الرئيسية / قضايا نظرية / آخر / نضال أسرة تروتسكي – حوار مع استبان فولكوف

نضال أسرة تروتسكي – حوار مع استبان فولكوف

  حاورت استبان فولكوف في غرفة بمتحف تروتسكي في كويوكان. وهو المتحف الذي أسسه استبان فولكوف بنفسه. في ليلة يوم 24 ماي 1940، جرح استبان فولكوف، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 14 سنة فقط، في هجوم مسلح همجي نفذه عملاء ستالينيون، نجت أسرة تروتسكي منه بأعجوبة. بدون أية مشاعر واضحة، أراني استبان الثقوب التي خلفها الرصاص على جدار الغرفة التي كانت آنذاك غرفة نومه. وفي الغرفة المحاذية لغرفة المكتب حيث اغتيل جده على يد عميل ستاليني، سألته عن ماضيه.


  ألان وودز: لقد عانت أسرتك بشكل فضيع على يد الستالينيين. أبوك وأختك أرسلا إلى معسكرات الاعتقال، وأمك، زينا، تعرضت للاضطهاد إلى درجة دفعتها للانتحار. ما هي الذكريات التي لديك عنهم وعن طفولتك الأولى في روسيا؟

  استبان فولكوف: ليس لدي عن روسيا سوى ذكريات غامضة. لقد كانت لدي أخت غير شقيقة أكبر مني بقليل، بقيت في روسيا وأرسلت، كما ذكرت، إلى معسكرات الاعتقال فلم نعد نسمع عنها أي شيء. أفترض أنه من الممكن أن تكون على قيد الحياة. لكنني لم أسمع عنها أي شيء.
أما بخصوص أبي، فإنني لا أمتلك عنه أية ذكريات. لقد اعتقل عندما كنت لا أزال صغيرا جدا. وقبل سنوات أرسل لي بيير بروي صورة اكتشفها خلال بعض أبحاثه. كانت تلك هي المرة الأولى التي عرفت فيها صورة أبي.
أما أمي، فقد فصلت عني عندما كان عمري سبعة سنوات، عندما ذهبت إلى برلين لتعالج من اضطراب عصبي. كان ذلك عندما كان هتلر على مشارف الوصول إلى السلطة. ولم أسمع بخبر موتها إلا بعد سنة من حدوثه. حيث قرروا إخفاء الخبر عني في البداية.

  ألان وودز: وماذا عن جدك؟

  استبان فولكوف: أول ذكرياتي عنه هي عندما وصلت إلى تركيا صحبة أمي، على جزيرة برينكيبو (Prinkipo) حيث كان جدي يعيش منفيا مع جدتي بالتبني ناتاليا. عشت هناك حوالي عام وأتذكر أني كنت أصحبه في رحلات الصيد عبر جزر مرمرة (Marmora). لقد كان سني خمسة سنوات آنذاك وكانت تلك هي المرة الأولى التي التقيت فيها بجدي وجدتي.
في غشت 1939 ذهبت أخيرا للعيش معهما في المكسيك قبل سنة من اغتياله. لقد سافرت إلى المكسيك مع الفريد ومارغريت روسمر. كان سني آنذاك 13 سنة وبالتالي بإمكاني التذكر أكثر.

  ألان وودز: هل بامكانك أن تصف لنا حياة قاطني بيت تروتسكي في المكسيك؟

  استبان فولكوف: لقد كنا “أسرة” كثيرة العدد. كان هناك رفاق من عدة جنسيات. كان هناك رفاق ألمان وأتذكر أيضا رفيقا تشيكيا، لكن اغلب الرفاق كانوا أمريكيين، جميعهم جاؤوا للمساعدة في حماية الأسرة. لقد كانوا من مختلف الفئات الاجتماعية، بما فيها بعض العمال. كان أحدهم يعمل سائق شاحنة ويدعى جاكي كوبر. وكان هناك رسام يدعى هارولد روبنز وآخر، كان معلما، يدعى شارلي كورنيل.

  ألان وودز: ماذا تتذكر عن عمل جدك؟

  استبان فولكوف: لقد كان إنسانا نشيطا جدا ودينامكيا إلى درجة هائلة. لقد كان يستيقظ دائما في وقت مبكر وقبل أن ينكب على أعماله كان يمضي بعض الوقت في تغذية الدجاج والأرانب التي كانت مصدر غذاء لنا. لقد كانت تلك طريقته في إنجاز بعض التمارين الرياضية. عليك أن تتذكر أنه كان تحت حصار مشدد في ذلك البيت، وليس لديه أية فرصة للخروج. بعدها كان يتناول فطوره ثم يمضي اليوم كله في غرفة مكتبه إلى حدود الخامسة أو السادسة أو السابعة. يقرأ ويشتغل على كتبه ومخطوطاته. بعد ذلك ومع حلول الليل كان عادة ينظم نقاشات سياسية مع الرفاق.

  ألان وودز: هل بإمكانك أن تقول شيئا ما بخصوص محاولة الاغتيال التي نظمها عملاء ستالين ليلة الرابع والعشرين من ماي 1940؟

  استبان فولكوف: خلال الأسابيع والشهور التي سبقت محاولة الاغتيال، كان بالإمكان الإحساس بتوتر متزايد داخل البيت. صارت الهجومات على أعمدة الصحف الستالينية بالمكسيك أكثر فأكثر شراسة. وكان هذا مؤشرا أن هناك هجوما جسديا قيد التحضير.
حوالي الرابعة صباحا، سمعت أبواب الحديقة تفتح فجأة، بعدها بقليل سمع صوت مدوي لإطلاق الرصاص وتحول المكان إلى ساحة حرب.
لقد استطعت بالكاد رؤية خيال شخص داخل غرفتي، بعدها أطلقوا النار. ألقيت قنابل حارقة في الداخل فاشتعلت النار في غرفتي. كنت حينها مختبئا خلف السرير في زاوية الغرفة لكن عندما رأيت القنابل هربت إلى الفناء وناديت جدي. كان تصرفي ذاك منبع ارتياح عظيم لتروتسكي وناتاليا اللذان خشيا في البداية أن أكون قد تعرضت لعملية اختطاف.

  ألان وودز: هل جرحت حينها؟

  استبان فولكوف: نعم لقد جرحت في قدمي برصاصة وتركت اثر الدم على الأرض. هرب المهاجمون بسرعة وكنت اسمع الأصوات من كل الجهات. كل الأسرة اجتمعت معا وكنا سعيدين جدا بنجاة الجميع. الوحيد الذي فقد هو: شيلدون هارت الحارس الأمريكي الشاب الذي اختفى مما أصابنا بقلق شديد.(تم العثور عليه مقتولا فيما بعد – ألان وودز)

  ألان وودز: وماذا تتذكر عن عملية اغتيال جدك؟ هل كنت تعرف قاتله جاكسون؟

  استبان فولكوف: ميركادير؟ نعم أتذكره. لقد كان واحدا من عدة أشخاص يتواجدون معنا. لقد كان يبذل مجهودات كبيرة لربط علاقات صداقة مع الحراس وكذلك مع آل روسمر. لقد كان دائما يقدم لهم الخدمات، كان يقوم بإيصالهم بالسيارة وهكذا. لكنه لم يعبر في البداية عن رغبة في لقاء تروتسكي شخصيا.

  ألان وودز: لقد كان ذلك تكتيكا من جانبه؟

  استبان فولكوف: هذا صحيح. لقد كانت وسيلة لعدم لفت الانتباه نحوه وإثارة الشكوك. كان يعيش مع مناضلة تروتسكية أمريكية شابة تدعى سيلفيا اجيلوف وأعطى الانطباع بكونه شخصا يحترم الرفاق كثيرا وبكونه متحمس لتقديم المساعدة دون أن يكون له التزام سياسي. كان كل هذا جزءا من تكتيك. وقد سار على هذا المنوال طيلة شهور.

  ألان وودز: وهل تتذكر عملية الاغتيال نفسها؟

  استبان فولكوف: لقد وصلت متأخرا إلى مسرح الأحداث. كنت في المدرسة طيلة ما بعد الظهيرة وكنت قادما من المدرسة عندما لاحظت تحركات غريبة حول المنزل. أناس بأتون ويذهبون وسيارة مركونة في الخارج. فجأة أحسست بشعور غريب، نوع من القلق مثل هاجس بأن شيئا سيئا قد حدث.
دخلت ورأيت الكثير من الناس في حالة هيجان قصوى. كان بعض رجال الشرطة يقبضون على ميركادير الذي ضربه الحراس وكان ينزف دما. كان فاقد للسيطرة على نفسه بشكل تام، يبكي وينتحب. عندما دخلت إلى غرفة المكتب ورأيت جدي ممدا على الأرض، بدا انه طلب منهم أن يبقوني بعيدا. لقد اثر في هذا كثيرا حيث انه كان مهتما بطفل حتى لحظة احتضاره. بعدها بقليل جاءت سيارة الإسعاف وحملته.

  ألان وودز: فلننتقل الآن إلى حقل السياسة. كيف تصف نفسك سياسيا؟

  استبان فولكوف: حسنا، كما تعرف أنا لست عضوا في أي حزب سياسي. لكن رغم ذلك يمكنني أن اصف نفسي بكوني ماركسيا لأني اعتبر أن الماركسية هي النظرية السياسية الوحيدة الصالحة في العالم الحديث.

  ألان وودز: لكن بالنظر إلى مئات الآلاف من الرفاق الذين سقطوا ضحايا إرهاب ستالين، بما فيهم العديد من أعضاء أسرتك كيف يمكنك وصف انخراطك في النضال من اجل إعادة الاعتبار السياسي لهم؟

  استبان فولكوف: اعتقد أن أي شخص يدافع بصدق عن الأفكار الاشتراكية يتحمل مسؤولية أخلاقية في النضال من اجل الحقيقة التاريخية حول الثورة الروسية ومن اجل إعادة الاعتبار لضحايا ستالين وإدانة جميع الجرائم والتشويهات الستالينية. من الضروري النضال من اجل ضمان ألا يتكرر مثل ذلك النظام الوحشي خاصة وانه يدعي كونه “اشتراكيا” و”شيوعيا”.

  ألان وودز: ومحاكمات موسكو؟

  استبان فولكوف: من الضروري أن يتم فضح وإدانة كل ذلك التزوير الفظيع ويجب أن تمسح كل صفحة وتنظف، حتى لا يبقى أي اثر للافتراءات التي استخدمت لتسويد تاريخ جيل كامل من الثوريين. يجب أن تنجز المهمة إلى نهايتها.

  ألان وودز: انك تعرف أن هذه القضية قد بدأت تلقى دعما واسعا أكثر فأكثر داخل الحركة العمالية الأممية. أنت تعرف أننا في بريطانيا ننظم حملة واسعة لإعادة الاعتبار لتروتسكي والبلاشفة القدامى. هل هنالك شيء تود قوله للرفاق، الذين يناضلون في هذا المسار، في بريطانيا وبلدان أخرى؟

  استبان فولكوف: أريد فقط أن أقول أن هذه النضالات تحظى بدعمي الكامل. إنها أنشطة أساسية لسلامة الحركة العمالية كلها. يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها. يجب أن يسمى مزورو التاريخ خونة للاشتراكية. لقد كانت الستالينية واحدة من أسوء النكسات التي عانت منها قضية الاشتراكية في كل تاريخها. ليس هناك من شك في أن الاشتراكية ستنتصر في النهاية، لكن الستالينية شكلت عائقا هائلا للسيرورة التاريخية.

  ألان وودز: في هذا السياق، هل يمكنك أن تقول لنا ما رأيك في الوضعية الحالية وإصلاحات غورباتشوف؟

  استبان فولكوف: ليس هنالك من شك أن رياح التغيير قد بدأت تهب. هنالك تغيير رغم انه لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن الحدود التي سيصلها. الشيء الأساسي هو أن النظام بأسره قد وصل الآن إلى مأزق مسدود ولا يمكنه أن يتقدم أي خطوة على هذا الطريق. إن النظام البيروقراطي يعيش أزمة وليس في مقدور البيروقراطية مطلقا العودة إلى نظام الدكتاتورية الصريحة كما كان الحال في ظل ستالين.

  ألان وودز: ألا تزال تعتقد أن ثورة أكتوبر مبررة في ضوء التجربة الستالينية؟

  استبان فولكوف: طبعا مبررة ! سواء أردنا أم أبينا، إن السيرورات التاريخية تعرف جميع أنواع المد والجزر بما فيها اضطرابات عنيفة تؤدي إلى معاناة إنسانية هائلة. لكن بالرغم من كل شيء فان المجتمع يتطور إلى الأمام. لقد كانت ثورة أكتوبر واحدة من أعظم أحداث التاريخ بأسره. وواقع أنها أخذت مسارا آخر فيما بعد، نتيجة للظروف الملموسة لروسيا آنذاك، وواقع عدم امتداد الثورة إلى بلدان أخرى، لا يغير في المسالة أي شيء. لا تنسى انه في فرنسا كذلك، بعد ثورة 1789 – 1793، حدثت هناك نكسات كبيرة لكن في آخر المطاف نجحت الثورة – في حالة الثورة البرجوازية- في تثبيت نفسها.

  ألان وودز: هل تعتقد انه بامكان البيروقراطية في روسيا أن تقضي على نفسها؟

  استبان فولكوف: حسنا، ما دام المجتمع يحتاج إلى أناس مهرة لتسيير الصناعة وإلى تقنيين وما إلى ذلك. فان هؤلاء سيظل لهم دور هام يلعبونه. المشكلة تبدأ عندما تحتكر البيروقراطية، كما حدث في روسيا، امتيازات ضخمة وتحول نفسها إلى نخبة حاكمة تنهب جزءا كبيرا من الفائض الذي تنتجه الطبقة العاملة وتعيش عالة على العمال.
يجب أن تنتقل السلطة من يد البيروقراطية إلى أيدي الطبقة العاملة بأسرها. يجب أن تكون هناك ديموقراطية عمالية حقيقية تشرك البروليتاريا الريفية وكذلك التقنين والعلماء وباقي الشرائح الأخرى، التي يجب، من وجهة نظري، أن يتم اعتبارها في ظل الشروط الحديثة كجزء من البروليتاريا.

  ألان وودز: هل يمكنك أن تقول شيئا ما عن دورك كقيم على متحف تروتسكي؟

  استبان فولكوف: بالرغم من النقص الحاد في الإمكانيات المادية، فإننا نكافح من اجل الحفاظ قدر الامكان على المنزل كما كان عليه عندما كان تروتسكي يعيش ويعمل فيه..إننا نتلقى مساعدة من طرف شباب يأتون للعمل هنا. ومؤخرا بدأت الحكومة المكسيكية بدورها تقدم الدعم لنا.

  ألان وودز: ما هو معدل الزيارات التي تتلقونها؟

  استبان فولكوف:يتفاوت عدد الزيارات من يوم إلى آخر، أحيانا تصل إلى خمسين وأحيانا إلى ثلاثين. ونستقبل أيضا مجموعات من تلاميذ المدارس تصل إلى 100 أو 200 زائر.

  ألان وودز: لقد فوجئت بواقع وجود العديد من التوقيعات لزوار من الاتحاد السوفياتي بعضهم قام حتى بكتابة رسائل تضامن.

  استبان فولكوف: نعم هذا صحيح. لقد تغيرت الظرفية كثيرا ! بامكانك أن ترى كيف بدا الناس يتخلصون تدريجيا من خوفهم من التعبير عن أفكارهم. خلال أيامنا هذه لا يرغبون فقط في التوقيع بأسمائهم بل كما تقول يتركون رسائل. آخر رسالة كتبت أواخر هذه السنة تقول ما يلي: « بعد بوخارين سيكون الثوري الآخر الذي سيتم إعادة الاعتبار إليه، في الاتحاد السوفياتي، هو ليون تروتسكي».

  ألان وودز: لهذا دلالة هامة جدا. ما رأيك في إعادة الاعتبار لبوخارين؟

  استبان فولكوف: حسنا، يبدو أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، أليس كذلك؟ طبعا يجب أن لا ننسى أن بوخارين كان ينتمي إلى الجناح اليميني للحزب ومن ثم كان من السهل على البيروقراطية أن تقبل به أكثر مما يمكنها أن تقبل بليون تروتسكي الذي كان معارضا حازما لها. من الواضح أن بوخارين بسياسته المبنية على تقديم التنازلات للعناصر البرجوازية يجد قبولا أكبر لدى غورباتشوف.

  ألان وودز: كماركسي وكانسان يؤمن في المستقبل الاشتراكي للإنسانية، هل تود أن تقدم تصورك للمستقبل؟

  استبان فولكوف: اعتبر انه من الأكيد أن الإنسانية ستصل بالضرورة إلى شكل من المجتمع منسجم مع نفسه. كيف يمكننا أن نستمر في العيش في حقل ألغام نووية، حيث تبذر ثروات هائلة، بينما يعاني الملايين من نقص في الحد الأدنى من الضروريات؟
إن مستوى التطور التكنولوجي أكثر من كاف لضمان الرفاه للجنس البشري بأسره. من اللامعقول استمرار بقاء بنية اجتماعية مفلسة تاريخيا مبنية على اللامساواة والاستغلال والتي بقاؤها هو السبب في الفقر والمعاناة الهائلة. إن تطور العلم والتقنية في ذاته يوفر الإجابة لجميع المشاكل. لو انه يقف على أسس منسجمة ومخططة.

  ألان وودز: كخلاصة. هل لديك أي رسالة توجهها للعمال والمناضلين الاشتراكيين في بريطانيا؟

  استبان فولكوف: أود فقط أن أشجعهم على الاستمرار في الحفاظ على راية الاشتراكية مرفرفة. أن يتشبثوا بالأفكار الماركسية وألا يتوقفوا أبدا عن النضال من أجل المجتمع الاشتراكي الحقيقي.

حاوره ألان وودز
نشر لأول مرة على صفحات جريدةMILITANT، يوم: 17 يونيو 1988

عنوان النص بالإنجليزية :

The fight of the Trotsky family – interview with Esteban Volkov