الرئيسية / قضايا نظرية / اقتصاد وعولمة / بيان التيار الماركسي الأممي حول الأزمة الاقتصادية: فلنجعل الرأسماليين يؤدون الثمن!

بيان التيار الماركسي الأممي حول الأزمة الاقتصادية: فلنجعل الرأسماليين يؤدون الثمن!

للأزمة التي دخلت فيها الرأسمالية على الصعيد العالمي أثر عميق على مستويات العيش الحقيقية لملايير العمال في العالم بأسره. ويصاحب ذلك تنامي للوعي بين العمال والشباب بأن هناك خطأ ما في هذا النظام، وبأنه لا يمكن للبشرية أن تستمر في العيش بهذه الطريقة. ويتطلع العمال إلى إيجاد إجابة ومقترحات لكيفية الخروج من هذا المأزق. في هذا السياق عملنا على إصدار بيان يوضح أسباب الأزمة ويطرح برنامجا للنضال للحركة العمالية الأممية.

نشهد في جميع البلدان حضور أعداد متزايدة من الناس للاجتماعات، وإقبال أعداد أكبر من الناس على شراء جرائدنا، ومنشوراتنا، وكتبنا. هذه هي اللحظة التي يتوجب فيها على الماركسيين أن يطوروا أنشطتهم، ويبحثوا عن متعاطفين جدد وكسبهم إلى الماركسية.

ندعو جميع مناضلينا والمتعاطفين معنا إلى طبع هذا البيان وتوزيعه على أوسع نطاق ممكن بين العمال والشباب في جميع البلدان. عليكم أن تنظموا اجتماعات لنقاشه. إن الوضع الذي ينفتح أمامنا هو وضع حيث ستصير شرائح أوسع فأوسع من العمال والشباب مستعدين للإنصات إلى الأفكار والتحاليل الماركسية، ومستعدين أيضا للقيام بشيء ما بخصوص ما يحدث.

إن العمال غاضبون ومع كل يوم يمر يصيرون أكثر فأكثر جذرية. يجب علينا أن يسخر كل هذا من أجل بناء التيار الماركسي الأممي في جميع البلدان. هذه هي المهمة الملحة اليوم.

أزمة عالمية للرأسمالية

تعتبر الأزمة العالمية للرأسمالية حقيقة لا يمكن لأي كان أن يتجاهلها. كان الاقتصاديون البرجوازيون لحدود الأمس القريب يطمئنوننا بأنه من المستحيل حدوث أزمة مشابهة لما حدث سنة 1929، لكنهم الآن يتحدثون عن خطر كساد عظيم آخر. ويحذر صندوق النقد الدولي من خطر متصاعد لحدوث انهيار اقتصادي حاد وطويل الأمد على الصعيد العالمي. إن ما بدأ كانهيار مالي بالولايات المتحدة الأمريكية، قد امتد الآن إلى الاقتصاد الحقيقي، مهددا مناصب الشغل والسكن ومستويات عيش ملايين البشر.

اكتسح الرعب الأسواق. وقد صرح المدير التنفيذي السابق لشركة ليمان براذرز (Lehman Brothers)، ريتشارد فولد، أمام الكونغرس الأمريكي بأن بنكه سقط بسبب “عاصفة من الخوف”. ولا تظهر هذه العاصفة أية مؤشرات عن التوقف. وليست الأبناك وحدها مهددة بالإفلاس، بل هناك بلدان بأسرها أيضا، كما يوضح ذلك مثال أيسلندا. وقد كان من المفترض في آسيا أن تنقد العالم من الركود، إلا أن الأسواق الآسيوية غرقت في اضطرابات عظيمة. وصارت تسجل انهيارات كبيرة كل يوم من طوكيو إلى شنغهاي، ومن موسكو إلى هونغ كونغ.

إنه أكبر انهيار مالي منذ 1929. ومثله مثل الانهيار العظيم، سبقت هذا الانهيار الحالي مضاربات كثيفة خلال المرحلة السابقة. لقد وصل معدل المضاربات خلال العقدين الأخيرين درجات غير مسبوقة. إذ انتقلت رسملة الأسواق المالية في الولايات المتحدة من 5,4 تريليون دولار سنة 1994، إلى 17,7 تريليون دولار سنة 1999، و35 تريليون دولار سنة 2007. وهو الرأسمال المضارباتي الذي يتجاوز بكثير جدا ما سجل قبل 1929. يساوي المبلغ المسجل في السوق الثانوي 500 تريليون دولار على الأقل، أو ما يعادل عشرة مرات أكبر من إجمالي الإنتاج العالمي من السلع والخدمات.

خلال سنوات الازدهار، عندما كان أصحاب الأبناك يستطيعون مراكمة مبالغ لا تعد ولا تحصى من الأرباح، لم يكن هناك أي مجال لاقتسام أرباحهم مع بقية المجتمع. لكنهم الآن في ورطة، ولذا يسارعون إلى الحكومات ليطلبوا منها المال. لو أنك كنت مقامرا واقترضت ألف دولار وخسرتها، وكنت غير قادر على ردها، لتم إرسالك إلى السجن. لكن إذا ما كنت صاحب بنك ثري قامر بملايير الدولارات من أموال الآخرين وخسرها، فإنك لن تذهب إلى السجن، بل ستتم مكافئتك من طرف الدولة بالمزيد من الملايير من أموال الآخرين.

في مواجهة خطر انهيار كامل للنظام البنكي، بدأت الحكومات تتخذ إجراءات يائسة. فقد ضخت حكومة بوش 700 مليار دولار في صناديق أصحاب الأبناك في محاولة مسعورة لبعث الحياة في النظام المالي المحتضر. وهو الشيء الذي يعادل حوالي 2,400 دولار لكل رجل وامرأة وطفل في الولايات المتحدة. كما أعلنت الحكومة البريطانية خطة إنقاذ بحوالي 400 مليار جنيه إسترليني (وهو المبلغ الذي يعتبر من الناحية النسبية أكبر من المبلغ الذي ضخته الولايات المتحدة)، وقام الاتحاد الأوربي بضخ المزيد من المليارات. وتبلغ خطة الإنقاذ الألمانية حوالي 20% من الناتج الداخلي الخام لأقوى اقتصاد في أوربا. تعدت إدارة ميركل بضخ 80 مليار أورو من أجل إعادة رسملة الأبناك المفلسة، مع تخصيص ما تبقى لتغطية ضمانات القروض والخسائر. لحد اللحظة تم إنفاق حوالي 2,5 تريليون دولار عالميا، لكنها لم توقف السقوط اللولبي.

تدابير يائسة

ما تزال الأزمة الحالية أبعد من أن تصل إلى نهايتها. ولن يتم إيقافها بواسطة الإجراءات المتخذة من طرف الحكومات والأبناك المركزية. ولن ينجحوا من خلال ضخهم لمبالغ هائلة في صناديق الأبناك، في أقصى الحالات، سوى في تحقيق هدنة مؤقتة أو تلطيف هزيل لآثار الأزمة على حساب وضع جبال من الديون على كاهل الأجيال المقبلة. إلا أن كل الاقتصاديين الجديين يعلمون أن الأسواق سوف تواصل السقوط.

من بعض النواحي يعتبر الوضع الحالي أسوء حتى من الوضع الذي شهدته الثلاثينات من القرن الماضي. لقد كانت الموجة الهائلة من المضاربات التي سبقت الأزمة المالية الحالية وحضرت الشروط لها، أكبر بكثير من تلك التي تسببت في حدوث انهيار سنة 1929. مبالغ الرأسمال الخيالية التي تم ضخها في النظام المالي العالمي، والتي تشكل سما يهدد بتدمير النظام بأسره، كبيرة إلى درجة أن لا أحد بمقدوره أن يحصيها. الشيء الذي سيجعل “عملية التصحيح” (إذا ما أردنا استعمال تعبير الاقتصاديين البورجوازيين الظريف) بالتالي أكثر إيلاما وأطول مدة.

لقد كانت الولايات المتحدة، خلال سنوات الثلاثينات، أكبر مقرض للأموال في العالم. وهي الآن أكبر مستدين في العالم. وعند تطبيق سياسة النيو ديل الاقتصادية، من أجل إنعاش الاقتصاد الأمريكي في أعقاب الانهيار العظيم، كانت لدى روزفلت مبالغ هائلة من الأموال تحت تصرفه. أما اليوم فإن بوش مضطر إلى استجداء مجلس شيوخ معارض لتقديم أموال لا يمتلكها. إن القبول بمنح 700 مليار دولار للشركات الكبرى يعني المزيد من الرفع في الدين العمومي. الشيء الذي يعني بدوره مرحلة كاملة من التقشف والاقتطاعات في مستويات عيش ملايين المواطنين الأمريكيين.

إن هذه الإجراءات الناتجة عن الرعب لن تؤدي إلى وقف الأزمة، التي بدأت للتو. مثلما لم تؤدي سياسة روزفلت النيو ديل، عكس ما هو مشاع، إلى وقف الانهيار العظيم. فقد استمر الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود حتى سنة 1941، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية، فمكنت المصاريف العسكرية الهائلة من القضاء على البطالة. إننا نواجه مرة أخرى مرحلة طويلة من تدهور مستويات العيش، وإغلاقات المصانع، وتخفيض الأجور، والاقتطاعات من ميزانية القطاعات الاجتماعية، والتقشف المعمم.

إن الرأسماليين يقفون في مواجهة مأزق بدون مخرج ولا يستطيعون إيجاد أي حل. جميع الأحزاب التقليدية تعيش حالة من الارتباك الذي يقارب العجز. لقد قال الرئيس بوش للعالم إن خطة الإنقاذ المالي التي وضعها “تحتاج إلى بعض الوقت” لكي تعطي ثمارها. وفي نفس الوقت تسقط المزيد من الشركات في هوة الإفلاس، ويفقد المزيد من الناس مناصب شغلهم، وتتعرض المزيد من البلدان للفوضى. وقد بدأت أزمة القروض تخنق بقية الشركات السليمة. ستجد الشركات، العاجزة عن زيادة رأسمالها، نفسها مجبرة على الاقتطاع أولا من الاستثمارات الثابتة، ثم من الرأسمال المشتغل وفي النهاية من مناصب الشغل.

يطالب أرباب العمل الحكومات والأبناك المركزية بتخفيض معدلات الفائدة. إلا أن هذه التدابير لن تجدي نفعا في ظل الظروف الحالية. والتخفيض المتزامن في معدلات الفائدة بـ 0,5% تلاه المزيد من السقوط الحاد في أسواق المال العالمية. إن الاضطراب العظيم الذي تشهده الأسواق لن يحله التخفيض قي معدلات الفائدة من جانب الأبناك المركزية. إذ في سياق ركود عالمي لا أحد يريد أن يبيع أسهما ولا أحد يريد أن يقرض أموالا. لقد توقفت الأبناك عن إقراض المال لأنها فقدت الثقة في إمكانية استرجاعها لأموالها. كل النظام مهدد بالشلل.

بالرغم من تضافر المجهودات بين الأبناك المركزية لضخ المال في النظام، ما تزال أسواق الإقراض جامدة بشكل تام. لقد قدمت الحكومة البريطانية لأصحاب الأبناك هدية قيمتها أكثر من 400 مليار جنيه إسترليني. والنتيجة كانت هي حدوث انهيار سوق الأسهم. شهد معدل الإقراض بين الأبناك مؤخرا ارتفاعا بعد الإعلان عن هذه الهبة وإعلان بنك إنجلترا عن تخفيض معدلات الفائدة بـ 0,5%. في أغلب الحالات، لم يستفد من هذه التخفيضات المقترضون ومقتنو المنازل. إن هذه الإجراءات لم تؤدي إلى حل الأزمة، بل فقط إلى ضخ الأموال في جيوب نفس هؤلاء الذين أدت أنشطتهم المضارباتية إلى مفاقمة الأزمة وأعطتها طابعها الحاد والجامح.

أصحاب الأبناك لا يخسرون أبدا

في الماضي كان البنكيون رجالا محترمين ببزاة سوداء، من المفترض فيهم أن يكونوا مثالا عن المسئولية والذين يخضعون الناس لمسائلة قاسية قبل أن يقرضوهم المال. لكن كل هذا تغير في الآونة الأخيرة. فعندما تنخفض معدلات الفائدة وتتوفر سيولة كبيرة من المال، يرمي البنكيون بالحذر عرض الحائط، ويعملون على إقراض الملايير لأناس تبين أنهم غير قادرين على تسديد القروض عندما ارتفعت معدلات الفائدة. والنتيجة كانت هي اندلاع أزمة قروض الرهن العقاري (the sub-prime mortgage)، التي تسببت في اضطراب النظام المالي بأسره.

لقد تواطأت الحكومات والأبناك المركزية من أجل صب الزيت على نار المضاربات لكي تتلافى حدوث الركود. ففي ظل رئاسة آلان غرينسبان عمل الاحتياطي الأمريكي على الحفاظ على معدلات فائدة جد منخفضة. وقد مدحت هذه السياسة باعتبارها سياسة جد حكيمة. بهذه الطريقة تمكنوا من تأجيل اليوم المشئوم، فقط عبر جعل الأزمة أسوء بألف مرة عندما ستحدث في النهاية. لقد مكنت الأموال الرخيصة البنكيين من الانغماس بنشاط في المضاربات. وأقبل الأفراد على الاقتراض للاستثمار في العقار أو شراء السلع؛ واستعمل المستثمرون القروض الرخيصة في الاستثمار في الأصول ذات العوائد المرتفعة، أو اقترضوا مقابل استثمارات موجودة؛ وتجاوزت قروض الأبناك ودائع المستهلكين بدرجة غير مسبوقة وأنشطة مشبوهة ظلت خارج أي مراقبة أو تقييم.

لكن كل هذا تحول إلى نقيضه الآن. كل العوامل التي دفعت بالاقتصاد إلى فوق تضافرت الآن لخلق دورة سقوط لولبي. وبما أن القروض ألغيت، فإن عجز القروض يهدد الاقتصاد بالشلل التام. إذا ما ارتكب عامل خطأ ما فإنه سيتعرض للطرد. لكن عندما يدمر أصحاب الأبناك النظام المالي كله، فإنهم يتوقعون أن تتم مكافئتهم. إن هؤلاء الناس ذوي البذل الفاخرة، الذين حققوا ثروات كبيرة من المضاربة بأموال الآخرين، يطالبون الآن دافعي الضرائب بأن يدفعوا الثمن عوضهم. إن هذا منطق غريب، يصعب على أغلب الناس فهمه.

خلال سنوات الازدهار حقق قطاع الأبناك والمال أرباحا هائلة. فسنة 2006 وحدها، حققت الأبناك الكبرى حوالي 40% من كل الأرباح التي تحققت في الولايات المتحدة. هذا قطاع يحقق فيه المدراء التنفيذيون مكافئات تعادل 344 ضعف أجرة عامل متوسط في الولايات المتحدة. قبل ثلاثين سنة كانت المدراء التنفيذيون يحصلون على أجرة تساوي حوالي 35 ضعف أجرة عامل مؤهل. أما خلال السنة الماضية فقد حصل المدراء التنفيذيون لـ 500 أكبر شركة على 10,5 ملايين دولار كـ “مكافئة”.

يطلب البنكيون منا الآن أن ننسى كل هذا ونركز على ضرورة إنقاذ الأبناك. يجب وضع كل الحاجيات الملحة للمجتمع جانبا، وينبغي وضع كل ثروات المجتمع بأسره رهن إشارة أصحاب الأبناك، الذين يزعم أن أهميتهم للمجتمع أكبر من أهمية الممرضين والأطباء والأساتذة وعمال البناء. لقد أنفقت حكومات الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية في أسبوع واحد ما يعادل المبلغ الضروري للحد من الجوع في العالم مدة حوالي خمسين سنة. وبينما يموت ملايين البشر جوعا، يواصل البنكيون الحصول على أجور سخية ومكافئات ويحافظون على نمط حياة باذخة على حساب الشعب. وحقيقة وجود أزمة لا تشكل فرقا بالنسبة لهم.

“لمصلحة الجميع”؟

أغلب الناس غير مقتنعين بحجج البنكيين والسياسيين. إنهم يشعرون بمرارة بحقيقة أن الأموال التي ادخروها بصعوبة تقدم للبنكيين والأثرياء. لكنهم عندما يعترضون يواجههم السياسيون بقولهم: “ليس هناك من بديل”. إن هذا الزعم يتكرر كثيرا وبإلحاح كبير أسكت كل الانتقادات، خاصة وأن جميع الأحزاب متفقة حوله.

الديمقراطيون والجمهوريون، الاشتراكيون الديمقراطيون والديمقراطيون المسيحيون، المحافظون والعماليون، كلهم وحدوا قواهم في مؤامرة حقيقية لإقناع الشعب بأنه “لمصلحة الجميع” يجب أن يتم نهب الشعب الكادح من أجل وضع المزيد من الأموال في يد عصابة المجرمين المتحدين. ويصرخون قائلين: “إننا نحتاج نظاما بنكيا سليما (أي مربحا)”، “إننا نحتاج إلى إعادة الثقة، وإلا فإن الدمار الشامل سيحل صباح يوم غد”.

إن الهدف من وراء هذا النوع من الحجج هو تعميم جو من الخوف والرعب، من أجل الحيلولة دون حدوث نقاش عقلاني. لكن على ماذا تنطوي هذه المزاعم حقا؟ إذا ما جردناها من جميع المحسنات اللفظية فسوف يصبح معناها هو فقط ما يلي: بما أن الأبناك في أيدي الأغنياء، وبما أن الأغنياء لن “يغامروا” بأموالهم إلا إذا كانوا سيحصلون على معدلات ربح أعلى، وبما أنهم لا يحققون الأرباح الآن، بل فقط الخسائر، فإنه يتوجب على الحكومة أن تتدخل وتعطيهم مبالغ ضخمة من الأموال من أجل تمكينهم من استعادة أرباحهم ومن ثم ثقتهم. آنذاك سيصبح كل شيء على خير ما يرام.

سبق للاقتصادي الأمريكي الشهير، جون كينيث غالبرايث، أن لخص هذه المقولة على الشكل التالي: “لدا الفقير مال أكثر من اللازم، بينما يمتلك الغني أقل من اللازم”. والفكرة هي أنه إذا كان الأغنياء يحققون أرباحا جيدة، فعلى المدى البعيد سوف يسقط بعض الفتات وهكذا سوف يستفيد الجميع. لكن وكما سبق لكينز أن قال: على المدى البعيد سنكون جميعا في عداد الأموات. إضافة إلى أن الممارسة بينت أن هذه النظرية خاطئة.

إن الزعم القائل بأنه من جد الضروري ضخ مبالغ هائلة من المال العمومي في صناديق الأبناك لأنه إذا لم يتم ذلك فإن كارثة سوف تحل على الجميع، لا يقنع نساء ورجال الطبقة العاملة، والذين يطرحون السؤال البسيط التالي: لماذا علينا أن نؤدي ثمن أخطاء البنكيين؟ وبما أنهم هم الذين وضعوا أنفسهم في هذه الورطة، فعليهم أن يقوموا هم بإنقاذ أنفسهم بأنفسهم. وبالإضافة إلى خسارة عدد كبير من مناصب الشغل في قطاعي المال والخدمات، تؤثر أزمة الأبناك على مستويات العيش بطرق أخرى. لقد دفع الاضطراب الذي تعرفه الأسواق بالبورصة إلى التراجع وقضى على مدخرات العمال والطبقة الوسطى.

لحد اللحظة خسر برنامج المعاشات في الولايات المتحدة ما يساوي تريليوني (2 تريليون) دولار. وهذا يعني أن هؤلاء الناس الذين عملوا بجهد كل حياتهم من أجل ادخار المال على أمل الحصول على تقاعد مريح نسبيا، هم الآن مجبرون على إلغاء مخططاتهم وتأجيل تقاعدهم. أكثر من نصف الأشخاص المستجوبين في استطلاع للرأي نظم مؤخرا قالوا بأنهم قلقون من كونهم سيضطرون إلى العمل مدة أطول لأن قيمة مدخرات تقاعدهم قد تراجعت، وحوالي شخص من كل أربعة أشخاص زاد أو زادت من عدد الساعات التي يشتغلها أو تشتغلها.

يواجه العديد من الناس خطر فقدانهم لمنازلهم. عندما تفقد أسرة ما منزلها، يقال إن ذلك ناتج عن جشعها وافتقادها لبعد النظر. فتحكم عليهم قوانين السوق الصارمة و”البقاء للأصلح” بالتشرد. إن تلك مسألة شخصية وليست ضمن اهتمامات الحكومة. لكن عندما يتعرض بنك ما للخراب بسبب المضاربات الجشعة من جانب أصحابه، فإن ذلك يعتبر كارثة للمجتمع بأسره ومن ثم يتوجب على المجتمع بأسره أن يتحد من أجل إنقاذه. هذا هو منطق الرأسمالية!

يجب مقاومة هذه المحاولات الدنيئة لوضع ثقل الأزمة على كاهل الفقراء. من أجل حل الأزمة من الضروري نزع كل النظام البنكي والمالي من بين أيدي المضاربين ووضعه تحت الرقابة الديمقراطية للمجتمع، حتى يصير في خدمة الأغلبية الساحقة وليس الأغنياء.

إننا نطالب بما بلي:

  1. لا مزيد من الهبات لصالح الأغنياء. لا لمكافئة القطط السمان! نعم لتأميم الأبناك وشركات التأمين ووضعها تحت الرقابة والتسيير العمالي الديمقراطي. يجب أن تتخذ قرارات الأبناك في خدمة مصالح أغلبية المجتمع، وليس في خدمة مصلحة الأقلية من الأثرياء الطفيليين. يجب أن يتم التأميم بدون تعويض إلا في حالة تقديم الدليل على الحاجة من جانب صغار المستثمرين فقط. إن تأميم الأبناك هو الطريقة الوحيدة لضمان ودائع ومدخرات الشعب الكادح.
  2. الرقابة الديمقراطية على الأبناك. يجب أن تتشكل الأجهزة المسيرة للأبناك بالطريقة التالية: ثلث منتخب من طرف العمال البنكيون، وثلث منتخب من طرف النقابات لتمثيل مصالح الطبقة العاملة بأسرها، وثلث من طرف الحكومة.
  3. الوقف الفوري للمكافئات المبالغ فيها، يجب أن تساوي أجور كل المدراء التنفيذيين على أجرة عامل مؤهل. لماذا ينبغي لبنكي أن يحصل على أكثر من أجرة طبيب؟ إذا لم يكن البنكيون مستعدين للخدمة مقابل أجرة معقولة، فيجب أن يطردوا ويعوضوا بحاملي شهادات مؤهلين، أغلبهم يبحثون عن منصب شغل ومستعدون لخدمة المجتمع.
  4. تخفيض فوري لمعدلات الفائدة، والتي يجب أن تقتصر على القيمة الضرورية لتعويض تكاليف العمليات البنكية. يجب توفير قروض رخيصة لصالح من هم في حاجة إليها: صغار المقاولين والعمال الذين يقتنون منازلا، وليس البنكيين والرأسماليين.
  5. الحق في امتلاك سكن؛ الوقف الفوري لعمليات نزع ملكية المنازل، وفرض تخفيض عام في مبلغ الإيجار، وتطبيق برنامج عمومي لبناء المنازل لتوفير السكن للفقراء.

سبب الأزمة

ليس السبب الحقيقي وراء هذه الأزمة هو سوء تصرف بعض الأفراد. لو أن ذلك هو السبب لكان الحل بسيطا: جعلهم يتصرفون بشكل أفضل مستقبلا. وهذا ما كان غوردون براون يعنيه عندما طالب: “بالشفافية، والنزاهة والمسئولية”. يعلم الجميع أن النظام المالي الدولي شفاف مثل القبر، وأن البنكيين أناس نزهاء مثل رجال المافيا، ومسئولون مثل مقامرين مدمنين. لكن حتى وإن كان جميع البنكيين تقاة ورعين، فإن ذلك لن يحدث أي فرق جوهري.

ليس من الصحيح أن نرجع أسباب الأزمة إلى جشع وفساد البنكيين (بالرغم من كونهم بالغي الجشع والفساد). إن الأزمة بالأحرى تعبير عن إفلاس نظام بأسره، إنها تعبير عن الأزمة البنيوية للرأسمالية. ليس المشكل هو جشع بعض الأفراد، ولا هو غياب السيولة أو انعدام الثقة. المشكلة هي أن النظام الرأسمالي يقف على الصعيد العالمي في مأزق بدون مخرج. إن السبب الحقيقي للأزمة هو أن تطور قوى الإنتاج قد تجاوز الحدود الضيقة للملكية الخاصة والدولة الوطنية. غالبا ما يتم تصوير اتساع وانكماش القروض باعتباره السبب في الأزمة، لكنه ليس في الواقع سوى المؤشر الأكثر بروزا عنها. إن الأزمات مكون بنيوي للنظام الرأسمالي.

سبق لماركس وإنجلز أن شرحا قبل وقت طويل أن:

«المجتمع البرجوازي الحديث، بعلاقات الإنتاج والتبادل والملكية البرجوازية المرتبطة به، المجتمع الذي أبدع مثل وسائل الإنتاج والتبادل الضخمة هذه، يُشبه المشعوذ الذي فقد سيطرته على التحكُّم بالقوى الجهنمية التي استحضرها – فمنذ عشرات السنين، ليس تاريخ الصناعة والتجارة سوى تاريخ تمرد القوى المنتجة الحديثة على علاقات الإنتاج الحديثة، على علاقات الملكية، قوام حياة البرجوازية وسيطرتها.

وتكفي الإشارة إلى الأزمات التجارية الدورية، التي تهدد أكثر فأكثر وجود المجتمع البرجوازي بأسره. ففي الأزمات التجارية، لا يُـتـلَف بانتظام جزء كبير من المنتجات فحسب، بل يـُتـلَف أيضا قسم من القوى المنتجة القائمة. وفي الأزمات يتـفـشّى وباء مجتمعيّ ما كان ليبدو، في كل العصور السالفة، إلاّ مستحيلا، وهو وباء فائض الإنتاج. فإن المجتمع يجد نفسه فجأة وقد رُدَّ إلى وضع من الهمجية المؤقتة، حتى ليُخيَّل أنّ مجاعة وحرب إبادة شاملة قد قطعتاه عن وسائل العيش؛ فتبدو الصناعة والتجارة وكأنهما أثر بعد عين، لماذا؟ لأن المجتمع يملك المزيد من الحضارة، والمزيد من وسائل العيش، والمزيد من الصناعة، والمزيد من التجارة.

ولم تعد القوى المنتجة، الموجودة تحت تصرّف المجتمع، تدفع بنمو علاقات الملكية البرجوازية قُدُما، بل على العكس من ذلك، أصبحت أقوى جدا من هذه العلاقات التي باتت تعيقها؛ وكلما تغلبت على هذا العائق جرّت المجتمع البرجوازي بأسره إلى الفوضى، وهددت وجود الملكية البرجوازية. فالعلاقات البرجوازية غدت أضيق من أن تستوعب الثروة، التي تُحدثها. فكيف تتغلب البرجوازية على هذه الأزمات ؟ من جهة بتدمير جزء كبير من القوى المنتجة بالعنف، ومن جهة أخرى بغزو أسواق جديدة، وباستثمار الأسواق القديمة كليّا. أي بالإعداد لحدوث أزمات أشمل وأشد وتخفيض الوسائل التي يمكن بواسطتها الحيلولة دون حدوث الأزمات.»[1]

إن هذه الكلمات المقتبسة من البيان الشيوعي، الذي كتب سنة 1848، ما تزال آنية وراهنية اليوم مثلما كانت عليه آنذاك. حتى ليمكن القول إنها كتبت بالأمس.

إن المسألة الأكثر أهمية، في كل الحالات، ليست هي البنك بل الاقتصاد الحقيقي: أي إنتاج السلع والخدمات. من أجل تحقيق الربح، يجب إيجاد سوق. لكن الطلب في تراجع مستمر، ويتفاقم هذا التراجع بفعل غياب القروض. إننا نقف أمام أزمة كلاسيكية للنظام الرأسمالي، قد بدأت تضرب العديد من الضحايا الأبرياء. إن انهيار أسعار المنازل في الولايات المتحدة أدى إلى حدوث أزمة في قطاع البناء، الذي فقد من الآن مئات الآلاف من مناصب الشغل. قطاع صناعة السيارات في أزمة، حيث تسجل المبيعات أدنى مستوى لها منذ 16 سنة. وهذا بدوره يعني تراجع الطلب على الحديد، والبلاستيك، والمطاط،، والكهرباء، والنفط، وغيرها من المنتجات. سوف يكون له تأثير هائل على جميع قطاعات الاقتصاد، مما سيعني ارتفاع البطالة وانهيار مستويات العيش.

فوضى الرأسمالية

لقد قيل لنا طيلة السنوات الثلاثين الأخيرة، أو أكثر، إن أفضل نظام اقتصادي ممكن هو ما يدعى باقتصاد السوق الحرة. ومنذ أواخر السبعينات والشعار الأساسي للبرجوازيين هو: “دعوا السوق يسير” و”أبعدوا الدولة عن الاقتصاد”. كان من المفترض في السوق أن تمتلك قوى سحرية تمكنها من تنظيم القوى المنتجة بدون أي تدخل من طرف الدولة. تعود هذه الفكرة إلى زمن أدم سميث الذي كان خلال القرن الثامن عشر يتحدث عن “اليد الخفية للسوق”. وطالما افتخر السياسيون بالاقتصاديين بكونهم ألغوا الدورة الاقتصادية. وطالما كرروا مقولة: “لا عودة إلى دورة الازدهار والأزمات”.

كانوا يرفضون تطبيق أي نوع من التنظيم. بل على العكس من ذلك، طالبوا بأعلى صوتهم بإلغاء كل أشكال التنظيم باعتبارها “ضارة بالسوق”. ومن تم رموا بكل تنظيم عرض الحائط وأعطوا لقوى السوق السلطة العليا. كان السعي المسعور وراء الربح هو الحكم، إذ تحركت مبالغ هائلة من الرساميل من قارة إلى أخرى بدون أي عائق، فدمرت قطاعات صناعية بأسرها وأضرت باقتصادات العديد من البلدان بضغطة زر حاسوب. هذا ما أسماه ماركس بفوضى الرأسمالية. وها نحن الآن نرى النتائج. ومع تقديم 700 مليار دولار من طرف الحكومة الأمريكية و400 مليار جنيه إسترليني من طرف الحكومة البريطانية، سوف تصير الدولة متدخلة في الاقتصاد طيلة سنوات عديدة. إن مبلغ 400 مليار جنيه إسترليني يعادل نصف الدخل القومي لبريطانيا. وحتى إذا ما تم استرداد هذه الأموال (وهو الشيء الجد مشكوك فيه) فإنه سوف يعني عدة سنوات من الرفع في الضرائب والاقتطاعات من ميزانية القطاعات الاجتماعية والتقشف.

هناك قانون قديم جدا يحكم السوق، إنه قانون غريزة القطيع. إذ تثير أقل رائحة للأسد في الغابة موجة رعب في القطعان لا يمكن لأي شيء إيقافها. هذه هي الآلية التي تحدد مصير ملايين الناس. هذه هي حقيقة اقتصاد السوق. فبالضبط مثلما يمكن للحيوانات أن تشعر بوجود الأسد، يمكن للأسواق أن تشعر بقرب حدوث الركود. إن احتمال حدوث الركود هو السبب الحقيقي للرعب. وبمجرد ما يدب الرعب في النفوس، لا شيء يمكنه أن يوقفه. فلا الخطابات المطمئنة، ولا كل التخفيضات في معدل الفائدة، ولا جميع المنح المقدمة للأبناك، سيكون لها أي تأثير على الأسواق المالية. سيرى الناس أن الحكومات والأبناك المركزية مرعوبة، ومن ثم سيستخلصون الخلاصات الضرورية.

إن الرعب الذي اجتاح الأسواق يهدد بإفشال جميع المحاولات التي تقوم بها الحكومات لمحاصرة الأزمة. لن تنجح أي من تلك الإجراءات اليائسة المتخذة من طرف الاحتياطي الأمريكي والحكومات الأوربية والأبناك المركزية، في إيقاف الذعر الجماعي. إن ما يعطي للفضيحة الحالية أثرا أكثر حدة هو أن نفس هؤلاء الناس الذين يصرخون اليوم طلبا للنجدة من طرف الدولة، هم أنفسهم من كانوا دائما يقولون بأنه ليس للحكومة أي دور تلعبه في الاقتصاد، وإن يجب السماح لاقتصاد السوق الحرة أن تعمل بدون أي تنظيم أو أي شكل من أشكال تدخل الدولة.

إنهم الآن يشتكون بمرارة من أن الأجهزة المنظمة للاقتصاد لم تقم بدورها كما يجب. لكن ولحدود وقت قريب جدا كان هناك اتفاق عام على أن الدور الوحيد الذي يمكن للأجهزة المنظمة للاقتصاد أن تلعبه هو بكل بساطة ترك السوق وشأنها. إن كلاب الحراسة هؤلاء محقون عندما يقولون إنه ليس من شأنهم أن يسيروا الأبناك، لأن هذا هو الشعار الذي كان سائدا طيلة الثلاثين سنة الأخيرة. لقد كانت الأجهزة المنظمة للاقتصاد عاجزة في كل مكان عن أن تتحكم في “تجاوزات” القطاع المالي. إذ طيلة العقود الثلاثة الأخيرة كان جميع المدافعين عن السوق الحرة يطالبون بإلغاء الأجهزة المنظمة للاقتصاد.

كان من المفترض أن التنافس بين المراكز المالية سيضمن اشتغال الأسواق بطريقة فعالة، بفضل اليد الخفية للسوق. إلا أن إفلاس سياسة “دعه يعمل” هذه اتضح بجلاء خلال صيف 2007. وهاهم الآن كلهم يلطمون خدودهم ويشتكون من عواقب تصرفاتهم. إن المجتمع يدفع الآن ثمن السياسات التي حاول من خلالها الرأسماليون وممثلوهم السياسيون أن يحافظوا على استمرار فترة الازدهار عبر الاستمرار في نفخ الفقاعة المضارباتية. كانوا جميعا مشاركين في هذه الخدعة الكبرى. الجمهوريون والديمقراطيون، حزب العمال والمحافظين، الاشتراكيون الديمقراطيون و”الشيوعيون” السابقون، جميعهم صفقوا لاقتصاد السوق ولكرنفال ربح الأموال السعيد.

من السهل جدا أن يكون المرء حكيما بعد وقوع الحدث، ومثلما يفعل جميع المخمورين صبيحة حفل صاخب، بعد أن ينهضوا والصداع يشق رؤوسهم، هاهم جميعا يقسمون بكونهم قد تعلموا الدرس، وإنهم لن يعودوا مجددا لشرب الخمر، وهو الوعد الذي يصممون بصدق على الوفاء به، إلى حين موعد الحفل التالي. والآن يدس المراقبون الماليون أنوفهم حتى في أبسط شئون الأبناك، لكن فقط بعد أن صارت الأبناك على حافة الهاوية. أين كانوا من قبل؟

الجميع يلومون الآن البنكيين الجشعين على التسبب في الأزمة. لكن بالأمس فقط كان نفس هؤلاء البنكيين الجشعين يوصفون من طرف الجميع بكونهم منقذو الأمة، وبكونهم خالقو الثروات، ومتحملو المخاطر، ومانحو منصب الشغل. العديد من موظفي بورصة لندن ووول ستريت مهددون الآن بفقدان مناصب شغلهم، لكن المضاربين حققوا الملايين بفضل المضاربات القصيرة الأمد. لقد سمح المراقبون باستمرار عمل الكازينو لأن رواتبهم مرتبطة هي أيضا بالنتائج القصيرة الأمد.

تحاول السلطات، بعد فوات الأوان، أن تفرض القيود على أجور كبار مدراء الأبناك مقابل تطبيقها لسياسة الإنقاذ المالي. إنهم لا يقومون بذلك بسبب مبدأ أو بناء على قناعة منهم، بل لأنهم يخافون من رد فعل الجماهير على فضيحة المكافئات الضخمة التي تقدم من الميزانية العامة إلى نفس هؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في فوضى الاقتصاد. إن هؤلاء السادة غير واعين بمزاج الغضب والكره الذي يتصاعد داخل المجتمع، أو أنهم لا يبالون به. لكن السياسيين لا يمكنهم أن يتجاهلوا بشكل كلي المزاج السائد بين المصوتين الذين يمكنهم أن يسقطوهم خلال الانتخابات التالية.

لكن المشكل الذي يواجهونه هو أنه من المستحيل فرض النظام على الفوضى الرأسمالية. إنهم يشتكون من الجشع، إلا أن الجشع مكون بنيوي لاقتصاد السوق ويجب ألا يقيد. كل المحاولات التي تبذل للحد من المكافئات والعلاوات “المبالغ فيها” ستقابل بالرفض. سوف تعبر السوق عن عدم رضاها عن ذلك من خلال انهيار فجائي لأسعار الأسهم. الشيء الذي سوف يؤدي إلى لفت انتباه واضعي القوانين ويجبرهم على الانتباه للمصوتين الحقيقيين، أي: مالكو الثروة. عندما يضحي عامل ما بعلاوة في الأجر خلال هذه السنة فإن ذلك المال يضيع إلى الأبد. لكن ليست نفس القاعدة تطبق على كبار مدراء الأبناك والرأسماليين. إذ حتى وإن قبل هؤلاء الأخيرين، لأسباب قاهرة، بالتقليص من المكافئات التي يحصلون عليها هذه السنة، فإنهم سيكافئون أنفسهم على هذه “التضحية” العظيمة بالرفع من المكافئات التي يحصلون عليها في السنة التالية. ليست المسألة صعبة على الإطلاق.

إن الفكرة القائلة بأن الشعب عاجز عن تسيير شئونه بطريقة أفضل مما هو الحال الآن، ليست سوى افتراء بشع في حق الجنس البشري. فطيلة العشرة آلاف سنة الماضية أبانت الإنسانية عن أنها قادرة على التغلب على جميع العراقيل والتقدم نحو الهدف النهائي، نحو الحرية. تضع الاكتشافات الرائعة، التي تشهدها ميادين العلوم والتكنولوجيا، بين أيدينا وسائل حل جميع المشاكل التي أرهقتنا طيلة قرون عديدة. لكن هذه الإمكانيات العظيمة لن يمكن تطويرها إلى أقصى حدودها ما دامت رهينة بنظام السعي وراء الربح.

من أجل حياة أفضل

والعجيب حقا هو أن بعض المعلقين، وفي سياق سعيهم إلى الدفاع عن الرأسمالية، يحاولون إلقاء اللوم على المستهلكين ومقتنيي المنازل، يقولون بدون خجل: “الجميع مسئولون”، ويحتجون قائلين بأنه لا أحد أجبرنا على أخذ رهن عقاري بـ 125%، ولا على الاقتراض من أجل أداء ثمن عطلة بالخارج وأحذية فاخرة. لكن في ظل وضع يكون الاقتصاد بصدد النمو بسرعة، وتكون القروض رخيصة، حتى الفقراء يميلون إلى “العيش في مستوى يفوق إمكاناتهم”. في الواقع كانت معدلات الفائدة الحقيقية، في فترة معينة بالولايات المتحدة، سلبية، مما يعني أن الناس كانوا يعاقبون على عدم أخذ قروض.

إن الرأسمالية تخلق بشكل مستمر حاجيات جديدة، والإشهار صار الآن صناعة ضخمة، تستعمل أكثر الوسائل تعقيدا لإقناع المستهلكين بأنه يجب عليهم الحصول على هذا المنتج وذاك. حيث يتم عرض نمط حياة البذخ التي يعيشها “المشاهير” الأثرياء أمام أنظار الفقراء، ويضفى عليها صورة خادعة ويتم غسل دماغ الناس لجعلهم يحلمون بأشياء لا يمكن أبدا أن تكون في ملكهم. بعد ذلك يقوم المنافقون البرجوازيون بتوجيه أصبع الاتهام إلى الجماهير المحكوم عليها، مثل Tantalusا[2]، بأن تشاهد مأدبة فاخرة بينما هي تعاني من آلام الجوع والعطش.

ليس هناك أي شيء غير أخلاقي أو غير منطقي في التطلع إلى حياة أفضل. ولو لم يكن الإنسان يتطلع دائما إلى شيء أفضل، لما حدث أي تقدم مطلقا. ولغرق المجتمع في مستنقع من الركود والسلبية. ينبغي علينا بالتأكيد أن نتطلع إلى حياة أفضل، لأننا لا نعيش إلا حياة واحدة فقط. وإذا كان ما يوجد الآن هو كل ما يمكننا التطلع إليه، فإن مستقبل الإنسانية سيكون كئيبا حقا. إن الشيء الغير أخلاقي والغير إنساني فعلا هو هذا التنافس المسعور الذي تخلقه الرأسمالية، حيث ينظر إلى الجشع الأناني بإجلال ليس فقط باعتباره ميزة، بل أيضا باعتباره المحرك الأساسي لكل التقدم الإنساني.

تؤمن الطبقة الرأسمالية بما يسمى بمبدأ البقاء للأصلح. إلا أنها لا تعني بهذا أن البقاء للناس الأصلح والأكثر ذكاء، بل تعني به البقاء للأغنياء فقط، مهما كانوا غير أكفاء، وأغبياء، وقبيحين، أو سقيمين، ولا يهم كم عدد الناس الصالحين والأكفاء والأذكياء الذين يموتون آنذاك. الفكرة التي يتم نشرها بشكل منهجي هي أن تطور الفرد يجب أن يكون على حساب كل الآخرين، وأن جشعه الأناني يجب أن يلبى عبر خسارة الآخرين، وأنه لكي يتقدم المرء يجب عليه أن يسحق الآخرين. إن هذه الفردانية البرجوازية المشئومة هي الأساس النفسي والأخلاقي للعديد من الأمراض التي تصيب المجتمع حاليا، وتنخر أحشائه وتجره إلى مستويات الهمجية البدائية. إنها أخلاق أكلة لحوم البشر، وعقلية “فليأتي الطوفان من بعدي”.

إن هذه الصورة الكاريكاتورية عن الانتخاب الطبيعي إهانة لذكرى شارل داروين. في الحقيقة كان التعاون، وليس الصراع، هو السر في بقاء وتطور الجنس البشري منذ بداياته الأولى. لقد كان أسلافنا في غابات السافانا الإفريقية (على اعتبار أننا جميعا ننحدر من مهاجرين أفارقة) كائنات صغيرة وضعيفة. لقد كانوا يفتقرون إلى المخالب والأسنان القوية. لم يكونوا يستطيعون الركض بمثل سرعة الحيوانات التي كانوا يريدون التهامها أو المفترسات التي كانت تريد الانقضاض عليهم. بتطبيق نظرية “البقاء للأصلح” كان على جنسنا أن ينقرض قبل حوالي ثلاثة ملايين سنة. إن الامتياز التطوري الرئيسي الذي امتلكه أسلافنا كان هو التعاون والإنتاج الاجتماعي. لقد كانت الفردانية في ظل تلك الظروف ستعني الموت المحقق.

تغير الوعي

ينبغي على المرء أن يطرح على المدافعين عن ما يسمى بنظرية “البقاء للأصلح” سؤالا بسيطا: ما هو السبب الذي يدفع إلى إنقاذ الأبناك، التي تبين أنها غير صالحة مطلقا للبقاء، وعدم تركها تسقط، بل يتم بذل كل شيء لإنقاذها بكرم ذلك المجتمع الذي من المفترض ألا يكون موجودا؟ فلكي يتم إنقاذ الأبناك الضعيفة والغير صالحة، والمسيرة من طرف مدراء أغبياء وغير أكفاء، يفترض في الأغلبية الكادحة، المشكلة من الناس الأكفاء والأذكياء، أن تضحي بنفسها عن طيب خاطر. لكن المجتمع غير مقتنع مطلقا بأن يضحي، من أجل هذه المهمة النبيلة، بالكماليات من قبيل المدارس والمستشفيات ويعيش في ظل نظام التقشف خلال المستقبل المنظور.

إن الانهيارات الاقتصادية التي نتابع أخبارها كل يوم على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون، تحكي لنا قصة معناها واضح للجميع، وهي أن: النظام الرأسمالي القائم لم يعد صالحا. لقد أفلس تماما. ليست هناك أموال للرعاية الصحية، ولا للمدارس أو المعاشات، لكن عندما يتعلق الأمر بوول ستريت فإن هناك كل أموال الدنيا. وعلى حد تعبير الكاتب الأمريكي العظيم، غور فيدال، إن ما لدينا هو الاشتراكية لصالح الأغنياء واقتصاد السوق الحرة للفقراء.

لقد بدأ الكثير من الناس العاديين يستخلصون الخلاصات الصحيحة من كل هذا. لقد بدءوا يساءلون النظام الرأسمالي ويبحثون عن بديل. لكن ليس هناك مع الأسف أي بديل جاهز. مما يجعل الناس في أمريكا يولون وجوههم جهة أوباما والديمقراطيين. إلا أن الجمهوريين والديمقراطيين لا يشكلان سوى فردتي حذاء يمنى ويسرى في أرجل كبار الرأسماليين. وحسب غور فيدال مرة أخرى: “ليس هناك في جمهوريتنا سوى حزب واحد، إنه حزب الملكية الخاصة، بجناحين يمينين”. كلاّ من أوباما وماك كاين ساندا بحماس خطة الإنقاذ المالية القاضية بمنح الشركات الكبرى مبلغ 700 مليار دولار. إنهما يمثلان نفس المصالح، مع بعض الاختلافات الطفيفة في التكتيك.

سوف يكون لهذه الحقيقة تأثير جبار على الوعي. من البديهيات في الماركسية القول بأن الوعي الإنساني محافظ جدا. إن الناس بشكل عام لا يحبون التغيير. إن العادة والتقاليد والروتين تلعب دورا هاما جدا في تشكيل نظرة الجماهير إلى الأشياء. والتي تقاوم عادة فكرة إجراء تعديل شامل في حياتهم وعاداتهم. لكن عندما تهز المجتمع أحداث عظيمة من أساسه، يجبر الناس على إعادة النظر في أفكارهم القديمة ومعتقداتهم القديمة وأحكامهم المسبقة.

لقد دخلنا للتو هذه المرحلة. إن المرحلة الطويلة من الازدهار النسبي التي استمرت عقدين من الزمن أو أكثر، في البلدان الرأسمالية المتقدمة، باستثناء الركود القصير الأمد الذي حدث سنة 2001، تركت بصماتها. بالرغم من كل مظالم الرأسمالية، وبالرغم من ساعات العمل الطويلة، وتكثيف الاستغلال، واللامساواة الفاضحة، والبذخ الفاحش للأثرياء الذي يستعرض بوقاحة أمام الأعداد المتزايدة من الفقراء والمهمشين، بالرغم من كل هذا، كان أغلب الناس يعتقدون أن اقتصاد السوق كان صالحا وسيبقى صالحا. ويصدق هذا القول بالخصوص على الولايات المتحدة الأمريكية. لكن بالنسبة لعدد متزايد من الناس لم يعد كل هذا صحيحا.

كيف نناضل ضد البطالة

خلال مرحلة الازدهار، وعندما كان يتم تحقيق أرباح هائلة، لم تكن الأغلبية الساحقة من العمال يشهدون أي رفع حقيقي في أجورهم. لقد كانوا يخضعون لضغوطات متصاعدة ويطالََبون، من طرف الرأسماليين، بتقديم إنتاجية أكبر وتفرض عليهم ساعات عمل أطول. لكن الآن، ومع تصاعد حدة الأزمة، صاروا مهددين ليس فقط باقتطاعات هائلة في مستويات عيشهم وتدهور كبير لشروط العمل، بل مهددين أيضا بفقدان مناصب شغلهم. لقد صارت إغلاقات المعامل وارتفاع البطالة واقعا معاشا. الشيء الذي يعني بدوره المزيد من احتداد الأزمة والمزيد من تدهور ظروف عيش الجماهير. هناك على الصعيد العالمي ملايين البشر الذين يواجهون خطر الإقصاء والتهميش.

طيلة عقد من الزمن صور الاقتصاديون البرجوازيون الاقتصاد الإسباني بكونه محركا لخلق مناصب الشغل في منطقة اليورو. والآن التحق بصفوف العاطلين في إسبانيا أزيد من 800.000 عاطل خلال السنة الماضية. إذ أن انتهاء الازدهار، الذي عرفه قطاع البناء طيلة عقد من الزمن، رفع معدل البطالة إلى 11,3%، والذي يعتبر أكبر معدل في الاتحاد الأوربي. صرح دانييل أنتونوتشي، المحلل الاقتصادي في ميريللي لينش أنترناشيونال، قائلا: “سيصبح الوضع أكثر سوءا، إذ ليست هذه سوى البداية”. وقد توقع أن يرتفع معدل البطالة في إسبانيا إلى 13% خلال السنة المقبلة. بينما سيرتفع عدد العاطلين في أوروبا من 7,5% إلى 8,1% مع نهاية سنة 2008. إلا أن الأرقام الحقيقية لمعدلات البطالة في الواقع هي أكثر سوءا، لكن الحكومات تلجأ لجميع أشكال الألاعيب لتزويرها. نفس الوضع يقال عن جميع البلدان الأخرى.

على العمال أن يدافعوا عن مستويات عيشهم، على الأقل، إذا لم يتمكنوا من رفعها وتحسينها. إن البطالة تهدد المجتمع بالتفكك. لا يمكن للطبقة العاملة أن تسمح بتطور البطالة الكثيفة. إن الحق في العمل حق أساسي. أي مجتمع هذا الذي يحكم على ملايين النساء والرجال الأصحاء بحياة البطالة الإجبارية بينما عملهم ومهاراتهم ضرورية لتلبية حاجيات الجماهير؟ ألسنا نحتاج المزيد من المدارس والمستشفيات؟ ألسنا في حاجة إلى المزيد من الطرق والمنازل الجيدة؟ أليست البنى التحتية وأنظمة النقل في حاجة إلى الإصلاح والتحسين؟

إن الجواب عن كل هذه الأسئلة واضح للجميع. لكن رد الطبقة السائدة هو دائما نفسه: لا يمكننا توفير هذه الأشياء. والجميع يعلم الآن أن هذا الرد خاطئ. نعلم الآن أنه في مقدور الحكومات أن تجد مبالغ هائلة من الأموال عندما يتعلق الأمر بخدمة مصالح الأقلية الثرية التي تمتلك وتتحكم في الأبناك والصناعة. لكن عندما تطالب أغلبية الشعب الكادح بتلبية حاجاتها تزعم الحكومات أن الصناديق فارغة.

ما الذي يبينه هذا؟ إن هذا يبين أنه في ظل هذا النظام الذي نعيش فيه، تعتبر أرباح الأقلية أهم من حاجيات الأغلبية. هذا يبين أن كل النظام الإنتاجي مبني على شيء واحد فقط: السعي وراء الربح، أي الجشع. عندما ينخرط العمال في الإضراب، تعمل وسائل الإعلام (المحتكرة هي أيضا من طرف حفنة من أصحاب الملايير) على وصفهم بكونهم “جشعين”. لكن “جشعهم” هذا لا يهدف سوى إلى الحصول على ما يسد الرمق: أداء سومة الكراء أو الديون، شراء الطعام وأداء ثمن الوقود، الذي يتصاعد بشكل مستمر، وتوفير الضروريات لأطفالهم وأسرهم.

لكن جشع أصحاب الأبناك والرأسماليين، من جهة أخرى، هو جشع من أجل مراكمة ثروات ضخمة باستغلال عمل الآخرين (لأنهم لا ينتجون شيئا بأنفسهم). فينفقونها على شراء الأعمال الفنية، ليس من أجل المتعة، بل فقط باعتبارها استثمارا مربحا، وعلى البذخ والتبذير، أو على المزيد من المضاربات التي تتسبب في النهاية دائما في حدوث الانهيار الاقتصادي وانتشار البؤس، ليس بين صفوفهم طبعا، بل بين صفوف الأغلبية الساحقة التي يقوم المجتمع على أساس عملها المنتج.

في الماضي كان أرباب العمل يزعمون أن التكنولوجيا سوف تخفف الثقل عن العمال، لكن العكس هو الذي حصل. فالاتحاد الأوربي مرر للتو قانونا يقضي برفع الحد الأقصى لساعات العمل الأسبوعية إلى 60 ساعة! يحدث هذا خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حيث أنتجت التطورات العظيمة التي تشهدها العلوم والتكنولوجيا عددا من وسائل توفير قوة العمل أكثر مما تم إنتاجه طيلة تاريخ البشرية بأسره. كيف يعقل هذا؟ كيف يعقل أن يكون هناك عدد هائل من العاطلين عن العمل، بينما يوجد في أماكن العمل عمال مجبرون على العمل فوق طاقتهم ساعات كثيرة؟

خلال فترة الازدهار كان أرباب العمل يرغمون العمال على الاشتغال ساعات طويلة إضافية، من أجل اعتصار آخر ذرة لفائض القيمة من قوة عملهم. لكن عندما بدأت الأزمة، ولم تعد لديهم أية أسواق لتصريف سلعهم، لم يترددوا في إغلاق مصانعهم، كما لو أنها صناديق أعواد الثقاب، ورموا بالعمال إلى الشوارع، بينما استمروا في استغلال العمال الباقين إلى أقصى الحدود. إن مأزق الرأسمالية يتمثل في أن البطالة لم تعد ذات طبيعة “مؤقتة”، بل صارت بنيوية. ليس في إمكان الرجل والمرأة البالغين من العمر أكثر من 40 أو 50 سنة أن يجدا منصب شغل مجددا، بينما سوف يُجبر الكثير من العمال المؤهلين، الذين فقدوا مناصب عملهم، على العمل في أشغال هشة ومتدنية الأجور، من أجل الحفاظ على بقائهم.

إن هذا اقتصاد مجنون! إنه من وجهة النظر الرأسمالية منطقي جدا. لكننا نرفض منطق الرأسمالية الأحمق هذا! وفي مواجهة خطر البطالة نرفع شعار تطبيق برنامج للأشغال العمومية واقتسام ساعات العمل بدون تخفيض الأجور. إن المجتمع بحاجة إلى المدارس، والمستشفيات، والطرق، والمنازل. يجب تشغيل العاطلين من خلال برنامج شامل للأشغال العمومية!

يجب على النقابات أن تربط العاطلين بعلاقات وثيقة مع العمال، ويرتبطا معا بأواصر التضامن والمسئولية المتبادلة. من الضروري اقتسام ساعات العمل بدون تخفيض الأجور! يجب اقتسام كل ساعات العمل المتوفرة بين العمال، مع الحفاظ على معدل الأجور نفسه، بالنسبة لجميع العمال، مثلما كان قبل اقتسام ساعات العمل. ويجب تطبيق السلم المتحرك للأجور بحيث ترتفع الأجور بتوافق مع حركة الأسعار. هذا هو البرنامج الوحيد الذي يمكنه حماية العمال في ظروف الأزمة الاقتصادية.

عندما يكون أرباب العمل بصدد تحقيق أرباح هائلة، يعملون على الحفاظ بشكل صارم على أسرارهم المهنية. والآن في وقت الأزمة، ينشرون قوائم حساباتهم كـ “دليل” على أنهم غير قادرين على تلبية مطالب العمال. ويصدق هذا بشكل خاص على صغار الرأسماليين. لكن المسألة المطروحة ليست هي مدى “واقعية” مطالبنا، من وجهة نظر أرباب العمل، من عدمها. فعلينا مهمة حماية مصالحنا الحيوية، نحن الطبقة العاملة، والدفاع عنها من التأثيرات السيئة للأزمة. سيشتكي أرباب العمل من أن هذه المطالب سوف تخفض من أرباحهم وسيكون لها تأثير سلبي على حوافزهم للاستثمار. لكن ما هو الحافز الذي تمتلكه الأغلبية الساحقة في المجتمع، في ظل نظام مبني على الربح الخاص؟ فإذا كانت المصالح الحيوية للأغلبية الساحقة لا تتوافق مع حاجيات النظام الحالي، فليذهب هذا النظام إلى الجحيم!

هل من المنطقي حقا أن تحدد اللعبة العمياء لقوى السوق حياة ومصائر ملايين الناس؟ هل من العدل أن تسير الحياة الاقتصادية في هذا الكوكب كما لو أنها ناد كبير للقمار؟ هل من الممكن تبرير واقع أن الجشع للربح هو القوة المحركة الوحيدة التي تقرر ما إذا كان الرجال والنساء سيحصلون على منصب شغل أو مأوى؟ سيجيب هؤلاء الذين يمتلكون وسائل الإنتاج ويتحكمون في مصائرنا بأن هذا جيد، لأنه يخدم مصالحهم. لكن الأغلبية الساحقة في المجتمع التي هي الضحية البريئة لنظام آكلي لحوم البشر هذا، لديها رأي مختلف تماما.

في سياق نضالهم من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد المحاولات الرامية إلى جعلهم يدفعون ثمن الأزمة، سيتوصل العمال إلى فهم ضرورة إحداث تغيير جذري في المجتمع. إن الرد الوحيد على إغلاق المصانع هو احتلال المصانع: “مصنع مغلق هو مصنع محتل من طرف العمال!“، هذا هو الشعار الوحيد الفعال للنضال ضد الإغلاقات. ينبغي على احتلال المصانع أن يؤدي بالضرورة إلى تطبيق الرقابة العمالية. من خلال الرقابة العمالية سوف يكتسب العمال الخبرة في إجراء الحسابات وإدارة الشركة مما سوف يمكنهم لاحقا من تسيير المجتمع ككل.

هذه خبرة نضالات أكثر العمال طليعية خلال السنوات الأخيرة، خاصة في أمريكا اللاتينية. في البرازيل: مصنع سيبلا/ إنترفيبراس، ومصنع فلاسكو وغيرهما من المصانع. وفي الأرجنتين: مصنع بروكمان، ومصنع زانون والعديد من المصانع الأخرى. وفي فنزويلا، حيث أعاد العمال تشغيل شركة النفط العملاقة PDVSA وسيروها تحت رقابتهم لعدة أشهر طيلة زمن الإغلاق الذي نظمه أرباب العمل سنة 2002- 2003، وحيث تطورت حركة لاحتلال المصانع حول مصنع إينفيفال (Inveval) سنة 2005 وهي تزداد قوة يوما عن يوم.

في جميع هذه الحالات وغيرها، ناضل العمال بنجاح ضد كل العراقيل التي وضعت أمام محاولتهم تسيير مصانعهم تحت رقابتهم وإدارتهم. لكن لا يمكن للرقابة العمالية أن تكون هدفا في حد ذاتها. فهي تطرح مسألة الملكية. إنها تطرح السؤال التالي: من هو السيد هنا؟ فإما أن تقود الرقابة العمالية إلى التأميم، أو أنها لن تكون سوى حدث عرضي. إن الحل الوحيد لمشكلة البطالة هو اقتصاد اشتراكي مخطط، مبني على أساس تأميم الأبناك والشركات الكبرى في ظل الرقابة والإدارة العمالية الديمقراطية.

إننا نطالب بما يلي:

  1. لا للبطالة! توفير منصب شغل أو تعويض كامل عن البطالة للجميع!
  2. فلتسقط أسرار الشركات! افتحوا دفاتر الحسابات! لكي يصل العمال إلى المعلومات حول عمليات الاحتيال والمضاربات والتهرب الضريبي والصفقات المشبوهة، والأرباح الفاحشة والمكافئات المبالغ فيها. لكي يرى الشعب كيف تم خداعه ومن هم المسئولون عن الأزمة الحالية!
  3. لا لإغلاقات المصانع! كل مصنع مغلق هو مصنع محتل من طرف العمال!
  4. نعم للتأميم تحت الرقابة والإدارة العمالية للمصانع التي تهدد بإغلاق أبوابها!
  5. من أجل برنامج شامل للأشغال العمومية: من أجل برنامج ضخم لتوفير السكن الاجتماعي والمدارس والمستشفيات والطرق، ولتوفير مناصب الشغل للعاطلين.
  6. من أجل التخفيض الفوري لأسبوع العمل إلى 32 ساعة عمل، بدون تخفيض الأجور !
  7. من أجل اقتصاد اشتراكي مخطط،، في ظله فقط سيمكن القضاء على البطالة، وسيكتب المجتمع على رايته: حق الجميع في منصب شغل!

لنناضل من أجل الدفاع عن مستويات عيش لائقة!

بينما كان أصحاب الأبناك وأرباب العمل يحققون أرباحا هائلة، كانت الأجور الحقيقية لأغلبية العمال جامدة بل وتتراجع. لم تكن الهوة بين الغني والفقير أبدا أكبر مما هي عليه اليوم. كانت الأرباح القياسية مصاحبة بارتفاع قياسي للتفاوت الطبقي. قالت جريدة الايكونوميست (التي لا يمكن اتهامها باليسارية): “إن الميل الوحيد المتواصل طيلة الخمسة وعشرين سنة الماضية هو الميل نحو التركيز المتزايد للأرباح في يد من هم فوق.” (الايكونوميست، 17 يونيو 2006). أقلية صغيرة جدا صارت فاحشة الثراء، بينما تراجع نصيب العمال من الدخل الوطني بشكل مستمر، وغرقت الفئات الأكثر فقرا في المزيد من الفقر. لقد فضح إعصار كاترينا، أمام أنظار العالم بأسره، وجود شريحة مهمشة محرومة من المواطنين الفقراء تعيش في ظل ظروف عالم- ثالثية داخل أغنى بلد في العالم.

