خلال شهر ماي من هذه السنة، وبالضبط يوم 14 ماي 2006، تخلد الحركة الطلابية المغربية عموما والحركة الطلابية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس خصوصا، الذكرى الخامسة للهجوم الوحشي الذي نفذته قوات القمع بمختلف أنواعها ضد الطلبة العزل والمناضلين- 14 ماي 2001– مما خلف سقوط أربعة قتلى على الأقل، لم تعرف أسماء سوى ثلاثة منهم: حفيظ بوعبيد، حفيظ حميمد، وهشام البوزيدي وعشرات الجرحى وخسائر مادية مجهولة المقدار.
صرح شهود عيان أن هذا الهجوم نظمته قوات مسلحة بالغازات المسيلة للدموع والهراوات وجرافة استعملت لهدم جزء من سور الحي الجامعي ولم يتم التمييز بين طالب وآخر بل كان الجميع مستهدفا بدون استثناء. وقد ضرب حصار محكم على الجامعة منعت خلاله قوات القمع دخول الأكل إلى المطعم الجامعي، كما مورس التعذيب والضرب على الرأس والأطراف على جميع من أوقعه سوء حظه في يد الهمج. اقتحمت الغرف ونهبت وحطمت محتوياتها، وشوهدت حالات قامت خلالها قوى القمع برمي بعض الطلاب من النوافذ واستهدفوا بسيارات الشرطة لدهسهم !
كانت بضعة ساعات كافية لآلة القمع لكي تحول ساحة محمد بن عبد الله ومرافقها إلى خراب.
جاء هذا التدخل العنيف بمبرر “إطلاق سراح موظفين رهائن لدى الطلبة” (تبين فيما بعد أنهم كانوا مختبئين خوفا من المواجهات) و”إعادة النظام” إلى الجامعة بعد المواجهات الدامية التي انفجرت بين طلاب وشباب الحي الصفيحي المجاور للجامعة، الليدو، أيام 12، 13، 14 ماي لأسباب تتضارب الروايات حولها، لكن في الغالب ترجع إلى تكرار إنتهاك بعض شباب الحي للحرم الجامعي حيث يدخلون سكارى ويعتدون على الطلاب ويتحرشون بالطالبات وقيام بعض المجموعات الطلابية بمواجهتهم، بل نظمت إحداها هجوما على الحي الصفيحي يوم 12 ماي… ليخلق هذا رد فعل فوري لدى جل شباب الأحياء الصفيحية المجاورة، الذين قاموا بتنظيم هجوم كبير على الجامعة ومحاصرة الأحياء الجامعية، تحت سمع وبصر قوى القمع المرابطة في المكان ليل نهار، ممّا يرجح فرضية العمل المدبر من طرف النظام – عبر عملاء استفزازيين مندسين في هذا الطرف و/ أو ذاك – لتفجير الموقف وتبرير التدخل الدموي.
تاريخيا كان حي الليدو الصفيحي يشكل امتدادا للحركة الطلابية بموقع فاس، كما كانت هذه الأخيرة تشكل امتدادا له. حيث لم يكن بالنسبة للطلاب مجرد حي يكترون بيوته ويأكلون في مطاعمه، بل كان حصنا لهم يلجأون إليه فرارا من القمع إذ يعمل سكانه الفقراء على إخفائهم من البوليس… كما أن طلاب جامعة محمد بن عبد الله لم يكونوا بالنسبة لسكان حي الليدو مجرد زبائن يتعاملون معهم ليكسبوا بعض الدراهم، بل إن نضالية الحركة الطلابية وحساسية الجماهير الطلابية اتجاه أي قمع قد يتعرض له سكان الحي من طرف الدولة، التي تخطط منذ وقت طويل لتشريدهم، يشكل ضمانة هامة لسكان الحي وخزان للدعم لا ينضب.
وهذا ما كان النظام دائما يحاول القضاء عليه. وحتى مع استبعاد الفرضية التي أشرنا إليها باحتمال تورط النظام مباشرة في تفجير الأحداث فإن الأكيد أنه استغلها لكي يضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة يوقف المد النضالي الذي كانت الحركة الطلابية تعرفه آنذاك والذي ظهر من خلال العديد من المعارك الكفاحية والمشاركة الوازنة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في العيد الأممي للطبقة العاملة، فاتح ماي 2001 ويدخلها في صراعات هامشية مع شباب الحي الصفيحي، لعزلها عن امتدادها الحيوي. ثم من جهة ثانية استهداف سكان الحي بعد أن يكون قد صفى حساب حلفائهم الطلاب. وهكذا لم ينتهي سوى شهر واحد على الأحداث الدامية، حتى وجه النظام وجهه نحو سكان الحي الصفيحي بإعلانه عن مخطط “لمحاربة دور الصفيح” كان في الواقع مخططا لمحاربة سكان دور الصفيح أنفسهم.
كان القمع همجيا حادا ومنفلتا من كل عقال وقد جاء، كما يجب ألا ننسى، والأبواق المأجورة كانت في عزّ الدعاية للملك الجديد: “ملك الفقراء”، “الحداثي”، “الديموقراطي” وعهده “الجديد”. جاء والملك الشاب لا يزال يوزع وعوده بـ “العدالة” و”حقوق الإنسان” والمن والسلوى… فجاءت هذه الأحداث لتؤكد أن الثابت هو الديكتاتورية.
كان الهدف هو سحق الحركة الطلابية في هذا الموقع التاريخي المناضل، الذي شكل دائما بكفاحيته شوكة في حلق السائدين ومخططاتهم، وتعبيد الطريق أمام تطبيق ما يسمى “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، حتى أن الدولة استجمعت كل قواها لشن هذا الهجوم فاستقدمت قوات إضافية من مدينة مكناس لتعزيز الصفوف.
لكن وبالرغم من أن الضربة كانت قاسية فإن الحركة الطلابية في موقع فاس قد بدأت تدريجيا تسترجع أنفاسها وتداوي جراحها وبدأت تتضح خيوط المؤامرة، حيث إتضح جليا أن المستفيد الأوحد من تلك الأحداث هو النظام القائم. وتدريجيا كذلك بدأ سكان الحي الصفيحي يفهمون من هو عدوهم الحقيقي ونحو من يتوجب أن توجه السهام.
وهكذا بدأت نضالية الحركة الطلابية، في إطار اوطم، تعود إلى سابق عهدها من الكفاحية ولم ينل منها القمع ولا الاعتقالات والمتابعات، بل لقد تم القيام بخرجات إلى الأسواق الشعبية للتحريض ضد الزيادات في الأسعار وضد إلغاء صندوق الموازنة والتظاهر ضد الزيادات في أسعار تذاكر النقل، مما أدى إلى مواجهات مع قوات القمع وحدوث إعتقالات عديدة.
ومن جهتهم نظم سكان الحي الصفيحي، خلال هذه السنة، العديد من التحركات الاحتجاجية ضد التهميش، الذي يعانونه منذ 40 سنة، شارك فيها النساء والرجال، من جميع الفئات العمرية، وصلت إلى حد منع وزير الإسكان (حجيرة) من إستكمال إحدى مسرحيات التدشين والدخول في مواجهات عنيفة مع قوى القمع أسفرت عن العديد من الإعتقلات والجروح، ليضرب حصار على الحي لا يزال قائما لحد الآن (13 ماي 2006) أي لأزيد من شهرين. وتتلخص مطالب السكان في ضرورة التعويض عن السكن الأصلي وتمكينهم من قروض بدون فوائد، محاكمة المسؤولين عن سرقة مواد البناء، تمكين جميع الأسر من حق السكن اللائق. وبما أن اغلب سكان الحي هم من الجنود المتقاعدين فإن هناك مطلب آخر هو تمكينهم من مستحقات التقاعد،.. الخ. وكلها كما هو واضح مطالب عادلة وحيوية يتوجب على الحركة الطلابية أن تساندها وتدعم نضالات أصحابها بجميع الطرق الممكنة وتجتهد لكي تعيد مد الجسور من جديد. من الضروري على الحركة الطلابية المشاركة الفعلية إلى جانبهم في معاركهم، في التظاهر والاعتصام والتضحية والبحث عن نقاط مطلبية مشتركة توحد الحركتين (وما أكثرها).
للحركة الطلابية المغربية وإطارها العتيد أوطم خزان من التقاليد الرائعة، راكمتها طيلة تاريخ طويل من الصراع ضد الديكتاتورية، تراثا من الأعراف والأشكال التنظيمية الديموقراطية لاتخاذ القرار والنضال، من الواجب، ليس فقط إعادة إحياءه، بل إيصاله إلى الجماهير الشعبية في كل مناسبة ممكنة. وهذه مناسبة رائعة للقيام بذلك.
إن الحركة الطلابية بانخراطها في نضالات موحدة إلى جانب الحركة الجماهيرية سوف تحمل إليها قيمة مضافة عالية، بدون شك، لكنها أيضا سوف تتعلم منها الشيء الكثير: سوف تتعلم، قبل كل شيء، أنه ليس للجماهير من حاجة إلى “المخلصين” ولا “للأبطال” الذين يرشحون أنفسهم للنضال بدلا عنها. سوف تتعلم منها القدرة على إحترام الاختلاف، الموجود بشكل حتمي داخل الحركة، وتنظيم الاختلاف وتدبيره بشكل ديمقراطي. كما ستتعلم منها استعمال لغة ملموسة، واضحة، بسيطة ومباشرة. أي ستتعلم منها كل ما هو ضروري لحركة طلابية ديمقراطية وقوية.
عاشت الوحدة النضالية بين الكادحين، المجد للشهداء، الحرية للمعتقلين وليسقط نظام الاستغلال والقمع، فلتسقط الديكتاتورية !
التوجه القاعدي
طالب ماركسي (المغرب)
13 ماي 2006