يصادف يوم 20 غشت/أغسطس الذكرى الثمانين لاغتيال ليون تروتسكي. وللاحتفال بذكرى حياته وأعماله، سينظم التيار الماركسي الأممي لقاء أمميا على الإنترنت، مع مداخلات ومقاطع فيديو ومناقشات حول هذا العملاق الثوري (التفاصيل الكاملة هنا). وفي هذه الفترة التي تسبق هذا الحدث، سنقوم بإعادة نشر بعض المواد عن تروتسكي على موقعنا، وهنا يتذكر تيد غرانت اليوم الذي سمع فيه خبر مقتل تروتسكي في الراديو بينما كان هو ممدا عل سرير بالمستشفى، وقد نشر هذا المقال بتاريخ: 17 غشت 1990.
«لا تزال الذكرى تملئ العين دمعا»
لا يمكن لأحد أن يتصور الهيجان والغضب والإحباط الذي شعر به جميع الرفاق عبر العالم آنذاك. لقد كانت تلك هي المرة التاسعة عشرة التي حاول القتلة فيها اغتياله. وقد نجحوا هذه المرة.
كانت أحداث الحرب آنذاك متفجرة إلى درجة أنها غطت على خبر مقتل تروتسكي فلم يكن له الأثر المتوقع أن يكون له زمن السلم. وهذا هو السبب الذي جعل ستالين يخطط لقتل تروتسكي ذلك الوقت. لقد اعتقد ستالين انه لن يلاحظ أحد هذه الجريمة في خضم جنون الحرب. إلا انه كانت لديها تأثير هائل علينا وجعلتنا أكثر تصميما على مواصلة عمل تروتسكي، مثلما عملنا ذلك في بريطانيا وعلى الصعيد الأممي خلال السنوات اللاحقة.
لقد وجهنا آنذاك انتقادات لحزب العمال الاشتراكيين الأمريكي بسبب كونه لم يوفر له الحراسة بشكل أفضل لكننا طبعا لم نقل شيئا علانية. ما فائدة كل ذلك بعدما حدثت الجريمة؟
كان ردنا الفوري هو إطلاق حملة لفضح جرائم الستالينيين. نُشر خبر اغتيال تروتسكي من طرف ج ر كامبل، عضو الحزب الشيوعي، على صفحات Daily Worker آنذاك بطريقة جد فضائحية، إذ صورها وكأن أحد أتباع تروتسكي قام بقتله وليس لستالين والبيروقراطية أية علاقة مع الحادث. فقمنا نحن بفضح هذه الأكاذيب.
آنذاك كنت منخرطا في رابطة العمال الأممية، نبني حركة النضال ضد الحرب الإمبريالية. كنّا آنذاك ننظم حملة من اجل وصول حكومة عمالية إلى السلطة ثم، إذا اقتضى الحال، شن حرب ضد هتلر، بعد القيام بتأميم الاقتصاد.
بدون تروتسكي كنا سنصير عميانا. لقد كان في العديد من النواحي أعظم حتى من لينين، في الأعمال النظرية التي قام بها بين 1923 و1940 لتعميق وتطوير الأفكار الماركسية واللينينية. إن التحاليل التي قدمها للأحداث في إسبانيا، وخاصة ثورة 1931-1937 وفرنسا، وبريطانيا خلال الإضراب العام، والصين سنة 1925-1927 وألمانيا في النضال ضد هتلر، سّلحت أتباعه لخوض النضالات المستقبلية.
وقبل كل شيء، لولا تروتسكي ما كان لنا أن نمتلك تحليلا يشرح طبيعة الستالينية. كما أن انتقاداته تجاه الأممية الشيوعية تبينت صحتها مرات عديدة في ضوء الأحداث.
لقد شعرنا بأسف عظيم، لأنه ربما أفضل أعمال تروتسكي كانت ستنجز خلال السنة الأخيرة من حياته. كتابه « في الدفاع عن الماركسية » لا يزال صحيحا إلى أيامنا هاته فيما يتعلق بتحليل الاتحاد السوفياتي وتطور الستالينية.
لقد بين إن البيروقراطية ليست طبقة جديدة أو تشكيلة جديدة بل تشويها للاشتراكية عاجز عن بناء الاشتراكية. كما أن كتابه الرائع عن ستالين كان أيضا يُكتب آنذاك، رغم انه لم ينشر إلا سنة 1945. لقد مارس ستالين ضغوطا على حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان أخرى للحيلولة دون نشر كتاب تروتسكي حتى بعد نهاية الحرب. لقد أعطت هذه الكتابات أساسا صلبا للحركة. لو انه عاش، لخمس سنوات أخرى، وهو يكتب أدبيات من هذا النوع، لتحققت قيمة مضافة هائلة لتطور الحركة العمالية.
لو أن تروتسكي عاش مرحلة ما بعد الحرب لم يكن لذلك أن يحدث تغييرا جوهريا في مجرى الأحداث أي انتصار الستالينية من جهة وانتعاش الرأسمالية من جهة أخرى. لقد كان هذا نتيجة لسياسات الستالينية والإصلاحية التي حالت دون إنجاز الثورة، التي تطلع تروتسكي إليها.
لو أن ما كان يسمى بالأحزاب الشيوعية في فرنسا، بريطانيا وألمانيا كانت أحزاب ثورية لكان في مقدورها إنجاز الثورة في القارة الأوربية وحلت مشاكل الطبقة العاملة على الصعيد الوطني والأممي مرة والى الأبد.
لكن لو أن تروتسكي عاش لكان قد سلح العمال بشكل أفضل. لم تكن لتحدث تلك الكوارث الهائلة التي اقترفها هؤلاء الذين يدعون كونهم أنصارا لتروتسكي بينما هم في الواقع شوهوا أفكاره كليا. ولم تكن لتحدث كل تلك الخسائر في الحركة آنذاك وفيما بعد لو إن تروتسكي كان هناك ليقود الحركة ويوجهها.
لقد كان سيتفق مع تحليلنا لتلك الأحداث، حول أن الرأسمالية ستشهد ازدهارا، في البلدان المصنعة على الأقل، كما أن الستالينية ستتقوى في أوربا الشرقية والاتحاد السوفياتي لمرحة مؤقتة، وهذه المرحلة قد انقضت الآن.
لقد تأكدت هذه الأفكار بشكل كامل وسوف تتأكد أكثر فأكثر خلال مرحلة النضالات التي تنفتح سنوات التسعينات. وعلى وجه الخصوص تبين الأخبار القادمة من الاتحاد السوفياتي- حركة الردة الرجعية الواضحة التي يقودها غورباتشوف للعودة إلى الرأسمالية – كم كان صحيحا تحليل تروتسكي للستالينية والسيرورة التي تحدث في العالم.
إن البيروقراطيين صاروا مجبرين في محاولة الحفاظ على امتيازاتهم على تحويل أنفسهم إلى رأسماليين والانتقال بوضوح إلى جانب الثورة المضادة، كما توقع تروتسكي.
إنهم يحاولون البحث عن المساعدة والدعم لدى أشخاص مثل بوش، تاتشر وكول. من المثير للغثيان بشكل كبير رؤية الطريقة التي يتذلل بها غورباتشوف أمام الإمبرياليين. إن الرأسمالية، خلال المرحلة التي تنفتح أمامنا، ستتجه نحو الأفول، الأمراض والتفكك، كما تفككت الستالينية في شرق أوروبا والاتحاد السوفياتي.
لقد كنا طيلة الخمسين سنة الأخيرة، نبني وندافع ونعمق أفكار تروتسكي ولقد تمكنا من بناء حركة ستنجح في تغيير حزب العمال والنقابات والمجتمع في بريطانيا وأمميا. سنمهد الطريق من اجل التحقيق الكامل لأفكار تروتسكي.
حتى اللحظة، لا تزال ذكرى اغتيال تروتسكي تملئ العين دمعا.
يا لها من تضحيات تلك التي قدمها. لقد تم قتل أفراد أسرته، رفاقه، البلاشفة القدامى أبيدوا عن آخرهم. لقد حققت الردة الستالينية والإصلاحية انتصارا آنذاك. لقد تعرض تروتسكي لكل هذا لكنه لم يوقفه عن القيام بالعمل الضروري في تكوين الكوادر من اجل تطوير الحركة. على أساس أفكاره، بعد تطويرها وتعميقها، سوف نتقدم نحو تحقيق النصر.
تيد غرانت
نشر لأول مرة، في: MILITANT، يوم: 17 غشت 1990
ترجم ونشر بالعربية بتاريخ 29 غشت 2006
عنوان النص بالإنجليزية :