في الولايات المتحدة يوجد ملايين البشر مهددين بفقدان مناصب شغلهم ومنازلهم، بينما تزداد الأرباح بسرعة كبيرة. وفي نفس الوقت الذي أعلن فيه بوش عن خطة الإنقاذ، بمبلغ 700 مليار دولار، نشرت الشركات ذات المنفعة العامة الأمريكية تقريرا عن ارتفاع عدد الزبناء العاجزين عن أداء فواتير الغاز والكهرباء. وقد سجلت أعلى ارتفاع لعمليات قطع الطاقة في ولايات ميشيغان (20%)، ونيويورك (17%)، وأيضا في بنسيلفانيا وفلوريدا وكاليفورنيا.

ينتج العمال الأمريكيون الآن أكثر بـ 30% مما كانوا ينتجونه قبل عشر سنوات. لكن الأجور لم ترتفع إلا بنسبة ضئيلة. النسيج الاجتماعي يتفكك بشكل متواصل. وهناك ارتفاع هائل في درجة التوتر داخل المجتمع، حتى في أغنى بلد في العالم. الشيء الذي يُحَضِّر الشروط لحدوث انفجار عظيم للصراع الطبقي. وهذا لا يخص الولايات المتحدة وحدها. ففي العالم بأسره، كان الازدهار الاقتصادي مصاحبا بمعدل بطالة عال. وقد كانت الإصلاحات والمكتسبات الاجتماعية تتعرض للهجوم، حتى في أوج فترة الازدهار. لكن أزمة الرأسمالية لا تعني فقط أن الطبقة السائدة قد صارت عاجزة عن تقديم أية تنازلات، بل إنها لا تستطيع حتى السماح باستمرار الإصلاحات والمكتسبات التي تحققت في الماضي.

لم يحقق العمال أي مكسب حقيقي من الازدهار الاقتصادي، وهم الآن مطالبون بأداء فاتورة الركود. في كل مكان هناك هجوم على ظروف عيشهم. ومن أجل الدفاع عن أرباح أرباب العمل وأصحاب الأبناك، ينبغي تخفيض الأجور، والرفع من ساعات ووتيرة العمل، كما ينبغي التخفيض من الإنفاق على المدارس والسكن والمستشفيات. مما يعني أنه حتى شروط العيش الشبه حضارية التي تم تحقيقها في الماضي صارت مهددة. في ظل الظروف الحالية لا يمكن تحقيق أي إصلاح ذي معنى بدون خوض نضال شرس. إن الفكرة القائلة بأنه يمكن تحقيق أي إصلاح من خلال الاتفاقات مع أرباب العمل وأصحاب الأبناك خاطئة كليا.

فكرة “الوحدة الوطنية” من أجل مواجهة الأزمة هي خداع بشع للشعب. أية وحدة في المصالح يمكنها أن تحدث بين العمال وبين مستغليهم الفاحشي الثراء؟ إنها وحدة الحصان مع راكبه الذي يجلد أضلاعه بالسوط. قادة الأحزاب الاشتراكية، والعمالية واليسارية الذين صوتوا لـ “تدابير الأزمة” بما فيها ضخ مبالغ هائلة في صناديق الأبناك، وسياسة الاقتطاعات والتقشف ضد أغلبية المجتمع، إنما يخونون مصالح الناس الذين انتخبوهم. إن قادة النقابات الذين يقولون بأنه في وقت الأزمة “يجب علينا أن نتحد جميعنا معا” ويتخيلون أنه من الممكن تحقيق مكاسب من خلال الاعتدال في المطالب في ما يخص الأجور، والقبول بالشروط المفروضة من جانب أرباب العمل، سيحصلون على عكس ما يريدونه. فالضعف يشجع على الاعتداء! إذ مقابل أية خطوة نخطوها إلى الوراء سوف يطالب أرباب العمل بخطوات أخرى. طريق التعاون الطبقي، وما تسمى بالسياسة العقلانية الجديدة، لن يوصل إلا إلى هزائم جديدة، والمزيد من إغلاقات المصانع والتخفيض في مستويات العيش.

بينما تواصل البطالة الارتفاع بشكل سريع، ترتفع كلفة العيش بدورها بشكل سريع جدا. فأسعار الوقود والغاز والكهرباء والغذاء، كلها ارتفعت، بينما الأجور بقيت جامدة وأرباح كبريات شركات الطاقة حلقت في الهواء. في المرحلة السابقة زعم الاقتصاديون البرجوازيون أنهم تمكنوا من “تدجين التضخم”. كم تبدو هذه المزاعم سخيفة اليوم! الأسر التي كانت تعيش بالأمس على أجرتين صار عليها أن تعيش على أجرة واحدة الآن، أو بدون أجرة. إن الصراع من أجل البقاء أصبح له الآن معنى أكثر قسوة بالنسبة للملايين. إن التضخم والتقشف ليسا سوى وجهان لعملة واحدة. ولا يمكن لأي منهما أن يخدم مصالح الطبقة العاملة. إننا نرفض بشكل مطلق كل المحاولات الرامية إلى إلقاء ثقل الأزمة، والاختلال الذي عرفه النظام البنكي، وكل النتائج الأخرى لأزمة نظام السعي نحو الربح، على كاهل العمال والفقراء. إننا نطالب بتوفير مناصب الشغل وظروف عيش جيدة للجميع.

إن الحل الوحيد في مواجهة الارتفاع الصاروخي للأسعار هو السلم المتحرك للأجور. وهذا يعني أنه على الاتفاقات الجماعية أن تضمن الارتفاع التلقائي للأجور بارتباط مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. يقول الرأسماليون وممثلوهم السياسيون للجماهير: لا يمكننا أن نتحمل الرفع في الأجور لأن هذا سيتسبب في التضخم. لكن الجميع يعرف أن الأجور هي التي تحاول اللحاق بالأسعار، وليس العكس. الحل هو السلم المتحرك للأجور، حيث ترتبط الأجور بشكل تلقائي بارتفاع كلفة العيش. لكن حتى هذا ليس كافيا. يعمل المسئولون على تزوير المؤشرات الرسمية للتضخم من أجل إخفاء حقيقة التضخم ومن تم يُؤْمر العمال بألا يطالبوا بالرفع من الأجور. وبالتالي فإنه من الضروري على النقابات أن تحدد المعدل الحقيقي للتضخم، بناء على أسعار السلع الأساسية (بما في ذلك أسعار الإيجار وتكاليف العقار)، وعليها تحديث المعطيات بشكل دائم. ويجب على كل مطالبة برفع الأجور أن تستند إلى هذا.

إننا نطالب بما يلي:

  1. حد أدنى للأجور والمعاشات كاف للجميع!
  2. تطبيق السلم المتحرك للأجور، وربط كل ارتفاع في الأسعار بارتفاع الأجور.
  3. على النقابات وجمعيات المستهلكين أن تحدد الرقم الحقيقي لكلفة المعيشة عوض الأرقام “الرسمية”، التي لا تعكس الصورة الحقيقية.
  4. إقامة مجالس للعمال وربات البيوت وصغار التجار والعاطلين للرقابة على ارتفاع الأسعار.
  5. إلغاء كل الضرائب الغير المباشرة وتطبيق نظام ضرائب مباشرة تصاعدي. إلغاء كل الضرائب عن كاهل الفقراء وجعل الأغنياء يدفعون الثمن!
  6. تخفيض ارتفاع أسعار الوقود! وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تأميم شركات الطاقة، مما سيمكن العمال من فرض الرقابة على أسعار الغاز والكهرباء. لا لتحقيق الأرباح على حساب الشعب!

النقابات

في المرحلة الحالية يحتاج العمال إلى منظماتهم الجماهيرية أكثر من أي وقت آخر، وخاصة النقابات. إن النقابات هي الوحدة التنظيمية الأساسية للعمال. بدون نقابات قوية لن يكون من الممكن النضال من اجل الدفاع عن الأجور ومستويات العيش. هذا هو السبب الذي يجعل أرباب العمل والحكومات يسعون دائما إلى تدمير النقابات والحد من مجال تحركها من خلال إصدار قوانين معادية للعمل النقابي.

لقد أثرت مرحلة الازدهار الطويلة على القادة النقابيين، الذين انخرطوا في سياسات التعاون الطبقي، في الوقت الذي انتهت فيه إمكانية تطبيق هذه السياسة. إن القادة النقابيين اليمينيين هم أكثر القوى محافظة في المجتمع. يقولون للعمال: “إننا جميعا في نفس المركب” ويجب علينا جميعا أن نقدم التضحيات لحل الأزمة، وإن أرباب العمل ليسو أعداء، وإن الصراع الطبقي “موضة متجاوزة”.

إنهم يبشرون بإمكانية عقد اتفاق بين العمل المأجور والرأسمال، وهي السياسة التي يعتبرونها “سياسة عقلانية جديدة”. لكنها في الواقع أسوء أنواع اليوتوبيا. من المستحيل التوفيق بين مصالح متناحرة. إن الطريقة الوحيدة، في ظل الأوضاع الحالية، لتحقيق الإصلاحات والرفع من الأجور، هي النضال الحازم. في الواقع سيكون من الضروري النضال من أجل الدفاع عن المكتسبات التي تحققت في الماضي، والتي تتعرض للتهديد في كل مكان. يتناقض هذا تماما مع سياسة التعاون الطبقي التي ينهجها القادة، والتي تعكس ظروف الماضي، وليس الحاضر والمستقبل.

في سياق محاولاتها لتحييد دور النقابات وتحويلها إلى وسائل للتحكم في العمال، تقوم الطبقة السائدة بكل ما في وسعها لإفساد قادة النقابات وإيقاعهم في شراك الدولة. إننا نعارض كل هذه المحاولات وندافع عن تقوية ودمقرطة المنظمات النقابية على كل الأصعدة. يجب أن تكون النقابات مستقلة عن الدولة ويجب عليها مراقبة قادتها وإجبارهم على النضال بشكل حازم من أجل مصالح العمال.

إن قادة النقابات الإصلاحيين، الذين يحبون اعتبار أنفسهم ساسة عمليين وعقلانيين، ليسو في الواقع سوى أناس أغبياء. ليس لديهم أي تصور عن مدى الكارثة التي تتحضر بفعل الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي. يظنون أنه من الممكن العبور منها، بقبولهم للاقتطاعات وغيرها من الأعباء على أمل أن يكون كل شيء على ما يرام في النهاية. إنهم يتشبثون بإقامة “علاقات جيدة” مع الرأسماليين ويعتقدون أن ذلك سينجح. لكن الواقع عكس ذلك تماما! إذ أن التاريخ يبين أن الضعف يشجع على الاعتداء. ومقابل أية خطوة نخطوها إلى الوراء سوف يطالب أرباب العمل بخطوات أخرى.

وحتى عندما يجبرون، بسبب الضغط من تحت، على الدعوة إلى الإضرابات والإضرابات العامة، فإنهم يعملون كل ما في وسعهم لإفراغ هذه النضالات من مضمونها الكفاحي، وتقليص وقتها ومداها. وعندما يجبرون على الدعوة إلى مظاهرات جماهيرية، فإنهم يحولونها إلى مجرد استعراض واحتفالات، بدون أي محتوى كفاحي طبقي. بالنسبة للقادة النقابيين تعتبر هذه المعارك مجرد وسيلة لتخفيف الاحتقان. أما بالنسبة للمناضلين النقابيين الجديين، تعتبر الإضرابات والمظاهرات وسائل لتمكين العمال من الوعي بقوتهم وتحضير الشروط لتحقيق تغيير جذري للمجتمع.

حتى خلال المرحلة السابقة كان هناك تيار من الغضب والسخط يجري تحت السطح، نتيجة للهجمات ضد حقوق العمال وتطبيق القوانين المعادية للعمل النقابي. وسوف يصعد هذا السخط في الوقت الحالي إلى السطح وسيجد تعبيرا عنه داخل المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة، بدءا من النقابات. سوف يصطدم تجذر القواعد مع النزعة المحافظة السائدة بين القادة. سوف يطالب العمال بإحداث تغيير كلي داخل النقابات من القاعدة إلى القمة، وسيصارعون لتحويلها إلى منظمات كفاحية حقيقية.

إننا نناضل من أجل بناء نقابات جماهيرية ديمقراطية وكفاحية، تكون قادرة على تنظيم أغلبية الطبقة العاملة، وتعليمهم وتحضيرهم عمليا، ليس فقط لإنجاز تغيير جذري للمجتمع، بل من أجل القيام بتسيير الاقتصاد في ظل المجتمع الاشتراكي الديمقراطي المستقبلي.

إننا نطالب بما يلي:

  1. الاستقلال الكامل للنقابات عن الدولة.
  2. وقف التحكيم الإجباري، لا للاتفاقات الرامية إلى الحد من الإضرابات وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى تقليص مدى تحرك النقابات.
  3. دمقرطة النقابات ووضع حق الرقابة على القيادة بين أيدي القواعد!
  4. إلغاء الانتخاب مدى الحياة! انتخاب جميع الموظفين النقابيين مع الحق في عزلهم.
  5. لا للبيروقراطية والوصولية! ليس من حق أي موظف نقابي أن يتقاضى أجرة أعلى من أجرة عامل مؤهل. ووضع جميع المصاريف تحت رقابة الأعضاء.
  6. لا للتعاون الطبقي! من أجل برنامج كفاحي لتعبئة العمال من أجل الدفاع عن مناصب الشغل ومستويات العيش.
  7. من أجل الوحدة النقابية على أساس المطالب المذكورة أعلاه.
  8. من اجل رقابة القواعد، وتقوية لجان المعارك وخلق لجان الإضراب خلال فترة الإضرابات وغيرها من المعارك، باعتبارها وسائل لضمان أكبر مشاركة لأكبر عدد من العمال.
  9. تأميم القطاعات الاقتصادية والصناعية الكبرى ووضعها تحت الرقابة العمالية الديمقراطية، حيث ستلعب النقابات دورا أساسيا في إدارة كل المصانع والرقابة عليها. ليس العمل النقابي هدفا في حد ذاته، بل مجرد وسيلة لتحقيق الهدف، الذي هو التغيير الاشتراكي للمجتمع.

الشباب

للأزمة الرأسمالية آثار سلبية بوجه خاص على جيل الشباب، الذي يشكل مستقبل الجنس البشري. إن الرأسمالية في عصر احتضارها تهدد بتدمير الثقافة وتحطيم الشباب وإحباطه. شرائح واسعة من الشباب، الذين لا يرون أي حل للمأزق الذي يعيشون فيه، يسقطون ضحايا لإدمان الخمور والمخدرات والجرائم والعنف. عندما يقتل بعض الشباب من أجل سرقة أشياء تافهة، يصير من الواجب علينا أن نتساءل عن طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه. يشجع هذا المجتمع الشباب على الطموح إلى استهلاك السلع التي لا يمكنهم الحصول عليها، ومن تم فإنهم يرمون بأنفسهم إلى التهلكة.

في إحدى المرات قالت مارغريت تاتشر، تلك المدافعة الشرسة عن اقتصاد السوق، ليس هناك ما يسمى بمجتمع. لقد كانت لهذه الفلسفة الهدامة نتائج مدمرة منذ تطبيقها قبل ثلاثين سنة. لقد ساهمت هذه الفردانية الفجة بشكل قوي في خلق روح الأنانية، والجشع، واللامبالاة اتجاه معاناة الآخرين، والتي انتشرت بسرعة السم في جسد المجتمع. إنه الجوهر الحقيقي لاقتصاد السوق.

إن المقياس الحقيقي لمستوى الحضارة التي حققها المجتمع هو الكيفية التي يعامل بها شيوخه وشبابه. بناء على هذا المقياس لا يمكن اعتبار المجتمع الحالي متحضرا، بل إنه بالأصح يتأرجح على حافة الهمجية. حتى في أوج مرحلة الازدهار كانت هناك مؤشرات عن الهمجية في المجتمع، مع الموجة الهائلة للجرائم والعنف، وانتشار النزعات العبثية والمعادية للمجتمع بين فئات واسعة من الشباب. إلا أن هذه النزعات انعكاس صادق للأخلاق الرأسمالية.

يرفع الرجعيون أصوات الاحتجاج عاليا ضد هذه المظاهر، لكن، وبسبب عدم رغبتهم في الاعتراف بأنها من نتائج النظام الاجتماعي الذي يدافعون عنه، تجدهم عاجزين عن اقتراح أي حل لها. الحل الوحيد الذي يقدمونه هو ملئ السجون بالشباب، الذين يتعلمون فيها كيف يصيرون مجرمين حقيقيين عوض أن يكونوا مجرد هواة. وهكذا ندخل في حلقة مفرغة جهنمية من الإقصاء الاجتماعي والإدمان على المخدرات والانحطاط والجرائم.

“الحل” الذي تقدمه السلطات هو تجريم للشباب، وتحميلهم مسئولية المشاكل التي تسبب فيها المجتمع نفسه، وتصعيد الإجراءات القمعية البوليسية ضدهم، وبناء المزيد من السجون وإصدار الأحكام القضائية الثقيلة. وبدل حل المشكل، لا تعمل مثل هذه الإجراءات إلا على مفاقمته، وخلق حلقة مفرغة مشئومة للجرائم والإقصاء الاجتماعي. هذه هي النتيجة المنطقية للرأسمالية واقتصاد السوق، والتي تعامل الشعب كمجرد “قوى إنتاج” وتخضع كل شيء لدافع الربح. إن الحل الذي نقدمه للشباب هو دعوته إلى تنظيم صفوفه والالتحاق بالطبقة العاملة في النضال ضد الرأسمالية ومن أجل الاشتراكية!

إن أزمة الرأسمالية تعني المزيد من البطالة والمزيد من تدهور البنى التحتية، وتدهور التعليم والخدمات الصحية والسكن. إن هذا الانحطاط في مقاييس الحضارة يسوق معه خطر المزيد من التفكك الاجتماعي. سوف يعني هذا ارتفاع معدلات الجرائم والنزعات التخريبية والسلوكيات المعادية للمجتمع والعنف.

من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية شرائح جديدة من الشباب من أن تغرق في مستنقع الإحباط. إن النضال من أجل الاشتراكية يعني النضال من أجل الثقافة بمعناها الأوسع، لرفع تطلعات الشباب وإعطائهم هدفا لحياتهم أسمى من مجرد الصراع من أجل البقاء في مستويات لا تكاد تعلوا عن الحيوانية. إذا عاملت البشر كحيوانات، فإنهم سيتصرفون مثل الحيوانات. أما إذا ما عاملت البشر كبشر، فإنهم سيتصرفون كذلك.

الاقتطاع من ميزانية التعليم على جميع المستويات، إلغاء المنح الدراسية وفرض الرسوم الدراسية وقروض الدراسة يعني حرمان الشباب أبناء الطبقة العاملة من الحصول على التعليم العالي. وعوض أن يتم تكوينهم بشكل مناسب لكي يخدموا حاجيات المجتمع، وبدل أن يعطى لهم الحق في الوصول إلى الثقافة، يحكم على أغلبية الشباب بحياة الكدح في أعمال شاقة منخفضة الأجور. وفي نفس الوقت يسمح للشركات الخاصة أن تتدخل في التعليم، الذي صار يعامل باعتباره مجرد سوق أخرى لتحقيق الأرباح.

إننا نطالب:

  1. توفير تعليم جيد لجميع الشباب. تطبيق برنامج ضخم لبناء المدارس، ونظام تعليم مجاني حقا على جميع المستويات.
  2. الإلغاء الفوري لرسوم الدراسة وتوفير منحة كافية لجميع الطلاب المؤهلين للدراسات العليا.
  3. توفير منصب شغل كريم بأجور كافية لكل من غادروا المدارس.
  4. وقف سيطرة الشركات الكبرى على التعليم واستغلالها له. فلتخرج الشركات الخاصة من قطاع التعليم!
  5. توفير نواد للشباب، والمكتبات، والمراكز الرياضية، وقاعات السينما، والمسابح، وغيرها من مراكز الاستجمام بتجهيزات جيدة.
  6. تطبيق برنامج لتوفير السكن الاجتماعي للطلاب والأزواج الشباب.

“النزعة العملية”

تعني أزمة الرأسمالية أن الرأسماليين في كل مكان سيعملون على إلقاء كل ثقل الأزمة على كاهل أقل الناس قدرة على تحملها، أي: العمال والبرجوازيون الصغار والعاطلون والعجزة والمرضى. ويتردد بشكل مستمر الزعم القائل بأن هناك أزمة، وبالتالي فإنه لا يمكننا أن نحسِّن بل وحتى نحافظ على مستويات العيش.

إن الزعم القائل بأنه لا توجد أموال لتمويل الإصلاحات مجرد كذبة وقحة. هناك الكثير من الأموال من أجل التسلح وتمويل حروب الاعتداء الإجرامية في العراق وأفغانستان. لكن ليس هناك مال من أجل المدارس والمستشفيات. هناك الكثير من الأموال من أجل الأغنياء، مثلما شاهدنا مع هدية بوش المتواضعة (والتي بلغ مقدارها 700 مليار دولار) لأصحاب الأبناك. لكن ليس هناك من مال من أجل المعاشات أو المستشفيات أو المدارس.

وبالتالي فإن كل المزاعم حول النزعة “العملية” كاذبة. إن مسألة “عملية” تطبيق إصلاح معين من عدمه رهينة بما إذا كان في مصلحة طبقة معينة أم لا. إن كون إصلاح ما “عملي” أم لا (أي ما إذا كان سيدخل حيز التنفيذ أم لا) رهين بالصراع الطبقي وموازين القوى في الواقع. عندما تكون الطبقة السائدة مهددة بخسارة كل شيء، تكون دائما مستعدة لتقديم التنازلات التي “لم يكن في إمكانها تقديمها”. سبق لنا أن شهدنا هذا خلال شهر ماي 1968 بفرنسا، عندما قدمت الطبقة السائدة في فرنسا زيادات كبيرة في الأجور وتحسينات هامة في ظروف العيش وساعات العمل، من أجل وقف الإضراب العام ودفع العمال إلى إخلاء المصانع التي احتلوها.

يمكن للأزمة في البداية أن تسبب الصدمة للجماهير، لكن سرعان ما سوف يتحول ذلك إلى غضب عندما سيدرك الشعب أنهم يطالبونه بأداء ثمن الأزمة. ستحدث تغيرات مفاجئة في الوعي، الذي يمكنه أن يتغير جذريا في غضون 24 ساعة. يمكن لاندلاع حركة ضخمة في بلد استراتيجي واحد فقط أن يتسبب في تغيير الوضع بأسره، مثلما حدث سنة 1968. والسبب الوحيد لعدم حدوث هذا لحد اللحظة هو أن قادة المنظمات العمالية الجماهيرية متخلفون جدا عن الأحداث وعاجزون عن تقديم بديل حقيقي. لكن وبالرغم من ذلك بدأت تظهر منذ الآن مؤشرات عن حدوث تغير.

شهدت جميع أنحاء أوربا مؤخرا اندلاع موجة من الإضرابات العامة والمظاهرات الجماهيرية. في اليونان حدثت تسعة إضرابات عامة منذ صعود حزب “الديمقراطية الجديدة” اليميني إلى السلطة سنة 2004. كما شهدت بلجيكا، خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2008، موجة من الإضرابات الغير رسمية والتي ذكرتنا بسنوات السبعينات. وقد امتدت الحركة بشكل عفوي من قطاع إلى آخر. وخلال شهر مارس من سنة 2008 شُلّت شركة برلين للنقل (BVG) بفعل إضراب طويل وكفاحي نظمه السائقون وعمال الصيانة وموظفو الإدارة. حيث وضع العمال حدا لسنوات من استسلام وخيانة القيادة النقابية. كما خرج آلاف الطلاب إلى الشوارع في إسبانيا، يوم الأربعاء 22 أكتوبر، للاحتجاج ضد مخططات خصخصة التعليم الجامعي وأيضا لمعارضة أي مخطط لجعل العمال يدفعون ثمن أزمة الرأسماليين عبر الاقتطاع من ميزانية التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية.

وفي إيطاليا بدأ الطلاب في التعبئة. حيث بدأ مئات الآلاف من التلاميذ والطلاب، جنبا إلى جنب مع الأساتذة والآباء، يتعبئون في كل أنحاء إيطاليا ضد محاولة برلوسكوني مواصلة خصخصة قطاع التعليم. أدت هذه التعبئة إلى احتلال المدارس والجامعات. وقد ردت الحكومة بالتهديد باستعمال القمع المسلح ضد الطلاب. يوم السبت، 11 أكتوبر، تظاهر 300.000 من العمال والشباب في روما في مظاهرة دعا إليها حزب إعادة التأسيس الشيوعي.

كل هذا يبين أن العمال لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون شروط عيشهم تتعرض للهجوم. كل الشروط متوفرة لحدوث طفرة في حدة الصراع الطبقي. لا يهمنا نحن العمال منطق نظام الربح. إن مهمتنا هي الدفاع عن طبقتنا، وحماية ظروف العيش والرفع من مستويات عيش العمال إلى مستويات حضارية. بما أن هناك أموال لتقديمها للأبناك، فإن هناك أموال لتمويل الإصلاحات التي نحتاجها لجعل المجتمع مكانا مناسبا للعيش!

الدفاع عن الحقوق الديمقراطية!

اعتقد عمال أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، طيلة أكثر من نصف قرن، أن الديمقراطية مكسب ثابت إلى الأبد. لكن هذا مجرد وهم. إن الديمقراطية بناء جد هش، وغير ممكن إلا في البلدان الغنية حيث يمكن للطبقات السائدة أن تقدم بعض التنازلات للجماهير من أجل ثلم حدة الصراع الطبقي. لكن عندما تتغير الأوضاع يمكن للطبقة السائدة في البلدان “الديمقراطية” أن تنتقل إلى الدكتاتورية بنفس السهولة التي ينتقل بها المرء من مقصورة قطار إلى أخرى.

في ظل ظروف احتداد الصراع الطبقي، ستبدأ الطبقة السائدة في التحرك نحو الردة الرجعية. سوف يشتكون من وجود الكثير من الإضرابات والمظاهرات وسيطالبون بفرض “النظام”. قال كوسيغا، الذي كان وزيرا للداخلية عن الحزب الديمقراطي المسيحي سنوات السبعينات، وصار لاحقا رئيسا للجمهورية، وهو الآن سيناتور مدى الحياة، عندما سئل مؤخرا عما ينبغي فعله اتجاه مظاهرات الطلاب:

«اتركوهم يواصلون حركتهم لفترة. أبعدوا قوات البوليس عن الشوارع والجامعات، اخترقوا الحركة بعملاء استفزازيين مستعدين للقيام بأي شيء، واتركوا المتظاهرين حوالي عشرة أيام، حيث يعملون على تحطيم المتاجر وإحراق السيارات ويقلبون المدن رأسا على عقب. آنذاك وبعد أن تكونوا قد كسبتم دعم المواطنين، وتأكدوا من أن تكون أصوات صفارات سيارات الإسعاف أكثر صخبا من صفارات سيارات البوليس، يتوجب على قوات فرض النظام أن تهاجم بقسوة الطلاب وترسلهم إلى المستشفى. لا تعتقلوهم، إذ أن القضاة سيعملون فقط على إطلاق سراحهم فورا؛ فقط اضربوهم واضربوا أيضا الأساتذة الذين يحرضون الحركة».

هذا تحذير بما يمكننا أن نواجهه خلال المرحلة المقبلة لاحتداد الصراع الطبقي في إيطاليا وغيرها من البلدان. في المستقبل، وبسبب ضعف القادة الإصلاحيين، يمكن للبرجوازية، في هذا البلد الأوروبي أو ذاك، أن تنجح في إقامة نوع من الدكتاتورية البونبارتية (الدكتاتورية العسكرية- البوليسية). لكن مثل هذه الأنظمة محكوم عليها، في ظل الظروف المعاصرة، بأن تكون جد هشة، وربما غير قادرة على الاستمرار طويلا.

في الماضي كانت هناك في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، طبقة واسعة من الفلاحين والبرجوازية الصغرى، والتي كانت تشكل القاعدة الجماهيرية للردة الرجعية. لكن ذلك انتهى الآن. في الماضي كان أغلبية الطلاب ينحدرون من أسر غنية ومساندين للفاشية. أما الآن فأغلبية الطلاب يساريين. لقد صارت القاعدة الاجتماعية للردة جد ضئيلة. المنظمات الفاشية صغيرة، بالرغم من أنها قد تكون جد عنيفة، وهو الشيء الذي يعكس ضعفها وليس قوتها. هذا علاوة على أن البرجوازية، وبعد تجربتها مع هتلر، لم يعد لديها الاستعداد لإعطاء السلطة للكلاب المجنونة. إنهم يفضلون الاعتماد على الضباط العسكريين “المحترمين”، واستعمال المجرمين الفاشيين كقوات مساعدة.

لقد بدأت المكتسبات الديمقراطية تتعرض مؤخرا للهجوم في كل مكان. وباستعمال مبرر قانون محاربة الإرهاب، تعمل الطبقة السائدة على إصدار قوانين جديدة للتضييق على الحقوق الديمقراطية. فبعد هجمات 11 شتنبر الإرهابية، اندفع بوش إلى الهجوم تحت راية حماية الأمن القومي. تعمل حكومة بوش على تدمير أسس النظام الديمقراطي الذي شيدته الثورة الأمريكية، ويتجه نحو حكم متحرر من الكوابح القانونية. وقد تم تطبيق إجراءات مشابهة في بريطانيا وغيرها من البلدان.

سنواصل النضال من أجل الدفاع عن جميع الحقوق الديمقراطية التي حققتها الطبقة العاملة في الماضي. ونحن نناضل بالخصوص للدفاع عن الحق في الإضراب والتظاهر، ونعارض كل القيود المفروضة على النقابات. يجب أن يكون للجميع الحق في الالتحاق بالنقابات والاتحاد مع باقي العمال من أجل الدفاع عن حقوقهم. إن المدافعين عن الرأسمالية غالبا ما يعارضون الاشتراكية بالديمقراطية. لكن نفس هؤلاء الناس الذين يجرئون على اتهام الاشتراكيين بكونهم “معادين للديمقراطية”، ويصورون أنفسهم باعتبارهم مدافعين عن الديمقراطية، كانوا دائما أشد أعداء الديمقراطية شراسة. إنهم يتناسون أن هذه الحقوق الديمقراطية التي نتمتع بها اليوم جاءت ثمرة نضال طويل وقاس خاضته الطبقة العاملة ضد الرأسماليين الذين عارضوا بحزم جميع المطالب الديمقراطية.

نحن الطبقة العاملة مهتمون بالديمقراطية لأنها توفر لنا أفضل الظروف لتطوير النضال من أجل الاشتراكية. لكننا نعلم جيدا أن الديمقراطية في ظل الرأسمالية ستبقى ذات طبيعة محدودة، وأحادية الجانب، وزائفة. كيف يمكن الاستفادة من حرية الإعلام بينما كل الشركات الصحفية الكبرى والجرائد والقنوات التلفزية، وقاعات الاجتماع والمسارح، محتكرة من طرف حفنة من الأغنياء؟ طالما بقيت الأرض والأبناك والاحتكارات الكبرى في يد الأقلية، فإن كل القرارات الهامة والتي تؤثر على حياتنا سيتم اتخاذها، ليس من طرف البرلمانات والحكومات المنتخبة، بل من وراء الأبواب المغلقة في مجالس إدارة الأبناك والشركات الاحتكارية الكبرى. وقد أوضحت الأزمة الحالية هذا الواقع للجميع.

إن الاشتراكية إما أن تكون ديمقراطية أو لا تكون. إننا ندافع عن الديمقراطية الحقيقية حيث سيمكن للشعب أن يأخذ مهمة تسيير الاقتصاد والمجتمع والدولة بين يديه. ستكون تلك ديمقراطية حقيقية، على عكس الصورة الكاريكاتورية عن الديمقراطية التي لدينا الآن والتي في ظلها يمكن للجميع (إلى هذا الحد أو ذاك) أن يقولوا ما يريدون، بينما القرارات الأكثر أهمية والتي تؤثر على حياتنا، تتخذ وراء الأبواب المغلقة، من طرف مجموعات صغيرة غير منتخبة في مجالس إدارة الأبناك والشركات الاحتكارية الكبرى.

إننا نطالب بما يلي:

  1. الإلغاء الفوري لجميع القوانين المعادية للنقابات.
  2. حق جميع العمال في الالتحاق بالنقابات، والإضراب والاعتصام والتظاهر.
  3. حق التعبير والتنظيم.
  4. لا للقيود ضد الحقوق الديمقراطية تحت مبرر ما يسمى بقوانين محاربة الإرهاب!
  5. يجب على المنظمات العمالية أن ترفض الفكرة الخاطئة حول “الوحدة الوطنية” مع الحكومات والأحزاب الرأسمالية تحت مبرر الأزمة. إن هؤلاء هم المسئولون عن الأزمة وهم يريدون تقديم الفاتورة للطبقة العاملة لكي تدفعها.

عالم آخر ممكن- عالم الاشتراكية

خلال مرحلة الازدهار، يقول بعض المغرر بهم إن تقدم العلوم هو المشكلة. يظنون أننا سنكون أكثر سعادة بجلوسنا مكدسين في أكواخ من الطين واستغراقنا في العمل الشاق في الحقول من الفجر حتى الغسق. هذه حماقة. إن الطريق إلى تحقيق القدرة الحقيقية على تطوير إمكانات الرجال والنساء على نحو كامل يتمثل بالتحديد في تطوير الصناعة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا إلى أقصى الحدود. إن المشكلة تتمثل في كون وسائل تحقيق التقدم البشري محتكرة بين أيدي أفراد يجعلونها رهينة بمصلحتهم في السعي نحو الربح، ويحرفون مسارها، ويحدون من إمكانيات تطبيقها، ويعرقلون تطورها. من الواضح أنه كان في إمكان العلم ومنذ زمن طويل أن يكتشف علاجا لمرض السرطان أو يعثر على بدائل رخيصة ونظيفة للوقود الأحفوري لو لم يكن مقيدا بالسلاسل إلى عربة الربح.

لن يكون في مستطاع العلم والتكنلوجيا أن يحققا إمكانياتهما الجبارة إلا إذا تم تحريرهما من قيود اقتصاد السوق التي تخنقهما ووضعهما في خدمة البشرية، في ظل نظام إنتاج ديمقراطي وعقلاني، مبني على خدمة حاجة المجتمع ككل وليس خدمة الربح. سوف يمكننا ذلك من تقليص ساعات العمل إلى أدنى الحدود، وبالتالي تحرير الرجال والنساء من عبودية الكدح ساعات طويلة، وتمكينهم من تطوير الإمكانات البدينة والعقلية والروحية التي يمتلكونها. ستكون تلك قفزة البشرية من “مملكة الحاجة إلى مملكة الحرية”.

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، انتابت المدافعين عن النظام القديم موجة من الفرح. صاروا يتحدثون عن نهاية الاشتراكية، بل وحتى نهاية التاريخ. ووعدونا بعصر جديد من السلام والرفاه والديمقراطية، بفضل معجزات اقتصاد السوق الحرة. الآن، وبعد خمسة عشر سنة فقط، تحولت كل تلك الأحلام إلى كومة من الرماد. ولم يتبق حجر على حجر في صرح هذه الأوهام. إن المشاكل الجدية تتطلب اتخاذ إجراءات جدية. فليس من الممكن علاج السرطان بحبة الإسبرين! إن المطلوب هو إجراء تغيير حقيقي للمجتمع. المشكل الجوهري هو وجود النظام الرأسمالي نفسه. وقد تبين خطأ المحللين الاقتصاديين الذين كانوا يزعمون أن ماركس مخطأ وأن الأزمات الرأسمالية صارت من الماضي (“النموذج الاقتصادي الجديد”)

كانت لفترة الازدهار الماضية كل مميزات الدورة الاقتصادية التي وصفها ماركس منذ زمن بعيد. وقد وصل مسلسل تركز الرأسمال أبعادا مذهلة. كانت هناك فورة في عمليات استيلاء الشركات على بعضها وارتفاع الميل نحو الاحتكارات أكثر من أي وقت مضى، وبلغت نسبا لم يسمع بها من قبل. لم يؤد هذا إلى تطوير القوى المنتجة كما كان الحال في الماضي. وأغلقت المصانع كما لو أنها علب أعواد الثقاب وطرد آلاف الناس من عملهم. والآن سيعرف هذا المسلسل تسريعا في وتيرته، مع ارتفاع عدد حالات الإفلاس والإغلاق يوما بعد يوم.

ماذا يعني كل هذا؟ إن هذا يعني أننا نشهد احتضار نظام اجتماعي لا يستحق الحياة، لكنه يرفض أن يموت. وهذا ليس غريبا، فكل التاريخ يبين أنه لم تتخل أية طبقة سائدة عن سلطها وامتيازاتها بدون صراع. هذا هو التفسير الحقيقي للحروب والإرهاب والعنف والموت، التي تعتبر أهم مميزات المرحلة التي نعيشها. لكننا نشهد أيضا آلام مخاض مجتمع جديد، مجتمع جديد وعادل، عالم ملائم لعيش الإنسان. فعبر كل هذه الأحداث الدموية التي تجتاح بلدان العالم الواحد منها بعد الأخرى، تنشأ قوة جديدة، قوة العمال والفلاحين والشباب الثورية.

جورج بوش مجنون بالقوة ويعتقد أن هذه القوة بدون حدود. ومع الأسف هناك بين صفوف اليسار من يعتقدون نفس الشيء. لكنهم مخطئين. هناك موجة ثورية تجتاح أمريكا اللاتينية. وقد كانت الثورة الفنزويلية زلزالا أدى إلى حدوث ارتدادات عبر كل القارة: إن الحركة الجماهيرية في أمريكا اللاتينية هي الرد النهائي على كل هؤلاء الذين زعموا أن الثورة لم تعد ممكنة. إن الثورة ليست ممكنة فحسب، بل إنها ضرورة ملحة، إذا ما أردنا إنقاذ العالم من الكارثة المحدقة.

ملايين البشر بدءوا يتحركون. وقد دفعت المظاهرات الحاشدة ضد حرب العراق بملايين الأشخاص إلى الشوارع. لقد كان ذلك مؤشر عن بداية استيقاظ الجماهير. لكن تلك الحركة كانت مفتقدة لبرنامج منسجم لتغيير المجتمع. لقد حان وقت كنس الكلبيين والمتشائمين عن طريقنا والتقدم إلى الأمام. إن الجيل الجديد يريد النضال من أجل تحرره، إنه يتطلع إلى راية وبرنامج وفكرة يمكنها ان تلهمه وتقوده إلى النصر. وهي الراية والبرنامج والفكرة التي لا يمكن أن تكون سوى راية وبرنامج وفكرة النضال من أجل الاشتراكية على الصعيد العالمي. إن الخيار المطروح أمام الجنس البشري هو الاشتراكية أو الهمجية.

من أجل الولايات الأوربية الاشتراكية المتحدة!

إن الإمكانيات الإنتاجية التي تمتلكها أوربا هائلة. فبساكنتها البالغ عددهم 497 مليونا، والدخل البالغ 32,300 دولار للفرد، تعتبر أوربا قوة عظيمة، يمكنها أن تتحدى قوة الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذه الإمكانية لن تتحقق أبدا في ظل الرأسمالية. ولقد انكسرت كل المحاولات الرامية إلى تطوير الوحدة الأوربية على صخرة المصالح الوطنية المتصارعة. وسيدفع الركود إلى تعميق هذه الانقسامات وطرح علامة استفهام حول مستقبل الاتحاد الأوربي نفسه.

كان تشكيل الاتحاد الأوربي قبولا ضمنيا بحقيقة أنه من المستحيل حل مشاكل الاقتصاد في إطار الحدود الضيقة للسوق الوطنية. لكن على أساس الرأسمالية لا يمكن أبدا تحقيق الوحدة الأوروبية. في ظل الأزمة، تظهر على السطح التناقضات الموجودة بين رأسماليي مختلف الدول الوطنية. وقد كشفت الأزمة الحالية خطوط الصدع الخفية وفضحت عقم كل الغوغائية حول الوحدة الأوروبية. وعلى الرغم من تأكيدات السيد ساركوزي، فإن العلاقات بين الزعماء الأوروبيين قد توترت بشدة، حتى بين زعماء فرنسا وألمانيا، البلدان الرئيسيان في الاتحاد الأوروبي.

لقد أخذ إعلان الحكومة الألمانية الأحادي الجانب بتكفل الحكومة بضمان ودائع الأبناك الألمانية الخاصة البالغة تريليون دولار، باقي الحكومات الأوربية الأخرى على حين غرة، وبدا أنها ستدوس على تعهدات التعاون الأوروبي التي قدمت سابقا في قمة باريس المصغرة بين الزعماء الفرنسيين والبريطانيين والألمان والإيطاليين. لقد هددت هذه الخطوة الألمانية بسحب الودائع من مصارف البلدان الأخرى. فأصيبت البلدان الأخرى بالغضب. لكن ما هو الفرق بين هذا وبين إعلان الحكومة الايرلندية أنها ستكفل جميع ديون بنوكها الرئيسية الستة لمدة سنتين، أو وعود الحكومة البريطانية المتكررة بأنها ستتخذ “جميع التدابير الممكنة” لحماية المدخرين، أو تعهد ساركوزي بأن المدخرين الفرنسيين الخواص لن يخسروا ولو “أورو واحد”؟

لقد أظهر هذا التحرك نفاق المفوضية الأوروبية، التي تتصدى للخطوة الايرلندية، بينما صرحت في وقت لاحق أنها لا ترى مشكلة في “وعد ” برلين. ما هو الفرق بين ايرلندا وألمانيا؟ الفرق هو فقط أن ايرلندا بلد صغير وألمانيا بلد كبير، وهو علاوة على ذلك يسيطر على مفاتيح خزانة أموال الاتحاد الأوربي. ولقد تم تقديم ضمانات مماثلة من عدد من حكومات الاتحاد الأوربي الأخرى، بما في ذلك السويد والنمسا والدنمرك والبرتغال، لمنع فرار المدخرين إلى البنوك الألمانية (أو الأيرلندية).

في الواقع تسعى كل حكومة وطنية إلى وضع مصالحها في المقدمة. وبمجرد ما تواجههم الأزمة تصعد كل الشكوك المتبادلة بين حكومات الاتحاد الأوروبي إلى السطح، يجب على كل حكومة أن تبذل جهدها للتعامل مع الرعب القادم من وراء المحيط الأطلسي إلى المؤسسات المالية الأوروبية. وقد وجدت واشنطن بحكومة واحدة ونظام سياسي واحد، من الصعب عليها بما يكفي التعامل مع أزمة الائتمان العالمية. أما الاتحاد الأوروبي فيمتلك عملة واحدة وسوق واحدة، لكنه مشكل من سبعة وعشرين حكومة ويفتقد نظاما شاملا للرقابة المصرفية أو للإدارة الاقتصادية.

من المستحيل توحيد اقتصادات يجذب كل واحد منها في اتجاهات مختلفة، والحكومات الأوروبية تدفع الثمن لإنشاء عملة موحدة دون مؤسسات أو نظام رقابة لإدارة اقتصاد موحد. خلال المرحلة المقبلة ستصعد النزعات الحمائية لا محالة إلى السطح. ومحاولات الحكومات استقطاب مليارات الأورو من المدخرات من بلدان أخرى تشكل استباقا لـ”سياسة سرقة الجار” التي يمكن أن نتوقع تزايدها مع تفاقم الأزمة.

قال المستشار المالي لدى البرلمان الأوربي، سيلفستر إيفنغر، من جامعة تيلبورغ: “هذه دعوة للاستيقاظ. في البداية كان لدينا التكامل الاقتصادي، ثم كان التكامل النقدي. لكننا لم نطور أبدا التكامل السياسي والتنظيمي الموازي الذي من شأنه أن يسمح لنا بأن نواجه أزمة مثل تلك التي نواجهها اليوم. ” هذا هو التوتر الحاصل بين الدول القومية والذي يمكن أن يضع وجود عملة الأورو نفسها موضع تساؤل في الفترة القادمة. ليس من المستبعد أن يتعرض الاتحاد الأوروبي إلى التفكك، أو على الأقل حدوث تغييرات جذرية في هياكله وتقلص الاتحاد الأوروبي إلى ما يزيد قليلا عن اتحاد جمركي فضفاض.

إن الاتحاد الأوربي هو في الحقيقة ناد رأسمالي تهيمن عليه المصارف والاحتكارات الكبرى للدول الأعضاء. ويتم التعامل مع الأعضاء الجدد، أي دول أوروبا الشرقية، كمنجم لليد العاملة الرخيصة، مع “الأسعار” الأوروبية والأجور “الشرقية”. كما أن الاتحاد الأوربي، من ناحية أخرى، هو كتلة إمبريالية يستغل المستعمرات الأوروبية السابقة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا ومنطقة الكاريبي. إنه ليس اتحادا تقدميا على الإطلاق. إن السبيل الوحيد لتحقيق الإمكانيات التي تتوفر عليها أوروبا يمر من خلال إنشاء فدرالية اشتراكية، من شأنها أن تدمج القوى المنتجة في أوروبا في إطار خطة مشتركة. سوف يقترن ذلك بالحد الأقصى من الحكم الذاتي لجميع شعوب أوروبا، بما في ذلك إقليم الباسك، وبرشلونة، وأسكتلندا وويلز وجميع القوميات والأقليات القومية واللغوية الأخرى. وستضع الأساس للتوصل إلى تسوية سلمية وديمقراطية للمسألة القومية في بلدان مثل ايرلندا وقبرص. سوف تتشكل الفدرالية الاشتراكية على أساس طوعي تماما مع المساواة التامة لجميع المواطنين.

إننا نطالب بما يلي:

  1. لا لأوربا البيروقراطيين والأبناك والشركات الاحتكارية!
  2. من أجل مصادرة الأبناك والشركات الاحتكارية وخلق خطة إنتاج اشتراكية متكاملة وديمقراطية.
  3. وقف جميع أشكال التمييز ضد المهاجرين، والنساء والشباب. أجر متساوي لقاء عمل متساوي!
  4. من أجل تطوير العلاقات بين المناضلين النقابيين على الصعيدين الأوربي والعالمي. من أجل جبهة عمالية كفاحية ضد الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات!
  5. من أجل الولايات الأوربية الاشتراكية المتحدة!

أوربا الشرقية وروسيا والصين

اندلاع الركود الاقتصادي في أوروبا الغربية يزيد من تفاقم المشاكل التي تعاني منها ما تسمى بالاقتصاديات الناشئة في أوروبا الشرقية، حيث يبيع المستثمرون الأصول الخطرة ويرحلون إلى وجهات أكثر أمنا. سوف تدفع الاقتصاديات الضعيفة نسبيا في أوروبا الشرقية ثمنا باهظا نظير انخراطها في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. ومن المتوقع حدوث انخفاض حاد في النمو وزيادة في الفقر في روسيا وأوكرانيا ورومانيا. وبالرغم من النمو الذي تشهده بعض مناطق أوروبا الشرقية، فمن المتوقع أن يسجل النمو في الناتج الوطني الإجمالي بالنسبة للفرد في المنطقة ككل، صفر.

تستعد هنغاريا لـ “واقع الركود”، وهي تتوقع، وفقا لتصريح رئيس الوزراء فيرينك جيوركساني، حدوث انكماش في الناتج الوطني الإجمالي خلال العام القادم. كانت الحكومة تتوقع نمو الناتج الوطني الإجمالي بنسبة 3 % سنة 2009 عندما طرحت للمرة الأولى ميزانية العام المقبل. وهي الآن أنها تواجه اقتطاعات عميقة وارتفاع معدل البطالة. لقد جاءت الأزمة المالية بعد سنتين فقط من قيام جيوركساني بفرض زيادات ضريبية وتخفيضات في وظائف القطاع العام ودعم أسعار الطاقة من أجل تقليص عجز الميزانية الذي يعتبر الأكبر في الاتحاد الأوروبي.

اضطرت الحكومة الهنغارية للحصول على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات أورو من البنك المركزي الأوروبي. إن هنغاريا التي استنزفتها الأبناك الدولية، ستضطر إلى خفض الإنفاق العام من أجل خفض العجز في الميزانية. وكما هو الحال دائما، سيكون العمال والفلاحون هم من سيدفعون الثمن. تقترح الحكومة تجميد الأجور وإلغاء العلاوات للعاملين في القطاعين العام وتخفيض المعاشات التقاعدية لخفض عجز الموازنة إلى 2.6 % من الناتج الوطني الإجمالي، وليست بولندا وغيرها من بلدان أوروبا الشرقية بعيدة جدا عن هنغاريا.

لقد انضمت شعوب أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي على أمل التمتع بنفس مستويات المعيشة التي رأتها في ألمانيا وفرنسا. لكن سرعان ما اتضح أنها مجرد أوهام كاذبة. لقد تمكنت أقلية صغيرة من الاغتناء عبر نهب ممتلكات الشعب من خلال صفقات الخصخصة المخادعة. لكن غالبية البولنديين والتشيك والسلوفاك والهنغار لم يحصلوا على أية فائدة من العودة إلى الرأسمالية. فخلال فترة الازدهار كانوا مستغلين كعمالة رخيصة في الدول الأكثر ثراء، والآن تقف بلدان أوروبا الشرقية على حافة الإفلاس. وسوف يؤدي الانهيار الاقتصادي في أوروبا الشرقية إلى تباطؤ اقتصاديات النمسا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى المعرضة للخطر.

تعتبر منطقة البلقان أكثر مناطق أوربا تضررا من إعادة الرأسمالية. كان تفكيك أوصال يوغوسلافيا عملا إجراميا، مما أدى إلى سلسلة من الحروب بين الأشقاء، والإرهاب والقتل الجماعي والإبادة الجماعية. ترتبت عن هذا الوضع الرهيب آثار كارثية بالنسبة لملايين من الناس الذين كانوا يتمتعون سابقا بمستوى عيش جيد وبالسلام والتشغيل الكامل. والآن يتطلع الكثير من الناس بحنين إلى يوغوسلافيا القديمة. لم تجلب الرأسمالية لهم شيئا سوى الحرب والبؤس والمعاناة.

ليست الحالة التي تواجه روسيا أفضل بكثير. بل إن التناقض هنا هو أكثر تجليا مما هو عليه في أوروبا الشرقية. لم تفد إعادة الرأسمالية الغالبية العظمى من مواطني الاتحاد السوفيتي السابق. لقد أوجدت أوليغارشية فاحشة الثراء، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعصابات الإجرامية. لكنها تشكل أقلية ضئيلة. بالنسبة للملايين من الروس، لم يحمل لهم العقدان الماضيان سوى البؤس والجوع والمعاناة والذل. حملا لهم انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، التي كانت مجانية لجميع المواطنين في زمن الاتحاد السوفيتي، فضلا عن انهيار الثقافة، وانتشار الفقر وعدم المساواة.

اعتقد الناس لفترة من الوقت أن الأسوأ قد انتهى، وأن الاقتصاد بدأ يتعافى من أعمق فترة الركود شهدتها مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن روسيا تواجه الآن أسوأ أزمة مالية منذ انهيار 1998. وقد دفع انخفاض سعر النفط، الذي يعكس تراجع الطلب العالمي، بالاقتصاد إلى الأزمة. تبخر مزاج التفاؤل في موسكو بعد الانهيار الحاد الذي شهدته البورصة، التي تعين إغلاقها بسبب الاضطراب الشديد الذي عرفته. إن الرأسمالية الروسية كوخ من ورق. وتعبر الأزمة عن نفسها عبر الانخفاض في حجم عمليات البناء، والقيود المفروضة على فتح خطوط ائتمانية جديدة للشركات الخاصة.

لقد أجبرت الأزمة الحكومة على إتباع نفس الطريق الذي سارت عليه حكومتا واشنطن ولندن، بإنفاق ملايير الدولارات من المال العام لإنقاذ الشركات الخاصة. وقد تم تخصيص أكثر من 200 مليار دولار على شكل قروض وتخفيضات ضريبية وغيرها من التدابير. لكن المواطنين الروس العاديين سيتساءلون لماذا يجب استخدام المال العام لإنقاذ الأوليغارشية التي راكمت الثروات عبر نهب الدولة في الفترة الماضية. وإذا كان من المفترض أن تكون المؤسسات الخاصة والسوق الحرة متفوقة على الاقتصاد المخطط المؤمم، فلماذا القطاع الخاص بحاجة الآن إلى أن يكون مدعوما من الدولة؟

إن الوضع أكثر سوءا في الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى، مثل أوكرانيا، حيث يرافق الفقر انعدام الاستقرار السياسي، والفساد والفوضى. لقد شكلت عودة الرأسمالية كارثة بكل المقاييس لشعوب القوقاز وآسيا الوسطى. تعيش جورجيا وأرمينيا وأذربيجان في حالة حرب دائمة، ويتوجب على الجماهير تحمل عبئ الإنفاق العسكري الثقيل. الإرهاب ينتشر من الشيشان المحتلة إلى الجمهوريات الأخرى، وتهدد الحرب الدائرة في أفغانستان بزعزعة استقرار ليس باكستان وحدها فقط بل كل آسيا الوسطى.

هناك مثل قديم يقول: “الحياة تعلم”. والكثير من الناس في روسيا وأوكرانيا وأوروبا الشرقية يقولون: كانت لدينا مشاكل من قبل، لكن كان لدينا على الأقل التشغيل الكامل، والحق في المسكن والصحة والتعليم المجانيين. أما الآن فإن هذه البلدان تواجه البطالة والخراب الشامل. وشعوب القوقاز أبعد ما تكون عن عودة السلام والاستقرار. لا أحد يرغب في العودة إلى البيروقراطية والديكتاتورية الشمولية، لكن نظاما اشتراكيا حقيقيا، مثل نظام الديمقراطية العمالية الذي شيده لينين وتروتسكي بعد ثورة أكتوبر، لا يشترك في أي شيء مع الدكتاتورية الستالينية البشعة التي نشأت بعد وفاة لينين.

لقد كان صعود الستالينية نتيجة لعزلة الثورة في ظل ظروف التخلف الشديد. لكن الآن، وعلى أساس هذه الصناعة المتطورة والعلوم والتكنولوجيا التي تراكمت على مدى السنوات التسعين الماضية، تمت تهيئة الظروف الموضوعية لتقدم سريع نحو الاشتراكية. إن المطلوب هو إقامة فدرالية اشتراكية طوعية سيكون الاقتصاد في ظلها في يد الدولة، وستكون الدولة تحت الرقابة الديمقراطية للعمال والفلاحين. لكن الشرط المسبق لذلك هو مصادرة أملاك الأوليغارشية والأبناك والرأسماليين.

سيكون لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي تأثير كبير على الاقتصاد الصيني. إن النمو الاقتصادي الصيني يعتمد اعتمادا كبيرا على الصادرات وفي ذروة الطفرة الأخيرة بلغ معدل النمو السنوي للصادرات نسبة 38 % (في الربع الثالث من عام 2003). أما الآن فقد انخفض الرقم الفصلي الأخير إلى حوالي 2 %، ومعها شهدنا أيضا تباطؤا حادا في طلبيات التصنيع خلال الأشهر القليلة الماضية. والآن يناقش المحللون البرجوازيون الجديون ما إذا كان الإنتاج الصيني سيعرف “تباطؤا تدريجيا” أو “انهيارا حادا مفاجئا”.

توقع ستيفن غرين، الخبير في الاقتصاد الصيني في بنك ستاندرد تشارترد، أن الصادرات قد تتراجع إلى “الصفر أو أن تكون حتى سلبية” بحلول العام القادم. ويبين تقرير أخير لشركة جي بي مورغان تشيس (JP Morgan Chase) إلى أي حد أصبحت الصين مرتبطة بإحكام بالاقتصاد العالمي، حيث قال بانخفاض الصادرات الصينية بنسبة 5.7 % مقابل كل تراجع بواحد في المائة يشهده النمو الاقتصادي العالمي. وهذا ما سيؤدي إلى إغلاقات كثيفة للمصانع في كل أنحاء الصين مع رمي ملايين العمال إلى البطالة.

في عام 2007 بلغ النمو 12 %، وفي عام 2008 تباطأ بالفعل ليصل إلى 9 % ويمكنه أن يشهد المزيد من الانخفاض. في منطقة هونغ كونغ يمكن لأكثر من مليوني عامل أن يفقدوا وظائفهم في الأشهر القليلة المقبلة. ويتزامن هذا مع انفجار فقاعة الإسكان مع انخفاض أسعار المنازل بصورة حادة، الشيء الذي ترك العديد من العائلات الصينية بقيم سلبية، أي برهن عقاري تبلغ قيمته أكثر من المنازل التي اشتروها. لهذا الواقع تأثير على السوق المحلية. وجاء رد فعل الحكومة الصينية على شكل خطة اقتصادية لتحفيز النمو.

يحتاجون إلى الحفاظ على النمو فوق 8 % للحفاظ على درجة معينة من الاستقرار الاجتماعي. صحيح أن الصين التي راكمت احتياطيات ضخمة، لكن هذا لن يعوض عن فقدان الأسواق الخارجية مع غرق الاقتصاد العالمي في المزيد من الركود. ونتيجة لذلك بدأت الاضطرابات العمالية تنتشر، وقد بدأنا نشهد بالفعل موجة من الاحتجاجات للمطالبة بالأجور، مصاحبة بوضع الحواجز على الطرق والمتاريس في المصانع. كما هو الحال في روسيا وأوروبا الشرقية، ستكون هناك حتى في الصين، ردة فعل عنيفة ضد الرأسمالية. إن الأفكار الماركسية ستكسب المواقع، ممهدة الطريق لحركة جديدة لا تقهر نحو الاشتراكية.

إننا نطالب بما يلي:

  1. بوقف الخصخصة والتخلي عن اقتصاد السوق.
  2. فلتسقط الأوليغارشية والأثرياء الجدد! من أجل إعادة تأميم الشركات المخصخصة بدون تعويض.
  3. من أجل ديمقراطية عمالية!
  4. فلتسقط البيروقراطية والفساد! يجب على النقابات أن تدافع عن مصالح العمال!
  5. يجب على الأحزاب الشيوعية أن تدافع عن سياسات شيوعية! من أجل العودة إلى برنامج ماركس ولينين!
  6. من أجل إعادة تطبيق احتكار الدولة على التجارة الخارجية!

أزمة “العالم الثالث”

إن الأزمة الحالية سوف تضرب بشكل أشد ولا شك البلدان الفقيرة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية. حتى خلال فترة ازدهار لم تستفد الأغلبية الساحقة سوى النزر اليسير أو لم تستفد أصلا. كان هناك استقطاب شديد بين الأغنياء والفقراء في جميع البلدان. حيث يمتلك 2 % من سكان العالم الآن أكثر من نصف الثروة العالمية، بينما يعيش مليار ومائتا مليون من الرجال والنساء والأطفال في ظروف الفقر المدقع، ويموت ثمانية ملايين شخص بسبب الفقر كل عام. كان هذا أفضل ما يمكن للرأسمالية أن تقدمه في فترة الازدهار. ماذا سيحدث الآن؟

بالإضافة إلى انهيار الصادرات، الذي سيمس جميع السلع (باستثناء الذهب والفضة)، بما في ذلك النفط، تواجه تلك البلدان ارتفاع تكاليف المواد الغذائية، الذي يعود في جزء كبير منه إلى المضاربة. وقد حذر تقرير أصدره مؤخرا بنك أنترأمريكانو (Banco Interamericano) من أن ارتفاع تكاليف المواد الغذائية سيدفع 26 مليون شخص في أمريكا اللاتينية إلى الفقر المدقع. كما حذر رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، من أن سكان العالم الأكثر فقرا سيواجهون “الخطر الثلاثي” المتمثل في نقص الغذاء والوقود والمال : “لا يمكن مطالبة الناس الأكثر فقر بدفع الأسعار الأعلى. وتشير تقديراتنا إلى أن 44 مليون شخص إضافي سيعانون من سوء التغذية هذا العام نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية. لا يمكننا أن ندع أزمة مالية تصير أزمة إنسانية.” هذه كلمات الجميلة، لكن وكما يقول المثل، الكلمات لا تشتري خبزا.

سوف يتزايد الفقر والجوع في العالم نتيجة للأزمة المالية العالمية وسياسات “التقويم الهيكلي” الرأسمالية التي يمليها صندوق النقد الدولي. هذا هو الاستنتاج الحتمي الذي جاء في آخر تقرير عن الفقر في العالم الذي أصدره البنك العالمي. وجد البنك العالمي أن عدد الأشخاص المجبرين على العيش بأقل من دولار في اليوم آخذ في الازدياد، ويمكن أن يصل إلى 1.5 مليار شخص بحلول نهاية هذا العام. وقد سقط حوالي 200 مليون شخص في الفقر المدقع منذ آخر إحصاء جرى عام 1993. ومن المتوقع أن يكون نمو الناتج الوطني الإجمالي للفرد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلبيا. وفي تلخيصه للوضع قال مدير البنك العالمي لتخفيض الفقر والإدارة الاقتصادية، مايكل والتون: “إن الصورة العامة التي تبرز في نهاية عقد التسعينات هي صورة تقدم متعثر نتيجة لأزمة شرق آسيا، وارتفاع أعداد الفقراء في الهند، ومواصلة ارتفاع عدد الفقراء في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتدهور حاد في أوروبا وآسيا الوسطى. ”

في إندونيسيا وحدها، ارتفعت نسبة السكان المجبرين على العيش بأقل من دولار في اليوم من 11 % سنة 1997 إلى 19.9 % سنة 1998، مما يعني زيادة قدرها 20 مليونا في صفوف “الفقراء الجدد”، أي ما يعادل سكان بلد مثل استراليا. في كوريا الجنوبية، ارتفعت حالات الفقر في المناطق الحضرية من 8.6 % سنة 1997 إلى 19.2 % سنة 2007. كما ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون دون مستوى دولار واحد في اليوم في الهند من حوالي 300 مليون، أواخر عقد الثمانينات، إلى 340 مليون. وتظهر البيانات الصادرة حديثا عن ركود الأجور في الريف زيادة أخرى في معدلات الفقر في ذلك البلد. كان هذا مع اقتصاد مزدهر يسجل معدلات نمو تقارب 10 % سنويا. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن النمو الاقتصادي قد بدأ يتجه بالفعل نحو التوقف. في شهر غشت 2008 كان النمو الصناعي يساوي 1.3 % سنويا، وهو المعدل البائس مقارنة مع النمو في العام السابق والذي كان يساوي أكثر من 10 %.

يطالب صندوق النقد الدولي الدول الفقيرة بفتح أسواقها لدخول الرساميل الدولية. ويطالب بالتخفيض من الإنفاق الحكومي، وإلغاء الإعانات على المواد الغذائية وغيرها من السلع الاستهلاكية الشعبية وخصخصة المؤسسات العمومية. الهدف المعلن لهذه الإجراءات هو تعزيز “النمو الاقتصادي المستدام.”، لكن هذا يعني في الواقع تدمير الصناعات والزراعة الوطنيتين والزيادة الحادة في معدلات البطالة والفقر.

وجدت دراسة حديثة أن هناك انتقال صاف للمدفوعات تبلغ أكثر من مليار دولار من الحكومات الإفريقية إلى صندوق النقد الدولي بين عامي 1997 و 1998. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التسديدات، واصل مجموع الديون الأفريقية في الارتفاع، حيث ارتفع بنسبة 3 %. وفي حين أن البلدان الأفريقية في حاجة ماسة إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، والتعليم، والصرف الصحي، تجبرها سياسات التقويم الهيكلي، التي يفرضها صندوق النقد الدولي، على خفض الإنفاق على هذه القطاعات، ويشهد الإنفاق على التعليم بالنسبة للفرد تراجعا في الواقع بين عامي 1986 و1996.

مأساة “العالم الثالث” هي من صنع الإنسان. لا يوجد أي شيء قدري بخصوص هذا الموضوع. في الواقع، ليست هناك حاجة لأن يجوع أي أحد في العقد الأول من القرن 21. كان يمكن للأموال التي منحت للبنوك أن تحل مشكلة الجوع في العالم، وإنقاذ حياة ملايين البشر. وفي يونيو 2008، طلبت منظمة الأغذية العالمية 30 مليار دولار لتنمية الزراعة والحيلولة دون حدوث نقص الغذاء في المستقبل. لكنها لم تتلق سوى سبعة مليارات دولار ونصف، تدفع خلال أربع سنوات، مما يعني حوالى 1.8 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل دولارين في اليوم لكل شخص يتضور جوعا.

جرت العادة في الغرب على تصوير “الحل” لمشاكل هذه البلدان في شكل مساعدات. والبلدان “الغنية” مطالبة بتقديم المزيد من الأموال للبلدان “الفقيرة”. ولكن في المقام الأول، لا تمثل المبالغ الضئيلة من ما يسمى بالمساعدات سوى جزء صغير جدا من الثروة التي تنهب من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ثانيا، كثيرا ما يتم ربط هذه المساعدات بالمصالح التجارية أو العسكرية أو الدبلوماسية للبلدان المانحة، وبالتالي تمثل وسيلة لزيادة تبعية الأمم المستعمرة سابقا لأسيادها السابقين.

وعلى أية حال، فإنه من غير المقبول أن يتم تحويل بلدان ذات موارد هائلة إلى باحثة عن الصدقة مثل متسولين يهرولون لالتقاط الفتات المتساقط من مائدة الأغنياء. إن الشرط المسبق لتحرر تلك البلدان هو كسر هيمنة الامبريالية والإطاحة بسيادة الحكام المحليين الفاسدين الذين ليسوا أكثر من السماسرة المحليين للإمبريالية والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات. فلا المساعدات ولا الصدقة بل فقط التغيير الجذري في المجتمع هو الجواب على الفقر في العالم.

في كثير من البلدان، وبعد سنوات من اليأس والإنهاك، بدأت الطبقة العاملة تسلك طريق النضال، ولا يزال كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاضطهاد الإسرائيلي مستمرا. لكن الطبقة العاملة الجبارة في بلدان مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر هي التي تحمل مفتاح المستقبل. في مصر، شهدنا موجة من الإضرابات وعمليات احتلال المصانع ضد الخصخصة ودفاعا عن مناصب الشغل، بما في ذلك الإضراب الناجح المصاحب باحتلال المصنع الذي نظمه أكثر من 20،000 عامل في مجمع نسيج المحلة. ويسير العمال الإيرانيون بدورهم على هذه الخطوات. حيث كانت هناك موجة من الإضراب الكبيرة، التي شملت قطاعات كثيرة من الطبقة العاملة: عمال حافلة، وعمال أحواض بناء السفن والسكك الحديدية والمنسوجات، وعمال مصنع السكر هفت- تابه (Haft-Tapeh) والنفط وغيرها من القطاعات. يمكن لهذه الإضرابات أن تنطلق على أساس مطالب اقتصادية، لكن ونظرا لطبيعة النظام فإنها ستتخذ حتما طابعا سياسيا وثوريا على نحو متزايد.

في نيجيريا، نظم العمال سلسلة من الإضرابات العامة (ثماني إضرابات خلال الثمانية سنوات الأخيرة!)، مما أدى إلى شل البلاد وطرح مسألة السلطة، لكنها تعرضت مرة أخرى للخذلان من طرف القادة النقابيين. وفي جنوب أفريقيا أيضا، نظمت الحركة العمالية القوية إضرابات عامة الواحد منها بعد الآخر، وخاصة في الآونة الأخيرة في يونيو 2007 وغشت 2008. كما رأينا تحركات مثيرة للإعجاب من جانب العمال في المغرب، والأردن، ولبنان، وأيضا في إسرائيل، معقل الرجعية في الشرق الأوسط. كما كانت هناك تحركات جماهيرية للعمال والفلاحين في باكستان والهند وبنغلاديش، والنيبال حيث أدت إلى الإطاحة بالنظام الملكي.

تعيش أمريكا اللاتينية مخاض حركة ثورية من تييرا ديل فويغو إلى ريو غراندي وتقف فنزويلا في الطليعة. ولم تضع نداءات هوغو تشافيز من أجل الاشتراكية هباء، ففكرة الاشتراكية عادت مرة أخرى إلى جدول الأعمال. في بوليفيا والإكوادور تتقدم الحركة الجماهيرية ضد الرأسمالية والإمبريالية على الرغم من المقاومة الشرسة للأوليغارشيات المدعومة من واشنطن. من الضروري أن يدرج على رأس جدول الأعمال النضال من أجل سياسة عمالية، ومن أجل التضامن الأممي البروليتاري، والنضال من أجل الاشتراكية باعتبارها الحل الدائم الوحيد لمشاكل الجماهير.

إننا نطالب بما يلي:

  1. الإلغاء الفوري لكل ديون العالم الثالث.
  2. فلتسقط الإقطاعية والرأسمالية!
  3. من أجل مصادرة ممتلكات كبار الملاكين العقاريين وتطبيق إصلاح زراعي. تسيير المزارع الكبرى، حيثما أمكن، على أساس جماعي، باستخدام الطرق الحديثة في الزراعة لزيادة الإنتاج.
  4. التحرر من السيطرة الإمبريالية! تأميم ملكيات الشركات المتعدد الجنسيات.
  5. من أجل برنامج عاجل للقضاء على الأمية، وخلق قوة عاملة مؤهلة ومتعلمة.
  6. من أجل الحق في الحصول على خدمة صحية مجانية وشاملة للجميع.
  7. فليسقط اضطهاد المرأة! المساواة القانونية والاجتماعية والاقتصادية الكاملة للنساء!
  8. فليسقط الفساد والاضطهاد! من أجل الحصول على كامل الحقوق الديمقراطية والإطاحة بالسماسرة المحليين للإمبريالية.

فلتسقط الإمبريالية!

الميزة الأكثر لفتا للنظر في الوضع الراهن هي الفوضى والاضطرابات التي اجتاحت العالم بأسره. هناك عدم استقرار على جميع الأصعدة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. في كل مكان هناك حرب أو تهديد باندلاع حرب: وقد أعقب غزو أفغانستان احتلال أكثر دموية وإجرامية للعراق. وهناك حروب في كل مكان: في البلقان وفي لبنان وقطاع غزة والحرب في دارفور وفي الصومال وأوغندا. في الكونغو تم ذبح حوالي خمسة ملايين شخص خلال السنوات القليلة الماضية، بينما وقفت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المزعوم موقف المتفرج.

قامت واشنطن المدركة لقوتها الهائلة، باستبدال الدبلوماسية “العادية” بالبلطجة الأكثر وقاحة. ورسالتها همجية واضحة: “افعلوا كما نقول لكم، أو أننا سوف نقصفكم ونغزوكم”. وقد كشف الرئيس الباكستاني السابق ، الجنرال برويز مشرف، أنه بعد وقت قصير من وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، هددت الولايات المتحدة بقصف بلاده و”إعادته إلى العصر الحجري”، إذا لم يبد تعاونه في محاربة الإرهاب و طالبان. والآن ذهب مشرف إلى حال سبيله والقوات الجوية الأمريكية تقصف أراضي باكستان فعلا.

غزت الامبريالية الأمريكية العراق تحت ذريعة كاذبة بأنه يمتلك أسلحة للدمار الشامل. وقالوا إن صدام حسين كان دكتاتورا وحشيا يمارس القتل والتعذيب ضد شعبه. والآن تجد الأمم المتحدة نفسها مجبرة على الاعتراف بأن القتل الجماعي والتعذيب في العراق المحتل صار واقعا يوميا. ووفقا لاستطلاع للرأي أجري مؤخرا يعتقد 70 % من العراقيين أن الحياة صارت أسوء الآن مما كانت عليه في عهد صدام.

لقد أدت “الحرب على الإرهاب” إلى اندلاع مزيد من الإرهاب على الصعيد العالمي أكثر من أي وقت مضى. وفي كل مكان تضع الامبريالية الأمريكية قدمها فيه تتسبب في أشد أشكال التدمير والمعاناة. تذكرنا مشاهد الموت والدمار المروعة في العراق وأفغانستان بعبارة المؤرخ الروماني تاسيتوس الذي قال: “عندما خلقوا الهمجية أسموها السلام”. لكن ليست قوة الإمبراطورية الرومانية بالمقارنة مع جبروت الامبريالية الأمريكية سوى لعبة أطفال. وقد عملت واشنطن التي لم تكتف بتدمير العراق على تهديد سوريا وإيران، وحملت الاضطرابات إلى آسيا الوسطى. إنهم يحاولون باستمرار الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا في فنزويلا، واغتيال الرئيس تشافيز، ويخططون لتحويل كوبا مرة أخرى إلى شبه مستعمرة وتنظيم أعمال إرهابية ضدها. يشعر معظم الناس بالاشمئزاز من هذه الأعمال الوحشية. و يبدو أن العالم قد سقط فجأة في لجة الجنون. لكن مثل هذا القول لا طائل منه ويؤدي إلى نتائج عكسية. لا يمكن تفسير الوضع الحالي الذي تواجهه البشرية على أنه تعبير عن الجنون أو عن نوازع شر متأصلة في الرجال والنساء. لقد سبق للفيلسوف الكبير سبينوزا أن قال ذات مرة: “لا تبكي ولا تضحك، لكن إفهم!” وهذه نصيحة جيدة جدا، لأننا إذا لم نكن قادرين على فهم العالم الذي نعيش فيه، لن نكون أبدا قادرين على تغييره. ليس التاريخ بدون معنى، بل يمكن تفسيره والماركسية توفر تفسيرا علميا له.

من العبث أن ننظر إلى الحرب من وجهة نظر عاطفية. وقد سبق لكلاوزفيتز أن أشار منذ فترة طويلة إلى أن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى. إن هذه الفوضى الدموية تعكس شيئا ما. إنها انعكاس للتناقضات الغير القابلة للحل التي تواجه الامبريالية على النطاق العالمي. إنها تشنجات نظام اجتماعي واقتصادي يجد نفسه في طريق مسدود. لقد شهدنا حالات مماثلة لهذا من قبل في تاريخ العالم، كما كان الحال خلال مرحلة الانحطاط الطويلة للإمبراطورية الرومانية أو مرحلة تراجع الإقطاع. إن الاضطراب العالمي الحالي ليس سوى انعكاس لحقيقة أن النظام الرأسمالي قد استنفد كل إمكاناته التاريخية ولم يعد قادرا على تطوير القوى المنتجة كما كان في الماضي.

احتضار الرأسمالية، المحاصرة بتناقضات غير قابلة للحل من جميع الجهات، تجد تعبيرها في النزعة الإمبريالية الأكثر وحشية على الإطلاق التي شهدها العالم. يستهلك سباق التسلح المتسارع جزءا متزايدا من الثروة التي تنتجها الطبقة العاملة. وتنفق الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي الآن القوة العظمى الوحيدة في العالم، نحو 600 مليار دولار كل عام على التسلح. مما يمثل تقريبا 40 % من مجموع النفقات العسكرية العالمية. بينما تمثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا نحو 5 % لكل منها، في حين أن روسيا، وبشكل لا يصدق، لا تمثل سوى 6 %. إن هذا الوضع يشكل خطرا على مستقبل البشرية.

إن المبالغ الهائلة التي تنفق على التسلح، يمكنها لوحدها أن تكون كافية لحل مشكلة الفقر في العالم. ووفقا لبعض التقديرات بلغت التكلفة الإجمالية للحرب في العراق وحدها 3 تريليون دولار. يعرف الجميع أن هذا جنون. لكن نزع السلاح لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إحداث تغيير جذري في المجتمع. ولا يمكن القضاء على الإمبريالية إلا عن طريق القضاء على الرأسمالية وعلى سيادة الأبناك والاحتكارات، وإقامة نظام عالمي عقلاني، مستند إلى متطلبات الشعب، وليس الصراع النهم على الأسواق والمواد الخام ومناطق النفوذ، والذي هو السبب الحقيقي للحرب.

نحن نطالب بما يلي:

  1. معارضة الحرب الرجعية التي تشنها الإمبريالية.
  2. الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية من العراق وأفغانستان.
  3. تخفيض كبير في نفقات التسلح وتطبيق زيادة كبيرة في الإنفاق الاجتماعي.
  4. الحقوق المدنية الكاملة للجنود، بما في ذلك الحق في الانضمام إلى النقابات والحق في الإضراب.
  5. الدفاع عن فنزويلا وكوبا وبوليفيا ضد المخططات العدوانية الأمريكية!
  6. ضد العنصرية! ومن أجل الدفاع عن حقوق جميع الشعوب المضطهدة والمستغلة! ومن أجل وحدة جميع العمال، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الجنسية أو الدين.
  7. من أجل نزعة أممية بروليتارية! يا عمال العالم اتحدوا!

من أجل عالم اشتراكي!

لا يمكن للسوق أن يخضع للتخطيط أو التنظيم. إنه لا يستجيب للتدابير التي تتخذها الحكومات الوطنية. وقد كاد رئيس البنك الدولي أن يقر بهذه الحقيقة عندما قال: “إن قمة السبع الكبار لا تعمل. نحن في حاجة إلى مجموعة أفضل لوقت أفضل “. لكن الوقت الأفضل لا يبدو في الأفق. ولا يمكن لصندوق النقد الدولي ربما الاكتتاب في العالم بأسره. والأزمة التي صارت اليوم واقعا، تشمل جميع أنحاء العالم. ولا يمكن لأي بلد الفرار من شباكها. إن الأزمة أزمة عالمية وبالتالي فإنها تتطلب حلا عالميا. والاشتراكية وحدها من تقدم الحل.

في العصور الوسطى كان الإنتاج يقتصر على السوق المحلية. وكان مجرد نقل البضائع من بلدة إلى أخرى يتطلب دفع الرسوم الجمركية والضرائب وغيرها. وقد كان إلغاء هذه القيود الإقطاعية وإقامة السوق الوطنية والدولة القومية الشرط المسبق لتطور الرأسمالية الحديثة. لكن خلال القرن الواحد والعشرين صارت الدول القومية والسوق الوطنية ضيقة للغاية لاحتواء التطور الرائع للصناعة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا. وانطلاقا من مجموعة من الاقتصاديات الوطنية نشأت السوق العالمية. كان كارل ماركس قد تنبأ بهذا بشكل بارع في البيان الشيوعي قبل أكثر من 150 عاما مضت. إن الهيمنة الساحقة للسوق العالمية هي الآن أهم سمة من سمات العصر الحديث.

في أيام شبابها لعبت الرأسمالية دورا تقدميا في القضاء على الحواجز والقيود الإقطاعية البالية وخلق سوق وطنية. وفي وقت لاحق أدى توسع الرأسمالية إلى إنشاء السوق الرأسمالية العالمية، وهيمنة السوق العالمية هو أهم سمة من سمات العصر الحديث. إن ظهور العولمة تعبير عن حقيقة أن نمو القوى المنتجة قد تجاوز الحدود الضيقة للدولة القومية. لكن ومع ذلك فإن العولمة لا تلغي تناقضات الرأسمالية، بل فقط تعيد إنتاجها على نطاق أوسع بكثير. نجحت الرأسمالية لبعض الوقت في التغلب على تناقضاتها من خلال زيادة التجارة العالمية (العولمة). وللمرة الأولى في التاريخ وضع العالم كله في بوتقة السوق العالمية. حيث عثر الرأسماليون على أسواق جديدة وسبل استثمار في الصين وبلدان أخرى. لكن كل هذا قد وصل الآن إلى حدوده القصوى.

الأزمة الحالية هي، في آخر التحليل، تعبير عن تمرد القوى المنتجة ضد قيود الملكية الخاصة والدولة القومية. إن الأزمة الحالية عالمية بطبيعتها. وتظهر العولمة نفسها بكونها أزمة عالمية للرأسمالية. من المستحيل إيجاد حل لها على أساس وطني. كل الخبراء متفقون على أنه لا يمكن حل المشاكل التي تواجه كوكب الأرض على أساس وطني. ولقد تفاقمت مشكلة الجوع في العالم بشكل كبير بسبب إنتاج الولايات المتحدة للوقود البيئي. ولا يخدم هذا سوى مصلحة الشركات الزراعية الكبرى، لا غير. فقط الاقتصاد العالمي المخطط هو ما سيمكن من وضع حد لهذا الجنون.

بسبب الجشع الذي لا ينضب من أجل الربح، وضع النظام الرأسمالي الكوكب كله في خطر. إن النظام الاقتصادي الذي يدمر الكوكب بحثا عن النهب، ويدمر البيئة، ويقضي على الغابات المطيرة، ويلقي السموم في الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والطعام الذي نأكله، هو نظام لا يستحق البقاء. الطرق في مدننا الكبيرة مختنقة بالسيارات الخاصة. وقد أدت الاختناقات المرورية سنة 2003 وحدها إلى إضاعة سبعة ملايير ساعة وإهدار خمسة ملايير غالون من الوقود. إن عدم وجود تخطيط يؤدي إلى انهيار البنية التحتية للنقل، وتدهور البيئة بسبب انبعاث الغازات المسئولة عن الاحتباس الحراري وتلوث الهواء، ما بين 60-70 % منها ينجم عن السيارات وغيرها من المركبات.

هذا بغض النظر عن التكلفة البشرية الهائلة الناجمة عن هذا الجنون: الحوادث، والأشخاص الذين قتلوا وشوهوا على الطرق، والتوتر الذي لا يطاق، والظروف الغير الإنسانية، والضجيج والفوضى. إن الخسائر في الإنتاجية ضخمة للغاية. لكن يمكن حل كل هذا بسهولة من خلال اعتماد نظام متكامل للنقل ذو النوعية الجيدة المجاني أو الشبه المجاني. وينبغي أن تكون وسائل النقل الجوي والطرقي والسكك الحديدية والنقل النهري في ملكية قطاع عام متكامل بشكل عقلاني لتلبية الاحتياجات الإنسانية.

استمرار الرأسمالية لا يشكل فقط تهديدا لمناصب الشغل ومستويات المعيشة، إنه تهديد لمستقبل كوكب الأرض والحياة على الأرض.

هل هذا حلم طوباوي؟

من خلال زيادة المشاركة في الأسواق العالمية، حققت البنوك والرأسماليون أرباح فاحشة في الفترة الماضية. لكن هذه العملية قد وصلت الآن إلى حدودها. وجميع العوامل التي ساعدت على دفع الاقتصاد العالمي صعودا في الفترة الماضية قد اجتمعت الآن لدفعها إلى الأسفل. والطلب، الذي توسع بشكل مصطنع عن طريق انخفاض معدلات الفائدة في الفترة الماضية، قد انهار الآن بشكل حاد. تعكس شدة “التصحيح” انهيار الثقة المبالغ فيها و”الوفرة الغير عقلانية” التي ميزت الفترة السابقة.

تماما كما كان الحال عليه في مرحلة الإقطاعية صارت الحواجز القديمة، والرسوم في الطرق، والضرائب المحلية والعملات، عقبات لا تطاق في وجه تطوير القوى المنتجة، وبالتالي فإن الدول القومية الحالية مع حدودها الوطنية وجوازات السفر وضوابط الاستيراد، والقيود المفروضة على الهجرة والتعريفات الجمركية الحمائية أصبحت حواجز تعيق حرية حركة البضائع والبشر. إن التطور الحر للقوى المنتجة – الذي يشكل الضمان الحقيقي الوحيد لتطوير الحضارة الإنسانية والثقافة- يتطلب إلغاء كل الحدود وإنشاء رابطة تعاون بين شعوب العالم.

مثل هذا التطور لن يكون ممكنا إلا في ظل الاشتراكية. والشرط المسبق لتحقيقه هو إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتطبيق ملكية مشتركة للأرض والبنوك والصناعات الكبرى. إن خطة مشتركة للإنتاج هي السبيل الوحيد لتعبئة الإمكانات الهائلة للصناعة والزراعة والعلوم والتقنية. سيعني هذا نظاما اقتصاديا يقوم على الإنتاج لتلبية احتياجات الأغلبية وليس تحقيق الأرباح للأقلية.

ومن شأن أوروبا اشتراكية، وفدرالية اشتراكية في أمريكا اللاتينية، أو في الشرق الأوسط، أن يفتح آفاقا جديدة هائلة للتطور البشري. والهدف النهائي هو إقامة فدرالية اشتراكية عالمية، حيث ستتم تعبئة وتسخير موارد الكوكب بأسره لصالح البشرية جمعاء. لتصير الحروب والبطالة والجوع والحرمان مجرد ذكريات مؤلمة من الماضي، مثل كابوس لا نكاد نتذكره.

يمكن للبعض أن يقول إن هذا مجرد حلم طوباوي، شيء لا يمكن أن يتحقق. لكن لو أننا شرحنا لفلاح من العصور الوسطى منظور الاقتصاد العالمي مع كل ما تحقق من أجهزة الكمبيوتر وإمكانية السفر إلى الفضاء، لكان رد فعله مشابها تماما. وعندما يفكر المرء في الأمر، هل تحقيق هذا صعب إلى تلك الدرجة؟ إن إمكانات القوى المنتجة تجعل من الممكن بسهولة حل جميع المشاكل التي تعذب الجنس البشري – من فقر وتشرد وجوع ومرض وأمية -. إن الموارد متوفرة، وكل ما نحتاج إليه هو نظام اقتصادي عقلاني يمكن من تعبئتها.

إن الشروط الموضوعية للاشتراكية موجودة بالفعل. هل هذا حقا حلم طوباوي؟ وحدهم الأشخاص المتشككون الأكثر ضيقا للأفق، والذين ليست لديهم أية معرفة بالتاريخ أو رؤية للمستقبل، من يمكنهم أن يقولوا ذلك. إن السؤال الذي ينبغي طرحه هو: هل من المقبول، في العقد الأول من القرن 21، أن يتم التقرير في الحياة وفرصة العمل والحق في المأوى لكل شخص في هذا العالم بنفس الطريقة التي يرمي بها المقامر النرد في الكازينو؟ هل نعتقد حقا أن الإنسانية لا يمكنها أن تبتكر نظاما أفضل من لعبة قوى السوق العمياء؟

لا يمكن للمدافعين عما يسمى بالسوق الحرة إنتاج أية حجة معقولة يمكنها أن تبرر مثل هذا الافتراض الأخرق. وبدلا من تقديم حجة منطقية يلجئون فقط إلى القول بأن هذه هي الحالة الطبيعية والحتمية للأمور، وأنه لا يوجد أي بديل على كل حال. هذه ليست حجة متماسكة بل فقط حكم مسبق أعمى. إنهم يأملون أن يؤدي تكرار نفس المزاعم باستمرار إلى جعل الناس يصدقونها في النهاية. ولكن الوقائع نفسها كشفت زيف الكذبة القائلة بأن ” اقتصاد السوق الحرة يعمل”. إن تجربتنا الخاصة، والأدلة أمام أعيننا تخبرنا أنه نظام لا يعمل، وأنه نظام التبذير والفوضى والهمجية التي تدمر حياة ملايين البشر من أجل تحقيق أرباح الأقلية.

يقف النظام الرأسمالي مدانا لأنه ليس قادرا حتى على إطعام سكان العالم. واستمرار وجوده يهدد مستقبل الحضارة والثقافة، بل ويهدد حتى استمرار الحياة نفسها. يجب على النظام الرأسمالي أن يموت من اجل أن يعيش الجنس البشري. خلال المجتمع الاشتراكي المستقبلي، سينظر الرجال والنساء الأحرار إلى الوراء إلى عالمنا الحالي بنفس مشاعر عدم التصديق التي تنتابنا عندما نفكر في عالم أكلة لحوم البشر. وبالنسبة لأكلة لحوم البشر يبدو العالم الذي لا يأكل فيه الرجال والنساء بعضهم البعض مجرد عالم طوباوي.

أزمة القيادة

سنة 1938 كتب تروتسكي ما يلي: «إن شتى أنواع الثرثرة حول عدم “نضج” الشروط الموضوعية للاشتراكية ليست إلا حصيلة الجهل، أو ضرب من الخداع الواعي. فالمقدمات الموضوعية للثورة البروليتارية ليست ناضجة وحسب، بل أخذت تتعفن. بدون الثورة الاشتراكية في الفترة التاريخية القادمة، تتعرض الحضارة الإنسانية بكاملها لخطر الكارثة. كل شيء مرهون بالبروليتاريا، أي بطليعتها الثورية في المقام الأول. إن الأزمة التاريخية التي تعاني منها الإنسانية تتلخص في أزمة القيادة الثورية.»

لقد شيدت الطبقة العاملة منذ فترة طويلة أحزابها للدفاع عن مصالحها وتغيير المجتمع. بعض تلك الأحزاب تدعى اشتراكية والأخرى عمالية، أو شيوعية أو يسارية. لكن أيا منها لا يدافع عن سياسة شيوعية أو اشتراكية. وقد حكمت مرحلة الازدهار الطويلة التي عرفها النظام الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية على قيادة المنظمات الجماهيرية للبروليتاريا بالانحطاط البيروقراطي والإصلاحي. وقع زعماء النقابات العمالية، فضلا عن قادة الأحزاب الاشتراكية والشيوعية، تحت ضغط البرجوازية وتخلى معظمهم منذ فترة طويلة عن كل انتماء إلى قضية تغيير المجتمع.

اندمج قادة الأحزاب العمالية التقليدية والاشتراكية الديمقراطية تماما بالرأسماليين ودولتهم. لقد اضطروا، ضد رغبتهم، إلى تأميم البنوك، لكنهم فعلوا ذلك بطريقة مكنت أصحاب الأبناك من الحصول على منافع هائلة وليس خدمة مصالح المجتمع. نحن نطالب بتأميم القطاع البنكي والقطاع المالي بأكمله، بدون تعويض إلا على أساس الحد الأدنى وفقط في حالة إثبات الحاجة.

لقد تخلى قادة الأحزاب الشيوعية السابقة في روسيا وأوروبا الشرقية وبلدان أخرى كثيرة تماما عن البرنامج الثوري لماركس ولينين. ونحن نواجه التناقض الصارخ المتمثل في أنه بالضبط في اللحظة التي تعيش فيها الرأسمالية في أزمة في كل مكان، وحيث يبحث ملايين الرجال والنساء عن إحداث تغيير جذري في المجتمع، نجد قادة المنظمات الجماهيرية يتشبثون بعناد أكبر بالنظام القائم. وكما أشار تروتسكي منذ زمن طويل : يتميز الوضع السياسي العالمي في مجمله أساسا بأزمة تاريخية للقيادة البروليتارية.

لا يجوز للقادة الذين يتحدثون باسم الاشتراكية والطبقة العاملة، أو حتى “الديمقراطية”، ترؤس عمليات الإنقاذ الضخمة للبنوك الخاصة، والتي تعني زيادة كبيرة في الدين العام من شأنها أن تؤدي إلى سنوات من الاقتطاعات والتقشف. لقد تم ذلك باسم “المصلحة العامة”، لكنه في الواقع إجراء لخدمة مصالح الأغنياء وضد مصالح الأغلبية. إلا أن هذا الوضع لا يمكنه أن يستمر.

لا يوجد أي بديل للطبقة العاملة خارج الحركة العمالية والنقابية. في ظل ظروف الأزمة الرأسمالية سوف تهتز المنظمات الجماهيرية من أعلى إلى أسفل. وبداية من النقابات العمالية سيتعرض قادة الجناح اليميني لضغوط من طرف القواعد. آنذاك إما سيخضعون لذلك الضغط ويبدءون في التعبير عن الضغط من الأسفل، وإلا فإنه سيتم طردهم والاستعاضة عنهم بقادة أكثر ارتباطا بوجهات نظر العمال وتطلعاتهم. إن مهمتنا تتمثل في أن نحمل الأفكار الماركسية إلى الحركة العمالية وكسب الطبقة العاملة لأفكار الاشتراكية العلمية. قبل أكثر من 150 عاما مضت، أعلن ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي ما يلي :

«ما هي علاقة الشيوعيين بالبروليتاريين عموما ؟

لا يشكل الشيوعيون حزبا منفصلا في مواجهة الأحزاب العمالية الأخرى.

وليست لدبهم مصالح منفصلة عن مصالح عموم البروليتاريا.

وهم لا يطرحون مبادئ خاصة يريدون قَولَبَة الحركة البروليتارية بقالبها.

لا يتميز الشيوعيون عن الأحزاب البروليتارية الأخرى إلاّ بأنهم: أولا، خلال الصراعات القومية لبروليتاريي مختلف البلدان، يُبرزون ويُغلِّبون المصالح المشتركة للبروليتاريا بأسرها، بغض النظر عن جميع القوميات. ثانيا، يمثِّلون دائما وفي كل مكان مصالح مُجمل الحركة خلال مختلف مراحل التطور التي يمر منها صراع الطبقة العاملة ضد البرجوازية.

إن الشيوعيين إذن من جهة هم عمليّا الفريق الأكثر تقدما وحزما بين أحزاب الطبقة العاملة في جميع البلدان، الفريق الذي يدفع دوما كل الآخرين إلى الأمام، وهم من جهة أخرى يتميزون نظريا عن سائر جُموع البروليتاريا، بالفهم الواضح لخط سير الحركة البروليتارية ووضعها ونتائجها النهائية العامّة.»

يفهم الماركسيون دور المنظمات الجماهيرية. نحن لا نخلط بين القيادة وبين جماهير العمال الذين يقفون وراءها. هناك هوة واسعة تفصل بين الانتهازيين والوصوليين في القيادة وبين الطبقة التي تصوت لصالحهم. وسوف تبين الأزمة المتصاعدة هذه الهوة وستوسعها إلى أن تصل إلى نقطة الانهيار. لكن ومع ذلك، تتمسك الطبقة العاملة بالمنظمات الجماهيرية، على الرغم من سياسات القادة، لأنه لا يوجد بديل. لا تفهم الطبقة العاملة المنظمات الصغيرة. وقد فشلت جميع محاولات العصبويين فشلا ذريعا في خلق “أحزاب ثورية جماهيرية” خارج المنظمات الجماهيرية، وتلك المحاولات محكوم عليها بالفشل في المستقبل.

سنناضل ضد السياسات المفلسة وسنواجه القيادة القديمة. نحن نطالبهم بأن يقطعوا مع الأبناك والرأسماليين ويطبقوا سياسات لمصلحة العمال والطبقة الوسطى. في عام 1917 قال لينين والبلاشفة لزعماء المناشفة وحزب الاشتراكيين الثوريين: “اقطعوا مع البرجوازية، واحسموا السلطة!” لكن المناشفة والاشتراكيين الثوريين رفضوا بعناد الاستيلاء على السلطة. لقد تشبثوا بالبرجوازية، وبالتالي وفروا الظروف لانتصار البلاشفة. وعلى نفس المنوال، نحن ندعو هذه الأحزاب والمنظمات التي تستند على العمال وتتحدث باسمهم، إلى القطع سياسيا مع البرجوازية والكفاح من أجل تشكيل حكومة اشتراكية ببرنامج اشتراكي.

سوف نقدم دعما نقديا للأحزاب العمالية الجماهيرية ضد أحزاب أصحاب الأبناك والرأسماليين. لكننا نطالبهم بأن يطبقوا سياسات في مصلحة الطبقة العاملة. ليست هناك إمكانية لوقف السقوط بنهج التدابير الملطفة التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية. لن تقدم التدابير الجزئية أي حل. المشكلة هي أن قيادات المنظمات العمالية الجماهيرية في جميع البلدان ليس لديهم منظور لإحداث تغيير جوهري في المجتمع، لكن هذا بالضبط هو ما يستلزمه الوضع.

الوجود الاجتماعي يحدد الوعي. والطبقة العاملة بصفة عامة تتعلم من التجربة، وتجربة الأزمة الرأسمالية تعني أن الطبقة العاملة تتعلم بسرعة. ونحن سنساعد العمال على استخلاص الاستنتاجات الضرورية، ليس من خلال الاستنكارات الحادة بل عن طريق شرح صبور وعمل منهجي داخل المنظمات الجماهيرية. إن الناس يطرحون الأسئلة ويبحثون عن الأجوبة، ومهمة الماركسيين هي فقط تحويل الرغبة العفوية أو الشبه واعية للطبقة العاملة في تغيير المجتمع إلى رغبة واعية.

  1. فلنناضل ضد العصبوية!
  2. فلنتوجه إلى المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة
  3. فلنناضل من أجل تغيير النقابات!
  4. فلنناضل من أجل برنامج ماركسي!

ساعدونا على بناء التيار الماركسي الأممي!

ليست كافيا أن يقوم المرء بالشكوى من الوضع السائد في العالم، بل من الضروري الانتقال إلى الفعل! أما هؤلاء الذين يقولون : “إن السياسة لا تعنيني” فقد كان يجب أن يولدوا في زمن آخر. لا يمكن اليوم الهروب من السياسة. فقط حاول! يمكن لك أن تفر إلى منزلك، وتقفل الباب على نفسك، وتختبئ تحت السرير. لكن السياسة ستأتي إلى منزلك وتدق بابك. إن السياسة تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا. المشكلة هي أن الكثير من الناس يخلطون بين السياسة وبين الأحزاب السياسية الموجودة وقادتها، فيلقون نظرة واحدة على البرلمانات، والوصولية، والخطب الفارغة والوعود الكاذبة فيصيبهم النفور.

يصل الفوضويون إلى الاستنتاج بأننا لا نحتاج الى حزب. وهذا خطأ. فإذا كان بيتي آيل للسقوط، لا يجب علي أن أستخلص أنه علي النوم في الشارع، بل لا بد لي أن أبدء على وجه السرعة في إصلاحه. وإذا كنت غير راض على القيادة الحالية للنقابات والأحزاب العمالية، فلا بد لي من الكفاح من أجل قيادة بديلة، تمتلك برنامجا وسياسة تتوافق مع احتياجاتي.

إن التيار الماركسي الأممي يناضل من أجل الاشتراكية في أربعين بلدا في القارات الخمس. نحن نقف بحزم على أسس الماركسية. إننا ندافع عن الأفكار والمبادئ الأساسية والسياسات والتقاليد التى وضعها ماركس وانجلز ولينين وتروتسكي. في الوقت الحاضر ما يزال صوتنا ضعيفا. لقد كنا نحن الماركسيون مجبرين لفترة طويلة على السباحة ضد التيار. وقد أثبت التيار الماركسي الأممي قدرته على الصمود في ظل الظروف المعاكسة. لكننا الآن نسبح في الاتجاه الموافق لتيار التاريخ. وقد أكد مسار الأحداث جميع منظوراتنا. إن هذا يعطينا ثقة لا تتزعزع في أفكار وأساليب الماركسية، وفي الطبقة العاملة وفي المستقبل الاشتراكي للبشرية.

بدءا من العمال والشباب الأكثر تقدما سوف يصل صوتنا إلى جماهير العمال في كل مصنع، وكل نقابة، وكل لجنة عمالية، وكل مدرسة وجامعة، وكل حي عمالي. وللقيام بهذا العمل نحن بحاجة إلى مساعدتكم. نحن بحاجة إلى أشخاص لكتابة المقالات، وبيع الجرائد وجمع المساهمات المالية، وإنجاز العمل في النقابات العمالية والحركة العمالية. في درب النضال من أجل الاشتراكية، ليست هناك مساهمة صغيرة ويمكن لأي شخص أن يلعب دورا. إننا نريد منكم أن تلعبوا دوركم أنتم أيضا. لا تتوهموا أنه ليس في إمكانكم أن تخلقوا أي فرق. فنحن معا، بمجرد ما ننتظم، يمكننا إحداث فرق جوهري.

تمتلك الطبقة العاملة في يدها سلطة هائلة. فبدون إذن العمال لا يمكن لأي مصباح أن يضيء، ولا لعجلة أن تدور، ولا لهاتف أن يرن. المشكلة هي أن العمال لا يدركون أنهم يمتلكون هذه السلطة. ومهمتنا هي أن نساعدهم على إدراكها. سوف نناضل من أجل كل إصلاح وكل تقدم مهما كان صغيرا، وذلك لأنه فقط من خلال النضال من أجل التحسينات في ظل الرأسمالية سيتمكن العمال من اكتساب الثقة اللازمة في قدرتهم على تغيير المجتمع.

في كل مكان بدأ مزاج الجماهير في التغير. هناك في أمريكا اللاتينية غليان ثوري سوف يتكثف ويمتد إلى قارات أخرى. وفي بريطانيا والولايات المتحدة، وغيرهما من الدول الصناعية الأخرى، بدأ الآن العديد من الناس الذين لم يكونوا سابقا يشككون في النظام الاجتماعي القائم، في طرح الأسئلة. والأفكار التي كانت في السابق تسمع من قبل أعداد صغيرة فقط ستجد لها صدى بين جمهور أوسع نطاقا بكثير. وبدأ يجري إعداد الأرض لتصعيد غير مسبوق في الصراع الطبقي على الصعيد العالمي.

عندما انهار الاتحاد السوفيتي قيل لنا إن التاريخ قد انتهى. لكن على العكس من ذلك إن التاريخ لم يبدأ بعد. في غضون عشرين سنة فقط أظهرت الرأسمالية نفسها بكونها مفلسة تماما. ومن الضروري النضال من أجل بديل اشتراكي! إن هدفنا هو إحداث تغيير ثوري في المجتمع والنضال من أجل الاشتراكية على الصعيدين الوطني والأممي. نحن نناضل من أجل أكثر القضايا أهمية: قضية تحرر الطبقة العاملة وإقامة نموذج جديد وأسمى للمجتمع البشري. وهذه هي القضية الوحيدة التي تستحق حقا أن يعيش المرء من أجلها في القرن الواحد والعشرين.

التحقوا بنا!

التيار الماركسي الأممي
الثلاثاء: 04 نوفمبر 2008


هوامش:

[1] : تمت الترجمة بالاعتماد على النص الموجود بموقع أرشيف الماركسيين على الانترنت، مع بعض التعديلات.-المترجم-

[2] : هو الابن المفضل (لزيوس)، في الأساطير اليونانية، وقد عوقب بسبب تضحيته بابنه بيلوبس بالوقوف في الماء حتى رقبته، تتدلى أغصان الفواكه الرطبة ذات الرائحة العطرة فوقه، لكنه حينما كان يريد أن يطفئ عطشه، كان الماء يتدفق بعيداً عنه، وحين كان يريد أن يشبع جوعه ويمد يديه ليقطف فاكهة كانت الأغصان تبتعد عنه. -المترجم-

عنوان النص بالإنجليزية:

The Crisis: Make the bosses pay! – Manifesto of the International Marxist Tendency

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *