مع إستمرار النضال البطولي لقواعد نقابة “جنود التضامن” The Soldiers of Solidarity، في شركة ديلفي (Delpi)، هنالك الكثير من الدروس التي يمكننا تعلمها من تجارب الطبقة العاملة في كل أمريكا اللاتينية، القارة التي تشهد بداية مرحلة ثورية. إن نضالات إخواننا وأخواتنا في فنزويلا، بوليفيا، الأرجنتين والمكسيك غنية بالدروس للحركة العمالية في الولايات المتحدة. ومع وصول الأحداث إلى أوجها في ديلفي، صار من الضروري علينا أن ننظر بالخصوص إلى خبرة النقابة الفنزويلية الإتحاد الوطني للعمال (إ وع-UNT)، وكيف ظهرت هذه النقابة المكافحة، الديموقراطية والجماهيرية وكيف تحقق المكاسب للشعب العامل.
قبل أن يتم تأسيس نقابة ( إ وع) سنة 2003، كانت الحركة العمالية الفنزويلية تحت سيطرة الكونفدرالية الفنزويلية للعمال (ك ف ع- CTV). لقد كانت نقابة لا ديموقراطية وفاسدة بشكل مطلق، قيادتها مرتبطة بشكل كبير بالأوليغارشية الحاكمة وبفدرالية أرباب العمل (FEDECAMARAS) وواشنطن. كان على العمال المشتغلين في البناء والنقل أن يدفعوا لنقابة أرباب العمل لكي يشتغلوا، بينما يعمل قادة النقابة على نهب الميزانية ويتلقون التمويلات من منظمة (NEFD) التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية.
بعد مرور عقود من الخيانات، تمكن الضغط الجماهيري من تحت من فرض تنظيم أول انتخابات ديموقراطية في النقابة، نونبر 2001، والذي تمت الدعوة إليه باستفتاء الأعضاء. لكن هذه الإنتخابات تعرضت للتزوير، كما اختفت نتائج حوالي 9000 محطة انتخاب. تمت “إعادة انتخاب” القيادة السابقة، بـ 48% فقط من الأصوات، رغم أن الانتخابات لم تعترف بها حتى اللجنة الإنتخابية الوطنية. وقد تعرض المناضلون المدافعون عن الديموقراطية النقابية للضرب من طرف الغوغاء وطردوا من مناصبهم بتواطؤ من “نقابتهم” بالذات.
آنذاك، في شهر أبريل 2002، ساند كارلوس أورتيغا، قائد الكونفدرالية، الانقلاب العسكري الذي أسقط حكومة هوغو تشافيز الحائزة على الأغلبية والمنتخبة ديموقراطيا. إلا أن جماهير العمال والفقراء خرجوا طيلة يومين إلى الشوارع فسقطت حكومة الرأسماليين كمنزل من الورق، وأعيد تشافيز إلى القصر الرئاسي.
القطرة التي أفاضت الكأس جاءت في نهاية 2002، عندما دعت كل من نقابة (FEDECAMARAS) وكونفدرالية العمال الفنزويليين إلى “إضراب” في قطاع النفط، في محاولة لضرب اقتصاد البلد لبذر الغضب ضد حكومة تشافيز. لكن أغلبية عمال النفط احتلوا حقول النفط واستمروا في الإنتاج وهكذا أفشلوا عملية التخريب.
لقد مهدت مسيرة جماهيرية، نظمت شهر أبريل 2003، الطريق أمام تنظيم مؤتمر لنقابة الإتحاد الوطني للعمال الذي انعقد في كاراكاس يوم 01 غشت 2003، بمشاركة أكثر من 1500 مندوب، من كل جهات البلاد، يمثلون 120 نقابة و25 جهاز نقابي جهوي. ولقد التحقت الأغلبية الساحقة من النقابيين الذين كانوا أعضاء في يسار الكونفدرالية بالإتحاد الوطني للعمال، تاركين النقابة القديمة شبه فارغة ولا تمثل عمليا أيا كان.
منذ البداية، أعلن الإتحاد الوطني للعمال، أنه « حركة مستقلة، ديموقراطية، أممية، طبقية مكافحة وموحدة تساوي بين الرجال والنساء». مطالب الإتحاد الوطني للعمال واضحة وتتضمن الدعوة إلى تأميم المصانع المغلقة ووضعها تحت الرقابة العمالية وبـ 36 ساعة عمل أسبوعيا. لقد أطلق الإتحاد الوطني للعمال، حملة تنظيمية واسعة بهدف تنقيب 80% من العمال الفنزويليين، انطلاقا من مستواه الحالي المعادل 18%. يؤسس “لنقابة اجتماعية”، مندمجة في المجتمع ويعمل على تنظيم العمال المشتغلين في القطاع الغير مهيكل، ربات البيوت وحركات الأهالي وغيرهم من الفئات التي طالما أهملت من طرف النقابات التقليدية.
لقد انعكس الإغلاق الذي قام به أرباب العمل على قطاعات أخرى, إذ أعلنت آلاف الشركات إفلاسها وأغلقت العديد منها أبوابها. وقد رد عمال العديد من هذه الشركات بقيامهم بإعادة فتحها واستئناف الانتاج بأنفسهم. خلال نهاية سنة 2004، نظم المناضلون أعضاء الإتحاد الوطني، حملة للدعوة إلى تأميم شركة الورق الكبيرة (Venepal) ووضعها تحت الرقابة العمالية. في يناير 2005 وقّع الرئيس تشافيز مرسوما ينص على تأميم الشركة ووضعها تحت الإدارة المشتركة لممثلي العمال وأعضاء المجالس المحلية وممثلي الحكومة. ومنذ ذلك الحين تم تأميم العديد من الشركات الاخرى.
قام عمال العديد من المصانع، مؤخرا، بتأسيس “الجبهة العمالية الثورية للمصانع المحتلة والموضوعة تحت الرقابة العمالية”. هذه الحملة تهدف إلى تشجيع العمال على أن يقوموا بأنفسهم باحتلال المعامل واستئناف الانتاج في أكثر من 800 شركة موضوعة على لائحة الشركات المفلسة أو الغير مشغلة، والتي رشحت للتأميم من طرف الحكومة. فبدل أن تظل عاطلة، سوف يتم إعادة تشغيلها مرة أخرى، لكن هذه المرة لما فيه مصلحة العمال والمجتمع وليس مصلحة الرأسماليين المتمددين على شواطئ ميامي.
لقد بدأت هذه النضالات من أجل الرقابة العمالية كمجرد نضال من أجل الخبز. عندما نظم أرباب العمل الفنزويليون حملة تخريب الاقتصاد، لم يعملوا فقط على دفع شركاتهم إلى الإفلاس بل دمروا أيضا شروط عيش مئات آلاف العمال. لقد قرر عمال بعض تلك الشركات ألا يستسلموا بدون نضال، فعادوا إلى المصانع واستأنفوا الإنتاج فصارت الأموال، التي كانت توجه إلى جيوب حفنة صغيرة من أرباب العمل والمستثمرين، توجه الآن نحو الخدمات الصحية، التعليم والإسكان لصالح العمال والمجتمع بأكمله.
إذا ما كان بإمكان الشعب العامل أن يناضل بكل هذه الفعالية في بلد من بلدان “العالم الثالث”، فلماذا إذن لا يمكن أن نقوم بذلك في أغنى بلدان العالم وأكثرها تقدما من الناحية التكنولوجية، ناهيك عن أنه البلد حيث اخترع الاضراب المصاحب بالاعتصام ويوم العمل من ثماني ساعات بل وعطلة نهاية الأسبوع نفسها؟ لا يمكننا أبدا أن ننسى أن شروط العيش المرتفعة التي تمتع بها العمال الأمريكيون المنظمون، طيلة سنوات عديدة، إنما كانت نتيجة نضالات الماضي المريرة. إن الظروف التي واجهها العمال الفنزويليون سنة 2002 ليست مختلفة كثيرا عن الظروف التي يواجهها إخواننا وأخواتنا في ديلفي اليوم.
كلاهما يناضلان ضد الإفلاس – لا سواء كان هذا “الإفلاس” حقيقيا أم لا ! لقد أعطى الرأسماليون الدليل دائما على أنهم “سيزيلون جميع الحدود” أما سعيهم لمضاعفة الأرباح على حساب الشعب العامل – حتى وإن كان هذا يعني دفع شركاتهم، هم بالذات، إلى الإفلاس. يتوجب علينا أن نناضل بمثل قوتهم ونستعد لإيصال الأمور إلى نهايتها المنطقية. ليس هذا ممكنا سوى بنقابة قاعدية ديموقراطية حقيقية وقيادة تستجيب لحاجيات قواعدها وتطلعاتهم. لقد سبق لجنود التضامن أن أعلنوا أنهم مستعدون لشن نضال شامل للدفاع عن مناصب شغلهم وإعادة الحركة العمالية إلى التقاليد النضالية التي تأسست عليها. يتوجب علينا أثناء هذه الحركة المتصاعدة أن ننظر إلى مثال وخبرات إخواننا وأخواتنا في أمريكا اللاتينية. كل عامل هو جندي تضامن !
دافيد ماي
الخميس: 18 ماي 2006
عنوان النص بالانجليزية: