الرئيسية / قضايا نظرية / الأصولية الإسلامية / الإسلام و أمريكا ….أصدقاء أم خصوم؟

الإسلام و أمريكا ….أصدقاء أم خصوم؟

إن الشراسة التي ميزت الهجمة الإمبريالية مند وقوع أحداث 11 شتنبر 2001، لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. إذ ما دامت أزمة الرأسمالية مستمرة، ستستمر حملات الغزو الإمبريالي، تحت مختلف الأشكال وفي مختلف بقاع العالم. وسوف يصاحب هذا، انحطاط إيديولوجي وتراجع للقيم الإنسانية. وليس الستار الذي يتم إخفاء هذه الاعتداءات الإمبريالية تحته والتفسيرات التي تعطى لتبريرها، مظللة وحسب، بل خاطئة كليا وخدّاعة.

خريطة صدام الحضارات لهنتنغتون

لقد حاول اثنان من “المثقفين” الإمبرياليين تقديم أساس “إيديولوجي” لهذه الاعتداءات الإمبريالية المتواصلة. أحدهم هو فرانسيس فوكوياما والآخر هو صمويل، ب، هنتنغتون. (وكلاهما سبق له الاشتغال في مكاتب المصالح الخارجية الأمريكية). إذ مباشرة بعد انسحاب الجيش السوفياتي من أفغانستان، سنة 1989، خرج فرانسيس فوكوياما، إلى العالم بأطروحته السيئة الذكر: “نهاية التاريخ” على شكل كتاب.

 وفي صيف 1993، قام هنتنغتون (الذي سبق له أن اشتغل مستشارا للسياسة الأمريكية في فيتنام خلال فترة الرئيس جونسون واصبح فيما بعد مديرا لمعهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد) بوضع أطروحته “صراع الحضارات” في مجلة فورين افيرز Foreign Affairs.

في الظاهر، تبدو هده الأطروحة وكأنها كتبت على شكل نقد لأطروحة فوكوياما “نهاية التاريخ”، لكننا إذا ما دققنا فيها يتبين لنا أن أهدافها هي نفس أهداف أطروحة فوكوياما: تبرير الهيمنة العنيفة للإمبريالية الأمريكية.

لقد أصبحت أطروحة هنتنغتون، “صراع الحضارات”، اكثر شهرة بعد أحداث11 شتنبر 2001. إذ لم تعد تستعملها الإمبريالية الأمريكية وحدها، بل حتى الأصوليين الإسلاميين استفادوا منها هم أيضا. يقول هنتنغتون في نقده لأطروحة فوكوياما: «بالرغم من أن هزيمة الشيوعية قد وضعت نهاية للصراع الإيديولوجي، فان ذلك لا يعني نهاية التاريخ. فالان وبدل الصراعات السياسية والاقتصادية، سوف يهيمن الصراع الثقافي على العالم وسيواصل تقسيمه».

إن الثقافات التي يشير إليها هنتنغتون في أطروحته، هي الحضارة الغربية والكنفوشيوسية (الصينية واليابانية) والإسلامية والهندية والأرثوذكسية السلافية (الروسية.. الخ) والحضارة الأمريكية اللاتينية وربما الحضارة الإفريقية. لقد استعمل كلمة “ربما” في حديثه عن الحضارة الإفريقية، لأنه لا يعتقد أن الأفارقة أناس متحضرون!

وقد أعلن أن الدين يشكل رمز القيم الاجتماعية لدى هده الحضارات. إذ يقول: «إن الدين هو القوة المركزية التي تحافظ على بقاء الناس مبادرين ونشيطين». إن الانقسام الرئيسي اليوم، حسب أطروحته، موجود بين «الغرب ضد الآخرين». وعليه فان الغرب «أي أمريكا في واقع الأمر» يجب أن يظل مستعدا لسحق الحضارات الأخرى بواسطة القمع المسلح. كما أضاف بان اخطر الحضارات، على الحضارة الغربية، هي الحضارة الإسلامية والحضارة الكونفوشيوسية (أي النفط والصادرات الصينية ). ليختم أطروحته قائلا: «إن العالم ليس عالما واحدا. فالحضارات توحد وتقسم البشر. إن الدم والمعتقدات هما الأساس الذي عبره يحدد الناس هويتهم ومن اجل هذه الأشياء سوف يقاتلون ويموتون».

ليست هذه الأفكار والتحاليل، مصدرا للقوة بالنسبة للسياسة العدوانية التي ينهجها حكام أمريكا وحدهم، بل أيضا مبعث سرور للأصوليين والسياسيين الرجعيين والجنرالات. إذ أن كلا الطرفين “المتصارعين” يستغلان تلك الأفكار إلى أقصى الحدود. ليذهب ملايين العمال والمسحوقين ضحايا للدمار والمآسي الناتجة عن تلك الصراعات.

لقد استشاط فرانسيس فوكوياما، من جهته غضبا ضد منتقده لكون هذا الأخير استخلص من أطروحته انه قد ألغى احتمال حدوث الصراعات إلى الأبد. وقال بان منتقده لم يكن قادرا حتى على فهم فلسفته التي استمدها من هيغل. وقام بنشر شرح لأهدافه الحقيقية على شكل “رسالة مفتوحة” إلى بوش، يوم 12 شتنبر 2001، وقعها إلى جانب مثقفين آخرين من أمثال وليام كريسطال William Crystal، جون كيركبتريك Jean Kirkpatrick وريتشارد بيرل Richard Pearl ومارتن برايرز Martin Prayers ونورمان بودوريز Norman Podorize وآخرون ممن يعتبرون المدافعين عن الثقافة الإمبريالية.

في هذه الرسالة نجد «التأكيد على ضرورة اعتقال أو قتل أسامة بن لادن». وقد نبهت الرسالة الرئيس بوش، إلى ضرورة اجتياح العراق وإسقاط صدام حسين، لان عدم القيام بهذا سوف يعني «هزيمة سريعة وحاسمة واستسلاما أمام الإرهاب العالمي». من الضروري القيام بهذا، حتى لو لم يتوفر أي دليل على وجود علاقة للعراق بهجوم 11 شتنبر. إن هذه الرسالة المفتوحة التي كتبها الأستاذ، صاحب أطروحة “نهاية التاريخ”، دليل واضح على الانحطاط الفكري الكامل لدى المفكرين والمثقفين البرجوازيين، وهو الانحطاط الذي يصاحب الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي للإمبريالية.

إذا ما نحن قمنا بدراسة للتاريخ، يتضح لنا انه لا يوجد هنالك انسجام تام داخل الحضارات التي نمت في ظل الديانات التوحيدية الرئيسية الثلاث. وبالرغم من الاختلافات التي كانت داخلها، فإنها مارست تأثيرا مهيمنا على عالم ذلك الزمان، ومع تغير العصور، عرفت تلك الحضارات تغيرا متواصلا. لكن المأساة التي تميز العصر الحالي الذي نعيش، هو انه لا يوجد أي حزب سياسي قوي يعمل ولو على طرح قضية التغير الجذري أو التحويل الاجتماعي.

و النتيجة هي سيادة ركود ظاهري يؤدي إلى فقدان الأمل وإلى اليأس والتيهان والميل إلى إنكار الحقائق. في ظل هذا الجو تنمو بذور التعصب واللاعقلانية وتنتشر.

لقد شهدنا طيلة الخمسين سنة الماضية، بروز تيارات دينية نشيطة ذات أهداف اقتصادية وسياسية. والأسباب الرئيسية لهذا المد الذي عرفته هو:

انحطاط ما كان يسمى بالأحزاب والقيادات اليسارية نتيجة لانهيار الاتحاد السوفياتي وخيانة الأحزاب الجماهيرية التقليدية والقيادات النقابية. اتساع الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع وتفاقم الأزمات الاقتصادية بالإضافة إلى غياب منظور واضح في الأفق للخروج من تلك الأزمات، الشيء الذي أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية مما دفع، بشكل حتمي، إلى ظهور التطرف والإرهاب. انه من الرجعي محاولة البحث عن بصيص ضوء في مقابر الماضي، بسبب الخوف وانعدام الثقة في المستقبل.

تضخم عدد المهاجرين من القرى نحو المدن، أدى إلى زيادة الأزمة سوءا. فانعدام الأمن وانتشار البؤس ومرارة الحياة داخل دور الصفيح والأكواخ يزيد من تسعير مشاعر الإحباط واليأس. إن وضعية الحرمان التي يعيشها الشباب المنحدر من الطبقات الدنيا والمتوسطة وكذلك المقارنة التي يجرونها بين أوضاعهم المأساوية وبين أوضاع شباب الطبقات المحظوظة تزيد من تفاقم الفساد الأخلاقي وارتفاع وثيرة الإجرام. إن الأحزاب الدينية تورط الشباب في تلك الجرائم بفضل الحماية السياسية التي توفرها لهم. وبسبب غياب أي مخرج لهم من بؤسهم وبسبب شعورهم بالذنب أمام الجرائم التي يرتكبونه، ا يفضل العديد من هؤلاء الشباب الغرق في الطقوس الدينية كمحاولة للهروب والنسيان.

هنالك سبب رئيسي آخر، إذ أن ما يستقطب الفئات المتأخرة من الشباب والناس العاديين إلى هذه الأحزاب الدينية، هو كرههم الشديد للفساد المستفحل داخل الأوساط السياسيين الليبراليين البرجوازيين التقليديين والتكبر والخيلاء الذي يميزهم والممارسات المستفزة التي يقومون بها. بينما يعمل الساسة الدينيون على الدعوة بشكل انتهازي إلى العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وإلى ثقافة الطهر والورع. كما أن الدعاية حول نهاية الشيوعية والفشل التاريخي الذي أصاب التيارات القومية، قد زاد من جاذبية التعصب والتيارات الإسلامية.

إن آباء هؤلاء المئات من الآلاف من الأطفال، الذين يمارس في حقهم الاغتيال الإيديولوجي، داخل المدارس الدينية، في مختلف البلدان الإسلامية، لا يمتلكون القدرة على تربية أبنائهم. ومن ثم فان أطفالهم هؤلاء، ليس أمامهم إلا احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يصيروا لحما طريا للاستغلال في سوق عمل الأطفال. أو أن يدفع بهم إلى سجن تلك المدارس الدينية (الكتاتيب) حيث يمكنهم، على الأقل، على كسرة خبز ومأوى. داخل هذه المدارس هنالك نظام قمع دائم، وهناك التعذيب والتخويف والاعتداء الجنسي والشحن المذهبي.

إن التعليم في هذه المدارس ممل ومؤسس على المواعظ الميتافيزيقية، مما يشكل أرضية خصبة للتعصب وكراهية المجتمع والانغلاق والميولات الإرهابية. وعلى سبيل المثال فان الأبجدية الأردية (URDU) التي يتم تلقينها في هذه المدارس، محملة برموز تدل على أفكارهم الرجعية. إذ أن حرف “جيم” (ج) على سبيل المثال، يتم ربطه بكلمة جهاد. و”طاي” (ط) يربط بكلمة “طوب” (مدفع) وحرف ” كاف” (ك) يربط بكلمة ” كلاشينكوف” وحرف “خاي” (خ) بكلمة “خون” (الدم).

أما في المستويات الدراسية الأخيرة، ومن خلال تدريسهم تاريخ الماضي السحيق فانه يتم إغراق عقولهم في ظلمات الحروب والأساطير وتقاليد وقيم العصور الوسطى، لينتهي الأمر بتلك العقول الغارقة في الماضي، إلى القيام بكل ما شهدناه خلال العقدين الأخيرين، من تلك الأصولية الإسلامية الحاقدة، والتي دمرت بهستريتها جيلا كاملا من الشباب ذوي الأصول الإسلامية. إن الإرهاب والهمجية والدموية النابعة من هذه التيارات المتعصبة هي نتاج لمجتمع راكد ونظام متعفن.

أيضا هناك عنصر مهم آخر، اصبح يشكل مصدر للدعم المالي والاجتماع للأصوليين الإسلاميين، ألا وهو العولمة والهيمنة الكلية للاحتكارات الإمبريالية، التي صارت تهدد مصالح رجال الصناعة المحليين والمهنيين ورجال الأعمال وبارونات المخدرات.

في إيران يؤمن كلا تياري الفقهاء (الملالي) بالرأسمالية. إن قاعدة الملالي الإيرانيين كانت ولا تزال مرتكزة على “البازاري” (الحرفيين ورجال الأعمال ). وحتى اليوم، فان التناقض المؤقت الذي ظهر بين ما يسمى التيار الليبرالي التابع لخاتمي والتيار المحافظ التابع لخامنئي، إنما يعكس الصراع بين تلك المصالح. فجناح خامنئي مشكل أساسا من الرأسماليين الإيرانيين المحليين و”البزاري” الذين لا يريدون فتح الاقتصاد الإيراني أمام الاحتكارات الأجنبية. لكن الاقتصاد الإيراني المبني على هذه ” الرأسمالية الوطنية ” يعيش أزمة.

و بالنظر إلى تزايد الضغط الاجتماعي والسياسي والدولي، فان خاتمي يريد فتح الأبواب والسماح للاحتكارات الرأسمالية بالدخول إلى إيران. هكذا، اصبح خاتمي يمثل ما يسمى بالتيار الليبرالي داخل الرأسمالية الإيرانية، وصار يريد تطبيق هذه الوصفة. لكن مثال روسيا والشيلي وغيرها من البلدان التي حاولت حل الأزمة الاقتصادية عبر استثمارات الاحتكارات الرأسمالية، يعطي الدليل على أنها لم تنتج سوى الدمار والبؤس. إن جميع الطرق التي استهدفت دعم الرأسمالية، انتهت إلى الفشل في لعب أي دور إيجابي في التخفيف من الفقر أو في خلق التطور.

في باكستان كذلك، تتلقى الأحزاب الدينية اكبر دعم لها، من بين صفوف أباطرة المخدرات والرأسماليين ورجال الأعمال والحرفيين المتوسطين. إن الدعم الذي تتلقاه الجماعة الإسلامية وباقي الأحزاب الدينية الأخرى، من هده الطبقات راجع إلى رغبتها في حماية مصالحها ضد باقي أقسام الرأسمال المحلية والدولية الأخرى.

للتخلص من خوفها على مصالحه، تتقمص لديها “طريقة التفكير الوطنية والمشاعر الوطنية” جلبابا إسلاميا.

إن الأصوليين الإسلاميين التجئوا، للرفع من مداخيلهم، خلال الثلاثة عقود الماضية، إلى استعمال مختلف الطرق الإجرامية بما فيها تهريب المخدرات. طيلة سنوات الثمانينيات، شجعت أمريكا بدورها هذه التجارة ومولتها لتغطية مصاريف “الجهاد الأفغاني”. وعبر هذه التجارة ربح أباطرة المخدرات الملايير. إن ميزانيات اغلب قادة هذه الأحزاب الإسلامية، ومصاريف أنشطتها وأجور عمالها والمؤسسات التابعة لها، بما فيها تلك المدارس الدينية، تمول كلها بواسطة هذا الرأسمال الأسود.

من خلال أشرطة الفيديو، التي توزع على أوسع نطاق داخل البلدان الإسلامية، نجد بن لادن يؤكد على أن النفط ملكية عامة للامة الإسلامية ويطالب بان يتم خوصصة هذا القطاع ويقدم لصغار الرأسماليين المسلمين. إن انغراس مفهوم الملكية الخاصة والأيمان بها، مسالة واضحة جدا في كتابات ودعوات هؤلاء الأصوليين المتعصبين من أمثال أبو الأعلى المودودي وأسامة بن لادن.

الواقع هو أن الأساس الاقتصادي والمالي لجميع الدول الدينية، سواء منها إسرائيل أو باكستان أو إيران أو العربية السعودية أو نظام طالبان السابق في أفغانستان، يظل دائما رأسماليا في الجوهر. ومن تم فان الاختلاف بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية مجرد اختلاف شكلي وثانوي. إن الاختلافات بين هذه المجتمعات في الجوانب الاجتماعية والثقافية والتقاليد، راجعة في الغالب إلى اختلاف مستويات ومراحل التطور التاريخي التي تمر منها تلك المجتمعات.

إن هؤلاء الحكام وعملائهم مجبرون على الإذعان لهذا النظام الرأسمالي والقبول به بهذا الشكل أو ذاك، لان النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يبالغون في مدحه ليس نظاما قادرا على منافسة النظام الرأسمالي الحالي بل انه اكثر بدائية منه. انهم في الواقع اشد المدافعين عن الرأسمالية حماسة. إن وجودهم السياسي والاجتماعي نفسه وثيق الارتباط بالرأسمال الحالي.

و هذا ما يجعل كل الاختلافات بينهم والجدالات التي تقوم بينهم، كما هو شان صداقاتهم والعداوات التي تحدث بينهم، مجرد أمور شكلية ومخادعة. لهدا نجد الإمبرياليين والأصوليين يغيرون بشكل مستمر ولاءاتهم وعلاقاتهم مع تغير مصالحهم وأولوياتهم. ولهذا السبب تجدهم أصدقاء أحيانا وخصوما أحيانا أخرى.

إن الاقتصاد الأسود هو سرطان يصيب ما يسمى الاقتصاد المهيكل، إذ يشكل بالنسبة لهذا الاقتصاد ما يشكله الورم بالنسبة للجسم البشري. إن ظهور الاقتصاد الأسود والأصولية الدينية هما الدليل الواضح على عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذا النظام المفلس. لكن جميع الأنظمة الاقتصادية المتجاوزة تاريخيا، تسقط، في أقصى مراحل تطورها، ضحية للاختناق الاجتماعي والأزمات الاجتماعية والردة. فإذا ما كان هنالك أصوليون في البلدان الإسلامية، فانه حتى أمريكا تعرف اصولييها المسيحيين. فتسعون بالمائة من الشعب الأمريكي يعيش حياته الدينية بطريقة منتظمة ويؤمنون بالله. وستون بالمائة يؤمنون بوجود الملائكة. إن عدد المؤمنين في أمريكا يتجاوز عددهم في كل أوربا. لقد أعلن الأصوليون المسيحيون في أمريكا أن أحداث 11 شتنبر هي عذاب من الله بسبب الاختلاط المتزايد الذي تعرفه أمريكا وبسبب انهيار القيم الأخلاقية وانتشار الفساد الاجتماعي إلى أقصى الحدود. إن الجماعات المسيحية التي ظهرت مؤخرا لم يكفها وجود ممثلها (بوش) داخل البيت الأبيض. كما أن بوش وبلير يصرحان بأنهما يتلقيان إيحاءات ورؤى من العالم الآخر. إن الأصوليين المسيحيين يزرعون العبوات الناسفة في مراكز الإجهاض ويعملون بشكل متواصل على اغتيال الأطباء الدين يشتغلون فيها.

نفس الشيء نجده بين الأصوليين الدينيين اليهود، الذين يرفضون القبول بإسرائيل نموذجا حقيقيا لأحلامهم. فهم معتنقون للرغبة المتطرفة في مد الهيمنة الصهيونية على كل العالم. ويعتبرون قتل الفلسطينيين بأنه قتل للكفار. تحت هذا الغطاء الأصولي، يقوم حكام إسرائيل بممارسة ابشع أشكال القمع والهمجية. ومن تم يبررون أعمالهم الهمجية بواسطة الدين. النتيجة هي سيادة التعصب الديني والإرهاب والهمجية والحقد المتبادل. لتبقى الدماء البريئة تسيل بدون توقف.

في باكستان وفي العديد من البلدان الأخرى، تلجأ الدولة إلى استعمال الدين خلال مراحل محددة عندما تواجه الأزمات والثورات الاجتماعية. فقد استعمل الجنرال ضياء الحق، في باكستان الإسلام في قمعه الشرس للعمال. لكن حتى هؤلاء الذين يسمون حكاما علمانيين من أمثال بينازير وحاليا مشرف، يعودون دائما إلى استعمال الدين في مواجهة الأزمات السوسيو اقتصادية والاضطرابات السياسية والغضب الجماهيري. فعندما تعجز السياسة المتعفنة للحكام ونظامهم المفلس عن تطوير المجتمع، يلجؤون إلى الدين لاستعمال الشرائح الاجتماعية المتخلفة بهدف تقسيم وضرب الحركة العمالية. في هذا السياق، يعتبر تنظيم مراسيم الحج وزيارة الأماكن المقدسة وبعث الرسائل خلال مختلف الاحتفالات الدينية وتشييد المنشآت الدينية، جزءا أساسيا من هدا المسلسل.

لكنه خلال النهوض الحالي للأصولية الإسلامية، تبين أن الخطب المعادية للإمبريالية جد مفيدة. فاتحاد الأحزاب الإسلامية MMA)) لم يحقق عددا اكبر من الأصوات مما كان يحصل عليه في الماضي وحسب، بل انه وباستعماله لهذا الشعار (معاداة الإمبريالية) تمكن حتى من تشكيل حكومات في (NWFP) North West Frontier Province وبالوشيستان. إن التحالف بين الملالي وبعض قطاعات الجيش مؤسس أيضا على شعور مشترك بالخيانة من طرف أمريكا، بسبب وقفها للمساعدة وحرمانها لهؤلاء الحلفاء الدينين والعسكريين من الثروات التي عملت الإمبريالية على إغراقهم فيها طيلة سنوات الجهاد. ولقد عبر مؤخرا، جنرال باكستاني متقاعد عن حسرته قائلا: «لقد كانت باكستان هي الوسيلة التي استعملتها الأمريكان للتدخل في أفغانستان. لقد تم استعمالنا في الماضي، أما اليوم فان الأمريكيين يعتقدون بأنه يمكن رمينا في المزبلة».

هذه هي الطريقة التي تفكر بها الفئات الدنيا والمتوسطة من ضباط الجيش الباكستاني، الذين لا يستفيدون ماديا من الغنيمة بالدرجة التي يستفيد بها القادة السامون في الجيش والبيروقراطيون. وهذا ما يزيد في إحباطهم وغضبهم. ليس هناك اليوم، داخل الجيش الباكستاني إلا قليل من الخلايا الأصولية. لكن الصراع الداخلي الحالي، الحاصل في صفوف الجيش بين الضباط اللبراليين والضباط المحافظين، سببه الحقيقي هو الصراع على الأرباح والمصالح المادية اكثر من كونه صراعا ذا أصول إيديولوجية.

إن مثال هذا نجده مجسدا في شخصية ضياء الحق. فلقد كان ضابطا عسكريا تدرب في افضل مركز للتدريب العسكري الأمريكي (Fort Bragg). لقد كان يعبد الله في صلواته، لكنه في الواقع العملي كان يخدم في آخر المطاف سادته الحقيقيين: الأمريكان. فعلى سبيل المثال، ترأس سنة 1970 عملية عسكرية في عمان، حيث ذبح 18 ألف فلسطيني. لم يسبق أن قتل عدد من الفلسطينيين مشابه لهذا في أي مكان آخر. لقد كان هدف هذه العملية هو الدفاع عن عميل الأمريكيين والإسرائيليين، ملك الأردن الحسين، ضد الانتفاضة الثورية للفلسطينيين في عمان. وقد تم التخطيط لهذه العملية من طرف الخبراء الأمريكيين والإسرائيليين المتعطشين للدماء. لكن عميلهم ضياء الدين هو من نفذ هذه المجزرة. انه لم يتردد في ذبح المسلمين وفي نفس الآن لم يعمل على التراجع عن معتقداته الدينية. لقد كانت الحركات الإسلامية آنذاك وثيقة الارتباط بالإمبريالية الأمريكية. أما اليوم فهناك العديد ممن لديهم أوهام في مختلف هذه الأحزاب الإسلامية، إن ذاكرة هؤلاء ضعيفة جدا.

لكن عجزهم عن الحصول على قاعدة جماهيرية والتحول إلى قوة مهيمنة على أساس حركتهم المخادعة في معاداتها للتدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق، دليل على انه حتى مع تغير الأجيال، فان الذاكرة الإنسانية لا تتوقف. وانه حتى خلال هذه المرحلة من الركود، يستطيع الشعب إن يميز طبيعتهم الحقيقية وعلاقتهم بالرأسمال المالي والإمبرياليين.

إذا ما نحن درسنا التاريخ الإسلامي نجد، انه كانت هنالك، من جهة، العديد من الانتصارات العسكرية، طيلة القرون 8 و9 و10، ومن جهة أخرى، نشهد نموا وتطورا عظيمين في حقول العلوم والثقافة والسياسة وغيرها من الحقول الأخرى. لقد فتحت مراكز المعرفة والعلم من أمثال قرطبة وبغداد والقاهرة ودمشق وغيرها آفاق جديدة لتطور المعارف الإنسانية والثقافة.

إن أفول ما يسمى اليوم “بالحضارة” الإسلامية راجع لكون الغزاة رفضوا التعلم والتكيف مع الوسط والمناطق التي غزوها. لقد كانت الحضارة الإسلامية السابقة تركيبا للحضارات القديمة الغنية الأخرى، كالسورية والإيرانية بالإضافة إلى الإسبانية، التي أعطت للحضارة الإسلامية اتساعا وعظمة. كما أن العلاقة مع الديانات الأخرى لم تكن تشبه ما يتم الدعوة إليه حاليا.

فسنة 1099، وبعد حصار دام 40 يوما، تمكنت القوات المسيحية، في اطار الحروب الصليبية، من احتلال القدس، ليتم قتل أغلبية الساكنة رجالا ونساءً وأطفالا. طيلة يومين بقي الدم يسيل عبر الشوارع لكن المسلمين واليهود قاتلوا جنبا إلى جنب ضد الصليبيين.

كما أن الحق في فتح النقاشات والحق في الاختلاف حول جميع المسائل، بما فيها الدينية، كان يشكل عاملا مهما في تطور هذه الحضارة، التي ذوت وازدهرت طيلة القرن الأخير من الألفية الأخيرة. إذا ما نحن حللنا كتابات علماء الدين الذين عاشوا خلال القرن 8 و9 و10 ميلادية، سنجدهم اكثر حداثة ونضجا وارفع باعا من أغلبية علماء الدين التافهين المعاصرين. والمضحك في الأمر هو انه لو كان هؤلاء العلماء لا يزالون أحياء اليوم، لحكم عليهم بالموت من طرف القوانين الإسلامية الرهيبة المعمول بها في مختلف البلدان الإسلامية اليوم. ولكانت هذه الطائفة الدينية أو تلك قد أعلنت أن قتلهم فريضة دينية. إن التاريخ شاهد على أن المأمون والخلفاء الثلاثة الذين جاءوا من بعده، لم يعملوا فقط على اتباع أفكارهم بل سمحوا لهم أيضا بالتجديد من خلال تشجيعهم للنقاش حول تلك المسائل. إن أهم أسباب أفول الإمبراطورية الإسلامية، كان هو صعود الرجعية والتزمت، والتهافت على الثروات والسلطة، وهو ما يميز أيضا أصوليي اليوم. إن هذا الانحطاط لم يؤدي فقط إلى انهيار حضارة بأسرها، بل كذلك إلى تقييد العقول بأغلال دينية، وسيادة الأفكار المتزمتة وإلى إغراق المجتمعات في مستنقعات آسنة.

و من المميزات الهامة الأخرى لهذه الأصولية الرجعية، هي ميلها إلى الانتهازية المتطرفة. فمن جهة تجدهم ينشرون الرعب والتعصب الأعمى والتزمت والإرهاب، ومن جهة أخرى تجدهم انتهازيين مائعين جشعين وجبناء. ولقد اثبتوا مرة بعد أخرى استعدادهم لبيع أنفسهم كلما سنحت لهم الفرصة.

لهذا تجد أن أهم خصائص الأصولية الدينية، بغض النظر عن الدين الذي تنتمي إليه، هو النفاق. وفي المجتمع الذي يكون فيه للأصولية قاعدة اجتماعية تجد النفاق صفة منتشرة. ويتضح هذا جليا في علاقتهم مع الرأسمالية والإمبريالية.

إن استعمال الدين من طرف قوى الإمبريالية لتكثيف استغلالها، ليس مسالة حديثة. إذ خلال القرن 15 و16 و17، كانت الثورات البرجوازية تتصاعد، وكانت قوى الإنتاج تتطور بسرعة. ولزيادة أرباحهم عمل الإمبرياليون الغربيون على التوجه نحو المناطق المتخلفة لنهبها. وهنا، عملت الكنيسة والأصولية المسيحية على توفير الشرعية الدينية الكاملة لهم وتقديم الحماية والدعم لرحلات بحثهم عن الأرباح.

لقد كان القساوسة المسيحيون والمبشرون، الذين تم إرسالهم إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، بشكل أساسي، راس الحربة للحملات الإمبريالية الاستعمارية. لقد كانت الأهداف الحقيقية لكل من فاسكو دي غاما وكريستوف كولومبس وباقي البحارة المستكشفين والذين ذهبوا بحثا عن أراضى جديدة، هو إيجاد أسواق جديدة وثروات معدنية ومصادر للثروة لنهبها واستغلالها.

إن العلاقة بين الإمبريالية والأصولية الإسلامية هي كذلك لها تاريخ طويل. إذ تم استعمال الحركة الأصولية الإسلامية لتسهيل الهيمنة الإمبريالية، خاصة في العالم العربي. إن حركات الصحوة الدينية التي ظهرت مؤخرا كلها تقريبا حركات رجعية ومتعفنة. ولقد كانت الحركة الوهابية في السعودية واحدة من أوائل حركات الصحوة الإسلامية. كان مؤسسها هو محمد بن عبد الوهاب (1703- 1792). سنة 1744 وصل محمد بن عبد الوهاب إلى مدينة درية في منطقة نجد، حيث قام هو وأحد أمراء ذلك الزمان محمد بن سعود ببناء مملكة دينية متشددة. وبعد الثورة على الخلافة العثمانية، بدأت هذه الدولة السعودية، التي استندت على الحروب المتواصلة والقمع الداخلي للمعارضين، بالتوسع بفضل النهب والسلب. ولتقوية هذه العلاقة بينهم عمل بن سعود على إدماج بنت محمد بن عبد الوهاب في صفوف حريمه وحول علاقة المصاهرة هاته إلى رباط سياسي. إن ملكية هذه العائلة، التي بنيت على أساس التعصب الديني، والقمع العسكري والمناورات السياسية، وتقوت علاقاتها من خلال النساء، لا تزال قائمة إلى حدود الآن في العربية السعودية. وسنة 1792، تمكنت القوات السعودية الوهابية، من هزم الحكام المجاورين لمنطقتهم واحتلوا مدن الرياض، خرج وقاسم. وسنة 1801، احتلوا كربلاء وقتلوا ساكنتها. لقد دمروا المنازل والمزارات، لان الوهابيين كانوا يحرمون الحج إلى المزارات. سنة 1802، احتلوا الطائف واحتلوا مكة سنة 1803.

بعد الحرب العالمية الأولى، سنة 1919، بدأت قوات الاحتلال تقسم مناطق النفوذ، تطبيقا لمعاهدة فرساي. فأصبحت فلسطين والعراق ومصر من نصيب بريطانيا. بينما سوريا ولبنان صارتامن نصيب فرنسا. لتبدأ بريطانيا ترسيخ حكمها على”الشرق” وفرنسا على “الغرب”. ومن خلال وكيلها هناك جون فليبي John Philby بدأت بريطانيا تربط العلاقات مع ولي العهد الأمير عبد العزيز ابن سعود الذي كان ينتمي هو كذلك لنجد. الآن لم يعد ابن سعود محتاجا للفقهاء في ترسيخ حكمه، بل اعتمد بعد تبدل الأوضاع على الدعم الإمبريالي. لقد قدم فليبي لابن سعود مخططا نصحه من خلاله بان يغزو مختلف القبائل بنهج تكتيكات مخادعة ويعمل على مد رقعة مملكته على جميع شبه الجزيرة العربية. ووضع المخطط قيد التطبيق من خلال السيطرة الإمبريالية وبدعم كامل منها. وهكذا ادخل الوكيلان الإمبرياليان فليبي وبلفور، الشرق الأوسط في عصر من الردة الرجعية. إذ قام فليبي بتشييد المملكة الأصولية السعودية، وقام بلفور ببناء دولة إسرائيل الصهيونية الرجعية. وكسلفه، قام ابن سعود، وهو يغزو العربية السعودية، بملئ قصوره بالحريم اللواتي يتزوجهن من أعدائه المنهزمين.

لكن في المجال الاقتصادي، لم ترغب أمريكا في ترك حق نهب النفط السعودي مقتصرا على البريطانيين وحدهم. إذ بدأت الشركات النفطية الأمريكية تعمل على تكثيف علاقاتها مع ابن سعود مند ثلاثينيات القرن 20. فسنة 1933، حصلت شركة النفط الأمريكية ستانار اويل STANDARD OIL على عقود نفط كبيرة، مقابل كمية من الذهب تقدر بـ 50. 000 دولار قدمت لابن سعود. ولوضع حد للسيطرة البريطانية، وقعت أمريكا اندماجا للستاندار أويل وايسو ESSO وتكساكو TEXACO وموبايل MOBIL وشكلت شركة نفط أمريكية عربية، أطلق عليها اسم ارامكو ARAMCO. مند سنة 1938 إلى حدود الآن بدا إنتاج النفط وصارت هذه الشركة تحتكر الصناعة النفطية في العربية السعودية. لقد تجاهلت الإمبريالية الأمريكية، بسبب مصالحها الاقتصادية، جميع الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان والحكم الاوتوقراطي وجميع أشكال القمع الذي مارسته الملكية السعودية.

و بنفس الطريقة وطيلة القرن الماضي، استعملت الإمبريالية الغربية مختلف الأحزاب الأصولية لاستهداف القادة التقدميين والحركات العمالية. لقد عرفت سنة 1928 تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر. إن الأسس التي انبنت عليها هده المنظمة لم تكن مختلفة كثيرا عن مثيلتها لدى الحركة الوهابية. فبيانها التاسيسي جد مشابه لنظرائه عند الأحزاب المحلية: “الله غايتنا! الرسول قائدنا! القرآن دستورنا! والجهاد شعارنا!” وهي نفس الشعارات التي تأسست عليها الجماعة الإسلامية في 1941 في شبه القارة الهندية. لقد عارض مؤسسها، أبو الأعلى المودودي قرار انفصال الباكستان كما عارض نظام محمد علي جناح. وصرح أن القوميين العلمانيين كانوا يستعملون اسم الإسلام لبناء دولة علمانية.

لقد راقب المودودي الحركة الشيوعية في حيدر أباد عن قرب ومنذ وقت مبكر. لقد راقب بدقة نشاطاتها التنظيمية وطرق اشتغالها. ومن تم أراد تشكيل حزب على قاعدة إيديولوجية إسلامية أصولية، لكن على شاكلة البنى التنظيمية وطرق الحركة الشيوعية.

في 26 غشت 1941، تأسست الجماعة الإسلامية في اجتماع ضم 75 شخصا، في أحد المنازل. ومن بين الاختلافات التي ظهرت على السطح لاحقا، كان حول الموقف من علاقات الملكية في الإيديولوجية الإسلامية.

هنا دافع المودودي عن الحق في الملكية الخاصة باستماتة وحدّة. لقد دافع جميع قادة الجماعة الإسلامية وباقي الأحزاب الدينية الاخرى، بكل قناعة عن اقتصاد السوق ووعدوا بانضباطهم لمبادئه. وقد صارت هذه المنظمة حليفا متحمسا للإمبريالية على المستوى السياسي وحصنا للرجعية، خاصة في باكستان.

منذ 1940، عمل المودودي على أداء ثمن خدمات أحد المترجمين العرب ووزع كتاباته في العالم العربي. وقد قامت وكالات المخابرات الأمريكية بتنسيق الاتصالات بين مختلف التيارات، المتواجدة في اغلب البلدان الإسلامية، التي هدفها إحياء الإسلام بهذه الطريقة العدوانية. ومن تم وبعد الخمسينات من القرن 20، بدأت الإمبريالية الأمريكية تستعمل هذه الحركات في مختلف البلدان ومختلف الأماكن لخدمة مصالحها الخاصة. ففي مصر كان التلميذ الأكبر للمودودي هو سيد قطب، الذي برز باعتباره قائدا للإخوان المسلمين بعد حسن البنا. وبنفس الطريقة عملت الإمبريالية الأمريكية على خلق وتمويل أحزاب إسلامية أصولية أخرى في باقي البلدان، ووفق نفس المنظور استعملت الدولة السعودية والباكستانية. لقد كان للمخابرات الأمريكية، دور مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى، في عملية تشكيل منظمة عسكر طيبة وحركة الأنصار وحتى الحزب الإسلامي لقلب الدين حكمتيار وكذا تشكيل طالبان في أفغانستان.

خلال الجهاد الأفغاني، وعندما طلب الجنرالات الباكستانيون من البلدان العربية إرسال شخص رفيع من العائلة المالكة للرفع من القدرة التعبوية للجهاد والإقبال عليه، كان الشخص الذي أرسلوه هو أسامة بن لادن.

عندما وصل بن لادن إلى باكستان، كان مستشار الأمن القومي الأمريكي زينيو بيرزيزينسكي Zbignew Brzezinski في زيارة رسمية لباكستان، للترويج وتشجيع الجهاد. وعندما كان زينيو يلقي خطابه في كتيبة خيبر، كان أسامة واحدا من الحضور. ولقد قال بيرزيزينسكي في هده الخطبة «إن الله معكم». لقد كان اول عمل قام به أسامة بن لادن كمقاتل موالي للغرب، هو الهجوم على مدرسة مختلطة ثم إحراقها عن آخرها وقتل مديرها والتمثيل بجثته.

لقد صار الآن معروفا أن إسرائيل قد تدخلت بدورها في تشجيع الجهاد الإسلامي في أفغانستان. ففي سنة 1985، التقى أحد الصحفيين الباكستانيين الشباب (احمد منصور) الذي كان يعمل في احدى الصحف الناطقة بالإنجليزية (المسلم The Muslim) والتي كانت تصدر في إسلام أباد، صدفة ببعض المستشارين الإسرائيليين في حانة فندق بيرل كونتينينتال Pearl Continental ببيشاور.

و لأنه أدرك أن هذه المعلومات ستكون لها تأثيرات سيئة على ديكتاتورية ضياء الإسلامية، فقد عمل على مناقشة هذه الأخبار مع رئيس تحريره وبعض أصدقائه وكذا مع مراسل WTN. أيام قلائل بعد هذا، وعلى اثر ضوء اخضر من المخابرات، قام المجاهدون الإسلاميون باعتقاله وقتله.

لكي يتم تمويل أنشطة المجاهدين الأفغان، تم تأسيس بنك جديد هو بنك التجارة والقرض الدولي (BCCI) السيئ الذكر. لقد كان يتم جمع الأموال المتأتية من تجارة المخدرات والأسلحة وتمريرها للأصوليين عبر هده المؤسسة، من اجل استعمالها في “الجهاد”. لقد كانت مهمة هذا البنك غسل الأموال القدرة وحماية الثروات المتأتية من مصادر إجرامية. إن مؤسس هدا البنك كان هو السيئ السمعة: أغا حسن عبيدي، المدعوم من طرف CIA. بفضل هذا البنك صار الجنرالات الباكستانيون وباقي الحكام الآخرين أصحاب ملايير. وهذا هو السبب جعل من أسرة الجنرال ضياء الحق وجن أكثر عبد الرحمان (رئيس ISI طيلة مرحلة الديكتاتورية) وآخرين أعضاءا في صفوف أغنياء الباكستان. لقد كانت هذه الثروات هي ثواب الجهاد الأفغاني ضد ” الكفر” بدعم من الإمبريالية الأمريكية وباسم الاسلام.

وحتى قبل أحداث أفغانستان، كانت هنالك طيلة الخمسين سنة الأخيرة من القرن 20، العديد من المرات التي استعملت فيها الإمبريالية الأمريكية الأصوليين الإسلاميين ضد الحركات التقدمية والقادة الذين كانوا يتحدثون عن الاشتراكية. إن أهم مهندس لحركات الصحوة الإسلامية الحديثة والجنون الأصولي، كان هو وزير الدولة الأمريكي في عهد حكومة الرئيس إيزنهاور، جون فوستر دلاس، سنوات الخمسينيات. وبعد هزيمة الإمبريالية في حرب السويس سنة 1956، وصعود التيارات الشعبوية والحركات اليسارية في العديد من البلدان الإسلامية، تم استعمال التعصب الديني وسيلة لإلهاء الجماهير وسحق الثورات. لقد كان هناك قرار سياسي واضح لدى استراتيجيي الولايات المتحدة، باستعمال الحركات الأصولية الإسلامية كقوة رجعية سامة، ضد الحركات اليسارية والنضالات الثورية للعمال.

ففي مصر، تم استعمال الإخوان المسلمين ضد جمال عبد الناصر. وفي إندونيسيا تم استعمال ماسجومي(Masjoomi) لتنظيم مذبحة ذهب ضحيتها مليون عامل ينتمون إلى الحزب الشيوعي سنة 1961، كما تم استعمال الجماعة الإسلامية في باكستان ضد بوتو وحزب PPP والحركة اليسارية.

و في بنغلادش، تم استعمال منظمتي ” البدر” و” الشمس” الفاشيتين التابعتين للجماعة الإسلامية، كقوات تدخل لمساعدة الجيش الباكستاني لقمع الانتفاضة الجماهيرية هناك. وعندما احتلت قوات طالبان كابول سنة 1996، قاموا باختطاف نجيب الله من مكتب الأمم المتحدة ” UN ” وقتله. وبعدها عملوا على تعليق جثته هو وجثة أخيه احمد زاي، في الساحة المركزية لكابول من تم قاموا بتقطيعها بوحشية. لكننا لم نسمع آنذاك، أي مثقف غربي أو سياسي أو أي سلطة إمبريالية تتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان. إذ حتى بعد أن شهدوا هذه الحوادث المرعبة لم يصدر عنهم أي احتجاج على الإطلاق.

لم يعد سرا الآن كون الإمبريالية الأمريكية وكبريات شركاتها النفطية، هي من دعمت طالبان. لقد دفعوا 30 مليون دولار لتمويل عملية احتلال طالبان لكابول عبر شركة النفط الأمريكية UNOCAL.

إن أحد المثقفين الأمريكيين اليمينيين قد كتب في إحدى مقالاته: ” نظرا لكونها قوة عظمى، لا يجب على أمريكا أن تخشى القيام بما من شانه إنجاح العولمة. إذ أن يد السوق الخفية لا يمكنها أن تشتغل دون القبضة الخفية. والماكدونالز لا يمكنها أن تشتغل دون ماكدونالدز دوغلاس (مصنع كبير للأسلحة في أمريكا هو من يصنع F15 ). إن الإدارة التي طورت تكنولوجية السليكون هي الجيش الأمريكي، القوات الجوية والبحرية. ” (مجلة TIME 28 مارس 1999).

لقد شرح الماركسيون خاصية الإمبريالية هاته مند مدة طويلة. وقد كتب تروتسكي في إحدى مقالاته: «إن النفط يلعب الآن دورا جد عظيم في الصناعة والجيش. إن الأمريكان يستخرجون ويستهلكون 3/2 من الإنتاج. وفي 1923 صار المقدار هو 72%. إنهم يشتكون من أن احتياطاتهم تكاد تنضب. بعد الحرب العالمية الأولى، اعترف أنني كنت اعتقد أن هذه الشكاوى لم تكن سوى مبررات جيدة لهم للاستيلاء على نفط بلدان أخرى. لكن الآن، هناك جيولوجيون يؤكدون انه مع المستوى الحالي للاستهلاك فان النفط الأمريكي لن يكفي سوي ل25 سنة. بينما يعتقد آخرون انه سينتهي بعد 40 سنة لكن خلال 25 أو 40 سنة، سوف تعمل أمريكا على الحصول على عشرة أضعاف كمية النفط من الآخرين عبر صناعتها وبوارجها العسكرية». (ليون تروتسكي، ايزفيستا، 15 غشت 1924).

لكن النفط ليس سوى سبب واحد من بين أسباب الاعتداء والإرهاب الذي تنشره أمريكا في العالم. إذ هناك الأسباب السياسية والاجتماعية أيضا والتي تصاحب الأسباب الاقتصادية والمالية. ومن الضروري للقيام بدراسة جدلية متكاملة تحليل وفهم جميع هده العوامل.

إن واحدة من الأسباب المهمة لهذا الإرهاب الذي تنشره الإمبريالية، هو الأزمة العميقة التي تعيشها الرأسمالية الأمريكية. إذ أن الأزمة الخانقة قد أدت إلى فوضى سياسية وقضت على ثقة الحكام الأمريكان. فمند 11 شتنبر 2001، صار ثلاثة ملايين عامل أمريكي عاطلين على العمل. 35% من الشعب الأمريكي يعيش تحت عتبة الفقر، كما هي متعارف عليها في البلدان المتقدمة، ونسبة الجرائم تتزايد بسرعة. لكي يتمكنوا من لفت الانتباه عن هده الأزمات، ولإخافة الطبقة العاملة ووضع ملح التهديد الإرهابي فوق جراحها الأخرى كالفقر والبطالة. يعمل حكام أمريكا على دق طبول “الحرب على الإرهاب”.

و لترسيخ هيمنتهم الاقتصادية على الصعيد العالمي، يعملون على تحذير البلدان الأخرى عبر استخدام الردع العسكري. كما أنها رسالة تحذير لجميع عمال العالم بأنهم إذا ما تجرءوا وحاولوا التمرد ضد الرأسمالية فإنهم سيلاقون نفس مصير أفغانستان والعراق. لكن ومع تعمق الأزمة الاقتصادية أكثر فأكثر، تصير قبضة الإمبريالية الأمريكية اضعف فاضعف. وحتى في غياب أي قيادة ثورية، فان مختلف التناقضات تنفجر مجبرة البلدان، شعوبا وقادة، على النهوض ضد القمع الأمريكي.

من جهة أخرى وخوفا من أن تدفع هده الأزمات إلى صعود حركة عمالية على أسس طبقية، فإنهم يجهدون لإعطاء المواجهة غلافا مضللا ورجعيا. غلاف صراع الحضارات. كل حكام البلدان الإسلامية، ولحدود اليوم، هم إما عملاء فعليون لأمريكا وإما أنهم خاضعون لها بفعل ضعفهم وجشعهم.

إن الملالي وللأصوليين يخشون انفجار الصراع الطبقي اكثر مما تخشاه أمريكا نفسها. ولكبح هدا الصراع سوف يتم استعمالهم في المستقبل كما تم استعمالهم في الماضي. ففي باكستان على سبيل المثال، وأثناء الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد بعد الانتخابات العامة مؤخرا، تم ترشيح فضل الرحمان إلى منصب الرئاسة. وعندما طرح عليه سؤال أن الولايات المتحدة يمكنها أن تعارض تنصيبه، صرح قائلا: «لقد عملنا معهم في الماضي، ما المانع اذن أن نعمل معهم في المستقبل؟».

إن السبب الاقتصادي لكل هذا، هو كون القاعدة الاقتصادية التي تقف عليها أمريكا ويقف عليها الأصوليون هي نفسها. أي قاعدة الرأسمالية. انه وبفعل حدة أزمة هدا النظام الرأسمالي، تدخل مختلف فروع الرأسمال في مواجهة مع بعضها البعض. وكلا الفريقين يسمي هدا الصراع:” صراعا للحضارات”، لأنهما يريدان إقحام الطبقة العاملة فيه واستعمالها لحما للمدافع. لو أن هدا الصراع هو صراع بين الإسلام وأمريكا، لماذا اذن نجد اغلب البلدان التي تستهدفها أمريكا ليست بلدانا مسلمة، التشيلي، غراندا، فيتنام، المكسيك، الهندوراس وكوريا. الخ؟.

لقد كانت اكبر الحروب الإمبريالية التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الأولى، هي تلك التي خاضتها ضد الفيتنام وكمبوديا واللاووس. والآن ها هي الإمبريالية الأمريكية تخوض حربا ضد فنزويلا، كولومبيا، كوريا والعديد من البلدان الأخرى في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وجميع هده البلدان هي بلدان ليست إسلامية.

من الواضح كذلك أن الدين ليس الميزة الوحيدة لبعض الحضارات. وخلال الألف سنة الأخيرة لم يكن هناك تشابه أو تساوي بين أطراف ما يسمى بالعالم الإسلامي. فالثقافات والمجتمعات والحضارات التي عرفها المسلمون في السينغال والصين والسعودية وشبه القارة الهندية، لا تمتلك إلا أشياء مشتركة جد قليلة، بينما الاختلافات بينها كثيرة وواسعة.

إن ما يجمع بين المسلمين وبين مواطنيهم من غير المسلمين الذين يعيشون معهم في نفس المنطقة، هو اكبر مما يجمع بينهم وبين المسلمين الذين يعيشون في مناطق أخرى. وخلال المائة سنة الأخيرة، اجتاحت الحروب والثورات البلدان الإسلامية، بنفس الحدة التي عرفتها باقي بلدان العالم الأخرى. كم هو عدد البلدان الإسلامية التي لم تعرف ظهور أحزاب شيوعية ولم يحدث فيها نضال وحركات ثورية اشتراكية؟ إذ أن أفغانستان واليمن وسوريا والصومال والعديد من البلدان الإسلامية الأخرى، عرفت حدوث ثورات، ولو بشكل مشوه، أدت إلى إسقاط الإقطاعية والرأسمالية وصارت تسمى و( لو شكليا على الأقل) بلدانا ” اشتراكية “. كما أن اكبر حزب شيوعي تشكل خارج ما كان يسمى بالكتلة الشيوعية، إنما ظهر في بلد إسلامي: إندونيسيا. لقد كان عدد كوادره، سنة 1963، يصل إلى 3 ملايين عضو. أما إذا أحصينا عدد أعضاء الاتحادات النقابية ومنظمات الفلاحين والطلاب والشباب التابعة له، فان عدد أعضائه كان يصل إلى عشرة ملايين.

إن هذه الحركات سوف تعود إلى الظهور مجددا في المستقبل. ومحاولة منها لإيقاف وتحويل اتجاه هذه الحركة الثورية، تعمل أمريكا والأصوليون الإسلاميون على التلويح بشعار ” صراع الحضارات” السخيف والقديم. إن الثورة الاشتراكية هي القوة الوحيدة التي من شانها (بعد أن تبدأ في بلد ما وتنتشر عبر العالم والتي، عبر تحطيمها لقيود الملكية الخاصة وحدود الدولة القومية، اللتان تخنقان تطور قوى الإنتاج، وعبر قضائها على جميع أحقاد الماضي والأحكام المسبقة – باستعمال التكنولوجيا العصرية وتسريع التطور-) أن تعلن ميلاد حضارة جديدة على أسس أرقى. إن مكونات كل حضارة، من وجهة النظر التاريخية، محددة بالظروف الخاصة للعصر الذي تشكلت فيه. كما أن الظروف التاريخية لكل مجتمع تتحدد بدورها بتطور وسائل الإنتاج والمستوى التكنولوجي. على قاعدة هذه البنية الاقتصادية تقوم الأوطان والمجتمعات والحضارات. ومن هنا فان مكونات حضارة الماضي لا يمكنها أن تعكس المستقبل.

و عليه فان نظرية ” صراع الحضارات”، هي، من وجهة النظر التاريخية، نظرية خاطئة متعفنة رجعية ومضللة ومخادعة الي حد بعيد. إن الحضارة التي سوف تأتى نتاجا للتوزيع المتساوي عالميا لوسائل الإنتاج والتكنولوجيا، سوف تكون حضارة مبنية على الاخوة العالمية بين البشر. وهكذا سوف تظهر إلى الوجود وحدة حقيقية بين الجنس البشري. إن الطبقة العاملة هي الوحيدة التي بإمكانها خلق مثل هذه الحضارة عبر قضائها على الصراعات الدينية والأحكام المسبقة التي ترجع إلى الماضي وذلك من خلال النضال الثوري وانتصار الاشتراكية. سوف تكون تلك الحضارة، حضارة خالية من القمع والاستغلال والهمجية والفقر والحرمان وسوف تعلن بداية التاريخ الحقيقي للإنسان.

لال خان
11 ماي 2004

عنوان النص الأصلي:

Islam and America … Friends or Foes?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *