إعدام صدام حسين كان عملية محسوبة بطريقة جد كلبية وقد علقت فوق أعواد المشنقة لافتة مكتوب عليها “المهمة منتهية”. إعدامه لن يحقق ولو يوما واحدا من الخلاص من البؤس والإهانة والعنف الذي يعانيه الشعب العراقي تحت الاحتلال. وإذا ما خرج بعض الشيعة للاحتفال بإعدامه – وهو رد فعل مفهوم بالنظر إلى القمع الذي عانوا منه تحت نظام صدام- فإن هذا الشعور سيكون قصير العمر جدا. ومن جد المحتمل أن تؤدي عملية الإعدام هذه فقط إلى تصعيد الصراعات الطائفية بين الشيعة والسنة، كما اتضح ذلك من خلال حدوث انفجارين اثنين جاءا مباشرة بعد موت صدام حسين وأديا إلى مقتل 68 شخص وجرح 130 آخرين.
كما أن موت صدام لن يؤدي إلى ادخار ولو سنتيم واحد من مئات ملايير الدولارات التي تبذرها الحكومة الأمريكية في الحرب على حساب مستوى عيش العمال الأمريكيين وعلى حساب أي استقرار اقتصادي مستقبلي. وفيما يتعلق بالجنود الأمريكيين فإنه لن يتم ادخار ولو حياة جندي واحد حيث تجاوز عدد القتلى 3000، وهو ما أريد لعملية الإعدام أن تصرف نظر الرأي العام الأمريكي عنه.
يبدو أن عملية الإعدام كانت جزءا من استراتيجية للتحضير لتصعيد وثيرة الحرب. بينما كانت الأنظار مركزة على إعدام صدام، أعلن البنتاغون أنه سيرسل 3500 جندي إضافي إلى الكويت. وكذلك خلال تلك المرحلة، اجتمع كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية لنقاش الرفع من حجم القوات إلى 20,000 أو 30,000 عبر تسريع عملية نشر القوات وتأجيل مغادرة فرق المارينز. هناك تحضيرات للقيام بهجوم كبير وقد جاء توقيت إعدام صدام للفت انتباه الرأي العام عن ذلك.
كان الهدف من إعدام صدام أيضا زيادة شعبية الرئيس المالكي، الذي نصبه الاحتلال، بين الشيعة الغير التابعين لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. لقد ضغطت إدارة بوش على المالكي ليقوم بضرب الميليشيات الشيعية المرتبطة بالصدر، لكن المالكي قاوم تلك الضغوطات لأنه سيفقد، في حالة عدم مشاركة الصدر في الحكومة، أي مظهر من مظاهر الدعم الشيعي ومن تم قد يتعرض نظامه الهش أصلا للانهيار بسرعة. بتسريعه لإعدام صدام أراد المالكي إخماد غضب الجماهير الشيعية بينما تحضر الولايات المتحدة لهجوم سيستهدف غالبا ميليشيات الصدر، التي تتحكم في العديد من الأحياء الفقيرة في العراق.
من المعبر أن صدام أرسل إلى الموت فقط من أجل واحدة من الجرائم الكبرى المتهم باقترافها. لقد اعتبر مذنبا بقتله لـ 146 شيعي في الدجيل سنة 1982، بينما التهم المتعلقة بمجازر أكبر ضد الأكراد سنة 1987- 88، والقمع الهمجي للأكراد والشيعة سنة 1991، تركت بدون تحقيق. ليس هذا من قبيل المصادفة. فسنة 1987-88 كانت الولايات المتحدة وراء تزويد العراق بالأسلحة في حربه ضد إيران. وعندما كان صدام يضرب الأكراد بالغازات، أرسل رامسفيلد إلى العراق، لطمأنة صدام بأنه ليس للولايات المتحدة أي مشكل مع تلك الوحشية ما دام يتصرف وفق ما يخدم مصالحها.
خلال قمع الأكراد والشيعة، سنة 1991، بعد نهاية حرب الخليج الفارسي، كان جورج بوش الأب هو من شجع هؤلاء على التمرد ضد صدام وبعد ذلك تركهم عرضة للسحق، حتى لا تتطور إلى انتفاضة شعبية قد تخرج عن سيطرة الولايات المتحدة. لقد لعبت الولايات المتحدة دورا كبيرا في هذه الجرائم وغيرها التي حدثت في ظل نظام صدام. لو سمح لمحاكمة صدام أن تسير بعيدا، لكان من المحتمل أن يفضح تورط الولايات المتحدة مع نظامه أمام أنظار الرأي العام. ومن تم فإن مصالح الإمبريالية الأمريكية اقتضت أنه من الأفضل التضحية بصدام بسبب تهمة ليس للولايات المتحدة فيها تورط مباشر، بدل فتح ملفات باقي التهم الأخرى.
قد يكون صدام مستبدا همجيا، لكنه كان الطفل المدلل للإمبريالية الأمريكية في المنطقة طيلة مدة حكمه. لقد كان رجلهم عندما كان الأمر يتعلق بتصفية الشيوعيين والنقابيين وكل من قاوم الاستغلال الرأسمالي. عندما كان الأمر كذلك، لم يكن للبيت الأبيض أية مشكلة مع جرائمه، مثلما هو الحال مع جرائم غيره من الدكتاتوريين الدمويين الذين تدعمهم عبر العالم. فقط عندما انتهت صلاحية صدام واستهلك، اكتشفت الولايات المتحدة فجأة أن لديها مشكلة مع همجية صدام.
أيا كان سوء نظام صدام حسين، لا يمكن أن يقارن بهمجية الإمبريالية الأمريكية. لقد أسفرت حرب احتلال العراق، التي شنت بمبرر كاذب هو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، عن مقتل ما يقدر بـ 655,000 عراقي منذ مارس 2003. في ظل حكم جورج بوش الأب ثم بيل كلينتون وبعدهما جورج بوش الابن، فرضت الولايات المتحدة حصارا على العراق أدى إلى موت أزيد من 1,5 مليون عراقي، بين سنوات 1991 و2003. طبعا لا يدور الحديث هنا سوى على العراق. لكن السياسات الاستغلالية والقمعية الإمبريالية ليست مقتصرة على بلد واحد. إنها تصيب أغلب بلدان العالم. مقارنة جرائم صدام حسين بجرائم الإمبريالية يشبه مقارنة ممارسات نشال حقائب بمجرمي المافيا المنظمين.
ليس للإمبريالية من مصلحة في التوصل إلى سلام حقيقي في العراق. لا يمكن لأي سلام في ظل الإمبريالية إلا أن ينتهي بالمزيد من الاضطهاد والاستغلال والأزمات. مصالح الإمبريالية مناقضة بشكل مطلق لمصالح الطبقة العاملة العالمية، بما فيها الطبقة العاملة الأمريكية. سيتطلب الأمر تحركا أمميا للطبقة العاملة ضد الإمبريالية والرأسمالية للقضاء بشكل نهائي على الحروب وعلى الرأسمالية نفسها.
يعني هذا في بلدنا البدء بالتعبئة المكثفة للمعارضة ضد احتلال العراق حول المطالب التالية: “لا للحرب على العمال في الداخل والخارج!”، “عودة القوات فورا!”، “تخصيص الأموال لتوفير مناصب الشغل، والصحة والتعليم وليس الحرب!” ومع احتمال تصاعد حدة الحرب بعد إعدام صدام حسين، من المستعجل أن تضاعف الحركة المعارضة للحرب من جهودها التنظيمية الآن.
مارك فوربال
الجمعة: 05 يناير 2007
عنوان النص بالإنجليزية: