أثارت مبادرة حزب النهج الديموقراطي الأخيرة فيما يخص قضية الصحراء، وكما هو متوقع، العديد من ردود الفعل المؤيدة والمعارضة. وبينما هذه الورقة قيد الصياغة، تناسلت الردود، لكن إذا ما استثنينا بعض “الردود” التي كتبها عصبويون كل رصيدهم هو السباب وكيل الشتائم، فإن باقي الردود الأخرى، لا سواء منها المؤيدة أو المعارضة، (ورقة علي فقير كمثال عن الأولى وورقة الحسين أمال وعزيز المنبهي كمثال عن الثانية) تتفق جميعها على قواسم مشتركة جوهرية من قبيل “الشرعية الدولية” والرهان على الأمم المتحدة، الخ. مما يجعلنا نعتقد أن ورقتنا هذه لا تزال تحافظ على راهنيتها وضرورتها. (24 فبراير 2007)
«إن انتظار السلام من المفاوضات والاتصالات بين الحكومات البورجوازية إنما هو خداع للنفس وخداع للشعب» لينين: رسائل من بعيد، الرسالة III.
في رسالة مفتوحة1 إلى كل من الحكومة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب (ج، ش، ت، س، ح، و، ذ)، دعا حزب النهج الديموقراطي «الحكومة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب إلى الجلوس على طاولة المفاوضات قصد البحث الجدي عن حل سياسي متفاوض عليه، في إطار مقررات المنتظم الدولي»، وعبر فيها عن استعداده “للمساهمة في إنجاح هذه المبادرة”. والحيثيات التي دفعت بحزب النهج الديموقراطي إلى القيام بهذه المبادرة هي، حسب نفس الوثيقة، كون النزاع حول الصحراء قد وصل في الفترة الأخيرة، إلى الباب المسدود، مما يهدد أمن واستقرار المنطقة ومصالح ومستقبل شعوبها و«وعيا منه بخطورة المأزق الذي آلت إليه قضية الصحراء» و«اعتبارا لكون الصراع تسبب في مآسي إنسانية لا حصر لها» و«نظرا لكون قضية الصحراء ظلت تستعمل لإجهاض نضال الشعب المغربي» واستحضارا من الحزب لواجبه «كقوة سياسية ما فتئت تناضل من أجل التحرر والديموقراطية على طريق الاشتراكية ومن أجل وحدة شعوب المغرب الكبير كضرورة تاريخية لا مفر منها وتنبذ الشوفينية وتنادي بالحلول السلمية، لقضية الصحراء، المرتكزة على الشرعية الدولية.»
في البداية وقبل أن نبدأ في نقاش هذه الأفكار،لابد أن نسجل لحزب النهج الديموقراطي أنه الحزب الوحيد في المغرب الذي حافظ لنفسه على مسافة مع السعار الشوفيني الذي ينشره النظام وتتماهى معه جميع الأحزاب الأخرى. كما أن العديد من مناضليه قدموا الكثير من التضحيات بسبب دفاعهم عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وهكذا فإن نقاشنا لما نعتبره أخطاء في تصور هؤلاء الرفاق، هو نقد رفاقي لكن حازم، نقد حازم لكن رفاقي، استنادا إلى النظرية الماركسية، هدفه تسليح المناضلين الاشتراكيين الحقيقيين، بالتصور الماركسي الثوري لمسألة الصحراء والمسألة القومية عموما، لتجنيبهم السقوط في مستنقعات التعاون الطبقي. خاصة وأن طريق جهنم مفروش، كما هو معلوم، بالنوايا الطيبة.
فعلا، وكما أشار الرفاق، تسببت الحرب في الصحراء في مآسي إنسانية لا حصر لها، آلاف القتلى والمعطوبين، آلاف المنفيين، تبذير ملايير الدولارات لشراء الأسلحة المدمرة وإغناء شرذمة من كبار ضباط الجيش وشراء الذمم، الخ. هذا صحيح، وأيضا شكلت، عبر عقود من الزمن، أفضل وسيلة في يد الطبقة السائدة لإجهاض نضالات الشعب المغربي.
لكن الماركسيين عند دراستهم للحروب لا يكتفون بأن يشيروا إلى المآسي التي تنتجها، ويذرفون الدموع على القتلى والمعطوبين ثم يدعون في النهاية إلى وقفها عبر «البحث الجدي عن حل سياسي متفاوض عليه». إن الماركسيين، وعلى خلاف المسالمين البورجوازيين والبورجوازيين الصغار، يدركون حتمية الحروب في ظل المجتمع الرأسمالي، والمجتمع الطبقي عموما، ويدركون أن القضاء على الحروب رهين ليس بالمفاوضات ولا بالدعوات الصالحة، بل بالقضاء على المجتمع الرأسمالي نفسه. إن النضال ضد الحرب هو نضال من أجل التغيير الاشتراكي للمجتمع. ويلخص لينين هذه الحقيقة بروعة عندما يقول: «لقد ندد الاشتراكيون دائما بالحرب بين الشعوب باعتبارها عملا من أعمال البرابرة والوحوش. غير أن موقفنا نحن من الحرب يختلف مبدئيا عن موقف المسالمين البورجوازيين (أنصار السلام ودعاته) والفوضويين. فنحن نمتاز عن الأوائل بكوننا ندرك الصلة الحتمية التي تربط بين الحروب والنضال الطبقي وندرك أنه من المستحيل القضاء على الحروب دون القضاء على الطبقات ودون إقامة الاشتراكية»2
كما أن الماركسيين لا ينبذون الحروب في المجرد، ويدعوا إلى إيقافها و”الاحتكام إلى طاولات المفاوضات”، بل يوجهون انتباههم إلى دراسة كل حرب على حدة ليحددوا طبيعتها. حيث نجد في التاريخ إلى جانب حروب النهب واللصوصية، حروبا أدت، بالرغم من كل المآسي التي سببتها، إلى تحرير شعوب أو طبقات وإلى تغيير الأوضاع نحو الأفضل، من قبيل الحروب التي قوضت الأنظمة الإقطاعية في أوروبا ما بين سنوات 1789 وعام 1871، أو حروب الاستقلال. تلك الحروب أيدها الماركسيون ونظروا إليها دائما نظرة عطف وحثوا على مواصلتها وتمنوا انتصارها. مثل تلك الحروب لم يدع الماركسيون أبدا إلى إيقافها وتعويضها “بالمفاوضات” أي بالألاعيب الديبلوماسية والنفاق.
ينطلق الماركسيون، عند دراستهم لأي حرب، وقبل أن يعطوا موقفهم من أي حرب ومن تم يحددوا سياستهم اتجاه أي حرب، من أنها استمرارية للسياسية بوسائل أخرى، أي بوسائل العنف. ومن تم فقد عملوا دائما، بدل التأوهات والدعوات الفارغة إلى وقف الحرب، على تحليل طبيعة السياسة التي تكون تلك الحرب استمرارا لها. السياسة التي أدت في نقطة معينة إلى الحرب.
بتطبيقنا لهذه الطريقة على الحرب التي تدور، تارة بشكل مستتر وتارة بشكل معلن، في الصحراء، سنجد أن الطبقة السائدة في المغرب تخوضها من أجل الحفاظ على سيطرتها على ثروات المنطقة الغنية واستغلال موقعها الاستراتيجي، كما ترى فيها وسيلة لصرف انتباه الجماهير الكادحة عن همومها الحقيقية وعن أعدائها الداخليين نحو “أعداء” خارجيين وهميين وبث سموم الشوفينية بين صفوف الشعب للتمكن من تمتين “الجبهة” حول “ضامن وحدة البلاد”… ومن ثم فإنها حرب رجعية بالمطلق يجب على الماركسيين الحقيقيين أن ينددوا بها ويفضحوها ويناضلوا ضدها.
أما الحرب التي يخوضها الشعب الصحراوي فهي حرب من أجل فرض الحق في تقرير المصير، من أجل تحرير شعب تحت الاحتلال، ومن ثم فإنها حرب تقدمية، عادلة، يجب على الماركسيين أن يدافعوا عنها ويؤيدوها ويتمنوا انتصارها. ولكي يحققوا ذلك، يجب عليهم أن لا يزرعوا الأوهام بين جماهير الشعب الصحراوي حول إمكانية تحقيق الخلاص في ظل الدكتاتورية الرأسمالية، أو عن طريق التفاوض و”الحلول السلمية”، أو عن طريق الشرعية الدولية، فهذا ليس دور الماركسيين، إنه دور الإصلاحيين وأسيادهم البورجوازيين والإمبرياليين، وهؤلاء، كما هو معلوم، لديهم ما يكفي من الوسائل لكي يقوموا بهذه المهمة القذرة لأنفسهم بأنفسهم.
إن دور الماركسيين، على النقيض من ذلك، يتمثل في أن يشرحوا للجماهير أن حروب الاستعمار والنهب، مسألة حتمية في ظل الرأسمالية، ولا يمكن القضاء عليها ولا وقفها بالدعوات الصالحة إلى التعقل ولا بالمفاوضات. لا يمكن القضاء عليها إلا بنضال ثوري ينتهي بالقضاء على الرأسمالية نفسها. دورهم يتمثل في أن يفضحوا رجعية ونفاق الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة ومؤسساتها الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.
لا يمكن لماركسي حقيقي أن يتمنى وقف الحرب التحررية ويدعوا إلى استبدالها بسياسة سلمية وبالمفاوضات، أي إلى استبدالها بالأوهام. «إن الماركسية – يقول لينين- ليست مذهب المسالمة. إن النضال في سبيل وقف الحرب بأسرع ما يمكن أمر لا غنى عنه. ولكن مطلب “السلام” لا يأخذ معنى بروليتاريا إلا عندما يصحبه النداء إلى النضال الثوري. فبدون سلسلة من الثورات يبقى ما سمي بالسلام الديموقراطي وهما من الأوهام البورجوازية الصغيرة».3
هذا هو الموقف الماركسي لكن يبدو جليا، من خلال رسالة الرفاق المفتوحة، أنهم يأخذون نفس المسافة من كلا الحربين، يضعونهما في سلة واحدة ويدعون إلى وقفهما كليهما، بـ”الجلوس على طاولة المفاوضات قصد البحث الجدي عن حل سياسي متفاوض عليه”، بل ويتطوعون بكل سذاجة للوساطة بين الذئب و”الحمل”. ما أشبه من يدعوا إلى إيقاف الحرب التحررية بين المستعمَر والمستعمر، “بالجلوس إلى طاولة المفاوضات”، بذلك الذي يدعوا إلى إيقاف الحرب الطبقية بين المستغَل والمستغل عبر “الجلوس إلى طاولة المفاوضات”. كلاهما يعاكس كل قوانين التاريخ وكلاهما ينطلق من موقف خاطئ وينتهي، بغض النظر عن نواياه، إلى خلاصة رجعية.
وحدة شعوب المنطقة المغاربية
إن وحدة شعوب المنطقة المغاربية صارت، كما عبر الرفاق بحق، ضرورة تاريخية لا مفر منها. هذا أكيد. لكن الأكيد أيضا هو أن هذه الوحدة مستحيلة دون قطيعة جذرية مع النظام الرأسمالي.
لقد كان الاستعمار هو المسؤول على تقسيم المنطقة إلى دويلات ورسم الحدود المصطنعة بينها وإقامة أنظمة عميلة مرتبطة به ساهرة على تأبيد ذلك التقسيم الذي لا يخدم سوى مصالح الإمبريالية والأوليغارشية المحلية. وفي المقابل كانت حركة المقاومة ضد الاستعمار حركة ضد التقسيم. لكن في غياب قيادة بروليتارية للحركة الثورية ضد الاستعمار، ضاعت كل تلك التضحيات هباء وتمكنت الأوليغارشية من إجهاض ذلك الحلم وبلقنة المنطقة كما حاولت، طيلة سنوات حكمها، إشعال نيران الحقد والعداء بين شعوب المنطقة المغاربية.
إن هذه الأنظمة الرأسمالية، بسبب قانون التطور الغير متكافئ، الذي يجعل لكل منها خصوصيتها ومصالحها الخاصة مما يدفعها بالضرورة إلى التنافس فيما بينها، وارتباطها بالدوائر الإمبريالية، ليست عاجزة فقط عن تحقيق الوحدة، بل هي معادية لها وأكبر عائق أمام تحققها.
لقد أعطي لبورجوازيات المنطقة المغاربية ما يكفي من الوقت لتظهر ما الذي في إمكانها تحقيقه فيما يخص بناء مغرب الشعوب وتحقيق السلام والازدهار، الخ. وقد أظهرت ما الذي في مقدورها تحقيقه: المزيد من الاستغلال والتخلف والبؤس والديكتاتورية والصراعات والانقسام.
فقط البروليتاريا، بتحالف مع الفلاحين الفقراء وجميع المستغلين، من ليس لديها أية مصلحة في استمرار الانقسام المصطنع والاضطهاد القومي. ووحدها من لديه القدرة على تحقيق وحدة شعوب المنطقة المغاربية، في ظل فدرالية اشتراكية للمنطقة المغاربية، ليمكن لأول مرة تجميع ثروات المنطقة الاقتصادية واستثمارها وفق مخطط اشتراكي موجه لخدمة مصالح الأغلبية الساحقة.
قد يقول بعض من «أوهنهم الارتياب، وصيرهم الادعاء بالعلم والمعرفة بلداء بلهاء، والذين يميلون إلى خطب الندامة، ويتعبون سريعا من الثورة، ويحلمون، كما يحلمون بعيد من الأعياد، بجنازة الثورة، والاستعاضة عنها بنثر دستوري4»، أن هذا ليس سوى يوتوبيا! إننا نعتقد أن اليوتوبيا الحقيقية هي الاعتقاد في إمكانية تحقيق مغرب الشعوب ووحدة الشعوب في ظل أنظمة معادية للشعوب. هي الاعتقاد في إمكانية تحقيق ذلك في ظل النظام الرأسمالي الذي لم يعُد يعِد الإنسانية سوى بالحروب والبطالة والجوع والاستغلال. وعبر ماذا؟ عبر “الجلوس على طاولة المفاوضات” والاحتكام إلى “الشرعية الدولية”.(!!!)
المأزق؟
كان من بين أهم الأسباب التي دعت الرفاق في النهج الديموقراطي إلى طرح مبادرة الوساطة بين الحكومة المغربية وجبهة البوليزاريو، حسب ما جاء في الرسالة المفتوحة، وعيهم “بخطورة المأزق الذي آلت إليه قضية الصحراء” و”كون النزاع حول الصحراء قد وصل في الفترة الأخيرة، إلى الباب المسدود، مما يهدد أمن واستقرار المنطقة ومصالح ومستقبل شعوبها”.
أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ عند قراءته لموقف الرفاق هو التساؤل عن أي مأزق بالضبط يتحدثون؟ ومأزق من بالضبط؟ ومن الذي وصل إلى الباب المسدود؟
هل الحديث يدور هنا عن الجماهير الكادحة المغربية والصحراوية؟ إذا كان الأمر كذلك فإن الوقائع التي تدور على الأرض تنفي تماما ما يقوله الرفاق. إن الجماهير المغربية، بدأت تعرف نهوضا نوعيا رائعا في نضاليتها. بل وكما سبق لنا أن برهنا على ذلك في مقالتنا الربيع المغربي «إنها من المرات القلائل في تاريخ المغرب التي يشهد فيها الصراع الطبقي مثل هذا الانفجار المتزامن في جميع المدن الرئيسية: البيضاء، الرباط، سلا، طنجة، وجدة، فاس، خنيفرة، مراكش،، أكادير، طاطا، سيدي افني، الخ. وكذا العديد من البوادي، وترفع شعارات متقاربة بل متشابهة، منددة بالغلاء والخوصصة… وتشارك فيها مختلف فئات الكادحين، نساء ورجالا ومن جميع الأعمار». كما أن إضرابات الطبقة العاملة تزايدت وتسارعت وتيرتها وازدادت كفاحيتها وتوسعت وتعمقت قاعدتها. وليس كل هذا سوى بداية مرحلة تنبئ بأجمل الآفاق.
جماهير الشعب الصحراوي بدورها عرفت في الآونة الأخيرة نهوضا عارما وجرأة في النضال تستحق التقدير. مواجهات بطولية ضد قوات القمع، وشراسة في التحدي واستعداد لتقديم جميع التضحيات من أجل فرض الحق في تقرير المصير. انتفاضات عارمة متزامنة في كل الأراضي الصحراوية المحتلة، شارك فيها الرجال والنساء من جميع الأعمار، والنضالات البطولية التي يخوضها المعتقلون السياسيون الصحراويون داخل السجون والطلاب الصحراويون في الجامعات، هذه هي الصورة كما تؤكدها الوقائع التي لا تستطيع حتى وسائل الإعلام الأكثر إغراقا في الشوفينية نفيها.
إن هذه النضالية التي يعرفها المغرب والصحراء الغربية بل وكل المنطقة المغاربية، من وجهة نظرنا، ليست دليلا على وجود مأزق ما، بل دليلا على قرب اليوم الذي ستكنس فيه أيدي العمال والكادحين هذه الأنظمة العفنة وتبني مستقبلا زاهرا. كما أن تزامن هذه النضالات بين كل بلدان المنطقة المغاربية، إنما يضع الأسس لوحدة نضالية بين شعوب المنطقة: الصحراوي والأمازيغي والعربي، الخ. ضد أنظمة الاستغلال والاضطهاد والقهر القومي القائمة في المنطقة.
الجماهير قدمت وتقدم كل ما في مقدورها من أجل تغيير واقعها البئيس. وليس هناك ما يمكن أن يطلب منها أكثر. وإذا كان يحق لنا الحديث هنا عن مأزق فهو مأزق القيادات العمالية العاجزة عن تقديم بديل ثوري لتلك النضالات. إنه مأزق الأحزاب اليسارية التي تخلت عن المهمة التاريخية التي وجدت من أجلها، ألا وهي تغيير المجتمع تغييرا ثوريا، لتصير مجرد وسائل في يد الطبقة السائدة للجم نضالات العمال والشعوب المضطهدة ولضبط الأوضاع، والتي تحرجها هذه النضالات وتفضح جبنها وتواطئها وخيانتها. إن الأزمة هنا هي أزمة ناجمة عن ضعف القيادة الثورية.
وتجاوز هكذا مأزق لا يتأتى إلا بالعمل على تنظيم الطبقة العاملة، بغض النظر عن انتماءاتها العرقية أو اللغوية، وتسليح نضالاتها ببرنامج ثوري يربط بشكل علمي جدلي بين النضال من أجل الحقوق الديموقراطية وبين النضال من أجل استيلاء الطبقة العاملة على السلطة. برنامج يدمج بين المهام الديموقراطية للثورة (الحقوق القومية، المساواة بين الرجل والمرأة، الخ) وبين المهام الاشتراكية (مصادرة أملاك كبار أصحاب الأراضي والرأسماليين ووضعها تحت الرقابة العمالية).
أما إذا كان الرفاق يتحدثون عن مأزق الإمبريالية ومشاريع سلامها المزعوم، فإنهم محقون تماما. إذ أن الإمبريالية أعطت الدليل على عجزها المطلق عن تقديم حل لأي من المشاكل التي تواجهها الإنسانية. بل إن كل المشاريع و”الحلول” التي تقدمها، في أي منطقة من العالم، سرعان ما تنفجر في وجهها، والطريف هو أن تلك “الحلول” التي تقدمها الإمبريالية لبعض المشاكل، سرعان ما تتحول هي أيضا إلى مشكل عويص. ومن يريد دليلا على ما نقوله يكفيه أن ينظر إلى فلسطين، تيمور، العراق، الحرب على الإرهاب، على سبيل المثال لا الحصر.
بل ليست عودة المسألة القومية إلى الانفجار في عصرنا سوى دليل على عمق المأزق الذي وصله النظام الرأسمالي العالمي5 والفشل الذريع الذي واجه كل مشاريع الإمبريالية في المنطقة هو تأكيد لصعوبة المأزق وعمقه. لكنه مأزق مرتبط بطبيعة الإمبريالية نفسها. فالإمبريالية، كما سبق للينين أن شرح، هي الرجعية والتعفن على طول الخط ولا يمكنها أن تقدم أي حل لشعوب المنطقة. ثم إن تناقض المصالح بين القوى الإمبريالية وصراعها من أجل اقتسام وإعادة اقتسام مناطق النفوذ، وتناقض المصالح بين القوى المحتاجة إلى نوع من الاستقرار لضمان استغلال سلمي لثروات المنطقة وشعوبها وبين القوى الأخرى المحتاجة إلى الاضطرابات واللااستقرار لمنع حدوث ذلك ولضمان سوق أسلحة بالملايير، مع إمكانية تغير المواقع حسب تغير المصالح… كلها عوامل تؤبد الأزمة وتجعل من المستحيل تحقيق أي سلام دائم وعادل في المنطقة.
في مواجهة هذا المأزق يتوجب على الماركسيين أن يحاربوا الأوهام التي يحاول منظرو الإمبريالية والإصلاحيون نشرها بإمكانية تحقيق أي سلام في ظل نظامهم المنحط المريض الذي يتقيأ الحروب والاستغلال والدمار. على الماركسيين أن يفضحوا نفاق الإمبريالية عندما تتغنى “بالسلام” و”الحلول العادلة” ويبينوا للجماهير أنه ليس هناك من حل إلا بالتغيير الاشتراكي للمجتمع. لا أن يسقطوا هم أيضا في التطبيل “للشرعية” الدولية: شرعية اللصوص الإمبرياليين وقطاع الطرق. ويسقطوا (بغض النظر عن نواياهم) في مستنقعات تقديم غطاء يساري لمشاريع رجعية مهمتها خداع الجماهير والالتفاف على نضالاتها.
