الرئيسية / دول العالم / أمريكا / المكسيك / المكسيك: أواكساكا رأس حربة الثورة المكسيكية

المكسيك: أواكساكا رأس حربة الثورة المكسيكية

 الوضع في المكسيك جد متفجر، الثورة صارت مرة أخرى على جدول الأعمال في بلد ايميليانو زاباطا وبانشو فيلا. لم تصل الأوضاع إلى هذه الدرجة من الغليان حتى خلال النضالات الطلابية الجماهيرية سنة 1968 وربما حتى منذ الثورة المكسيكية خلال السنوات الأولى من القرن العشرين. إن العامل الرئيسي الذي أشعل البلاد بأسرها هو مسألة الانتخابات الرئاسية. لكن ليس هذا سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، ليس سوى “القشة التي قصمت ظهر البعير”، والتي فجرت عقود من التناقضات المكبوتة والآمال المحبطة في حياة أفضل.

  تزوير الانتخابات

  بالرغم من التأييد “الرسمي” لتولي المرشح المحافظ فيليبي كالديرون، من حزب العمل الوطني (PAN) الحاكم، فإن ملايين العمال والفلاحين والشباب المكسيكيين يرون الأشياء من منظور آخر. هنالك براهين أكيدة على أن المنتصر الحقيقي في انتخابات الثاني من يوليوز هو آندريس مانويل لوبيز أوبرادور من حزب الثورة الديموقراطية (PRD). فبعد عقود (قرون!) من الفساد والتزوير والخداع، وصلت الجماهير إلى أن تقول كفى، وأنها بكل بساطة لن تتحمل الوضع أكثر. إنهم يرون في أوبرادور بديلا حقيقيا في الرئاسة ضد البؤس والخوصصة وكشخص سيصارع من أجل مصالحهم وسيحسن حقا شروط عيشهم.

  هذا هو ما ألهمهم للتحرك بالملايين للدفاع عن انتصاره، بنفس الطريقة التي تحركوا بها السنة الماضية لوقف Desafuero [خرق القانون] خلال محاولة منعه حتى من ترشيح نفسه للرئاسيات. إن الطبقة السائدة المكسيكية والإمبريالية قد بذلوا كل جهودهم لمنع أوبرادور من الوصول إلى السلطة – ليس ذلك بسبب النزعة اليسارية الإصلاحية لأوبرادور نفسه، بل بسبب ملايين العمال والفلاحين الذين سيضغطون بقوة على حكومته للقيام بتغيير حقيقي. بعد حوالي 80 سنة من الحكومات اليمينية لحزبي PRI (حزب الثورة المؤسساتية، وPAN (حزب العمل الوطني)، صارت حتى الإصلاحات المتواضعة التي يقترحها أوبرادور تبدو كشيء يستحق النضال من أجله. إن الطبقة السائدة لم تتمكن، بمهاجمتها في البداية لترشيحه والآن لانتصاره الانتخابي، سوى في المزيد من تجذير الجماهير أكثر، وهاهي الأوضاع تخرج من تحت سيطرتها بشكل سريع.

  حكومة فوكس تواصل الهجوم

  تميزت المرحلة السابقة للانتخابات بتقاطب كبير، تضمنت غليانا داخل النقابات والحركة الطلابية وسلسلة من الهجومات العنيفة من طرف الدولة: ضد عمال الصلب بمدينة لازارو كارديناس في ولاية ميشواكان، قمع أنصار الجيش الزباطي للتحرير الوطني (EZLN) في سلفادور اتينكو والإغارة على مخيم المعلمين المضربين في مدينة أواكساكا.

  هذه الهجومات كانت جزءً من استراتيجية شاملة لدى الطبقة السائدة لضرب واحد من أكثر قطاعات المجتمع المكسيكي نضالية وهزمها قبل الانتخابات. كانت تريد خلق جو من العنف وانعدام الأمن، حتى تتمكن من إظهار كالديرون باعتباره المرشح الذي يستطيع إعادة “النظام والاستقرار”. لقد كان الهدف من هذه الهجومات أيضا تبرير القمع الذي سوف يسلط على الاحتجاجات الحتمية ضد تزوير الانتخابات، الذي تم التخطيط له والتحضير له قبل وقت طويل من 02 يوليوز. لكن لم تحقق أي من هذه الهجومات النتيجة المرجوة منها: حيث أن همة الجماهير لم تخمد، وكانت المعارضة التي انفجرت ضد تزوير الانتخابات اشد مما توقعته الطبقة السائدة. مرة أخرى أدت استراتيجيتهم القصيرة النظر إلى نتائج عكسية ولم تعمل سوى على تقوية عزم العمال والفلاحين والشباب المكسيكيين. لقد استوعبت الجماهير بفطرتها أن ستة سنوات أخرى من حكم حزب العمل الوطني سوف تعني ستة سنوات أخرى من الاقتطاعات والخوصصة والبطالة والهجرة الاقتصادية الإجبارية، والفساد وتدهور معدلات المعيشة والتضخم والقمع.

  لقد كانت إستراتيجية الحكومة مبنية على إضعاف الجماهير وإرهاقها، مستخدمة وسائل الإعلام ورجال الدين التابعين للكنيسة الكاثوليكية لصب الماء البارد على الحركة. لكن وعلى النقيض مما تقوله وسائل الإعلام الرئيسية، فإن الحركة ضد تزوير الانتخابات تواصل الارتفاع بشكل منتظم، وليست تتراجع. إن مظاهرات الاحتجاج الجماهيرية التي التقت في مدينة مكسيكو عرفت ارتفاعا في الحجم مع توالي الأسابيع: من 700.000 إلى مليونان ثم ثلاثة ملايين متظاهر. ثم احتلت ساحة زوكالو، الساحة الكبرى في مدينة مكسيكو، بمخيم دائم امتد ستة أميال على طول الطريق الرئيسي للعاصمة المكسيكية. ينظم أوبرادور طيلة عدة أسابيع لقاءات جماهيرية يومية والمزاج الجماهيري يتعمق ويتجذر.

  جميع مؤسسات الدولة التي يزعم أنها “محايدة”: المؤسسة الانتخابية الفدرالية والمحكمة الانتخابية، الخ، انفضحت الواحدة منها بعد الأخرى باعتبارها مشاركة فعلية في التزوير. فتحول إحباط الجماهير من غياب ديموقراطية حقيقية إلى غضب وتوصلوا إلى انه لا يمكنهم أن يثقوا سوى في قواهم الخاصة وتنظيمهم.

  عند هذه النقطة، بدأت تتشكل لجان المعارك والتثقيف في آلاف الأحياء عبر العاصمة وفي كل ربوع البلاد. لم تتشكل هذه اللجان ضد تزوير الانتخابات فقط، بل كذلك على أساس مسائل ملموسة تواجه الجماهير، من قبيل الماء الصالح للشرب، عنف العصابات، الخ. لهذه اللجان إمكانية التحول إلى جنين لسلطة العمال. هنالك أيضا تصاعد الضغط داخل النقابات من اجل الدعوة إلى إضراب عام باعتباره الوسيلة الوحيدة لوقف تزوير الانتخابات. طلاب الجامعات يقومون بتنظيم أنفسهم والنضال من اجل الحق في التعليم للجميع. هناك مرحلة قبل ثورية تتطور الآن في المكسيك ويمكن للأحداث أن تتغير بشكل درامي بين ليلة وضحاها.

  هناك العديد من التواريخ الهامة خلال الأسابيع المقبلة، التي ستشكل بالتأكيد نقطة انعطاف في مسار النضال:

  1) – فاتح شتنبر: إلقاء الرئيس الحالي فيسينتي فوكس لخطابه النهائي
  ستنظم مظاهرة جماهيرية خارج مقر الكونغرس أثناء ذلك، وقد خطط ممثلو حزب الثورة الديموقراطية أن يعرقلوا الخطاب من داخل قاعة البرلمان. منذ أسابيع والحرس الرئاسي يستعدون لقمع الاحتجاجات، إلى جانب آلاف من قوات مكافحة الشغب والحواجز الضخمة وقاذفات المياه بل وحتى السيارات المصفحة تحيط بالبناية. إن احتمالات العنف من طرف الدولة كبيرة جدا، لكن من الممكن أن يخرج الوضع بسرعة عن سيطرتها.

  2) – 06 شتنبر: نهاية الأجل الرسمي للإعلان عن الفائز في الانتخابات:
  وفي هذا التاريخ سيتوجب على المحكمة الانتخابية الفدرالية تعيين المنتصر. لقد أعلنوا، عمليا، كالديرون رئيسا جديدا، عندما رفضوا الأغلبية الساحقة من الأدلة على حدوث تزوير الانتخابي، بعد إعادة عد الأصوات في اقل من 10% من محطات التصويت. ولقد تم التخطيط للقيام باحتجاجات جماهيرية حاشدة ضد تزوير إرادة الشعب الحقيقية.

  3) – 16 شتنبر: عيد استقلال المكسيك:
  دعى أوبرادور إلى عقد “لقاء ديموقراطي وطني” من المتوقع أن يحضره أكثر من مليون مندوب من جميع أنحاء البلاد. سوف يقرر هذا الاجتماع آفاق الحركة، دون استثناء الدعوة إلى حكومة شعبية موازية.

  خلال الأسابيع القادمة، سوف تصل الأوضاع في العاصمة إلى نقطة الغليان. لكنها في ولاية أواكساكا قد تجاوزت تلك النقطة، حيث اتخذت الأزمة طبيعة ثورية ووضعت شرعية الدولة البرجوازية موضع تساؤل.

  أواكساكا: بداية الثورة المكسيكية

  أواكساكا، المتواجدة في أقصى جنوب البلاد إلى الغرب من شياباس، هي واحدة من أفقر ولايات المكسيك، بساكنة كثيفة من السكان الأصليين وتقاليد نضالية عريقة. بينيتو خواريز، أول رئيس مكسيكي منحدر من السكان الأصليين وقائد النضال ضد الاحتلال الفرنسي للمكسيك سنوات 1860، ولد في أواكساكا. ولقد تطورت في أواكساكا خلال السنوات الأخيرة المنظمات العمالية وحركات السكان الأصليين والفلاحين بطفرات نوعية، عندما صار من الواضح أن الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية غير قادرة أو لا تريد تحسين شروط عيشهم القاسية. وقد كانت حركة المعلمين في مقدمة هذه الحركات.

  طيلة سنوات ونقابة معلمي أواكساكا القوية (40.000 منخرط) – الفرع 21 للنقابة الوطنية لعمال التعليم – تناضل من أجل أجور أفضل وشروط عيش أفضل، وتمويل مناسب للتعليم والمؤونة للمدارس والملابس والرفع من منح الطلاب التي لا تصل حاليا إلا إلى اقل من 40 دولار في الشهر (وهي المنحة الغير قادرة توفير الملابس المدرسية أو المؤونة، مما يدفع بآلاف الأطفال، المجبرين على الحصول على المال لإعالة أسرهم، إلى مغادرة المدرسة في سن مبكرة للعمل ولا يتلقون حتى التعليم الأولي).

  مثلهم مثل أغلب المكسيكيين، تعب معلمو أواكساكا وسئموا من حكومة تهتم بالمؤامرات السياسية في الكواليس ونهب الميزانية أكثر من اهتمامها بمحاربة الفقر. لقد سئموا من حكومة وقفت مكتوفة الأيدي عندما اجتاحت الأمطار الطوفانية قرى بأسرها. سئموا من حكومة تتعامى عن الارتفاع المهول لعمليات الاغتيال ضد المناضلين. سئموا من حكومة تبذر الملايين على مشاريع غير ضرورية، بينما الخدمات الأساسية مهملة أو منعدمة. وفوق كل شيء سئموا من حاكم أواكساكا أوليسيس رويز أورتيغا، الذي يعتبر تجسيدا لهذا النظام المتعفن. رويز هو نموذج للحرس القديم داخل حزب الثورة المؤسساتية – شخص فاسد وعنيف ولديه علاقات وثيقة مع كبار رجال الأعمال وتجار المخدرات الذين هم في المكسيك غالبا ما يكونون نفس الأشخاص –.

  في سعيهم إلى دفع نضالهم من اجل مطالبهم الأساسية إلى مستوى أعلى، خاض معلمو النقابة الوطنية لعمال التعليم، يوم 15 ماي، معركة احتلال دائم لساحة أواكساكا المركزية، زوكالو، ويملئ المخيم أو ما يسمى  plantón، ستة وخمسين (56) من بنايات المدينة ويغلق بالمتاريس كل ليلة، ويراقب كل المداخل إلى وسط المدينة. لكن سرعان ما اتخذت مطالب المعلمين الاقتصادية طابعا سياسيا بعدما ردت الحكومة على مخيمهم بالقمع الهمجي.

  كرونولوجيا وضع ثوري:

 للمزيد من الصور أنظر: www.asambleapopulardeoaxaca.com

  في آخر ساعات ليلة 14 يونيو، نظمت الحكومة غارة على ساحة زوكالو في محاولة لإزالة المخيم. لقد بدا وسط مدينة أواكساكا كساحة حرب. تصاعدت المعلمين، الذين رفضوا التراجع أمام قمع الدولة، كما تصاعدت عزيمة المجتمع بأسره، واتخذت الأحداث خلال الأيام التالية منطقها الخاص، فبمجرد ما انفجر الإحباط المتراكم طيلة عقود على شكل نضال وطني على خلفية السبب المباشر: تزوير الانتخابات، حتى صار إضراب المعلمين في أواكساكا رأس الحربة لنضال كل أواكساكا وعبرها لنضال البلد بأسره.

  نضال المعلمين من اجل مطالبهم الاقتصادية تحول باصطدامه مع حكومة متعنتة وقمعية إلى نضال للمجتمع كله في أواكساكا من اجل الإطاحة بإدارة رويز. وخلال الأيام والأسابيع التالية، بدأت جماهير أواكساكا تضع شرعية الديموقراطية البرجوازية نفسها موضع تساؤل. قبل كل شيء، إذا كان من غير الممكن تحقيق حتى ابسط مطالب الطبقة العاملة داخل حدود النظام القائم، فإن هذا النظام لا يملك أي حق في البقاء.

مظاهرة تطالب باستقالة رويز أورتيغا

  لقد ردت الجماهير بشكل رائع على هذا الهجوم، عبر إعادة احتلال زوكالو في اليوم الموالي، فأقامت المتاريس عبر شوارع المدينة، مغلقين الطرق السيارة، ثم نظموا مسيرة جماهيرية يطالبون فيها باستقالة حكومة رويز. وقد التحقت قطاعات أخرى من الطبقة العاملة إضافة إلى الطلاب والفلاحين وكذا حركة السكان الأصليين، بحركة المعلمين مما أعطى للحركة طبيعة جماهيرية حقيقية. يوم 16 يونيو، تظاهر 300.000 متظاهر في مسيرة لمسافة 10 كلمترات، تطالب مرة أخرى بسقوط حكومة رويز. وقد تلت هذه المظاهرة العديد من المظاهرات الجماهيرية الكبرى، خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي كانت ترتفع أعداد وكذا كفاحية المشاركين فيها بانتظام. وحسب بعض الإحصاءات، فإنه من بين سكان مدينة أواكساكا، البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة، شارك مليون متظاهر في إحدى اكبر هذه المظاهرات.

  يوم 19 يونيو، انتهت المفاوضات بين نقابة المعلمين والحكومة إلى الفشل، فتم احتلال العديد من الإدارات الحكومية المحلية وقطعت الطرق السيارة.

  يوم 19 يونيو كذلك، صوّت تجمع جماهيري شعبي من أجل تشكيل “الجمعية الشعبية لجماهير أواكساكا”. لقد كانت تلك خطوة نوعية إلى الأمام في المسلسل الثوري وتعكس القدرة الخلاقة والكفاحية التي تمتلكها الطبقة العاملة. إن الجمعية الشعبية ظهرت كسلطة شعبية بديلة حقيقية، هي أول بذرة لسلطة العمال في أواكساكا والمكسيك كلها. أعضاء جمعيات الأحياء ينتخبون في كل شارع وهم بدورهم ينتخبون أعضاء الجمعية الشعبية. إن هؤلاء الممثلين المنتخبين والذين من الممكن عزلهم، مسؤولون عن الأمن وعن ضمان السير الجيد للحياة اليومية في الأحياء والمدينة.

  من اجل هذا الهدف، شكلت الجمعية الشعبية “شرطة للمعلمين” منخرطة في قوة دفاع ذاتي جد منضبطة وفعالة وتحت الرقابة الشعبية، قادرة على تنظيم الهجوم إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. إضافة إلى ذلك، استؤنفت الدراسة حتى لا يخسر الأطفال سنتهم الدراسية كلها، ولتلافي حدوث ضغط من طرف الآباء، القلقين من تأثير هذه النضالات على تمدرس أبنائهم، لإيقاف المعركة.

الثلاميذ في شكل نضالي للتضامن مع معلميهم

  أنشأت العديد من الإذاعات المحلية، بما فيها “Radio Plantón“، الذي يذيع بشكل متواصل آخر الأخبار ويرسل التحذيرات ويدعو إلى النضال والدفاع. لقد شكلت هذه المحطات الإذاعية وسيلة حيوية للتواصل مع الجماهير وتنظيمها. تم احتلال العديد من المحطات الإذاعية الأخرى، بما فيها إذاعة الجامعة، مما وسع من سلطة الجمعية الشعبية.

  بعدما سئمن من أكاذيب الحكومة وخداعها، تظاهرت آلاف النساء في الشوارع يوم فاتح غشت واستولين على محطات الإذاعة والتلفزة التابعة لحكومة أواكساكا. وقمن ببث مطالبهن وخططهن المستقبلية للنضال طيلة عدة ساعات. ولا تزال البناية محتلة لحد الآن وتذيع خطبهن.

  وفي مثال آخر عن الغريزة الثورية للجماهير، أطلقت الجمعية الشعبية حملة قوية خلال الأيام السابقة للانتخابات من اجل تعبئة الأصوات لحزب الثورة الديموقراطية. آلاف من ممثلي الجمعية الشعبية سافروا عبر الولاية لشرح أن المطلوب هو القيام بتصويت “عقابي” ضد حزب العمل الوطني وحزب الثورة المؤسساتية – لكن دون توقيع شيك على بياض لحزب الثورة الديموقراطية. لقد أدى هذا إلى تكبد حزب حزب الثورة المؤسساتية لهزيمة ساحقة، في أواكساكا، وانتصار حزب الثورة الديموقراطية. وهكذا حدث الربط أكثر بين الوضع المحلي وبين النضال الوطني ضد تزوير الانتخابات.

  القمع العنيف ورد الجماهير

  خلال الأسابيع القليلة الماضية، تعرض العديد من المناضلين للهجوم، والاغتيالات والاختطاف من طرف الحكومة وعصابات الرعاع الذين ترسلهم لمضايقة المخيم ومهاجمته كل ليلة تقريبا، حيث يبحثون عن إحداث اكبر قدر ممكن من الدمار والفوضى. لكن لجان الدفاع الذاتي التابعين للجمعية الشعبية لعبت دورا رائعا في مقاومة الاستفزازات والدفاع عن Plantón.

  عندما تمت الإغارة على محطة إذاعة الجامعة من طرف حوالي 50 من الأشخاص المسلحين بأسلحة أوتوماتيكية، بقيت الإذاعة تبث إرسالها طيلة المواجهات، بينما كان الرفاق يطلبون المساعدة والدعم. تم التصدي لهذا الهجوم دون حدوث جروح خطيرة. وفي حادث آخر، عندما ألقت الشرطة القبض على قيادي في الحركة، نهض المئات من مؤيدي الجمعية الشعبية لإطلاق سراح المعتقل وحطموا مخفر الشرطة أثناء العملية.

  حاولت الحكومة، في العديد المناسبات، استعادة السيطرة، عبر إلقاء القبض على قادة الحركة المعروفين وطالبت الحكومة الوطنية بإرسال قوات مكافحة الشغب الفدراليين. وعندما قتل ثلاثة أشخاص خلال 48 ساعة، ردت الجماهير مرة أخرى بتصعيد نضالاتها لإسقاط الحكومة، مرة أخرى احتلوا العديد من البنايات الحكومية المحلية، وأغلقوا الطرق السيارة وهددوا باحتلال جميع البنايات الحكومية المحلية في الولاية. وتمكنت قوة الدفاع الذاتي من اعتقال أغلبية القتلة.

 مناضلو الجمعية الشعبية لجماهير أواكساكا يحتجون ضد القمع

  عندها، رفعت الحكومة، يوم 22 غشت، من حدة الهجوم باتهامها للجمعية الشعبية بكونها منظمة “لحرب عصابات المدن”. وهو ما يعتبر محاولة واضحة لتحضير الرأي العام لحملات قمع اكبر.

  إلا أن هذه الهجومات والتهديدات هي مؤشرات عن الضعف وليس القوة. إن حكومة فيسينتي فوكس الفدرالية قد أصيبت بالشلل بفعل الحركة الجماهيرية، ورفضت إرسال قوات فدرالية، بدعوى أن مسؤولية حل هذه الأزمة تقع على كاهل حكومة أواكساكا. لقد استوعبوا أن حدوث مواجهة دامية بين القوات الفدرالية وعمال أواكساكا يمكنها أن تدفع الأمور خارج سيطرتهم كليا.

  فلنتذكر: لقد كان هدف حزب العمل الوطني وحزب الثورة المؤسساتية، هو هزم هذه الحركة قبل الانتخابات لضرب معنويات الجماهير وتسهيل عملية التزوير. إلا أنهم بدل ذلك، جعلوا من أواكساكا نقطة مرجعية للبلد بأسره. وكما كان الحال خلال الانقلاب ضد الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، شهر ابريل 2002، فإن “سوط الثورة المضادة” قد أدى فقط إلى تقوية عزم الجماهير ودفعها إلى نضالات أكثر كفاحية وحزما.

  عناصر لازدواجية السلطة:

  « لقد تشكلت الكومونة من أعضاء المجالس البلدية الذين تم اختيارهم بالاقتراع العام في مختلف دوائر المدينة. كانوا مسؤولين وكان يمكن إلغاء التفويض الممنوح لهم في أي وقت. أغلبية أعضائها كانوا، بطبيعة الحال، من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم… والشرطة، التي كانت حتى ذلك الحين أداة في يد الحكومة المركزية، جردت في الحال من جميع وظائفها السياسية، وحولت إلى هيئة للكومونة مسؤولة ويمكن تبديلها في أي وقت. على هذا النحو كان موظفو سائر فروع الإدارة بأسرها. ومن فوق إلى تحت، ابتداء من أعضاء الكومونة، كان يتعين أداء الخدمات العامة لقاء أجرة تساوي أجرة العامل. وقد اختفت جميع الامتيازات والعلاوات التي كان يتقاضاها كبار موظفي الدولة مع اختفاء هؤلاء الموظفين… وبعد أن أزالت الكومونة الجيش الدائم والبوليس، وهما أداتا الحكم المادي في يد الحكومة القديمة، أخذت في الحال تكسر أداة الاستعباد الروحي: قوة الكهنة… وفقد الموظفون القضائيون استقلالهم الصوري… وصار من المترتب عليهم، أن يصبحوا منتخبين، مسؤولين ويمكن إلغاء التفويض الممنوح لهم في أي وقت»
    كارل ماركس، حول تجربة كومونة باريس 1871، الحرب الأهلية في فرنسا

  تعتبر الطبقة السائدة الأوضاع في أواكساكا أنها “فوضى”. لكنها من وجهة نظر الطبقة العاملة ليست كذلك على الإطلاق، إنها مخاض لميلاد نظام اجتماعي جديد. إنها بدايات ثورة اشتراكية، مجهود هائل للطبقة العاملة في أواكساكا لإسقاط مستغليهم والقضاء بشكل نهائي على نظام يستعبدهم. إنها حركة ملهمة، مليئة بالدروس الرائعة لجميع الشعب العامل. إنها مثال كلاسيكي عن السرعة التي يمكن بها للوعي أن يتغير على قاعدة شروط متغيرة، عن كيف يمكن، في ظل شروط معينة، أن يتحول إضراب “روتيني” للمعلمين إلى نضال مفتوح من اجل السلطة العمالية.

  في الواقع هناك حكومتان في أواكساكا: حكومة “الظل” التابعة لأوليسيس رويز، المدعومة من طرف حفنة من كبار رجال الأعمال المحليين والطبقة السائدة الفاسدة في البلد، ثم الجمعية الشعبية لجماهير أواكساكا المدعومة من طرف مئات آلاف العمال والفلاحين. أقلية هم من يريدون أو يرغبون في الدفاع عن الدولة القديمة. لقد أعلن العديد من رجال الشرطة المحلية وحراس الأمن الخاص أنهم يدعمون الجمعية الشعبية وانه لا يجب اعتبارهم أعداء للشعب، بل لقد طلبوا حتى بأن تقوم الجمعية الشعبية باحتلال مقراتهم إذ أنهم هم أيضا قد سئموا من الحكومة الحالية. وكما أشار الرفاق في تيار Militante في مدينة أواكساكا، فقط أضواء المرور هي المؤشرات الوحيدة عن جهاز الدولة القديم التي لا تزال تشتغل كما في السابق. بالنسبة للأغلبية الساحقة من سكان أواكساكا، الجمعية الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة في الولاية. إنها جنين سلطة عمالية حقيقية ويجب أن يتم دعمها ومد سلطتها والتنسيق بينها عبر حدود الولاية وفي البلد بأسره.

  من جهتها هددت جمعية أرباب الأعمال في أواكساكا بتنظيم حملة إغلاقات للمعامل إذا لم يتم وقف المواجهة حالا. إنهم يدّعون كونهم “محايدين” في هذا الصراع، ويبحثون فقط عن إعادة “النظام”. إلا أن ذلك يشكل هجوما جليا على نضال العمال والفلاحين: إن إغلاق المعامل سوف يؤدي إلى حرمان هؤلاء الذين يناضلون من ضروريات الحياة. يهدف أرباب العمل من خلال إطلاق هذا التهديد إلى إخافة الحركة وفرض وقف سريع للصراع لما فيه مصلحة الحكومة والنظام الرأسمالي. إن أرباب العمل بكل بساطة لا يمكنهم أن يتخيلوا مجتمعا بدون رأسماليين، مجتمعا بدون آلة القمع التي هي الدولة البرجوازية، لا يمكنهم تخيل مجتمع يسير من طرف العمال والفلاحين المكسيكيين ومن اجلهم.

  إذا ما نفذ أرباب العمل تهديدهم، فإن المنظور الوحيد الذي سيكون لدى عمال أواكساكا هو احتلال المصانع والشركات وتسييرها تحت الرقابة الديموقراطية للجان العمال المنتخبة في جميع أماكن العمل بتنسيق كامل مع الجمعية الشعبية. سوف يوجه هذا ضربة مزدوجة لأعداء الحركة. إذ سوف يمنعهم من حرمان العمال من الحاجيات الضرورية وسيكون خطوة هائلة نحو الأمام في تطوير النضال في اتجاه اشتراكي. هكذا سيحقق العمال رقابة ديموقراطية مباشرة على الإنتاج والتوزيع والتبادل عبر حكومة عمالية منتخبة ديموقراطيا ومسؤولة أمام الجماهير هي الجمعية الشعبية لجماهير أواكساكا.

  حضِّروا لإضراب عام!

  إضافة إلى مطلب استقالة الحاكم رويز (الذي “اختبأ” حاليا)، تحتاج الحركة في أواكساكا إلى إيجاد طرق للارتباط أكثر بالنضال الوطني ضد تزوير الانتخابات. إن بناء جبهة موحدة مع جميع القطاعات المناضلة الأخرى في البلد ستكون أفضل طريقة للدفاع عن عمال أواكساكا، ووقف التزوير الانتخابي وإنهاء اضطهاد تجمعات السكان الأصليين، مواجهة البوليس المعادي للعمال التابع لحكومة فوكس ومد النضال من اجل الاشتراكية.

  يجب تعميم تجربة الجمعية الشعبية لجماهير أواكساكا على الصعيد الوطني. يجب أن يتبع اللقاء الديموقراطي الوطني، الذي دعى أوبرادور لعقده يوم 16 شتنبر، خطى تجربة الجمعية الشعبية ويشكل حكومة عمالية للمكسيك، على قاعدة لجان ثورية على الصعيد الوطني. وبالنظر لموازين القوى الحالية فإن الدعم لمثل هذه الحكومة سيكون كبيرا.

  لتعبيد الطريق لهذا الحل، يجب التحضير فورا لإضراب عام من 24 ساعة، من خلال إطلاق دعوة طبقية واضحة لجميع العمال والفلاحين والطلاب في أواكساكا والمكسيك. إن أفضل طريقة للتحضير لإضراب عام هي عبر تشكيل لجان ثورية للمعارك والأخبار في جميع أماكن العمل والأسواق والمدارس. سوف يضع هذا الأسس من اجل الدعوة بشكل ديموقراطي وفعال للإضراب ومن ثم من اجل تسيير المجتمع المكسيكي من طرف الطبقة العاملة نفسها. سوف لن يؤدي هذا إلى إسقاط حكومة رويز فقط، بل سوف يصدم مباشرة جذور جميع مشاكل الجماهير في أواكساكا والمكسيك: أي الحكومة الفيدرالية الفاسدة وقبل كل شيء النظام الرأسمالي نفسه.

  لا تستطيع جماهير أواكساكا أن تظل في حالة غليان إلى الأبد. ليس هنالك سوى منظوران اثنان: إما انتصار العمال والفلاحين في أواكساكا، وهو ما سوف يمتد حتما إلى باقي البلد. أو إعادة شكل ما من أشكال النظام القديم، هذا إذا لم يعد نظام أوليسيس رويز نفسه.

  تأمل حكومة فوكس حاليا أن تبث الارتباك بين صفوف الحركة وتنهكها، ويمكنها فعلا أن تقدم بعض التنازلات في محاولة لتهدئة الأوضاع. لكن هناك مسألة واضحة: إنهم سيدافعون عن الحاكم أوليسيس رويز إلى آخر لحظة. إن سقوطه سوف يكون انتصارا عظيما وجد ملهم للجماهير، سيدفع بها للنضال بشكل أكثر حزما ضد تزوير الانتخابات وضد نظام فوكس نفسه.

  إن الرفاق مناضلي تيار الميليتانتي يطالبون النقابات المكسيكية بالدعوة إلى إضراب وطني عام باعتباره الوسيلة الوحيدة لإيقاف التزوير ووقف القمع الذي يستهدف جماهير أواكساكا ويظهر في الممارسة من هو السيد في المجتمع، العمال أم الرأسماليون. لن تدور عجلة واحدة ولن يشتغل مصباح دون عمل الطبقة العاملة! وإذا لم يكن إضراب يوم واحد يكفي، إذ ذاك سيكون الإضراب العام الغير محدود هو الحل الوحيد، وهو ما سيكون له، في الأوضاع الحالية، طابعا تمرديا وسيطرح مباشرة مسألة السلطة على الصعيد الوطني.

  الثورة العالمية

  في سياق الموجة الثورية التي تجتاح كل أمريكا اللاتينية، تتموقع المكسيك في موضع حاسم: إذ توجد على الحدود مع الدولة الإمبريالية الأقوى في العالم. إن الثورة لا تحترم الحدود، ومع وجود ملايين المكسيكيين والأمريكيين اللاتينيين الآخرين الذين يعيشون داخل الولايات المتحدة، فإن الطبقة السائدة في أمريكا تستعد للمعركة الحاسمة. إن عسكرة الحدود الأمريكية – المكسيكية الذي نشهده مؤخرا ردا على ما يسمى “بالهجرة اللاشرعية” ليست مسألة عرضية. لقد تمت الزيادة مؤخرا في عدد دوريات حرس الحدود كما أن البوارج الأمريكية تقوم بحراسة منصات النفط المكسيكية في خليج المكسيك.

  إذا ما وصل لوبيز أوبرادور إلى السلطة على قاعدة التحركات الهائلة التي شهدناها خلال الأسابيع الأخيرة، فإن الضغط من اجل إنجاز إصلاحات اجتماعية حقيقية سوف يكون جبارا. وإذا ما عين كالديرون رئيسا فإن حكومته سوف تشل بالأزمة منذ اليوم الأول، سوف يكون من المستحيل عليه تماما أن ينهي مدة ولايته البالغة ستة سنوات.

  ليست الأحداث في أواكساكا سوى بداية للثورة الاشتراكية المكسيكية. هنالك ركام هائل من المواد المتفجرة في كل ركن من أركان البلاد، وهي التي سوف تشتعل خلال المرحلة القادمة. إن الأوضاع تتغير بشكل سريع ويجب علينا أن نكون مستعدين لدعم عمال وفلاحي أواكساكا والمكسيك في شروط تصاعد القمع.

  إن الرفاق مناضلو Militante بالمكسيك يوجدون في الخطوط الأمامية للمواجهة. وقد تعرضوا مؤخرا للهجوم من طرف الإعلام البرجوازي، الشيء الذي يؤكد فعاليتهم، للحصول على المعلومات الحديثة عن الوضعية في المكسيك (بالإسبانية) يمكنكم زيارة موقعهم www.militante.org، حيث يمكنكم أيضا توقيع عريضة دعم للعمال والفلاحين في أواكساكا:
http://www.militante.org/index.php?option=com_facileforms&Itemid=72

  وابقوا مرتبطين بموقع Marxist.com [وMarxy.com] من اجل التعرف على آخر التطورات وحملة التضامن ضد أكاذيب El Universal، التي تهدف لتحضير الرأي العام لقمع همجي ضد الحركة وضد رفاق Militante.

بقلم جون بيترسون،
(اعتمادا على مقالات وتقارير الميليتانتي في المكسيك)
الخميس: 31 غشت 2006

عنوان النص بالإنجليزية:

Mexico: Oaxaca – the Spearhead of the Mexican Revolution

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *