الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / تونس / انتفاضة حوض قفصة المنجمي بتونس

انتفاضة حوض قفصة المنجمي بتونس

مقدمة بقلم هيئة تحرير ماركسي:

بتاريخ 06 يونيو 2008، نشر الموقع الالكتروني للمجلة الماركسية الفرنسية La Riposte، هذا المقال (الدعوة إلى التضامن) عن انتفاضة حوض قفصة المنجمي بتونس، والتي جاءت على خلفية احتجاجات للشباب العاطلين عن العمل واجهها النظام التونسي الدكتاتوري بقمع دموي خلف العديد من الشهداء وعشرات المعتقلين. نعمل نحن هنا على نشر الترجمة العربية لهذا المقال حتى نقرب قراءنا من الصورة الحقيقية للأوضاع التي بدأت تنضج في المنطقة بأسرها (ليس في تونس وحدها بل في المغرب أيضا والجزائر ومصر)

شباب عاطلون عن العمل ينهضون إلى النضال من أجل حقهم في الشغل والعيش الكريم، استقبلتهم الجماهير الكادحة بتعاطف وتضامن كبيرين، ونظام دكتاتوري ليس لديه من خيار سوى تسليط قمع وحشي على الحركة خوفا من امتدادها. هذا هو السيناريو الذي عرفته منطقة الحوض المنجمي بقفصة التونسية، وهو أيضا ما عرفته مدينة سيدي إفني حيث نظم عشرات الشباب العاطلين عن العمل اعتصاما في الشارع المؤدي إلى ميناء المدينة لمنع إخراج الشاحنات المحملة بخيرات لا يستفيد منها سوى الأغنياء، للمطالبة بحقهم في الشغل والعيش الكريم وهو ما لاقى تعاطفا جماهيريا رائعا، ومرة أخرى يعمل النظام الملكي الدكتاتوري المفلس على محاولة تفريق المحتجين بالقوة والرصاص. الجزائر بدورها تشهد أكبر تحركات عرفها البلد منذ سنوات عدة.

في كلتا الحالتين كان الشباب الفقير هو من أشعل الشرارة وفي كلتا الحالتين اصطدمت الحركة بجدار القمع الدموي ومنع الحق في التظاهر والتعبير، لكن في كلتا الحالتين أيضا لم يؤدي ذلك القمع إلى إلحاق هزيمة ساحقة بالجماهير، بل من الواضح أنه لم يعمل سوى على مفاقمة السخط وتصليب إرادة التحدي والنضال.

إن هذه الأحداث التي ليست سوى بداية لمرحلة تحركات جماهيرية عظيمة تنفتح أمامنا تجعلنا نتوجه إلى الشباب الثوري في المنطقة ونعيد التأكيد على ما سبق لنا أن أشرنا إليه في مقال سابق (الربيع المغربي)، حيث كتبنا ما يلي: “الأكيد أن هذه الموجة من النضالات الجماهيرية الرائعة قد دقت نهاية مرحلة وبداية أخرى من الصراع الطبقي في المغرب [المنطقة المغاربية والشرق الأوسط. ماركسي]، أعطت خلالها الجماهير، ولا زالت تعطي، الدليل على رغبتها في تغيير الأوضاع تغييرا جذريا وقدرتها على ذلك. لو توفر حزب ماركسي، يمتلك برنامجا ثوريا علميا ونفوذا ومصداقية بين العمال والكادحين، لصار من الممكن توجيه ضربة قاصمة لنظام الاستغلال والقهر القائم. لكن هذا بالضبط هو ما ينقص، إن كل الأزمة الحالية هي أزمة القيادة الثورية. وهنا بالضبط تكمن مهمة المناضلين الثوريين. المناضلون الثوريون ليس دورهم مجرد إتباع التيار والانفعال بالأحداث، بل عليهم التحضير الجدي لتنظيم الجماهير وتمكينها من برنامج ثوري حقيقي ومنظورات علمية. عليهم بناء الحزب العمالي الثوري، حتى لا تضيع هباء التضحيات العظمى التي تقدمها الجماهير الكادحة.” (الربيع المغربي)


يشهد حوض قفصة المنجمي، منذ بداية السنة الحالية، حالة غليان اجتماعي. تتصرف شركة فوسفات قفصة باعتبارها الحاكم المطلق في منطقة استخراج الفوسفات هذه. وهي مدعومة من طرف نظام بن علي المستبد والفاسد. إضافة إلى ذلك أثار التلوث المرتبط بنشاطات استخراج الفوسفات ومعالجته والفقر والبطالة الجماهيرية، حركة احتجاج واسعة. يتحرك عمال وشباب الحوض المنجمي من أجل الدفاع عن كرامتهم، ومن أجل مناصب الشغل وظروف سكن أفضل ومن أجل التطبيب والتعليم. إنهم يشجبون نظام السلب والنهب الاقتصادي والاجتماعي. ولقد تزايدت وتيرة الإضرابات. وبدأ المعلمون وبعض فروع الوظيفة العمومية، بل وحتى التجار الصغار، في التحرك.

تأخذ الحركة أشكالا مختلفة. ففي العديد من مدن الحوض، على سبيل المثال، نظم الشباب العاطلون وأرامل عمال الشركة ضحايا حوادث الشغل، اعتصامات، تحت الخيام، أمام المقرات الرسمية. عمل نظام بن علي على قمع هذه الحركة بعنف، خوفا من أن تصبح الرديف رمزا لغضب الشباب والعمال في أرجاء البلد، ومن أن تتحول الحركة إلى بقعة زيت. حدثت العديد من الاعتقالات منذ بداية السنة الحالية. وقد قامت قوات القمع باضطهاد وتعنيف الجماهير المحتجة. المدينة عمليا تحت حالة حصار. هكذا تسير الأمور في بلد حيث، على حد تعبير ساركوزي، “يتطور مجال الحريات”!

منطقة قفصة معروفة بتقاليدها النضالية والثورية. تخلد هذه السنة الذكرى الثلاثين للإضراب الذي بدأ في حوض الرديف المنجمي، خلال مرحلة حكم بورقيبة، وعرف مشاركة عمال وشباب منطقة قفصة كلها، والذي تحول في الأخير إلى إضراب عام على الصعيد الوطني. آنذاك، أدى القمع الهمجي لهذه الحركة إلى سقوط مئات القتلى. وحكم على الآلاف من العمال والمناضلين النقابيين بسنوات طويلة من السجن.

“المعجزة الاقتصادية” المزعومة

يتبجح نظام بن علي بـ “المعجزة الاقتصادية” في تونس. لكن من يستفيد من هذا النمو الذي يستند أساسا إلى السياحة؟ إنه يخدم الرأسماليين الذين يسيطرون على الصناعة السياحية ويستأثرون بجميع الأرباح. وقد تراكمت ثروات هائلة بواسطة المضاربة العقارية، بينما تغرق الجماهير الشعبية في البطالة والبؤس. وفي الوقت الذي تنتقل فيه شركات فرنسية وإسبانية وألمانية إلى تونس من أجل الاستفادة من يد عاملة رخيصة وجد مستغلة، تعمل شركات أخرى على رمي أجرائها في الشارع وتغادر تونس من أجل إيجاد يد عاملة أكثر رخصا في مكان آخر. والنتيجة الأخرى لـ “معجزة” بن علي هي: مئات الشباب الذين يحاولون الفرار من البلد عبر البحر، على متن قوارب بدائية، لينتهي الأمر بالكثير منهم إلى الغرق.

يوم 7 ماي، كانت مدينة الرديف، التي تضم 30.000 نسمة، محاصرة من طرف قوات البوليس. وحسب شهود عيان، حاول عدة مئات من سكان المدينة – رجالا ونساء وأطفالا- المحرومين من الحاجيات الأساسية، مغادرة المدينة قصد تركها لقوات القمع. إلا أن نشطاء لجنة الإضراب أقنعوهم في الأخير بالبقاء ومواصلة النضال. فعلا لم يكن هذا “الانسحاب الجماهيري” ليشكل وسيلة نضال فعالة. أيا كان الحال فإن هذا الحدث يوضح الهوة الهائلة التي تنفتح بين الشعب وبين السلطات. وتؤشر عن تفاقم سخط الجماهير على ممارسات قادة نقابيين ’رسميين‘، مشهورين بفسادهم وعملاء للنظام القائم. وقد بذل هؤلاء ’القادة‘ النقابيون كل جهودهم من أجل عزل وإحباط المضربين والجماهير المحتجة.

بعد يومين، 9 ماي، أصيب الطاهر السعيدي، 44 سنة، إصابة بليغة جراء تدخل قوات القمع في مدينة أم العرايس (35.000 نسمة). وقد توفي يوم 19 ماي بمستشفى قفصة.

الشيء الذي أثار أحداث 7 ماي هو مقتل شاب عاطل تعرض، عشية ذلك اليوم، إلى صدمة كهربائية داخل محطة للكهرباء، بعد تدخل همجي لقوات القمع ضد مظاهرة للشباب العاطل. كان هؤلاء الشباب العاطلون يحتجون على انعدام الشفافية والزبونية التي طبعت مباراة الالتحاق بشركة الفوسفات بقفصة، والتي كانت قد التزمت، خلال شهر يناير، بتشغيل شباب المنطقة العاطلين. قررت مجموعة من الشباب العاطلين أن تحتل مولدا للطاقة الكهربائية – للضغط العالي- يزود الشركة بالطاقة. فتكفلت زمرة من قوات البوليس المسلحين بالغازات المسيلة للدموع بإخلاء المولد من المعتصمين. أعيد تشغيل المولد فتعرض العديد من الشباب المحتجين لصدمة كهربائية. لم يتدخل الإسعاف إلا بعد عدة ساعات من وقوع الحادث. كان الشاب الذي قتل في هذا الحادث يبلغ 26 سنة من عمره. كان يسمى هشام بن جدو العلايمي. كما تعرض شاب آخر، يدعى رفيق بن صالح الفجراوي، 21 سنة، لحروق بليغة.

فضلا عن ذلك لجأ نظام بن علي إلى اعتقال العديد من المناضلين، من بينهم الطالبين نجيب زنايدية وجهاد بن علي، وأيضا الشباب العاطلين، حسين بن سلطان وعبيد طبابي وإسماعيل حلايمي وعاطف بن صالح. والذين ينتظرون المحاكمة يوم 29.

إن الطلاب والعاطلون المعتقلون، وكذا مجمل ساكنة الحوض المنجمي بقفصة في حاجة إلى تضامننا. إلا أن مجرد الإعلان عن التضامن لا يكفي. ففي مواجهة جدار الصمت الإعلامي المضروب على الأحداث التي تقع في الحوض المنجمي بقفصة، تدعو La Riposte جميع المنضمات النقابية والأحزاب اليسارية إلى أن تقوم بكل ما تستطيع من أجل إيصال أخبار هذه النضالات إلى أسماع العمال، في فرنسا وعلى الصعيد الأممي. ولدى النقابات العاملة في قطاعات الصحافة المكتوبة أو السمعية البصرية دور هام لتلعبه في هذا المجال. كما يتوجب على نقابات موظفي وعمال المطارات والصناعة السياحية أن تتعبئ من أجل إدانة القمع. يتوجب القيام بإضرابات وحملة مقاطعة تضرب مباشرة مصالح الرأسماليين في تونس. يمر التضامن أيضا من خلال جمع المساهمات المالية وبعثها إلى المضربين من أجل دعم النضال.

كتبت La Riposte هذا المقال بتعاون وثيق مع مناضلين مشاركين بشكل مباشر في النضال بمنطقة قفصة. وقد خلصنا هذا من الاعتماد على رواية الصحف الأوروبية للأحداث. نحن نشكر هؤلاء المناضلين بحرارة على مساعدتهم الثمينة.


بلاغ صحفي

النظام التونسي ينظم قمعا دمويا ضد انتفاضة الحوض المنجمي

يدخل قمع حركة الحوض المنجمي منعطفا بالغ الخطورة. منذ هذا الصباح، في الرديف، وقعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات البوليس. وقد اقتحمت قوات كبيرة من البوليس المدينة وأطلقت الرصاص الحي على الشباب كما عملت على نهب المنازل والمحلات التجارية.

الحصيلة ثقيلة جدا. وقد أصيب الشاب الحفناوي بن رضا بن الحفناوي، 18 سنة، بطلق ناري قاتل، إضافة إلى العديد من الجرحى الآخرين بطلقات نارية.

لقد قرر نظام بن علي الدكتاتوري، من خلال إعطائه للأوامر بإطلاق الرصاص لقتل المتظاهرين، سحق حركة الحوض المنجمي بقفصة. إنه يحاول أن يقضي بأي ثمن على هذه الحركة الاجتماعية التي يشكل أهم مطلب لها هو الحق في الشغل وفي ظروف عيش كريمة. إن هذه الحركة التي تعود إلى الخامس من يناير 2008، لم تتوقف عن التوسع والامتداد خلال الأيام القليلة الماضية إلى مدن ومناطق مجاورة في الجنوب الغربي التونسي، وهو الشيء الذي يخشاه النظام التونسي.

لجنة دعم ساكنة الحوض المنجمي بقفصة تدين هذا القمع الهمجي الذي يقوم به النظام التونسي. وتدعوا المناضلين والمنظمات السياسية والنقابية والجمعوية إلى التعبير عن تضامنها مع جماهير الجنوب الغربي التونسي وإلى الالتحاق بالتجمع الذي تنظمه غدا على الساعة 14:00 في la fontaine des innocents بباريس.

باريس، 06 يونيو 2008

لجنة دعم سكان الحوض المنجمي بقفصة، C/o FTCR, 3 rue de Nantes 75019 Paris

البريد الالكتروني: bassin.minier@hotmail.fr

النص بالفرنسية:

La révolte du bassin minier de Gafsa, en Tunisie

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *