الرئيسية / دول العالم / أمريكا / فنزويلا / المعارضة الفنزويلية تهاجم تشافيز وآلان وودز

المعارضة الفنزويلية تهاجم تشافيز وآلان وودز

قبل بضعة أسابيع، نشرت جريدة O Estado de Sao Paulo، لسان حال البرجوازية البرازيلية، مقالا تهاجم فيه كلا من الرئيس تشافيز وآلان وودز. وقد قام هذا الأخير بالرد على هذه الهجمة في مقال نشر ووزع على نطاق واسع في فنزويلا، حيث أثار الكثير من التعليقات والجدل. وتتويجا لهذه الحملة، قامت الجريدة الرئيسية للمعارضة الفنزويلية: TalCual، بنشر افتتاحية على الصفحة الأولى، يوم 02 مارس، تهاجم فيه من جديد تشافيز والرفيق آلان وودز، نعمل نحن فيما يلي على نشر الرد الذي كتبه الرفيق آلان وودز على تلك الافتتاحية.

كما كان الحال بالنسبة للجريدة البرازيلية O Estado de Sao Paulo، اعتبرت افتتاحية جريدة TalCual الفنزويلية محرر موقع الدفاع عن الماركسية، آلان وودز، أحد أهم المسئولين عن ميل تشافيز نحو اليسار. وقد وقع المقال، الذي أرفق بصورة لي مع الرئيس تشافيز، بقلم أحد أهم قادة المعارضة، تيودورو بيتكوف.

كان رئيس تحرير جريدة TalCual، تيودورو بيتكوف، في سنوات الستينات أحد المقاتلين في صفوف مغاوير دوغلاس برافو. بعد ذلك غادر الحزب الشيوعي الفنزويلي سنة 1971، بعد خلاف حول قضية تشيكوسلوفاكيا واتجه نحو الاشتراكية الديمقراطية، حيث أسس الحركة نحو الاشتراكية. وسنة 1994 ساندت الحركة مرشح الحزب الاجتماعي المسيحي اليميني، كالديرا، وصار بيتكوف وزيرا في حكومته، حيث تكلف بجميع عمليات الخصخصة وتطبيق توصيات صندوق النقد الدولي النيولبرالية، وكان أهم منفذي سياسة صندوق النقد الدولي في حكومة كالديرا. وعندما قررت الحركة نحو الاشتراكية تأييد تشافيز سنة 1998، غادرها بيتكوف.

يقف بيتكوف الآن في اليمين ويدافع بشكل صريح عن المعارضة المعادية للثورة. وخلال انتخابات الرئاسة، دجنبر 2006، وقف ضد تشافيز ودعم مانويل روساليس. وبالرغم من أنه يحاول اليوم أن يبرئ نفسه من محاولة الانقلاب التي نظمت خلال شهر أبريل من سنة 2002، فإنه كان قد كتب آنذاك افتتاحية مسمومة بجريدة TalCual تحت عنوان: وداعا تشافيز (“Chao Hugo“)، والتي دعم فيها بصراحة الانقلاب ورحب بإسقاط تشافيز.

يحاول المقال استخدام الكثير من السخرية. حيث يشير إلى تشافيز باسم تشاكومبيلي “Chacumbele”، والتي هي شخصية من إحدى الأغاني الكوبية، تمثل رجل شرطة، زير نساء، من هافانا قتل على يد عاشقة غيورة. لكن وبالرغم من نبرة السخرية، فإن صدور المقال في الافتتاحية بالصفحة الأولى لواحدة من أهم جرائد المعارضة، يوضح أن المعارضة الفنزويلية المعادية للثورة تأخذه على محمل الجد. تتحدث أحد أبيات الأغنية عن كيف تسبب تشاكومبيلي في قتل نفسه بفعل أخطائه “Él mismito se mató”. وقد بدأ بيتكوف منذ مدة يستخدم هذا الاسم للإشارة إلى تشافيز، ملمحا إلى أن تصرفات هذا الأخير سوف تقوده إلى حتفه. وبالنظر إلى الظروف السائدة في فنزويلا لا يمكن أن تعتبر هذه مجرد مزحة.

وفيما يلي أورد ترجمة لما كتبه:

الحماقة “الاشتراكية”

يعتبر آلان وودز، الانجليزي والتروتسكي، أحد أحدث المستشارين السياسيين لتشاكومبيلي. ومنذ اليوم الذي تأثر فيه المنظر العظيم بدليل المحارب(1)، والذي لم يعد أبدا إلى الاستشهاد به بعدما أوضح بوريس إيثاغوير(2) أنه نوع من كتب السخيفة، صار تشاكومبيلي يتخذ لنفسه أكثر أنواع المستشارين تناقضا وغرابة. ففي البداية كان هناك الأرجنتيني نوربيرطو سيريصول(3)، الذي طرد من البلد عندما حذر ميكيلينا تشافيز من الأفكار النازية- الفاشية والمعادية للسامية التي يتبناها هذا “المنظر”. لكن تشاكو(4) كان قد طبق بعض تفاهاته، أي الفكرة المعادية للديمقراطية القائلة بأن يقيم الزعيم علاقة مباشرة بالشعب، والاستخفاف بكل وساطة مؤسساتية ما عدا وساطة القوات المسلحة. الزعيم، والشعب، والجيش، هذا هو الشعار الذي يحبه.

بعد ذلك جاء دور المشعوذ الألماني، هاينز ديتريخت، مخترع مفهوم “اشتراكية القرن الواحد والعشرين”، وهو المفهوم الذي يعتقد وودز (وأنا متفق معه بهذا الخصوص) أن “ميزته العظيمة هي أنه لا معنى له على الإطلاق!”. وعندما ألقي بديتريخت في صندوق القمامة (لسبب لا يعرفه أحد)، مال تشاكومبيلي نحو الماركسي الهنغاري إيستفان ميثاروس، بترجمة خورخي جيورداني. لكنه لم يعد يذكر ميثاروس مجددا، لأنه وجد مديره “الروحي”، التروتسكي آلان وودز، الذي أجبره على “تبني الماركسية اللينينية”. لقد تمكن وودز، على ما يبدو، من إقناعه بقراءة مؤلف كارل ماركس الرأسمال، (بترجمة تبين بالصدفة أنها أفضل من تلك التي قدمها له علي رودريغيث) بدل الاكتفاء بترديد ببغائي لتفاهات ميثاروس.

إن وودز مدافع حازم عن “الماركسية اللينينية” وهو يأمل ربما أن يعلن تلميذه عن نفسه ماركسيا لينينيا، بدل الاكتفاء بأن يكون “ماركسيا” فقط. وقد كانت الخطوة الأولى هي نصحه بقراءة كتاب لينين الدولة والثورة. ويعتبر وودز أحد هؤلاء الذين قفزوا من سفينة الاتحاد السوفييتي الغارقة، أحد تلك الأرواح التائهة التي انطلقت تبحث عمن يرعاها لتواصل التبشير بـ “الماركسية اللينينية” و”الثورة” بعد نفض الغبار وخيوط العنكبوت عنها. لا تتضمن أية كلمة ينطق بها ولو فكرة أصيلة أو جديدة واحدة؛ والأسوأ هو كونه يفتخر بأنه مجرد مستظهر للمقولات الجاهزة، بمبرر أن العجلة قد سبق اختراعها وأنه لن يعمل على إعادة اختراعها من جديد، لأن كل شيء موجود في “الماركسية اللينينية”.

يجب على شخص ما أن يخبر تشاكومبلي أن هذه الفكرة من اختراع ستالين (الذي عمل هو أيضا على إضافة اسمه إلى المفهوم البشع: “الماركسية- اللينينية- الستالينية”، والذي أزاله خلفاءه بعد ذلك)، الذي لم يكن له أي هدف سوى استخدامه كتعاليم دينية، وهو ما تحولت إليه الماركسية عند الاتحاد السوفييتي وكل الحركة الشيوعية البائدة في العالم.

لقد انتهت “الماركسية- اللينينية” بأن صارت صخرة ثقيلة، كان ممتلكو الحقيقة المزعومين، أي الشيوعيون، يلقونها على رؤوس كل من تجرؤوا على التفكير المستقل. لا يمكن بناء مجتمع جديد بأفكار آلان وودز البالية هذه، والتي لا يمكنها أن تتسبب إلا في المزيد من مفاقمة الفوضى التي يصنعها تشاكومبيلي. إن الأمر أشبه بالخلط بين علم الفلك وبين التنجيم، أو الاعتقاد بأن الأرض مسطحة.

هوامش

  1. دليل المحارب كتاب صغير يزعم أنه يجمع الحكمة الشرقية القديمة فيما يخص فن الحرب (بما في ذلك اقتباسات من أقوال صان تزو). وقد صار هذا الكتاب ذا شعبية كبيرة في فنزويلا بعدما اقتبس منه تشافيز.
  2. بوريس إيثاغوير، شخصية تلفزيونية في إسبانيا، يميني رجعي معارض لتشافيز.
  3. نوربيرطو سيريصول عالم اجتماع أرجنتيني. كان مستشارا لباليسكو ألبارادو (في الحكومة العسكرية القومية اليسارية التي استولت على السلطة في البيرو سنة 1968)، وزعيم مجموعة مونتونيرو بالأرجنتين. وقد كان في فنزويلا بعد الانقلاب الذي تزعمه تشافيز سنة 1992 وطرد من البلد بتهمة علاقته بالانقلاب. اتهم بمعاداة السامية وإنكار المحرقة. وقد أنكر تهمة انتمائه إلى الفاشية. كان على علاقة بآلدو ريكو والمجموعة العسكرية “Carapintadas”، التي حاولت القيام بانقلاب عسكري بالأرجنتين. كان موجودا في فنزويلا سنة 1998- 1999 وقد أطلقت وسائل الإعلام المعارضة إشاعات كبيرة عن علاقته بتشافيز، قائلة بما أن سيريصول فاشي، وبما أنه مستشار لتشافيز، فإن تشافيز فاشي.
  4. “تشاكو” على ما يبدو أحد الأسماء التي يطلقها بيتكوف على تشافيز.

تعقيب من آلان وودز

السيد بيتكوف،

لقد قرأت باستغراب مقالك الصادر يوم 02 مارس، والذي قدمت فيه صورة خاطئة بشكل مطلق لا سواء عن الأفكار التي أدافع عنها أو عن طبيعة علاقتي بالرئيس تشافيز. لقد بدأت مقالك بالقول: “يعتبر آلان وودز، الانجليزي والتروتسكي، أحد أحدث المستشارين السياسيين لتشاكومبيلي.”

لقد تمكنت من ارتكاب خطأين اثنين منذ الجملة الأولى. وهذا ليس سيئا كبداية. إذ من جهة ليس آلان وودز انجليزيا، بل من ويلز، ومن جهة ثانية لم يسبق لأحد أن طلب من آلان وودز أبدا أن يكون مستشارا للرئيس تشافيز. إلا أنه رغم ذلك، فإنني، على ما يبدو، لست فقط مستشارا للرئيس بل مديره “الروحي” الجديد أيضا، أيا كان ما يعنيه هذا القول.

ربما تكون قد نسيت أنني أعيش في لندن وليس في كاراكاس. وخلال المناسبات التي زرت فيها تلك المدينة، كانت لي بعض المحادثات مع الرئيس، لكن هذا هو كل شيء فيما يخص لقاءاتنا المباشرة. وآخر مرة رأيته فيها كانت في كوبنهاغن، خلال شهر دجنبر الماضي، لكن لدقائق معدودة فقط، لأن السلطات الدنمركية “الديمقراطية” عرقلت اللقاء مع النقابات الدنمركية الذي كنت حاضرا فيه.

صحيح أن الرئيس قد أشار في أكثر من مناسبة إلى كتبي وأوصى بقراءتها، وخاصة منها كتابي “العقل في ثورة” (Reason in Revolt) وكتاب “إصلاح أم ثورة” (Reformism or Revolution)، والذي يبدو، من خلال بعض المقتطفات في مقالك، أنك قد قرأته أنت أيضا. هذا الكتاب يتضمن انتقادا للأفكار الإصلاحية التي يدافع عنها هاينز ديتريخت. أنت أيضا تنتقد ديتريخت، لكن من الواضح أننا نقوم بالنقد انطلاقا من منظورين سياسيين متناقضين بشكل مطلق، ولأسباب مختلفة تماما.

إنني بطبيعة الحال مسرور بكون كتاباتي قد وجدت ترحيبا من طرف الرئيس، الذي يعتبر أحد القادة السياسيين القلائل في العالم الذين يهتمون بالأفكار والقراءة. أعتقد أنك أنت أيضا كنت خلال فترة معينة تقرأ الكتب الماركسية، لكنك صرت تشعر بالألفة أكثر في صحبة جورج بوش، الذي لم يقرأ في حياته سوى الكتاب الأول من سفر التكوين، ولم ينهه.

كتبت أن:

“التروتسكي آلان وودز، […] أجبره [تشافيز] على “تبني الماركسية اللينينية”. لقد تمكن وودز، على ما يبدو، من إقناعه بقراءة مؤلف كارل ماركس الرأسمال، (بترجمة تبين بالصدفة أنها أفضل من تلك التي قدمها له علي رودريغيث) بدل الاكتفاء بترديد ببغائي لتفاهات ميثاروس.”

إنني طبعا أوصي أيا كان بقراءة رأسمال ماركس، لكنه لم تسنح لي الفرصة أبدا لأوصي الرئيس تشافيز بقراءته. وليس هذا سوى اختراع آخر من بنات خيالك الواسع. كما أنه ليست هناك أية ذرة من الحقيقة في قولك بأنني أجبرت رئيس فنزويلا على تبني “الماركسية اللينينية”. وكل من يعرف شيئا عن هوغو تشافيز يعلم أنه ليس من السهل إجباره على فعل أي شيء.

وقلت: ” إن وودز مدافع حازم عن “الماركسية اللينينية” وهو يأمل ربما أن يعلن تلميذه عن نفسه ماركسيا لينينيا بدل الاكتفاء بأن يكون “ماركسيا فقط.”. إن تصوير الرئيس تشافيز بكونه تلميذا، لي أو لغيري، ليست سوى محاولة أخرى للتلميح إلى كونه رجلا يفتقر إلى الذكاء، كما أنها محاولة للتلميح بأن الرئيس مسير من طرف أجنبي. ويمكنني أن أجيب بأن المعارضة الفنزويلية هي التي تسير بالتأكيد من طرف الأجانب– في واشنطن. لكن هذا ليس صحيحا بالنسبة للرئيس تشافيز.

الحقيقة هي أن للرئيس أفكار أصيلة خاصة به، وهو ليس تلميذا لأي كان وليس تابعا لأي كان. إن تشافيز رجل يستمع جيدا، ويقرأ كثيرا ويتعلم. وهو يشكل أفكاره ويصنع مواقفه انطلاقا من الحوارات التي يجريها مع مختلف الأشخاص وانطلاقا من قراءاته الكثيفة. فيعمل على رفض بعض الأفكار وتبني أفكار أخرى. ولقد تطورت أفكاره بشكل متصاعد على قاعدة الخبرة المتراكمة. نفس الشيء يقال عن ملايين الرجال والنساء العاديين الذين شكلت لهم العشرة سنوات الأخيرة مدرسة واسعة تعلموا فيها أكثر مما تعلموه خلال أي وقت آخر. لقد كانت هناك الكثير من الأخطاء والهفوات، لكن الغريزة الثورية للجماهير أثبتت في النهاية أنها بوصلة صائبة تحدد الاتجاه الصحيح: أي الحاجة إلى إحداث تغيير عميق. وهذا هو ما يخيفك ويخيف الطبقة التي تمثلها.

إن النبرة الساخرة المستعملة في مقالك هي قناع يخفي قلقا عميقا من التطور السياسي لكل من الرئيس تشافيز والحركة التي يتزعمها. والشيء الذي لا تستطيع فهمه أو تقبله هو أن التطور السياسي لهوغو تشافيز جاء نتيجة لخلاصات استنتجها هو من تجاربه الخاصة في خضم الثورة نفسها. إن السبب وراء نحيبك هو أن هوغو تشافيز تطور سياسيا، وأن هذا التطور كان نحو اليسار، ويعكس التطور اليساري لحركة الجماهير نفسها. يمكن لهذا الواقع أن ينعكس طبعا على شكل صعود وأفول، ليس فقط لمستشاري الرئيس، بل أيضا للأحزاب، والزعماء والتيارات داخل الحركة البوليفارية. ولقد سبقت ملاحظة مثل هذه التغيرات في جميع الثورات عبر التاريخ.

اسمح لي بأن استشهد بما قاله الثوري الروسي العظيم، ليون تروتسكي، بهذا الصدد:

“لا تنخرط الجماهير في الثورة بخطة معدة سلفا للتغييرات الاجتماعية، بل بشعور ملح بأنها لا تستطيع تحمل النظام القديم. وحدها الفئات القيادية للطبقة من تمتلك برنامجا سياسيا، بل وحتى هذه الأخيرة تكون في حاجة إلى المرور من محك الأحداث، وموافقة الجماهير. وهكذا فإن السيرورة السياسية الحقيقية للثورة تتمثل في الاستيعاب التدريجي من طرف الطبقة للمشاكل النابعة من الأزمة الاجتماعية، أي التقدم النشيط للجماهير عبر مراكمة الخبرات. إن المراحل المختلفة للمسلسل الثوري، تتجسد عبر تغير الأحزاب، حيث تقصي الأحزاب الأكثر جذرية الأحزاب الأقل جذرية، مما يعكس الضغط المتصاعد للجماهير في اتجاه اليسار، ما دام هذا التطور لم يصطدم بعراقيل موضوعية. وعندما يصطدم بها، تبدأ الردة: انتشار الإحباط بين صفوف مختلف فئات الطبقة الثورية، تصاعد الشعور باللامبالاة، ومن ثم تقوية موقع القوى المعادية للثورة. هذا هو على الأقل الاتجاه العام للثورات السابقة.” (تروتسكي: تاريخ الثورة الروسية، المقدمة)

تشرح هذه الأسطر بشكل واضح جدا المسلسل الذي حدث في فنزويلا لأكثر من عشرة سنوات. ففي البداية كانت الثورة البوليفارية تفتقد لبرنامج ثوري وإيديولوجية منسجمين. ولم تطرح مطلب التغيير الاشتراكي للمجتمع، بل طرحت فقط برنامجا لثورة برجوازية ديمقراطية. لكن وبالرغم من ذلك، كان هذا أكثر من كاف بالنسبة لاستفزاز الأوليغارشية الفنزويلية الرجعية الفاسدة والجشعة، والتي نظمت، خلال شهر أبريل 2002، انقلابا ضد الحكومة الفنزويلية المنتخبة ديمقراطيا.

وقلت: “وودز هو أحد هؤلاء الذين قفزوا من سفينة الاتحاد السوفييتي الغارقة، أحد تلك الأرواح التائهة التي انطلقت تبحث عن من يرعاها لتواصل التبشير بـ “الماركسية اللينينية” و”الثورة” بعد نفض الغبار وخيوط العنكبوت عنها”، ثم أضفت لاحقا إن الماركسية واللينينية مشابهة للستالينية. وعليه فإنك تستخلص أن النظام الذي أدافع عنه هو نفسه ذلك الذي ساد في الاتحاد السوفييتي قبل 1990. إن هذا خاطئ بشكل مطلق.

لو أنك تحملت مشقة قراءة ما سبق لي أن كتبته طيلة الخمسين سنة الماضية، لتمكنت من معرفة أنني لم أدافع أبدا عن ذلك النظام، وأنني كنت دائما معارضا للستالينية. إن محاولة خلط فكرة نظام الديمقراطية العمالية التي دافع عنها لينين وتروتسكي، بالنظام التوتاليتاري لستالين وخلفائه هي تشويه للحقيقة ليست له أية قاعدة لا في النظرية الماركسية ولا في الواقع.

إن الستالينية والبلشفية شيئان متناقضان بشكل كلي. ويمكن إعطاء الدليل على هذا ببساطة من خلال الواقع التالي: فلكي يتمكن ستالين من ترسيخ أسس نظامه الديكتاتوري كان مجبرا على تصفية جميع القادة البلاشفة القدماء، بمن فيهم تروتسكي. هناك نهر من الدم يفصل بين الستالينية واللينينية. ومن ثم فإنه من المسلي جدا أن نقرأ أنه: ” لا تتضمن أية كلمة ينطق بها [أي آلان وودز] ولو فكرة أصيلة أو جديدة واحدة؛ والأسوأ هو كونه يفتخر بأنه مجرد مستظهر للمقولات الجاهزة[…].”

لا بد أنك واع تماما بأن كل ما كتبته بخصوص التماثل المزعوم بين اللينينية والستالينية ليس سوى تكرار للمقولات الجاهزة التي قيلت آلاف المرات. وبالتأكيد لا تتضمن أية كلمة مما تقوله ولو فكرة أصيلة أو جديدة واحدة. هذا علاوة على أن ما تقوله خاطئ.

لقد واصل أعداء الاشتراكية، طيلة العشرين سنة الأخيرة، ترديد نفس الكذبة: حول أن سقوط الاتحاد السوفييتي يمثل نهاية الاشتراكية (بل ونهاية التاريخ أيضا). لكن ما فشل في الاتحاد السوفييتي لم يكن الاشتراكية بالمعنى الذي كان ماركس ولينين يفهمانها به. إن ما فشل هو صورة كاريكاتورية بيروقراطية وتوتاليتارية عن الاشتراكية.

الاشتراكية إما أن تكون ديمقراطية أو لا تكون مطلقا. إننا ندافع عن الديمقراطية: ديمقراطية حقيقية يأخذ فيها ملايين العمال والفلاحين، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة في فنزويلا وبقية البلدان الأخرى، زمام تسيير المجتمع على كافة الأصعدة: المصانع والأرض والدولة. هذه هي بالضبط رسالة لينين في كتابه الدولة والثورة، الذي استشهد به تشافيز خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد (بدون أي تحريض من طرفي).

“لا يمكن بناء مجتمع جديد بأفكار آلان وودز البالية هذه، والتي لا يمكنها أن تتسبب إلا في المزيد من مفاقمة الفوضى التي يصنعها تشاكومبيلي. إن الأمر أشبه بالخلط بين علم الفلك وبين التنجيم، أو الاعتقاد بأن الأرض مسطحة.”

اسمح لي بأن أقول لك إن الزعم القائل بكون الأفكار الماركسية صارت “بالية”، ليست فكرة أصيلة ولا جديدة. فلقد ترددت طيلة المائة والخمسين سنة الأخيرة، وما تزال تتردد لحد اليوم. يتساءل المرء لماذا هم قلقون! فإذا كانت الماركسية قد ماتت، لماذا لا يتركونها ترقد في سلام؟ لماذا انتم قلقون جدا من فكرة بالية؟

الشيء البالي حقا، أيها السيد بيتكوف، هو النظام الرأسمالي، وما يسمى بـ “اقتصاد السوق الحرة” الغارق في أزمة غير مسبوقة على الصعيد العالمي. يكفي أن نشير إلى أنه في الوقت الحالي لا تواصل الأبناك والشركات الكبرى في الولايات المتحدة وجميع البلدان الأخرى الصمود إلا بفضل الاستناد إلى عكاز الدولة. لقد تم ضخ مئات ملايير الدولارات، من أموال دافعي الضرائب، في خزائن الأبناك، بينما يقال للشعب إنه لا يوجد ما يكفي من المال للمعاشات والمدارس والمستشفيات.

وبالمناسبة، هل تعلم أنه بعد 20 سنة على سقوط جدار برلين صار رأسمال ماركس هو الكتاب الأعلى مبيعا في ألمانيا؟ من الواضح أنه ليس آلان وودز وهوغو تشافيز هما الشخصان الوحيدان في العالم المهتمان “بالأفكار البالية”. والحقيقة هي أن هذه الأفكار تقدم فهما أكثر وضوحا بما لا يقاس للعالم المعاصر من كل أفكار الاقتصاديين والسياسيين البرجوازيين مجتمعين معا.

كانت مبادرة لطيفة من طرفك أن قدمت لنا دروسا في كيفية بناء مجتمع جديد. لكن المعارضة التي تنتمي إلى صفوفها لا تدافع مطلقا عن بناء مجتمع جديد. بل على العكس تماما، إنها تسعى إلى إغراق فنزويلا في التخلف، وتحطم كل المكتسبات الديمقراطية والإصلاحات الاجتماعية التي تحققت خلال العقد الأخير، والتي أعطت الأمل لملايين المواطنين الفنزويليين، الذين كانوا مقصيين ومهمشين ومخدوعين ومستغلين في ظل النظام القديم.

في ظل “الديمقراطية” المزيفة، خلال الجمهورية الرابعة، كان للشعب الحق في اختيار مرشحين عن حزبين اثنين كان لهما اسمان مختلفان لكنهما، في الواقع، يدافعان عن نفس المصالح الطبقية: مصالح حفنة صغيرة من الأسر الغنية التي كانت تعتبر فنزويلا ملكية خاصة لها. هل نسيت الكاراكاثو، عندما أصدر الزعيم “الديمقراطي العظيم”، كارلوس أندريس بيريث، أمره للجيش بإطلاق النار على الرجال والنساء العزل في شوارع كاراكاس؟ هل ذاك هو “المجتمع الجديد” الذي تعنيه؟

إذا كانت هناك من مشاكل في فنزويلا، فإنها ليست بسبب أن الثورة سارت أبعد مما يجب، بل بسبب كونها لم تسر بعيدا بما فيه الكفاية. للقضاء على البطالة والتضخم والفوضى من الضروري مصادرة ممتلكات الأوليغارشية، وتأميم الأرض والأبناك والقطاعات الصناعية الكبرى، وتشييد اقتصاد اشتراكي مخطط ديمقراطيا.

من المثير للسخرية أن نقرأ اليوم الاحتجاجات “الديمقراطية” التي تصدرها المعارضة الفنزويلية. إنهم نفس هؤلاء الأشخاص الذين نظموا الانقلاب الرجعي خلال أبريل 2002. ماذا كان سيحصل لو أن ذلك الانقلاب نجح؟ إنك تتحدث عن الأفكار “النازية- الفاشية” المزعومة لأحد مستشاري تشافيز السابقين، أنا لم أطلع على أفكار ذلك الشخص الذي تتحدث عنه، لكنني مطلع بشكل كاف على أهداف انقلاب 2002، لكي أؤكد أن ذلك الوصف سينطبق أكثر على هؤلاء الانقلابيين لو أنك استعملته لوصفهم. لكنك لا تقوم بذلك، لأنك تقف في معسكرهم. وكما يقول المثل: قل لي من هم أصدقائك، أقل لك من أنت.

آلان وودز
لندن، 10 مارس، 2010

عنوان النص بالإنجليزية:

Venezuelan oppositionist attacks Chavez and Alan Woods

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *