحو السلام؟” أشرت فيه إلى ما يلي:

«إن التوتر يتزايد لا سواء داخل فتح أو بين فتح وحماس. وقد قام فاروق قدومي، رئيس اللجنة المركزية لفتح ورئيس القسم السياسي، بإرسال أمره من تونس، لتطهير قوات الأمن الفلسطينية من جميع القادة والمستخدمين التابعين لدحلان، الذي يعتبر خادم الإمبريالية البريطانية والأمريكية. كما أمر بأن يتم تعويض جميع هؤلاء بقوات جديدة تكون مخلصة كليا للنضال الفلسطيني الثوري. إن هذا تحد واضح للسلطة الفلسطينية ولأبي مازن (عباس)، الذي يزداد عدد الفلسطينيين الذين يعتبرونه عميلا لشارون. إن هذا البيان يجد الدعم من طرف قوى المعارضة المسلحة في غزة.  وقبل أسبوعين، دعا أيضا إلى تشكيل ميليشيا شعبية تضم جميع القوى المعارضة لأبي مازن.  تشمل الدعوة أعضاء من فتح، التنظيم، وأشخاصا من أمثال موسى عرفات، الذي يمتلك نوعا من السيطرة على المخابرات العسكرية. وقد حدثت طيلة الأسابيع القليلة الماضية مواجهات مسلحة بين القوات الموالية لدحلان والقوات المناوئة له.

فلنوضح الأمور. إن عملية الانسحاب من غزة ليست سوى قطعة عظم رمتها، الإمبريالية الأمريكية، للجماهير في محاولة يائسة لتحقيق سلام مصطنع، في الوقت الذي تواصل فيه احتلال العراق وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل بناء المستوطنات في الضفة الغربية. لقد وصلت “خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط” إلى الإفلاس التام، وبسبب الاضطراب الذي ينشره الوضع في العراق كالوباء في كل المنطقة، صارت الولايات المتحدة تصارع بيأس للظهور بمظهر من يقوم بشيء ما، أو بمظهر من يحاول إطفاء النيران.

   إن الانسحاب من غزة سوف لن يؤدي سوى إلى نشر المزيد من الانقسامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بل لقد أدى أيضا إلى تسعير التوتر بين صفوف الفلسطينيين أنفسهم. سوف تلاحظ الجماهير أنه، في الوقت الذي تنسحب فيه إسرائيل من غزة، تقوم ببناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية. إن هذا سوف يزيد من إيقاد الرغبة، بين الفلسطينيين، إلى استعادة كل من الضفة والقدس الشرقية. مما سوف يدفع بالعديد منهم إلى أحضان الميليشيات. هذه الميليشيات التي بدأت منذ الآن في القيام باستعراضات للقوة. سوف يتم رفع اليد الإسرائيلية القوية عن غزة وستعوض بسلطة أبو عباس العميلة، التي سوف تكون مجبرة على السيطرة على الميليشيات لتعيش إسرائيل في سعادة.

   سيبث الانسحاب الانقسام حتى بين صفوف الإسرائيليين أنفسهم. لقد قسم الانسحاب إسرائيل بشكل لم تشهده من قبل. يحاول كل من بوش وشارون، وكذا أبواقهم في الصحافة البرجوازية، تصوير الانسحاب من غزة وكأنه خطوة ملموسة نحو السلام. بل ويهمس البعض حتى بأنها سوف تكون خطوة نحو بناء دولة فلسطينية. إن خطة فك الارتباط لن تحقق أي شيء من هذا. فالسلطة الفلسطينية، بتحولها إلى يد للدولة الإسرائيلية، سوف لن تجد القوة لممارسة سلطتها. إن الانسحاب من غزة سوف لن يؤدي سوى إلى إشعال المزيد من المواجهات.

 لا يوجد هناك من سبيل لكي يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون في سلام، ما دامت الرأسمالية موجودة. إن الدولة الإسرائيلية، مدعومة بالإمبريالية الأمريكية، سوف لن تتنازل أبدا عن القدس الشرقية، سوف لن تتوقف عن توسيع مساحات المستوطنات، سوف لن تحل قضية ألاجئين، وسوف لن تحرر جميع المعتقلين الفلسطينيين. إن الطريق الوحيد الذي سيقود إلى كسر هذه الحلقة الجهنمية الدموية، هو طريق البلشفية، طريق لينين وتروتسكي : طريق الثورة الاشتراكية وإقامة فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط، حيث سيتمكن جميع القوميات، من الأكراد والإسرائيليين حتى الفلسطينيين، من امتلاك مناطق حكمها الذاتي داخل هذه الفدرالية. هذا هو الطريق الحقيقي نحو السلام.»

يوسي شوارتز
الجمعة، 09 شتنبر 2005

العنوان الأصلي للنص بالإنجليزية:

Who assassinated Mussa Arafat and why?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *