أعلنت “الرابطة الشيوعية الثورية” (LCR) [الفرع الفرنسي لتيار أرنست ماندل] نيتها في حل نفسها لصالح تشكيل حزب جديد “مناهض للرأسمالية”. لكن “الرابطة الشيوعية الثورية” في الواقع كانت منذ البداية حزب – وهي منذ البداية حزب “مناهض للرأسمالية”-. إذن ما الذي سيكون جديدا؟ في العمق، لقد توصلت قيادة “الرابطة الشيوعية الثورية” إلى خلاصة أن مستقبل منظمتها سيكون واعدا أكثر لو أنها لم تعد تعتبر، من طرف الرأي العام، منظمة شيوعية أو “تروتسكية”. وعليه يتوجب تغيير الغلاف، والظهور بصورة جديدة، وهكذا تكون المهمة قد أنجزت.
لماذا سيلقى هذا المسعى نجاحا أكثر من جميع المساعي المشابهة له التي سبقت في تاريخ “الرابطة الشيوعية الثورية”؟ يقال لنا أن ذلك سيتحقق بفضل التغطية الإعلامية القوية التي يستفيد منها أوليفيي بيسانسينوت. صحيح أن الصحف والقنوات التلفزية -التي يعتبر مالكوها، بولوري على سبيل المثال، رجعيين معروفين- لا تقتصد أية وسيلة من أجل الدعاية لبيسانسينوت، والذي تقدمه بشكل منهجي بصورة إيجابية. يمكن أن يبدو الدعم المقدم لهذا “الثوري”، من طرف وسائل الإعلام الرأسمالية، مسألة متناقضة، إلا أنه يندرج في إطار إستراتيجية معدة بعناية من طرف الدولة وممثلي الرأسمالية.
لا تتعامل مجموعات الرأسماليين الكبرى بلا مبالاة مع التطورات التي تحدث داخل أحزاب اليسار. فمصالحها الحيوية هي التي على المحك. يدعم الرأسماليون دائما اليمين ضد اليسار، لكن يهمهم أيضا أن تكون أحزاب اليسار تحت السيطرة. من مصلحة الرأسمالية أن تنظم الدعاية لكل ما يمكنه أن يساهم في تقسيم اليسار وإضعافه على الصعيد الانتخابي والتنظيمي. وعلى الخصوص تكتسي مهمة تقوية موقع العناصر الأكثر وضوحا في ولائها للرأسمالية بين صفوف أحزاب اليسار وخاصة الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي، أهمية حيوية من وجهة نظر الرأسماليين.
لهذا السبب بالضبط عمل مالكو الأبناك والصناعيون ووسائل الإعلام الرأسمالية، خلال سنوات السبعينيات، على تدعيم روكار (الذي عارض تأميم الأبناك) ضد ميتيران. ولهذا السبب أيضا عملوا على دعم سيغولين روايال، سنة 2007. وفي الحزب الشيوعي عرف “الانتقال”، الذي أحدثه روبيرت هيو، تشجيعا هائلا من طرف وسائل الإعلام الرأسمالية. وقد أفضى هذا الانتقال إلى ميل نحو اليمين في سياسة الحزب الشيوعي، إلى درجة أن قيادة الحزب اعترفت باقتصاد السوق (أي الرأسمالية) باعتباره الشكل الوحيد الممكن للمجتمع. وهكذا عمل قادة الحزب الشيوعي على تأييد الخصخصة الكثيفة التي حدثت ما بين سنوات 1997 و2002.
واليوم تعمل الصحافة الرأسمالية والصناعة السمعية البصرية على تقوية موقع روايال، التي تعتبر الأضعف بين كل “الفيلة” الاشتراكيين. إنهم يدعمون في نفس الوقت “التصفويين” من أمثال زاركا وغايسوت، الخ. الذين يؤيدون فكرة حل الحزب الشيوعي. الفكرة المحركة لحملة الدعاية لصالح بيسانسينوت هي أن كل تقدم انتخابي تحققه “الرابطة الشيوعية الثورية” سيكون على حساب الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي. قوى الحزب الشيوعي صارت ضعيفة أصلا بسبب ممارسات قياداته، خلال الحكومة اليسارية الأخيرة، والتمييع “المناهض للبرالية” لبرنامجه. يتمنى الرأسماليون أن تؤدي هزيمة انتخابية أخرى إلى تحطيمه، سياسيا وماليا. ومن هنا تنبع المصلحة في الدعاية لبيسانسينوت.
يمكن أن يكون لهذه الإستراتيجية تأثير معين، هذا ليس مستبعدا، حيث يمكن، على سبيل المثال، أن يعرف عدد أعضاء “الرابطة الشيوعية الثورية” بعض الارتفاع مؤقتا. لكن هذا لن يؤدي إلى خلق “حزب كبير مناهض للرأسمالية”. على الصعيد الانتخابي، لن يحقق هذا الغلاف الجديد للرابطة أي اختراق. وفي مواجهة اليمين، ستتجه الأغلبية الساحقة من المصوتين على اليسار، بالضرورة، نحو الحزب الاشتراكي، باعتباره القوة الوحيدة القادرة على هزمه. أما بخصوص الحزب الشيوعي، فإن السبب الرئيسي لضعفه، الذي ليس انتخابيا محضا، يكمن في الطبيعة الإصلاحية لبرنامجه، الذي لا يسمح له بالتميز عن سياسة الحزب الاشتراكي. لكن الحزب الشيوعي يعاني، وسيعاني في المستقبل أيضا، من نتائج هذا “التصويت النافع” لصالح الحزب الاشتراكي.
نفس المصير سيواجه منظمة بيسانسينوت “الجديدة”. لن يكون لدى هذه المنظمة، عمليا، أي شيء جديد سوى الاسم. أما برنامجها فإنه سيكون إصلاحيا بشكل أكثر وضوحا. باختصار، إن برامج “الرابطة الشيوعية الثورية” والحزب الشيوعي متشابهان تقريبا. سيكون الاختلاف الوحيد بين هذين الحزبين هو الحجم والإنغراس الاجتماعي الأكثر أهمية للحزب الشيوعي.
يشبه برنامج “الرابطة الشيوعية الثورية” البرنامج الذي طرحه الحزب الشيوعي سنة 2006 – 2007، لكن على أساس قاعدة نضالية أصغر جدا. أراد قادة الحزب الشيوعي أن يتقدموا للانتخابات تحت لون “تجمع مناهض للبرالية” والتي ادعوا أنه سيكون أكثر “انفتاحا” وأكثر “اتساعا”، الخ. كانت الفكرة هي أن مصطلح “شيوعي” لا يعجب كثيرا المنتخبين، ومن ثم يجب التخفي وراء ستار آخر.
لقد سبق لنا أن لخصنا هذه التجربة، في مقال نشرته La Riposte وأعيد نشره من طرف جريدة فدرالية الحزب الشيوعي في با دو كالي (Pas-de-Calais)، صحيفة ليبرتي (Liberté) العدد 62، حيث قلنا:
«عدد من الشيوعيين، الذين أثرت فيهم النتيجة السيئة التي حققها الحزب خلال انتخابات 2002، استهوتهم إستراتيجية التجمعات، التي اعتقدوا أنها ستمكن من تجديد الروابط بين الحزب الشيوعي وبين جزء من قاعدته الانتخابية المحتملة، وهكذا كسب المواقع المفقودة. لكن، وبغض النظر عن بعض الاستثناءات، بينت هذه التجربة أن خلق “التجمعات” لم تمكن الحزب من خلق علاقة مع شريحة أوسع من الجماهير، بل فقط مع خليط غير متجانس من الشيوعيين السابقين والاشتراكيين السابقين ومختلف اليسراويين وغيرهم من “المستقلين” البورجوازيين الصغار، والذين لم يحملوا للحركة سوى الإحباط والارتباك.»
حتى بعد فشل تجربة التجمعات المناهضة للبرالية، تقدم الحزب الشيوعي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، تحت اسم اليسار الشعبي والمناهض للبرالية. لكن هذا “الماركيتينغ السياسي” لم يخدع أي أحد ولم يؤدي بالتأكيد إلى توسيع القاعدة الانتخابية للحزب. بنفس الطريقة، لن يؤدي قيام “الرابطة الشيوعية الثورية” بتغيير اسمها والادعاء بكونها أكثر “اتساعا”، إلى تقوية نفسها بشكل ملحوظ. يأمل قادة الرابطة في التسبب في حدوث انشقاقات بين صفوف الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي للالتحاق بها. نحن نعتقد أن هذا الأمر جد مستبعد. ولكن حتى ولو حدثت مثل تلك الانشقاقات فإنها ستكون ضعيفة الأهمية.
يسألنا عدد من المناضلين الشيوعيين، المناصرين لجريدتنا، عن موقف La Riposte من مشروع “الحزب الجديد” هذا. يريدون أن يعرفوا إذا ما كنا سنتأثر بهذه المغامرة. هذه المسألة مسقطة بشكل مطلق من حساباتنا. إن La Riposte منخرطة في النضال من أجل الدفاع عن الأفكار والبرنامج والنظرية الماركسية داخل صفوف الحزب الشيوعي. إنها لن تسمح لنفسها بالانحراف عن هذا الهدف. مناضلو La Riposte يدعون جميع المناضلين الشيوعيين إلى أن يبقوا أوفياء للحزب الشيوعي، ويدعون جميع هؤلاء الذين غادروه في الماضي، لخيبة أملهم بسبب انحرافاته،
إلى أن يعودوا إليه. يجب تقوية الحزب من حيث العدد ومن حيث الأفكار. يجب مساعدته على إدارة ظهره للإصلاحية وإعادة الارتباط بأفكار الماركسية.
غريك أوكسلي – la riposte
الخميس: 28 فبراير 2008
عنوان النص بالفرنسية :