لقد سبق للرفاق في النهج الديموقراطي أن شرحوا أن التناقض الأساسي هو بين «الطبقة العاملة وعموم الكادحين من جهة، والطبقات السائدة والإمبريالية من جهة ثانية». وأكدوا أن «ذلك يفترض بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين[…]» وهذا صحيح تماما، لكنه يتناقض بشكل جذري مع ذلك الرهان الغبي على “الشرعية” الإمبريالية وعلى مؤسساتها الدولية وهذا ما سنفصل فيه لاحقا.
وإذا كان الرفاق يتحدثون عن مأزق قيادة (ج، ش، ت، س، ح، و، ذ) فهذا صحيح أيضا. لقد تشكلت الجبهة منذ تأسيسها كمنظمة “حرب عصابات ستالينية كلاسيكية”، تربط مهام تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني بخلق “جمهورية ديموقراطية عربية”. وقد تبنت تصورا قوميا ضيقا، لم يعط أهمية كبيرة للتحالف مع الطبقة العاملة وعموم الكادحين لا في المغرب ولا في الجزائر ولا أي بلد آخر من بلدان المغرب الكبير. وبدل ذلك (وبسبب ذلك) تورطت في تحالفات مشبوهة مع قوى إقليمية (ليبيا، الجزائر..) وإمبريالية، فتحولت إلى لعبة في يدها لخدمة مصالحها ودبلوماسيتها. كما كان الشأن مثلا عندما ساند نظام القدافي البوليزاريو، قبل أن يتخلى عنها سنة 1984 ويوقع “معاهدة وحدة” مع المغرب، في محاولة لخلق محور ضد الجزائر ولإقناع الحسن بعدم إرسال قواته لدعم النظام التشادي في حربه ضد ليبيا التي كانت تدعم المتمردين.6
لم تؤدي طريقة حرب العصابات والعزلة عن نضالات الطبقة العاملة المغربية والجزائرية، الخ. إلى تحقيق أي هدف من أهداف الشعب الصحراوي، برغم سنوات طويلة من التضحيات. والأسوأ هو قيام قيادة البوليزاريو باستبدال هذه الطريقة بالاعتماد على لعبة الدبلوماسية واستجداء الدعم من الحكومات البورجوازية والقوى الإمبريالية. وهي السياسة التي وصلت إلى الباب المسدود تماما. إذ لا توجد أية حكومة مستعدة للدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. ولا حتى الجزائر التي ليست القضية بالنسبة لها سوى ما يشبه لعبة عض الأصابع بينها وبين النظام المغربي: من سيصرخ الأول. إذ أن الطبقة السائدة في الجزائر لن تسمح أبدا، برغم المظاهر، بحدوث تغيير جذري في المنطقة، كما أنها تعلم جيدا جدا أن تحقيق الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير سيؤدي حتما إلى تشجيع كل الشعوب المضطهدة في المنطقة وفي الجزائر أيضا (الأمازيغ…) إلى المطالبة بحقوقها القومية.
كما أن المشروع السياسي الذي تتبناه البوليزاريو لدولة في ظل الرأسمالية، يجعلها حتى لو تمكنت من تحقيق دولة “مستقلة” بفضل مساعدة الإمبريالية و”شرعيتها”، فسرعان ما سيتبين للجماهير الكادحة الصحراوية أن ذلك الاستقلال ليس سوى استعمار جديد استفاد منه بعض الوصوليين مقابل بيعهم لثروات الوطن بأبخس مما كان الآخرون يبيعونها. ليس هناك من مخرج في ظل الرأسمالية!
للخروج من هذا المأزق لا بد من امتلاك منظور ماركسي للمسألة القومية. يجب الحسم مع المنظور القومجي الضيق المبني على فصل نضالات الشعب الصحراوي عن نضالات شعوب المنطقة، والتحالف في المقابل مع الأنظمة والقوى الإمبريالية -عدوة الشعوب وعدوة الشعب الصحراوي نفسه-، يجب التخلص من وهم إمكانية الحل في ظل الرأسمالية وتبني برنامج ثوري يربط بين النضال من أجل التحرر القومي بالنضال من أجل القضاء على النظام الرأسمالي. للخروج من هذا المأزق يتوجب التخلي عن طريقة حرب العصابات المفصولة عن الجماهير والعمل على تنظيم نضالات الجماهير الصحراوية، من خلال مجالس منتخبة ديموقراطيا في الأحياء الفقيرة وأماكن العمل والجامعات وتشكيل ميليشيات الدفاع الذاتي وتسليحها، لكن تحت رقابة المجالس الشعبية وليس بالانفصال عنها… وقد أعطت التحركات الأخيرة للجماهير الصحراوية، في المناطق المحتلة، الأرضية الصلبة التي يمكن البناء على أساسها.
والآن إذا كان الرفاق يتحدثون عن مأزق النظام القائم بالمغرب فهم محقون أيضا. إذ يعيش النظام أزمة خانقة على جميع المستويات. ونضالات الجماهير المغربية والصحراوية زادت من تعميق تلك الأزمة وتسعير التناقضات حتى داخل صفوف الطبقة السائدة نفسها. وجميع مناوراته، فيما يخص قضية الصحراء، لم تعد تجديه نفعا. جهاز القمع أصيب بالإنهاك. وبالرغم من كل القمع المسلط على نضالات الشعب المغربي والصحراوي فإن نضالاتهما لا تفتأ تتصاعد، كما أن عزلته حتى عن حلفاء الأمس صارت تتزايد بشكل سريع (التصويت الأخير في الأمم المتحدة).
لكن ما هي سياسة النظام التي وصلت إلى المأزق؟ إنها تلك السياسة التي يصفها الرفاق قائلين:
«إن النظام استعمل ويستعمل قضية الصحراء لتقوية أركانه وتقوية الطبقات السائدة. هكذا وظف النظام قضية الصحراء، بعد الانقلابات العسكرية في بداية السبعينات، لبناء “إجماع” حوله مكنه إدخال قوى المعارضة التقليدية في “مسلسل ديمقراطي” مزعوم تحكم فيه بالكامل للحفاظ على جوهره الاستبدادي. وظل يستعمل قضية الصحراء للتنفيس عن أزماته وأزمات الطبقات السائدة وتحميل عبئها للجماهير الكادحة. كما أن قضية الصحراء فتحت إمكانيات هائلة للنهب من طرف المافيا المخزنية، حيث تنفق ميزانيات خيالية، خاصة من طرف الجيش، من دون حسيب أو رقيب.
وقد وظفت قضية الصحراء أيضا لتبرير المزيد من الإذعان للامبريالية وتقديم التنازلات لها على المستوى السياسي (التطبيع الشبه الرسمي مع إسرائيل، دعم مخططات الامبريالية الأمريكية في المنطقة، انعقاد “منتدى المستقبل” في بلادنا كأول حلقة في مخطط “مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا”…) والاقتصادي (اتفاقية التبادل الحر…) والأمني (قيام المغرب بالأعمال الوسخة كتعذيب الإرهابيين المفترضين لحساب أمريكا…) والعسكري (المناورات المشتركة، منح قاعدة عسكرية في درعة…).».
هذه هي السياسة التي وصلت إلى المأزق. السؤال المطروح الآن هو هل عندما تصل مثل هذه السياسة إلى المأزق والباب المسدود تكون مهمتنا، نحن الماركسيين، هي الوساطة من أجل “نزع الفتيل” وإعطاء “الحلول”؟ من وجهة نظرنا نحن، ما يجب القيام به هو العكس تماما.
«يترتب على الاشتراكيين، في حالة نشوب الحرب، أن يستغلوا الأزمة الاقتصادية والسياسية الناجمة عن هذه الحرب، بغية تعجيل سقوط الرأسمالية، أي استغلال المصاعب التي تفرضها الحرب على الحكومات، وكذلك استياء الجماهير، من أجل الثورة الاشتراكية»7، هذه هي السياسة الوحيدة الجديرة باشتراكيين أممين حقيقيين وليس عرض الخدمات على الدكتاتورية، سيما وأنه ليس هناك من شيء سيثبت –مؤقتا على الأقل- أركان النظام ويقوي شرعيته بين الفئات الأشد تأخرا أكثر من توصله إلى حل ينقذ به ماء وجهه من هزيمة مذلة، ليتفرغ لتصفية بعض “المسائل العالقة” وعلى رأسها سحق الحركة الجماهيرية وفرض “السلام الاجتماعي”.
ليست الوساطة من أجل إنقاذ “الأطراف” من الأزمة والباب المسدود الذي أوصلتهم إليه سياستهم بالذات والتي هي نتاج حتمي لنظامهم هم بالذات، سياسة اشتراكية، بل هي ممارسة انتهازية يجب على كل ماركسي حقيقي أن يناضل ضدها. يقول لينين في هذا السياق: «إن المحتوى السياسي والفكري للانتهازية والاشتراكية الشوفينية واحد هو تعاون الطبقات بدلا من الصراع فيما بينها والتخلي عن وسائل النضال الثورية ومساعدة حكوماتـ”ها” وقت الشدة بدلا من استغلال مصاعبها لصالح الثورة8»
ثم حتى السلام المنشود، والذي يعتبر أحد أهم الدوافع التي جعلت الرفاق في حزب النهج الديموقراطي يعملون على طرح مبادرتهم هذه، ليس ممكنا إلا باتباع سياسة ثورية حازمة ترمي إلى توحيد نضالات الشعوب المضطهدة في المنطقة، في حرب طبقية، من أجل القضاء على أنظمة القهر المغروسة في لحم المنطقة، يقول لينين: «على كل من يرغب في سلام دائم وديموقراطي أن يؤيد الحرب الأهلية9ضد الحكومات والبورجوازية»10.
الأمم المتحدة
هنالك وهم شائع جدا، مع الأسف، بين المناضلين اليساريين يتمثل في الرهان على ما يسمونه “الشرعية” الدولية وعلى الأمم المتحدة. فلا سواء تعلق الأمر بفلسطين ولا بالصحراء الغربية ولا بأي مكان من العالم، تجدهم يطبلون لتلك الشرعية ويطلبون تدخل الأمم المتحدة لإحلال السلام. ورغم أنه لم يحدث أبدا لمنظمة الأمم (الغير) المتحدة هذه أن أعطت لأي شعب حقه في تقرير مصيره، أو ساعدته في ذلك، أو بسطت السلام في أي مكان دخلته، بل على العكس تماما، تسببت في الكثير من المرات، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الاعتداء على الشعوب وموت آلاف الأبرياء: تقسيم فلسطين، الحصار على العراق، مذبحة قانا خلال الحرب اللبنانية الأخيرة… (إذا أردنا أن نقتصر على العالم العربي) فإن هؤلاء السادة يحافظون على إيمان راسخ، أشبه بإيمان العجائز الذي لا يحتاج إلى دليل، بقدسية هذه المنظمة ومقرراتها وشرعيتها.
نفس الوهم نجده مترسخا لدى الرفاق في النهج الديموقراطي، إذ نجدهم، في جميع المرات التي يتحدثون فيها عن فهمهم للحل في الصحراء الغربية، يتحدثون عن “الشرعية” الدولية و”مقررات المنتظم الدولي”، الخ. وكأنهم يتحدثون عن شرعية مناقضة لشرعية الإمبرياليين، وعن ما يسمى بـ “المنتظم الدولي” وكأنه ليس هو نفسه منتظم القوى الإمبريالية. ويتحدثون عن الأمم المتحدة وكأنها مؤسسة محايدة عن الإمبريالية، أو قد تنتهج سياسة مناقضة لمصالح الإمبريالية. لكن الواقع هو عكس ذلك تماما، إذ جميع الوقائع تؤكد أن منظمة الأمم المتحدة ليست سوى وسيلة في يد القوى الإمبريالية لحل القضايا التافهة والمشاكل الثانوية بينها، أما القضايا الرئيسية والحاسمة فتحل بعيدا عن هذه المؤسسة، هذا من جهة أما من جهة أخرى، فإن القوى الإمبريالية لم تخلق هذه المنظمة وتمولها، لكي تعمل هذه المنظمة على عرقلة مصالحها، بل خلقتها لخدمة مصالحها هي، وهي مستعدة للتخلص منها كما يُتخلص من رقعة بالية إذا ما تبين أن هذه المنظمة قد استنفذت صلاحيتها أو صارت معرقلا لمصالح القوى الإمبريالية.
ليس للأمم المتحدة أية سياسة مستقلة عن سياسة القوى الإمبريالية التي تقف ورائها، يجب علينا ألا ننسى هذه الحقيقة. ويجب علينا أيضا ألا ننسى أن سياسة القوى الإمبريالية رجعية بالمطلق ولا توجد فيها أية ذرة من التقدمية، أبدا على الإطلاق! وتدخل الأمم المتحدة في المنطقة لا يمكنه إلا أن يكون تدخلا للقوى الإمبريالية التي خلقت تلك المنظمة وتمولها وتصنع قراراتها، ومن تم فإنه لا يمكننا، نحن الماركسيين، تحت أي ظرف من الظروف، أن ندعم تدخل ما يسمى بالأمم المتحدة. يجب أن لا يكون لنا أي وهم حول دور وطبيعة الإمبريالية[…] لا يجب إيلاء ولو ذرة من الثقة للإمبريالية، التي ستدافع دائما عن مصالحها الخاصة الأنانية على حساب المضطهَدين.11
لقد بقيت القوى الإمبريالية الواقفة وراء تلك المنظمة، الإمبريالية الأمريكية والفرنسية والإسبانية تتفرج على جرائم النظام المغربي بدون أن تحرك ساكنا، بل كانت تبيعه كل أنواع الأسلحة وتمكنه من جميع أنواع الدعم التقني والمخابراتي… كما أن الأمم المتحدة ضلت، طوال عقود من الزمن، تتفرج بدم بارد على معانات الشعب الصحراوي وهو يباد ويشرد وتكتفي، في أحسن الظروف، بالتنديد اللفظي وتدعوا إلى “التعقل”، لكنها الآن، وبقدرة قادر، صار من المفترض أنها هي من سيحمي الشعب الصحراوي ويرد له حقوقه(!)
ولكي يعرف المراهنون على الأمم المتحدة مدى سذاجة اعتقادهم، نسوق لهم تصريح شاهد من أهلها، مبعوث كوفي عنان الشخصي، السفير فان فالسوم، والذي يقول: «نزاع الصحراء الغربية لا يحظى بالأولوية في المفكرة السياسية لغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة». وأن: «أغلبية الدول الأعضاء تود الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب ومع الجزائر». وأنه: «لا توجد أي دولة مستعدة للضغط على المغرب من أجل أن يتخلى عن مطالبه في الصحراء الغربية»12. أي باختصار فليذهب الشعب الصحراوي إلى الجحيم، لا شيء يعلو على صوت المصالح.
إن الرهان على الأمم المتحدة موقف خاطئ تماما من الناحية النظرية ورجعي بالمطلق من الناحية السياسية العملية. وذلك لأنه يجعل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره سرابا، وأيضا يجعل هذا الطموح العادل والتقدمي وسيلة رخيصة في يد القوى الإمبريالية والإقليمية لتساوم به وتضغط به حسب الحاجة خدمة لمصالحها، بل يدفع المؤمن به بالضرورة إلى السقوط ضحية مناورات الإمبرياليين والقوى الإقليمية.
البديل
«إن الجمهورية البروليتارية التي يدعمها عمال الأرياف والفقراء من الفلاحين ومن سكان المدن هي وحدها التي تستطيع أن تؤمن السلام وتعطي الخبز والنظام والحرية»13 هذا هو الدرس الذي علمتنا إياه تجربة الثورة الروسية وكل تجارب النضالات التي عرفها القرن العشرين، أما جميع الأوهام على إمكانية الحل في ظل الرأسمالية فلم تؤدي إلا إلى المآسي والهزائم.
إن الضمانة الوحيدة لعدم السقوط في فخ الرهان على مؤسسات الإمبريالية و”شرعيتها” وعدم السقوط في فخ التعاون بين الطبقات هو امتلاك موقف طبقي حازم. «عندما اجتاح موسوليني الحبشة، سنة 1935، عارض تروتسكي بحزم تدخل عصبة الأمم (مطبخ اللصوص، كما كان لينين يسميها عن حق) […] لقد وقف لينين وتروتسكي دائما موقفا طبقيا. وفي حالة الحبشة دعا تروتسكي إلى تحرك الطبقة العاملة»14. هذا هو الحل الوحيد!
لقد سبق لنا في رابطة العمل الشيوعي أن شرحنا ذلك في أرضيتنا السياسية -إعلان المبادئ- وأكدنا «أن المخرج الوحيد للشعب الصحراوي يتمثل في التحالف مع الطبقة العاملة المغربية في نضال مشترك من أجل الاشتراكية وبناء فدرالية اشتراكية في المنطقة» كما أكدنا، في نفس السياق، على أن «جميع المحاولات المبنية على الاعتماد على تحالفات مع القوى الإمبريالية أو المؤسسات الدولية من قبيل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لن تؤدي سوى إلى خيانات جديدة وهزائم سيتكبدها الشعب الصحراوي. إن الحليف الأفضل والوحيد والحقيقي ضد الاضطهاد القومي الذي يعانيه الشعب الصحراوي هو الطبقة العاملة والفلاحين المغاربة.» وطرحنا في برنامجنا النضال من أجل :
- «الوقف الفوري لنهب ثروات الشعب الصحراوي.
- فرض حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم بدون قيد أو شرط.
- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين والكشف عن مصير المفقودين والمختطفين.
- معاقبة جميع المسؤولين عن جرائم الحرب ضد الشعب الصحراوي.
- حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير بما فيه الحق في الانفصال.
- من أجل فدرالية اشتراكية للمنطقة المغاربية توفر أوسع الحق في تقرير المصير لجميع الشعوب التي تشكلها»15.
حسام بنحمزة وجان دوفال
هوامش:
1 : رسالة مفتوحة من الكتابة الوطنية للنهج الديموقراطي إلى الحكومة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، جريدة النهج الديموقراطي، ع 112، ص 2.
2 : لينين: الاشتراكية والحرب، طبعة دار التقدم. ص: 5 (خط التشديد من عندنا).
3 : لينين: المصدر نفسه. ص: 40.
4 : لينين: مقدمة الترجمة الروسية لرسائل ماركس إلى كوغلمان.
5 : Rob Sewell: Lenin on the National Question
6 : النشرة الماركسية العالمية، 2002: نضال الصحراويين، التاريخ والآفاق.
7 : بيان بال، نقلا عن لينين: الاشتراكية والحرب، ص 16
8 : لينين نفس المصدر، ص 19
9 : نعتقد أنه من المهم في هذا السياق توضيح مصطلح “الحرب الأهلية” من وجهة نظر الماركسيين، فبعد أن تعهر هذا المصطلح، في وقتنا الحالي، وصار مرادفا للإرهاب الفردي والتفجيرات الإجرامية والصراعات الدينية والعرقية (العراق، أفغانستان، المواجهات بين فتح وحماس…)، أصبح من الضروري التأكيد على أن لينين إذ يتحدث عن الحرب الأهلية إنما يعني النضال الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة وحلفائها ضد الرأسماليين، بواسطة طرق نضالها التقليدية: التظاهر، الإضراب العام، الانتفاضة المسلحة. وهو ما سبق لنا أن أكدنا عليه نحن أيضا في إعلان المبادئ حيث نقول: »إننا نرتكز على النضال المستقل الذي تقوم به الطبقة العاملة. تشكيلة النضال من أجل الثورة الاشتراكية واسعة، هي النضال الجماهيري (الإضراب، التظاهر، الاعتصام، احتلال المصانع، الانتفاضة الجماهيرية) والمنظمات الجماهيرية، المشاركة الديموقراطية في اتخاذ القرار من طرف العمال، تملك الوعي الطبقي والمزاوجة بين النضال العلني والسري…
نحن نرفض أساليب وبرامج الإرهاب الفردي (الاغتيالات والعمليات ضد أعضاء الدولة الرأسمالية أو ضد الأفراد الرأسماليين) الذي يعوض النضال التغييري الجماهيري بنشاط أقلية مستنيرة. ونعتقد أيضا أن استراتيجية وأساليب وبرنامج حرب العصابات (الحرب الشعبية الطويلة الأمد في البوادي نحو المدن أو تنويعاتها المختلفة الأخرى) هي أساليب غير صالحة في النضال من أجل الاشتراكية بالمغرب…
نحن نرتكز على قاعدة نشاط وأساليب نضال الطبقة العاملة التي هي الأساليب الوحيدة لقادرة على ضمان انتصار ثورة اشتراكية حقيقية وتشييد الديموقراطية العمالية. -رابطة العمل الشيوعي، إعلان المبادئ-.
10 : لينين، نفس المصدر، ص 26
11 : Ted Grant & Jean Duval: East Timor: Can we trust the United Nations
12 : فرناندو آرياس سالغادو: الصحراء في الأمم المتحدة، ترجمة مصطفى الكتاب.
13 : لينين: رسائل من بعيد، طبعة دار التقدم 1977. ص، 22.
14 : Ted Grant & Jean Duval: East Timor: Can we trust the United Nations
15 : رابطة العمل الشيوعي، البرنامج الانتقالي.