الرئيسية / دول العالم / آسيا / باكستان / الانتخابات الباكستانية: أم كل تزوير

الانتخابات الباكستانية: أم كل تزوير

  قبل إعلان نتائج الانتخابات، ظهر الرئيس مشرف على شاشة القناة الحكومية الباكستانية، حيث دعا إلى ضرورة القبول بالانتخابات التي أطلق عليها اسم “صوت الأمة” و”أم الانتخابات”. لكن هذه الانتخابات كانت في الحقيقة أم كل تزوير. جاءت النتائج الإقليمية لانتخاب الجمعية الوطنية، خلال منتصف يومنا هذا (الثلاثاء 19 فبراير)، على الشكل التالي:

الحزبالمقاعد
حزب الشعب الباكستاني87
حزب الرابطة الإسلامية (نواز شريف)66
حزب الرابطة الإسلامية (ك)38
الحركة القومية المتحدة19
حزب عوامي10
الحزب الوطني البالوشيستاني1
متحدة مجلس العمل3
آخرون34

   لقد كانت هذه الانتخابات أكبر تمرين في التزوير، حتى بالمقاييس الباكستانية، حيث، بين عشية وضحاها، حرمت الجماهير من تحقيق النصر من طرف المدلسين في إسلام أباد وواشنطن. لقد أدى اغتيال بينازير بوتو إلى دفع الجماهير بشكل فوري إلى ساحة النضال. لو أن الانتخابات عقدت في ذلك الوقت لكان حزب الشعب الباكستاني حقق انتصارا ساحقا. لا شك في ذلك. ولهذا السبب بالضبط قررت الطغمة الحاكمة، باتفاق مع الأمريكيين، أن تؤجل عقد الانتخابات.

   كان الإقبال ضعيفا وقد أضر هذا الواقع بمصالح حزب الشعب الباكستاني. لم تصدر لحد الآن أية أرقام عن اللجنة الانتخابية بخصوص معدل المشاركة من حوالي 82 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية في كل أرجاء البلد، لكن التقارير القادمة من الأقاليم الأربعة كلها تقول أن نسبة المشاركة كانت أقل من نسبة41.67%المسجلة خلال الانتخابات السابقة سنة 2002، حيث حقق حزب الشعب الباكستاني أعلى عدد من الأصوات لكنه لم يفز بما يكفي من المقاعد لتشكيل الحكومة بسبب سياسة مشرف الرامية إلى إبعاد حزب الشعب وحزب نواز شريف الرابطة الإسلامية.

  إن المعدل الضعيف للمشاركة لديه تفسيرات متعددة. فالجناح اليميني لحزب الشعب لم ينظم أية حملة انتخابية، معتمدا بشكل كامل على تعاطف الجماهير مع الحزب بعد اغتيال بينازير بوتو. من خلال تأجيل الانتخابات لأكثر من شهر، أعطى النظام الباكستاني (بتوصية أمريكية) ما يكفي من الوقت لمزاج الإدانة لكي يهدأ، بينما عمل على استخدام أجهزة الدولة من أجل التحضير لتزوير بمقاييس غير مسبوقة. لقد كان هذا عاملا مساعدا في هذا الامتناع الكثيف عن التصويت، حيث كان أغلب الناس يعلمون أن النتيجة مقررة مسبقا.

   لقد تم تنظيم أعمال العنف بشكل متعمد لخلق جو من الرعب والترهيب خلال يوم الانتخابات.

   وحسب صحيفة الإيكونوميست:

  «لقد كانت الحملة الانتخابية دموية، حتى بالمقاييس الباكستانية الرهيبة. منذ اغتيال بينازير بوتو، زعيمة حزب الشعب الباكستاني، يوم 27 دجنبر، قتل أكثر من 450 شخص أثناء عمليات العنف السياسي والتمرد.» (الإيكونوميست 18 فبراير 2008)

   بالرغم من أن هؤلاء الذين خططوا للتفجيرات كانوا أعضاء في مجموعات متطرفة: المتعصبون الجهاديون، طالبان وفاشيو الحركة القومية المتحدة، فإن خيوط اللعبة كانت تحركها قطاعات من داخل أجهزة الدولة الباكستانية نفسها. خلال نهاية الأسبوع السابق ليوم الانتخابات، قتل 47 من أعضاء حزب الشعب الباكستاني في الحدود الشمالية الغربية (بختونخوا). كما اجتاح العنف يوم الانتخابات في بالوشيستان. وقد نظمت الحركة القومية المتحدة في كاراتشي هجوما بالقنابل على المرشح الماركسي رياض ليند. كان العديد من الناس خائفين من القدوم إلى مراكز الاقتراع للتصويت في ظل هذه الظروف. لماذا تغامر بحياتك في الوقت الذي ليس لصوتك أية أهمية على كل حال؟

   الاتفاق مع واشنطن

   لا تقرر باكستان مصيرها بنفسها. إن القرار بخصوص مصيرها موجود في واشنطن بما يتوافق ومصالح السياسة الخارجية الأمريكية. لقد جاءت هذه النتيجة بشكل واضح نتاجا لاتفاقية عقدت بين مشرف وواشنطن، من أجل الحيلولة دون تشكيل حكومة لحزب الشعب، التي كانت ستتعرض لضغوطات طبقة عاملة عادت إلى النضال. كان التكتيك هو تقوية نواز شريف من أجل تشكيل حكومة ائتلافية مكونة من يمين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف. وكجزء من هذه الاتفاقية كان على مشرف أن يتخلص من “حزبه” – الرابطة الإسلامية كويد- المعروف باسم “حزب الملك”، بينما على حزب الشعب الباكستاني أن يتخلص من جناحه اليساري. هذا هو المعنى الحقيقي لنتيجة الانتخابات.

   لقد تعرض “حزب الملك” إلى هزيمة مذلة خلال الانتخابات، وكانت نسبة التصويت لصالح حزب نواز شريف عالية إلى درجة غير متوقعة. سيقدم هذا الواقع المبرر لقادة حزب الشعب من أجل الدخول في حكومة ائتلافية، الشيء الذي كانوا يحضرون له منذ وقت طويل. لقد قضوا أشهرا في الحديث عن سياسة “المصالحة الوطنية” و”الديمقراطية” و”اللبرالية” وما إلى ذلك. وكان غياب كلمة الاشتراكية واضحا. بعبارة أخرى، لقد كانوا، حتى قبل الانتخابات، يحضرون للاستسلام وتشكيل ائتلاف.

   نواز شريف، ذلك السياسي الفاشل الذي انتهى تماما سنة 1998، يحقق الآن عودة “عجائبية” إلى الحياة السياسية، بفضل وكالة المخابرات الأمريكية وقادة حزب الشعب. من الواضح جدا أن جميع هجماته ضد مشرف لم تكن سوى خداع وديماغوجية محسوبة من أجل كسب الأصوات المعادية لمشرف. وهاهو الآن قد عقد اتفاقا مع مشرف نفسه الذي كان لحدود الأمس فقط يهاجمه. وبنفس الطريقة يحضر لعقد اتفاق مع قادة حزب الشعب الباكستاني. إن هذا يفسر المهزلة الرخيصة التي مثلها بعد اغتيال بينازير، عندما ذهب إلى المأتم لتقديم تعازيه الحارة لأسرة بوتو، مع الحرص على الظهور على شاشات التلفزيون وهو يصلي.

   قاعدة حزب نواز الرابطة الإسلامية مشكلة من البرجوازيين الصغار: صغار مالكي الحوانيت وصغار التجار وصغار المقاولين. لكن شريف نفسه رأسمالي كبير وعدو للطبقة العاملة. إنه يمثل مصالح كبار ملاكي الأراضي والرأسماليين الباكستانيين. ولقد نجح بمساعدة من الدولة والأموال السعودية في أن يعبئ قاعدته الاجتماعية، التي تتوق إلى “الأيام الجميلة الماضية” عندما كان شريف في السلطة يملئ جيوبه ويساعد أنصاره على ملئ جيوبهم. لكن قاعدة حزب الشعب هي العمال والفلاحون، الذين يتوقون إلى القضاء على بؤسهم وإحداث تغيير جذري للمجتمع. لا يستطيع الجناح اليميني الفاسد داخل حزب الشعب أن يثير أي تعاطف بين صفوف الجماهير بثرثرته حول “المصالحة الوطنية” و”الديمقراطية اللبرالية”. لقد كانت الجماهير مستعدة للنضال من أجل تغيير المجتمع، كما شهدنا ذلك بعد اغتيال بينازير. لكن هذا الأمر أخاف قيادة حزب الشعب الباكستاني أكثر حتى مما أخاف مشرف.

   لقد دعمت الإمبريالية الأمريكية مشرف بالرغم من خرقه المتكرر لتعهده بالديمقراطية. ليست الديمقراطية، بالنسبة للإمبرياليين، مثلها مثل الشعور الإنساني وحقوق الأمم الصغرى، سوى عبارة جوفاء يستعملونها من أجل خدمة مصالحهم الحقيقية. لكن نظام مشرف نظام ضعيف وعاجز عن الوفاء بالتزاماته اتجاه واشنطن. صار النظام الديكتاتوري محاصرا بالتمرد الإسلامي والإرهاب والتصدعات داخل الدولة والفوضى السياسية، إن النظام الديكتاتوري ينهار. لذا قررت واشنطن التي اكتشفت أنها ترتكز على عصى مكسورة، أنه قد حان الوقت لتغيير المسار. لقد عملت لفترة من الوقت على توطيد العلاقات مع بينازير بوتو، التي كانوا يدفعونها إلى عقد اتفاق مع مشرف.

   توصل منظرو الإستراتيجية الإمبريالية الأمريكية إلى خلاصة مفادها أنه لم تعد هناك أية ضرورة لمشرف بالنسبة إليهم وأنه صار من الضروري استبداله. كانوا قد وجهوا أنظارهم نحو بينازير بوتو لتأخذ مكانه. لكن الأحداث التي دارت في الشوارع الباكستانية تجاوزت حسابات الدوائر الحاكمة. كانت الانشقاقات والمواجهات التي تحدث في القمة توفر ثغرة تمكن السخط الجماهيري المتراكم من أن يندفع من خلالها. وكما سبق لنا أن توقعنا، دفعت عودة بينازير بوتو بملايين العمال والفلاحين إلى الشوارع. لم يكن ذلك بفضل سياساتها وممارستها بل بالرغم عنها. الجماهير لا تقرأ الخطوط الصغيرة وقد رأت في عودة بينازير أملا في حل مشاكلها الأشد إلحاحا. تقف باكستان على حافة انهيار اقتصادي، مع بطالة كثيفة وبؤس جماهيري رهيب. لقد عبر سخط المضطهَدين عن نفسه للعالم من خلال المظاهرات الجماهيرية التي ضمت ثلاثة ملايين شخص للاحتفال بعودة بينازير بوتو. إن الرجعيين في باكستان يعادون بشكل طبيعي حزب الشعب الباكستاني وبينازير، التي يرون فيها الرأس الأبرز للحركة الجماهيرية. فبدءوا في التحضير للحملة الإجرامية التي انتهت باغتيالها.

   لم يكن الإمبرياليون خائفين من بينازير بوتو، التي لم تفوت أية فرصة للظهور بمظهر “المعتدلة” الموالية للغرب. لكن وراء بينازير وحزب الشعب تقف الجماهير التي تطالب بالتغيير. إن الجماهير وفية للتطلعات الاشتراكية الأصلية التي تأسس عليها حزب الشعب وتطالب بـ: روتي، كابرا أور ماكان (الخبز، الملبس والمأوى)، التي لا تستطيع الرأسمالية الباكستانية توفيرها لهم. لقد كان الإمبرياليون في الأصل يريدون أن يوازنوا بين شريف وبوتو. أرادوا الدفع بهما إلى إقامة حكومة ائتلافية تشكل واق صدمات ضد الجماهير. لكن واشنطن تفاجأت بالتحركات الجماهيرية التي صاحبت عودة بينازير. فطرح السؤال حول ما إذا كانت حكومة حزب الشعب خطيرة جدا بسبب الآمال التي سوف تستثيرها بين صفوف الجماهير. فأعادوا تقييم الوضع.

   تزوير انتقائي

   يتفق جميع الملاحظين الجديين على وجود تزوير واسع النطاق. تمت إزالة أسماء المصوتين من اللوائح الانتخابية، واختفت ببساطة، بينما أدلى الأموات بأصواتهم. أعطيت مئات أوراق الاقتراع لبعض المرشحين ليملؤها كيفما أرادوا. أقيمت مراكز الاقتراع في الأماكن التي كان من المنتظر أن يدلي فيها الأشخاص “المناسبون” بأصواتهم وبعيدا عن المناطق التي كان من الواضح أن التصويت فيها سيسير في اتجاه آخر. وبهذه الطريقة تم بفعالية حرمان جزء كبير من الناخبين من حقهم في التصويت. واستخدمت قوات الشرطة وغيرهم من المسئولين من أجل ترهيب الناخبين. لقد حدث هذا على نطاق واسع.

   هذا النوع من التزوير مثالي تماما ويمكن تكراره ألف مرة في جميع المدن والبلدات والقرى في باكستان. تم تقديم العديد من الشكاوى إلى اللجنة الانتخابية لكن اللجنة عملت على رفضها بشكل منهجي. بطبيعة الحال! أي ثقة يمكن أن توضع في لجنة انتخابية تم تشكيلها من طرف النظام الدكتاتوري بهدف واضح هو تزوير الانتخابات؟

   ليس تزوير الانتخابات مسألة جديدة في باكستان. لكن ما حدث خلال الانتخابات الحالية شيء مختلف نوعيا. لم يحدث هنا ذلك التزوير الخشن العشوائي القديم. بل كان تزويرا محسوبا بدقة لإقصاء بعض المرشحين وفي نفس الآن تأهيل آخرين. كان الهدف الأساسي هو إقصاء يسار حزب الشعب الباكستاني من الجمعية الوطنية. من الملحوظ أنه كان من المسموح لمرشحي يمين حزب الشعب الباكستاني بـ “الفوز” بينما تم إقصاء المرشحين اليساريين باستعمال التزوير المفضوح.

   ففي كاسور، كان أحمد منصور، العضو الماركسي الشهير داخل الجمعية الوطنية، في موقع قوي جدا. لقد نظم حملة انتخابية ناجحة جدا وحصل على دعم العمال والفلاحين. كان فوزه يبدو مؤكدا. لكن الطغمة الحاكمة ويمين حزب الشعب الباكستاني كانت لديهم أفكار أخرى. لقد كان منصور دائما شوكة في خاصرتهم. حيث أنه عمل بنجاح طيلة المرحلة الماضية على استعمال الجمعية الوطنية كمنبر للدفاع عن العمال وطرح الأفكار الاشتراكية والدفاع عنها. كان الدور الذي لعبه في إلحاق الهزيمة بخطة خصخصة مصنع الصلب الباكستاني هو على وجه الخصوص من أقنع الطغمة الحاكمة بأنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لبرلماني عمالي في الجمعية الوطنية.

   كانت هناك، منذ الصيف الماضي، محاولة لإقصاء منصور من لائحة حزب الشعب، عندما تم استدعائه إلى لندن لشرح خطواته لبينازير بوتو. من الواضح جدا أن وكالة المخابرات الأمريكية قد أخبرت بوتو بعبارات واضحة أنه يتوجب عليها التخلص من البرلماني الماركسي قبل الانتخابات. لكن وفي اللحظة الأخيرة فشلت بينازير في القيام بذلك خوفا من انعكاساته داخل قواعد الحزب. لكن خطة التخلص من منصور كانت لا تزال في مكانها وقد وضعت الآن موضع التنفيذ بوسائل أخرى.

   خلال الانتخابات الماضية التي فاز بها منصور، حصل على 28.732 صوت. أما خلال هذه الانتخابات وبعد أن قام بحملة انتخابية مثالية، طرح فيها مرة أخرى برنامجا اشتراكيا ثوريا، حصل منصور على 43.232 صوت، الشيء الذي شكل زيادة كبيرة. إلا أنه بالرغم من ذلك خسر مقعده أمام مرشح حزب نواز شريف، الذي زعموا أنه حقق 52.000 صوت. لقد عمل أعضاء الجناح اليميني المحليين لحزب الشعب الباكستاني كل ما في وسعهم لتخريب حملة منصور، بل وعملوا في الحقيقة في بعض المناطق على دعوة الناس إلى عدم التصويت لصالحه. رفض الفرع المحلي للحزب التعاون معه. بالرغم من هذا التخريب المتعمد تمكن منصور تقريبا من مضاعفة عدد المصوتين لصالحه. لكن لم تكن هناك إمكانية لكي يقبل في الجمعية الوطنية.

   نتيجة الانتخابات لم يقررها عمال وفلاحو كاسور، الذين يعتبرون منصور بطلا، بل قررتها الدوائر العليا داخل الدولة وقادة الجناح اليميني لحزب الشعب الباكستاني الذين يشكل لهم منصور إحراجا. تبينت الطبيعة الانتقائية لعملية تزوير الانتخابات وتواطأ يمين حزب الشعب مع الدولة، من خلال واقع أنه في مناطق أخرى من كاسور تمكن مرشحون يمينيون لحزب الشعب الباكستاني من الفوز وهم الذين لم تكن لديهم أية حظوظ للفوز.

   التزوير في كاراتشي

   كما سبق لنا أن توقعنا قام حزب الحركة القومية المتحدة بتزوير الانتخابات في كاراتشي. زعموا أنهم فازوا في مناطق حيث كان من المفترض أن يفوز حزب الشعب الباكستاني بيسر بعد اغتيال بينازير بوتو. ففي القلعة العمالية الحصينة NA-257، حيث نظم المرشح الماركسي رياض ليند، حملة انتخابية ناجحة بكل المقاييس، تم تأجيل الإعلان عن النتائج بشكل غير متوقع. وعندما كان الرفاق يتابعون بفارغ الصبر شاشات التلفزيون تم إعلان نتائج حتى أصغر القرى في الهملايا، لكنها لم تنبس ببنت شفة عن الدائرة NA-257. إن النتائج المستقاة من مراكز الاقتراع كانت تبين أن رياض كان في المقدمة.

  حسب النتائج “الرسمية”، التي لم يتم الإعلان عنها إلا مع الساعة التاسعة صباحا من يوم 19 فبراير، حصل رياض على 46.080 صوت، وهو ما يشكل أكثر من ضعف عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح حزب الشعب الباكستاني خلال الانتخابات السابقة. سنة 2002 فاز مرشح حزب الحركة القومية المتحدة، محمد شاميم صديقي بالانتخابات بـ 45.480 صوت. لكن عندما أعلنت النتيجة بشكل نهائي، أعلن “فوز” حزب الحركة القومية المتحدة بـ 134.448 صوت. هذه نتيجة مستحيلة وتبين الطبيعة المفضوحة للتزوير. حدد الرفاق في كاراتشي الهامش الذي فاز به رياض في 27.000 صوت. بروليتاريو كاراتشي، الذين تعبئوا بأعداد هائلة بفضل حملته الملهمة، يعرفون هذه الحقيقة. يعرفون أنهم تعرضوا للخداع وتمت سرقة انتصارهم من طرف مجرمي الحركة القومية المتحدة ورئيس العصابة مشرف الذي دعمها.

  لحد اليوم لم يتم إعلان نتائج انتخابات وزيرستان، حيث شن الرفيق علي وزير حملة جد شجاعة. لقد ضرب عليها تعتيم إعلامي تام. كان على الرفيق علي وزير أن يشن حملته في ظل أكثر الظروف صعوبة وخطورة على الإطلاق. هدد الرجعيون الموالون لطالبان بقتله وبذلوا كل الجهود لتنفيذ هذا التهديد. لقد نظم هؤلاء المجرمون تفجيرات ضد المرشحين والأحزاب الذين لا يؤيدونهم. إلا أنه وبالرغم من الخطر المحدق بحياته تمكن علي من كسب تعاطف عمال وفلاحي وزيرستان الفقراء، الذين سئموا من الأصوليين وطالبان. لقد نظم مسيرة جماهيرية ضمت 10.000 شخص وهو الشيء الذي لم يسبق رؤيته في وزيرستان.

  من الواضح أن الأصوليين الدينيين، وبالرغم من التعتيم الإعلامي، يعيشون مرحلة انحطاطهم. لقد ظهر أن حزب “متحدة مجلس العمل” الأصولي، الذي حكم المنطقة الشمالية الغربية لخمسة سنوات، مهدد بأن يصفى لا سواء من الجمعية الوطنية ولا من الهيئة التشريعية في منطقة الحدود. يعتبر هذا ردا على هؤلاء “اليساريين” الأوروبيين المضللين الذين دعموا الحركات الأصولية الرجعية.

  منظورات

  كتبنا في إحدى وثائقنا مؤخرا ما يلي:

  «ليست الأزمة في باكستان مجرد أزمة سياسية سطحية بل هي أزمة النظام نفسه. الرأسمالية الباكستانية الضعيفة، الفاسدة والمتعفنة حتى النخاع، دفعت بلدا شاسعا يضم 160 مليون نسمة إلى مأزق رهيب. لقد أبانت البورجوازية الباكستانية المنحطة، طيلة أكثر من نصف قرن، عن كونها عاجزة عن قيادة البلد إلى الأمام. وهي الآن تجد نفسها في مأزق مما يهدد بسحبها إلى قاع الهاوية.

  فقط الجماهير وحدها من يمكنها، بقيادة الطبقة العاملة، أن تقدم مخرجا من هذا الكابوس. القاعدة الحقيقية لحزب الشعب هي الجماهير: ملايين العمال والفلاحين، والشباب والعاطلين والنساء الثوريين والمثقفين التقدميين، الذين خرجوا إلى الشوارع قبل بضعة أسابيع، يتحدون التفجيرات الإرهابية وعصي الشرطة من أجل الترحيب بزعيمة حزب الشعب. إنهم لم يكونوا يرحبون بشخص بل برمز: رمز لديمقراطية حقيقية ولباكستان عادلة، باكستان بدون أغنياء وفقراء، بدون مضطهِدين ومضطهَدين، باكستان اشتراكية.» [باكستان تدخل مرحلة جديدة من الصراع]

  ليس هناك من حاجة إلى تغيير أي سطر هنا. لكن تبين أن المنظور المباشر أكثر تعقيدا. تحاك المناورات والمكائد في كواليس إسلام أباد وواشنطن. لدى هؤلاء ما يكفي من الإمكانيات من أجل تزوير الانتخابات، لكن ليس لديهم ما يكفي من الإمكانيات لحل المشاكل العميقة التي يعاني منها المجتمع الباكستاني. ومن ثم فإن المجال مفتوح لحدوث المزيد من الاضطرابات والانتفاضات.

  لقد شكلت الحملة الانتخابية في حد ذاتها نجاحا باهرا للماركسيين الباكستانيين. لقد تدخلوا بمرشحين في أربعة دوائر: في كاراتشي وكاسور ووزيرستان والحدود الشمالية الغربية (بختونخوا). لقد أصدروا مليون ملصق ومنشور ونظموا مسيرات جماهيرية ومظاهرات عرفت مشاركة عشرات الآلاف من العمال والفلاحين. لقد كان ذلك مدرسة رائعة للتمرين الثوري. تم بعث أكثر من 500 رفيق إلى مناطق مختلفة للمشاركة في الحملة. تعلموا كيف يصلون إلى الجماهير، وكيف يستمعون إليها وكيف يرتبطون بها وطرحوا مطالب انتقالية تعكس مشاكلها، مع طرح فكرة الثورة الاشتراكية في كل حين.

  خلال هذه الحملة الانتخابية تمكن التيار الماركسي الباكستاني (منظمة الكفاح – The Struggle) من أن يضع نفسه في قلب الخريطة. لقد كسب نفوذا عظيما بين المناضلين العماليين والشباب، الشيء الذي وسع بشكل كبير مجال علاقاتنا وأصدقائنا والمتعاطفين معنا. إن الهدف الحقيقي الآن هو البناء على أساس هذه المكاسب، والعمل على تعزيز صفوفنا برفاق جدد وتقوية التيار على جميع الأصعدة. إن الهدف المباشر هو اكتساب 5000 رفيق نشيط مع نهاية العام الحالي. سوف يضعنا هذا في موقع جد قوي لكي نستفيد من الوضع الذي سيعرف الآن تسارعا.

  من المحتمل أن تتخذ الجماهير في البداية موقف الترقب اتجاه الحكومة الجديدة، خاصة إذا ما كان حزب الشعب، كما هو منتظر، جزءا منها. لكن هذه المرحلة لن تستمر طويلا. إن مشاكل الجماهير عميقة جدا والانقسام الطبقي في المجتمع حاد جدا، مما لا يسمح بهدنة طويلة الأمد. سوف يطالب العمال والفلاحون بالخبز والملبس والمأوى، وهي الأشياء التي لن تكون الحكومة قادرة على إعطائها لهم. سوف يطالب الماركسيون داخل حزب الشعب بأن لا تكون هناك أية حكومة ائتلافية مع نواز شريف. سوف يطرحون مطلب أن يقوم حزب الشعب بالقطع مع البورجوازيين والعودة إلى أهداف الحزب الاشتراكية الأصلية.

  لقد ألقت حركة الجماهير جانبا جميع التيارات الأخرى التي كانت تتوهم الدفاع عن الماركسية. ليست هناك الآن في باكستان سوى قوة يسارية واحدة جدية، وهذه القوة هي منظمة الكفاح (The Struggle). سوف تنفتح الآن فرص كبيرة أمام الماركسيين الباكستانيين. لقد أبانوا في الممارسة عن قدرتهم على التواصل مع الجماهير. سوف توضع، في المرحلة المقبلة، برامج وسياسات البورجوازيين والبورجوازيين الصغار الإصلاحيين على محك التجربة وستقف عارية أمام أنظار الجماهير. سيبدأ مد التاريخ في التدفق في اتجاه الاشتراكية الثورية والتيار الماركسي.

آلان وودز
لندن 19 فبراير 2008

عنوان النص بالإنجليزية:

Pakistan elections: The Mother of all Frauds

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *